أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نقولا الزهر - من وادي الآلهة إلى وادي القديسين















المزيد.....

من وادي الآلهة إلى وادي القديسين


نقولا الزهر

الحوار المتمدن-العدد: 1045 - 2004 / 12 / 12 - 10:26
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


من وادي الآلهة إلى وادي القديسين
تقع " صيدنايا" في وادٍ شديد الانحدار على بعد 28 كيلومتراً شمالي غرب دمشق، محاطة من الغرب والجنوب والشمال بالتلال الصخرية العالية، ومن الشرق تنفتح على سهلٍ منبسط يستقبل السيل الذي تتدفق مياهه من الأعالي في فصل الشتاء.
في قريتنا من الأديرة والكنائس ستٌ وعشرون: الدير التاريخي الكبير الذي بناه أو ربما جدده الأمبراطور الروماني جوستنيان في القرن السادس الميلادي؛ الذي يبدو للناظر الآن مثل سفينة وضعها في يوم من الأيام طوفان عظيم على التل الشمالي الشرقي من الوادي. والذي جعل هذا الدير محجةً عبر القرون هو تلك الإيقونة للسيدة العذراء التي قيل أنها إحدى الإيقونات الأربع التي رسمها القديس الطبيب لوقا. ويقام عيد سنوي في هذا الدير في 8 أيلول يأتيه الناس من كل المعمورة.
في عبِّ التل الجنوبي من البلدة دير مارجُريُس (مار بالسريانية تعني السيد أو القديس)، ويبدو أنه في القديم كان مغروساً في حرشٍ من البطم لم يبقَ منه سوى بضع أشجار، منها بطمةٌ تاريخية يعرفها الأباء والأجداد لا تزال منتصبة أمام الدير، كنا في طفولتنا، بنت خالتي وديعة مريم نجمة وأخوها المرحوم جميل وأخوها قسطنطين المقيم في لبنان الآن وأختي جميلة وأنا نأتي إلى بيت جدتنا لوسيا في( يوم العنصرة)، ونصعد إلى هذه البطمة لنلعب حولها ونتأرجح على أرجوحة نعلقها على احد أغصانها. وفي هذا الدير يقام عيد سنوي في يوم 6 أيار يحييه أهل البلدة.
في أعالي التلال الغربية من البلدة يقع دير آخر على ارتفاع حوالي 2000 متر عن سطح البحر لا نعرفه ونحن أطفالاً إلا كهوفا حجرية وجدراناً مهدمة وكان يطلق عليه لدى أهالي البلدة (شربين)، أعيد بناؤه في الثمانينات وأطلق عليه (دير الشيروبيم = دير الملائكة). لا أعرف إذا كان اسم الدير آتٍ في الأساس من حرشٍ لأشجار الشربين كان موجوداً في هذا المكان أو بالفعل اسمه منذ القديم دير الملائكة.
في وسط البلدة وبالقرب من جامعها، كان يوجد دير كبير يدعى (مار سمعان) جيلنا لا يعرفه كان والدي يقول لي أنه كان مهدماً، يقوم مكانه الآن دكاكين للبيع والشراء، وخلفها المعصرة الكبيرة والتاريخية لعصر الزبيب وصنع الدبس.
وفي شمال البلدة، تحت القلعة، توجد كنيسة(مار يوحنا المعمدان) التاريخية ويقام فيها عيد سنوي في 29 آب. وبالقرب من البلدة في الشمال توجد كنيسة (القديسة بربارة) التاريخية القديمة وهي مغروسة في مقبرة الروم الأورثوذكس وتطل على وادي الفراديس وكروم(رباعته = طرف القرية)، ويقام في هذه الكنيسة في 4 كانون أول/ ديسمبر عيد في كل عام.
في طرف البلدة الشرقي تماماً توجد كنيسة (مار بطرس) وهي برج حجري من الحجارة الكبيرة على شكل الكعبة ولا تزال قائمة إلى الآن بكل رونقها، وهي على الأغلب كانت معبداً وثنياً أو ربما برجاً عسكرياً للمراقبة والاستطلاع.
وعلى بعد عشرين متراً من كنيسة مار بطرس توجد كنيسة (مار نقولا) وهي بناء قاعدته من الأحجار الضخمة وأعلاه من الأحجار العادية، فيبدو أن الكنيسة مجددة في القرن التاسع عشر. ويقام عيد في هذه الكنيسة في 6 كانون أول من كل عام.
وعلى بعد عشرين متراً آخر كان يوجد دير لم نعرفه في طفولتنا إلا حجارةً كبيرة مكومة على ظهر تلةٍ صغيرة كان يدعى (دير الخربان) ولقد أعيد بناؤه ودشِّن باسم (كنيسة التجلي) ويقام فيها عيد في 6 آب من كل عام.
وفي التلال الغربية للبلدة؛ فوق القلعة وتحت دير الشربين أو الشيروبيم تقع كنيسة(مار توما) الأثرية القديمة جداً، وقد بنت بطريركية الروم الكاثوليك إلى جانب الكنيسة القديمة ديراً حديثاً ضخماً كمقرٍ صيفي.
وفي الطرف الغربي من البلدة يقع (دير التجلي) للروم الكاثوليك وهو دير حديث، وفي أسفل الوادي من البلدة توجد كنيسة صغيرة ل(مار اندراوس)، وفي الشمال أيضاً على طريق بربارة يوجد دير مهدم باق منه كنيسة تحت الصخر يدعى (دير مار سابا)، وحول الدير توجد كنيسة صغيرة جداً ل(مار يوسف).
وفي وسط سهل القرية الشرقي بين صيدنايا والمعرة يوجد بقايا كنيسة القديس(خريستو فوريوس)، ولقد بنت حديثاً بطريركية الروم الأرثوذوكس مقراً صيفياً فيها...
كثيراً ما تساءلت مذ كنت صغيراً، عن هذا السر الذي يجعل قرية صغيرة لم يكن سكانها في الخمسينات يزيدون عن ثلاثة آلاف نسمة وفي القرن التاسع عشر عن الألف، أن تحتوي على كل هذه المعابد منذ قديم الزمان، كنت أتوصل دائماً إلى أن هذه البلدة كانت منذ قبل المسيحية مقراً لكل الآلهة ومحجةً وقبلةً للمتعبدين، وفي عهد المسيحية تحولت إلى وادٍ للقديسين والشفعاء. ولكن لماذا يكون وادي الآلهة في مكان فقير بالمياه والمزروعات والغلال وغني بالتلال والصخور. ففي صيدنايا لم تعطِ عبر التاريخ ثماراً غير أشجار التين والكرمة ولم يوجد فيها من القمح والشعير إلا القليل؟ ربما كان يعتقد في القديم أن الآلهة تفضل أن تسكن في أماكن قاحلة وفي وديانٍ غير ذي زرع؟
يقال أن تلالها وجبالها في القرون الماضية كانت مليئةً بأحراشِِ البطم واللزاب والعجرم والزعرور واللوز البري...ولكنها انقرضت كل هذه الأحراش مع الزمن ولكن يبقى هذا الكلام محطاً للتساؤل.
أحببت قريتي كثيراً ولكني الآن لا أحب إلا صورها القديمة قبل السبعينات، حينما كان الفرد من أهلها يستطيع أن يرى من تلها الجنوبي كل تلالها الشمالية والغربية وديرها وكنائسها وبيوتها المتدرجة بيتا بيتا، فلقد ذهبت منها القناطر والشرفات السماوية، واستحالت خلال العقود الثلاثة الماضية إلى بلدةٍ هجينة فقدت هويتها لاهي قرية ولا هي مدينة لا يرى سوى أبراج الغابات الإسمنتية التي تأكل بعضها بعضاً وتعمي بعضها بعضاً. وأفضل ما يقال عن قريتي الآن أن هندستها المعمارية لا تنتمي لا للأصالة ولا للحداثة ولا لبعد الحداثة.....
في اعتقادي أن (المكان) أيضاً له حريته ويمكن أن يعتدى على هذه الحرية ويمكن أن يوضع في زنزانة ويمكن أن يمنع من التنفس.....
حينما خرجت من السجن في 14 تشرين الأول من عام 1994 ذهبت بعد ثلاثة أيام إلى قريتي بعد غياب أربعة عشر عاماً وسبعة أيام، ولكن بعد أن ذهبت إلى بيتنا الذي تحول إلى عمارة اسمنتية وبعد أن تجولت فيها عدت إلى بيتي في دمشق حزيناً وكتبت في ذلك المساء قصيدة صغيرة سمَّيتها :
الطوفان الرمادي
-1-
داهمَها الطوفانُ الرمادي....
ومزَّقَ أستارَها..
فخبأتْ هِلالَها في خيمةِ أناملِها
على تلِّ الخُزامى ....
وارتحلتْ عيناها الكسيرتانِ
إلى أمزاقِ الطينِ
المطليةِ بالحُوَّارْ ....
المَرْميةِ بين بقايا الأشجارْ ....
على تخومِ ذاكرتي...
-2-
جاءتِ اليمامةُ الزرقاءُ
إلى غابةِ الأبراجِ الرمادية...
لتُواسي حبيبتي العارية ...
وتخْبِرُها أنها لمْ تحظَ بالسلحفاةِ التي غابتْ ....
يومَ عاثوا في الفناءِ السماويِ
و مغارةِِ حطبِ الشتاءْ..
وموقِدِ جدتي ....
-3-
قالتْ مشرَّدتي...
لمسحورةِ العيونْ ...
مُذْ غزانا الرمادُ العالي
ما احتسيتُ كأسي المرَصَّعَ بالنجومْ ...
ولا تمتَّعْتُ عند قهوةِ الصباحْ
بذرى { الشَرْبينِ } و {القلمونْ }...
ودقّاتِ ساعةِ برجِ الزهراءِ
في { صيدونْ }....
لكنِّي ... بركامِ الأحلامْ ....
أداري الجفونْ ...
بنهود جفناتِ الكُرومِ التي لوَّحَتْها الشمسْ....
ومِعْصرَةِ الزبيبِ المشرعةُ أبوابُها
في كانونْ .....
وأشجارِ التين التي كانت تنوء بحملها
في أيلول..
وزعرورِ سياجِ الحقولْ ....
وأسماءِ التلالِ الميِّتةْ ...
التي طرّزْتُها على أوراقِ التوتْ..
بأناملي ....
-4-
سمِعَتْ زرقاءُ اليمامِ
ما قالت حبيبتي...
ثم راحت تلتهمُ الفيافي
والسفوحْ ....
تنشدُ قصيدةَ قريتي..
التي ضاعت في الطوفان الرمادي.....
نقولا الزهر
دمشق/ في 11/12/2004



#نقولا_الزهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار المتمدن طريق رحب من الرؤوس والقلوب إلى الورق
- العلمانية تحرر الدولة والدين من طغيان التحالف السلطوي -الفقه ...
- مداخلة حول مفهوم الشعب
- من الطقوس والإشارات في الحياة السياسية السورية
- المجتمع المدني من جون لوك إلى الأمير سعود الفيصل
- شذرات من - المقامةِ البربرية
- إلى أيلول
- يوم مشهود من أيام أبي نرجس
- حمدي الروماني
- التقيتهما مرة واحدة
- حول التداخل بيت المقاومة والإرهاب
- جودت الهاشمي
- الشعوب العربية من نير الإقطاع السلطاني إلى نير الإقطاع الشمو ...
- خيوط القمة العربية أوهى من الكلام على الإصلاح
- قصيدة :دموع ليست من ماء
- مقاربة حول الديموقراطية في العالم العربي
- الأعمدة الزانية
- قصائد صغيرة
- رسالة إلى المهندس المعماري الفنان رفعت الجادرجي
- همسة في واد


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نقولا الزهر - من وادي الآلهة إلى وادي القديسين