أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - هل التراث والنص بشع أم نحن من نمتلك البشاعة - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 31 )















المزيد.....


هل التراث والنص بشع أم نحن من نمتلك البشاعة - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 31 )


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3518 - 2011 / 10 / 16 - 12:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تناولت فى هذه السلسلة من " الدين عندما ينتهك إنسانيتنا " نقد لتأثير التراث الدينى على واقعنا المعاش وكيف أن حضور التراث الدينى وهيمنته كفيل بأن يشوه وينال من إنسانيتنا وحريتنا وكرامتنا ... بالطبع النقد موجه لما يحتويه التراث من بشاعة وتصادم مع واقعنا ليس على المستوى المعرفى والإدراكى بل على مستوى المنظومة السلوكية والقيمية والأخلاقية , وهو نقد لا يؤسسه كراهية وعداوة لتراث كما يظن الباحثون عن نظرية التآمر التى تبرر لهم تمرير هشاشة تراثهم وهوانه وبلعه .. فلا عداء لتاريخ فهكذا كان وعى وثقافة إنسان قديم ودرجة تطوره الحضارى والموضوعى ولكن النقد يكون حاضراً بقوة عندما نجد إسقاط لمفاهيم ورؤى وسلوكيات التراث القديم لتتصادم مع واقعنا المعاصر .

لو حاولنا أن نرصد أوجه البشاعة فى التراث الدينى فسنحظى على حمولة هائلة منها .. ولو تأملنا سلوك المتأسلمين سنجد البشاعة تنضح وتفيض .. فهل النص والتراث بشع فأصبحنا نمارس سلوك بشع .. أم هم بشعون فبحثوا عن نصوص بشعة تمرر بشاعتهم .. أم هم ضحايا ظروف موضوعية تعايشوها بمعاناة وجهل معا ً فبحثوا عن تنفيس لحالة غضبهم فوجدوا نصا ً وتراثاً بشع مارسوا فى مظلته بشاعتهم .. القضية ببساطة هى العلاقة الجدلية بين الثقافة والسلوك وأيهما يمنح الآخر الزخم والمدد .
دعونا نتأمل بعض المشاهد لنستشف منها من أين تتولد البشاعة وكيف يكون لها حضور ...

* القصاص بين القبول والنفور .
فى مقال "حكمت المحكمة - القصاص فى الشريعة بين القبول والإدانة " تناولت قضية مطالبة فصائل الإسلام السياسى تطبيق الحدود الإسلامية وتعرضت لبيان مدى خطورة هذا الوضع كونه يشوه سلوكيات الإنسان ويدفعه لإعتياد القسوة المفرطة ورؤية الدم فتنتفى من داخله أى رهبة للعنف والقسوة .. كما تعرضت فى السياق إلى أن هناك من يطرب لمشاهدة القسوة وتدافع نوافير الدم ليطالب بحضورها وتطبيقها .!
لسنا بصدد تقييم عدالة وإنسانية هذا القصاص أو كونه عملية عنف ثأرية إنتقامية بشكل غير مبرر أو أنه يُصعد نزعة العنف والبرود والتبلد داخل الإنسان نتيجة الإعتياد على مثل هكذا مشاهد , ولكن سنلقى الضوء على التناقض فى إستقبال مشاهد القصاص من قطع الرقبة والاطراف والرجم حتى الموت لنجد أن هناك من يطيق مشاهدة هذا المشهد ببرود شديد بل يُهلل ويُكبر له بينما نجد آخرون غير مسلمين قد إنتفضوا من رؤية هذه المشاهد ويزداد الأمر غموضا عندما نجد مسلمون آخرون ينتفضون من رؤية نوافير الدم المنطلقة فتؤذيهم وتزلزل كيانهم ليكون لهم تَحفظهم على تطبيق الشريعة الإسلامية بالرغم من كونهم مسلمين !... يعنينا هنا التباين فى إستقبال هذا الفعل الدموى فهناك من يستقبله كمشهد ذبح نعجة و يهلل له وهناك من يصرعه ولا يطيق إحتماله .
القصاص بهكذا فعل وعلى مشهد من حضور هو بشع , ولكن هناك من إستقبل البشاعة وهلل لها وهناك من إنتفض ألما وذعرا من رؤيتها .. فمامعنى أن نجد غير المسلمين لا يتحملون هذه المشاهد بينما المتأسلمون يتحملونها ويهللون لها , ومامعنى أن هناك مسلمين عاديين لا يطيقون مشاهد القصاص وينتفضون إزاءه - فهل هناك بشعون إستقبلوا البشاعة بصدر فرح ومهلل وهناك ما لم تطولهم البشاعة .؟!

* مشهد ضرب الزوجات
وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا
هى آية ورخصة واضحة بضرب النساء بغض النظر عن كون هذا الضرب مُبرح أو غير مُبرح أو يتم بمسواك أو يد مقشة ولكن هناك الكثير من الرجال المسلمين لا يمارسون ضرب زوجاتهم , فهل يرجع هذا أن نسائهن مثاليات أم أن هذا النهج فى التعامل غير وارد فى ذهنية الرجل المسلم المتحضر .
هنا النص يتسم بالبشاعة فنجد مسلمون يمارسون إهانة زوجاتهم وضربهم واهانتهم بينما يعزف آخرون عن هذا الفعل بالرغم أن الفصيلين مسلمان ولديهما نفس الإيمان بتلك الآية .. فهل من المنطقى القول أن الذى يعزف عن ضرب زوجته لديه إمرأة ملائكية الطباع ليست كالنسوة التى فى حوزة من يمارس ضربهن !! .

بالمثل الإسلام منح الرجل رخصة الزواج من أربعة ولكن الكثير من المسلمين يعزفون عن هذه الرخصة ويحافظون على زوجة واحدة فهل هى قلة حيلة منهم أم هناك شهوة متقدة وفحولة زائدة لدى بعض المسلمين تطلب تعدد النساء لتنعدم عند الكثير من الرجال المسلمين وخصوصا فى المناطق الحضرية !! - أم هى ظروف مادية تحول دون ذلك - أم هى قناعة نفسية بزوجة واحدة - أم هو حرص على مشاعر الزوجة - أم أننا أمام ثقافة مجتمع نالت المرأة فيه بعض الكرامة لترفض أن تكون زوجة ثانية .. سنجد أن هناك ظروف تحول دون تحقيق هذه الرخصة وهناك أيضا من يرفضها عن قناعة , ولكن فى الوقت نفسه سنجد من يُفعل هذه الرخصة حتى وإن بدت ظروفه ليست أفضل حالا عن من إكتفى بزوجة واحدة ... فما السبب الذى يجعل بعض الرجال يمارس التعدد بينما يعزف رجال آخرون عن هذا ؟!

ضرب النساء هو نتاج مجتمع بشع ذو ثقافة ذكورية فجة وبشعة فأصبح الرجل فيها بشع يمارس فعل بشاعة من خلال تشبعه بثقافة تأسست على نص مررت بشاعته .. فمن يضرب زوجته هو بشع وجد نصاً يبيح له ذلك فمارس بشاعته , ومن يعزف عن الضرب هو لديه نفس النص ولكنه أدار ظهره له لأنه تخلى عن هذه الثقافة وتولدت لديه ثقافة بديلة .. من يهفو للزواج من عدة نساء ترك لشهواته المجال متكئاً على ثقافة منحته البحبوحة فى الممارسة فلم تقوضه ثقافة مغايرة كما أتاح له مجتمع ذكورى متحصن فى تراثه الدينى ممارسة هذه الرخصة بدون معاندة ... أما المسلم الذى أدار ظهره لهذه الرخصة فقد تسربت لديه ثقافة وظرف موضوعى مغاير فعزف عن ممارسة حق مُنح له .
ملحوظة ليست فى السياق ولكنها تلح للظهور .. الإسلام السياسى المؤدلج معنى بقضية واحدة أصيلة أن يسترد الرجل سطوته وهيمنته الذكورية وبحبوحته بدون موانع ومعوقات أمثال ما يتردد عن حقوق المرأة والإنسان والكرامة وكل هذه الأمور التى يراها جلبة فالغاية هو تمرير مزايا ذكورية وإسترداد هيمنة إهتزت .

* مشهد المجاهدين
رأيت فيديو لذبح رهينة غربية على يد جماعة الزرقاوى بالعراق ولعنت الدنيا وبصقت على جنس الإنسان عندما يصل لهذه الدرجة من البشاعة , فالرهينة تم تغطية وجهها ليقوم الذابح بنحره كالشاه وسط أنين المذبوح وتزداد المعاناة والقسوة المفرطة , فالذبح جاء بسكين نصله صغير غير حاد ليس كما فى مشهد السياف الذى يبتر الرأس فى ثانية .
المثير للدهشة أن الذابح قام بعملية الذبح بيد قوية غير مرتجفة وببرود شديد وكأنه يذبح نعجة والحاضرون إستقبلوا المشهد بتهليل وتكبير ... لست معنيا ًهنا بقضية الجهاد أو الإرهاب ولا يعنينى الذابح ذاته ولكننى معنى بالإنسان المُستقبل لمشهد ذبح إنسان من الوريد للوريد , لنجد أن هناك من يستقبل هذا المشهد بتهليل وتكبير لذا فهم بشعون وسنجد الكثير من المسلمين وغير المسلمين ينتفضون ويتألمون من مشاهدة هذا المشهد بغض النظر عن أن المذبوح يستحق الموت أم لا .
مشهد إحتراق البرجين بأكثر من 3 آلاف إنسان نلمح فئة من المسلمين هللت لهذا المشهد وشمتت فرحة فى تلك الفجيعة بينما نجد مسلمون آخرون تأسفوا وشاركوا العالم الإنسانى الحزن والأسى .. الفصيل الأول لديه مبرراته الإسلامية عن الجهاد ضد الكفار ورد الصاع صاعين والفصيل الثانى قد يجهل هذه الرؤية أو يحمل فى داخله منهج إنسانى جديد يدين الإرهاب والبشاعة .
مشهد تسونامى ليس بعيد عن الأنظار لنجد فصيل من المسلمين شمتت فى المنكوبين والضحايا كونهم كفرة يستحقون غضب الله , بينما نرى من تأسى لهذا المشهد المروع وأبدى تعاطفه للضحايا .

* مشهد أعداء الجمال .
قى مقال سابق من هذه السلسلة بعنوان " التتار قادمون " تعرضت لقضية تحريم الفنون لتدفع المتأسلمين إلى تحريم التصوير والفن التشكيلى من رسم ونحت و السعى إلى محاولة إزالتها والتعدى على الأعمال الفنية , ويصل الشطط مداه إلى الرغبة فى تشويه وإزالة الآثار المصرية القديمة .!
نعم يوجد مسلمون يعادون الفنون عموماً والفن التشكيلى على وجه الخصوص ويستندون إلى نصوص واضحة فيمتنعون عن التعاطى مع أجمل وأرقى واقدم فن انتجته البشرية بل يمكن ان يمارسوا فعل تعدى على أى عمل فنى .. بينما هناك مسلمون آخرون يستمتعون بالفن التشكيلى و يمارسونه أيضا .!
ما الذى جعل الفصيل الأول يمارس سلوك وفعل بشع تجاه الفن التشكيلى وأصحابه فهل هم بشعون أم أن تراثهم بشع أم أنهم وجدوا فى التراث البشع فرصة لممارسة بشاعتهم وتفريغ إحباطهم .. وما معنى إنصراف مسلمين آخرين عن ذلك .. هل يمكن القول بتأثير النص على الفئة الأولى وعزوف الفئة الأخرى عن التأثير والتعاطى معه .!

* مشهد الولاء والبراء
فى التراث العبرانى والإسلامى يوجد فقه الولاء والبراء وهو إبداء الموالاة والمحبة والتعاون مع المؤمن بذات إيماننا مع تصدير الكراهية والبغض والعداء لمن يخالفنا الإيمان , فلن يجد منا سوى التحقير والنبذ والكراهية .. رغماً عن هذا سنجد أن المسلمين واليهود لا يتعاطون مع هذا النهج على الدوام بل ينصرفون عنه فلم ينجح أن يقولب كل المسلمين واليهود فى هذا المنحى .. فلو إعتبرنا أن المسلمين مثلا يدركون فقه الولاء والبراء فليس معنى ذلك أنهم سيمارسون الكراهية والبغض ضد المسيحيين مثلا بل سنجد أن الكثير من المسلمين يحملون مشاعر ودية وإحترام تجاه المسيحيين .
لماذا إنصرف المسلم هنا عن فقه يصل لتصنيفه بأنه عمود من أعمدة الإيمان وبحث عن آية المودة الشهيرة " ولتجدن أقربهم مودة النصارى...." بالرغم أن الآية ترصد شعور النصارى ولا تتعهد بشعور مماثل بدليل فقه الولاء والبراء !!... هنا سنجد فقها ً بشعا ً يتبعه البعض وينصرف عنه الكثيرون فهل من اتبعه إنسان بشع وجد فيه ضالته ..حسنا ً وماذا عن الذى لم يتبعه وإنصرف عنه .؟!

يمكن فهم لماذا فقه الولاء والبراء فى الإسلام وما يناظره فى التراث العبرانى من نصوص مكدسة بالتوراة والتلمود تحمل النبذ والكراهية للآخر وتوصى بمعاملته بقسوة وعنف .. فالتراث الدينى ليس سيئاً شريراً هكذا بل هو تعبير عن رؤية وغاية يريد مُسطرها أن تتواجد .. فالإسلام واليهودية مشاريع سياسية بإمتياز لها غاياتها وأهدافها ..فإذا كانت الأولى تكرس لمشروع الإستيطان والأرض الموعودة فالثانية لها مشاريع توسعية لبناء الدولة الإسلامية , وفى ظل هذا المناخ العسكرى والرغبة فى تجييش الجماعة المؤمنة وشحذها للمشروع القتالى فلابد من تكريس نبذ الآخر المتمثل فى الخارج عن الجماعة وتصدير الكراهية له وعدم موالاته فهو عدو بحكم أنه آخر ,فالأمور لا تتحمل إلا أن تكون حادة وقاطعة فنحن أمام معركة لا تحتمل سوى تعبئة الجبهة الداخلية وتكريس القوة والتمايز للجماعة المؤمنة .

* مشهد إضطهاد الأقليات
تتعرض الأقليات فى العالم العربى لممارسة عمليات إضطهاد ونبذ وتعسف ليس من الجهات الرسمية ولكن من شرائح مجتمعية متأسلمة , فنجد فى مصر أن من يقوم بهدم الكنائس وحرقها هم أصحاب التيارات الأسلامية والسلفية تحت إدعاء رفضهم لترميم كنيسة أو إضافة قبة أو صليب لها !... فالمتأسلمون هنا حلوا مكان مؤسسات المجتمع المدنى بفرض الوصاية على الأقباط رافضين لأى حرية لممارسة حريتهم العبادية وبالطبع يمكن أن ندرك سبب هذه البشاعة التى تستمد من تراث وتاريخ وثقافة رافضة لحرية الآخر الإعتقادية .
هذا المشهد على بشاعته لا يجد حضور فى عقول وسلوك شرائح أخرى من المسلمين فلا يجدوا غضاضة فى ممارسة الأقباط حرية عبادتهم وترميم كنائسهم أسوة بالمسلمين ... ما الذى جعل فصيل من المسلمين يحظى بالبشاعة والتعنت وآخر يتسم بالتحضر والمدنية ؟!.. ما الذى جعل هناك غيرة وحمية تتولد لدى البعض تصل لكراهية الأقباط وممارسة تعسف وإضطهاد وعنف؟! -هل لأنهم إستدعوا تاريخ وثقافة وتراث قديم , ولكن لماذا عزف مسلمون آخرون عن ذلك .
لو قلنا أن التراث والتاريخ بشع فأنتج البشاعة أوتوماتيكيا فسنكون هنا غير منصفين ..نعم البشاعة متواجدة كنص وتراث دوما ً .. فلماذا وجد حضور وقبول فى جيلنا ولم يجد حضور فى أجيال سابقة ؟!.. ولماذا حظى على القبول عند المتأسلمين ولم يجد نفس القبول فى نفوس مسلمين آخرين ؟! ..هل هو سعى نفوس بشعة نتيجة ظرفها الموضوعى وجدت ملاذها فى تراث وتاريخ بشع فمارست بشاعتها بمظلة وبدم بارد ..أى أن القسوة والفظاعة متواجدة لتجد نص يؤدلج ويؤطر لممارسة فعل بشع .. هذا يدعونا للبحث عن سبب وجود بشر بشعون وهل النص التراثى الدينى برئ من الفعل البشع أم هو مُمهد لممارسة البشاعة وإحتضانها ..ولماذا لم يحظى الكثير من المؤمنين على هذا النهج السلوكى البشع .

النص فى تسطيره تعبير عن فكر ومنهجية إنسان قديم فى رؤيته للحياة والوجود وفقاً لوعيه ودرجة تطوره الحضارى , ولا تقف الأمور عند هذا الحد بل يعبر النص عن سلوك ومزاج وذوق ونهج هذا الإنسان فى الحياة لنجد حتى الصور الخيالية كفنتازيا الجنه الإسلامية على سبيل المثال لم تخرج مشاهدها عن صور واحلام وذوق إنسان صحراوى فى المتعة واللذة مستعيراً مشاهد من بيئته الصحراوية .... إذن النزعة التى تحتكم للسيف والنظرة الدونية للمرأة وكافة التشريعات والحدود القاسية جاءت فى سياقها المجتمعى دون أن تتجاوزه فهى نهج إنسانى له ظرفه الموضوعى الزمانى المكانى فى النهاية .
لا نستطيع القول بأن القدماء كانوا بشعيين إلا بمنظور عصرنا أو بتواجد قدماء عاصروهم أكثر تقدماً من قدمائنا ولكن ليست قضيتنا كونهم بشعون أم لا فهم أصبحوا تاريخ ..المشكلة جاءت من إستمرار البشاعة كمنهج وسلوك يحتذى به , فقد أصبحت للبشاعة ثقافة تجد حضورها فى الوعى الجمعى وتلقى بنفس حضورها القديم على واقع مغاير .

الذين ينصرفون عن التراث هم مسلمون إنتابتهم ثقافة جديدة تغلغلت فى أعماقهم وحلت مكان ثقافتهم القديمة .. تشبعوا بقيم حضارات و منظومات حضارية بحكم تعاظمها لتجد نزعات الحرية والإنسانية سبيلا لهم .. هيمنت ثقافة الحريات وحقوق الإنسان والمواطنة على منحى تفكيرهم فرفضوا الحدود القاسية والتفريق والعنصرية لأنها لا تتوافق مع قيمهم الإنسانية .. رفضوا ان يتعلموا الكراهية ويمارسونها كما فى فقه الولاء والبراء لأنها تتناقض مع مفهومهم الحداثى لحرية الإنسان وتعاون المجتمع الإنسانى .. رفضوا معاملة المرأة بقسوة لأنها إنسانة كاملة الأهلية إحترموها وفرض المجتمع المدنى إحترامها .

* ثقافة البشاعة والحلقة الجهنمية .
البشعون بداخلهم بذور البشاعة قبل أن تسقط عيونهم على نص .. أى أنهم مهيئين ليكونوا بشعاء لينتظروا مسلك ليمرروا بشاعاتهم فوجدوا النص الذى يجعل البشاعة تنطلق وتُمارس فعلها بضمير ميت ودم بارد بل تمنح لذة فى الممارسة , فيكون النص الدينى هنا بمثابة المظلة الرائعة لتمرير بشاعتهم .
تندهش أن هناك مجتمعات ودعت البشاعة فى فترة من تاريخها ثم عاودت تطلبها وتحييها من جديد !!.. فهذا يؤكد وجهة نظرى فى أن النص بشع ولكن لم يجد له الحضور إلا عندما وجد التربة التى تحتضنه وترعاه فيكون هو بمثابة السماد الذى يحث التربة على الإنتاج .
إحباطات المجتمع السياسية والإقتصادية والإجتماعية وتخبطه مع خلو الساحة من مشاريع ثقافية حداثية هو بمثابة السماد الذى يحث التربة على الإنتاج , فيجعل التراث حاضراً يتنفس وينمو فلا توجد ثقافة مواجهة له تكبح جماحه وتقف ضد مفرداته القديمة .. لذا نجد حرص الأنظمة والكيانات الرجعية على بقاء هيمنة الثقافة القديمة ومحاصرة أى ثقافة حداثية فى أن تتواجد وتتأصل .. لنجد عداء شديد للماركسية فتوصف بالإلحاد للتنفير , كما يتم ربط الحرية والديمقراطية الغربية بالإنحلال الجنسى والمثلية لتنفير البسطاء عنها واللجوء للحظيرة الدينية وتعويض الإحساس بالتخلف والمهانة بأننا أفضل شعوب الأرض عند الله

فى ظل حالة إحباط الإنسان عن تلبية حاجاته من الإشباع الجسدى والنفسى وفى وسط مناخ قاهر ومُغتصب لحقوقه مع وجود فضاء من الجهل والعجز تتصاعد فى داخله طاقات غضب حبيسة ويسترد العنف الكامن تحت الجلد حيويته فى مواجهة مجمل الأوضاع التى تنال منه .. ونتيجة جهله وتشويشه وغياب البوصلة فإنه يوجه طاقة غضبه فى ميدان بعيد عن الصراع آثرا ً السلامة عن خوض التحدى مع قوى أكثر جبروتاً وهيمنة فيوجه طاقة غضبه وعنفه لمن يستطيع أن يتحملها دون أن يصيبه أذى لذلك نجد السخط والغضب على المرأة والأبناء والبسطاء والمُهمشين والمُنسحقين والأقليات ومحاولة قهرهم وفرض الوصاية عليهم بدعوى مخالفتهم للتراث القديم .

من مناخ الإحباط والجهل تم خلق البذور الأولى المهيئة للبشاعة لتستهوينا ثقافتنا ونصوصنا القديمة , ويجد أى مشهد وسلوك بشع الحضور والهوى فى داخلنا .. فإذا كنا غير قادرين على ممارسة البشاعة كفعل فلنمارسه كمشاهدة مثل مصارعة المحترفين لنجد إناس يهللون أمام مشاهد العنف المتصاعد ونجد أنفسنا بعد قليل نتعود ونتلذذ من هذه المشاهد بحجم درجة إحباطنا وعنفنا الكامن , ومن هنا أيضا نجد تهليل وتكبير لمشاهدة الحدود القاسية وهذا الإلحاح الشديد للتيارات الإسلامية على حضور الشريعة وتطبيقها ماهو إلا رغبة فى معاودة مشاهدة العنف فى مشهد قصاص كمصارعة المحترفين وحلبات الصراع على مسرح الأولمبيك .

هناك بشعاء شاء حظهم البائس أن يُولودا بشعاء أى أن تحتضنهم بيئة ذات ثقافة بشعة لم ينتابها أى تغيير ولم تهب عليها أى ثقافة مغايرة مقاومة ويرجع هذا إلى أن طبيعة علاقات وقوى الإنتاج لم يحدوها التغيير أو أن هذه القوى وعلاقات الإنتاج تفرز بالضرورة أنماط سلوكية بشعة بحكم تحجرها وعدم تطور واقعها الموضوعى فأصبح ممارسة سلوك بشع مفردة ثقافية من مفردات المجتمع وطبيعته .!!

لا نستطيع أن ننفى عامل الثقافة لتتفرد وتنفرد فى التأثير فعندما تشيع أنماط سلوكية يتم إقتباسها من البيئة والمجتمع كموروث قديم مثل علاقات إجتماعية قديمة فلن ننفى هذا التأثير فالنظرة الدونية للمرأة والتوجس من الآخر ونبذه كلها نتاج هيمنة الثقافة القديمة ولكنها تتآكل مع تطور المجتمع الإنتاجى والحضارى ولكن ستظل بمحتواها طالما هناك حالة جمود وشرنقة للمجتمع أو قد يتشرنق لعدم قدرته على مواجهة مجتمعات أكثر ديناميكية فيتم تصدير إحباطه من الواقع بالتشبث بالماضى السعيد فلم يبقى إلا هو .

هناك حلقة جهنمية تنتج نفسها فالظروف الموضوعية السيئة وتخلف علاقات الإنتاج والخلل فى التركيبة الطبقية وحالة الإستاتيكية بالمجتمع تجعل الثقافة البائسة حاضرة وقادرة على التواجد والهيمنة والتفرد لعدم إفراز المجتمع أى ديناميكية جديدة ومن هذا الثبات يعطى مدد للثقافة فتتجذر فى الفكر والوجدان بل تصل فى جبروتها إلى درجة أنها تظل قائمة مع تغير الظرف الموضوعى المانح لها وهو ما نشهده فى تسلل التطرف والتعصب فى شرائح إجتماعية غير مهيئة منطقياً أن تحتضنه بحكم حظها من مراكز علمية أو مالية .

* لب المشكلة وأصل البلاء .
أرى أن لب المشكلة تكمن فى قضية دفع المنكر باليد تلك الرخصة الرائعة التى تم منحها لإزالة أى سلوك مخالف لرؤيتنا .. رخصة لا تعنى بحرية الإنسان فتجد من يحجر ويمارس وصايته على الآخر لأن له وجهة نظر مغايرة .
دفع المنكر باليد فتحت للمُحبطين والمُهمشين والمشوشين واصحاب نزعات الوصاية والإستبداد الباب الملكى فى تفريغ طاقة غضبهم وحنقهم على المجتمع .. فهى دعوة لممارسة العنف فعلا وقولا لتعويض أحاسيس مختلطة من السادية والفشل والإحباط والتهمييش وخلق شعور تعويضى بأننا مازال لنا القدرة على الفعل والتواجد فى عالم يسحقنا .

لا سبيل للخلاص من تسمم أجسادنا بالبشاعة إلا بتصعيد ثقافة ومنهج حياتى جديد يقاوم الموروث من الحضور والفاعلية بحيث يجعله نسياً منسياً فارضاً فى المقابل منظومة سلوكية حضارية جديدة ولكن الإشكالية أن الثقافة لا تولد فى ليلة وضحاها كما أنها لا تنتشر وتشيع وتتغلغل فى الفكر والوجدان إلا عندما تتيح لها طبيعة علاقات الإنتاج القدرة على أن تتواجد فمجتمع قبلى بدوى لن يعنيه الديمقراطية والمجتمع العشائرى لن يلح على الحداثة وإن تعاطى بها فتكون فى مفهومها التقنى القاصر..إذاً علينا تطوير بنية المجتمع الإجتماعية والإقتصادية والإلحاح على الحريات لتمر الثقافة بنعومة وإكتساح ولتتغلغل فى مسام المجتمع .. وهذا الأمر لن يتخذ فترات بسيطة بل نضال يستغرق زمنا ً يبدأ بتواجد القوى التحررية التنويرية الواعدة والخالقة مجال لنضالها فهى عند تصاعدها سترفع معها ثقافتها ومنهجها ويكون التغيير مواكب بصورة جدلية .
الأمل أن تفلح وسائل الإتصال الحديثة فى كسر جمود المجتمع وتطويره بحيث تختصر الطريق فى خوض غمار صراع حقيقى طويل تبرز منه قواه الواعدة الصاعدة التنويرية كما حدث فى حركة الجماهير فى مصر وتونس .. قد تفلح فى تخفيف حدة المشهد ولكن ما لم تصعد نخبة طليعية ذات متطلبات وثقافة واضحة الملامح غير خائفة ولا مرتعشة , واضحة غير متميعة , جادة غير مغازلة ولا مهادنة , فسيظل للبشاعة أرض ..والبشعاء سيظلوا بشعاء .

دمتم بخير
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشهد ماسبيرو يزيح الأقنعة والأوهام ويكشف الرؤوس المدفونة فى ...
- إشكاليات منطقية حول الإيمان والإله - خربشة عقل على جدران الخ ...
- التتار الجدد قادمون - الدين عندما يمنتهك إنسايتنا ( 30 )
- العلبة دي فيها فيل - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 9 ...
- فلسطين ذبيحة على مذبح يهوه والمسيح والله الإسلامى - تديين ال ...
- الإسلام وحقوق الإنسان بين الوهم والإدعاء والعداء .
- التاريخ عندما يُكتب ويُدون لحفنة لصوص - تديين السياسة أم تسي ...
- هل الله حر ؟!! - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 8 )
- البحث عن جذور التخلف - تأملات وخواطر فى الله والدين والإنسان ...
- تديين السياسة أم تسييس الدين - حقاً الدين أفيون الشعوب .( 8 ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا - لا تلعب معنا ( 29 ) .
- حكمت المحكمة ( 3 ) - القصاص فى الشريعة بين القبول والإدانة .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 28 ) - رخصة للنكاح .
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 14 ) - إشكاليات العقل الدينى وطر ...
- تأملات وخواطر فى الله والدين والإنسان ( 14 ) - أفكار مدببة
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 7 ) - إشكاليات منطقية ف ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 11 ) - يوم القيامة بين ال ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 10) -الصلاة فعل تواصل أم ...
- تأملات وخواطر فى الله والدين والإنسان ( 13 ) - البحث عن معنى ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (27) - الحنين لدهاليز وكهوف الما ...


المزيد.....




- ترامب يتهم اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي بكراهية دينهم وإ ...
- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - هل التراث والنص بشع أم نحن من نمتلك البشاعة - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 31 )