أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - الحلقة الثامنة عشرة من سيرة المحموم(18)















المزيد.....

الحلقة الثامنة عشرة من سيرة المحموم(18)


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3216 - 2010 / 12 / 15 - 01:09
المحور: الادب والفن
    


الحلقه الثامنة عشرة من سيرة المحموم(18)
وراء كرسي الحلاقة مباشرة وامامي ظهره المقوس واذرعه القوية وقاعدته المتينة انتظر زبوناً ما الوقت كان يقارب الظهيرة ولكرسي الحلاقة رأس يجلس على ظهره المقوس بلا عنق لا اعلم لِمَ اوحى لي هذا الكرسي بانه يشبه رجلاً كنت قد رأيته هكذا مثله سميناً بلا رقبة برأس كبير اصلع واذرع قوية مفتولة وكرش واسع يتقدمه دائماً بنصف متر، هذا الكرسي الذي امامي كأنه ذلك الرجل، حين كان يرسلني المرحوم ابي لشراء التبغ من دكان مقابل دكان هذا الرجل (بائع الباجة) الآن فقط عرفت لِمَ كنت اخافه، كان يتناول رأس الخروف من اذنه المصلومة ويتناول قوائمه المسلوخة من دست كبير مليء بالرؤوس والارجل ويلقيه في قدر (الباجة) الكبير الذي كان يغلي غليان جهنم فيتقلب رأس الخروف في جحيم القدر فتجحض عيناه مكشراً عن اسنان بيضاء، اراه وكأنه يصرخ ولا من مغيث وما كنت افهم لماذا كان الرجل (بائع الباجة) يضحك بينما الخروف يصرخ هل كان شامتاً به ، هل كان يقول له لن ينجدك احد، خفت منه كثيراً لكن كثيراً من المارة كانوا يسلمون عليه باحترام بالغ حتى معلم مدرستنا الذي احبه كان يتبادل معه القبلات ويطبع قبلاته على خده الضخم ، فالتبس علي الامر، كنت افكر بهؤلاء الناس لماذا لا يخافونه مثلي، اليس هذا الخروف يصرخ استنتجت ان كل مخيف محترم ، لكنني احب حسن الخياط واحترمه دون ان اخاف منه مرة فكرت ان اشتري تبغاً لابي من مكان آخر بعيد عن قدر (الباجة) لكن ابي المرحوم القى بالتبغ في وجهي قال ارجعه حالاً واجلب لي تبغي من الدكان مقابل قدر (الباجة) لم اكن مخيراً كما ترون، انني اخبركم بكل ذلك بوحي من كرسي الحلاقة لذلك انني اتوجس خوفاً من كرسي الحلاقة كخوفي من الرجل (بائع الباجة) ولتكرار الحوار العدائي التاريخي بيني وبين كرسي الحلاقة كرهت هذه المهنة، اتذكرون عندما قلت لكم اشيحوا بوجوهكم واغلقوا عقولكم عن محاولة معرفة كيف انتميت لهذه المهنة القذرة... ذلك لانني لا أشعر باهمية ذلك..
بدأ حماسي يخفت كخفوت مصباح نضب زيته وبدأت فتيلته تحترق ، بدأت احرك داخلي المتوجس نحو اسباب اخرى ولمجرد محاولة ذلك اكتشفت اسباباً كثيرة، ان هذه المهنة فيها غرابة مثيرة فهي تأخذ ولا تعطي اشعر انني آخذ مرتين ولا اعطي والزبون يعطي مرتين ولا يأخذ بقدر ما يتعلق الامر بالتلاعب بالكلمات ، فالقضية تتعلق بشعر الزبون الذي يتركه لي في المحل ويترك لي نقوداً ايضاً كل ذلك تحت سلطة الحلاق المرهقة الشفرة يناولني اجرة الحلاقة التي وضعها في جيبه الفارغ لكي لا يكون هناك احتمالاً لخطأٍ ما.. ثم يطلي وجهه بطريقة من الخجل المصطنع وكأنه يقول انا مغفل اعطيك نقوداً وشعراً ولا تعطيني شيئاً، لا ادري لماذا شعرني العملاء بذلك،.. عفواً اقصد رواد الدكان.. اقطع رؤوسهم... آهٍ.. لا اقصد ذلك انما اقصد اقصر شعورهم.. ولا هذا لا اقصد ذلك انما اقصد شعر الواحد منهم ومع ذلك فهم يدفعون الاجر بحياء بالغ.. فكرت ملياً باحساسهم بالحرج ذاك ، فوجدت انه بسبب استشعارهم بالغبن كونهم يعطون ولا يأخذون او ربما انهم يعتقدون انهم يعطونني اجري احساناً منهم وعندما أصل الى هذا الحد يزداد كرهي لهذه المهنة الوسخة، لازلت اجلس قبالة الكرسي السمين على المصطبة الطويلة المطلية بدهان ترابي، جاءني زبون عجول وانا في سورة بحثي المحموم عن اسباب كره اخرى للمهنة، صرفته وقلت له انه وقت راحتي ، لقد كذبت عليه كذبة عادية ، كلنا نكذب هذه الكذبة العادية، فاحياناً نرى رجلاً محترماً يأتيه صديق فيطرق الباب يسأل من، يقولون له فلان فيقول قولوا له ليس موجوداً او خارج البيت وهكذا فهو قد كذب، كلنا يكذب أحياناً وذلك لا يشعرنا بالخجل لاننا نطلي هذه الكذبة باللون الابيض لو كان لوناً آخر لكانت كذبة، الامر متعلق بلون الكذبة، انا بالحقيقة لا أتورع عن الكذب بالاستثناءات الملحة.. وصلني خبر ان هذه المهنة خطرة هذه الايام انها تصنع اعدائها وهم يتكاثرون في الليل، سمعت ولم اصدق ان الحلاق الفلاني قتل في محله وان آخراً اطلق عليه الرصاص من سيارة مسرعة الآن يرقد في المشفى وقد بتروا له ذراعه التي تجيد استعمال المقص ، لم أتأكد من تلك الاخبار لكنها تبعث على القلق..، يقال ان اشباحاً ظهرت (وكلمة يقال كالمرأة النمامة) تنقل الاخبار غثاً وسميناولا تتورع ان تختلق رواية غير موجودة، يقال ان اشباحاً ظهرت في بلدتنا تمشي وراء الحواجز الاسمنتية وتقفز من فوقها وتناصب الحلاقين العداء الموضوع يتعلق بمزاج تلك الاشباح التي يبدو انها تطلق لشعرها العنان وكذلك شرِّها اشباح نتنة ولا تغتسل ولا تقص شعرها بالمقص وتكره الحلاق الذي يفعل ذلك لانها كما يقال تقدس الشعر وتهدر دم الحلاق وتسفه الصابون وتكفر المقص وترى ان اولئك جميعاً محرم عليهم دخول الجنة وان ذلك من اعمال الشيطان ذلك مدعاة الى تتفية الشيطان ونحن نعلم جميعاً انه ليس تافهاً، ان الحلاق ملحد وقتله فضيلة جهادية، سمعت ذلك يشمل الخبازين لكنني لا اعرف حيثيات موضوعهم كيف يكون ذلك وتاريخنا ملىء باخبار ونوادر الحلاقين لم يحصل ذلك في ذروة الخلاف بين الامين والمأمون مع شدة الخلاف السياسي، جلبوا في وقتها حيوان (الزبزب) ولم يقتلوا الحلاقين ولا الخبازين ولاعمال البناء مالذي جرى؟ اجابني شبح فكه مد ّ رأسه الى افكاري التي كانت ملقاة كالنفايات في الشارع وكان اصلعاً وهو يضحك (انه عداء القرعة وام الشعر) نعم فلم العجب يحصل ذلك، تخيلت ان شبحا منهم طويل الشعر يدخل علي هنا في مكان الحلاقة وقت الظهيرة عندما يكون الشارع فارغاً تماماً وعمد الى فصل رأسي عن جسدي بموس الحلاقة المعلق على الرف.. صدقت تخيلي هذا وتناولت الموس، ودسستها بعيدا بين المناشف في الدولاب.. افٍ للحلاقة..
ثم انني الا تذكرون، انا بقلب من صفيح لا عين ثالثة ارى اشكال زبائني على حقيقتها.. فقد دخل الي دكاني مرة ثوراً وجلس على الكرسي وبخوار ثور واضح قال: قص لي شعري، فعلت ذلك بصبر وانا اشم رائحة الثور ، ثم قال: قص لي اضلافي قلت، ليس اختصاصي وخرج ماداً قرنيه الى الامام ثم اخرج ذيله في الآخر...
احياناً يعتلي هذا الكرسي نسناس لطيف كثير الحركة والتلفت يتعبني اثناء حلاقة شعره ثم يعطيني اجري من المكسرات التي يحملها في كفه الكبير.. كما الشمبانزي تماماً..
ذلك من اسباب كرهي المتزايد لهذه المهنة ، ثم ان زوجتي تكره ان اكون حلاقاً تشعر بالغبن والمهانة لان فاطر قلبها كان معلماً لذلك كل هذه الاسباب قررت ان اعتزل هذه المهنة فافعلوا ما انتم فاعلون.. لابد لي ان افعل.



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحاديث- قصيدة
- الخندق _ قصة قصيرة
- نوح على النخل - قصيدة
- سيرة المحموم الحلقة السابعة عشرة (17 ) كابوس في أوانه
- إنتظارات
- طيف من زمن بعيد-قصيدة
- الحلقة السادسةعشرة من سيرة المحموم (16)
- أسئلة-قصيدة
- تقاسيم على نصف وتر- قصيدة
- الحلقة الخامسة عشرة من سيرة المحموم (15)
- طرق على صفيح فارغ
- الحلقة الرابعة عشرة من سيرة المحموم(هذيان في يقظة) (14)
- أيام و أحزان- قصيدة
- الحلقةالثالثة عشرة من سيرة المحموم( الهذيان السادس)
- بم التأسي- قصيدة
- الحلقة الثانية عشرة من سيرة المحموم( الهذيان الخامس)
- تراتيل من زمن مضى
- الحلقة الحادية عشرة من سيرة المحموم
- رشد المجتمع
- الحلقة العاشرة من سيرة المحموم( الهذيان الرابع)


المزيد.....




- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - الحلقة الثامنة عشرة من سيرة المحموم(18)