أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - العلم ساحر الغيوب















المزيد.....

العلم ساحر الغيوب


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 3470 - 2011 / 8 / 28 - 01:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من منا لم يكن ذلك الصبي تحمله أحلامه للمستقبل وتتوق نفسه إليه، وكم من كهل يغالبه الشوق لأيام الصبا وذكري الماضي ويتحرق شوقاً إليه، إنها "النستالجيا" وكلنا معانيها بدرجة أو بأخري، فمنا من هو قادر علي ترويضها ومنا من تسيطر عليه "نستلجاه" فيصير أسيراً للماضي، تتوقف عنده ذكرياته وأفكاره وقناعاته وأبطاله فيخاصم الحاضر ويغترب عنه، وربما غادره إلي التطرف والتشدد والعنف، وسواء كانت نستالجيا أو تطلع للمستقبل وإطلالة علي زمن آت، فإنها محاولة للسفر عبر الزمن، وأظنك للوهلة الأولي تحسبها فكرة مجنونة، لكنها بالعلم والعقل ونظام الكون وقوانين الفيزياء هي رحلة ممكنة ومحتملة وغير مستحيلة. كيف؟

نحن بالفعل مسافرون عبر الزمن لا بالخيال وحده وإنما بالعقل والفكر والكيان، ليس هذا من قبيل الفلسفة أو تعقيد الأمور ولكنها الحقيقة، فأنت عندما تطالع مقالي هذا بينما تجلس في مقعدك الوثير تستمع إلي الموسيقي حولك وتدقق في كل حرف أكتبه وكل فكرة أناجيك أو أفاجئك بها فتأخذك الساعات من حاضر إلي مستقبل علي مقربة منك. وربما جاءت كلمة في مقالي أو فكرة لتردك إلي ماض تعتز به وإحساس بالوجد والشوق فتبحر بالخيال إلي ذاكرة أحصيت فيها ما كان وما جري، حيث تلتقي نفسك وأقرانك هناك وتعيش اللحظة قصرت أو طالت مع ذكريات الماضي، يوقظك منها محاولتك استعادة كلمات المقال حيث تتمني السفر إلي المستقبل مرة أخري، وهكذا نحن إذن مسافرون في الزمن وعبر معظم أوقاتنا. هكذا أنا وهكذا أنت مسافر زاده الخيال والشوق والعلم والإحتمال.

ليس هذا وحده وإنما يمكنك أيضاً أثناء النوم وفي أحلامك أن تسافر باللاوعي، بالباطن والروح عبر الزمن فتري رؤية قد تتحقق في القادم من الأيام أو ترتد إلي الماضي حيث تلتقي هناك من رحل من أحبابك وأقاربك وأصدقائك، وكأنما هي رحلة تستعيد الماضي وتؤكد إستمراره داخلك وتمدده في لاوعيك وذاكرتك وروحك، وهو ما يؤكد امتلاك الإنسان لآلية فريدة تتيح لعقله وروحه الإنطلاق من إسار الواقع وتعقيداته والسفر عبر الزمن، وهكذا يمكنك بالخيال والأحلام أن تسافر إلي الماضي لتجري مقابلة مع عبد الناصر أو عبد الله النديم وأن تتقابل مع ابن حيان التوحيدي أوالظاهر بيبرس وسيف الدين قطز أو تخطف رجلك للمستقبل وتقابل حفيد الرئيس الثلاثين بعد باراك أوباما.

وهكذا أيضاً مع "اليوجا"، فما اليوجا إلا حالة عميقة من التأمل والتركيز في ممارسة روحية ورياضة ذهنية تمكن صاحبها من السفر بحرية عبر الزمن حيث يمكنه مراجعة الماضي وإسترجاعه والإطلال علي المستقبل وإحتماله. وليس في هذا تجديف بصحيح الدين حيث لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالي لكننا نقصد بالمستقبل رؤية ذهنية فيها من الاستشراف والإحتمال أكثر مما فيها من الحقيقة.

في بواكير الصبا قرأت لعالم روسي قصة "إستعدوا للرحيل" حيث يحكي تجربة عودته من الموت وفي العام 2005 كان أكثر الكتب مبيعاً هو "الحياة بعد الموت" للطبيب النفسي وأستاذ الفلسفة في جامعة كارولينا الدكتور "رايموند مودي" والذي تحول إلي فيلم يحكي قصصاً مشوقة لرحلة العائدين من الموت وسفرهم عبر الزمن جيئة وذهاباً، وتطابقت الروايات جميعها في أنه عندما يواجه الإنسان الموت يمر عليه شريط حياته خلال ثوان معدودة فيري نفسه وهو يدخل المدرسة أول مرة وتتوالي المشاهد بسرعة أمامه كما لو كان شريط فيديو يتم تسريعه للخلف والأمام فيمر بمحطات حياته وذكرياته وقد يري مستقبل إبنه الذي تركه صغيراً وإذا به في حفل تخرجه في الجامعة. وقد اتفق معظم العائدين من الموت بأنهم رأوا ضوءاً مبهراً شديداً وشعروا بجاذبية قوية تدخلهم في أنبوب حلزوني ينتهي بفتحة في نفق دودي وضوء مبهر يأخذهم إلي عوالم السكينة والتسامح والرضا.

لم يكن السفر عبر الزمن فكرة داعبت خيال العلماء وطموحهم فحسب ولكنها تحولت حلماً ملأ الدنيا وشغل الناس وتلاعب بأفكار الكتاب والأدباء فقدموا للسينما أعمالاً غاية في الإثارة والتشويق، كان أولها هو ما قدمه رائد الخيال العلمي هربرت جورج ويلز في روايته "آلة الزمن" عام 1895 وانتجتها السينما الأمريكية في عدة معالجات كان آخرها في عام 2002 وتوالت الروايات والكتابات والأفلام حول السفر عبر الزمن، وأكدت معطيات العلم الحديث إمكانية هذا رغم بعض التناقضات، ذلك أن الإنسان يعيش علي الأرض زمناً حقيقياً، فكيف له أن ينتقل في العوالم الأخري وفضاءات الكون إلي زمن تخيلي له إيقاع وتسارع هو بالضرورة مختلف عن مثيله علي الأرض.

وتوضح لنا فيزياء الكون الغنية بمعادلاتها وظواهرها أن بإمكانها أن تنقلنا من نقطة إلي أخري علي منحني الزمان- المكان "الزمكان" وأوتاره الفائقه وبما يحقق لنا السفر عبر الزمن من خلال أنفاق في الكون سماها العلماء الثقوب الدودية أو الحلزونية بسرعات تصل إلي عشرات السنين الضوئية، والسنة الضوئية هي حاصل سرعة الضوء " 300 ألف كم في الثانية" مضروبة في 60 دقيقة *60 ساعة* 24 "يوم"* 365 "سنة" أي 9.47*1015 m ) متر)، أي أن السنة الضوئية تتحول بهذه المعادلة من زمن إلي مسافة، ومن هنا تصور العلماء أنك لو ركبت سفينة فضائية تنطلق بسرعة الضوء واستغرقت في الفضاء فترة محسوبة فعند عودتك يكون عمرك قد زاد سنة بينما زاد عمر الأرض مليون سنة، وهكذا تكون قد انتقلت لتري مستقبل الأرض والدنيا والكون. إنه السفر عبر الزمن.

وحتي لا تختلط عليك الأشياء، أذكرك بأن أبعد مسافة قطعها الإنسان في الفضاء هي 400 ألف كيلو متر في رحلات سفينة الفضاء الأمريكية أبوللو. من هنا يتضح لك حجم صعوبة السفر عبر الزمن بمقدراتنا وقدراتنا العلمية الحالية، فما نملكه من أسس وظواهر وقرائن ونظريات علمية يبدو للوهلة الأولي أكبر كثيراً من إمكاناتنا واستعداداتنا العملية، وربما كان ذلك هو السبب في قول كثير من العلماء بإستحالة السفر عبر الزمن في عصرنا الحالي مالم نتمكن من السيطرة علي مصادر الطاقة علي الأرض ومن إكتشاف وتحديد خيوط الكون هذه أو أوتار الطاقة الممتدة حوله في تشكيل حلزوني أشبه بالاسباجيتي الرفيعة لكنها ذات كتلة هائلة تسبب إنحناء متصل الزمان بالمكان. هذه هي حقائق الكون، فهل تستطيع خيالات العلم ترويضها والسيطرة عليها.

إنها "حقائق الكون وخيالات العلم" وهاقد عدت معك إليها إجابة لتساؤلات القراء الذين استهوتهم قصة العلم فابحروا معي إلي ذاكرته وأعماقه، وبينما ذهبوا إلي حال سبيلهم تركوني مع عبد الوهاب يغني: مسافر زاده الخيال، والسحر والعطر والظلال، ظمآن والكأس في يديه، والحب والفن والجمال، شابت علي أرضه الليالي، وضيعت عمرها الجبال، ولم يزل ينشد الديارا ويسأل الليل والنهارا، والناس في حبه سكاري، هاموا علي أفقه الرحيب، آهٍ علي سرك الرهيب وموجك التائه الغريب، يا واهب الخلد للزمان، يا ساقي الحب والأغاني، يا ليتني موجة فأحكي إلي لياليك ما شجاني، وأغتدي للرياح جارا وأحمل النور للحياري، فإن كواني الهوي وطارا، كانت رياح الدجي نصيبي، آهٍ علي سرك الرهيب وموجك التائه الغريب، يا نيل يا ساحر الغيوب.

إنها قصيدة النهر الخالد للشاعر محمود حسن إسماعيل يتغني بالنيل، وتمثله معي يغني للعلم، فهل يستقيم المعني، جرب وأنشد معي: آهٍ علي سرك الرهيب وموجك التائه الغريب، يا "علم" يا ساحر الغيوب.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البرتقالة الرخيصة
- معجزته ليست في ذاتها
- لن تخبو نار بروميثيوس
- أوهام التعليم العالي وخطاياه
- مطعم القردة الحية
- صفحات في ذاگرة التراث
- ذهنية -خراسان- وأصولية السياسة
- أقروا الماجنا كارتا وخذوا كل المقاعد
- إنتاج وإدارة المعرفة
- »فصل المقال فيما يكتب عن الدستور أو يقال
- ضرورات الثورة ومحاذير الفوضي
- الكومبرادور يحاول إغتيال الثوره
- إستراتيچيات المشروع العلمي للثورة
- الزمن ما بين نيوتن وجويدة
- عن الثورة وجمال عبد الناصر
- من الثورة إلى النهضة..كيف؟
- إنتروبيا العلم والسياسة
- التعليم واقتصاد المعرفة
- العلم شفرة النهضة ورهانها
- براءة الثورة ودهاء السياسة - المجلس العسكري والثورة مابين مط ...


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - العلم ساحر الغيوب