أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - مجموعة قصائد ونصوص















المزيد.....



مجموعة قصائد ونصوص


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 3144 - 2010 / 10 / 4 - 14:34
المحور: الادب والفن
    




أُحدِّقُ في كُوَّةٍ
لا أرى غيرَ صفصافةٍ من ضلوعكِ
شفَّافةِ الماءِ والدمعِ
فاتنةِ اللذعِ
أرمي سهامي كما الخيلِ
فوقَ الرمالِ التي موَّجتها أكفُّ الحريرِ
أعضُّ دمي
عندما لا يُصيبكِ
ينهرُني الإثمُ حينَ أضُمُّ
فضيلةَ جسمكِ يوماً إليَّ
ويُنكرُني في الضحى ندَمي
فتنةُ الماءِ تجتاحني
ويُعرِّي دمائي هواءُ العذابِ المُقدَّسِ
في كُوَّةِ الرغبةِ الناصعةْ.


*******

فُلٌّ أسودْ


فُلُّها أسودٌ ناعمٌ قاتمٌ
نائمٌ في الدهاليزِ
مُستوحشٌ كالذئابِ الصغيرةِ
أو كحنينِ الغريبِ إلى بيتهِ
خلفَ أرضِ الضبابِ
وخلفَ نجومٍ مجوسيَّةٍ في الترابِ المُضاعِ...
يُلملمني فلُّها كالمحارِ
ويُشعلُ عينيَّ كالنيزكينِ الفقيرينِ
في قاعِ أعلى البحارِ
يُحوِّلني في دقيقةِ عشقٍ خُرافيَّةٍ
من يمامٍ أليفٍ إلى طائرٍ
يُشبهُ الرُّخَ ملءَ حرائقَ هذي البلادْ
ومن شاعرٍ عذَّبتهُ المعاني
ونارُ الغواني
إلى سندبادْ.

*********

نصاعةُ الإثمْ


في اختلاجاتِ أحلامهِ
يتحسَّسُ فكرتهُ وخطاهُ التي سَلمتْ
من وحوشِ الجحيمِ
ويُمعنُ في قلقٍ لا يؤدِّي إلى جنَّةٍ افتراضيَّةٍ
هو أجملُ من أن يُقالَ
وأكملُ من حبقٍ يتلألأُ
في ثغرِ أنثى
وأكبرُ من سطوةِ النسوةِ القاتلاتِ
وأروعُ من ضدِّهِ
ثملٌ كانتباهِ القصائدِ من نومها
المُخمليِّ الطقوسِ
ومُغرورقٌ بالشموسِ
ولستُ أرى فيهِ إلاَّ....
نصاعةَ آثامهِ.

*******


حينَ يشتدُّ ظلمكِ لي


حينَ يشتدُّ ظلمكِ لي
أتنفَّسُ مثلَ جذورِ الشجَرْ
في ظلامِ الحياةِ العميقِ
وأسعى على زهرتينِ
إلى الانعتاقِ السحيقِ
كأنِّي رفيفُ القمَرْ
حينَ يشتدُّ كرهكِ لي
أتدَثَّرُ مثلَ النبيِّ الكريمِ
بشمسِ النصاعةِ
أو أحتمي بحفيفِ الحجَرْ
أُساوي قوافي الكلامِ المُباحِ
بما ظلَّ في حقلِ عاطفتي
من فخاخِ الطيورِ
وأستلُّ بحراً يُربِّي النوارسَ
يرفعُ حتى السماءِ
صدى قلبيَ المُنكسرْ.

********


في مكتبِ العمَلْ


في مكتبِ العملِ الموظَّفةُ الدميمةُ والرخيصةُ والحقيرةُ..
تجمعُ الحشراتِ في كُرةٍ من الوهمِ الهُلاميِّ
النهارُ يزوغُ منها
من ظلامِ دمائها أو نفسها الحجريَّةِ الأغصانِ..
تلعنُ طالبَ العملِ الحزينَ
تسبُّهُ قدَّامَ كُلِّ الضائعينَ...
هناكَ كنتُ محاولاً بالسرِّ
كشفَ قناعها الدمويَّ عن عينَيْ يهوذا
بالكلامِ الحلوِ
فيما طالبُ العملِ الحزينُ
يثورُ في الدهليزِ منهارَ العصَبْ
_ هذا التصرُّفُ لا حضاريٌّ
تقولُ بلا اهتمامٍ
ثمَّ تكنسُ كالغبارِ خطى العرَبْ.

*********

ظالمة

شيطانةٌ شمطاءُ في المدينةِ العمياءِ
صبَّتْ حقدها عليَّ
حبلُ المسَدِ الملعونُ يعلو جيدَها القبيحَ
والغسلينُ يعلو قلبها
أظلمُ من أبرهةَ الأشرمِ
من نيرونَ
في اليقظةِ تأتيني وفي المنامِ مثلَ الأعورِ الدجَّالِ
تُبكيني من الخوفِ
تسوطُ الروحَ بالظلامِ
أو تُحرقها في حفرةِ الزمنْ
كأنَّها ذو النونِ
أو كأنَّ قلبَ الشاعرِ المسكينِ
نقطةٌ من الدموعِ ذابتْ
في ثرى عَدَنْ
شيطانةٌ كأنَّما نظرتها تكشيرةُ الكفَنْ.

**********



مرايا الربيعْ



أُحلِّلُ معنى انتهائي من الصيفِ
عن كثَبٍ علَّني أستطيعْ
الوصولَ إلى آخرِ الشفقِ الأُنثويِّ
على شهقةٍ من زهورِ الصقيعْ
أُحلِّلُ معنى انتهائي من الصيفِ
عن كثَبٍ...
وأبوسُ مرايا الربيعْ.

*******

مطرٌ قابلٌ للدموعْ


مطرٌ مثلُ طلٍّ خفيفٍ على وجنةٍ ذابلةْ
مطرٌ يتساقطُ من هالةٍ أقحوانيَّةٍ
ويحُطُّ على قامةٍ ناحلةْ
مطرٌ يتواصلُ طولَ النهارِ
وطولَ اندلاعِ الظلامِ الكثيفِ
بحقلِ فراشاتهِ السائلةْ
مطرٌ يتسلَّلُ من قُبلةٍ قاتلةْ
مطرٌ يتناسلُ من أعينِ السابلةْ
مطرٌ قاحلٌ كأكُفِّ الرمالِ
يهبُّ على جهةٍ قاحلةْ
مطرٌ قاتلٌ... مطرٌ آيلٌ للسقوطِ
كناطحةِ الاشتهاءِ على زهرةٍ
مطرٌ قابلٌ للدموعِ على جنَّةٍ زائلةْ.

*********


بحرُها قُدَّ من قُزحٍ


بحرُها قُدَّ من قُزحٍ مرَّتينْ
مرَّةً عندما لم تجدْ ليدَيها هلالاً
يليقُ بأحزانها الذهبيَّةِ... والثانيةْ
عندما زوَّجتْ ماءها للحصى السُكريّْ
بحرُها قُدَّ من قُزحٍ
يتراقصُ في قاعِ قلبي بمليونِ لونٍ
وينحلُّ في آخرِ الجسدِ الكوثريّْ
بحرُها قُدَّ من قُزحٍ
دمُها قُدَّ من فرحٍ
طاهرٍ... غابرٍ مثلَ ضوءِ اللُجينْ.

**********

الحزنُ لا يخافْ


الحزنُ طفلٌ يعرفُ الدموعَ والرمادَ والظلامْ
ويألفُ الأشباحَ والأشجارَ والليلَ ولا يخافْ
الحزنُ طفلٌ غاضبٌ يُكسِّرُ الأشياءْ
فينا.... ولا يُريدُ أن ينامَ أو ننامْ
.........................
وفي المساءِ عندما يغمرُ قلبي عبقُ الصفصافْ
أسيرُ وحدي غارقاً بالفكرِ في طفولةِ اليمامْ
وفي كرومِ اللوزِ والزيتونِ غيمةً من الضبابْ
فتملأُ الضلوعَ رغبتانِ للبكاءْ
الحزنُ في الدماءِ لا يخافْ
من هذهِ الأشجارِ من أشباحها المفزعةِ السوداءْ
الحزنُ طفلٌ حالمٌ
يُريدُ أن يبارزَ السماءْ
يُريدُ أن يفترسَ الضياءْ.

************

يكفيكِ رقصاً


يا فتنةَ الدنيا ولعنتَها تعبتُ هوىً
وتحجَّرتْ عينايَ في هذا الدجى الكابي
يكفيكِ قصفاً فوقَ أوردتي
يكفيكِ رقصاً فوقَ أعصابي
يُعجبكِ دمعي وهو ينـزفُ من
قلبي وتستهويكِ مأساتي
يا من طعنتِ الضحكةَ الخضراءَ في شفتي
بالخنجرِ المسمومِ عندَ الفجرِ
رُدِّي لي غواياتي وضحكاتي
أو خوفَ ذاكَ الطفلِ ممَّا يحملُ الآتي.


*********

كانوا حوارييِّن


كانوا حوارييِّن
لا يخلطونَ الطينَ بالضياءْ
لكنَّهم بشَرْ
قُتلَ بولسُ الرسولُ وهوى عُمَرْ
من السماواتِ وقلبِ الأرضِ كالشهابْ
وسقطَ الإمامُ مشتاقاً تلَّقتهُ يدُ الحبيبِ في المحرابْ
وماتَ جبرانُ بداءِ السلِّ في نيويوركْ
وصُلبَ الحلاَّجُ فالعذابْ
يقطرُ من يديهِ من رجليهِ...
يا أعمدةَ البهاءْ
قلوبكم تحملُ شمسَ الأرضِ والدموعَ والشَجَرْ.

*********


ضحكةٌ تملأُ الدنيا



لو ضحكةٌ تملأُ الدنيا عليَّ سناً
غبَّ الظلامِ وإن كانت ضبابيَّةْ
لِمْ تصدفينَ بعينَيْ جوذرٍ أنِفٍ
وتذبحينَ بأسيافٍ حريريَّةْ..؟
لِمْ ترفعينَ عذابي في الفضاءِ كما
سرابِ ألويةٍ تبكي وأُغنيَّةْ..؟
قالوا شيوعيَّةٌ حمراءُ قلتُ لهم
أموتُ فيها وإن كانتْ شيوعيَّةْ
الحُبُّ لوَّعني فيها وروَّعني
وانفتَّ قلبي كغيلانٍ على ميَّةْ
كأنَّما ثغرها المرسومُ تحتَ يدي
فراشةٌ ذبحتْ قلبي حديديَّةْ
كأنَّما يدُها في الريحِ حقلُ رؤىً
يستلُّ قافيةً في الروحِ مطويَّةْ
كأنَّما حبرُ شرياني يضيءُ لها
دروبَ كحلٍ وراءَ الصينِ مرميَّةْ.

*********

نوستالجيا



تُداهمني غيمةٌ أُرجوانيَّةٌ
وأصابعُ من فضَّةٍ
وعصافيرُ من ذهَبٍ أبيضَ الضوءِ
بستانُ ضحكٍ على كوكبٍ سابحٍ في دمي
وفتاةٌ على زورقِ الإشتهاءاتِ
تنحلُّ فتنتُها في الهواءِ المُعذَّبِ
ذاكَ الهواءِ الذي كانَ يجثو على بابها
مثلَ عبدٍ ذليلٍ
وماءَ أُنوثتها يحرُسُ
مرَّةً في الضُحى الكرمليِّ
المُعدِّ على طبقٍ من نداءِ الفراديسِ
مرَّتْ فلَمْ أتمالكَ شبهَ حشاشةِ نارٍ حريريَّةٍ
تسكبُ الروحَ مثلَ الحليبِ الوديعِ
على ساحلَيْ جسدينِ ولا تنبسُ
مرَّةً... يملأُ القلبَ أمطارَ نوستالجيا
وجههُا المُشمسُ.


************

لغةُ الصفيحِ والنرجسْ


لغةٌ من صفيحٍ ومن نرجسٍ
تتطايرُ ما بينَنا
من فمي من وصايا شفاهكِ
منقوعةٌ في دمي
في خلايايَ تنبتُ
تستوقفُ العابرينَ إلى ما وراءَ ظلالِ المكانِ
أُبعثرُها في الشتاءِ القديمِ
وأنثرُها للعصافيرِ قمحاً على سطحِ هذا الزمانْ
قمَرٌ يابسٌ كانَ يرقُبنا من عَلٍ
وشذىً ناعسٌ كانَ ينبضُ ما بينَنا كالفراشاتِ..
أنتِ سديميَّةٌ النظراتِ
ومشدودةٌ نحوَ صدري الذي مزَّقتهُ سياطُ الحياةِ
بألفِ حصانْ
لغةٌ من صفيحٍ ومن نرجسٍ
تتطايرُ ما بينَنا ها هنا الآن.

********

وردةُ الطينْ


تتنهَّدُ عاصفتانِ على مُرتقى كاحليكِ
على مُرتقايَ أنا...
بينَما خارجَ الوقتِ رُحتُ أُجرجرُ
أذيالَ ماءٍ حزينٍ
وملحٍ سخيٍّ
وأخرجُ من جسمِ أندلُسي
مثلَ شهقةِ رمحٍ
أُكوِّرُ صحوَ يديكِ على هيئةِ القلبِ
أو وردةِ الطينِ
أصرخُ مثلَ السكارى المجانينِ
في قبوِ ليلِ الذئابْ
وأستلُّ من صخرةٍ مجدَ سيزيفَ كالأقحوانةِ...
أُقعي على طلَلٍ لا يُرى
وأبوسُ الثرى
صاعداً نحوَ هاويةِ الشعراءْ.

**********

حطَّ الملاكُ


حطَّ الملاكُ على عينيكِ مُختلجاً
بلمسةِ الشِعرِ والأعشابِ والنارِ
وكنتُ بالروحِ منفيَّاً... تُلملمني
ريحُ البحارِ وتكسو حزنيَ العاري
وكانتِ الأرضُ تحثو في الشتاءِ دمي
وتبعثُ الخصبَ من أعماقِ أنهاري
وجهي سيخفقُ في كفَّيكِ بيرقُهُ
وينتشي برذاذٍ طيرُهُ الواري
وجهي ستحملهُ أيدي الجنودِ إلى
جنونِ قيصرَ محفوفاً بنوَّارِ
وكُلُّ ما في نساءِ القصرِ من شبَقٍ
وفضَّةٍ سوفَ يفريني بأظفارِ
ستُنشبينَ حريرَ الغدرِ في عُنُقي
ونابُكِ الرخوُ مغروسٌ بأزهاري.

*********

بيدينِ من شفقٍ


بكِ.. بالسماءِ.. بما تبَّقى فيكِ من زهوٍ وفيَّ من القُوى
بخطى الحيارى الخائفينَ الجائعينَ
إلى أمانِ نفوسهمْ
برؤى القلوبِ.. بشمعها المسكوبِ فوقَ النارِ
بالآمالِ وهيَ تُضيءُ حبرَ الليلِ في وجعِ الرسائلِ
بانتباهِ الشاعرِ المقتولِ في أرضِ القصيدةِ
بالوجوهِ تهيمُ في بحرٍ من اللاشيءِ في لغةٍ بعيدةْ
بيدينِ من شفقٍ
بهاويتينِ في أعلى رثائي للزمانِ
بضحكةِ الروحِ الوحيدةْ
سأُحوِّلُ الأفعى التي نهشَتْ جماليَّاتِ أحلامي
إلى حطَبٍ لنيرانِ الأساطيرِ الجديدةْ.

***********

حُلمْ

كانَ شايلوكَ يقطعُ من لحمِ صدري
بسكِّينهِ مثلَ نَسرٍ بليدْ
نورسانِ صغيرانِ عينايَ إذْ تصرخانِ
وإذْ تهبطانِ إلى لُجَّةٍ من بياضِ المسافاتِ...
كفَّايَ تنتزعانِ النثارَ الجليديَّ
ملءَ حدائقِ أرضِ السماءِ
وملءَ ورودِ الرؤى ملءَ ماءِ الحديدْ
كانَ شايلوكَ يخرجُ من صوتِ حُلمي
ومن يقظتي أحمرَ الصمتِ مثلَ يهوذا جديدْ
عندما انتبهَ القلبُ من نومهِ
طارَ حقلُ عصافيرَ عبرَ الوريدْ.

**********

عُنُقٌ واثقٌ باستدارتهِ


عُنُقٌ ليِّنٌ.. مُخمليُّ التفاصيلِ
لا ينحني تحتَ سطوةِ لثمِ العيونِ لهُ...
عُنُقٌ واثقٌ باستدارتهِ
شاهقُ الأرجوانِ
بكَتْ نظراتي عليهِ
فما ابتلَّ بالملحِ والبرقِ بل بدمي
وبزهوِ الفرَسْ
كنتُ ألمسهُ في سمائي الخفيضةِ حينَ أنامُ
وفي قاعِ سجني الذي شاخَ...
أمسحُ عطرَ الندى عن حدائقهِ
من وراءِ الحرَسْ.

*********

البحثُ عن أمَلْ

كلُّ أعدائكَ الطيِّبينْ
في الحقيقةِ مُنشغِلونَ
بحشوِ خزائنهمْ عنكَ أو بمتاعِ الأسرَّةِ
هذا الجهادِ الكبيرِ الكبيرِ...
وأنتَ تُحلِّلُ معنى انهزامِ المبادئِ
في برجكَ المُتصَّدعِ
معنى انتصارِ الفشَلْ
تمزَّقَ في المُدنِ الحجريَّةِ قلبُكَ مثلَ حذائكَ
فوقَ الطريقِ المؤدِّي إلى البحثِ
عن أمَلٍ أو عمَلْ.

**********

شريطُ الصُوَرْ


كنتُ في الأمسِ أقرأُ أحوالَ هذا الزمانْ
في الجريدةِ...
حتى انتصافِ الظلامْ
فيحتشدُ الدمعُ في جسَدي بالبراكينِ
أو برفيفِ الحمامْ
عجبَاً كيفَ أنَّ المصائبَ
رغمَ اختلافِ الحياةِ ورغمَ اختلافِ البشَرْ
تتشابهُ منذُ ابتداءِ الخليقةِ...
لا شيءَ يُثبتُ غيرَ شريطِ الصُوَرْ.

*********

لؤلؤتانِ تنحلاَّنِ في عينيَّ


كحوَّاءِ امتشقتكِ من ضلوعي
جمرةً ذبلَتْ
كأزهارِ الدموعِ
وكنتُ مشدوداً لموسيقاكِ...
لؤلؤتانِ تنحلاَّنِ في عينيَّ حينَ أراكِ
مشبوحاً على وجهِ السماءِ
أسلُّ قافيَتي
بوجهِ عدوِّيَ المأفونِ
مطعوناً بضحكةِ من أُحُبُّ
مُكمَّماً بالريحِ
جفَّ دمي على سورِ المدائنِ
دائراً كالثورِ...
مرميَّاً على الأبدِ
بغيرِ فمٍ بغيرِ دمٍ
بغيرِ يدٍ بغيرِ غدِ.




***************





عبيرُ الدماء


لم يكُنْ واقعيَّاً ولا مُنصفاً
اتهامُكِ لي بالغباءْ
كالرجالِ اللذينَ يعدُّونَ أيامَهم في المقاهي البليدةِ
إمَّا بأقداحِ شايٍ رخيصٍ
وإمَّا بنقرِ طيورِ المساءْ
حبوبَ الحياةِ على طينِ راحاتهِم..
متنهُم هامشٌ في كتابِ الهباءْ

لم يكُن واقعيَّاً ولا مُنصفاً اتهامُكِ لي
بينما كانَ مسمارُ حُبِّكِ
يدخلُ في عصبي وعبيرِ الدماءْ.

**********

أُخفضُ قلبي


لذكرى السنينِ التي احترقَتْ
مثلَ خيطِ الضبابْ
لذكرى الصباحاتِ في شهرِ آبْ
لذكرى الندى الكرمليِّ لذكرى جنونِ الصحابْ
لذكرى المحبَّةِ محفورةً باللظى في كتابِ العذابْ
لذكرى الحياةِ التي ذوَّبتها أكُفُّ النساءِ
كقلبينِ من سُكَّرٍ في الشرابْ
أُطأطىءُ رأسي
وأمشي على ضوءِ صفصافتينِ
ونهرينِ من فضَّةٍ تتفتَّتُ
أُخفضُ قلبي
وأُغمدُهُ في أقاصي الغيابْ.

*********

تخرجُ من ذاتها


كالشموسِ الضعيفةِ تخرجُ من ماءِ مرآتها
كالغيومِ الخفيضةِ تتبعُني نحوَ بئرٍ
يضُمُّ رفاتَ الجمالِ
الذي غدرتهُ ذئابٌ تسيرُ على قدمينِ جليديَّتينِ
تشدُّهما شهوةٌ للدموعِ
تبدِّلُ أثوابَ أصواتها

في المساءِ الأخيرِ
على مهلها انتفضَتْ كالنوارسِ مقرورةً...
آهِ كانتْ على حزنها المُتشرِّدِ
مثلَ الغزالةِ في آخرِ الصبحِ
تخرجُ من ذاتها.

*********

شاعرٌ خاسرٌ


لنْ يمرَّ المساءُ على تعَبي
لن تمرَّ النساءُ الرشيقاتُ والأشهرُ القمريَّةُ
والانعتاقُ الملوَّنُ في شهرِ آذارَ
والمسحَةُ العاطفيَّةُ
والبيلسانُ المنافقُ
واللغةُ النائمةْ
لنْ يمرَّ البكاءُ المطوَّلُ
بعدَ رحيلِ التتارِ
على عشبِ قبري
ولنْ تصمتَ القُبَّراتُ
التي احترفتْ ندَمي
عندما كنتُ في حُلُمي شاعراً خاسراً
روحُهُ منذُ خمسةِ آلافِ حُبٍّ
على نفسها حائمةْ.

*********

كأنَّ حياتي على فوَّهةْ


كأنَّ حياتي على فُوَّهةْ
كأنِّي أسيرُ إلى الجلجلةْ
وما من يدٍ تشربُ الدمعَ ملءَ ضلوعي
وتغسلني بالشذى

أُراقبُ قلبي الصغيرَ الذي انتفضَ الآنَ
فرخاً يُحاولُ قنَّاصةٌ بارعونَ اصطيادَهْ
لتقديمهِ وجبةً طازجةْ
لأميرِ البرابرةِ الطيِّبينْ
بلى سوفَ ترفعُ عنِّي نقابَ الندى طفلةٌ
وتُجفِّفُ وجهي بخصلةِ شعرٍ حريريَّةٍ
قبلَ موعدِ صلبي المحدَّدِ
في سكرةِ القتَلَةْ.

**********

من عامَّةِ الناسْ


أنا فقيرٌ ومُعدمٌ وساذجٌ من عامَّةِ الناسِ.. لكن
قبلَ أيَّامٍ رنَّ هاتفي النقَّالُ
وجاءَ الصوتُ بعيداً متهدِّجاً
كأنهُ قطرةُ مطرٍ هبَّت من صحراءَ ذاويةٍ
قالَ: إنَّ مجموعةً متمرِّسةً من المخبرينَ والزبانيةِ
تتمتَّعُ بالمهنيَّةِ والمهارةِ العاليتينِ
تراقبُ تحركاتي وتجسُّ نبضَ حياتي
بشكلٍ أفزعني وأرهبني
منذُ أكثرَ من عشرِ سنينَ
تضعني في أعلى سلَّمِ مطارداتها وتحرِّياتها
كأني مجرمٌ خطيرٌ
وعندما استفسرتُ عن السبَبْ
وأبديتُ دهشتي واستغرابي
لم يُجبني أحَدْ
فأنا فقيرٌ وبسيطٌ وساذجٌ من عامَّةِ الناسِ...
لكن....

********

رائحةُ اغتيالْ


تتبرَّمينَ بصيفِ هذا الحُبِّ
تستندينَ في أشعارِ كافافي
إلى غيمٍ من الأبنوسِ
يصعدُ من دماءِ الأرضِ
تشتعلينَ... تندفعينَ... تنكسرينَ
كالنجمِ المهمَّشِ والمهشَّمِ في السماءِ
كضلعِ تحناني
وتجتاحينَ آخرَ ما على قلبي من النارنجِ والعنَّابِ
تندلعينَ في ثلجي المُراوغِ
بينما أشتمُّ في عينيكِ رائحةَ اغتيالي.

**********

قلبي شفا نارٍ


في فضَّةٍ زرقاءَ تغتسلينَ
تنحلِّينَ في المعنى شعاعاً يابساً
وتمسِّدينَ الظلَّ...
قلبُكِ راعفٌ في الظلمةِ الخضراءِ
سرياليَّةٌ تلكَ القصيدةُ فيكِ
صحراءٌ مضمَّخةٌ بعطرِ الطيرِ روحُكِ
بينما قلبي شفا نارٍ على طرفِ انسدالكِ
واعتلالكِ في الظلامْ.

*******

لم تكنْ غائبةْ


لم تكنْ غائبةْ
بالتماعاتِ أحلامها ورنينِ خطاها
على وردِ قلبي
ولكنَّها ظهرَتْ في الخيالِ المشوَّشِ
ذاكَ الضحى خلفَ غيمٍ من الخوفِ
شاحبةً شاحبةْ

لم تكنْ غائبةْ
وأنا لم أكنْ غيرَ ظلٍّ لأشواقها العُلويَّةِ
راحَ يُلوِّحُ في ثوبِ أفراحها الخائبةْ
لم تكنْ غائبةْ.

********

جنَّتي الأنثى


حملتُ صوتكِ ملتاعاً ألوذُ بهِ
من الجحيمِ الذي يقتاتُ أعضائي
وشلتُ قطركِ في جمرِ الحياةِ كما
قبائلُ الطيرِ في الصحراءِ يسكنُها
فردوسُ ماءٍ وأنداءٍ وأفياءِ
وكانَ صوتكِ مزموراً على شفتي
كالأقحوانةِ يبكي لي أخلاَّئي
حملتهُ في دروبِ الشوكِ منتعلاً
عذابَ حُبِّي... كمنْ يمشي على الماءِ
وكانَ عطرُ الليالي البيضِ يعصفُ بي
ورداً ويطرحني في دربِ إسرائي
حملتُ صوتكِ مشحوذاً بعاطفةٍ
حتى كأني هلالٌ في المدى النائي
وفيكِ أجملُ ما في الشمسِ.. فيكِ دمي
يبكي على الأمسِ في الجسمِ الشفيفِ شذىً
........................
وتختفي جنَّتي الأنثى ولألائي.

********

إنطفئي على جسدي


جسدٌ من البلَّورِ من ماءِ الخطيئةِ
من نعاسِ الشمسِ من وهجِ العبارةِ
من سديمِ الحبِّ من أبدِ المجازْ
جسدٌ من الغيمِ المعادلِ للنوارسِ
من عبيرِ الصمتِ من مطرِ الربيعِ
ومن دمِ الأشجارِ
من لغةِ الحنينِ إلى الحجازْ
في الكائنِ العربيِّ...
يا صحراءَ حائمةَ النجومِ
تمدَّدي... انطفئي على جسدي
المعدِّ على ضفافكِ بحرَ غازْ.

***********

هيَ من بعضِ معنى الطيورِ


سأُزجي بضاعةَ شعري
الذي لمْ يُجدْ وصفَها
هيَ من فتنةٍ لا تُفسَّرُ مقدودةٌ
من رخامٍ طريٍّ
وأحجارِ طيفٍ معذَّبةٍ
لم أُجدْ رصفَها
هيَ من بعضِ معنى الطيورِ
ومعنى الحدائقِ
عاليةٌ مثلَ زهوِ الزرافةِ
واثقةٌ مثلَ خطوِ الغزالةِ
قامتْ بنصفٍ إلى شأنها
وتناستْ بأظفارِ ذئبِ الفلا نصفَها
كدتُ أرثي لها صيفَها
كدتُ أرثي نصاعةَ أسمائها
في ظلامِ الكلامِ
ولكنَّ كلَّ الكلامِ الذي كانَ في جعبتي
لم يجدْ وصفَها.



**********




ناسياً أنني أحترقْ


ساهماً... صامتاً مثلما يضربُ البرقُ
صحراءَ خاويةً كجناحِ الجرادةِ
أو مثلما يطرقُ الوحيُ بابَ النبيِّ القلِقْ
حالماً.. غيرَ أنَّ الكوابيسَ توقظني من منامي
بلدغةِ أفعى نحاسيَّةٍ
وتُحاولُ إغراقَ روحي بماءِ الأرَقْ
أمسِ.. من دونَ أن أتنفَّسَ حاولتُ إطفاءَ نارِ دمي..
فمدَدتُ يدي أسكبُ الغيمَ من رئتي
ساهماً.. ناسياً أنني أحترقْ.

*******

للكتابةِ وجهان


للكتابةِ وجهانِ... وجهٌ يُرفرفُ
في أسفلِ المرتقى المرمريِّ لديكِ
ووجهٌ يُنقِّرُ قمحَ يديكِ
للكتابةِ نبضانِ.. نبضٌ لقلبكِ
يبتلُّ بي آخرَ الليلِ أو أوَّلَ الحُبِّ
يختارُ قافيةً من خزائنِ عينيكِ
مثلَ انتقاءِ الثيابِ الأنيقةِ
وقتَ الذهابِ إلى سهرةِ الأصدقاءْ
ونبضٌ لعينيكِ وقتَ المساءْ
للكتابةِ صوتانِ.. صوت لروحكِ يعوي وحيداً
وصوتٌ لروحي يُجاوبهُ في الليالي
على جبلِ الكبرياءْ.

********

فُسحةٌ حجريَّة

كيفَ تتسِّعُ الفسحةُ الحجريَّةُ لي ولها؟
كيفَ تتسِّعُ الأرضُ
حينَ تضيقُ بنا حُجراتُ الأحاسيسِ؟
أسماؤنا تتشمَّسُ في شرفةِ البحرِ
أعضاؤنا تتلمَّسُ خطوَ الحياةِ
على زهرِ أجسادنا...
كيفَ يتسِّعُ الشفقُ المتدفِّقُ لي ولها؟
وتضيقُ أغاني الطريقِ إلى أمسها المشتهى؟
هيَ من بعضِ نسلِ الطيورِ
التي زوَّجتْ دمعَها الزنبقيَّ لماءِ المها.

********

بلا تجربةْ

كيفَ أدَّعي أنني تتلمذتُ على يدِ بوذا
أو زرادشتْ
أو أيِّ نبيٍّ آخرَ ؟
كيفَ أدَّعي أنني قُتلتُ في حملةٍ صليبيَّةٍ
قبلَ مئاتِ السنينْ؟
وأنني ربَّما أحببتُ فتاةً ايطاليةً
من عصرِ النهضةِ كرفائيلَ مثلاً
ورسمتُ ألفَ لوحةٍ لها؟
كيفَ أدَّعي أنني كنتُ شاعراً انجليزيَّاً
رومانسيَّاً في حياتي السابقةْ
رغمَ أنني في الواقعِ انسانٌ بلا تجربةْ؟

*********

لا أستريحْ

ذراعايَ أنشودتانِ
تهزَّانِ مهدَ الكلامِ اليماميِّ...
أو تنعفانِ الرؤى فوقَ هاويةٍ من صفيحْ
وها أنا وحدي أُلملمُ ما قدْ تناثرَ
من ريحِ عنقكِ فوقَ المساماتِ
في قلَقٍ واحتراقٍ
أُعيدَ صياغةَ بعضِ وصاياكِ
أهربُ من لدغةِ السهمِ
منذُ ولادةِ حُبِّي المتوَّجِ
بالنارِ والصيفِ والاستعارةِ لا أستريحْ.

*******

سذاجةْ


في الأمسِ كنتُ ساذجاً أقولُ
من تملأُ لي فراغَ هذا القلبْ
أمنحها زهورَ عمري كلَّها من أجلِ شوكِ الحبْ
حتى ولو للفتةٍ هاربةٍ من الزمانِ المرّْ
من دونِ أن أحزنَ أو يهتزَّ في قلبيَ خيطُ الشِعرْ
............................
وأنتِ تشربينَ من دمي ومن دمعي
ومن مشاعري كذئبْ
في الأمسِ كنتُ ساذجاً أقولُ ما يُقالُ
في الأشعارِ والكُتُبْ
أفعلُ ما يُفعلُ في الأشعارِ والكُتُبْ.

*********
بقميصهِ النيليّْ


بقميصهِ النيليِّ كانَ كأنَّهُ
يمشي على ماءِ الهواءِ
مُتمِّماً لمصارعِ العشَّاقِ
يمشي وحدَهُ كقبيلةِ الشعراءِ تيَّاهاً
ويخلطُ باليدينِ خميرةَ الفرَحِ المعادلِ لليمامِ
ويقتفي عينينِ ذابلتينِ
للأنثى التي مرَقَتْ كسهمٍ طائشٍ
في شارعِ الشهداءِ...
أشربُ صوتَهُ المعجونَ بالحنَّاءِ
كلَّ ضحىً...
وأغرقُ في منامي.

*********

أفروديتْ


أُراقبُ أعضاءها من بعيدٍ
ذوائبها الصارخاتِ إلى الشمسِ
أنهارها المستغيثةَ بالأقحوانِ المريضِ
اهتزازَ أنوثتها فوقَ حبلِ الطريقِ
انبهارَ الحصى الغضِّ من تحتِ أقدامها
ونصاعةَ أسفلتِ شارعها
وغباءَ الزمانِ
ولونَ السماءْ
أُراقبُ أعضاءَها كلَّها
طالباً في دراساتِ علمِ النساءْ.

*********

فضاءُ الشِعرْ


أعيشُ كأنني مُغمضُ القلبِ والعينينِ
ومكمَّمُ الفمِ بالأشواكِ والصخورِ
ليسَ لشيءٍ سوى أنني حلمتُ في طفولتي
باختراقِ الجدارِ الذي يشبهُ هاويةَ وادي الويلِ
بزجاجهِ الذي يلفُّ حياتنا نحنُ البشرِ
والمرفوعِ على آلامنا
إلى فضاءٍ يُسمَّى مجازاً الشِعرْ
والذي ما أن نسبحَ فيهِ
حتى نصبحَ غيرَ مرئيِّينَ
كما لو أننا نلبسُ قبَّعةَ الإخفاءْ
وها أنني لا أندمُ على شيءٍ
إلاَّ على سذاجتي عندما كنتُ أحلمُ
أنني أستطيعُ حلَّ جميعِ مشاكلِ العالمِ الحديثِ
بواسطةِ الشِعرْ.

********

ستَفنينَ كالضوءْ

يتيمٌ دمي ونحيبي مُضاعْ
على شرِّ مائدةٍ للضباعْ
يتيمٌ دمي عندَ بابِ الجحيمْ
ونهبُ زبانيةٍ من أفاعْ
يقولُ وقد سألتهُ السماءُ
بأنِّي قُتلتُ بسيفِ الرعاعْ
أخذتُ أمانيَ من أمَّتي
وقد طَعنتني بسيفٍ مَشاعْ
أقولُ لشاعرةٍ في المساءِ
تحوكُ اللقاءَ بخيطِ الوداعْ
بأنَّكِ مركبُ حلمي الذي
بهِ ألفُ ثقبٍ.. بغيرِ شراعْ
كما القلبُ ينحلُّ في لحظةٍ
ستفنينَ كالضوءِ فوقَ البقاعْ
.......................
يتيمٌ دمي عندَ بابِ الجحيمِ
ونهبُ زبانيةٍ من أفاعْ.





***********



تعريفُ معنى البكاءْ



عندما طالبتني بتعريفِ معنى البكاءْ
قلتُ أنَّ البكاءَ سماءٌ من الوردِ قزحيَّةٌ...
وينابيعُ من فرحٍ مالحٍ
خفقانٌ لأجنحةِ القلبِ
طلٌّ خفيفُ على ذرَّةٍ من رمالِ العظامِ
رذاذٌ أليفٌ يحطُّ على ما يخطُّ الغريبُ
من الذكرياتِ على صفحةِ الماءِ
عشقٌ خفيُّ الإشارةِ
شلاَّلُ ضوءٍ على ألفِ هاويةٍ من ظلامٍ
وأشياءُ أخرى مجرَّدةٌ في الحياةِ وحسِّيةٌ.

*******

ملكٌ صعلوك


دائماً أحلمُ أني فارسٌ
ملكٌ لا ينحني إلاَّ لمجدِ الملكةْ
صولجانُ الغيمِ في كفِّي وفي
أفقِ عينيَّ رياحٌ مُهلكةْ
ما الذي أوقعني في التَهلُكة؟
بعدما كنتُ بقفَّازينِ بيضاوينِ مثلَ النبلاءْ
ألمسُ الوردةَ أو ما ذابَ في الوهمِ
على جلديَ من شمعِ النساءْ
.....................
عندما استيقظتُ من نوميَ
كانَ جسدي المسكينُ في هيئةِ ثورينِ عظيمينِ
يجرَّانِ على الأسفلتِ مجدَ الصعلكةْ.


*******

بماذا سوفَ تحلمُ؟

بماذا سوفَ تحلمُ هذهِ الليلةْ؟
بحفنةِ أنجمٍ في الصيفِ مخضلَّةْ؟
بنافذةٍ معلَّقةٍ على قمرٍ حجازيٍّ
وخصلةِ ليلكٍ بالضوءِ مبتلَّة؟
بخفقةِ طائرٍ في الليلِ معتلَّةْ؟
بماذا سوفَ تحلمُ أيُّها المنفيُّ والمرميُّ
فوقَ وسادةِ السيَّابْ..؟
وغيلانُ الفناءِ يطاردونكَ أينَما
وجَّهتَ قلبكَ في السرابِ يسمِّمونَ النابْ
بماذا سوفَ تحلمُ في الصباحِ...
بطفلةٍ فُلَّةْ؟
بخصلةِ ليلكٍ وبهمسِ أنهارٍ مُعلَّقةٍ على قُبلةْ؟
بماذا سوفَ تحلمُ هذهِ الليلةْ؟


********

ما ظلَّ من شهرِ آذار



لحظاتٌ رماديَّةٌ وجبالٌ من الغيمِ
بحرٌ من الصمتِ والثرثراتِ الفقيرةِ مثلَ الطيورِ
مشاعرُ من غضبٍ
فسحةٌ من عبيرٍ
هلالٌ وحيدٌ
وبستانُ موزٍ يذَّكرني بالسواحلِ
شمسٌ رخاميَّةٌ وعصافيرُ ليستْ تُرى
تمتماتٌ بلا أيِّ معنى
قصائدُ محروقةُ الريشِ
وادٍ فسيحٌ
وأشجارُ قطنٍ وراءَ ظلالِ الغبارْ
كلُّ ما ظلَّ من شهرِ آذارَ فيَّ...
وهذا النهارْ.


********


تفكيرٌ عشوائيٌّ


أحياناً عندما أسكنُ إلى نفسي
أفكِّرُ طويلاً بطريقةٍ عشوائيَّة..
فأرى الثلجَ الأسودَ الذي يهطلُ
في فضاءِ عينيكِ الصافيتينْ
والذي يُثيرُ فضولي إلى أبعدِ حدْ
ويُداويني بالموسيقى العذبةِ
وبأنفاسِ الجنائنِ والأنهارْ
ولكنَّهُ أيضاً يقتلني
بإطلاقهِ إحدى وعشرينَ
رصاصةً على قلبي
بينما أنا أفكِّرُ بفلسفةِ الحبِّ
التي أظنُّها أعظمَ فلسفةٍ في الوجودْ
والتي تحتاجُ إلى ألفِ أفلاطون
لا لشرحها لنا
فقط يكفي ملامسةُ جباههم العاليةِ
وقلوبنا الخفيضةِ أعتابَ كعبيها.


*********

الكائنُ الزنبقيُّ


أفكِّرُ عندَ انتباهي بأشياءَ غامضةٍ
أتأمَّلُ فيلمَ حياتي
بشبهِ حياديَّةٍ فأغصُّ بملحِ السنينِ وطعمِ الربيعِ
وأفرحُ في لحظةٍ دونما سببٍ مُقنعٍ
كنتُ طفلاً يتيمَ السرابِ
وقطعةُ حلوايَ كانت بحجمِ الوطنْ
أفكِّرُ عندَ انتباهي بنفسي
بما لا أطيقُ من البشرِ الحالمينَ أو البشرِ القاتلينْ
أفكِّرُ بالكائنِ الزنبقيِّ الذي افترستهُ النساءُ..
الذي افترستهُ المدُنْ.


**********


إطراقةُ السهرَورديِّ


يُطرقُ السهرورديُّ في خَلقها
ثمَّ تسندهُ حكمةٌ مثلَ خيطٍ من الماءِ
تُرشدهُ نحوَ أعلى إلى فسحةٍ في السماءْ
يقلِّبُ أوراقَ أيامهِ بانكسارٍ قليلٍ
ويُوغلُ في غابةٍ من ضياءْ
هنالكَ لا شيءَ يُسعفهُ...
والمزاميرُ أروعُها يتراقصُ مثلَ الفراشاتِ
في روحهِ.. بألذِّ انتشاءْ.


*********


فمي خاتمٌ لعناة


هنالكَ في المطرِ الاصطناعيِّ
ضيَّعتُ وجهي وقافيتي
في مرايا الشتاتْ
هنالكَ في المدنِ الاصطناعيَّةِ
انكسرَ الظلُّ في شفقِ القلبِ
وانهمرتْ من يدي المفرداتْ
قبلتي لا تضيءُ ملامحَ من قتلتني
بسيفٍ من الماءِ يبرقُ في دمعها
نورسٌ ميِّتٌ شبقي
وفمي خاتمٌ ناعمٌ لعناةْ.


**********


قصيدة إلى رسول حمزاتوف


هل تعلَّمتَ صمتكَ قبلَ رحيلكَ
في نحوِ ستِّينَ عاماً مدوِّخةٍ يا رسولْ؟
يا نبيَّ الترابِ القتيلْ
إنَّ بي حاجةً لتعلُّمِ صمتكَ
دونَ الكلامِ الذليلْ
إنَّ بي حاجةً لأُتمِّمَ مجدَ طريقكَ...
هذا المعلَّقِ في قدمِ الريحِ...
يا شاعرَ الأرضِ
يا أيُّها الجبليُّ المكابرُ
يا أيُّها الأقحوانُ الجريح
قُبلةُ امرأةٍ خيرُ زادكَ في برزخٍ قاحلٍ..
وثمانونَ عاماً من الحبِّ تكفي لكي تستريحْ.


**********


رُبَّما


رُبَّما في الجبالِ البعيدةِ
تحتَ الظلامِ القديمِ
وراءَ البحارِ الغريبةِ
في نقطةٍ من ضياءٍ
تنامينَ وحدكِ في قاعِ قبركِ
كالشعراءِ المساكينَ
تفترشينَ الرياحَ وعطرَ الرياحينِ
أو لعنةَ الطينِ
وحدي سأبصرُ شعلةَ روحكِ
في الزرقةِ الصافيةْ
ووحدي سأمشي بلا وطنٍ
نحوَ نوركِ في نشوةٍ
ثُمَّ أُلقي بنفسي إلى الهاوية.


************


يبحثُ عن قلبهِ


غيرَ مكترثٍ بالغمامِ الأليفِ
بسربِ النوارسِ فوقَ السماءِ الوحيدةِ
بالوردِ في عُهدةِ العاشقينَ
وبالقُبلاتِ مجفَّفةً فوقَ منديلِ غيمِ الصباحِ الأنيقِ
بوقتٍ يضيقُ بكاملِ أحزانهِ
وبنقصانِ رغبتهِ في العشاءِ
ملاكٌ بريءٌ
ومختلفٌ في القصيدةِ مع نفسهِ..
واختلاجاتِ شيطانهِ
غيرَ مكترثٍ بالحمامِ العنيفِ
ويبحثُ في زحمةِ الناسِ
عن قلبهِ في السرابْ.

************


بماذا أُواجهُ نفسي؟


بماذا أُواجهُ هذا الحنينَ
الذي يتوالدُ في الصدرِ مثلَ النجومِ الصغيرةِ
أو يختفي ما وراءَ جبالِ الأنينْ؟
بماذا أُواجهُ نفسي التي اندثرَتْ
في ابتساماتِ نيسانَ
مثلَ الفقاعاتِ..
واحتشدَتْ بالينابيعِ أو بالمزاميرِ
أو برياحِ السنينْ؟
أسُلُّ الصدى من دمي صارخاً
وأبُلُّ الضلوعَ التي يبسَتْ في براري الفراغِ
وأخلعُ عن كاهلِ القلبِ نهراً بنرجستينِ
وحلماً سفيهَ الرؤى والظنون.

********

رغوةُ الأحلام


ماذا ستفعلُ بالقليلِ من القصائدِ
والرمادِ العنبريِّ
وغابةِ الشرفاتِ
والرغباتِ
بعدَ شتاءِ نومكَ في الأعالي
أيُّها المنسيُّ...؟

قلبُكَ موغلٌ في الصخرِ والماضي
وفي ماءِ الحريرِ وفي الغيابْ
ماذا ستفعلُ بالربيعِ الحرِّ
بالحبرِ المدمَّى في فضاءِ عروقكَ الخضراءِ
بالصمتِ الجميلِ
بما تناسلَ منكَ أو من رغوةِ الأحلامِ
في يومِ الحساب؟

***********

تحملينْ


تحملينْ
وجهَ عصفورةٍ دوَّختها العواصفُ
في وطنٍ غامضٍ كالأنوثةِ
أو كالسماءِ....
ووجهَ ملاكْ
فكيفَ تصبِّينَ ماءَ الهلاكْ
على نظراتِ التأمِّلِ أو مفرداتِ البكاء؟
تحملينْ
ما سيكفي بلاداً من المخملِ الرطبِ
يكفي شعوباً من الشعراءْ
تحملينْ
في خفايا دمائكِ
أكثرَ من ألفِ قنبلةٍ للحنينْ.

**********

الرجوعُ حافياً


أمسِ كنتُ أبحثُ عن أفكارٍ جديدةٍ
لقصيدتي التي تخفقُ الآنَ فوقَ نصاعةِ الأوراقِ
كالوليدِ الغضِّ...
بحثتُ في قريتي البريئةِ
وفتَّشتُ الأرصفةَ والحدائقَ العامةَ
وناطحاتِ السحابِ في المدنِ الحديثةِ
فلم أجدْ إلاَّ أعقابَ سجائرِ الآخرينَ
وتفاهةَ أحلامهم المرميَّةِ
في الزمنِ القبيحِ كجبالٍ من القمامةْ
وفي النهايةِ لم أرجع حتى بخفَّيْ حُنينْ
أو حتى بخُفيَّ أنا.

***********


كُلُّ هذا الفراغ


هل لكفَّيكِ زهوُ الخيولِ
وقسوةُ ما في الذئابِ؟
لعينيكِ أحزانُ آبٍ
وكُلُّ رمادِ البريقِ المعطَّرِ..؟
هل لخطاكِ نعاسُ الطيورِ المشجَّرُ
في غابةٍ من مياهٍ ومن قزَحٍ
غارقٍ في المساءِ المُقعَّرِ..؟
هل لفمي كُلُّ هذا الفراغِ الذي يتطايرُ
مثلَ الفراشاتِ من فجوةٍ في كلامي..؟

************


يذبحني فمُها كالهلال


كيفَ تُفلتُ أطرافُهُ من هسيسِ النمالْ؟
ودغدغةِ الموجِ أقدامَ حوريَّةٍ في بحارِ الخيالْ؟

شاعرٌ قابعٌ في مهبِّ المحالْ
كيفَ تُفلتُ أحزانُهُ من يدينِ شتائيَّتينِ
كآخرِ ما في دمائي من الشعرِ...
أوَّلِ ما في يدي من سؤالْ؟

قمحُها صارَ ينمو على جسدي كالطحالبِ...
يذبحني فمها كالهلالْ.

***********

جسدٌ / نهرٌ


جسدٌ من الفوضى الأليفةِ...
قُدَّ من أعلى فصاحتها..
كما يتنفَّسُ الحبقُ المُجفَّفُ
في عروقِ الأرضِ
يشهقُ في أقاصي القاعِ
يبدؤني بأوَّلِ قُبلةٍ حجريَّةٍ بيضاءَ...
يختمنى بلعنتهِ ويختمُ
ما على قلبي من الأسرارِ...

نهرٌ مفعمٌ بحريركِ المنسابِ كالأفعى
على مائيَّةِ التفَّاحِ
مُكتملٌ كجيدِ الظبيِ فيكِ
وعنفوانِ الخيلِ
مُكتهلٌ كوجهِ الشمسِ
أو كحقيقةِ الأبنوسِ
مُنفصلٌ عن الأشياءِ والأسماءِ
ليسَ سواهُ في الدنيا
يُعيدُ ليَ اتِّزاني.

**********

أُحدِّقُ في قلقٍ


أُحدِّقُ في قلقٍ ناصعٍ أوَّلَ الليلِ
يهربُ منِّي الكلامُ الخفيضُ كسربِ السنونو
أدورُ على عدمي
أتمزَّقُ مثلَ النجومِ الطريَّةِ
ينتفضُ البرقُ فيَّ...
هنا قلقٌ لا يؤدِّي إلى أيِّ أيقونةٍ
أو هواءٍ أخيرٍ
وحيداً أُفكِّرُ في آخرِ الليلِ
إنَّ الحياةَ هلاميَّةٌ في اعتقادي البسيطِ
وأكبرُ من أنْ تُفسَّرَ بالقولِ
لسعتُها أسفلَ القلبِ...
أو روحُها في الربيعْ.


********


شفتايَ ينبوعانِ من عطشٍ

شفتايَ ينبوعانِ من عطشٍ
وروحي جذوةٌ بيضاءُ ملءَ الليلِ..
فوقَ أصابعي مليونُ عصفورٍ يُشرِّدُهُ الشتاءُ..
يدايَ مجدافا ظلامٍ في الحريرِ البضِّ..
ماذا بعدَ هذا الصمتِ من لغةٍ...؟
وكيفَ أُعيدُ ما انتقصَ الزمانُ من الجمانِ الرخصِ
ما انتقصَ المكانُ من الحنينِ إليكِ؟
يا رؤيا الحصانِ
وطهرَ ما في الحلمِ من وجعِ البيانِ.

*********

كأنَّها شبحٌ أمامي

لا ماءَ في المرآةِ أُبصرُهُ
لأرفعَ من غيابكَ صخرةً أخرى
على قلبي المُهشَّمِ مثلَ ذرِّ الملحِ..
أنهرُ عن دموعكَ شبهةَ الضحكاتِ عندَ الفجرِ
تقتلني الحقيقةُ بالرصاصاتِ العجافِ
وبالهواءِ الأجنبيِّ
وغدرِ أشباهِ الرجالِ
الميِّتينَ على حُطامي
..............
يدُكَ المصابةُ بالرذاذِ وبالنعاسِ وبالجنونِ
كأنَّها شبحٌ أمامي.

*********

عقلٌ أعمى

على يدهِ ينامُ الصبحُ
ليلُ الفرفحينةِ في خبايا قلبهِ يدمى
يمرُّ كما تمرُّ الوردةُ البيضاءُ بي
في البرزخِ الفضيِّ
بكلِّ أمومةِ الأرضِ
على يدهِ أنامُ بغيرِ شوكِ الحاضرِ المُفضي
إلى مستقبلٍ في قاعِ هاويةٍ من اللعناتِ ...
مشطوراً إلى نجمينِ أُبصرُ عقلهُ الأعمى.

********

أُصغي إلى قلبِ أوفيليا


قليلاً ويأتي برابرةٌ أجنبيُّونَ فوقَ بساطِ السلامْ
ويغتسلونَ بماءِ دواوينِ شعرِ العرَبْ
قليلاً وينتصرُ الذئبُ فيَّ على ظبيةٍ
من حريرِ الخزامْ
قليلاً وأخلعُ عن منكبيَّ غبارَ التعبْ
جسدي زورقٌ لاشتهاءاتهِ
ودمي نورسٌ من رمادِ الغضبْ
قليلاً ويأتي برابرةٌ آخرونَ
وينتحرونَ فُرادى وراءَ سماءِ الجحيمِ
قليلاً قليلاً
وأُصغي إلى قلبِ أوفيليا
في صميمِ الرخامْ.

********

وحدي

أعترفُ الآنْ
وبكاملِ جموحِ رمبو أنني وحدي
رغمَ كلِّ القلوبِ الطيِّبةِ والمباركةِ
التي تحُفُّني وتحرسُني كأعينِ الملائكةِ في السماءْ
ولأنني أعيشُ وحدي
بمزاجيَّةِ روحي
فقد تكالبَ عليَّ اللصُّ والصعلوكُ
والزنديقُ والمنافقُ والعاهرُ والفاجرُ
وتكالبتْ عليَّ أيضاً كلابُ الشوارعْ
وفي كلِّ ليلةٍ أتحسَّسُّ خنجرَ بروتوسَ
المغروزَ في ظهري كما أتحسَّسُّ أصابعي.

**********

نورسانِ من الماءِ

نورسانِ من الماءِ
يقتسمانِ خطايا البنفسجِ طولَ النهارِ
كما يتقاسمُ روحي الرعاعْ
نورسانِ فقيرانِ فقرَ الرمالِ وفقرَ الفراشاتِ
والأُغنياتِ على وطنٍ من سرابٍ مُضاعْ
يحملانِ دمي في البحارِ التي قتلتْ سندبادَ
وغطَّتْ شعاعَ ابتسامتهِ ببقايا شراعْ.

*********

حريرُ الوعولْ

ندَمي طافحٌ كالعناقيدِ
مُستسلمٌ... مُفعمٌ بالصراخِ وملحِ سدومَ
كأنَّ انتحابَ الصباحِ الخفيَّ
يُضيءُ دمَ الحبرِ في كلماتي
كأني أسيرُ إلى هُوَّةٍ الخلفِ من دونِ معنى
كأنَّ حياتي تعودُ إلى نطفةٍ في فراغِ الزمانِ ...
فهل سوفَ أرجعُ من قبرِ عامورةَ الإثمِ
ذاتَ ضحىً لسماءِ الجليلْ؟
..................
مزَّقتني ذئابُ القبيلةِ مثلَ حريرِ الوعولْ.

*********


ماءٌ معذَّب



هل أنا غيرُ ماءٍ تعذِّبهُ ويعذِّبها
ويراها على هيئةِ الشمسِ حيناً
وحيناً على هيئةِ الوردِ..؟
يلزمُني مطرٌ زاجلٌ كي أُصدِّقها
بينما هيَ تحبسُ في معصميها البروقَ
وتُطلقُ أحصنةَ العاجِ من دمها
والحمامَ النبيلَ ودمعَ الحجاز
هل أنا غيرُ ظلٍّ لأحلامها السكريَّةِ
أو طيفِ أحزانها في الظلامِ
وهل هيَ في نظَري غيرُ أنثى المجازْ؟

************


كعبُ آخيل



لو أنَّ سهماً طائشاً للحُبِّ
أخطأَ مرتقى كَعبي
لكنتُ فرحتُ أكثرَ بالحياةِ
لو أنَّ بسمتَكِ المضيئةَ لم تُنِرْ قلبي
كما القمَرِ الغريبِ
لما مشيتُ كأنني أعمى إلى موتي البطيءِ
لو أنَّ طيرَ جمالكِ المقهورَ
أفلتَ من رؤايَ
وقالَ لي كلاَّ...
لو أنَّكِ كنتِ في ذاكَ الصباحِ
رفضتِ حبِّي دونما معنى...
لكنتُ شُفيتُ من مرَضي
ومن تبغي الرخيصِ
وحكمتي السوداءِ...

ممهوراً بماءِ الحزنِ
من ولهٍ أُطوِّحُ بالوصايا أو أناشيدِ البطولةِ
في الطريقِ لعارِ قسطنطينةِ البيضاءِ..

حينَ أراكِ من خلفَ الندى
أبكي كعصفورٍ شماليٍّ
وأجهشُ مثلَ ينبوعٍ خرافيٍّ
يشقُّ الحلمَ في عزِّ الظهيرةِ
وارتعاشاتِ الأصابعِ في الضحى...

لو أنَّ سهماً طائشاً للحبِّ ضلَّ طريقهُ
المحمولَ فوقَ الريحِ والفصحى... وأجَّلني
لكنتُ فرحتُ أكثرَ وانتصرتُ على رمادِ اليأسِ
نصراً كاذباً في الوهمِ مثلَ فقاعةِ الصابونِ
في ثبجِ الفضاءِ تضيءُ كالدمعِ المكابرِ
هالةَ الكلماتِ في قلبي وحولَ رؤايَ...

يقتسمُ الرذاذُ خطايَ
حينَ تمشِّطينَ الفجرَ بالألحانِ والأمواجِ
أو تستنبتينَ خميلةَ الرغباتِ
من قدميَّ في السهلِ الفسيحِ...

لو أنَّ سهماً طائشاً للحبِّ أنذرَني وحرَّرني
من الأسماءِ والأشياءِ
كنتُ حملتُ كالذئبِ المراهقِ طائعاً ندَمي
وروحي في السرابِ.. وخبرتي
_ تلكَ التي من أجلها أشقى _
وجمرةَ فكرتي
أو أغنياتي.. أو رمادَ الحبِّ
تنعفهُ البحيرةُ في شراييني..
وتجمعهُ أصابعُ شهرزادَ...

لو أنني لم أنتبهْ من يقظتي
في مثلِ ذاكَ الفجرِ
أو كفكفتُ في دعةٍ رذاذَ التبرِ
كنتُ نجوتُ من جسَدٍ نبيذيِّ الكلامِ
يُزوِّجُ الأشجارَ للماضي
ويُولمُ رغوةَ الازهارِ لي
في أوجِ هذا الحزنِ
أو ضحكِ الفراشاتِ الطفيفِ

كأنَّ في قلبي رمالاً مُرَّةً خضراءَ
تصعدُ من جروحكِ أنتِ
إذْ تفترُّ فاكهةً معلَّقةً على قوسِ الغمامِ...
كأنَّ في شفتيَّ جمراً تائباً
وخميرةً عمياءَ تبحثُ عنكِ
في ولهِ المحبِّ
وفي خطى المستضعفينَ
وفي السرابِ القُرمزيِّ.. وفي الغيابِ
وفي إشاراتِ القرنفلِ واليبابِ
وفي الفراغِ وظلِّهِ الممدودِ بينَ حمامتينِ
ولعنتينِ تضمِّخانِ الليلَ بالعنَّابِ...

لونُكِ طافحٌ وأنا فقيرٌ مُعدمٌ
لا شيءَ لي لا ضوءَ
لا ظلٌّ ولا فُلٌّ هناكَ يُطوِّقانِ دمي
وينكسرانِ في لغتي
كعصفورينِ من عصرِ الضبابِ...

لو أنَّ سهماً شعَّ من أقصى نعاسكِ
أو يديكِ
لكنتُ أنهيتُ التأمَّلَ في الوجودِ
أو اتكأتُ على حرابي
في المدى الخاوي
كأني آخرٌ لأناكِ
أو حقلٌ من الدُفلى
وماؤكِ طائعاً يجري على جسدي
يزيدُ ليَ اشتعالي.



حزيران 2010

**********


مرثيَّةُ الهاويةْ




(1)

بقدسيَّةِ الحبِّ والأُمِّ والخبزِ والأرضِ
والشجرِ المتعبِ النبضِ..
بالصيفِ إذ تتشمَّسُ فيهِ القصائدُ
مثلَ نساءِ السواحلِ
بي.. وبخمسينَ أرجوحةً للهلالِ
وعشرينَ تنهيدةً في شفاهٍ من البيلسانِ الطريِّ..
بماءِ الحنينِ وأعراقِ داليةٍ في الضلوعِ
بثلجٍ يضيءُ أصابعها من وراءِ الشموعِ..

بقدسيَّةِ الحبرِ والتكنولوجيا
بحسِّ الروائيِّ والكاتبِ الحرِّ
والانفتاحِ الحضاريِّ والانغلاقِ المكرَّسِ
بالشعرِ فوقَ الصليبِ
بروحي.. وبالجبليِّ الأخيرِ رسول حمزاتوف
بماءِ الجمالِ ورهبنةِ العاشقِ الواثقِ القلبِ والأقحوانِ
بفيزياءِ علمِ النجومِ وعلمِ المجرَّاتِ .. حينَ أكذِّبها
بالرمالِ.. وبالنفطِ
بالردَّةِ المذهبيَّةِ والانهزاميَّةِ العربيَّةِ..

لا أستطيعُ اقتراباً وتقبيلَ جذوتكِ التائبةْ
دمي صامتٌ راعشٌ مُطفأٌ
والقصيدةُ لاهبةٌ لاهبةْ


(2)

بقدسيَّةِ الحبرِ والفُلِّ
والانبهارِ ببدرِ حزيرانَ
والانكسارِ كقلبِ الزجاجِ وعاطفةِ الصيفِ
أو مفرداتِ الشتاءِ الوحيدِ..
بطعمِ الخساراتِ تحتَ اللسانِ
كملحِ سدومَ
بكلِّ النجومِ وكلِّ المرايا
التي لا تُرى في فضاءِ السديمِ
بنهرٍ من الأقحوانِ المريضِ
بفزَّاعةٍ للطيورِ على أوَّلِ السفحِ
مركونةٍ في يدِ الريحِ
محزونةٍ مثلَ سيَّدةٍ في الخريفِ البعيدِ
ببسملةِ الصبحِ والكائناتِ
بحبلِ النعاسِ الرفيعِ
بعطرِ الربيعِ
بما قد تساقطَ منِّي على هاوياتِ الصقيعِ
بضحكِ أوفيليا ودمعةِ عشتارَ
بالزهرةِ الذهبيَّةِ فوقَ أصابعِ أنثى
رُخاميَّةِ الدمعِ..

لا أستطيعُ مآخاةَ ما في بحاركَ من لوعةٍ
لا تحطُّ على منكبيَّ كزوجِ يمامٍ
وتزويجَ ما في يديكِ من التبرِ قبلَ الضحى
لترابِ الشرايينِ
لا أستطيعُ تبنِّي ابتسامتكِ السكَّريَّةَ..
أو فهمَ فضَّتكِ الخائبةْ


(3)

بقدسيَّةِ الزهرةِ النائمةْ
عندَ أطرافِ قلبي وتحتَ الرمادِ
الخفيفِ على شهوتي العائمةْ
فوقَ وجهِ المدينةِ تلمعُ مثلَ القميصِ الشفيفِ..
ويطلعُ من فمِ أوفيليا
قمرٌ لابتسامتها الدائمةْ
بقدسيَّةِ المطرِ المتواصلِ
والانتظارِ المخبَّأِ في ظلِّ برقِ المساءْ
برنينِ الخطى في الشوارعِ
بالفرَحِ المتراخي هناكَ
وراءَ الحكايةِ.. خلفَ الصلاءْ
بخفَّةِ زهرِ النوارسِ فوقَ السحابِ الخفيضِ
بقلبِ الكلامِ المريضِ
بترنيمةِ العاشقِ المستهامِ
بكلِّ التعاليمِ والفلسفاتِ
وما يتناثرُ من شهرزادَ
على كاحلِ الأرضِ أو شهريارَ
وما يتبخَّرُ من وجعي
فوقَ رملِ الأناملِ مثلَ الرذاذِ
بعاطفةٍ لا تُفكِّرُ إلاَّ بعقلِ عماءِ المحبَّةِ
بالذكرياتِ التي خلَّفتني أفتِّشُ عن برقِ روحي
بسخريَّةٍ مرَّةٍ مُتعبةْ
وأسألُ لو كنتِ في ذلكَ الصبحِ
دونَ رفيقاتكِ الأخرياتِ أقلَّ جمالاً
تُرى كنتُ لم أنتبهْ
للسنابلِ أو للسيوفِ
التي غزلَتْ من حريرِ الدماءِ
وشاحاً رقيقاً لأقدامكِ العاريةْ..؟
وهل كنتُ أكتبُ غيرَ انهيارِ الضلوعِ
ومرثيَّةَ الهاوية..؟


حزيران وتموز 2010

***********

كلمات في وداع أجمل الفرسان محمود درويش

كانفلاتُ النورسِ إلى الأزرقِ الورديّْ



رحيل الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش حالة عصيَّةٌ في غاية إلتباس العاطفة والشعور ومكاشفة النفس .. ومشهدٌ هوميريٌّ صعبُ الوصف والتصديق .
حتى أنَّ قلوبنا نحن العرب قد تحوَّلت في مساءِ التاسع من آب في ظلال السبتِ المشئوم إلى فراشاتٍ مائيةٍ عطاش يطاردها سيف شهريار في فضاءٍ سحيق .
أو إلى أيدٍ بلورِّيةٍ تبحثُ في الظلامِ عن خيطٍ من النورِ ليرفعها من جحيمِ المأساة .
لم نرِد نحن العرب العاطفيون تصديق ذاكَ النبأ الجلل .
كنَّا نتشبَّثُ بالسرابِ والوهمِ ونهربُ من مجرَّدِ فكرةِ تصديقِ رحيل أجملِ الفرسان العرب وأنبلهم عشقاً .
موت درويش لا يُصدَّق هكذا وبكلِّ بساطةٍ... ذلك أنهُ كان ممَّن صبغوا حياتنا على مدى نصف قرن بألوان الطيف وبقزحِ البهجة والأملِ والجمال ومقاومة الألم والتمردِّ على الظلمِ وعلى تسلِّطِ الغير .
شخصياً عندما صدمني خبر رحيلهِ طفقتُ على وجهي في الظلامِ واستسلمتُ لبحرٍ من الدمع الحبيس وأطلقتُ لهُ العنان . في تلكَ الليلةِ القاسيةِ القلبِ .
قلتُ لعلُّ آخرَ محمود ماتَ وليسَ أناهُ .قلتُ كلاماً خفيَّاً كثيراً ..كبيراً كحقلِ الضباب. كنتُ أستلُّ روحي التي ناوشتها الذئاب .
وأصبغُ ليلي بحنَّاءِ امرأةٍ فينيقيةٍ . أو كنعانيةٍ تليق بأجملِ أبناءِ جلعادَ الذي عادَ إلى أحضانِ أمهِ فلسطين .

لا شيءَ في درويش ينازعني إليهِ اليومَ أكثرَ من ضوءِ وحنينِ صوتهِ .
لصوتهِ بعدٌ جمالي رمزيٌّ رهيب . لا أستطيعُ الصمود أمام تموُّجاتهِ وإغراءاتهِ اللامحدودة الأنغامِ . أحياناً يخيَّلُ لي أنني أصغي إلى روعةِ المزامير . الغرابة أن كل جلال وجمال شعر محمود درويش لا يشدُّني بنفسِ القدرِ كما يفعلُ صوتهُ وحركات يديهِ الملوكيَّتين الباذختي الفضةِ .
بعد هذا الرحيلِ الباذخِ الحزن لن أنحاز إلى محمود السياسي البارع أو الوطنيِّ العنيد الذي كسرَ جبروت الحكم العسكري وقسوة سياستهِ وهو بعدُ في عمرِ الوردِ وليونةِ الياسمين ونصاعةِ القمر .

لن أنحاز إلى محمود درويش الرمز الثقافي الفلسطيني والعربي بقدر ما سأنحاز لمحمود العاشق والشاعر المرهف الذي فهمَ سرَّ المعادلة الذكيَّة بين الشاعر والمتلَّقي... الشاعر الذي رفعَ سقفَ الشعر العربي إلى أعلى من زرقِ النجوم في الليالي المخمليةِ . والوحيدِ منذ جدِّهِ الأكبر - أحمد بن الحسين المتنبي – الذي أعاد للشعر هيبته المنهوبةَ وخلعَ عليهِ رداءَ الأسطورة المسلوب.
فالأساطير بعيدةٌ عنَّا نحن العرب وهيَ لا تخلقُ في التاريخِ الإنساني كلَّ يومٍ أو كلَّ شهرٍ .. فمنذُ المتنبي ونحنُ في حالة انتظارٍ طالَ أمدها لأسطورةٍ أبطأت سيرها حتى منَّ التاريخُ علينا بها أخيراً وكانت أسطورةً عصيَّةً جامحةً وعنيدةً ولا تسلِّمُّ نفسها بسهولةٍ للزمانِ الغشومِ . ولكنَّها حينَ ترحلُ . ترحلُ بفداحةٍ عاليةٍ وخسرانٍ مبين .

تُرى هل تركَ لنا الشاعر بعضَ كلامٍ وتعابير ومفرداتٍ وصياغات ومجازات لم تستعملَ على يديه .. وما زالت عذراوات أبكاراً تستحقُّ بأن نودِّعهُ بها .. لا أظنُّ ذلك .. رثاء درويش هو رثاء للغةِ العالية .. للجمالِ المحضِ.. للبهاءِ الخالص.
ماذا يفيدُ صراخنا وعويلنا النائمَ الجميلَ في حضرةِ الغياب ؟!
هل يستَّلهُ تفجُّعنا من بينِ الحوريَّات اللواتي يهدهدنَ روحه الشفيفة الآن على ضفة الفراديس البيضاءْ ؟!

آهِ كم عرفنا عند رحيلهِ كم كنَّا بحاجةٍ إلى البكاء .. كما لو أنَّ الدمع جاءَ ليطهِّرنا أو ربمَّا ليعمِّدنا من خطايانا ... كم عرفنا ما لا يمكن أن نعرف من سرِّ الأبديةِ الغافي في جذوعِ سنديانِ الجليلْ .
نحنُ بعد انهيارِ هذا الصرحِ الشعريِّ العظيمِ علينا أصبحنا كائناتٍ أكثر احتفاءاً بالنور والماءِ .. وأقوى على تحمِّل لسعاتِ الجمال والحبْ والندى الفجريِّ .
أصبحنا أخفَّ من فراشات الجليل وأرقَّ من عبقِ هوائهِ بعدما انهارت علنا آخرُ ناطحةِ سحابٍ عملاقةٍ من أقحوانٍ وقرنفلٍ وسفرجلٍ ورياحينَ وأغصانِ مرجانَ ونوارس ضائعةٍ ملوَّنةٍ ومهاجرةٍ إلى بحرٍ خفيٍّ وزرقةٍ غامضةٍ .
رحلَ نشيدنا الحافي وأجملُ مزاميرنا العذريَّةُ .. رحل سادن وجعنا الجليليُّ وأحلى شباب أمنَّا فلسطين . رحلَ مستعجلاً وقبلَ أن يودَّعنا بقبلةٍ وأن ينتصرَ بقصيدتهِ . رحلَ مدجَّجاً بعذابهِ الخاصِّ وبشوقهِ لخبزِ أمّهِ وقهوتها الصباحيَّةِ. وبشعرِ الألم ولسعةِ الندمْ .

في خضمِّ حزني المشتعل عليهِ لا أستطيع الكلام .. أنا فقط أستلُّ الحروف استلالاً ممَّا لم ينغلق بعد من فجوةِ البابِ الذي انغلقَ على مرحلةٍ لن تتكررَّ في نظري أبداً . ولن يجود حتى ألفُ زمانٍ أندلسيِّ بمثلها .

وسيشهدُ تاريخُ الغدِ أنَّ محمود درويش كانَ مشروعاً شعرياً استثنائياً قلَّ نظيرهُ أو إنعدمَ . لا في العصرِ الحديثِ فحسب . ولا في اللغةِ العربيةِ وحدها . بل في كلِّ العصورِ الإنسانيةِ وآدابها الأخرى .
وهو يُعدُّ في نظري – من غيرِ مغالاةٍ – أحد أعظمِ عشرة شعراءٍ كونيين على مرِّ التاريخِ البشريِّ . منذ هوميروس وفرجيل حتى بودلير وبابلو نيرودا ولوركا مروراً بدانتي وشكسبير والمتنبي والمعريِّ . أو ثاني أعظم شاعرٍ في العربيةِ بعد المتنبي ولا أريد أن أضمَّ له سوى دواوينه التي بدأها بورد أقلَّ وهي مرحلته الشعرية الأخيرة
التي امتدَّت إلى أكثر من عشرينَ عاماً رغم إعجابي بأغلبِ شعرهِ ونثرهِ .
يليق بكلِّ شعراءِ العربية والعالمِ أن ينحنوا إجلالاً لشاعرٍ أعطى حلمه كلَّ شيءٍ يملكهُ . وبذلَ أقصى طاقتهِ ليرتفع بالشعر العربي إلى أعلى قمةٍ تعبيريةٍ مجازيةٍ تصويريةٍ . ومكاشفةٍ للذاتِ الإنسانية بلغها منذ إمرئ القيس حتى الآن .
سيمرُّ دهرٌ حتى نكتشفَ الخلل بصورة عمليةٍ ملموسةٍ . عندها سنعرفُ كم من المعايير الجمالية ومقاييس الذائقة الأصيلة قد انهار وأصبحَ هباءً برحيلهِ .
وسنعرفُ أيضاً كم أُستنـزفَ من الجمال والروعةِ والسحرِ البكر في الكلام المائل إلى جرح الشمس الزرقاءْ .. الذي كانَ ينثرهُ درويش على آمالنا وآلامنا فننتفضُّ بكلِّ نبضِ الأرضِ في دمنا .

تسألنا أحلامنا في الليلِ والنهارِ .. أينَ هو الآن ؟؟ أين طفلُ الندى والأقحوان ؟
أينَ ملاكنا الشريد الطريد ؟؟! كيفَ ترجلَّ عن حصانِ النشيدْ ؟! أينَ هو الآنَ ؟
ألم يخجلْ من دمعِ أمِّهِ ؟؟؟!
كأنمَّا طار محمودُ كالعنقاءِ إلى غيرِ رجعةْ .


آب 2008


*************


سلامٌ على قمرِ البنفسجِ في عينيكَ

إلى محمود درويش في ذكرى رحيلهِ الأولى




ها قد مرَّ عامٌ على الغياب.. ونحنُ لا زلنا نعيشُ في الوهمِ من انطفاءِ العنقاء وحتَّى هذهِ اللحظةِ الكاذبةِ الصادقةِ نحاولُ الإمساكَ بالأطيافِ الذهبيَّةِ الهاربةِ من خيالاتنا دونَ جدوى... ونُجرِّبُ أن نقيسَ أيامنا الحنطيَّةَ بالماءِ المسفوحِ من قلوبنا على رحيلكَ يا سيِّدَ الكلام.. الصامتَ الأبديِّ في حضنِ منيرفا وفي حضورِ كلامها الأخضرِ.

يا طفلَ الأقحوانِ.. أيُّها الحصانُ العصيُّ على الريحِ الأنثويَّةِ.. لا تخجل بنا وبعجزنا عن رثائكَ.. لا تخجل بكلِّ الهذياناتِ التي فاضَتْ على أرضنا العربيةِ اليابسةِ الجرداءِ سوى من دماءِ الحالمينَ أمثالكَ...
لا تخجل بنا يا وريثَ عذاباتنا أمامَ نساءِ أولمبَ الفاتناتْ.. فكُلُّ أقمارنا في غايةِ الغباءِ والحيرةِ... وكُلُّ عظامنا لا تضيءُ الظلامَ الصلبَ..

أتبلَّلُ بالمَطرِ المورقِ وأعجبُ لكَ كيفَ استطعتَ أن تحملَ صخرةَ سيزيفَ إلى هذهِ الهوَّةِ القاحلةِ الهائلةِ الطائرةِ في الجحيمْ.... كيفَ استطعتَ أن تُحوِّلَ شتاءاتي جميعها إلى شتاءٍ واحدٍ باذخٍ مُعذَّبٍ يليقُ بالشعرِ والبكاءِ على طللِ العولمةِ .. ويرتفعُ بالموسيقى الزرقاءِ ويضيءُ بخواتمِ ريتا سُدُمَ القلبِ.
وقد كانت شتاءاتي من قبلكَ صخوراً تنهمرُ عليَّ من كُوَّةٍ صفراءَ في السماءِ الزجاجيَّةِ المُكسَّرةِ... آهِ كم كانت شتاءاتي عقيمةً من دونكَ..

مرَّ عامٌ على الغيابِ ونحنُ لو تفكَّرنا قليلاً في حضرةِ الغيابِ منذُ الأزلِ وإلى الأبدِ وأنتَ تحاولُ بأشعاركَ المزهرةِ كاللبلابِ أن تلقي علينا بصيصاً من شعاعِ الحضورِ العاطفي الإنساني المعرفي المتمرِّدِ ولو من وراءِ حجابْ.
عندما أقرأُ اليومَ في دواوينكَ الأخيرةِ وأنا بالذاتِ أنحازُ إلى مرحلتكَ الأخيرةِ التي تذكِّرني بكلِّ أمجادِ الشعرِ الذي يدغدغُ الروحَ.. يضربني بقوَّةٍ هائلةٍ برقُ الحقيقةِ.. أُدركُ تماماً أننا نحنُ أشباهُ الشعراء ما زلنا بعيدينَ سنينَ ضوئيةً عن عوالمكَ الشعريةِ الساحرةِ التي جُبتها كغزالٍ شريدٍ شاردٍ.. وأننا في الزمنِ الأخيرِ مغفَّلونَ في لعنةِ التجربةِ.
أنتَ وحدكَ فينا من قبضَ على الجمرِ المقدَّسِ يا بروميثيوس.. من دون أن يرتعشَ لكَ قلبٌ أو يرمشَ لكَ جفنٌ. أنتَ وحدكَ يا سليلَ أسطورةِ هذهِ الأرضِ النبيَّةِ من نثرَ الزهرَ اليابسَ على بحيراتِ العالمِ القاسي..
فهَلْ تغفرُ لنا حُبَّنا الذي قتَلَكَ كالذئبِ بلا رحمةٍ وألقى بكَ في جُبِّ يوسفَ عليهِ السلامْ.. هل تغفرُ لنا حماقتنا وبراءتنا وقلَّةَ صبرنا..

قصائدكُ تراوغنا بالذهبِ والصباحاتِ الصيفيةِ ولا نفلتُ بتاتاً من سطوتها اللامعةِ.. فنحنُ مدينونَ لكَ بالنرجسِ وترويضِ الكلامِ الجامحِ في بريَّةٍ ممتدَّةٍ في الفضاءِ خلفَ هذا البحرِ الذي أدمنَ صداقتَكَ. وأدمنَ عشقَ ممالككَ العاليةِ وزهوةَ روحكَ ونبلَ السيوفِ التي حفَّت خيلاءكَ ذات حلم.

لحيفا هسيسٌ ناريٌّ لا يسكنُ لحظةً واحدةً مسائلاً عنكَ. لا يسمعهُ إلاَّ محبُّوكَ وقلبي فهو يرهفُ السمعَ كلَّ صباحٍ ومساءٍ ويمتلأُ بهِ كما يملأُ قوسُ قزحٍ برذاذِ الماء المتطايرِ .

سلامٌ عليكَ وخزامٌ أليفٌ يطوِّقُ وجهكَ
سلامٌ على روحكَ الوامقةِ أمامَ السماءِ كعبَّادِ الشمس
سلامٌ على قمَرِ البنفسجِ في عينيكَ
سلامٌ أخيرٌ على بهاءِ زهرةِ اللوزْ....


*************

ألبحثُ عن اليوتوبيا
صعوداً إلى الهاوية




أُصارحكَ القولَ أيُّها الآخرُ يا أخي.. يا صديقي وشاعري القريبَ إلى حافةِ القلبِ كحبَّةِ اللؤلؤِ والمملوءَ بالشَجَنِ الدافئِ كمياهِ الينابيعِ الجوفيَّةِ.. أنَّني منذُ كنتُ وأنا أبحثُ عنكَ كمن يبحثُ عن خيطِ النورِ في غابةِ الظلامِ وأتلَّمسُ نبضَ شعركَ في الريحِ الزرقاءِ العقيمةِ.. لقدْ كنتَ قنديلي في البداياتِ ونجمةَ ليلي الدجوجيِّ البهيمْ.
كنتُ أسألُ عنكَ عبثَ الروحِ وضياعها وأركضُ خلفَ سرابكَ اللا متناهي المضيءِ بماءِ السحرِ والنبوءة.. وعندما كنتُ أغرقُ في خضَّمِ ألمي وأسئلةِ وجودي أجدكَ يداً من حريرٍ خضيرٍ تمتدُّ لي كتلويحةِ الشمعِ الأخضرِ.
وكم مرَّةً شحذتُ همَّتي التي فتَرَتْ مراراً وتكراراً لكتابةِ قصيدةٍ جديدةٍ حبلى بالنورِ والحدائقِ البابليةِ.. وكنتَ لي حينها أجنحةَ النسرِ في مواجهةِ العاصفةِ الرعناءِ.. والشراعَ القزحيَّ في مواجهةِ التيار الهادر.
كانَ كلامكَ يشبهُ عطفَ وحدبَ الأبِ على ابنهِ الضَّالِ في متاهةِ الحرِّيةِ والحُبِّ الخائبِ.. معكَ أعرفُ أنَّ الحياةَ لا كما يُصوِّرها لنا الآخرونَ أنَّها يوتوبيا عادلة ملأى بالفراديس وكنتَ تضحكُ في أقاصي روحكَ سراً وتقولُ أنَّهُ ولا حتى مليونَ شاعرٍ كفرجيلِ أو هوميروس أو محمود درويش أو المتنبِّي أو ربمَّا ملارمه أو شكسبير أو يانيس ريتسوس بقادرينَ ولو للحظةٍ واحدةٍ على وقفِ هذهِ المأساة أو تحويلِ هذهِ الحياة الرجيمة إلى يوتوبيا شاعريَّةٍ عادلةٍ تنادي بالقيَمِ الساميةِ ولكنَّكَ كنتَ تقنعني بأنَّ مرضَ الكتابةِ والشعرِ قدرٌ من السماءِ لا مفرَّ لنورسِ القلبِ منهُ ولا مناصَ لفراشاتِ الندى والأقحوانِ من نارهِ الملساءِ الحمقاءْ.
ألشعرُ إذن قدرٌ من السماءِ وعلينا نحنُ العبيدُ البسطاءُ أنْ نتقبَّلهُ نعيماً كانَ أو جحيماً.. شوكاً أو زنبقاً.. مطراً ناعماً أو أحجارَ سجيِّلْ.
أنتَ يا آخري الذي لمْ أستطع الإفلاتَ منهُ... من أغراني بهذهِ اليوتوبيا الكاذبة والخُلَّبِ كبرقِ الحياةِ... أنتَ لا أحدَ غيركَ من دفعني على مركبِ سندبادَ لأعيدَ فصولَ روايةِ يوليسَ وأعيشَ العمرَ كلَّهُ على قلقٍ كأنَّ ريحَ المتنبِّي من تحتي ومن فوقي وعن شمالي ويميني وفي قلبي وروحي.
لا تزالُ كلمتكَ ترنُّ رنيناً خفيفاً في سمعي وترسبُ في قاعِ القلبِ كالدرةِ الثمينةِ في جوفِ البحرِ الصامتْ.... أنا في شوقٍ ربيعيٍّ خاسرٍ لتلويحةِ مراياكَ المندثرةِ وأنهمرُ كالضوءِ على عالمي الداخليِّ وجسمِ اليوتوبيا.. وليذهبْ ندمُ ديكِ الجنِّ على حبيبتهِ وردَ إلى الجحيمْ... وليصيرَ شعرُهُ هلاماً لكلامي.
مرَّةً قلتَ لي ما معناهُ أنَّ القصيدةَ هيَ مركبٌ سكرانٌ من مراكبِ رمبو ربَّما يحملكَ إلى الفردوسِ أو إلى الجحيمِ.. القصيدةَ شتاءٌ من المجازِ الحُرِّ مُبلَّلٌ بالأحاسيسِ الغريبةِ والاستعاراتِ المُجنَّحةِ.. ودربٌ مسكونٌ بالنورِ والندى وعبقِ الأرجوانِ إلى اليوتوبيا الموعودةِ المُعلَّقةِ في أعلى اشتهاءاتنا الخاسرةِ.. تلكَ التي كانتْ كانت قابَ قبلةٍ من دمي ولمْ أنجحْ البتَّة باحتوائها ساعةَ احتضانِ ضبابها اللا مرئِّيْ والمخاتلِ مثلَ نهرٍ يختبئُ في السماءْ.
منذُ تلكَ اللحظةِ وأنا أبحثُ عنكَ وعنها في خلايا دمي وفي قصيدتي ورمادِ عنقائها وترابِ سمائها البلوريِّ بلا فائدة.. أبحثُ عنكما فلا أرى غيرَ ظلِّكَ رابضاً على مساحةِ الشعرِ والحدائقِ والشتاءِ... ولا أرى غيرَ تطايرِ أوراقها المُلوَّنةِ في السماءِ السابعةِ ولا أحسُّ إلاَّ بانسرابِ شعاعها من وصايا دمي وأقاصي هيامي.
نمْ أنتَ يا صديقي وهيَ هناكَ في البرزخِ اللا محسوسِ تماماً كالقصيدةِ التائبةِ المحمولةِ إلى أعلى فراديسِ انتظاري... أمَّا أنا فلا لن أحطَّ رحالَ حلمي ولن أصادقَ غيرَ ريحِ جديِّ المتنبِّي... سأصعدُ أعلى هاويةٍ فيكما وأصرخُ كالذئبِ الضاري في ليلكما الحميمِ... وأبحثُ عنكما إلى الأبدْ..... إلى الأبدْ.



*****************


أقمارٌ مائيَّةٌ لشرفةِ السيَّابْ

في ذكرى رحيلهِ الرابعةِ والأربعينْ




ذاكرةُ الحبقِ الشعريّْ



القصيدةُ السيَّابيَّة تسدُّ عليَّ جميعَ المنافذ. وتراودني عن كُلِّ شيءْ . عن الحنين الطفوليِّ والمطرِ والندى والذاكرة . لا أعرفُ لماذا ينهلُّ الحبقُ من الجهاتِ الستِّ ويرشحُ زهرُ اللوزِ غيرُ المرئيِّ في فضاءاتِ خيالي وكياني المحترقة .
أكُلُّ قصائدهِ حدائقُ تجمعُ كلَّ الزهورْ ؟؟!
لا أدري ما الذي أصابني بحنينِ النحلِ إليها ؟؟
ها هنا من خلالِ عينيهِ السماويَّتينِ أرى إلى جلجامشَ وهوَ يجرُّ الزمنَ العجوزَ من قرنيهِ إلى الحقيقةِ المطلقةِ كألفِ شمسٍ ربيعيَّةْ .
***

بئرُ الأساطير


ما أشبَهَ الحياةَ الشخصيَّةَ لشاعرنا بالبئرِ العميقةِ المسحورةِ والخافيةِ الكنوزِ والأساطير. هكذا كنتُ أحسُّ عندما أقرأُ في الكتبِ والمراجعِ التي دوَّنتْ سيرتهُ الشعريَّة والحياتيَّة . وكم كانَ يعجبني ويجذبني الكاتب الفلسطيني الدكتور عيسى بُلاَّطة في كتابهِ الذي ألَّفهُ عن شاعرنا . ولا يقلُّ عنهُ جمالاً وذكاءً وبحثاً وتمحيصاً كتابُ الناقد الفلسطينيِّ الكبير اللامع والرائع إحسان عباس . فقد انكبَّا على بئرٍ لا تنضبُ أساطيرها مدى الدهرِ ومدى الشعرِ والسحرِ . ومتَحا منها ما شاءَ لهما أن يمتحا . حتى سكرَ كُلُّ من شربَ من هذهِ البئرِ الغريبةِ . ولم يعُدْ إلى صحوهِ المُكفهرِّ ولم يفق لهُ قلبٌ أبداً .
***

بين إمرئِ القيسِ وت.س. إيليوت


بوتقةُ القصيدةِ لدى بدر تضمُّ غزلَ امرئ القيسِ النقيَّ البريءَ وذهنيَّةَ وعمقَ الشاعر الإنجليزي ت.س.إيليوت. وهذا ما جعلَ التنوَّعَ في النصِّ الشعري يبهرُ الجميعَ ويرتقي بالذائقةِ الجماهيريةِ .
غزَلٌ ومرحٌ وعبثٌ وفرحٌ وبكاءٌ وشجنٌ ..كلُّ هذا بمقدارٍ معلوم . إلى جانبِ عمقٍ وثقافةٍ وتوظيفٍ ذكيٍّ وبارعٍ للإشاراتِ التاريخيةِ والرمزية. بالإضافةِ إلى مسحاتٍ متوهجَّةٍ من الأصالةِ التعبيرية والمجازيةِ العربية .
نحنُ إذن أمامَ بوتقةٍ مُلوَّنةٍ غنيَّةٍ متموِّجةٍ بالتناصْ والخيالِ والصور الشعريةِ الجديدةِ والمعاني البكرِ التي لا أظنُّ أنَّ شعراءنا كانوا سيفطنونَ لها حتى لو بعدَ قرنين أو ثلاثةٍ من الزمنْ .
***

جيكورُ أمَّاً


لا شكَّ أنهُ لا توجدُ بينَ القُرى والمدائنِ التي ولدَتِ الشعراءَ أمٌّ أحنُّ وأعطفُ على ابنها من جيكور . لذلكَ حفظَ لها شاعرها الأزليُّ هذا الوُدَّ . وتغنَّى بعطفها وحنوِّها وجمالِ بساتينها وغاباتِ نخيلها ونقاءِ هوائها .
فهيَ للسيَّابِ بمثابةِ نهر أيفون لشكسبير . أو دمشق القديمة لنـزار قبَّاني . أو قلب فلسطين النابض بالوفاءِ لمحمود درويش . أو غابات تشيلي وسحرها لبابلو نيرودا أو العاطفة الأندلسِّية لغارسيا لوركا .
إنَّ كُلَّ كلمةٍ في أواخرِ حياةِ الشاعر كانتْ مشدودةً بحبلٍ من الضوءِ الخفيِّ النديِّ إلى جيكور . إلى قلبها المشتعلِ بالحنانِ.
وعبقريَّةِ ابنها البارِ وعاطفتهِ المذهلة .
***


أحلام غرائبِّية لإيديث ستويلْ


كادَ الطفل في الشاعر أن يلمسَ أحلام ايديث ستويل بقلبهِ
كادَ أن يلبسَ معطفَ أوراقها واخضرارَ لياليها وبحيراتها
كادَ أن يكونَ أناها الآخر
وبسمتها التي يشقُّ بها ضبابَ العالمِ الحجريِّ
كادَ أن يكونَ نفسَهُ وروحَ حلمهِ وحلمها.
***

شاعرُ الوطنِ المذبوحِ بسيفِ الأعرابْ


قلَّما يتغلغلُ شاعرٌ إلى مطاوي نفسكَ كما يتغلغلُ السيَّاب . حتى كأنَّ شعرهُ عنقاءٌ أو كائنٌ ضوئيٌّ يخترقُ ما ظلَّ فينا من الصخورِ والصلصالِ والترابِ والضبابِ والأسئلةِ والموسيقى الخفيَّةِ الزرقاءْ .
فهو يمتحُ الكلمةَ من بحارِ أساه وينحتها من مقالعِ حزنهِ وفرحهِ بالحياة . من عيدهِ المعلَّقِ فوقَ غاباتِ النخيلْ . من مأتمهِ القائمِ في أعالي وطنهِ المذبوحِ بسيفِ الأعرابْ .
ألشعراءُ لديَّ في كفَّةٍ والسيَّابُ في كفَّةٍ أخرى . لا لشيءٍ ... لا لشيءٍ .. فقط من أجلِ هذا الدفقِ الحريريِّ الرخص ِ الهادرِ كمهرةٍ أصيلةٍ في حنايا قصيدتهِ الجريئةِ والبريئةِ والمنفعلةِ والمشتعلةِ بالماءِ وسرابهِ .
***

مائيَّةُ السيَّابْ


لم يفتقدَ بدرُ مرحَ بويبْ حتى آخرِ لحظةٍ من حياتهِ العريضةِ القصيرةِ والقصيدةِ أيضاً . وهذا ما جعلَ أصابعنا الحجريَّةَ تتفتَّتُ في حضرةِ موجهِ الناعمِ . المُباغتِ والمليءِ بالتحنانِ والذكرى .
لا أكادُّ أمسُّ بقلبي قصيدتهُ حتى تمتلئُ صحراءُ أيامي بالرذاذِ . وتطفحُ بالرشاشِ الحبقيِّ الدائمِ . ويطفحُ قلبي بأشعارِ سافو . ولا أرى حينها إلاَّ احتراقَ السفنِ الورقيَّةِ الصغيرةِ في اليمِّ الغامضِ . ولا أسمعُ إلاَّ صياحَ بحَّارةٍ مجهولينَ يأتي من البعيدِ تحملهُ رياحُ السندبادِ ونارُ إيديث ستويل المُجنَّحة .
***

قصاصةُ عطر


لا هنا ... ولا الآن ..... في حضرةِ الليمونِ.. والسوسنِ .. وحدائقِ بابلَ المعلَّقةِ الموجودةِ والمفقودةِ ... والمرميَّةِ في بحارِ الروحِ.. وغيابها الورديِّ.....
في لجَّةِ حرائقِ الشعرِ وعذريَّةِ بخورهِ وعبقهِ يترامى العطرُ الأنثويُّ الأسطوريُّ ويتسلَّقُ جدرانَ المُخيِّلةِ الزرقاءْ .
ذلكَ العطرُ القادمُ من الأماسي البعيدة المذهَّبةِ العاطفةِ والشعورِ والخيالْ .
***

نهرُ الوردِ المُجفَّفْ


يتراقصُ في اللا مكانِ على أعلى ضفةٍ حالمةٍ بالصباحِ الغريبِ العاشقِ نهرٌ كأنهُ قلبُ شاعرٍ يعشقُ سبعَ حوريَّاتٍ جامحاتِ الجمالِ والفتونِ والجنونِ والهوى
نهرٌ خالدٌ متجدِّدُ الأشواقِ والأوراقِ والرؤى وألوانِ السريالييِّنَ الفرنسيِّينْ
نهرٌ يعانقُ طيفَ من أحبَّ وصدَّتهُ بلوعةٍ كهربائيةٍ وروعةٍ عاليةٍ
يجذبني ترجيعُ خريرهِ كأنهُ السيرينُ الخُلَّبُ وكأنني توزَّعتُ إلى ألفِ عوليسٍ مسكونٍ بالرهبةِ والندمِ والعشقِ القتَّالِ والكبرياءْ
تماماً كأنني وورد زورث .
***

أحجارُ النبوءة


أتذكَّرُ الآن تلكَ الحادثةَ الغريبةَ التي قرأتها عن عرَّافةٍ أعرابيَّةٍ التقت السياب برفقةِ اثنين من أصدقائهِ فرمتْ لهم أحجارَ الغيبِ. فشذَّ حجرُ بدر عن حجريِّ صديقيهِ وارتمى بعيداً خارجَ الدائرةِ المحفورةِ في الرمل . وقد كانَ أصفرَ اللونِ ضئيلاً . فجاءَ تفسيرُ العرافة ِ أنَّ صاحبهُ يموتُ غريباً معتلاَّ فقيراً وحيداً خارجَ بلدهِ .
عندها انتفضَ الشاعرُ غاضباً وانهالَ على العرافةِ المسكينةِ بأقذعِ الشتائمِ وسطَ ضحكِ مرافقيهِ وهزلهم .
لا أدري سرَّ الحزنِ الذي يشعلني كالقمرِ عندَ تذكُّرِ هذهِ القصةِ الموجعةِ وتذكُّرِ قصيدةِ محمد الماغوط عن السلحفاةِ التي ركبها السيَّابُ ليبلغَ الجنَّةَ . بينما الجنَّةَ بعيدةٌ وقصيَّةٌ وهيَ مُعدَّةٌ فقط للعدَّائينَ وراكبي الدراجاتْ .
آهِ كم كانَ الماغوطُ صادقاً في حزنهِ ذاكَ وحبِّهِ اللا إراديّْ .
***

إكتمالاتُ النرجسْ


كما اكتملَ النرجسُ الأليفُ في عينيّْ شاعرتهِ البغداديَّةِ لميعة عباس عمارة. فقد اكتملَ عذابُ أميرِ الشعر العربيِّ الحديثِ وامرئِ القيسِ الأخيرِ زمانهُ. وكانَ اكتمالاً شهيَّاً يغري كلَّ قلوبِ الشعراءِ العربِ المجدِّدينَ ويوجعهم . والأخطرُ من كلِّ هذا أنهُ يستدرجُهم كالطيورِ الغبيَّةِ إلى الفخِ الجحيميِّ . وكالفراشاتِ الساذجةِ إلى محرابِ النارْ .
***

فسحةٌ لفوضى الكلامِ البريءْ


الأعرابُ الذينَ نقضوا عهدَ الحديبية كما يدَّعي أبو سفيانَ في بعضِ لحظاتِ صحوهِ وصفوهِ .
الأعرابُ وهم أشدُّ كفراً ونفاقاً وقسوةً من قتلوا بدر شاكر السياب الشاعرَ العربيَّ العراقيَّ وهو يزحفُ على أعتابِ الجنَّةِ . وبعدها لا أدري ماذا صُنعَ بروحهِ لكنِّي أعلمُ أن ألفَ شاعرٍ عربيٍّ عُلِّقتْ رؤوسهم تحت كُلِّ جسورِ العالمِ الجديدِ وفوقَ جميعِ بواباتهِ .
***


في ظلالِ غاباتِ النخيلْ


النخيلُ العربيُّ يشبهُ إلى حدٍّ كبير قامات النساء . خصوصاً نخيلُ جنوبِ العراقِ الذي تغنَّى بهِ بدر بعدما ترعرعَ وشبَّ في ظلالهِ . وغاباتُ النخيلِ العراقيِّ ايضاً تشبهُ إلى حدٍّ جامحٍ أعينَ النساءِ الحور . وهذا ما أثبتهُ بدر في شعرهِ .
وهذا الأمر هو في نظري أهمُّ الأسبابِ لتلكَ العذوبةِ والرقَّةِ والرومانسية في لغةِ شعراءِ العراق. والأهمُّ من كلِّ هذا هو تربيةُ الحلمِ بأحضانِ القصيدةِ عندهم كما يُربَّى الوليدْ .
النخيلُ في إحدى صورِ تعريفهِ كائنٌ حلمي أو مرادفٌ ضروريٌّ لزهوِ المرأةِ العربيةِ وكبرياءِ جمالها . وهو أيضاً صورةٌ جلِّيةٌ لعنفوانِ الحبِّ العربي على مرِّ الأشعارِ والعصورِ والهوى والأنوثةِ والأنهارِ الزرقاءِ والنجومِ الخفيضةِ والمطرِ السيابيِّ والسماواتِ المبتلَّةِ برائحةِ الفرحِ الباكي .
***

مزاميرُ المطر


لأمطارِ الشعرِ ألحانٌ لا نسمعها . نحسُّها بحواسنا فقط . ونعانقُ شذاها العابقَ وننسبها إلى جيكور وأقمارها وغمامها الشبيهِ بالهالاتِ السماويَّةِ .
ننسبها لجيكورَ ودمعها السخيِّ البهيِّ الحائرِ فوقَ صليبِ الكونِ والمُعدِّ كالبذورِ الغنيَّةِ بالخصبِ لقلبِ الأرضْ .
لأمطارِ تلكَ السنينِ الموغلةِ في الشجنِ عطرٌ أنثويٌّ وموسيقى لا تُصنَّفُ . ومسكٌ وبخَّورٌ وذكرى يرفرفُ صفصافها كيَدَيْ شهريارَ في أبدِ الخواءِ . وكقلبِ شهرزادَ في الليلةِ الثانيةِ بعدَ الألفِ .
فسلامٌ على السيابِ وعلى نخيلهِ المنطلقِ إلى صدرِ السماءِ كالسهمِ العاشقِ
وسلامٌ على مطرهِ في العالمين .




ديسمبر 2008



#نمر_سعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجموعة قصائد / 7
- مجموعة قصائد جديدة/ 2
- مرثيَّةُ الهاويةْ
- محمد عفيفي مطر.. عبقريَّةُ التنوُّع
- قصائد نابضة
- كعبُ آخيل
- سميح القاسم.. المخلصُ للقصيدة
- كيفَ التقيتُ بربعي المدهون؟
- مجموعة قصائد / 6
- قصائد /1
- مجموعة قصائد 5
- مجموعة قصائد 4
- مجموعة قصائد 3
- مجموعة قصائد 2
- مجموعة قصائد1
- مقالات مختارة
- أشعار من الجليل
- رائحةُ القرفة اللاذعةُ جدَّاً لسمر يزبك
- صورةُ الشاعر بينَ الذئبِ والمرأةْ
- قلقُ الحياةْ


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - مجموعة قصائد ونصوص