أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - يوميات طفل قروي كرزازي (1)















المزيد.....

يوميات طفل قروي كرزازي (1)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 3501 - 2011 / 9 / 29 - 07:13
المحور: الادب والفن
    


....مرت تلك الرياح،وتساقطت بعدها الأمطار،واختبأنا تحت الأغصان،ولم أعاين فتاتي منذ تلك اللحظة،وكأن الأرض ابتلعتها،والسماء خطفتها،ما رأيت سوى القطعان ترعى لوحدها،أين تكون قد ذهبت هذه الفتاة؟ أين ذهبت وتركت قلبي فارغا- أجوفا؟تركتني معلقا بحبال محصنة منيعة،وكلما زرت المكان وإلا أعدمت بتلك الحبال التي تميت وتقطع سبل الحياة.عادت الحرارة الملتهبة ترسل عواصفها نحو وجوهنا الصغيرة،وتصفع خدودنا بضربات متلاحقة عسيرة.كل الأشياء توارت ولاسيما الأشياء الجميلة،امتلأت بطون البهائم،وسارت تتحرك يمينا وشمالا،ثم أتت رياح"طكوك"،وانطلقت فارة نحو الوادي لتروي ظمأها،وانطلقنا نحن نطاردها حتى وجدنا أنفسنا بين عرين الوادي (وادي نهرالنفيفيخ)،نرش بعضنا،ونلعب الغميضة بين أشجار الدفل،والبهائم تشرب،ووجدنا رشيد(2) رفقة أغنامه،وهومنغمس في بركة الماء يتبول ،طالقا قضيبه إلى عنان السماء،لم يستثن أحدا،يتبول على كل من وجده أمامه،يتبول على بهائمنا،ويتبول على أغنامه،وحتى على حشرة صغيرة تدعى "العومة"(لعله،بل من المؤكد أنه رأى بعض العراكات داخل منزلهم،أو داخل الزريبة،ربما في بعض الحقول،وأراد أن يطبق ذلك على من هم أدنى منه،ولاسيما أن فصل الصيف هو فصل التزاوج بالنسبة لجميع الحيوانات بمن فيهم حتى الإنسان)،رشيد مثلنا جميعا ينحدر من الساحل لم تأت عائلته لكي "تعزب"،أتى به أبوه،وتركه عند خيمة"مول العود"،خيمة رشيدة صاحبة الضحكات الدؤوبة،منحه أبوه الأغطية والزريبة،وكل أربعاء يذهب صوب الساحل لكي يتناول "لحيمات لربعة".
كان رشيد مقموعا في منزله،لما تجتمع عائلته حول مائدة الطعام لم يكن يأكل في خاطره،وبراحته(الآن أصبح يأكل في خاطره،بل بشراهة ووحشية،فهو يأكل بسرعة الضوء،ويتناول أربع وجبات في الفطور،وخمس وجبات في الغداء،ثلاث وجبات في العشاء،ياله من رقم قياسي!!)،كان أبوه يصفعه،يهينه،يذمه،ويبرحه ضربا(الآن يستطيع أن يهين من هم أدنى منه،كالعمال الجدد داخل السوق"المارشي"،كأخيه الصغير..،الفتيات"الخيبوعات"...)،وبدون شفقة ولارحمة،كان ينظر إليه بمثابة آلة،أو بمثابة قن،لادور له سوى الإنصياع،سوى العمل،لا يجوز له الدفاع عن نفسه،لا يجوز له الكلام(الآن يمكن أن يقوم "بالتفسفيس"،والتلواط بشراهة كالثور الإسباني)،وعليه التطبيق،التطبيق الحرفي لكل مبادىء الأب،نفس الشيء بالنسبة لأمه،فهي تعامل(ضم التاء) بنفس الطريقة وأكثر تشبعا بالثقافة الباتريركية(الذكورية) ،وكانت هذه المرأة وماتزال تبرح ضربا بواسطة زوجها في الصباح والمساء،بينما في الزوال تطبق ذلك على رشيد وتبرحه ضربا(الآن ليس على رشيد،وإنما على الأخ الأصغر)،ووابلا من الإهانات الجارحة.
ذات مرة كنا عائدين بماشيتنا من بلاد" دعيكر"،وإذا بماشيتنا جميعا استولت على حقول" محمد ولد المهدي"،لم تستول عليها عنوة،بل كان خطأ عفويا،وغير مقدر من طرفنا،وسارع رشيد لإخراج ماشيته من وسط الحقول،ودون أن ينتبه صاحبها.
في الوقت الذي وصل فيه رشيد إلى منزله،ودون أن يتناول لا كأسا من الماء الذي لم يذقه طول النهار،ولارغيفا من الخبز الذي لم يتناوله منذ الصباح،وفي جو من الإهانة والدونية،ودون أن يغسل رجليه اللتين تنبعث منهما رائحة كريهة من جراء "صباط البوط" الذي" زمت" عليهما،وخنقهما بين وسطه الضيق،أوصل شخص "بركاك" بما حصل، لأبيه،ودون أن يتفهم محنته،انطلق كالنسر الجوعان،واستولى عليه،ووجه إليه وابلا من الصفعات والرفسات في الفم والعين والمؤخرة،فرغم توسلات رشيد الذي أطلق صوته إلى عنان السماء،وهويئن من هول الضربات،ومن هول الجوع والعطش والإهانة والظلم والتعسف،لم يطلقه النسر الجوعان الذي لا يهمه سوى مص الدماء،وابتلاع اللحوم.
كان رشيد محروما من كل شيء،من الطعام والشراب،والأغطية،والنوم الجيد،وحتى التنفس الجيد،فأحمد كان ينام بالقرب منه،إذا سمع صوتا يصدر عن رشيد،لا يتوان في صفعه،سواء بيده اليمنى التي تشبه "البالة"،أو "المشحاط" الطويل،أو كلاهما،أو بإمكانه أن يرسل نحوه "عتلة" أو"فاس"....ومحروم من المشاهدة،ومن المال ومن اللعب مع أقرانه..والجنس(ههه يا سلام على الجنس،رشيد والجنس،نظرا للدونية المستبدنة فيه ،فهو لا يحصل إلا على "الخيبوعات"و"الشارفات"و"القديمات" والمجربات من الجنس "اللطيف"،وبثمن باهض،أما إذا حصل على فتاة شابة،ونظرا للإعاقة الكلامية المستدمجة فيه ،فلا يمكن أن يمارس معها ،وحتى أن يتكلم معها (يريد فقط الرؤية،والظهور والتنطع أمام العلن،لكن الرؤية تذيبه)،وما إن تمر لحظة حتى تستولي على جميع مدخراته،وتذهب بعقله،ويظل يحلم بها ،ثم يعيد الكرة وتعاد له الكرة،وهكذا دواليك،وهذا هو حال الإنسان الدوني) ،لا يهم أحمد سوى الرعي،أو ما يهمه هو حسب وصفه هو" الإنضباط" ،وأن يكون رشيد خانعا مستسلما،عبدا له ،قنا...
عمل أحمد هو مزيج بين إرهابين فيزيقي ومعنوي،يتعاونان ويقتات كل واحد من الآخر،ويتصارعان ضمن علاقة جدلية لينال كل واحد من الجانبين شرعية استخدامه ووجوده ضمن أجندة أحمد،وعلى سبيل المثال:فالإرهاب الفيزيقي لا يمكن أن يتموجد دون وجود غطاء ومسوغ نظري للإرهاب المعنوي،لنحدد أكثر، فأحمد حينما يريد أن يضرب إبنه،لايمكن أن يضربه دون وجود مسوغات معنوية صادرة عن أحمد ومستدمجة داخل أحمد ورشيد،والعكس صحيح بالنسبة للإرهاب المعنوي،فإذا لم يكن مستدمجا في مخيلة رشيد وأحمد ومطبقا فيزيقيا،فليس له معنى،بالنسبة لمظاهر الصراع،فكل واحد يحاول أن يسيطر على أجندة أحمد في تعامله مع رشيد،فإذا كان هذا الأخير بعيدا عن أحمد فالإرهاب المعنوي هو الذي يهيمن،والعكس صحيح،أما بالنسبة لدورهما سواء في الداخل أو الخارج،فهو يتجلى في شرعنة الأعمال ،وهي شرعنة مستمدة من الثقافة والعقلية الباتريركية تحت مسمى "احترام النظام" التي تسمح للأب بتجاوز كل الحقوق،ولاسيما معاملة الإبن كالعبد أو الدابة بنوع من السادية.
إذا أراد رشيد(الإبن) أن يشرب،وكان أحمد(الأب) في داخل البيت،لا يستطيع رشيد أن يشرب حتى يخرج أحمد،أما إذا كان هذا الأخير نائما،فإن الإبن يتسلل خلسة،ويضع أصابع رجليه كوسيلة لكي لا يحدث صوتا،ويغطس "الغراف" في"الطارو"(البرميل) بكل هدوء،وفي حالة إذا استيقظ أحمد أبوه(أحمد)،فإن تلك اللحظة ستكون هي الأسوء في حياته،أو ستكون أسوء المساوىء،فأحمد يريد من إبنه رشيد أن يعاني،ولا يريد منه أن يستلذ،ولو لذة إزالة العطش،أما بالنسبة للمشروبات الأخرى فإنها بالنسبة لأحمد غير مسجلة في مخيلة رشيد،فإذا جاء ضيوف عندهم ،يذهب رشيد إلى الدكان من أجل الإتيان بالمشروبات الغازية،يحق له لمسها،وأن يطلق عيونه نحوها،لكن لا يجوز له شربها،إنه لا يستحقها من منظور أحمد،وسواء كان الضيوف أو لم يكونوا ،كان رشيد في وقت وجبة الغداء يرعى الأغنام،ولايجوز له الأكل مع أحمد(الأب) حتى ينتهي هذا الأخير،ونادرا ما كان يأكل على مقربة منه،وإذا حدث هذا،فكلمات من قبيل "كول مزيان"،"كاد الدغمة"،وأفعال من قبيل "التقرفيض" و"التصرفيق"،والحرمان من الأكل قد لطخت وجهه الصغير،وعكرت مستقبله المديد،وعلمته كيف أن حيوانات من البشر تعكر حياة الآخرين،وحكمت على نفسها العيش في الشقاء(اعتقادا وفعلا) أبد الآبدين،ونمطت حياتها على التشاؤم وظنته أنه هو المسير،ولكنها لا تعلم أنها لم تتجاوز عدم العدميين.
حينما يحل الليل،وفي أشد الأيام برودة،كان رشيد ينام بغطاء واحد،وكان البيت الذي ينام فيه لا يتوفر على حصير،بالمقابل كانت تأتي رياح باردة(الغربي) من الناحية الغربية،ومنزل رشيد(هو في الواقع ليس منزل رشيد،بل هو منزل الأب)كباقي المنازل الأخرى التي تتموقع في منطقة الساحل(هي منطقة مرتفعة جغرافيا مقارنة بباقي مناطق الدوار "موالين الواد-الشعيبات") تتسم بهبوب رياح باردة ،ومرتفعة عن سطح البحر،وكذلك بيته كنت نافذته مهشمة ومكسرة تساعد على تسرب الرياح(ولم لا الأمطار و"شنيولة"،والعناكب،والباصح..والحشرات من كل حدب وصوب)،وكانت الفأرة وصغارها ترقص،وتغني على مسامعه(رشيد بالطبع)،وتجرأت إلى حد لسعه،ولم يكن يهمها رشيد بالدرجة الأولى،بل يهمها الإستفادة من مدخرات أحمد (للإشارة فهي تكرهه،نظرا للجرائم الكثيرة التي ارتكبها في حق قوميات الفئران،وسواء وجودهم في "النادر"،أو داخل المنزل) من شعير وقمح وذرة ودقيق،وأموال،التي حرم أولاده من الإستفادة منها،وحسب ما يبدو،أن الفأرة لسعت رشيد ودعته إلى الثورة(وذلك في سياق الثورات الجارية في العالم العربي،ويظهر من خلال سلوك الفأرة،أن قوميات الحيوانات ولاسيما قوميات الفئران فهمت إشعاع ومغزى الثورة العربية،وهو الشيء الذي لم يتحقق حتى الآن من لدن شباب العالم القروي في رفع شعارات مناوئة للفساد والظلم،والزبونية،غياب مشاريع للنهوض بأوضاع العالم القروي،والأبوية والقايدية والخليفية والشيخية والمقدمية القائمة على "التبركيك"،وعلى الإبتزاز،والشطط في استعمال السلطة والمال والجاه والنسب والنفوذ،والإنتماء،والنخبوية...الهدر المدرسي...تفتيت ملكية الأرض...وكل هذه الأشياء..وغيرها التي تنم على اللامواطنة)،ومجابهة العدو،وأخذت حبات الشعير،ووضعتها في فم رشيد،مساندة له،وحينما رفض قامت بأفعالها(هو الشيء الذي أردنا التشديد عليه من قبل).
ذات صباح،رأيت رشيد يحوم حول الصخور،ويطوف حول الجحور،باحثا عن الفأرة بعدما سرقت ورقة نقذية من حجم عشرة دراهم،أما أحمد،فلم يكن يبحث،كان جالسا فوق الصخرة،وهو يعاين رشيد،ماإن كان يبحث أو لا يبحث،المهم هو أن يجد تلك الورقة،وإذا لم يجدها سيأكل الأرطال والكيلوغرامات من العصا والهراوة"الهرماكة"(وفق التعبير الدارجي المحلي)،فهو المتهم الوحيد بسرقتها،وأراد أن يحمل الفأرة مسؤولية ما حدث.
انطلق رشيد من أدنى إلى أقصى الصخرة،وهو يتنفس بشهيق وزفير متلاحقين،وخديه محمرين،ساعديه مخدوشين،ويديه متربتين،وفي الغار الأخير وضع رشيد يده اليمنى فيه،وإذا بعقرب متوسطة الحجم،تغرز سمومها في كفه،فسحبها بسرعة،وانطلق مهرولا،مولولا،نادبا تاعسا.....
وحينما عاد في المساء،أكل نصيبا من "التصرفيق"،و"الرطاوة"،"تزراك العينين"،و"الرديح"،و"البونية"،و"التكتاف"،وجميع الأشكال السادية من كل حدب وصوب..ومن"كل قيرة كحلة"،لكن بطلها واحد، ألاوهو رشيد(الإبن) في مواجهة الديكتاتورية الأحمدوية،والسبب هو أنه لم يعثر(رشيد) على الورقة النقذية،وظل أحمد ينذب حظه التعيس في عدم العثور عليها،لم يكن يهمه رشيد نهائيا ،وعن لسعة العقرب التي نفخت يد إبنه،وعن آهاته،وآلامه،وصرخاته المسترسلة طول الليل(يجب التنبيه هنا أن صرخات رشيد كانت ضعيفة رغم شدة الألم،لأنه يخاف أن يهاجمه أحمد،ولم لا قد يرسل نحوه فأسا أوعتلة قد تضاعف من ألمه أوتؤدي إلى موته)،لم يبال به ،ولم يعره أي اهتمام ،ولم يذهب به إلى الطبيب..!!!هههه(أكون قد أمزح هنا).
وفي الصباح الباكر أيقظه قصد إطلاق الأبقار نحو المرعى،لم يكن هناك أي لطف أو وداعة في ذلك،حينما أزال فراشه بقوة ،توجه بسرعة نحوه ،وفمه مليء بالصراخ:"المرية(فتح الميم مع التضعيف) نوضي...،المريااااا نوضييي،تكعدي أ الحزاقة،الخراية،أووو غتنوضي المدودة دابا،أولا غادي نجيب شي مشحاط طويييل"،غير أن هذا لم يقف عند هذا الحد،أزال عنه بوحشية غطاءه الواحد والوحيد،كذئب يقتلع جلد فريسته وهي في عز الشتاء القارسة،والأنواء الباردة،والأمطار المتراكمة،والبرد المتتالي الذي ينزل،والحرارة التي تهبط.
أطلق رشيد الأبقار،وأصابع رجليه(بل كل جسمه) حفاة –عراة،كانت مياه الندى تتسلل إليهم،ومحولة إياهم أصابع" كازة "،غير قادرة على الحركة،مانحة نموذجا مصغرا لمجتمع يكره الحركة والتغير،لا في الأفعال ،ولا في الأفكار،ولا في الأقوال،،يحكم على حياته بالتوقف،ويعطيها اتجاها عدميا .
أحمد يحب السكون،يكره الحركة،سواء الحركة الصوتية،أو الحركة الفعلية(بالطبع التي تصدر من الطرف الآخر) التي تصدر عن أبنائه،كان يريد من رشيد(وحاليا أخ رشيد المدعو اسماعيل) أن يظل ماكثا بمحاذاة الأغنام والأبقار،المهم هو ألا ترجع في المساء،وهي جوعانة (كل مساء يعمل أحمد على فحص كل بقرة على حدة لمعرفة ما إن كان رشيد قد قام بمهمته على أكمل وجه أو عكس ذلك،ويدعي أحمد،بل يعتقد اعتقادا جازما أنه خبير في كل شيء،و هذه من طبيعة وعادة العقلية الباتريركية المحلية التي تدعي معرفة كل شيء،ولا يجب أن نتعجب من هذا،على اعتبار أنه واقع معاش..هه) ،إن ما يغضب أحمد هو إذا وجد رشيد يلعب،وتاركا الأغنام،واللعب جوهره الحركة،وبمجرد ما يصل أحمد إلى المنزل عائدا من العمل،كان يأخذ إبريقا مليئا بالماء،ويتوجه نحو الصخرة،ثم يزيل سرواله،ويضع يده تنتظرالماء المتدفق،ويشرع في غسل مؤخرته وقضيبه،وبينما هو يقوم بعمله هذا،يظهر له رشيد تحت الصخرة يجري هنا وهناك،لم يعرف أحمد ماذا يطرد رشيد! هل رشيد جن؟هل رشيد يطارد الأشباح؟ المهم هو أن رشيد يقفز على الدومة تلو الأخرى،ويطير من صخرة لأخرى،"صرفق" أحمد مؤخرته على وجه السرعة،وأصعد سرواله حتى لا يظهر لإبنه مؤخرته السوداء التي تشكل عارا بالنسبة لأحمد(وللعقلية الباتريركية عموما،وأتذكر هنا أحد الرفاق الذي كان يلعب إلى جانبنا ضمن الفريق المحلي الكرزازي،وكان سرواله ممزقا من الأمام،وإذا بواحد من رفاقنا طرح عليه سؤالا:"ألم تنتبه إلى سروالك الممزق من الأمام "،فأجاب الرفيق:"ليس العيب أن يكون السروال ممزقا من الأمام،وإنما العيب في الوراء،فهو أم المهزلة،وأتذكر حوارا أجريته مع أحد الأفراد الكرزازيين وقال لي بالحرف:"لو لم يكن الدين أو القانون لقمت باقتلاع هذه المؤخرة اللعينة،فهي تنقص من الرجولة..)،غير أن ما انتهى أحمد حتى ظهر ولد آخر إلى جانب إبنه ،إنه بوشعيب،إبن أخيه،كان شخصا قصير القامة،وماهر الصيد،خاصة صيد الطيور والأرانب،مستعملا في ذلك "النشبة"،والفخاخ،تعرف عليه أحمد بسرعة،وهذا زاد من عدوانية أحمد،وضاعف من جهنميته ،فأحمد يكره العائلة(لأنه صغيرها،وهذا يتناقض مع الباتريركية التي تعطي قيمة للإنسان الكبير في السن)بدءا من الأبناء ووصولا إلى أقرب الأقرباء،والعكس صحيح بالنسبة للأبعاد،وصاح ينادي عليهما:"آآآآية المريههه،آىىآية المدلولهه............."ولكي يميز بين الإثنين،سار ينادي على إبن أخيه بألفاظ تصغيرية ويقول له:"آآآآآآآية المرية(تسكين الميم،وتضعيف الياء)..،آآآية المديليلههه،أية الطيوكههه"،وليس هذا فقط فكان ينادي على إبنه(رشيد بالطبع):"أنا كتلك(أقول لك) هوالي(منذ مدة) إلا سرح بوشعيب هنا سرحي تي لهيه،بمعنى (إذا رعى بوشعيب هنا ينبغي أن ترعي أنت في مكان بعيد عنه(وهنا أحمد يعمل على تأنيثه))،ونفس الشيء بالنسبة لإبن أخيه،ولكن بألفاظ تصغيرية كالعادة،وما يمكن استنتاجه،هو أن كلمة "مرية"،جاءت من المرأة،بمعنى أن كل رجل أو طفل لا يتقيد بممارسة الرجال الكبار،يصبح كالمرأة،على اعتبار أنها في نظر العقلية الذكورية المحلية تقوم بأشياء غير" منتظمة و"عبثية"،و"المدلولة"هي صفة من صفاتها بناءا على فعلها تلك الأفعال...ونفس الشيء بالنسبة للكلمات الأخرى..ولهذا رشيد في نظر أحمد،يمارس اللعب يعبث كالمرأة.
نهاية
عبد الله عنتار- تاريخ كتابة هذه القصة على الكمبيوتر24-09-2011
....................................................................................................................................................
(1)هذه القصة مقتطفة من روايتنا التي تحمل عنوان الغمام الأسود،والتي ننتظر فرصة نشرها حتى تتاح لنا الفرصة،وهذه الفرصة هي ميلاد ثورة ثقافية تعمل على تصفية جميع الممارسات البعيدة عن أخلاق الثقافة ولاسيما التدابير المتخدة أثناء عملية النشر.
(2)رشيد هو شخصية بارزة ورئيسية في هذه القصة،وهو شخصية واقعية تبلغ من العمر الآن 24 سنة،لكن فصول هذه القصة دارت في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثالثة،لم يعد رشيد يرعى الأغنام الآن،فبعد فشله في مواصلة دراسته خلال المرحلة الإعدادية،أصبح يقوم بعملية" ترياش " الدجاج في أحد أسواق مدينة بنسليمان،لكن ما يهمنا نحن هو أن القمع ،ثم الكبث الذي طاله في الطفولة لازال يتمظهر في تصرفاته حتى الآن.ولقد أبرزنا ذلك ولو في بعض الجوانب البسيطة من تلك التصرفات.



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إكتشاف الحب-جبران خليل جبران-تعريب:عبد الله عنتار ‏‏
- دعوة للنضال من أجل الحرية والإنسانية
- أبو العلاء المعري-إحترام الحياة-تعريب :عبد الله عنتار
- النظرة الأطفالية في المجتمع الكرزازي:(تعبير عن الوجود و مواق ...
- مامعنى الإنفعال؟- فريدريك نيتشه- تعريب:عبد الله عنتار
- عظمة الإنسان - بليز باسكال-تعريب:عبد الله عنتار
- النظرة الأطفالية في المجتمع الكرزازي:(تعبير عن الوجود و مواق ...
- دوارنا بين الماضي والحاضر٬ رصد لموارده الطبيعية والبشر ...
- أرضي-حياتي
- دراسة وصفية:الفضاء العام (الحديقة العمومية-نموذجا)-حديقة الح ...
- عنفوان تحت الرماد
- متى تنهض المرأة الكرزازية؟*
- آيروستي
- الإسلام و قيود التاريخ(1)
- سقطت الكفاءة وانتصرت الإنتهازية والتملقية
- مدينة خضراء التي قيل أنها مدينة خضراء؟!!!!
- الثورة المنسية
- أية تنشئة نريدها لمغرب اليوم؟
- نقد الإنتخابات المحلية(1)
- دور الجنس في تغيير الشروط الإجتماعية


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - يوميات طفل قروي كرزازي (1)