أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - معجزته ليست في ذاتها















المزيد.....

معجزته ليست في ذاتها


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 3468 - 2011 / 8 / 26 - 22:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هو تقي الدين أحمد بن علي المقريزي، شيخ المؤرخين المصريين والذي لم يسلم شأن غيره من الرواد والأساتذة، من خيانة بعض تلاميذه ممن تقولوا في حقه نفاقاً وتزلفاً لبعض الوزراء والمماليك ممن حقدوا عليه لعلمه وقوة شخصه واحترام الناس وحبهم له، ورغمها أنصفه أولو العلم والمروءة وحفظ التاريخ اسمه واحتفي بأعماله وأفكاره، بينما اندثر كل أثر لحاسديه ومناوئيه فقد كانوا من أصحاب النفوس الوضيعة والمنبت الرخيص. في كتابه »إغاثة الأمة بكشف الغمة« أو »تاريخ المجاعات في مصر«، إستطاع المقريزي أن يحدد الأسباب التي أدت إلي حدوث ست وعشرين مجاعة وصفها واحدة تلو أخري وأوضح صورها وأسبابها وحمّل مسئولية هذه المجاعات للحكام الغافلين عن مصالح العباد، والغارقين في ملذات الدنيا وعبثها. ويخلص المقريزي بعد جهد وتحليل ودرس وتدقيق إلي أنه بالعمل والجد والأخلاق، لا الكلام والخلاف والشقاق، تكون إغاثة الأمة وكشف الغمة. ولقد كتبت لكم ذات مرة تأكيداً لذلك المعني قصة رمزية علي غرار ما جاء في كتاب »الإمتاع والمؤانسة« لأبي حيان التوحيدي، تقول القصة:

لما كانت السنة السبعون بعد المائة الثالثة من الهجرة اشتعلت خراسان بالفتنة وغلا السعر وأخيفت السبل وكثر الإرجاف "القيل والقال" وساءت الظنون وضجت العامة، ولأنه كان شاباً حسن الخلق طيب المنبت فقد عافت نفسه بلايا طلاب الدنيا فآثر أن ينخرط مع واحد من شيوخ الصوفية أولئك الذين رضوا من هذه الدنيا بكسرة يابسة وخرقة بالية عله يعلمه ويؤدبه. ظل علي هذا الحال ينهل من العلم والتبصر حتي أعطاه الشيخ عهده ودفع به إلي غيره يلتمس عنده بعض علوم اللغة والمنطق وأحكام القرآن. وأتم صاحبنا ذلك أيضاً وعندما أرشده شيخه أن يذهب إلي تقي صالح في "سامراء" ليكمل معه طريق السالكين إلي الله.

أسر له باسم الشيخ وذهب صاحبنا "بلاد تشيل وبلاد تحط" وعلي مشارف المدينة وجد رجلاً في خيمة مبهرجة، كان طويلاً عريضاً يتقدمه كرش غليظ، سأله الشاب عله يدله علي طريق الشيخ الصالح الذي نذر نفسه ليكون في خدمته وطاعته ليعلمه ويؤدبه ويدله علي طريق السالكين إلي الله، وهنا دارت في رأس عريض المنكبين أن ينتهز الفرصة فيستغل جهد ذلك الشاب وعلمه، فقال له: ها أنت بين يدي بغيتك، فقل لي هل تأجرني-أي تعمل عندي- ثلاث قروء سنوات - لتوفي عدتك وأعلمك فإن أكملتها خمس فمن عندك. وافق الشاب حسن النية طيب المنبت.

كان يقضي يومه في رعي الغنم وحلب الماشية وغزل الصوف ونسجه وحرث الأرض وزرعها ذلك أنها كانت علي مشارف نهر كبير وكان يعد لصاحبنا مأكله وملبسه ويرتب فرشه وحاجاته وكان كلما سأله عملاً أجابه وطاوعه. غير أنه لاحظ أن أخينا لا يعلمه شيئاً ولا يقدم له علماً بل علي العكس هو الذي ينهل من علمه ومعارفه ويستزيد منه. ضاق الفتي الطيب بذلك الحال فسأله لماذا لا تعلمني وتؤدبني يا شيخنا الكريم وأنا الذي أتفاني في خدمتك وطاعتك. فأجابه بخبث: يا بني لا تغرنك المظاهر فطريقنا إلي علام الغيوب يقين قلب لا علم ظاهر، وأنا أعلمك بإشغالك وأؤدبك بإرهاق حالك، ففي جهدك واجتهادك حكمة وفي سيرك معي ندوة وعبرة وفي قربك مني طاعة وحظوة، وإني لأنقل إليك عهد السالكين بالنظرة وحال المقربين بالصبر والحرمان والندرة، فاصبر واحتسب واعمل واجتهد واسجد واقترب، فإذا ما قل سؤالك وزاد انشغالك تحسن من الحال إلي المحال مآلك وكان كما السالكين العارفين حالك، فتأتيك دون أن تسألني الإشارة وتري بأم عينك مع بزوغ الشمس العلامة والبشارة، فإذا بك بلا أجنحة في الهواء تطير وبلا زورق ولا مجداف علي الماء تسير، فلا تشغلن بالك بالسؤال والتفكير فإنه جل جلاله له الملك بيده الخير وهو علي كل شئ قدير.

فلما انتهت عدته وأتم عامه الثالث أعاد سؤاله لصاحبنا "المستغل" فطلب منه أن يزيد علي عدته بضعة شهور وأسابيع وأيام. بعدها ولأنه كان مخاتلاً خداعاً لا شيخاً صادقاً قرر الخلاص من الفتي الطيب بأن قال له الآن جاءتني الإشارة وها هي ذي العلامة، إصعد إلي هذه النخلة العالية وقل يا علام الغيوب يا صاحب الملك والملكوت أعني علي الوصول إلي طريقك ثم ألقي بنفسك من فوق النخلة فإذا بك تطير إلي حيث يريدك الله.

كان إيمان الفتي بالله وقدرته ومشيئته أكبر من قدرته علي تكذيب من حسبه شيخاً صالحاً، وكان حسن خلقه ومنبته باعثاً لتصديق كذبه وخديعته، فإذا بالفتي يصعد النخلة وصاحبنا يرقبه في سعادة ظاناً أنها ساعة الخلاص قد حانت فهو إما واقع علي الصخرة تحت النخلة فتدق عنقه ويموت أو غارق في النهر لا محالة، لكن لصدمته ودهشته فقد إلتاث عقله وارتعد جسده وهو يشاهد الفتي وقد طار بالفعل وإذا به ينزل علي سطح النهر فيمشي فوق الماء بمشيئة الله. بهت المحتال الكاذب وكانت نهايته بالفضيحة والجرسة فقد انتشر خبر الفتي الصالح بين الناس الذين أخبروه أنه أفني سنواته في خدمة دعي عاطل عن كل موهبة وسألوه كيف فعلت هذه المعجزات فقال لهم أنا لم افعل إنما هي إرادة الله. ألم تعرفوا قصة سيدنا إبراهيم وهم يعدون حوله الحطب لحرقه جاءه سيدنا جبريل وقال اطلب يا إبراهيم العون من ربك وكانت كلماته عليه السلام: إنه يسمع ويري، فعلمه بحالي يغنيه عن سؤالي، فشملته عناية الله سبحانه وتعالي وكانت النار برداً وسلاماً علي إبراهيم. أليس هو القادر سبحانه الذي أعطي معجزته لسيدنا عيسي عليه السلام فصار يحيي الموتي ويبرئ "يشفي" الأكمه "الأعمي" والأبرص بإذن الله، أما أنا فأعاهدكم ونفسي ألا أحاول ذلك مرة أخري، وبر وعده وأقام بين الناس يعلمهم ويأكل من كد يده ذلك أنه تعلم الدرس واستوعب عبرته. لقد أيقن الفتي أن معجزته ليست في ذاتها إنما هي فتح من الله ليؤكد عنده قيمة العمل والإخلاص فيه.
المستفاد من القصة الرمزية هو قيمة العمل التي نسيناها جميعاً وتفرغنا لافتعال الخلافات والمشكلات ومرسل الكلام والادعاء والتلفيق والاتهام، وتمسكنا بالفروع دون الأصول، والتوصيف والأراجيف دون العلاج والحلول، وتهافت الجميع علي المكاسب والمناصب والمغانم وغرقوا في الخاص علي حساب العام، بينما البلد بطولها وعرضها، بأبنائها وبسطائها كأنهم الأيتام علي موائد اللئام، لاحكومة تسأل ولارقيب يحاسب، وكأنما تحولت مصر إلي فندق كبير جميعنا نزلاؤه لاملاكه وكمن يسكن مفروش لايهمه أن يخرب المكان أو يعمر فهي ليست مسئوليته. إن وطناً هذا حاله فبئس رجاله، وعلي المخلصين من أبنائه أن يهموا لنجدته ولايكون ذلك إلا بالعمل، كما قال المقريزي وكما كانت معجزة صاحبنا، ليست في ذاتها إنما في قيمة الإخلاص والعمل



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لن تخبو نار بروميثيوس
- أوهام التعليم العالي وخطاياه
- مطعم القردة الحية
- صفحات في ذاگرة التراث
- ذهنية -خراسان- وأصولية السياسة
- أقروا الماجنا كارتا وخذوا كل المقاعد
- إنتاج وإدارة المعرفة
- »فصل المقال فيما يكتب عن الدستور أو يقال
- ضرورات الثورة ومحاذير الفوضي
- الكومبرادور يحاول إغتيال الثوره
- إستراتيچيات المشروع العلمي للثورة
- الزمن ما بين نيوتن وجويدة
- عن الثورة وجمال عبد الناصر
- من الثورة إلى النهضة..كيف؟
- إنتروبيا العلم والسياسة
- التعليم واقتصاد المعرفة
- العلم شفرة النهضة ورهانها
- براءة الثورة ودهاء السياسة - المجلس العسكري والثورة مابين مط ...
- ثورة تبحث عن مؤلف .. (علي المجلس العسكري أن يتحمل مسئولياته ...
- -جمعة كشف المستور والبث التجريبي لدولة الخلافة‮-..  ...


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - معجزته ليست في ذاتها