|
قصة قصيرة .. التصريح والأفعى ..
شوقية عروق منصور
الحوار المتمدن-العدد: 3509 - 2011 / 10 / 7 - 15:08
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
التصريح والأفعى شوقية عروق منصور
قفز من فوق السور ، نزل الى ساحة خلفية لبيت بعيد عن الحارات المتراصة ، اختبأ بين الأشجار ، لم يعد يسمع أصوات الخطوات الراكضة خلفه ، أصوات "البساطير" التي تحفر الأرض بأنياب التوجس الناري . بعد مرور ساعة هدأت الأرض المرتعبة ، لم تعد ترتعش تحت الأقدام ، عتمة السماء صافية ، لا يشوبها الا مساحة من الخيال المخيف يوقظ كل قطرة دم في خلاياه ، قلبه أيضاً بعيد عن الصفاء ، يحمل الخوف المليء بوجوه العمال الذين سبقوه ، والحكايات المخيفة التي تشابكت وتعانقت مع الليالي التي تختم ظلامها بتفتيش يغتصب راحتهم وتعبهم ، حيث يبعثرونهم بين الطرقات والشوارع كالكلاب الهاربة ، وغالباً ما يصلون الى أبواب السجون وقاعات المحاكم ، وتبدأ رحلة أخرى من المعاناة . تسلل ، يكاد يسمع دقات قلبه ، قلبه جرس مجنون يرفض الاختناق ، صوته يخترق اللحم ويخرج قطعاً من اللهاث ، وقف ، تنفس بعمق ، أخرج سيلاً من الحذر ، نزف حيرة ، شكراً للأشجار التي حضنته وأخفته ، أول مرة يشعر بحنين جارف إلى الشجر المغروس حول بيتهم ، كان يستخف بوالدته وهي تزرع وتسقي وتقلم الشجر، ويضحك عليها عندما يراها فرحة وهي تقطف الثمار ، ويعايرها بهذا الفرح الساذج ، وحتى يغيظها يدق دبوسا في مشاعرها حين يذكرها أن أرضهم قد صودرت وأشجارهم قطعت وتحولت الى مساكن فخمة للمستوطنين ، مع أنها ما زالت تحلم بأنها صاحبة الأرض ، ثم يحمل الثمرة ويرميها في الفضاء ، كأن الفضاء مسرح للإحتجاج على مهزلة القدر . الى أين يذهب .. لا يعرف ...؟! الليل والهدوء والرعب حالات يعيشها الآن ، لم تعد القصص التي حاول بعض العمال الذين لا يملكون تصاريح العمل رميها في حضنه ، مدرسة لتطوير رياضة الهروب والتخفي والقفز ، فعندما سمعهم يتكلمون حول خفة الجسد والركض والاختباء وتمويه الشرطة أو الجيش ، شعر أنه يعيش داخل فلم أجنبي ، لكن الآن أصبح جزءاً من الإخراج والبطولة والديكور الحاد المصقول بالخوف والجبن والاختباء ، والقدرة على ممارسة التلون. عليه أن يجد أي مكان يختفي فيه حتى الصباح ، لا يريد أن يعتقلوه ، لا يتحمل فكرة الاعتقال ، يكفي أن السجن أكل من عمره خمس سنوات . جلس تحت شجرة متوارية بين أشجار أعلى منها وأكثر كثافة وأغصاناً ، أغراضه الشخصية تركها هناك ، في الغرفة التي تحولت إلى ساحة حرب ، لولا الجارة الطيبة التي نبهته بسرعة عند دخول الشرطة للحارة ، لسقط بين أيديهم ضحية تنضح بالذل والخوف والركل ، كما سقط زميله الساكن معه في الغرفة بعد أن القوا القبض عليه وهو داخل الى الحارة .! لن يرجع الى غرفته ، من المؤكد أن الشرطة تراقب المكان ، سيبقى مختبئاً بين الأشجار حتى الصباح ، تذكر شخصية طرزان أبن الغابات الذي كان يحبه ويحاول تقليده عندما كان صغيراً ، فضحك ، هاهو يتحول الى طرزان من نوع خاص يتنقل بين الأشجار ، ليس إعجاباً بالطبيعة إنما هروباً من مصيدة الشرطة . جلس فوق غصن شجرة ، الهدوء حوله يزيد من خوفه ، انه الهدوء الذي يفرش حول ذعر أو مصيبة فيشل كل شيء . تململ ، تعب ، الغصن تمايل تحته كأنه لم يعد يتحمله ، قرر ان ينزل و يلجأ الى جذع شجرة وينام بين طياتها و" اللي بقع من السما بتتلقى الأرض " ..!! هكذا اختصر قراره المسحوب من جيوب اليأس . غداً سيحاول الوصول للمقاول الذي أتى به الى هنا ، حتى يقبض ثمن الأيام التي عمل بها . سيرجع لبلدته ، لن يغامر مرة أخرى ، سيحكي لأمه التي لن ترضى بالمخاطرة ، حتى والده المتوفي لو عرف عن المطاردة التي قامت بها الشرطة وكيف استطاع النجاة بجلده ، لصرخ بوجهه طالباً منه البقاء قي بلدته ، ويلعن اللقمة التي تغمس بالخوف والموت . في ساعات الظهيرة مر بعض التلاميذ العائدين الى بيوتهم عبر طرق فرعية بين الحقول ، فاصطدموا بجثة شاب ملقاة تحت الشجرة ، أخذوا يصرخون ، سمع صراخهم السكان والفلاحون الذين كانوا في المكان ، وقاموا بتبليغ الشرطة التي جاءت بصورة مستعجلة ، قامت بتفتيش جثة الشاب فلم تجد أية بطاقة هوية أو أي شيء يدل على شخصيته ، سألوا المتواجدين ، إذا كانوا يعرفونه فأجابوا بـ "لا" ... غمز شرطي لزميله وقال : قد يكون أحد العمال اللي طاردناهم الليلة ..!! ومر طيف ابتسامة على شفتيه ، شق ثوب السواد الذي يحيط بذهول الجميع . في آخر نشرة الأخبار من "صوت اسرائيل" أعلن عن موت شاب من أحدى قرى نابلس بلدغة أفعى سامة ، عندما كان يتواجد بدون تصريح في قرية من قرى المثلث ...!!
#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليلة ابو عبد الله الكبير
-
بحثت عن طارق فوجدت قبيلة من القرود
-
قصة قصيرة ..امرأة من تمر هندي ..
-
قصة قصيرة .. سوار تحمل حزاماً ناسفاً .. شوقية عروق منصور
-
الفاجومي يدخل الحكاية
-
سرير يوسف هيكل
-
تجبير قدم التاريخ المكسورة ..!
-
من راشيل الى اريغوني المجرم واحد
-
لك يوم يا ظالم
-
من طباخ الريس الى صراخ النملة
-
بين إمرأة وإمرأة هناك امرأة
-
دموع البترول وأقنعة الكلاب
-
صفعة على وجه هذه المرأة
-
من مؤخرة الدجاجة يخرجون قنابل مسيلة للدموع
-
رأس الجبل الضاحك الباكي
-
ألقذافي يرقص رقصة - الستربتيز - الدموية
-
اللي بتزوج امي بنقلوا يا عمي
-
ثقافة الميدان ودموع وائل غنيم
-
زواج مبارك من مصر باطل
-
الجزيرة وصحن البصل
المزيد.....
-
“مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445
...
-
قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202
...
-
تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش
...
-
فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك
...
-
“استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام
...
-
مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت
...
-
المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا
...
-
آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن
...
-
-طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت
...
-
الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|