أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - اختفاء جيفارا/فصل من رواية/2















المزيد.....

اختفاء جيفارا/فصل من رواية/2


عماد ابو حطب

الحوار المتمدن-العدد: 3065 - 2010 / 7 / 16 - 02:30
المحور: الادب والفن
    


تذكره الأن جيدا وتذكر أين راه،عاد بذاكرته الى أول سنة في كلية الطب،كان ذلك عام 1974،وصل الى مدينة دمشق في شهرأواخر شهر نوفمبرللتسجيل في الجامعة قادما من عاصمة دولة خليجية،وكانت الدراسة قد ابتدأت منذ نهاية شهرأيلول تقريبا،كان عمره17عاما،أول مرة يسافر وحيدا الى مدينة لا يعرف بها أحدا.ودعه والداه في المطار مزودين اياه بالنصائح الجوهرية:اياك ورفقة السوء،لا تدخن،لا تقرب المنكر،ادرس جيدا وانجح بامتياز كعادتك،وطبعا أهم نصيحة من والدته:"دير بالك ياما من البنات والاعيبهم،الشاميات غنوجات ودلوعات "،ومن كثرة ما ركزت على هذا الامر تخيل نفسه "الن ديلون" أو" خالد ابن الوليد" جاء فاتحا دمشق،وظن أن البنات ستتراكضن عليه ويمزقن ثيابهن ما أن يلمحنه نازلا من سلم الطائرة،ختم والده الوصايا العشر قائلا:"أهم شىء لا تقرب السياسة والأحزاب ومنظمات المقاومة،هؤلاء لا يأتي منهم الا خراب البيوت وضياع مستقبلك،وبدلا من أن ترجع الينا طبيبا يشار له بالبنان سترجع صائعا ضائعا"،كان يستمع لهما دون تركيز فهما لم يقولا له أين سيسكن؟وكيف يستدل على الجامعة،من أين يتدبر معيشته فكل ما معه مئة دولار فقط لا غير،اذا وقع له اشكال لمن يلجأ؟العديد من الامور التي تؤرقه لم يتحدثا عنها ولم يعدانه لها .قبل اياديهما وتوجه الى مكتب الوزن ساحبا حقيبته السوداء الضخمة،لم يستطع أن يمشي سوى بضعة خطوات حتى أحس بالتعب،نظر الى الحقيبة مستغربا ثقل وزنها وضخامتها،ضحك عندئذ فهي تضم في جنباتها كل شيىء،ملابسه،مناشف،غطاء سرير ومخدة،عدة الحلاقة،صابونا وليفة،ساعة "بيغ بن"،لديها رنات تنبيه" توقظ الميت من نومه "كما افتخر والده حين اشتراها وجربها،جرابات وملابسا داخلية،نعلا للمنزل،مرطبانات بلاستيكية تحتوي زعترا وميرمية وبابونجا ونعنعا يابسا وملوخية ناشفة وعناقيد من البامية المجففة ولبن جميد و"شنكليش" ،حجرحمام أسود،علبة بلاستيك متوسطة الحجم تحتوي معمولا وكعكا، حينما أتمت والدته ترتيب الحقيبة بدت مثل سوق الجمعة أو كما قالت أخته حقيبة حاوي.بشق الأنفس رفعها واضعا اياها على الميزان،توجه الى الجوازات ،وقبل أن يصعد الى قاعة الترانزيت لوح الى والديه مودعا،أحس أنه يترك روحه خلفه.
بعد انتظار لأكثر من ساعة صعد الى الطائرة ،اختار مقعدا بجانب النافذة،جلست الى جانبه حسناء،نظر اليها خلسة فهاله جمالها،تلك كانت أول مرة في حياته يقترب من فتاة الى هذا الحد،خيل اليه أن كل من في الطائرة قد سمعوا دقات قلبه ولاحظوا ارتباكه،الا الفتاة التي لم تنتبه اليه بادىء الأمر،لكنها حين التفتت صوبه ابتسمت بادىء الأمر ،وقبل أن يرد لها الابتسامة انفجرت بالضحك وهي تشير اليه،أحس بالحرج الشديد،خاصة أنه لم يجد سببا لضحكها المتواصل،فهو يرتدي ملابس أنيقة:بذلة جديدة لونها قمرديني فاقع تحتها قميص من الساتان الأصفر اللميع مع ربطة عنق خضراء حشيشية،حذاء بني فاتح.كان يعتقد أنه أشيك شاب على الطائرة،تصرف جارته أربكه وجعله ينكمش على نفسه ،حتى الأكل تظاهر أنه غير مهتم بتناوله رغم أنه كاد يموت من الجوع،ومجرد أن قامت الفتاة متوجهة الى الحمام حتى أجهز على الطعام بلمح البصر،وقام مسرعا مبدلا مكان جلوسه،أحس بالراحة لتبديل مكانه والخلاص من الفتاة،لكنه ما أن جلس في مقعده الجديد حتى انتابه الخوف،فالطائرة مع كل مطب جوي أصبحت تقفز ومعها كان قلبه يكاد أن ينخلع من مكانه ، أحس أن الطائرة ستقع وهو هالك لا محالة،هكذا أمضى معظم الرحلة يقرء الفاتحة ويتشاهد كلما اهتزت الطائرة،لكن الامور سارت بعد ذلك على ما يرام .حين وصل مطار دمشق كان التعب والدوار قد نالا منه،خرج من الطائرة باحثا الى اين يتوجه،وخوفا من الضياع لحق ببقية الركاب ،وهكذا أنهى اجراءات الجوازات وتفتيش الحقائب دون مشاكل تذكر،كما بدل المئة دولار الى عملة سورية فساوت 325 ليرة بالتمام والكمال وهو مبلغ محترم في ذلك الزمان يكفيه شهرين ان أحسن تدبير أموره.
خارج المطار أصابته الحيرة:أين يتوجه؟الساعة قاربت الخامسة مساء والجامعة مقفلة وأصلا لا يعرف مكانها وعليه أن يودع الحقيبة مكان امن ليتسنى له الحركة بسهولة ويسر،هكذا قرر الذهاب الى فندق في قلب العاصمة،سأل مكتب الاستعلامات فأشاروا عليه التوجه الى ساحة المرجة،هناك فنادق من كل المستويات وتلبي كل الرغبات كما قالوا له،ويمكنه أن يستقل الباص فهو أرخص ثمنا ويوصله الى ساحة الحجاز التي لا تبعد عن المرجة سوى بضعة أمتار،سر بهذا الحل الاقتصادي والعملي.ساعة ونصف استغرقت رحلة الباص،وصل المرجة دائخا جائعا منهكا من التعب وعليه الأن أين يبحث عن مكان رخيص،سأل أحد المارة عن فندق "رخيص كويس"فأشار الى شارع فرعي مليىء بها،جر الحقيبة وبدء رحلة الصعود والهبوط متسلقا أدراجا واقفة كالعامود باحثا عن غرفة حتى أنهكه التعب من تسلق السلالم ومن حمل الحقيبة التي أصبحت ثقيلة كجثة ميت،أخيرا وفق في ايجاد غرفة خاوية في فندق "الانبساط"،تصرفات عامل الاستقبال وحديثه كان غريبا وغير مفهوما خاصة سؤاله :"هل تريد غرفة بسرير أم سريرين؟خدمة سوبر أم مجرد مبيت؟"،وعندما سأله :"ماذا تعني بالخدمة السوبر؟"،أجاب العامل:"اللي بالي بالك،وفهمك كفاية يا استاذ"،لم يفهم شيئا وتناول المفتاح وصعد الى الغرفة،فتح الباب،تأمل ما حوله،أصابته خيبة أمل من الغرفة،خزانة حديدية وسرير وطاولة وكرسي وعلاقة ملابس من الأثاث القديم كان كل ما تحتويه الغرفة ،وضع الحقيبة داخل الخزانة،فتح شباك الغرفة، ارتمى على السرير وأجهش بالبكاء،لقد أحس باليتم والخوف،فهو وحيدا غريبا في مدينة كبيرة لا يعرف فيها انس أو جن،من شدة التعب غفى دون أن يخلع ثيابه.
استيقظ الساعة العاشرة مساء،الجوع يفتك به،هبط الى بهو الفندق للاستفسار عن مطعم قريب،خليط عجيب تواجد في البهو:رجال يرتدون "دشاديش وشماغات وعبي"يرافقهم نساء متلحفات بملاءات سوداء لا يظهر منهن الا أعينهن،شباب يرتدون أحدث صرعات الموضة،رجال يظهر على محياهم التعب و"التعتير" وفي زاوية قصية مجموعة من الفتيات متبرجات ويرتدين ملابسا تظهر أكثر مما تخفي يتطلعن الى النزلاء بغنج ودلع،عندئذ فقط فهم كلام عامل الاستقبال عن "الخدمة السوبر"،فضل الخروج من الفندق دون سؤال ،الساحة مليئة بالبشر كأن هذه المدينة لا تنام،محال الملابس والعطور والأحذية والمقاهي والمطاعم منارة وتستقبل زبائنها في هذه الساعة المتأخرة من المساء،وجد الأمر غريبا بعض الشيىء فقد أتى من مدينة ينام فيها البشر قبل الدجاج،نسي أمر العشاءوقرر القيام بجولة حول الساحة لاستكشاف المنطقة،جال في كل الأزقة،وقف مشدوها أمام التمثال في منتصف الساحة،شد انتباهه محلات الحلويات حيث اصطفت البقلاوة كالجبال فوق الصواني وكذلك البرازق والمعمول وصواني الكنافة،سال لعابه وتسمر أمام الواجهات مطولا وعندما انتبه الى الساعة كانت قد تجاوزت منتصف الليل، توجه الى مطعم للفول والحمص حيث تناول عشائه ولأول مرة في حياته خارج المنزل وحيدا،الجولة ومن ثم العشاء منحاه بعض الراحة والطمأنينة والثقة بالنفس،أحس أن المدينة أليفة وجميلة،وأن سكانها ودودين يهبون لمساعدة الغريب دون تذمر،بدء شعور اليتم يزول تدريجيا،لم يكن يدري عندئذ أنه سيقع في غرام المدينة الى الأبد ، عاد الى الفندق متعبا وما أن وضع رأسه على المخدة حتى غط في نوم عميق.



#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف الفلسطيني ما بين التهميش والالغاء والنواح من غياب الم ...
- حكاية اللصوص والفقير/ حكاية من حكايا ستي اليافاوية اللي لسه ...
- القروش الستة/حكاية أطفال من حكايا ستي اليافاوية اللي لسه ما ...
- العنزة العنزية/حكاية اطفال من حكايا ستي اليافاوية اللي لسه م ...
- النعامة والحوت/حكاية اطفال من حكايات ستي اليافاوية اللي لسه ...
- اختفاء جيفارا/فصل من رواية/1
- ابريق الزيت/قصة التعجيز الابدي/قصة اللي ما عنده قصة على رأي ...
- اعتراف
- القط ذو الشاربين/ اقصوصة قصيرة جدا
- رثاء متأخر
- كوابيس
- مدينة
- صديقتي المومس/قصة قصيرة
- اعترافات سرير احمق/اقصوصة قصيرة
- حروف التاريخ
- دعاء الاستسقاء
- قصة ليلى والذئب كما يرويها الحكواتي الاسرائيلي
- مبارزة
- المعروف/حكاية من حكايا ستي اليافاوية اللي لسه ما حكتها
- انا هو ذاك


المزيد.....




- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - اختفاء جيفارا/فصل من رواية/2