أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاضل الخطيب - حوارات شامية















المزيد.....



حوارات شامية


فاضل الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 3100 - 2010 / 8 / 20 - 19:30
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوارات شامية
يقول الدكتور فاضل الخطيب:
· أعتقد أن العلمانية هي التي ستنقذ الإسلام من خلال وضعه في مكانه المناسب بعيدا عن شئون الدولة والسياسة.
· وفقا لتقاليد السويداء لا يستحق الحاكم الوريث أن تقدم له القهوة المُرّة، ويتعامل معه من باب الشفقة كونه "قاصر"!.
· كانت تدار قناة زنوبيا بشيء من العبثية واستهتار الإدارة. كانت قناة "عالبَرَكة".
· لم يكن لمحطة قناة سورية الجديدة، ثم زنوبياً إستراتيجية واضحة، كان عملها خاضعاً لحسابات شخصية ويومية ومزاجية، وقرارات ارتجالية.
· تمّ استهلاك خدام بسرعة وصار عبئا على السعوديين وعلى عائلة الحريري.
· على النائب العام السوري مساءلة السيد بشار حافظ الأسد بتهمة التفريط بالوطن (اسكندرون، الجولان)، وتهمة نشر أخبارٍ كاذبة.
· ليس مستبعداً أن يستخدم خدام أو أسرته روشيتة وليد جنبلاط رغم تباين الدوافع!
· خدام عصيّ على التغيير، وأن الوطن عنده مجرد مشروع عائلي!..
· فضحت تصريحات شيخ عقل الدروز، عندما وصف نظام الوريث الأسدي بالوطني. ولم يكن قصدي الإساءة للشيخ كرجل دين.
· ربما تفكر بعض رموز النظام عند سقوطها للاستقلال بجزء من الساحل السوري كما حدث في كوسوفو.

نص الحوار كاملا

1 - كابر القيمون على الشأن الثقافي السوري لدرجة انه حتى التلفظ باسم أي طائفة في سورية يعتبر من المحرمات، فهل التستر على المرض يعني الشفاء؟

الهروب من مواجهة الأسئلة المُحرِجة تقليد في منطقتنا، وإذا كانت تلك الأسئلة تتطلب شفافية فيكون الهروب "مشروعاً" استناداً لتراثنا المليء بالتقية، وعندما يكون الأمر يتعارض مع نهج السلطة الحاكمة عندها يصبح التشويه قاعدة. لكن الهروب من مواجهة التشويه لا يلغيه.!
سوريا تملك إرثاً ثقافياً متنوعاً قلّ مثله في العالم، ويعتبر بحق غنى للوطن وللشعب. والطوائف الدينية حقيقة موجودة، ويتم الهروب من تسميتها وذِكرِها، الهروب إلى تكريسها وليس إلى تخطيها عملياً. وما قام به النظام هو تجاوز الطائفية نظرياً وتشويه قِيَميّ لمفهوم المواطنة وربطه بالولاء للزعيم. ولعبة النظام هذه تحاول الإيحاء أن القائد هو حامي الأقليات من "عسف" الأكثرية، مما يدفع أزلامه من الطائفة الأكبر لمضاعفة الولاء له، –لاحظ سلوك طلاس وتوقيعه الأسبوعي آنذاك على إعدامات المتهمين الإسلاميين والذين هم من الطائفة التي ينتمي إليها طلاس نفسه. والحقيقة أن الطائفة لم تحدث بقرار سياسي ولا تنتهي بقرارسياسي، بل هي نتيجة عوامل تاريخية وتراكمات اجتماعية ثقافية، ويتقلّص دورها كحضور و"هوية" إجتماعية عندما تكون ثقافة المواطنة موجودة ومحفوظة، وتلبي حاجة الانتماء الجمعي للوطن الذي يشكّل هوية الجميع.
إلغاء السياسة وغياب التنظيم النقابي والحراك المدني من الشارع السوري بشكل عام، يدفع الفرد للبحث عن "الانتماء" للطائفة والعشيرة. وهي نتيجة لسياسة النظام التفكيكية للمجتمع..

2 - هناك من يزعم أن الحكم في سوريا لا يستقر لأحد ما لم يستقر الجبلين، فما مدى صدق ذلك في الشارع الدرزي السوري؟

أعتقد أن الوريث ينام على مهدئات ويستيقظ على منشطات! ومحاولة إظهار أن النظام مستقر هو مجرد وهمٌ. وهل سجونه واستبداده تعبّر عن استقرار؟ وهل هناك استقرارٌ في "الجبلين المذكورين"؟ أو في الجبال والسهول الأخرى؟ وهل هجرة من يستطيع إلى الخارج من شباب محافظة السويداء هو مؤشر استقرار؟ وهي نسبة مرتفعة جداً بالنسبة لمحافظات القطر. وحتى لو لامسنا هذا الموضوع "طائفياً" منذ سقوط الجولان أيام الأسد الأب واستمرار الاحتلال وهدوء الجبهة بشكل غير معقول ولعقود كاملة، ومع علمنا أن سكان الجولان المحتل غالبيتهم الساحقة من الدروز، وبعد هذا يمكن الكلام عن استقرار وعن رضاء فعليّ على حكم الأسرة منذ الأب حتى الوريث وبغض النظر عن الشعارات الاستهلاكية المطروحة في السويداء أيضاً. النظام لا يعرف إلاّ أزلامه ووهمه بولائهم! وتكسير تمثال الديكتاتور الأب في السويداء قبل سنوات وربط علبة سمن فارغة إلى يد التمثال مؤشر من كثير! التفريط باسكندرون والجولان -حيث غالبية سكان الأول علويين والثاني دروز- يكفي فقط لخلق بذور العداء للعائلة من قبل الطائفة العلوية والدرزية، وهنا لم نتحدث عن اغتيالاته وخياناته لرفاقه العلويين والدروز أيضاً.
استقرار الحكم في سوريا لا يتم إلاّ باستقرار سوريا كلها وبكامل أطيافها القومية والإثنية وبلا استثناء، وعندما يسقط نظام الاستبداد والفساد وعبادة الفرد. عندما تصبح الحرية حقيقة يمارسها الجميع في ظل دولة القانون، عندها يمكن الحديث عن الاستقرار..

3 - كيف ترى مستقبل الطوائف مع عودة العثمانيون الجدد وخصوصا الدروز والعلويين ومن هدر ابن تيمية دمهم بالحلال؟

سوريا ليست دارفور ولا أفغانستان! وابن تيمية والكثير من الأبناء الذين يشبهونه في التاريخ أو بعض نُسخهم المخففة حالياً لا يمكن أن تجد أرضية لها في المجتمع السوري. العالم تخطى كل تلك الأبناء والصبية، وما يسمى "الصحوة الإسلامية" ليس إلاّ محاولة وقف سيرورة التاريخ والحضارة. ابن تيمية وأمثاله هم الذين يدكون المدافع في قلاع الإسلام السلفي الأصولي الوهابي والتي تتصدّع بسرعة، والأحزمة الناسفة وأوهام الجنة وقمع المرأة هي الجبهة الثانية التي ستنهكه.
أعتقد أن العلمانية هي التي ستنقذ الإسلام من خلال وضعه في مكانه المناسب كعقيدة إيمانية ذاتية وبعيدة عن التدخل في شئون الدولة والسياسة. لاحظ دفاع المسلمين عن العلمانية في الدول التي هم فيها أقلية!
عجلات التطور أقوى من ابن تيمية وابن لادن وابن الباز وابن الأسد أيضاً. وكلمة أخيرة حول هذا الموضوع، وهو أنه قد تكون لدى كل طائفة "ابن تيميّها"، لكنه عليها إدراك أنه يُشكّل خطراً عليها نفسها قبل أن يكون تهديداً لغيرها! وبشكل عام لا طريق أمام كل الأديان والمذاهب والقوميات سوى التخفف من أثقال الماضي! وقد سبق "ابن تيميّنا" ما يُشبهه في أوربا، وتبين لهم بعد حروب كثيرة داخلية وخارجية عبثية هذا التفكير الإقصائي، ونرى نتائج تخفف أوربا من أبناء "تيميّيها"!.
أعتقد أن الانتباه إلى أين يصل الإسلام السياسي في تركيا وكيفية تعامله اللاحق مع مؤسسات الدولة ومدى تأثيره على دول الجوار مطلوب من القوى العلمانية في المنطقة ومن أوربا أيضاً..

4 - بصقت زوجة المغدور سليم حاطوم بوجه حافظ أسد حين مد يده معزيا، فوعدها بمحو ذرية سليم، ولم يتحدث أحد في الشارع السوري عن تصفية ابن سليم لما دهسته سيارة عابرة. فهل ذاكرة الشارع السوري قصيرة لهذه الدرجة؟

إذا أخذنا بعين الاعتبار من كان وراء وصول حافظ أسد للسلطة، وبعد أربعة عقود من استئثاره وعائلته بالبلاد كمزرعة وبكل معنى الكلمة، عندها يصبح سهلاً الاستنتاج أن الذين أوصلوه كانوا يُدركون أنه لابد له من ترويض كامل المجتمع السوري، لذا حاول تفكيكه لما قبل المواطنة رغم الغلاف العلماني الزائف.
لم يكن سليم حاطوم أكثر أهمية من المئات من رفاق الأسد الذين زجّ بهم في السجن أو اغتالتهم أزلامه في الخارج كما حدث مع محمد عمران وهو ابن طائفته أو صلاح الدين البيطار والذي يعتبر من مؤسسي البعث. والمتابع لحقبة الاغتيالات في سوريا ولبنان يرى أنها كانت تضم عناصر من كل الطوائف والقوميات، إضافة لعشرات آلاف الضحايا والمعتقلين وملايين المهجّرين.
لن يكون مسروراً مني بعض أبناء محافظة السويداء لما سأقوله الآن، وهو أنه غالباً عندما تدخل إلى مضافة رجلٍ درزيّ في السويداء، تجده يرحب بك على أكمل وجه، من القهوة المرّة وإحضار الطعام ومنتهى الحفاوة والكرامة. وتنظر في صدر مضافته تجد صورتين للقائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، وصورة للزعيم كمال جنبلاط، وصورة للوريث العام وربما تجد هناك بارودة قديمة منذ أيام الكفاح ضد الاستعمار وعدة القهوة المُرّة وعشرات الأشياء المتممة للصورة التقليدية للرجل الدرزي الفخور بقيَمه وأرضه وعزة نفسه وكرامته، وبنفس الوقت تجد بعضهم يدافع عن سياسة الوريث القاصر أو يتجاهل الحديث عنها بصراحة. هذا الوريث وبدون الوراثة –أي على أساس شخصه وما يحمله في جمجمته- وفي مفهوم علاقات محافظة السويداء التقليدية لا يستحق أن تقدم له القهوة المُرّة، يعني التعامل معه من باب الشفقة، وليس مبالغة إن قلنا التعامل مع "قاصر"!. لقد سهّل وساهم في تدجين الأقليات أيضاً ما استخدمته دعاية أجهزة النظام غير الرسمية في التهويل بفكر ابن تيمية، وبنفس الوقت دفاع السلفيين عن ابن تيمية دون وعيهم أنهم في هذا يخدمون النظام!
الحقيقة أن بعض ورثة كبرياء وأنفة سلطان الأطرش وكمال جنبلاط لحقوا القطيع!

5 - أنت أكاديمي علماني بثقافة أوربية، وفجأة نجدك تحاور ابن تيمية في نطاق جبهة الخلاص، فما الذي يجمعك مع الأخوان يا دكتور فاضل؟

لقد ذكرت أكثر من مرة عن ملابسات دخولي جبهة الخلاص، وأشرت إلى ذلك في رسالة الاستقالة "الجندي المهزوم" والموجودة على الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=190344
وكنت قبل معرفتي أي من الأخوان المسلمين شاركت في التوقيع على حملة مناشدة دولية بهدف الضغط على النظام لإلغاء قانون الإعدام بحق أعضاء الجماعة، رغم بعدي الكبير عن فكر الأخوان. لأن حرية الرأي والصراع السلمي للأفكار حقٌ لا يجوز التساهل به! وأشرت في موضوع "ضبابٌ سوري في يومٍ مشمس" نُشر بعد انتخابي في أمانة الجبهة بأسابيع قليلة، أن جبهة الخلاص أعطتني أصدقاء جدد ولم تحرمني من أصدقائي القدامى، أغنتني بوجهات نظرٍ جديدة ولم تنتزع مني قناعاتي الفكرية والسياسية، وهو موجود على هذا الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=110781
وبعد ذلك بأسابيع قليلة أخرى كتبت موضوعاً بعنوان "نظفوا الزجاج قبل كسره" وكرّسته لابن تيمية والتعامل مع فكره في جبهة الخلاص، أو على الأقل موقفي الشخصي، وأكّدت من بين قناعاتي أنه من أراد تقديس ابن تيمية وابن الباز وأبناء آخرون فهذه مشكلته الشخصية، لكنها لن تكون كذلك إن صار هذا الإنسان وزيراً للتربية مثلاً! أو وزيراً للصحة ويفتي ببول البعير... ليس كل ما كان في التاريخ العربي والإسلامي يستحق الاحترام، ليكن ذلك لباحثي التاريخ! لكنه لا يمكن أن يكون منهجاً لمجتمع يريد أن يدخل إلى القرن الواحد والعشرين "بعد الميلاد" بزجاج ملوّث! بقدر ما نحن بحاجة إلى فترة لفهم العالم والديمقراطية وممارستها، بقدر ما يحتاج العالم إلى زمن للاقتناع بأنه لا خطر يهدده من جانبنا. التأثير متبادل ونوافذ العالم مفتوحة وما علينا سوى فتح نوافذنا للشمس وتنظيف زجاجنا الملوّث! وتتمة الموضوع موجودة على هذا الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=113793
ما جمعني مع الأخوان في تلك المرحلة هو الاعتقاد أن تجميع كل أصوات التغيير واجب وضروري من أجل تقرير المصير. كنت أعتقد وقتها باستقلالية قرارهم وصدقية طروحاتهم تجاه تغيير النظام. ومازلت أؤمن بضرورة إيجاد قواسم مشتركة بين المعارضة للتنسيق والعمل..

تلفزيون زنوبيا وجبهة الخلاص:
6 - هل خلافك مع آل خدام تحديدا أم مع الحاشية، وهل هو خلاف سياسي في جبهة الخلاص أم خلاف مالي في التلفزيون أم شخصي يخص علاقات ونساء؟

لا أستطيع كثيراً الفصل بين آل خدام وبين "الحاشية"، لكن الخلاف كان مع خدام أولاً، وردود الفعل كانت متنوعة. ويمكن اليوم النظر بموضوعية أكثر، وبعد مرور أكثر من عام على حرق شعرة معاوية، وبعد تكشّف أمورٍ كنت أجهلها، وظهرت من خلال محامي الشركة التي أسسوها في بودابست حيث كانوا يريدون إدارة المحطة التلفزيونية من هنا، وطلبوا مني أن أكون مديرها، ثم تنصلوا من التزاماتهم القانونية أمام الجهات الرسمية المجرية وأمامي، أقول أنهم حاولوا وبهدف تقليل الضرائب الرسمية أن يُلزموا الشركة أموراً غير قانونية وبدون معرفتي، وتحميلي مسئولية احتيال قانونية ومالية وبدون معرفتي أيضاً. وللتوضيح أنا لا أعرف لغة إنكليزية، والمباحثات بينهم وبين المحامين الذين تابعوا معاملات الشركة –كانت بالإنكليزية، طبعاً المحامين رفضوا الموافقة على أي شيء غير قانوني. وعند إجراءات إقفال الشركة –أي بعد ذلك بحوالي سنة ونصف أفصح بعض المحامين عن تلك المحاولات، وهناك عشرات الرسائل التي كانت تتم بين المحامين وبين السيد جهاد خدام ومساعديه (لبناني ولبنانية) والتي ظهر أنها لم تكن كلها شفافة. وأعتقد أن الحديث الآن عن نزاهة وشفافية السيد خدام ومساعديه، هي مثل الحديث عن نزاهة طلاس! لكن ذلك لا -ولن يمنع التأكيد في كل مناسبة أن خدام لم يدفع مستحقاتي المالية –أجرة مكتب ومصاريف محامي وأجرة محاسبة وراتب لقاء عمل فعلي و... يقدر بـ 13 ألف يورو. وهنا لم نتحدث عن المستحقات الضريبية للدولة المجرية، والتي مازلت أنا المسئول القانوني والأخلاقي عنها. الخلاف مع خدام سببه الأول فقدان الثقة المتبادلة وغياب الشفافية والمصداقية في تعامل ابنه وبالتالي تعامله هو. وربما يكون بعض ما كتبته أنا خلال وجودي في جبهة الخلاص حول الغيبيات والتعصب القومي والبعث وحافظ الأسد، وتقديم استقالتي من الجبهة والتي -رُفضت- بعد خلافات مع الأخوان حينها، ربما لعب دوراً في قناعته بعدم إمكانية التأثير بأسلوبي ومفرداتي ولغتي. وأستشهد بمقطعٍ قصير من كلمتي لمؤتمر الجبهة الذي طلبوا فيه مني الترشح لعضوية الأمانة العامة: "في كثير من دول العالم نجد أن صاحب الثروة يريد أن يلعب دوراً سياسياً ما معتمداً على ثروته ونفوذه المادي، وأن السياسي يريد أن يحصل على شيء من الثروة بناءً على موقعه السياسي، هذه الظاهرة موجودة ولا يمكن تجاهلها لكنها في سوريا الأسد مشوهّة جداً وهي بوابة الفساد الأولى. آمل أن تكون هذه الظاهرة أقل تشوهاً عند المعارضة الوطنية السورية.".. وتتمة الموضوع منشورة بعنوان "دمشق تنتقل إلى برلين" وعلى الموقع التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=109969
الخلاف مع خدام كان أخلاقياً أولاً. والسياسة التي تفتقد إلى الشفافية لن تكون صادقة وقابلة للحياة. غياب الأخلاق في التعامل السياسي يُدمّر أوطاناً وليس علاقات أفراد فقط!
أما سؤالكم وغمزكم غير البريء حول قضية النساء، مع احترامي لكم ربما أخطأتم العنوان، ولا يستحق مني التعليق أكثر، لأنه لا يستحق أكثر. وربما لعدم معرفتنا بعضنا عن قرب هو ما دفعكم لمثل هذا السؤال..

7 – هل رفض تسديد مستحقاتك المالية له أسباب طائفية، أم انتقام لموقف من مواقفك؟

عدم دفع المستحقات المالية لي ولغيري سببه التربية الأخلاقية وقد عبّرت عنه في موضوع عنوانه "من شبّ على شيء شاب عليه، ولو صبغ الشعر!" وهو موجود على هذا الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=198188
هنا لا علاقة للأصول الطائفية وإنما للرصيد التربوي القِيَمي الذي لم يستطع تغييره. وربما يعتقد أنه بهذا الموقف غير الأخلاقي تجاهي يعطيه "برافو" من بعض الإسلاميين، يُعبّر عن موقف تضامني معهم ضد ما كتبته عن الغيبيات وخزعبلاتها الساخرة خلال وجودي في الجبهة. مثلاً موضوع عنوانه "ناقصات عقل ودين وعُمر" والذي خلق ردة فعل تكفيرية قروسطية ضدي من قبل البعض.
التعامل الأخلاقي لا طائفة له ولا انتماء حزبي سياسي، والتربية والسلوك وما تُفرزه من قِيَمٍ تعود لتؤثّر بالسلوك من جديد!..

8 - أنت ذو التربية والتعليم الأوربي، كيف كانت تدار زنوبيا، وما دور الولاءات والكفاءات في العملية الإعلامية؟

في البداية أقول أنني تعلمت من الأوربيين وتربيتهم أيضاً، لكن جذور تربيتي تعود إلى قريتي ومدينتي ووطني الأصلي. أعتقد أن قناة زنوبيا كانت تدار بشيء يعكس عبثية واستهتار الإدارة وأسلوبها في بلادنا. لم يكن هناك عواقب ونتائج للأعمال. يمكن القول أنها كانت قناة "عالبَرَكة". وربما تعبير "ان شاء الله، إذا الله أراد، بيفرجها الله، منشوف، يالله يا زلمي، حرام، طوّل بالك، مشّيها... وما شابه من تلك المفردات، والتي تعكس التربية المشوّهة للتعامل الواضح تجاه العمل.
نحن نعرف أننا جميعاً متفقون على العمل لتغيير النظام، لكننا لسنا متفقين على البديل ـ هكذا شعرت. وقد انطلقت بطرح ما قلته من خلال إيماني بأنه يجب عليّ أولاً التكلم بصدق قبل التكلم بالحق. أعتقد أن مسؤوليتنا أكبر من كسب بعض الشعبية هنا أو الخوف من إضاعة بعضها هناك.
ومع مشاعر تعاطفي الإنساني تجاه البعض، لكنني أقول، مخيفٌ وكارثيٌّ أن يكون الغبي مجتهداً! وأن يكون الذكي مُتسيّباً! وحامل الهمّ السياسي الوطني مُحارَباً!
وقد كتبت تقييمي بصراحة عن سير عمل القناة وذلك بعد إقفالها بأيام قليلة، وربما ضاعف هذا التقييم العلني من مواقف العداء ضديّ..

9 - هل أفلس خدام أم أن الممولين خذلوه ولم يسدد مستحقات الموظفين ؟

إن كان قصدكم إفلاسه السياسي والأخلاقي –أعتقد أنه أفلس نهائياً وهو يُدرك ذلك، وكانت عنده فرصة لم يستطع استغلالها بنزاهة، أو ربما لم يكن صاحب القرار في ممارسة النزاهة! أعتقد أن بعض "أصدقاؤه" أو أسياده خذلوه، لأن الذين وعدوه بإيصاله إلى قصر المهاجرين في دمشق لا يملكون قرار السياسة والسيادة على قرارهم، بل هم ينفذون ما يُطلب منهم. أعتقد أنه أراد استخدام قناة التلفزيون وسيلة لتبييض نحاساته، وتلميع وجهه كمعارض مرشحاً لدورٍ مفتاحي بعد الأسد، وبنفس الوقت لاستجرار "زكاة" باسم المعارضة. لا يوجد تأكيدات على خسارة خدام المالية في محطة زنوبيا، لكن الأكيد أن بعض العاملين خسروا فيها مادياً وأخلاقيا بسببه..

10 - قرار إطلاق فضائية معارضة مهم جدا، فهل لك أن تضعنا في صورة هذه التجربة التي اندثرت عاجلا وصارت نسيا منسيا، ماذا وراء الكواليس، ولماذا فشلت التجربة؟

كانت تجربة قناة سورية الجديدة، ثم زنوبياً، مثيرةٌ جدا، وربما يأتي وقت يتم فيه تقييم شامل لهذه التجربةً. لقد حملت حتفها بيديها منذ بداية انطلاقتها، لأنها لم تستند إلى العديد من المعايير المهنية والسياسية والقانونية. وكنت قد طرحتُ فكرة إجراء تقييم داخلي لعمل المحطة منذ تأسيسها حتى إغلاقها، لكنه حتى الآن لم يصدر إلاّ ما كتبته أنا عن تجربتي وملاحظاتي هناك. لم يكن للمحطة استراتيجية واضحة، وبالتالي كان عملها خاضعاً لحسابات شخصية ويومية ومزاجية. لم يكن للمحطة خطة برامج، وكانت برامجها خاضعة لقرارات ارتجالية. لم يكن هناك من تقييم للعمل لا يومي ولا أسبوعي ولا شهري. سيطر شبح عقدة النقص لدى البعض والغرور عند البعض الآخر ونقصٌ في الكادر الإعلامي السياسي. تشابه البرامج والمواضيع، وكأن العملية مجرد اجترار بأسماء جديدة.
وكتبت حول ذلك تقييماً بعنوان "قناة زنوبيا بدون تجميل، الحصرم المعارض" وهو موجود هنا:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=177049
زنوبيا ظُلِمت، وليس مبالغة القول أنها اغتُصِبت من قبل بعض المحارم والجيران..

راهن ومستقبل المعارضة:
11 - الشعوب هي صاحبة المصلحة بالتغيير، فما بال شعبنا طال شخيره وكأن التغيير لا يعنيه أو لا يعي ما يريد؟

بصراحة، الشخير في منطقتنا موجود منذ قرون كثيرة، وثقافة الراعي والرعية أو ثقافة القطيع، والتي تستند إلى مفاهيم غيبية تلعب دوراً كابحاً فعلياً في التغيير نحو الأفضل. إن تحالف الكهنوت الديني والعسكري وفي غياب برجوازية وطنية مؤثرة، وفي ظل أجهزة أمنية توّفر "الاستمرارية" والتوازن لاقتسام السلطة والمال، كرّس الفساد كثقافة مقبولة، وغيّب النشاط السياسي للمجتمع. كل هذا السلوك والفكر هو نبع الشخير المتدفق.
والتغيير من خلال الثورة بالمفهوم التقليدي أعتقد أن عوامل نجاحه أكثر صعوبة. ونحن اليوم في عصرٍ صار التغيير الداخلي فيه خاضعاً جلّه لعوامل خارجية، لكن هذا لا يعفي دور الشعب ومنظماته وأحزابه، خصوصاً أن النار تحت الرماد والتي قد تشعل انتفاضة شعبية عفوية، لا يستطيع النظام ولا أسياده التحكم في نتائجها!
قد يمكن تغيير نظام حكم ما اعتماداً على الدين، لكنه صار واضحاً ومن خلال التجربة أنه لا يمكن بناء دولة في هذا العصر وحلّ مشاكل المجتمع وتحدياته على أساس ديني! والأمثلة كثيرة من أفغانستان إلى إيران وغزة والسودان والصومال وما فعلوه في الجزائر وغيرها.
من المفيد الاستفادة من الشعور الديني وتوظيفه خدمة للتغيير كما حدث أثناء مقاومة الاستعمار، بشرط ألاّ يكون همّه اغتصاب السلطة باسم الله! من يعمل بالسياسة عليه ألّا يبقى أسير مفردات وخطاب رجال الدين والهامش الذي يحددوه، عليه أن يتخلص من وصايتهم، أي عدم الانجرار وراءهم، وعلى المثقف أن يكون أكثر استقلالية عنهم وحتى أكثر "تمرداً" على سطوتهم!
وفي المقابل ما فعلته "الأسدية" من تدمير مادي وروحي وثقافي خلال عقودٍ من الزمن يجعلنا الجزم أنه علينا السير في طريقٍ آخر، طريق يفصل الدين عن الدولة، ويُنهي للأبد نظام إقصاء الآخر، ويرتكز على التعددية السياسية.
إن ضعف القوى العلمانية الديمقراطية وتشتتها يُسمِعُ أكثر هذا الشخير. الكارثة الأكبر التي خلفها ومازال النظام هي في تشويه التركيب القيَمي الأخلاقي للمفاهيم، والتي سيكلف بناءها المجتمع ربما عدة أجيال بعد التغيير!

12 – لماذا استعصى على المثقف السوري خرق إعلام النظام على هشاشته ولم يتمكن من البرهنة على أن "الملك عاري" وظل مرتبكا في موقف الدفاع عن تهمة الخيانة والتخوين؟

تسلّح المثقف بالمعرفة اللازمة لتجاوز ثقافة القطيع ومفرزاتها ومبرراتها "البراغماتية" والتعبير عن تلك المعرفة ليست دائماً مهمة سهلة، خصوصاً أن المثقف إنسان وعنده التزامات لإعالة أسرته مثلاً!. العتب أكثر على المثقف الذي يعيش خارج الوطن، ومدى مصداقيته وشفافيته في تعامله مع نفسه ومحيطه واستفادته من تجربة الغربة! لذلك تعاطي المثقف الذي يعيش في الداخل بشيء من الحذر يبقى مبرراً نسبياً.
على المثقف الذي يعيش في الخارج أن يمتلك المناعة الذاتية من السقوط، أو الهروب لذاته فقط، المناعة من الزئبقية الفكرية والاتجار بالسياسة، أو الترفع فوق السياسة!.
تمرُ الآن تيارات المعارضة الوطنية ومن ضمنها المثقفين بفترة مخاض، وسيتم الخلاص من الخوف والشللية والتقوقع الطائفي، وسيتم جرّ النظام لمعارك سياسية وأخلاقية، ولن يبقى نشاطنا مجرد ردود فعلٍ بل سيكون نشاطاً فاعلاً مؤثراً. لم تعد تؤثر اتهامات النظام التخوينية ضد معارضيه، خصوصاً أنه يستجدي الأعداء قبل الأصدقاء، ويطالب هو بعض الدول -منها تركيا والبرازيل وغيرها- بتوطيد علاقاتها مع إسرائيل.!.
المنطق القانوني والأخلاقي والواجب الوطني والسلوك الطبيعي يدعو النائب العام السوري أو أي قاضٍ برفع دعوة ومن موقعه ضد السيد بشار حافظ الأسد بتهمة التفريط بالوطن (اسكندرون، الجولان)، وتهمة نشر أخبارٍ كاذبة ولأكثر من عقدٍ من الزمن وتتعلق بالدفاع عن الوطن والسماح للمخابرات الإيرانية العبث في أمن بلدنا الداخلي، وتهمة الفساد وهدر خيرات البلد، واستغلال السلطة (رغم عدم شرعيته لاستلامها) لتحقيق أهدافٍ تتنافى مع مسئوليته (هيمنة عائلته وأقربائه على البلد)، وتهمة التغاضي أو السماح وتشجيع الأجهزة الأمنية في إرهاب المواطن واعتقال مخالفيه في الرأي واغتيالهم، وتهمة تدخله في شئون دول الجوار وخلق عداوات ضد شعبنا..إلخ. قد تبدو الآن هذه الفكرة ساخرة، لكنها قادمة مهما طال الزمن...
المشكلة ليست في أن الملك عاري، لأنه واضح للأكثرية، بل المشكلة أن البعض يخاف الحديث عن هذه العريّ! وأخشى أن يكون هناك من هو "قريبٌ منّا" وتخفف قليلاً من ثيابه!
أعتقد أنه يجب على المعارضة أن تقوم بتطوير عملها وخطابها وأساليبها في الداخل والخارج. وألّا نبقى منفعلين بل أن نغيّر المعادلة بفضح النظام وتعريته أكثر وليس فقط برد الاتهامات عنّا!
لابدّ لهذا الحصرم المعارض أن ينضج!..

13 - المثقف السوري يتحمل وزر تجميل قباحة عطالة المعارضة النائمة بقدر ما يتحملون تجميل سفاهات النظام، فما المخرج نحو مثقف يحمل مشعل التنوير الشعبي وليس التأطير الحكوماتي؟

الصمت ممنوع في بلادنا كما هو معروف، وصاحب الرأي عليه دفع ثمن رأيه من خبز أطفاله وأحياناً كثيرة من حريته وحرية أقربائه. قد لا تكون الصعوبة فقط في صياغة رأي واضح دقيق يعكس معرفة وطنية عصرية يمكن الاستناد إليها في التغيير وبناء المستقبل، بل الأكثر صعوبة هو عملية تسويقه! وإن وُجد مثل هذا الرأي الوطني نرى من يعمل لإضعافه، وربما "يضيع" بين طفولية ردود فعل هنا وتذبذب هناك، بين هروب البعض للأمام والبعض الآخر للماضي.
ليس من السهل أن تفتح كل الجبهات عليك. ولا يمكنك أن تكون صادقاً مع نفسك بما اكتسبته من معرفة وتجربة في العالم الديمقراطي، وبنفس الوقت تبحث عن مغازلة القرضاوي. يعيش البعض في ثنائية بين الواقع الحضاري ومكتسباته وبين ثقافة الماضي على اعتبارها منهج وليس حقبة مضى زمانها.
الدكتور الذي يعيش في أوربا ومنذ عقود ويبقى خطابه عند -حوار الهدهد مع هذا النبي أو ذاك، أو نشاط أحدهم مثلاً لإثبات ورود اسم النبي محمد في الإنجيل والزبور أو في جلجامش! أو من يعمل جاهداً لتبرير الاستبداد والفساد الذي كان يسيطر على أجهزة الحكم العثمانية في بلادنا ولا يعتبر ذلك احتلالاً! وكأن استبداد وفساد ونهب أخوة الدين واحتلالهم مشروع! رغم أن الجيوش التي قضت على الخلافة الإسلامية هي نفسها التي حققت أول خلافة إسلامية! وانطلقت من أقدس منطقة إسلامية! ضباب يا ترى؟ أم ماذا؟.
بوجود عصر التكفير الذي نعيش –وهو ذاهب بلا رجعة، يبقى قلائل الذين لا يجاملون في الحديث بصراحة وأمانة المثقف أو الباحث. وهذا يؤخر نسبياً سقوط حجاب البعبع الطائفي والشللية، واعتبار الإيمان الديني أو عدمه قضية شخصية لا علاقة لها بأي شكل بدرجة الوطنية.
مسئولية من يعيش في الدول الديمقراطية لتخطي تلك الكوابح هي مسئولية مضاعفة.
أعتقد أن المصداقية في التعامل مع الذات ومع الغير هي الأس والأساس للبدء المعرفي الواعي في سبيل خلق البدائل. التكتكة بين أفراد وتجمعات المعارضة تدعو للأسف.
المعارضة ليست سندات بورصة وصكوك غفران وشهادات حسن سلوك. وليست كفارة عن "ذنوب" البعض. مسئولية الوطن أكبر من مسلسلات من الصغائر التي أحياناً نلاحظها. نحن بحاجة لممارسة السياسة بأخلاق وثقافة الحاضر والمستقبل، وليس باستجرار الموروث الثقافي القديم.
لا يمكن مقارعة النظام باستخدام أساليبه!..

14 - إن كان محاميك فاشلا، فلابد وأن قضيتك خاسرة. فمن يتحمل بؤس أداء المعارضة وهي لم تتمكن من زحزحة النظام أو إقناعه بوجوب التغيير وإشاعة الحريات؟
المهم ألاّ نكون فاشلون في فهم قضيتنا وزمننا والعالم الذي يحيط بنا!
مازال البعض يأمل بإصلاح النظام للنظام! رغم أنه كانت أمام الوريث فرصة كافية للإصلاح، و"للتغفير" عن جرائم عائلته، للتوفير على شعبنا زيادة بؤس، وللتوفير على جيراننا إراقة دماء! لكنه تجاوزَ تلك المرحلة. لا يستطيع الوريث ولا يملك الشجاعة حتى لمصارحة الشعب!
عندما يكون هناك اغتصاب وطن وتجييره كمزرعة وبكل حرفية الكلمة، عندها تحتاج إلى منهج، إلى وسيلة، تحتاج إلى صياغة الهدف بدقة ووضوح ينسجم مع العالم المتمدن ومع المستقبل، تحتاج إلى طريق، وتحتاج للسير على هذا الطريق! لكنه كيف السبيل إلى ذلك وهناك من يتساءل مستغرباً سياسات النظام غير المفهومة حتى الآن؟ أو من يُعلّق معارضته على باب خالد مشعل الموجود في أحضان النظام؟ أو من يتصرف وكأنه يمثل دولة ويملك صلاحيات اتخاذ القرار، وهو لا يملك ضمانة تمديد إقامته في بلد الاغتراب الغربي؟
إنه تسفيفٌ وربما تشويه في سياسة المعارضة. لاحظ عدد منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان!
كيف نقوم بدعم حماس وقادتها يعيشون في أحضان النظام ويدافعون عنه، ونخبة من أصدقائنا في السجون! هل هناك تفسيرٌ منطقيّ وأخلاقي أو عقلاني لمثل هذا السلوك؟.
أمريكا صنعت بن لادن، وتحاربه الآن! هل نقف ضد حرب أمريكا على بن لادن؟ وهل هذه شطارة؟ لأننا نعرف أهدافها قديماً وحديثاً!
مثيرٌ موقف الذين يرفضون قرار منع النقاب في المدارس من منطلق حرية الإنسان، وهم الذين يُكفرون من خالفهم الرأي! وآخرٌ ضد المنع لأنه جاء من السلطة! وثالثٌ يرفع الليبرالية "الميكانيكية" وبكبسة زر ضد قرار منع النقاب لأنه يقف ضد السلفيين أيضاً برفعهم شعارات تقيّد حرية الإنسان! وهناك علمانيون لا يعبرون بوضوح كامل، رغم قناعتهم بعلمانية التعليم وفصل الدين عن الدولة!
النظام السوري كما السادات فتح الأبواب للسلفية وصارت تشكل -ربما إزعاجاً له! الواجب تعرية سياسة النظام وتسخيره الدين والنساء والأطفال وكل شيء خدمة لترسيخ سلطته، وبنفس الوقت فضح كل شيء ينتقص من كرامة الإنسان أيّاً كان مصدره! ما العمل إن قام النظام بحربٍ لاستعادة الجولان؟
نحن ضد النظام ككل، لكننا لسنا ضد إجراء إصلاح ما أفسده هو أو غيره إن فعل ذلك! وما موقفنا من فتح مولات جديدة للحريم وشواطئ جديدة للإناث، وشركات تاكسي جديدة لناقصات الذاكرة وغيرها؟ وهل نقف ضد منع تعدد الزوجات إذا صدر بقرار من النظام؟ أو إلغاء نشاط القبيسيات؟...
أيهما أفضل أن تبقى الأشباح في قاعات تعليم أطفالنا، أم منعها؟ ونعرف ويعرف الجميع في الداخل والخارج أن أي خطوة يخطوها هي من أجل تدعيم نفوذه! وهل اكتشفنا جديداً في ذلك؟!.
كيف سيقوم الإنسان الأوربي بمحاولة رفع صوته طالباً حكوماته الضغط على النظام السوري؟ وهل يمكن تسويق سياسة الدفاع عن النقاب كبديل عن الذي "يُظهِر مقاومته"؟ ولا يخفى على أحد أن النقاب هو رمز في خطاب ماركتينع بن لادن للعالم!. وكما أن بن لادن ابن ثقافتنا قبل أن تصنّعه أمريكا، كذلك النقاب.!. شجاعة الاعتراف هي البداية.!.
تغيير النظام ليست فقط مسألة معارضة وحكم وسلطة وطائفة. إنها مسئولية ثقافية حضارية أيضاً..

15 - نظف إعلان دمشق صفوفه من آخر علويين بخروج جاموس والخير، أما جبهة الخلاص فرفضت أصلا دخول أحد المعارضين حضور اجتماعها لمجرد أنه من أصول علوية، فكيف ترى مستقبل معارضة طائفية تصارع نظام طائفي؟

توصيف خروج أو تجميد البعض عضويته من إعلان دمشق لا أعتقد أن سببه اعتبارات مذهبية. أما جبهة الخلاص فهي لم ترفض وقتها أي شخصٍ من أصولٍ علوية، بل كانت ترغب بذلك. أعتقد أن السبب الذي منع أحد الأفراد المنحدرين من أسرة علوية والذي كان يُجمّل خدام ويُروّج له كثيراً، وبقاءه خارج الجبهة هو سبب مادي. وربما كانت له وظيفة أخرى من خلال محاولته التقرب من خدام وقتذاك، خصوصاً أنه ليس بعيداً عن النظام، وأعتقد أنه لم يكن يوماً بعيدا عنه، بل العكس.
على بعض المعارضة أن تكون متقدمة خطوات فوق الطائفية في تعاملها وتقييمها لعناصرها وأنصارها. لست ساذجاً، لكنه يجب علينا تجاوز كثيراً من روابط وعلاقات الشللية والمذهبية والفكرية الإيديولوجية! يجب تجاوز ذلك بدون تقية ونفاق. أؤكد رأيي من جديد أنه لا يمكن مقارعة النظام باستخدام أساليبه..

16 – فجأة صار السيد عبد الحليم خدام داعية للديمقراطية والحريات ونسي أنه كان جزءا من نظام الفساد السوري، وتحالف ثم طلق خصوم الأمس، أنت كنت شريكا وشاهدا على هذه التنقلات، فإلى أي مدى توافقونه بتبنيه الديمقراطية التي كان يعارضها بالأمس؟

كانت أمام خدّام فرصة لإثبات انسلاخه عن سلوكيات الأمس. وقد أصابته صدمة شبه قاتلة من خلال تخلّي "سادته" عنه. أعتقد أنهم وَعَدوه لعب دور يُشبه الدور الذي قام فيه الأسد يوم دفعوه للقيام بانقلابه عام 1970. وما يُلفت النظر أنه حتى الآن لم يكشف ما كان بحوزته من أسرار النظام، أي أنه لم يقطع نهائياً مع تركة حافظ الأسد الأخلاقية، وكانت هناك نقاشات معه حول مسألة "وطنية" حافظ أسد، أي أن خدّام على ما ظهر منه كان ضد الوريث فقط، ولم يكن يوافق أنه يجب الانطلاق من هناك، من الأسد الأب في تقييم فساد واستبداد وعدم وطنية النظام. وليس مستبعداً أن يستخدم هو أو أسرته روشيتة وليد جنبلاط رغم تباين الدوافع!
أنا لم أكن شريكاً لخدام ولا لغيره في شيء، كنت وإياه في الأمانة العامة لجبهة الخلاص، أي علاقة سياسية فقط! واستناداً لتك العلاقة والتجربة أقول أن خدام لم يستطع إثبات وطنيته ومعارضته للنظام من خلال فتح صفحة جديدة ونظيفة وشفافة بعد خروجه من سوريا. ومحاولة غمزه أحياناً من منطلق طائفي لن تنفعه. وبقيت نزاهته كنزاهة مصطفى طلاس لدى الطائفة السنيّة"، و"رشّة" الديمقراطية صارت موضة.
يبدو أنه عصيّ على التغيير، وأن الوطن عنده مجرد مشروع عائلي مثل الوطن عند الأسد!..

17 - لماذا برأيك لم ينجب "زواج المسيار" بين السادة خدام والبيانوني، وأيهما الرابح من الطلاق؟

على ما يبدو أن الاثنين عاقر! أراد الأخوان استخدام خدام، كما أراد خدام استخدامهم، وكانت الخسارة متبادلة. والحقيقة أن الذين فوق خدام والأخوان أرادوا هذا التحالف بهدف الضغط على الوريث، وقد ظنّ خدام أنه يستطيع خدمتهم أكثر من الأسد، ولم يعتقد أن دوره كان مجرد دورة فقط.
وقد تمّ استهلاك خدام بسرعة وصار عبء على السعوديين وعلى عائلة الحريري.
لاحظ خروج الإخوان عملياً من إعلان دمشق وتأرجحهم السياسي منذ سنوات. لم يكن ذلك التحالف شفافاً ونزيهاً، وربما يمكننا القول الآن أن تحالف خدام – الأخوان كان مخططاً له أن يكون موسمياً. وربما يكون خروج خدام من سوريا أضعف قناة الموارد المالية التي كانت تصله وأسرته، وليس بالتأكيد ما قبضه تعويضاً عن ذلك كان كافياً لطموحاته المالية. لاحظ استرجاع آل الحريري القصر الذي قيل وقتها أنهم قدّموه له هدية!.
وأريد تأكيد قضية وهي: أعتقد أنني كنت الوحيد بين أعضاء الأمانة العامة لجبهة الخلاص الذي لم يقم بزيارة خدام ولا البيانوني، ولقاءاتي كانت فقط خلال اجتماعات الأمانة العامة التي كانت تُعقد في مكان عام "فندق"!..

18 – أوقف الأخوان معارضة النظام سندا لغزة، ولكن اتضح أن "تعليق معارضتهم" لم ينقذ أطفال غزة ولم يكسر حصارها، فما السبب الحقيقي وراء مهادنة النظام؟

أعتقد أن واقع الأخوان من التنظيم العالمي للأخوان المسلمين، ورضوخهم لإملاءاته تشبه علاقة الأحزاب الشيوعية بموسكو وقتذاك، وقد قلتها للبيانوني أكثر من مرة خلال اجتماعات الجبهة.
سياسة الأخوان تظهر ضعف الانتماء الوطني عندهم وقرارهم السياسي ليس سوري. ربما يعتقدون أن علاقة النظام السوري مع نظام حزب العدالة التركي والسعودية وقطر، ومع جماعات الأخوان المسلمين في المنطقة (ولكونهم يقومون بتفسيراتهم على أساسات طائفية)، لذا يعتقدون أن الأسد وربما لاعتبارات –تغفيرية- قد يقوم بانعطافة يسمح لهم بالاقتراب خطوة من النظام، أي يصبحون أقرب للطنجرة -خصوصاً تساهله ورعايته أو تغاضيه عن نشاطات أصولية سلفية وانتعاشها داخل سوريا- وربما تكون خطوتهم لها خلفية إنسانية تتعلق بالمفقودين والمهجرين الممنوعين من العودة للوطن من أعضاء جماعتهم، وبهذا قد تكون فرصة لحل تلك المآسي، وقيل عن وعود وصلتهم من النظام عن طريق القرضاوي وغيره. وربما كانت هناك تصورات أخرى، أو مجموع تلك الاعتبارات كلها، دفعتهم لتعليق معارضتهم. وظهر أنها لعبة من النظام لإضعاف خدام والإخوان.
غزة وفلسطين والقومية العربية والإسلام... كلها مظلات استخدمتها أنظمة وأحزاب وأفراد، وباسمها ارتكبت أكثر الخيانات، وخاصة من الذين يعتبرون أنفسهم معنيون بحمل الراية..

19 - أنت شاركت في عراضات السياحة السياسية وتجمهرات معارضة الخمس نجوم، التي توقفت فما البديل والصمت طال؟

لقد ذكرتُ في رسالة الاستقالة من جبهة الخلاص، أنني دفعتُ وسأدفع ثمناً أخلاقياً لعضويتي السابقة في لجنة جمعت خدام والبيانوني، ورغم اعتقادي وقتها أنني أساهم بالتشجيع –على الأقل لمن يريد الانسلاخ عن النظام بوجود مكان له في صفوف المعارضة، وحتى أنني استعملت تعبيراً غير لائقاً في أحد المواضيع التي نُشِرت بتعليقي على السجالات التي دارت بخصوص خدّام وقتذاك يعكس فكرة –صوت معنا خير من صوت علينا!- وكان طرح الأخوان في وثائقهم وإعلامهم ما يدعو للتفاؤل. إضافة لوجود مكوّن كردي وآخرون يحملون خلفية يسارية وليبرالية، كل هذه أعطت أملاً ومبرراً للتفاؤل في التعاون الجبهوي.
المكان بحد ذاته لا يؤخر باتخاذ سياسات أكثر وضوحاً وجدية، خصوصاً إذا كانت تلك النجوم الخمسة لا تضع شروطاً نوعية نجمية، أو لا تسلبك درجة ما تحت النجمية التي تملك! والمشكلة ليست هنا. كانت هناك تجمعات ولقاءات في بيوت وشقق لا تحمل نجوماً ولا شموساً أو مذنبات ولم تكن نتائجها أكثر بكثير من مثيلاتها النجمية!
أظن أنه يجب علينا ترتيب بيتنا الداخلي أو بيوتنا الداخلية، وقبلها علينا ترتيب أنفسنا وأفكارنا كأفراد. أعتقد أنه علينا التفكير بأسلوب جديد، علينا السير بطريق أكثر وضوح وعصرية، أو علينا إيضاح الطريق أكثر!

20 - كيف يمكن التمييز بين الغث والسمين في المعارضة؟ وكيف تنظر لظاهرة "الأنبياء المخضرمين" معارضي أزلام النظام الذين يعتنقون المعارضة بعد نفاذ صلاحياتهم مثل خدام ورفعت والذين "علقا" أيضا بصمت صخب معارضة النظام لأسباب ما؟

في البداية لا يحق لأحدٍ مهما كان شخصه احتكار مهمة معارضة النظام. والناس تتغيّر نظراتها وتفكيرها وبالتالي تتغيّر مواقعها. لكنه على الشخص الذي كان قريباً أو جزءً من النظام، عليه تبرير وإثبات تموضعه الجديد من خلال المصداقية في التعامل. وأحبّ لو يوجد بين أولئك من يملك الشجاعة لتقييم دوره بمصداقية وقبل أن يقول "طويت صفحة الماضي"، عليه الاعتذار قبل فتح صفحة الحاضر والمستقبل! وأعتقد أن من يفعل ذلك ستزداد مكانته واحترام الناس له، هذا من جهة ومن جهة ثانية أن لا يأتينا كزعيمٍ بل أن يضع تجربته وما يملكه من معلومات عن النظام أمام المعارضة وبالتالي أمام الشعب والملأ. أن لا يحاول تسمين ثروته باسم معارضته وصحوته الجديدة. ويخطئ من يعتقد أن وجوده سنوات طويلةً عند النظام تؤهله أن يكون أكثر حكمة وذكاءً وقدرة قيادية، وبالتالي علينا اللحاق به لأنه منقذنا ومهدينا المنتظر!
أما المعارضة المتعلقة العالقة فهي تعيش مأزق. وكما أنه لا يمكن أن يكون هناك نسبة للسلوك الأخلاقي –إما موجود أو غير موجود، كذلك معارضة النظام الحالي، وغير ذلك أعتقد أنه مجرد عبثية وابتذال، أو ربما بكلمة صريحة "نفاق"..

21 - إن كان هناك فعلا نوايا جدية للتغيير في المعارضة السورية، فلماذا لا يجمعها جامع بالممارسة وتمارس التخوين ضد بعضها؟

المعارضة السورية تتشكل من أفراد، والأفراد تتأثر وتعكس شيئاً من تربية وثقافة المجتمع الذي نشأت فيه، إضافة إلى الخلفية المعرفية الفكرية التي يملكها هذا المعارض أو ذاك. أعتقد أنه عندنا مشكلة أخلاقية تربوية تلاحقنا وتعلقت في عقلنا الباطن، في ثنائية التفكير والممارسة. وأنا رغم أنني مع البحث عن أوسع قدر من القواسم المشتركة، لكنني أعتقد أن الموروث الديني وتكفير الآخر الذي لا يؤمن كما أؤمن –وهي ثقافة للتعامُل انتشرت خلال العقود الأخيرة في المنطقة- هذا يترك شيئاً من الحذر والتقية في الاقتراب من الآخر، وحتى عند الكثير من الأفراد غير المتدينين أيضاً. الخوف من التفكير خارج المسموح به.
تجد من يملك الشجاعة لتشريح نظام العائلة والجرائم التي سببها للمواطن وللوطن، ولا يملك الشجاعة للتفكير أو إعادة النظر بحديث هذا الشيخ أو تلك الفتوى الغريبة والتي ثبت بطلانها، أو تضرّ أكثر مما تنفع حالياً. رغم ذلك مازلت أؤمن بضرورة إيجاد قواسم مشتركة بين المعارضة للتنسيق والعمل المشترك.
كتبت أكثر من مرة انتقادات وكرّست مواضيع لفضح تصريحات وتلميحات شيخ عقل الدروز، وهو قمة الهرم الروحي عند الدروز وذلك عندما امتدح الوريث الأسدي ووصف نظامه بالوطني. ولم يكن قصدي الإساءة للشيخ كرجل دين، لكنه عندما تطرق إلى اتخاذ موقف سياسي، صار عليه تحمل ردود الفعل السياسية. وقد وصلتني رسائل ترحيب وتشجيع على ذلك من أشخاص ليسوا دروزاً. وبالمقابل قلّما أقرأ لأحد المعارضين الذين يجمعهم مذهب واحد مع القرضاوي انتقاداً له على مواقفه من نظام الوريث مثلاً! من يعمل بالسياسة عليه ألّا يبقى أسير مفردات وخطاب رجال الدين والهامش الذي يحددوه، أي عدم الانجرار وراءهم!
إذا لم تكن الشجاعة موجودة للوقوف ضد من يدعم ويبارك نظام الأسد، على الأقل لا نقوم بتمجيد حلفائه والدفاع عنهم، وفتح جبهات على من يقوم بتعرية أولئك الحلفاء لاعتبارات طائفية!
نحن بحاجة لفتح نوافذنا للشمس، وفتح طاقة صغيرة في رأس كل واحدٍ منا كمعارضة. علينا كشف عوراتنا الفكرية والسياسية وليس تغطيتها..

22 - إذا كان هناك منظمة حقوقية تابعة لحزب الأخوان المسلمين وأخرى للأكراد، فما الذي يمنع أو يعيب ظهور لجنة تدافع عن العلويين وأخرى عن الدروز والاسماعيليين، ولماذا بعضها يمزق وبعضها لا يفرق الكلمة؟

يعيش مجتمعنا والمنطقة بشكل عام مرحلة مخاض وبكل ما تحمله الكلمة من معنى رمزي، وهذا ينطبق على المعارضة تجمعات وأفراد، وعلى منظمات المجتمع المدني "غير الموجودة". نعم حرية الإنسان وكرامته وإنسانيته لا تخضع لانتمائه الديني أو القومي أو الجنسي أو الجغرافي! وعدد منظمات حقوق الإنسان في سوريا يعكس أزمة أخلاقية يعيشها مجتمعنا وتلاحق المعارضة أيضاً. ورغم أن عيون وأنوف أزلام النظام موجودة في كل مكان وتجمعٍ وتنظيم وتحاول التأثير وأحياناً بنجاحٍ كبير، وقد لا يُمكن استئصالها نهائياً طالما النظام موجوداً، رغم ذلك لا يعفي الدور غير الكافي لنضج وفكر وعمل الكثير من رموز المعارضة. مرحلة سنتخطاها بكل تأكيد!..

23 - هناك من يخشى من استلام المعارضة الكلاسيكية للحكم ظنا منهم أنهم سينجرون الخوازيق ويملأون ساحات المدن بالمقاصل وأعواد المشانق للمختلف الآخر، فما تفسيرك؟

ما كانت تقوم به الخلافة العثمانية بحق معارضيها في ذلك الزمن، قد ولّى وانقضى، ولا يمكن أن يعود إلى سوريا. لأنه أساساً تاريخ السوريين وسوريا لم يكن يُشبه ما كان في دولٍ أخرى وخلال قرون كثيرة، إضافة أننا نعيش في زمن يختلف. وحتى لو ظهرت بعض الأصوات المتطرفة هنا أو هناك، لكنها تبقى معزولة وستصبح معزولة أكثر. الغالبية الساحقة من السوريين لا تريد الثأر، لا تريد الدم والقصاص. الغالبية تريد معرفة الحقيقة. طبعاً إضعاف الأصوات المتطرفة السلفية يتعلق ببرنامج وطني شامل يحفظ كرامة المواطن ويرفع درجة المواطنة والمساواة ويضمن حرية الرأي وصراع الأفكار السلمي.
أعتقد أن هزيمة الإسلام الأصولي والسياسي خلال العقود القادمة سيكون على يد ابن تيمية وابن لادن وباقي الأبناء الآخرين. والنظام العلماني هو الوحيد الذي يضمن للإسلام العيش مثله مثل المسيحية بين الشعوب وبشكل بعيدٍ عن التوتر والخوف المتبادل..

24- سوريا ذات أغلبية طائفية سنية، فيما لو سقط النظام ما يمنع تكرار الصورة العراقية واللبنانية وتموضع الدويلات في الدولة؟

ربما يعيش الآن رجال الدين مرحلتهم الذهبية منذ قرون، والاهتمام العصبي القبلي الطائفي أيضاً يعيش "صحوته". ومن المحتمل بعد التغيير مباشرة أن يزداد الاستقطاب الديني والعصبي لفترة قصيرة. وقد تكون تجربة العراق ولبنان –والمقصود مظاهر العنف والقتل والتهديد- هي الكابح الذي يساعد على عدم حدوث مثلها في سوريا لأنه لا منتصر باستعمال القوة! سوريا لا يمكن أن تكون إلاّ لكل السوريين وعلى قدم المساواة. وهذا لا يمنع أن يبقى يحلم السوريون بحوالي عشرين جنة في السماء، لكنهم سيدركون سريعاً أن مهمتهم الدنيوية بناء سوريا جديدة تؤمن العيش الكريم لجميع أبنائها، وتكون سبباً للافتخار بها في عصرنا الحاضر، كما كانت فخراً في فجر الحضارة الإنسانية. أنا على قناعة بذلك، لكنه يتعلق سرعة نجاحه بسرعة ارتقائنا إلى درجة المواطنة والنظر إلى أنفسنا، وإلى بعضنا، وإلى العالم، وإلى المستقبل بعيون عاقلة. إن تجربة الإرهاب في العراق ولبنان هي التي ستمنعنا من اتباع طريق العنف والدم والتهديد، ولن تكون تلك الوصفة الإقصائية حل لخلافاتنا وبناء وطننا. لبنان يسير باتجاه ترسيخ حكم يشبه "الجبهة الوطنية التقدمية" السورية! والملاحظ من صراعات الجوار أنه لا يوجد منتصرٌ في الصراع الداخلي، وهزيمة الآخر -إن حصلت لا تعني الانتصار.!..

25- فيما لو سقط النظام بفعل فاعل من الذي سيملك ميليشيات في سوريا، وكم عدد الدويلات من مشيخات اثنية وطائفية في وحدة فيدرالية محتملة؟

ربما هناك شيء من الفانتازيا والخيال، أن بعض رموز النظام ستسعى عند سقوطها للاستقلال بجزء من الساحل السوري بحجة حماية الطائفة العلوية من الثأر السنيّ! والعمل لأخذ حماية دولية كما حدث في كوسوفو. رغم خيالية مثل هكذا سيناريو، لكنه مطلوب دحض حتى الخيال. هناك مثل أوربي يقول "لا ترسم الشيطان على الحائط"! وهنا تقع المسئولية الكبرى على عاتق العقلانيين المنحدرين من أصول سنية، وكذلك رجال الدين في الجوامع والحارات الشعبية. ورغم قناعتي أنه لا توجد أية مؤشرات لنجاح هكذا سيناريو، لكنه يجب العمل والتأكيد في كل مناسبة أن ابن تيمية لا يصلح لعصرنا ويُسيء للإسلام مثله مثل ابن لادن. إن استبداد العائلة الحاكمة لا تتحمل مسئوليته الطائفة العلوية أو غيرها. أعتقد أن الهمّ العام سيتمحور حول القضاء على تركة الفقر، والنهضة بالمجتمع وبناء المستقبل لأجيال بلدنا، ولا هناك من أرضية لظهور مثل تلك الأفكار داخلياً ولا أي مؤشرٍ لملاقاة ترحيب خارجي. ليس مبالغة القول باستحالة تنفيذها. سورية ستبقى وطن ودولة واحدة لكل أبنائها..

26- ما بال من نعتهم الرئيس السوري بأنصاف الرجال "بلعوها على مضض" حتى أن الغرب انفتح عليه، بينما هو لم يقدم أي تنازل بما في ذلك ملف حقوق الإنسان، فما تفسيرك؟

أنصاف الرجال، لم يكونوا ومنذ تأسيس "دولهم" أو استلامهم السلطة سوى جزء من مشروع واحد للمنطقة، يقومون ما يضمن لهم حكمهم وأدوارهم كنظام الأسد نفسه. أعتقد أن الجميع حتى الآن يقوم بما يُوحى لهم أكثر مما هم يرتأوه.
كيف يمكن فهم مشاركة حافظ الأسد الجيش الأمريكي في حفر الباطن ضد العراق البعثي؟ كيف يمكن فهم وجود الجيش العقائدي السوري في لبنان ثلاثة عقود وبموافقة أنصاف الرجال طبعاً؟ وللمصادفة أنه بنفس الفترة صارت جبهة الجولان "محمية طبيعية للطيور"! وللمصادفة فقط تطرفات المنظمات الفلسطينية في لبنان وتقزيمها للنظام اللبناني، ثم خروج منظمة التحرير بعد ضربها وإنهائها تقريباً! وللمصادفة القضاء على القوى الوطنية اللبنانية والتي وصلت إلى درجة صارت تخيف "الاستقرار" الهادئ في تفكير الشارع اللبناني وغير اللبناني، ثم ظهور حزب ولاية الفقيه وتحويل بيروت العلمانية "الأوربية" التفكير والشكل، تحويلها إلى غابة من العمائم، واحتكار مفهوم المقاومة بعد اغتيال رموزها واغتصاب اسمها والوطن اللبناني! وكل هذا حدث بمراقبة حكومات الغرب! هناك أزمة أخلاقية من بعض حكومات الدول الديمقراطية في مواقفها من حقوق الإنسان في البلاد غير الأوربية، وخاصة في منطقتنا!.
تعيش المنطقة مخاضاً في كل شيء، وستحاول أمريكا وإسرائيل إجهاض أو احتواء التغيير.
في ربيع عام 2009 وفي حديثٍ مع أحد المفكرين السوريين، وهو وجه معارضٌ معروف، قال "أن الأوربيين يتعاملون مع الحكام العرب على قدّ عقلاتهم"!.
علينا العمل كي يتعامل معنا العالم كمعارضة على قدّ حجم مأساة شعبنا والمسئولية التي علينا تمثيلها بجدارة، ومن أجل هذا علينا أن نرتقي بعقولنا قدر حجم مهمتنا الوطنية..

27 - تثار ضجة حول سجناء الرأي من الإسلاميين طل الملوحي وآيات أحمد وهيثم المالح، أما العلمانيين مثل اللبواني فلا بواكي لهم؟ ألا يعني أن المعارضة متحاصصة ومتناطحة؟

وهل هناك معارضة واحدة في سوريا؟ وهل الإسلاميين فئة واحدة ومعارضة واحدة؟ وكذا الحال عند العلمانيين والأكراد والآشور، وكذلك معارضات المثقفين. وما خلف البحار وفوق الجبال وتحت الوديان و... على ماذا تكون المحاصصة؟
شيء مُعيبٌ ويُعبّر عن قصور في هذا التعامل والسلوك. وعندي أمثلة واجهتني وتدخل ضمن هذا الفصل، لكني لا أريد الحديث عنها.
أريد تكرار هذه المعلومة وهي أنه، قبل أكثر من خمس سنوات قرأت بيان مناشدة مرفوع لمنظمات دولية بشأن إلغاء القانون الذي يحكم على عضو الأخوان المسلمين بالإعدام، وفوراً وقعت عليه وأعلنت تضامني، رغم أنني لم أكن أعرف شخصياً ولا أي أخونجي، ورغم أنني كنت أكتب بحدة ضد الفكر السلفي، ورغم أنه كانت تصلني رسائل لا تحمل المحبة والإلفة، ورغم أنني لم أغيّر رأيي بالفكر الغيبي.. لكن كانت حرية الإنسان في التعبير عن رأيه فوق كل اعتبار، ولم تتغير قناعاتي حول هذا الموضوع!
علينا الارتقاء بتفكيرنا ومعتقداتنا إلى درجة قداسة الإنسان، وهذا لا يمنع التفكير بقداسة الأنبياء والآلهات أو عدمها وبدون إكراه!..
***
28 - هل تضيف شيئا آخر كخاتمة؟

يسأل أبناء الله:
"لماذا لا توجد نجومٌ في السماء؟"

وإذا لم تكن النجوم موجودة في السماء،
"لماذا لا يضيئون في الظلام المصابيح؟".

يسأل من جديد أبناء الله:
"سماء بلا نجوم، وبلا مصابيح مضيئة،
يا ترى، هل يرانا الله في هذا السواد؟".

وردّت الملائكة:
"الله لا يرى في الظلمة"...
...................
كي يرانا الله ونرى بعضنا جيداً علينا إضاءة أنفسنا وما يدور حولنا.!..

بودابست، 20 / 7 / 2010.



#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغضب الساطع الأصلي آت!..
- معلومات سياحية صياحية...
- أوربا في الاتجاه الصحيح...
- مرايا التجميل وخميرة -النفش-...
- أسئلة على ضفاف غابات الهوبرة...
- بانتظار سندويشة خالية من لحم الخنزير...
- الثالوث غير المُقدّس للأواني المستطرقة...
- ملاعق الجنة متساوية الطول
- من قاسيون أُطِلُّ يا وطني...
- المعرفة والاعتراف بها...
- غزوة قلم الحبر الناشف...
- ثقافة السباحة والتسبيح...
- الطبقة العاملة عائدة من الجنة!..
- شطارة ملء الفراغات بفراغات أكثر!...
- بانتظار الجلاء.!..
- وارسو توّدع ونحن نبتهل!..
- خبز الرئيس وملح النائب!..
- الماضي والمستقبل وعِلم جهاد بينهما.!.
- أن تذهب متأخراً خيرٌ من ألاّ تذهب.!.
- هل يعتذر الوليد من الوالد بلا -تخلّ-؟!..


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاضل الخطيب - حوارات شامية