أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - الوعي الزائف والعقل البديل















المزيد.....

الوعي الزائف والعقل البديل


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 3485 - 2011 / 9 / 13 - 17:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إنعقدت المحكمة العسكرية بكامل هيئتها. جلس الجنرالات في صدارة المشهد وعلي مقربة منهم ممثلو الادعاء. إمتلأت القاعة بالضباط والجنود وأشار رئيس فرع الاستخبارات العسكرية علي القائد العام بالسماح لبعض خبرائه من المدنيين حضور هذه المحاكمة. دقائق واكتظ المكان بالمتهمين من العسكريين وعلي اختلاف رتبهم ، كان بادياً عليهم علامات الخوف والترقب. أشار الحاكم العسكري بيده فنادوا علي المتهمين من الأول وحتي الخامس عشر، وبعد أن تلوا عليهم عريضة الاتهام مشفوعة بالقيد والوصف لما ارتكبوه من خروج علي مقتضي الواجب العسكري في أثناء الحرب. سأل رئيس المحكمة المتهم الأول: ما قولك فيما هو منسوب إليك بأنك لكمت قائدك المباشر لكمات متتالية كادت أن تذهب بإحدي عينيه. تململ الرقيب المتهم في وقفته وتمتم قائلاً: سيدي الجنرال أنا لا أعرف كيف فعلت هذا، كنت أقف أمام الطابور بينما القائد يستعرض الجند وهو في طريقة دهس قدمي بحذائه الثقيل فطار صوابي وفقدت عقلي ذلك أنني لم أخلع حذائي قرابة عشرين يوما كانت فيها أصابعي قد تورمت وأصابتها القروح ولم أشعر بنفسي إلا بعد أن قيدوني وأوسعوني ضرباً وعنفاً لأني تجاوزت كل الحدود مع سيادة القائد.
وجه الجنرال سؤاله إلي العريف المتهم الثاني: ما قولك فيما هو منسوب أليك في أنك ضربت قائدك الميداني ضرباً مبرحاً حتي كدت أن تكسر فكه. وأجابه مباشرة: سيدي الجنرال ما إن رأيت السيد الرقيب يكيل اللكمات للقائد حتي ظننت أن الحرب قد انتهت!. وتعددت الأقوال والإجابات من المتهم الثالث وحتي الخامس عشر كلها تدور حول أسباب شخصية متعلقة بأفكار الجند وثقافتهم وإدراكهم وحجم معاناة كل منهم وقدرته علي التحمل والصبر. فبرغم انتصارهم في معركة ستالينجراد وبرغم أن القائد كان يستعرض جنده ليشد من أزرهم ويهنئهم ويفخر بشجاعتهم وقدرتهم علي تحمل صعوبات الجو وأنواء الطبيعة وعناد العدو الألماني وقوة تسليحه بما جعلهم لا يزالون علي قيد الحياة مخلفين وراءهم عدواً مهزوماً، ورغما فقد حاولوا الفتك بالقائد دون أن تكون له جريرة مباشرة في معاناتهم وعذابات أيامهم الطويلة. فمنهم من رأي في القائد ذلك العزول الذي حال بينه وزوجته وأولاده فاعتدي عليه، ومنهم من كانت تعذبه رائحته الكريهة واتساخ ملابسه" ففش غله" في القائد، ومنهم من اشتاق لمحبوبته وأقرانه يسهر معهم عطلة السبت في أحد المشارب أو المراقص فضرب القائد، ومنهم من رأي الآخرين يضربونه فأوسعه بدوره صفعاً وركلاً دونما سبب ظاهر.
إنه الوعي الزائف والضمير الجمعي الحائر وهو العقل البديل الذي ظهر فجأة من أعماق الجند موجهاً نحو القائد دونما خطأ ارتكبه في حقهم أو ذنب. تلك كانت فحوي التقارير التي كتبها المدنيون الذين حضروا المحاكمة والذين جاءوا من تخصصات مختلفة في علوم النفس والاجتماع والاتصال. وهنا كانت الدراسات الميدانية لنفسية الجنود واحتياجاتهم الإنسانية وكذا تأثير الجبهة الداخلية علي العسكر ومعنوياتهم وبدأت دراسات علوم الاجتماع السياسي الحديث ومؤشرات الرأي العام وفروع المؤسسات العسكرية في التعبئة العامة والتوجيه المعنوي وغيرها كثير من مستجدات ما بعد الحرب العالمية الثانية في صناعة المعرفة وتوجيه العقول والتضليل الاعلامي والوعي المعلب والوعي البديل. ومن هنا تعلم محركو الدمي الكبار في السياسة والإعلان ووسائل الاتصال في العالم كيف يجذبون خيوط الرأي العام وكيف يتلاعبون بالعقول والضمائر والمفاهيم. وتعلموا أيضا كيف يؤدي التضليل الإعلامي للجماهير دوره بنجاح بما يكفيهم الحاجة إلي إتخاذ تدابير سياسية بديلة. وكان هنا مكمن الخطر.
علي أن التضليل الاعلامي للجماهير كان واحداً من الفنون القديمة قدم المجتمعات الإنسانية ومنذ نشأت التجمعات البشرية وقبائلها في مجتمعات الرعي والبداوة ومن ثم دول مابعد الثورة الزراعية وما تلاها من عصور البخار والصناعة والكهرباء والذرة في دولة ما بعد الحداثة. وارجع إلي أشعار فرجيل وهوميروس والإلياذة والأوديسة وجلجامش وإلي أعمال سوفوكليس وحرب طروادة وغيرها من الأعمال والأدبيات القديمة لتري كيف استخدمت الأساطير في حشد الرأي العام وتعبئته وتوجيهه وأحيانا تضليله. وكما يقول خبير التربية "باولو فيريري" إن تضليل عقول البشر والتلاعب بها ما هو إلا أداة للقهر وهو واحد من أهم الأدوات التي تسعي من خلالها النخبة إلي تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة ومن ثم السيطرة عليها. والقهر هنا مفهوم إجتماعي ومعنوي أكثر منه مفهوم مادي بمعني العنف والتسلط.
في كتابه »المتلاعبون بالعقول« يقول»هربت شيللر« أستاذ علوم الاتصال بجامعة كاليفورنيا بسان دييجو: إن وسائل التضليل عديدة ومتنوعة وأهمها السيطرة علي المعلومة والصورة في محطات الإذاعة وشبكات التليفزيون والصحف والمجلات وصناعة السينما ودور النشر، وكلها تقوم بدورها الفعال والنشط في تضليل الرأي العام. وذلك نفسه ما حدث مع المتهم الثاني في محاكمة "ستالينجراد" فقد رأي صورة موحية ومؤثرة وهي مضللة أيضا لزميله الذي يضرب القائد لسبب يخصه هو وألم يوجع قدمه المعطوب لكنه وبتأثير الوهم وعدم دقة الإدراك قام هو أيضا بضرب القائد. ومثله يحدث معنا جميعا. وطالع الصحف والدوريات وبعض الفضائيات لتري كيف نقوم جميعا بتضليل الرأي العام وبدلاً من تنويره كيف نقوم بهدمه وقهره وتحقيق أجندة أعدائنا في تزييف الوعي ونظريات الفوضي الجهنمية التي يستهدفوننا بها ليل نهار. انظروا إلي راديو سوا وقنوات "الحرة" والجزيرة وغيرها من الفضائيات التي تستهدفنا بالصورة وخلق الوعي البديل، الوعي الـ Take away الوعي المعلب في السوليفان والأمبولاج الرقيق الجميل ذات المحتوي المضلل الخطير، عن السلام والتعايش وتقبل الآخر وحق إسرائيل في الدفاع عن النفس.
يا سادة يامن تتلاعبون بالعقول والضمائر والمفاهيم ودونما دراية تقومون بصناعة العقل البديل والوعي المعلب في صورة وفي خبر. اتقوا الله في هذا الوطن ولا تدفعوا الرأي العام للسقوط واليأس والقهر والمفارقة. استعيدوا دوركم المغيب ربما عن غير قصد. أنيروا للرأي العام طريقه واحشدوه نحو مشروع قومي عربي للتحديث والنهضة ولا تشغلوه بما لاناقة له فيه ولا جمل.. لا تحاكوا من دهست قدمه المتورمة ولا من حسب أن الحرب قد انتهت، وتساءلوا أين مشروعنا للمستقبل؟ وكيف نصنعه؟. وكيف ندفع عنا هذا التجبر الإسرائيلي والانحياز الأمريكي والتواطؤ الأوروبي.
واقرأوا معي أمل دنقل في ديوانه "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" حيث يقول: ياصاح حين يأتي الصبح في المذياع بالبشائر/ أزيح عن نافذتي الستائر/ فلا أراك / أسقط في عاري بلا حراك/ أسأل إن كانت هنا الرصاصة الأولي؟/ أم أنها هناك؟؟ . هكذا استشرف أمل ما نحن فيه وتكلم به. ومن أسف فالرصاصة الأولي كانت هنا وجهناها إلي صدورنا في لحظة ساقطة في تاريخنا العربي وكأنها غيمة كبيرة تعامينا فيها عن حقيقة الصراع فلم نعرف علي من نطلق الرصاص وتشاغلنا بحرب البسوس وداحس والغبراء، بينما الذئب يرعي آمناً بين ظهرانينا وينعم بغفلتنا وتغابينا، لايجد من يوقفه عند حده، فتمدد وتنامي وتجبر وتطاول وعربد وتجاوز كل الحدود غير عابئ بقانون دولي أو نظام عالمي، بينما نحن نعيش الوعي الزائف والضمير الجمعي الحائر والعقل وفاتنا أن حسن النوايا لاتجدي مع من لاخلاق ولارادع لهم.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبدعون على الشاطئ الآخر
- الموتى لا يروون حكاياتهم
- المثقف المجتمع والسلطة
- إناللا هاموهى تونبلكا فيرينا
- العلم ساحر الغيوب
- البرتقالة الرخيصة
- معجزته ليست في ذاتها
- لن تخبو نار بروميثيوس
- أوهام التعليم العالي وخطاياه
- مطعم القردة الحية
- صفحات في ذاگرة التراث
- ذهنية -خراسان- وأصولية السياسة
- أقروا الماجنا كارتا وخذوا كل المقاعد
- إنتاج وإدارة المعرفة
- »فصل المقال فيما يكتب عن الدستور أو يقال
- ضرورات الثورة ومحاذير الفوضي
- الكومبرادور يحاول إغتيال الثوره
- إستراتيچيات المشروع العلمي للثورة
- الزمن ما بين نيوتن وجويدة
- عن الثورة وجمال عبد الناصر


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - الوعي الزائف والعقل البديل