أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - وليد مهدي - فؤآد النمري والمعضلة الماركسية (3)















المزيد.....


فؤآد النمري والمعضلة الماركسية (3)


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3403 - 2011 / 6 / 21 - 14:04
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


(1)

بعد قراءتي السابقة في مقالين عن الرفيق فؤاد وبحثه عن سوبرمان ، بتركيز القراءة على وجه التحديد في مقاله " حاجة العالم إلى لينين مرة اخرى " ، كان في النية استكمال القراءة مباشرة في مقاله " ماركسيون بلا ماركس " ، إلا إن النمري نشر موضوعاً بالغ الاهمية ويتعلق بموضوعه آنفاً ايضاً وهو :
انتهت الرأسمالية إلى انحلال وليس إلى ثورة ..
نقطة التلاقي بين " ماركسيون بلا ماركس " و قضية نهاية الرأسمالية للانحلال هي :
الطبقة الوسطى ...
التي يفتتح بها " ماركسيون بلا ماركس " بالقول :

{{ ليس ثمة أدنى شك في أن الطبقة الوسطى، ومنذ انهيار النظام الرأسمالي في سبعينيات القرن الماضي، شكلت وما زالت تشكل العدو الرئيسي للبروليتاريا، حيث كان الرأسماليون سابقاً، قبل انهيار النظام الرأسمالي ، يسرقون أقل من خُمس أو سدس إنتاج البروليتاريا على شكل فائض القيمة ، لكن الطبقة الوسطى اليوم تسرق أكثر من نصف إنتاج البروليتاريا من خلال تعطيل نفاذ قانون القيمة الرأسمالية ........................}}

ولعل الدوغما في هذا الخطاب غير المتفقة باي وجه مع صميم الماركسية العلمي المجرد تشكل بعداً واحداً ليس إلا من ابعاد هيكلٍ كبير وواسع في " المعضلـــة الماركسيـة " كما اسميها في موضوع اليوم ، مع ذلك ، هي من ضرورات الفكر الثوري الفاعل والمؤثر في جماهير القرن الماضي ..
فعلى سبيل المثال ، وفي الفقرة اعلاه لقول السيد النمري ، فإن توظيف كلمة " يسرقون " التي وردت في سياق ٍ يحمل المعنى " كانوا يسرقون قليلاً وهم اليوم يسرقون اكثر " ويقصد الطبقة الوسطى ، نجد بأن هذا الاستعمال غير العلمي ، الثوري ، لمفردة " سرقة " قد فقد تأثيره وروحه الثورية المستحضرة في اجواء القرن الماضي ومناخ التأجج في الصراع الطبقي في المجتمع .. حين كانت مثل هذه الكلمات تؤدي دورها على اتم الوجوه !
كذلك حين يقول :
{{ لن يكون الماركسيون والشيوعيون أمناء لماركس ولينين ما لم يدركوا مسبقاً أن النظام الرأسمالي كان قد انهار في سبعينيات القرن الماضي }}
" يسرقون " و " خونة " و " امناء للينين " وسواها ... كانت وثابة ، موحية للشباب بضرورة استرجاع الحق الطبيعي بالفعل في سبعينيات القرن الماضي .. سالف الزمان ، حين كانت تغني " ميادة " : كان يا ما كان ..
اما اليوم ، فهذا جيلٌ مختلف ... وهو بحاجة إلى خطاب ثوري جديد يوائم ذهنيته التي لم تعد الماركسية المعاصرة مبالية بها وليس لها معها أي شكلٍ من اشكال التواصل ..
اين الدماء الماركسية الشابة القادرة على النهوض بالثورة التي يراد لها ان تقلب الهرم الاجتماعي ليكون اعجوبة في التاريخ كهرمٍ مدفون في الرمال قاعدته للأعلى وراسه للأسفل ..؟
وكيف " سرق " الإسلامويون هذا الجيل من الشباب قبل ان يستحوذ عليه فضاء العولمة الثقافية الافتراضي الذي شوه " الإسلام " بعد الحادي عشر من سبتمبر لتترك الماركسية مثل سفينة في صحراء ؟
الجواب الكلاسيكي طبعاً من قبل الحرس القديم هو " المؤامرة " التي لا انكرها ، لكنها ليست من المعرفة العلمية في شيء ، لان الحرس القديم يتحمل كامل المسؤولية عن عدم " الوقاية " من شر المؤامرة المستطير التي استغلت ثغرات كثيرة سنتحدث عن اهمها اليوم ..

(2)

الاستاذ فؤآد ، و في مقاله الاخير حول " نهاية الرأسمالية للانحلال .. " الذي كان قراءة تفصيلية ترقب حركة تاريخ الطبقة الوسطى بزاوية معينة ، اعطى صورة علمية بعيدة عن افكار التآمر بصورة ضمنية غير مباشرة يمكن ان اعتبرها جواباً علمياً مجرداً من الخطاب العاطفي للسؤال السابق ..
الدماء الشابة " المثقفة " في عموم بقاع الكوكب تميل للإندماج في هيكل الطبقة الوسطى المتمدد بشكل كبير ( وهذا يفسر بصورة سطحية لا مبالاتها بالأيديولوجيا ) ، وهذا لم يكن في حسابات الكثيرين كما يقول النمري في نفس المقال " انتهت الرأسمالية للانحلال وليس للثورة " :
{{ لم يخطر ببال أحد من آباء الشيوعية، ماركس و انجلز ولينين، أن النظام الرأسمالي لن ينتهي إلى الثورة ...... }}
اذ يصور النمري الطبقة الوسطى على إنها " كتلة صماء " تعاني على مر التاريخ من استقطاب بين الطبقة العاملة التي لا تمتلك القدرة على تحويل جهدها المبذول إلى قيم استعمالية قابلة للتداول في السوق ( البروليتاريا ) إلا بمعونة الرأسماليين الذي يستغلون جهدهم ويعطونهم اجوراً اقل بكثير من استحقاقهم الذي يذهب جل مردوده في جيوب هؤلاء المستغلين ..
والذي حصل هو " انحلال " الرأسمالية وتحول الثقافة والاقتصاد إلى " الاستهلاك " في كل شيء ، السلع ، المفاهيم ، كل شيء عابر مؤقت مستهلك ما إن يذهب حتى يحل محله بديل آخر غير اصيل ... وهكذا دواليك .. تكونت طبقة وسطى عريضة مشكلة النسبة الغالبة من التكوين الاجتماعي في مناطق مختلفة من العالم ، ( عادة هذه الطبقة لا تتبنى ايديولوجيا الثورة .. بسبب ما " تعانيه " من استقرار معيشي نسبي ! ) ..
( هذا كله يجري طبعاً ضمن فضاء " الفقاعة " الاقتصادية التي اغرقت بها الولايات المتحدة العالم بدولاراتها عديمة القيمة الاصيلة الفعلية ، وكذلك بسمعتها في السوق العالمية التي ضخمت قيمة اقتصادها وركائزه بأكثر من قيمته عشرات المرات .. )
هذا التصور موضوعي جداً وجلي ايضاً لكل من يشتغل في حقول بنى الاجتماع النظرية ..
وهو ايضاً يفسر لنا بطريقة بالغة اليسر سببا اساسياً للثورات العربية ، الازمة المالية العالمية ، وتنفيس بعض " الخواء " من فقاعة الاقتصاد العالمي التي صدعت الطبقة الوسطى وضغطتها للأسفل مع البروليتاريا بمدة قياسية محدودة تفسر سرعة هذه الثورات بمعونة وسائل الاتصال الحديثة وعدم تبنيها لأي ايديولوجيا سياسية ..
اقول بان النمري قطع عليّ الطريق واختصر الحوار حين بين بأن " الحالة الثورية " للمجتمع هي حالة طارئة وعابرة في التاريخ تتبلور نتيجة " انفلاش " ( على حد تسميته ) للطبقة الوسطى بذهاب ( او هبوط ) جل مكوناتها من الناس إلى البروليتاريا ..
لكن اسئلة ً كثيرة تبقى تنبعث كدخان المراكب البخارية الذي يجري وراءها في عرض البحر ، اسئلة تنكش وتنبش في الارضية العلمية وليست الدعائية للماركسية :
ألا يعني هذا بأن تمدد الطبقة الوسطى هو تمدد طبيعي ، في بناء اجتماعي طبيعي في هيكل عظيمٍ مقدسٍ اسمه " التاريخ " حسب فلسفة هيجل ؟
هل " السرقة " التي تحدث عنها النمري إلا مسالة تخضع للنسبية ، على اعتبار إن كل عملية بيع في السوق هي سرقة نسبية حين النظر إليها بمثالية مجردة ترى في " القيمة المضافة " على كل سلعة كأدنى حدود السرقة في واقعنا المعاش ؟
هل الثورة إلا حالة انتقال من ضفة تاريخية تمثل مرحلة إلى ضفة تاريخية تمثل الحالة الجديدة عبر " تأجج " روح حماسية ووعي جمعي ثوري كما يحدث في البلاد العربية اليوم ؟
بمعنى إن " انفلاش " الطبقة الوسطى مجرد مخاض ، الواقع الديناميكي لهذه الصيرورة مجرد مرحلة طارئة ، القرار والسكون في البنية الاجتماعية وما تمثله فيها الطبقة الوسطى هو المشهد الغالب ، و بالأحرى ، هو " النتيجة " التي يسعى إليها حثيثاً التاريخ !
فالبعد الثاني في " المعضلة الماركسية " إذن ، هو إن الحرس البلشفي القديم لا يعيش بدون الثورة ..
لا يمكنه لعب أي دور في التاريخ إلا حين يبلغ " الاستقطاب " او " الإنفلاش " في الطبقة الوسطى الذروة ...
لا يمكن لنظريته ان تسوق في الفضاء الثقافي العالمي مالم يكن هناك " لصوص " و " خونة " و " ناكري العيش والملح " كما نلاحظه في لضم النظرية الثورية لدى السيد النمري التي تتنقل من فصل إلى آخر في رواية " الاممية العادلة " بوساطة هذا اللحن المميز للبروبوغاندا البلشفية ..
لا انكر بان المرحلة الحالية التي تحياها الإنسانية تقف على شفير " انفجار " كوني تاريخي سيقود إلى نظامٍ عالمي جديد ..
وكما اشار السيد النمري في تعليقه على مقالي السابق ، هناك ازمة مالية عالمية خانقة ، ولربما احتاجت لشخص " ثوري " على غرار لينين ليجمع شتات البروليتاريا لإعلان الاممية الرابعة أو الخامسة ( ما بعد جماهيرية ملك ملوك افريقيا ! ) ..
لكن اعود لأؤكد لكل الرفاق في الحرس القديم :
هذا " السوبرمان " ، لن يكون له أي دورٍ في عالم اليوم إلا بعد تحطم النظام الرأسمالي بالكامل ( حرب عالمية ثالثة ربما التي تكاد تنضج شروطها المرحلية التاريخية بعد سنوات ) ..
حين يحلُ الخراب في العالم ، وتنفجر فقاعة الاقتصاد الامريكي التي لا تقوم على البترودولار فحسب ، وإنما " شهرة المحل " الذي تتمتع به الولايات المتحدة كجاذب للاستثمارات كونها الدولة العالمية الاقوى اقتصادياً و " عسكرياً " ..
فحين تتحطم هذه الركائز سيتهاوى نظام عالمي عتيد شيدته الحضارة الغربية خلال اكثر من قرن حتى قبل بروز الاتحاد السوفييتي ، هذا النظام حين ينهار ، سيُحدِث ُ صدعاً في بنية التاريخ بكل ابعاده الثقافية والاقتصادية والسياسية ، وهو ما لا يمكن للماركسية " المنغلقة " في علم الاقتصاد السياسي والتي ينَظّر لها النمري وبقية الحرس القديم أن تحتويه او حتى تعطي له تفسيراً وتضع لتداعياته القيمية والحضارية بدائل تفرض نفسها بقوة في اذهان اجيالٍ ربتها المعلوماتية ...!
لهذا ، لن يكون لينين القادم الجديد بالأحرى ماركسياً على الطراز النمطي الذي يتحدث عنه السيد فؤاد لأسباب عدة ..
كيف لمثل هذه الماركسية ان تضع نفسها بديلاً لثقافة الجينز و الفاست فود ، والبورنو ، أو توم جيري و ميكي ماوس .. ؟
ومن يتصور بان هذه الثيمات منتجات ثقافية انسانية عامة لا دخل لها بالايديولوجيا فهو واهم ..
فالرأسمالية .. هي ابسط الايديولوجيا واكثرها سذاجة إلى درجة ان نتصورها " لا ايديولوجيا " ..لأنها تتناغم مع العمق الفردي الغريزي والعاطفي ، وإلا ما كانت لتدخل في صراع تاريخي مع الماركسية المتناغمة مع التكوين الجمعي العقلاني " المجرد " للفرد ..
هذه الايديولوجيا الساذجة ( الرأسمالية ) هي التي انتجت ثيمات الثقافة البشرية المعاصرة ..
مثل مسابقات " الجمال " وصيحات الموضة و " ستار اكاديمي " ومن " سيربح المليون " و " اتصل لتربح " ..إلخ وهي كلها منتجات ثقافية وادوات انتاج ثقافي " فرداني " في الوقت نفسه تحض على الربح والمنافسة معززة البعد الثقافي للمنظومة الرأسمالية ... !!
( وهي تدخل ضمن المكونات الرمزية لأذهان شباب الثورة العربية العصرية بالإضافة إلى مكونات صقلتها الوقائع الجيوسياسية سيما القضية الفلسطينية وغزو العراق مع انها لم تمثل ثيمات اساسية للثورة ، فصوت المطالبة بالحقوق تعالى بفعل تعزيز الفردانية فيهم )
فكيف يمكن للماركسية التمدد مثلاً في ابعاد ثقافة هوليوود التي جاوزت العمق الفكري المثالي للإنسان البسيط في القرن التاسع عشر ، ووصلت ابسط فرد في القرن الحادي والعشرين بأعماقه الغرائزية الحيوانية مؤكدةً صوت الانا الخالد الحي الملتهب بشكل تفوق على " الف ليلة وليلة " مليارات المرات ؟
( باعتبار الف ليلة وليلة ثيمة أو رسالة من منتجات الوعي الجمعي للامة الإسلامية في عهودٍ ماضيات )

هذه الثيمات التي تخلقها اليوم النظم الهيكلية الاجتماعية الرأسمالية العولمية التي تتحكم بها الولايات المتحدة الامريكية لا تمثل نواتج عرضية مظهرية فقط ، بل تدخل ضمن دائرة إعادة تخليق الوعي لأفراد جدد واجيال جديدة فتصبح .. ادوات انتاج ثقافية ..
وهنا نضع اليد على بعد جديد من ابعاد " المعضلة الماركسية " وهو ضعف ادوات الإنتاج الثقافي و تأثيرها في الوعي الجمعي الإنساني العام ، دون ان ننكر وجودها في العالم الاشتراكي ..
فحتى قبل تفرد الولايات المتحدة بالعالم وقبل ان ينهار المعسكر الاشتراكي ، كان العالم الرأسمالي هو الذي يخلق هذه الثيمات الإنتاجية في الوعي ..
ولم نشهد حالة " تفوق " للمعسكر الاشتراكي في منتج ثقافي إلا في ومضة عابرة تمثلت استعراض الافتتاح لأولمبياد بكين في العام 2008 ..
اذ وقف العالم الحر ( الرأسمالي ) مبهوراً لأول مرة امام عظمة انتاج " الفكر الجمعي " الذي ابدع في تحويل الوف مؤلفة من المتطوعين لتشكيل لوحات فنية " تاريخية " و كأنهم إنسان واحد حتى قال الإعلام الغربي وقتها .. إن الغرب لا يمكنه بلوغ ذلك !
وهنا تكون " الصين " والمنظومة الاشتراكية في آسيا مرشحاً واقعياً قد يملا الفراغ الثقافي العالمي فيما لو حل و لكن ، قد لا تستطيع هذا بسهولة ..وقد تحتاج لفترة زمنية طويلة لتأسيس ثيمات ثقافية جمعية بديلة للمجتمع الإنساني ..
الماركسية الواقعية العلمية تحتاج ان تفهم إن دورها ينحصر فقط في نقل المجتمع البشري إلى مرحلة جديدة ، وإن الطبقة الوسطى التي تتخذها كعدو اثناء الثورة ، يجب عليها ان تقوم بإعادة بناءها فيما بعد الثورة بكافة الابعاد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، وإلا لن ينتظم البنيان ويكون مآل أي كيانٍ تؤسسه الانهيار كمصير الاتحاد السوفييتي ..
عليها ان تفهم ايضاً إن ثورة البروليتاريا التي اسست الاتحاد السوفييتي ليست فريدة ونادرة إلا بتجردها الثقافي الذي خلع عن الجماهير اردية ووشح القداسة والعصرنة وجعل الجماهير تنظر لنفسها في المرآة بانها الفاعل والمحرك الاول للتاريخ .. وليس " الله " كما اوهمتهم الديانات دون ان ننكر ما لدور العوامل اللابشرية ( الجغرافيا والبيئة ) في التاريخ كمحرك ثانوي ومساعد ..
أما " الرجال التاريخيين " فهو وهم الثقافة الارستقراطية الاوربية ما بعد النهضة والتنوير للبروليتاريا دون ان ننكر ايضاً الدور الثانوي لقادة " اللحظة التاريخية " ، ففيما عدا هذا .. هي كأي ثورة يقوم بها المسحوقون و المهمشون لها شروط تاريخية حسب تروتسكي ، و " لحظة " ثورية كما يسميها البلاشفة ..؟

(3)

ربما لم يفهم الاستاذ مهدي علوش في معرض تعليقه على مقالي السابق حول سوبرمان السيد النمري ، سوبرمان البلاشفة ، المهجن من الوعي الجمعي الإنجلوسكسوني وتراث الشرق ، هذا السوبرمان والقائد الرمز يحل كتعويض عن حالة احباط وشلل تام في المنظومة الفكرية الكلاسيكية للماركسية لإنقاذها من الضياع في ارشيف الماضي والعودة بها إلى التاريخ العصري ، ربما لم يفمهني استاذ مهدي جيداً حين حاولت توضيح " الخلفية المشتركة " لعموم الثقافة الإنسانية ، والخلفيات المتنوعة التي يتشارك بها افراد من امة , التي تحتوي هي الاخرى على عديد من تلونات يمكنها ان تشكل مشتركات لمجاميع بشرية في نطاق اضيق وهكذا .. وصولاً للفرد الذي سيبدو فريداً يتمتع بالخصوصية ضمن إطار محدود ...
لكنه في جوهره ينتمي إلى خلفيات كثيرة يشترك بها مع الكثيرين ..
المسالة اشبه بلوحة مفاتيح الحاسبة الإلكترونية التي نطبع بها هذه الحروف ..
الحروف متنوعة ومتفردة في ظاهرها ، لكنها تشترك جميعاً في ايعاز ( صفر ، واحد ) في صميم برمجة اشاراتها الرقمية ...!
القضية هي التجانس / الاختلاف .. في رؤيتنا للبشر ، وليست " التجانس " وحده كما يراها منظري الديانات ، او الاختلاف والفرادة وحدها كما تنظر لها الليبرالية الغربية ..
موضوعة التاريخ ومن يحركه تخضع في تفسيراتها للقالب الذهني الأرسطي المميز للثقافة الشرقية والذي تطرقت إليه كثيراً في مواضيع عدة عن افكار السيد كامل النجار في الحوار المتمدن .
العقل الارسطي ينأى دوماً عن الحد الاوسط ، بما يعرف بقاعدة الثالث او الوسط المرفوع ..
الاشياء وفق منظاره اما بيضاء او سوداء ، مستحيل ان يراها رمادية ، كذلك يرى بهذا المنظار التاريخ أن لا يحركه إلا العظماء فقط او .. وسائل الانتاج فقط ... او الجماهير وحدها من تحرك التاريخ ، فهذا " التفقيط " في مثال حديثنا عن الفرد والمجتمع تشكل الحجر الاساس في المعضلة ..
فمن كان مسؤولاً عن انهيار الاتحاد السوفييتي ، هل هي اخطاء تاريخية لقادة كبار فقط ، ام هي تحولات المجتمع من مجتمع ذائب متجانس إلى مجتمع ميزت اجياله الجديدة فرادة شكلت عوامل ضغط لحرف الاتحاد السوفييتي بما يتفق مع فرديتها ...؟
الجواب في ضوء عقل " علمي " احصائي معاصر وليس العقل الارسطي القديم ، التاريخ تحركه عوامل عدة متنوعة و متعاضدة اهمها طبيعة البنية الكلية العامة للذهنية الجديدة للاجيال وكذلك ميول وسلوكيات القادة التاريخيين للمجتمع ، مع ذلك يبقى سؤال البيضة والدجاجة دائماً :
من الذي يقود من ...؟ هل القادة هم من يحرك المجتمع رغم انفه ، أم إن المجتمع يدفع القادة نتيجة لما يمارسه من ضغوط للميل باتجاه هكذا قرارات ...؟؟
هنا تتبدى بوضوح الاجوبة حول حقيقة " خيانة " نيكيتا خروتشوف ( للعيش والملح البلشفي ) ..
لو كان نيكيتا خروشوف خائن بالفعل ، كيف تمكن من قيادة الاتحاد بهذه الطريق لو لم يكن المجتمع السوفييتي اصلاً مستعداً لمثله ، بل ، لماذا لا يوضع احتمال آخر ، الإرادة الجمعية بمحصلتها هي التي اثرت على ذهنية خروتشوف وكذلك بوخارين و برنشتاين من قبل ؟؟
قضية " خيانة " أو " نكوث " ليست من علوم الاجتماع في شيء حين تصم شعباً باكمله بوصمة اخلاقية سلبية او ايجابية ، هذه العلوم تبحث دوماً عن المركبات الاساسية في الوعي الجمعي التي تحرك القادة والمجتمع على حدٍ سواء ، فالإرادة الحرة للإنسان مهما بدت متجردة ، تبقى خاضعة لنوازع صقلتها البيئة والظروف ..
مهما كان خروتشوف شريراً ، تبقى ذهنيته منقادة من حيث لا تدري لنبض الشارع الذي علا صوته بالضد من ستالين الذي تمسك بذهنية بلشفية قديمة لم تتقبلها الاجيال الجديدة ، والتي هي حتماً وليدة واقعٍ جديد لم تخلقه الفاقة والحرمان وإنما " الرخاء " و " الخوف " معاً من سطوة الزعيم الاسطورة الذي بموته يكون قد ازال الاسطورة من الوعي الجمعي للمجتمع السوفييتي ..
وهذا الكلام ليس اعتباطياً ، كوني اعيش في العراق وعايشت تحول " صدام حسين " إلى اسطورة خوف ومن ثم انهيارها غير المتوقع وما خلفه هذا الإنهيار من تبعات لا يحصرها هذا المقال وكل الذي اقوله :
البعد السيكو- سوسيولوجي في بنية المجتمع السوفييتي كان من جملة عوامل هامة اسهمت في وصول المجتمع إلى ما وصل إليه لاحقاً ، وتعنت المفكرين الماركسيين وتغاضيهم عن هذه البنية كان من جملة اسباب فقدان الماركسية ان تكون نظرية علمية شاملة كما كان الهدف من قراءاتها الاولى ..
ولهذا السبب اقول :
الفرد ونضاله جزء من نضال المجتمع ، لا يمكن للمجتمع ان يتحرك دون " اتفاق " الافراد على هذه الحركة أو استعدادهم لمثل هذه الحركة ، الافراد في المجتمع يمتلكون مشتركات جمعية بيولوجية وثقافية ، وكذلك يمتلكون اختلافات وفوارق فردية في تقييم واستعمال المشتركات الجمعية البيولوجية والثقافية ، ولا انكر باي حال دور النضال الفردي في تحريك التاريخ لكنه يبقى ضمن المحصلة العامة لمجهودات آخرين ولن تكون له قيمة مؤثرة ما دام متطرفاً متفرداً حتى لو كان نضالاً موجهاً على نحو سليم اكثر نفعاً ودراً من محصلة النضال الاجتماعي الكلي .
المشتركات البيولوجية تنتج بالضرورة مشتركات ثقافية والاخيرة تتدرج في اقترابها من " الانا " التي اعتمدتها الرأسمالية ، و " نحن " الاشتراكية الكلية ، لا يعني ان الثقافة الاشتراكية لم تنتج ثيمات داعمة للأنا الفردية ، لكنها رجحت " نحن " ، كذلك الثقافة الرأسمالية انتجت ثيمات جمعية اكدت على الدولة والنظام والذوق العام ، لكن مجمل منتوجها ارتكز على فرادة الإنسان وضرورة تواجده في مكان " مخصص " ضمن نسق الهرم الاجتماعي ..
ولا ادعو لترك النضال والعمل لانتظار تداعيات الاحداث ومآل التاريخ ، الرفيق النمري وضح حقيقة " الثورة " وموقعها في تدريجات التاريخ ، عملنا يحتاج إلى تزامن مع " اللحظة الثورية " القادمة وفق شروط موضوعية تراعي آمال وطموحات الأجيال الجديدة ..
( اجيال هيفا ونانسي واغنية الثلاث دقائق وليست اجيال كان يا ما كان وام كلثوم واغاني الثلاثين دقيقة ! )
اما النضال بلا مزامنة او استعداد لتوقيت تاريخي وفرصة تاريخية ، فهذا يتطلب اسقاط النظام الرأسمالي العالمي برمته لنذهب حينها بمذهب الشاعر احمد مطر حين يقول :
هم خربوا لي عالمي ..
فليحصدوا ما زرعوا
ان اثمرت فوق فمي وفي كريات دمي .. عولمة الخراب

حينها نضالنا يكون بحاجة إلى تحمل مسؤولية نسف الاقتصاد العالمي كما اراد بن لادن لتحقيق ( الإنفلاش ) في الطبقة الوسطى وتجربة حظ الماركسية من جديد ..!
وهو حديث ذو شجون لا يسعفنا بها تضايق هذه الكلمات والسطور ..



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمهورية بابل الاتحادية و عاصمتها بغداد !
- الاحلام في الثقافة الإسلامية : الرموز والدلالة
- فؤآد النمري يبحث عن سوبرمان (2)
- فؤآد النمري يبحث عن سوبرمان (1)
- نوسترداموس برؤية تفكيكية (2)
- وفاء سلطان ودروسٌ في الحرية !
- نوسترداموس برؤية تفكيكية (1)
- الإنسان و الروبوت (2)
- الإنسان و الروبوت (1)
- ولادةُ عالمٍ جديد : تعقيباً على قراءة الرفيق عذري مازغ (2)
- ولادةُ عالمٍ جديد : تعقيباً على قراءة الرفيق عذري مازغ (1)
- التجسس السايكوترونكي وتقنياته الخفية
- السيطرة على العقول ( السايكوترونك ) : توضيحات
- انظمة تشغيل المخ ...مدخل لعلم السايكوترونك ( السيطرة على الع ...
- الوجه الآخر للجنون ..
- 2 - جبرائيل والشيطان
- 1- قراءة الطالع بالفنجان والاصداف والتوراة والإنجيل والقرآن ...
- امتنا العظيمة تستفيق : حان وقت تمزيق ( الباسبورت ) وعبور الا ...
- رموز الأحلام والدين : تحليل في خبايا رموز الأعماق النفسية ال ...
- الحداثة والدين : إشكالياتٌ وتوضيح لبعض الاخوة


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - وليد مهدي - فؤآد النمري والمعضلة الماركسية (3)