أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - كوسوفو وقرار محكمة لاهاي: أية دلالة مستقبلية؟















المزيد.....

كوسوفو وقرار محكمة لاهاي: أية دلالة مستقبلية؟


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3105 - 2010 / 8 / 25 - 16:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في 24 يوليو/ تموز الماضي 2010 أعلنت محكمة العدل الدولية في لاهاي، رأيها الاستشاري بشأن استقلال كوسوفو، وقالت إن هذا الاستقلال لا ينتهك القانون الدولي . وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد طلبت رأياً استشارياً من المحكمة بخصوص إعلان استقلال كوسوفو من طرف واحد، أي بعد إخفاق الاتفاق حول مصيرها مع الصرب .

لقد استغرق بحث الموضوع أكثر من عامين، استمعت المحكمة خلالهما إلى مؤيدين للاستقلال ومعارضين للانفصال، حيث تم تقديم 35 مذكرة، إضافة إلى آراء العديد من المنظمات ووكالات الأمم المتحدة ذات العلاقة . بعدها اتخذت المحكمة قرارها الذي اعترف باستقلال كوسوفو الذي أعلن في 17 فبراير/ شباط عام ،2008 وقد بلغ عدد الدول المعترفة بدولة كوسوفو لحين صدور القرار 69 دولة، وهي دول مرشحة للزيادة، خصوصاً أن قرار المحكمة جاء إلى جانب الاستقلال، الأمر الذي سيجعل الدول التي لا تعترف بكوسوفو تشعر بالإحراج، باستثناء روسيا الممانعة لأسباب سياسية، وصربيا المعارضة لأسباب قومية، في حين رحّبت الدول المؤيدة لاستقلال كوسوفو بالقرار الذي سيكون له تداعيات قانونية وسياسية واقتصادية لاحقة، فضلاً عن وجود دولة جديدة في المجتمع الدولي .

وقد أثار القرار القضائي الدولي جدلاً فقهياً: قانونياً وسياسياً حول جواز استقلال أجزاء من دولة بالضد من “إرادتها”، أو إرادة “أغلبية” السكان، لاسيما إذا كانت هناك اعتبارات قومية أو اثنية أو دينية، ورغم إقرار الرأي الاستشاري أن كوسوفو كانت جزءاً من إقليم الصرب، فإنه اعتبر إعلان الاستقلال لا يخالف القانون الدولي، وهو الأمر الجدير بالتوقف عنده من جانب جميع الأطراف، لاسيما في الدول ذات التنوّع الثقافي والهويات المتعددة .

ولعل قرار استقلال كوسوفو سيكون له تأثيرات خطرة باعتباره سابقة قانونية وقضائية ليس على أوضاع كوسوفو وتبعاتها الراهنة فحسب، بل على أوضاع المستقبل، لاسيما على التراكم والتطور التدريجي البطيء في ما يتعلق بالقانون الدولي المعاصر، ولاسيما القانون الدولي الإنساني .

لقد كانت حيثيات المحكمة تقوم على قرار مجلس الأمن الدولي رقم ،1244 الذي تحدث عن وضع ترتيبات انتقالية، إلى أن يتم الاتفاق عليها بالمفاوضات على الوضع النهائي (المقصود بين صربيا وكوسوفو) وتنتهي الإدارة الدولية المدنية والحماية العسكرية لحلف الناتو، الذي كان قد شنّ حرباً في عام ،1999 لوضع حد للمجازر المرتكبة بحق الكوسوفيين من الأصول الألبانية، وهي الحرب التي عارضتها روسيا، والواقع فإن كوسوفو وأجزاء أخرى من الاتحاد اليوغوسلافي أعلنت استقلالها بعد تفككه، وقامت بين تكويناته المختلفة حروب ونزاعات وتصفيات وإبادات، دفعت شعوباً وتكوينات إلى إعلان استقلالها، كما هو موضوع بحثنا .

إن قرار محكمة لاهاي بأن إعلان استقلال كوسوفو لا يتعارض مع القانون الدولي، يعني في ما يعنيه إسباغ نوع من الشرعية والقانونية على أية محاولة للاستقلال من جانب واحد، لاسيما عندما يصبح العيش المشترك مستحيلاً أو متعذّراً، الأمر الذي قد يقود إلى إعلان الاستقلال والانفصال، رغم كون هذا الأخير مثل الطلاق “أبغض الحلال عند الله” .

إذا لم يتوصل الطرفان إلى اتفاقات مقبولة وسلمية، وتأخذ في الحسبان المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وتوازن الإرادات والحقوق المتساوية، فإن النزاع قد يتحوّل إلى بؤرة مستديمة للعنف والصراع والأعمال العسكرية، التي لن تؤدي في نهاية المطاف إلاّ إلى المزيد من هدر حقوق الإنسان، الأمر الذي قد يدفع إلى تغليب حل الاستقلال والانفصال على حل الاتحاد الاختياري الأخوي على أساس المشترك الإنساني، وقد جرّبت الكثير من البلدان الحلول العسكرية لحل المشكلات القومية والإثنية والدينية، لكنها لم تتوصل إلى نتائج إيجابية، بقدر ما ازدادت المشكلة تعقيداً، وتركت فداحة ومرارة لدى جميع الأطراف .

لقد برز موضوع الاعتراف بالتنوع الثقافي والهويات المتعددة منذ انتهاء عهد الحرب الباردة وتفكك المنظومة الاشتراكية السابقة، وكان أن صدر عن الأمم المتحدة “إعلان” في عام 1992 عن حقوق الأقليات القومية والدينية والسلالية واللغوية وغيرها .

وإذا كان مصطلح “الأقليات” قد أصبح شائعاً، فإنني أميل إلى استخدام مصطلح “التنوع الثقافي” أو الهويات المتعددة، سواء كانت إثنية أو قومية أو دينية أو سلالية أو لغوية أو غير ذلك، وأجده الأكثر تعبيراً بدلاً من الأغلبيات والأقليات، خصوصاً أنني باستخدام مصطلح التنوع والتعددية أودّ إظهار جانب المساواة في الحقوق في دولة متعددة الهويات، في إطار الاختلاف والائتلاف .

وبغض النظر عن محاولات استثمار واستغلال بعض الحركات والقيادات من جانب القوى المتسيّدة والمتنفذة في العلاقات الدولية، فإن موضوع حق تقرير المصير والاعتراف بالحقوق المتساوية للتكوينات المختلفة، ينبغي أن يكون حاضراً، لاسيما ببُعدِه الإنساني والحقوقي، ولو تم الاعتراف بالحقوق الكاملة على أساس المواطنة والمساواة والحقوق السياسية والثقافية، لكانت الإشكاليات القومية والدينية في بلداننا قد اتخذت شكلاً آخر للجدل والحوار والعلاقات الإنسانية .

ورغم أن الغرب سبقنا إلى معالجة وتسوية مثل هذه الإشكالات، خصوصاً أننا عانينا من تدخلات خارجية ومحاولات إيجاد مراكز نفوذ لاعتبارات ومصالح خاصة، فإنه هو الآخر رغم تقدمه ما يزال يعاني من مثل هذه المشكلات في العديد من البلدان، مثلما هي مشكلة ايرلندا وإقليم الباسك في إسبانيا ونزعات استقلالية في إيطاليا وكندا، إضافة إلى مشكلات الفلامان والفال الفرنسيين في بلجيكا وغيرها .

السبب الأساس في مشكلات عالمنا العربي والإسلامي هو عدم الاعتراف بحقوق القوميات والتكوينات الأخرى، على قدم المساواة مع القوميات المتنفذة أو السائدة، وإنكار حقوقها السياسية والثقافية وتجاوز التعددية والتنوّع الثقافي، سواء في دول المشرق أو المغرب، إضافة إلى بعض البلدان الإسلامية: فإيران وتركيا ما زالتا لا تعترفان بوجود قومية كردية على قدم المساواة مع القوميات السائدة، والعراق عانى من حروب ونزاعات طويلة وتداخلات عسكرية بسبب التنكّر والإنكار للحقوق القومية للكرد، إلى أن تم الاعتراف بحقهم في إقامة كيان اتحادي خاص بهم، بعد إخفاق تجربة الحكم الذاتي وبعد مرارات طويلة رغم تعقيدات هذا الأمر عملياً، وما زال قسم كبير من الكرد في سوريا مكتومين (أي بلا جنسية) وغير معترف بهم قومية أسوة بالقومية العربية السائدة، وهكذا هي مشكلة جنوب السودان التي تفاقمت ولم تجد طريقاً سلمياً لحلها، وما عاظم ذلك وزاده توتراً مشكلة دارفور وقرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة الرئيس السوداني .

أما مشاكل الأمازيغية في المغرب العربي، فقد أخذت طريقها لإيجاد حلول تدريجية، ثقافية ولغوية وتراثية وغير ذلك، رغم أنها بحاجة إلى توسيع وتراكم ومساواة كاملة .

إن الاعتراف الداخلي (الوطني) بالحقوق هو الذي يضع حداً للاستغلال الخارجي (الأجنبي)، ولعل هذا الأمر هو الذي استنزف العديد من البلدان وكياناتها المختلفة، سواء بشرياً أو مادياً، ناهيكم عن تأثيره في مسارات التنمية والتقدم .

إن قرار محكمة لاهاي يدق ناقوس الخطر للدول والحكومات والتيارات التي لا تعترف بالحقوق الثقافية، القومية والدينية وغيرها، حيث سيكون سابقة قانونية وقضائية، يمكن الاستناد إليها دولياً لإعلان الاستقلال، لاسيما إذا أصبح العيش المشترك متعذّراً أو مستحيلاً، وإذا كان إعلان الاستقلال من طرف واحد يستجيب للظروف الموضوعية والذاتية، خصوصاً إذا تم تهيئة مستلزماته .

ولعل في ذلك عبرة، لكي تتخذ الدول والحكومات خطوات مدروسة لاحترام الحقوق والحريات ومبادئ المساواة، باعتبارها حقوقاً طبيعية، وبخاصة في ظل اتساع الدعوة إلى الحريات والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتعددية والتنوّع الثقافي .

وعلى الكيانات ذات الهويات الفرعية في الدول المتعددة التكوينات الثقافية، أن تدرس مصلحتها، لاسيما علاقاتها مع المكوّنات الثقافية الأخرى، والتي لا بدّ من السعي إلى كسبها ديمقراطياً لمصلحة الاعتراف بها وبحقها المشروع في تقرير المصير، الأمر الذي يجنّبها تبعات استغلالها خارجياً، من جانب قوى لا تريد مصلحتها ولا تريد مصلحة المكونات الأخرى، ولعل في ذلك أحد الدروس البليغة التي يمكن الاستفادة منها تاريخياً .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جديد الفقه الدولي: كوسوفو وقرار محكمة لاهاي أية دلالات عربية ...
- جرائم بلا عقاب
- دلالات قمة نتنياهو أوباما نووياً
- ثلاث سلطات تلاحق المثقف
- الثقافة رؤية والسياسة تكتيك
- سلطة المعرفة وتفتيش الضمائر
- صدام الأصوليات وحيثيات التبرير!
- هرطقات ديمقراطية صهيونية
- نصر حامد أبو زيد ومحنة التفكير والتكفير!
- الثقافة والابداع من أجل التنمية!
- عن النقد والمراجعة الفكرية
- هل لا تزال الماركسية ضرورية؟
- حين يرحل المفكر مطمئناً
- أسئلة التنوع الثقافي
- استحقاقات برسم تسليم الحكومة العراقية الجديدة
- الاغتيال السياسي : مقاربة سسيو ثقافية حقوقية
- سلطة العقل.. السيد فضل الله حضور عند الرحيل!
- الثقافة والتغيير
- ظلال غورباتشوف في صورة أوباما الأفغانية
- النيل والأمن المائي


المزيد.....




- الدوما يصوت لميشوستين رئيسا للوزراء
- تضاعف معدل سرقة الأسلحة من السيارات ثلاث مرات في الولايات ال ...
- حديقة حيوانات صينية تُواجه انتقادات واسعة بعد عرض كلاب مصبوغ ...
- شرق سوريا.. -أيادٍ إيرانية- تحرك -عباءة العشائر- على ضفتي ال ...
- تكالة في بلا قيود: اعتراف عقيلة بحكومة حمّاد مناكفة سياسية
- الجزائر وفرنسا: سيوف الأمير عبد القادر تعيد جدل الذاكرة من ...
- هل يمكن تخيل السكين السويسرية من دون شفرة؟
- هل تتأثر إسرائيل بسبب وقف نقل صواريخ أمريكية؟
- ألمانيا - الشرطة تغلق طريقا رئيسياً مرتين لمرور عائلة إوز
- إثر الخلاف بينه وبين وزير المالية.. وزير الدفاع الإسرائيلي ي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - كوسوفو وقرار محكمة لاهاي: أية دلالة مستقبلية؟