أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العفيف الأخضر - مبرّرات إصلاح الإسلام - إصلاح الإسلام : 1- دراسته وتدريسه بعلوم الأديان















المزيد.....



مبرّرات إصلاح الإسلام - إصلاح الإسلام : 1- دراسته وتدريسه بعلوم الأديان


العفيف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 3968 - 2013 / 1 / 10 - 00:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نسخة اخيرة مصححة

إصلاح الإسلام : بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان

حديث مع العفيف الأخضر أجراه :
ناصر بن رجب و لحسن وريغ

فهرس

المقدمة الثانية تجيب على سؤالين:
لماذا هذه الطبعة الرقمية الثانية؟ولماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؛عن الأول،لأن الحلقات الـ 6 المنشورة في 2009 كانت ناقصة،في انتظار إتمامها مع محاورين آخرين.وهو ما لم يحدث؛ وعن الثاني،لأن المسلمين لم يعوا ضرورة إصلاح الإسلام أو لم يعرفوا كيفية إصلاحه.وللتخفيف عليهم،لم تكن الظروف الموضوعية لا في القرن الـ 19 ولا في بداية القرن الـ 20 تسمح بذلك.
1ـ الحلقة الأولى:مبررات إصلاح الإسلام:
إصلاح الإسلام،كان دائماً ضرورياً،ولكنه لم يكن دائماً ممكناً.أما اليوم فهو ضروري وممكن.بدأ إصلاحه في تركيا منذ 1924،بإلغاء الدولة الدينية وتعويضها بالدولة العلمانية،وبدأ إصلاحه في تونس منذ 1957،بإلغاء الأساسي من الأحوال الشخصية الشرعية،وتعويضها تدريجياً بأحوال شخصية تجمع بين الحداثة والإستنارة الدينية.المطلوب اليوم هو فقط قرار سياسي وفكري شجاع يقرر دراسة وتدريس الإسلام بعلوم الأديان.
2ـالحلقة الثانية : إعادة تعريف إصلاح الإسلام بعلوم الأديان:
علوم الدين الإسلامية القديمة تجاوزها التقدم العلمي.وحدها علوم الأديان الحديثة قادرة على إصلاح الإسلام. وهي مثلاً لا حصراً:تاريخ الأديان المقارن،سسيولوجيا الأديان،علم نفس الأديان...إلخ.مبادئ هذه العلوم كونية،إذ انها أصلحت الأديان الأخرى،كل ما تحتاجه في الإسلام هو تطبيق خلاق لمفاهيمها ومناهجها على دراسة الإسلام وشخصياته وتاريخه.
3ـ الحلقة الثالثة:الجنة رمز رحم الأم:
تقدم إضاءة نفسية لفهم بعض الرموز الدينية؛الجنة مثلاً هي،كما قال فرويد،رمز لرحم الأم، الذي أقام فيه الجنين يأتيه رزقه رغداً،والنار هي ذكرى الصدمات التي كابدها الطفل،منذ صدمة الولادة إلى صدمة الختان مروراً بالباقي.والشعائر،كالوضؤ للصلاة،يمكن تفسيرها باضطرابات الوساوس القهرية، التي ترغم المصاب بها على غسل يديه أكثر من 100 مرة في اليوم.من وظائف علوم الأديان، جعلُ العلاقة بين الدين والإنسان شفافة بلا ألغاز تستعصي على التفسير العقلاني والعلمي.
4ـ الحلقة الرابعة:كيف لفق ابن اسحاق حد الرجم:
تستعرض نمازج من اللامعقول الديني،المطلوب تخليص الأجيال الطالعة منه، كـ"تفخيذ الرضيعة"أي تدليك الراشد لفرجها بقضيبه،لأنه تزوجها"على سنة الله ورسوله"،فقط حتى يصبح مسموحاً له شرعاً رؤية أمها بلا حجاب!.كيف ستتخلص هذه الأجيال من هذا اللامعقول الديني المرعب؟بالعقلانية الدينية المتناغمة مع جميع مكاسب الحداثة العلمية والتكنولوجية ومع قيم حقوق الإنسان وحقائق عصرنا.
5ـ الحلقة الخامسة:خطر تذويب الفرد في الأمة:
أحد الرهانات الكبرى لإصلاح الإسلام،هي توفير الشروط،خاصة الدينية،لميلاد الفرد المستقل،الذي يختار قيمه ونمط يحياته وتدينه بنفسه،على أنقاض العضو الذائب في الأمة،قيمه،نمط حياته وتدينه نسخة طبق الأصل من مثيلاتها السائدة في الأمة.هذا العضو المذوّب في الأمة هو الذي تحتاجه منظمات الإرهاب الإسلامي،لتحوله إلى صاروخ موجّه،لهز استقرار بلدانها أو لهز استقرار العالم.
6ـ الحلقة السادسة:الإنحطاط هزيمة العقل:
الإنحطاط كان هزيمة العقل في اليونان أمام الأسطورة، التي احتل بها المنشدون"لاجورا[=الساحات العامة]"،على أنقاض الجوارات الفلسفية التي كانت تدور فيها؛والانحطاط في الإسلام،هو هزيمة العقل الإعتزالي والفلسفي أمام هجمة اللامعقول الديني،الذي مثله المحدّثون،الذين كان شعارهم قول الترمذي،تلميذ البخاري:"من أصاب في القرآن بالرأي[= العقل]فقد أخطأ ومن فسر القرآن بالرأي فقد كفر".لماذا؟لأن عليه أن يفسر القرآن ليس بالمعقول بل بالمأثور:الحديث.منذ منتصف القرن 11 م،وخاصة منذ بداية القرن 12 م، ُطردت" العلوم الدخيلة"،أي العلوم اليونانية كالمنطق والفلسفة والرياضيات والموسيقى،واحتلت مكانها العلوم الشرعية!.
7ـ الحلقة السابعة:من أجل انتصار دين العقل:
فاعلوا دين العقل هم 3 :التعليم،الخطاب الديني المستنير والتعليم العقلاني،الذي يقطع مع عبادة الأسلاف التي تحكم على عقل المسلم بالشلل وتصيبه بالُفصام:يعيش في القرن الـ 21 بذهنية وتقاليد و"علوم"القرن الـ 7 !،الخطاب الديني المستنير هو الذي يقطع مع ركام المرويات الخرافية،التي تحول رأس المسلم إلى مزبلة للامعقول الديني؛والإعلام المكتوب والسمعي البصري،الذي يقدم وقائع تاريخ الإسلام كما وقعت فعلاً أو ترجيحاً.هذه العوامل جميعاً تتضافر لإنتاج العقلانية الدينية المنفتحة على مؤسسات،علوم،قيم وحقائق العالم الذي نعيش فيه.

8ـ الحلقة الثامنة:رهانات الانتقال من التربية الجنسية التقليدية والدينيةإلى التربية الجنسية العلمية:
1ـ تحرير ضمير الأجيال الطالعة الأخلاقي،من الشعور بالعار والشعور بالذنب من ممارسة الحرية الجنسية،أي الجنس بين الراشدين الراضين.
2ـ تفكيك مشروعية التربية الجنسية الدينية،بالعلم،هو المدخل للتحرير من مشاعر العار والذنب.
3ـ التأكيد على أن الحرية الجنسية حق طبيعي من حقوق الإنسان لا تفريط فيه.
4ـتوضيح الفرق بين غاية الجنس الحيواني وغاية الجنس البشري:الأول غايته الإنجاب حصراً؛والثاني غايته المتعة الجنسية والإنجاب نتيجة طبيعية له للحفاظ على النسل وليس غايته الحصرية.
5ـ الصراحة الجنسية هي وسيلة التربية الجنسية العقلانية،لتنوير الطفل والمراهق بحقائق الجنس العضوية والنفسية،لوقايته من السقوط ضحية القيل والقال الجنسي.ومن بعض ضحاياها من المشاهير:من العرب،الإمام الشافعي،المعري وخليل جبران؛ومن الأوربيين،سبنيوزا،كانط،نابليون وبودلير؛أما ضحاياها من عامة الناس،خاصة في أرض الإسلام، فيعدون بعشرات الملايين!.
ربما، لأول مرة كُسر المسكوت عنه الجنسي.لكنه،لا يزال في حاجة إلى مزيد التكسير،بالتحيل العلمي، وبممارسة الحب بين الراشدين الراضين.شرط أن تكون واثقة من نفسها:أي لا تقرأ حساباً لقال الدهماء وقيلهم.الدهماء،هم جميع أولئك الذين يدافعون عن المحرمات الجنسية،الدينية والتقليدية، اللامعقولة؛ويحرمون اقتحام بوابة الممنوعات المضادة لغرائز الحياة،مهما كانت ألقابهم الدينية أو الجامعية.وهم كثيرون نظراً للغياب المزدوج:غياب إصلاح الإسلام وغياب إصلاح التعليم.

******************************************************

إصلاح الإسلام : بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان

حديث مع العفيف الأخضر أجراه :
ناصر بن رجب و لحسن وريغ

 هل لك أن تلخص للقراء في كلمات معدودة الخطوط الكبرى للإصلاح الديني؟
 للقرّاء ولصنّاع القرار، أقول في بداية القرن العشرين كان الخيار: إصلاح أم ثورة. وفي بداية القرن الحادي والعشرين غدا الخيار إصلاح أم فوضى دامية على الطريقة الصومالية مثلا. إختارت أوروبا الغربية الإصلاح فقطعت الطريق على الثورة. فهل سيختار العالم العربي والإسلامي الإصلاح لقطع الطريق على الفوضى؟
الفوضى اليوم تعني أن يصبح العالم، وكل بلد فيه، غير قابل للحكم. فاختاروا إذن الإصلاح الديني، كمدخل للإصلاح الشامل السياسي، والإقتصادي، والعلمي، واللغوي والتربوي. الإصلاح الديني هو اليوم المدخل لقطع الطريق على هجوم الجنون في التاريخ، على تحويل المؤسسات التعليمية والإعلامية إلى منابر للتكفير والفتاوى، المضحكة حينا والمبكية حينا، وعلى تحويل المستشفيات إلى مسالخ لقطع الأيدي، وتحويل الساحات العامة إلى أمكنة يتبارى فيها المصابون بالطاعون العاطفي على رجم المحبين، وشنق المفكرين الأحرار، وتحويل عواصم أرض الإسلام إلى أكثر من طهران، يصطاد فيها "حراس الثورة" الشباب الجامعي كما يصطادون الأرانب.

الحوار المتمدن:2009/11/27
********************************************************************************


إصلاح الإسلام : بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان

مقدمة الطبعة الرقمية الثانية:
الانتقال من الإيمان الأعمى إلى الإيمان كرهان
العفيف الأخضر
سأطرح سؤالين الأول:لماذا هذه الطبعة الثانية المنقّحة والمزيّدة؟كنت أتوقع أني سأتمكن،في حوارت لاحقة من مواصلة هذا الحوار،لتحليل المسكوت عنه في الدين والجنس؛في الدين،حولت المسكوت عنه إلى مُتحدّث فيه بما فيه الكفاية؛أما في الجنس لم أحول المسكوت عنه إلى متحدث فيه إلا بتعريف الحد الأدنى.كان لابد من حلقة خاصة بالتربية الجنسية العلمية،لتصفية حساب التربية الجنسية الدينية والتربية الجنسية البرية،اللتين تنتهكان مبادئ التربية الجنسية العلمية بفظاظة. وهكذا تُلحقان أذى فادحا بحياة أجيال الغد الجنسية.وقد أضفت هذه الحلقة في هذه الطبعة. مواصلة الحوار لم تتم لعدة أسباب،أحدها وأهمها،تقديم الصحفيين، اللذين إتصلا بي، أعذاراً واهية لعدم إعادة الحوار إليّ بعد تسجيله،لمراجعته وتنقيحه قبل نشره؛فالإستشهادات من الذاكرة تحتاج إلى تصحيح،وبعض المفاهيم تحتاج إلى تدقيق؛الحوار الشفوي غير كاف لذلك.تجربة الحوارات افقدتني الثقة فيها؛الصحفيون الذين حاوروني،بإستثناءات قليلة،راقبوا خطابي،وشوهوه وقوّلوني حماقات لم أقلها وما كان من الممكن أن أقولها! الصحفيان أقسما لي بجميع آلهتهم،بأنهما لم يفعلا مثل الآخرين.لكن "الآخرين" أقسموا أيضاً،لكنهم سرعان ما حنثوا بقسمهم وخانوا فكري.ليس طبعاً عن كراهية،بل عن حب مفرط"ومن الحب ما قتل"؛مثلاً،سيد محمود،في الأسبوعية"الأهرام العربي"2002، صّدر الحلقة الأولى من حديثي ـ حديثه هو بالأحرى،الذي قال فيه على لساني ما ضاق به صدره وتلجج به لسانه:"أما الماركسية،لأنها يهودية لم أقترب منها"!بل ألف نقطة تعجب واستغراب.أرسلت "1000 كلمة"تصحيحاً لتقوّلات الحلقتين، لكن كالعادة لم تنشر! أما حسن بن عثمان،2007،ودائماً عن حسن نية"وحب واحترام لشخصي"،كما أكدت على لسانه د.رجاء بن سلامة،وهي صادقة وهو أيضاً صادق.لكن دوافعه اللاشعورية، التي أسقطها عليّ، لم تكن في صالحي:تحدث عن أمه هو على أنقاض حديثي عن أمي،ترجم فصحى الحياة المسجوعة التي تتكلم بها أمي،إلى رطانة الفقهاء قوّلني مراراً حماقات مضحكة حيناً ومبكية حيناً.المضحكة مثلاً:"خصصوا[=حكام جنوب اليمن] سيارة فاخرة" لتنقلاتي. أولاً،أكره السيارات الفاخرة، المسؤولة الأولى عن تلويث البيئة،وثانياً لا أحب الفاخر من أي شيء، خاصة الثياب والطعام؛والحال أن ما قلته حقاً"سيارة أندروفر"،فأسقط حسن حاله على حالي،معتبراً ذلك إهانة لإبن بلده لا يستحقها، فصححها بكذبة بيضاء!السيارة المذكورة كانت لزيارة القبائل ومساحلة البحر في أوقات الجزر،ويبدو أن السيارات الفاخرة لا تستطيع ذلك.ومبكية حقاً مثلاً:
جنوب اليمن،في 1969 تاريخ رحلتي، يرأسه رئيسا جمهورية في وقت واحد: عبد الفتاح إسماعيل، وفي الصفحة نفسها سالم ربيع!.من خواص الذهنية البدائية،أنها تقبل تعايش النقيضين:والحال أن الثالث المرفوع،أي استحالة التعايش بين النقيضين،مبدأ مؤسس في المنطق والعالم المعاصر معاً. رئيس جمهورية اليمن،في 1969 لا يمكن أن يكون إلا أحد إثنين:إما سالم ربيع وإما عبد الفتاح اسماعيل؛أما أن يكون لجمهورية واحدة رئيسين في وقت واحد،فهذا محال.تصوروا أن الحديث المنسوب إلىّ نشر بعد موتي:كان سيكون موتاً ثانياً!وهذا غيض من فيض!.
من حسن الحظ أني اطلعت على حديثه قبل نشره فوضعته جانياً ونشرت حديثي،ملخصاً ومركزاً،تحت عنوان: "مفتاح شخصيتي النفسية هو علاقتي بأمي"،بالمناسبة هذه الجملة التي قلتها في الحديث، بنية أن أجعل منها عنواناً له، أسقطها حسن من حديثي، كما أسقط جملاً وفقرات بكاملها مهمة [هذا الحديث وحديث ثاني منشور في إيلاف يمثلان لوحتين مهمتين من سيرتي الذاتية].
في هذه الطبعة الرقمية الثانية،صححت أولاً تسلسل الحلقتين 3،4 المعكوستين:مما يجعل القارئ مثل من ينتعل فردتي حذاء معكوستين!حذفت كلمات،وجمل وفقرات تراءت لي ثانوية،أو تقريبية،أو ضعيفة أو حتى خاطئة البناء،وأضفت حوالي 11 ألف كلمة وحلقتين جديدتين، غنية بالمعطيات الجديدة والتحليلات غير المسبوقة[أكره التواضع الكاذب الذي يخفي تبجحاً حييّاً]للظاهرة الدينية والدينية الجنسية.مما قد يساعد القراء وصناع القرار على فهم أيسر وأشمل لرهانات إصلاح الإسلام بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان.
أراهن،بأن قرائي سيشعرون وكأنهم يقرأونني لأول مرة.
السؤال الثاني ـ وطبعاً الأهم ـ هو الإجابة عن سؤال شكيب أرسلان:"لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم".
لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟لأنهم لم يعرفوا أو لم يستطيعوا كيف يصلحون الإسلام!.
"لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم"؟هو السؤال،بألف ولام التعريف،الذي طرحه على النخب المسلمة شكيب أرسلان ومازال مطروحاً!عصره لم يكن يساعده على الإجابة السديدة.فقد هوّم وحوّم وقال الشيء ونقيضه ...مقدماً لهذا السؤال الوجيه إجابات قلما كانت وجيهة ! وفي المقابل عصرنا،عصر ثورة الاتصالات وتسارع التاريخ،أي التقدم العلمي والتكنولوجي وتبلور علوم الأديان، وانتصار حقوق الإنسان، كما حددتها المواثيق الدولية،على رواسب الهمجية سواء في القوانين الشرعية أو غير الشرعية، عصر الانتقال شبه النهائي من الحاكمية الإلهية إلى حاكمية العقل البشري غير الكاملة لكنها قابلة للكمال، يساعدنا على تقديم إجابة عن إمكانية واقعية لإصلاح الإسلام:"بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان"ضمن ديناميك مشروع اصلاحي شامل لكل قطاعات الحياة السياسية، والاقتصادية، والديموغرافية،واللغوية، والثقافية والدينية وفي مقدمتها جميعاً إصلاح صناعة القرار.
علوم الأديان تساعدنا على جعل مظاهر وشعائر وعقائد وبواعث الدين شفافة،بتقديمها فرضيات وحقائق نستنير بها لفهم ظاهرة الله،والنبوة ،والإيمان والتعلق الوسواسي بالشعائر،والرغبة النرجسية في الخلود في حياة أخرى بعد الموت،كمسكن لقلق الموت.
وبهذه المناسبة،أزفّ بشرى لضحايا القلق الديني والمخدر،الديني والدنيوي،كالشعائر الوسواسية والمخدرات والكحول:"حبة السعادة"،هي دواء جديد،قيدالتجربة،مضاد للقلق والإكتئاب،منشط ومفرح. حسبُ المكتئب تناول حبة كل صباح ليشعر فوراً بالإرتياح والسعادة.ليس لحبة السعادة أعراض جانبية،ولا تسبب الإدمان عليها أو التبعية لها.لا شك أنها ستساعد على شفاء الكثيرين من المدمنين على الكحول والمخدرات،أو الشعائر الوسواسية،أو الرغبة السادية في التلصص والتجسس على حياة الآخرين لـ"نهيهم عن المنكر".حبة الساعدة كفيلة بتحريركم من سعادتكم الوهمية وشقائكم الحقيقي.إنها برهان،لمن مازال في حاجة إلى برهان،على أن العلم والتكنولوجيا عوضا الدين في توجيه حياة الإنسان المعاصر إلى سواء السبيل.
الجديد يسبح ضد التيار خاصة في الدين؛الإنسان التقليدي يرهب الجديد،يخشى الأسئلة المزعجة لأنها تزعزع قناعاته الراسخة والمطمئنة.
عدت من المدرسة ذات يوم والتقيت بخالي"رزق"الأمي. سألني:واش اتعلمت اليوم؟أن الشمس لا تغرب ولا تشرق.هذا مجرد خطأ شائع وخدعة بصرية كما قال الأستاذ.الصحيح هو أن الأرض دارت حول نفسها في 24 ساعة.قطب حاجبيه:ايش بيك،ضربوك الجنون؟وقام وتركني في المقهي ولم يدفع ثمن كأس الحليب وهو يعرف أنه ليس في جيبي فلس!.
من تغويهم السباحة ضد التيار،هم أؤلئك الذين تعلقوا منذ الطفولة بالرغبة في اكتشاف المستور: اكتشاف أعضاء الأبوين الجنسية،الرغبة الجامحة في التلصص عليهما من ثقب باب الحمام عاريين. وهذا ما يسميه علم النفس فوايوريزم.هذا هو المحرك النفسي الخفي للبحث الفكري والعلمي والثقافي الذي طالما اورد"المصابين" به موارد الهلاك، خاصة في عصور محاكم التفتيس الكاثوليكية أو في عصر الفتاوى،التي يفبركها اليوم بغزارة الهذيان الديني الإسلامي.
الهذيان الديني هو اليوم،عند فقهاء أقصى اليمين الإسلامي التقليدي والسياسي،رد فعل مجنون عن تكذيب الاكتشافات العلمية المتسارعة، ليقينياتهم العمياء؛عمياء لأنها استعصمت بالقراءة الحرفية للنص، وبظاهر النص، مما يجعل من يمارسونها في صدام عنيف مع علوم ومؤسسات وقيم العالم الذي يعيشون فيه.
خصوم المجددين هم المحافظون.وهم مثلهم مولعون بالتفرج على لذة المتناكحين.لكن التربية العائلية،الفظة و الجاهلة بمبادئ تربية الطفل، كبتت فيهم هذه الرغبة كبتا عنيفاً،فتحولت إلى عكسها ونقيضها:غض البصر:الحياء،والحياء في العربية هو"الحشمة والتوبة وانقباض النفس من الشيء وتركه خوفاً من اللوم"(المنجد).خصوم التجديد والإصلاح"خوفاً من اللوم"هم المحافظون الذين يريدون بقاء دار لقمان على حالها.شعارهم:"الباب اللي يجيك منو الريح سدو واستريح".
التاريخ يصنعه من ينتمون إلى المتلصصين من ثقب الباب،الذين لولاهم لبقيت البشرية عاجزة عن العمل والتفكير:عن اختراع الآلة واختراع الأفكار،اللذين تطور بهما القرد إلى إنسان.
من الصعب التخلص من الشلل النفسي لمن أصيبوا به.لكن يمكن بالتعليم، والإعلام ، والخطاب الديني المستنير مساعدة الأجيال الطالعة، على الانتقال من الإيمان الأعمى إلى الإيمان كرهان. الذي يبدو أنه يمتلك زمام المستقبل. فالتعصب الديني والتعصب العنصري هما في موقف دفاع، أمام دفق المعلومات والقيم التي تحملها الشبكة العنكبوتية بسرعة الصوت والضوء.
في الواقع تخلت غالبية المؤمنين،في الديانات التوحيدية التي أنجزت إصلاحها، عن اليقين الديني الأعمى، منتقلة إلى الإيمان كرهان.مجرد رهان، محاكاة للرهان البسكالي الشهير:"لنزن الربح والخسارة في الإيمان بوجود الله.لنقدر ثمن هاتين الحالتين:إذا كسبت[=في رهانك على وجود الله] فقد كسبت كل شيء؛وإن خسرت لن تخسر شيئاً.فلنراهن إذن على أنه موجود بلا تردد."
الإيمان كرهان، ملحوظ اليوم حتى لدى بعض الكهنة والحاخامات، فضلاً عن المؤمنين بالديانات الوثنية الكبرى. بدوري،أراهن على أن إصلاح الإسلام، بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان، سيُسرع ويُعمم الإيمان كرهان في الإسلام أيضاً،على أنقاض إيمان العجائز.
الهدف من إصلاح الإسلام هو جعل الإسلام المعاصر يتبنى العقلانية الدينية الإسلامية.لأنه بها سيقف على قدم المساواة مع جميع الديانات الكبرى الأخرى،التوحيدية والوثنية،التي تبنت العقلانية الدينية قاطعة مع إيمان العجائز المطلق والساذج.
ما المقصود بالعقلانية الدينية؟قبول مؤسسات وعلوم وقيم العالم الذي نعيش فيه.وخاصة اعتناق الدين العلماني العالمي،دين حقوق الإنسان، المناسب لجميع الديانات،شرط أن تحترم هي قيمه الكونية، التي يسلم بها كل عقل سليم أينما كان:مثلاً حرية التعبير،حرية التدين،حرية الضمير، المساواة الكاملة في الحقوق والكرامة بين الرجل والمرأة،والمسلم وغير المسلم،والعربي وغير العربي، والمؤمن وغير المؤمن وبين المؤمنين مهما اختلفت انتماءاتهم الدينية أو الطائفية. هذه الحقوق غدت اليوم مسلمات، في جميع الديانات الكبرى، لا تجادل فيها إلا فرق متعصبة محدودة العدد والتأثير.إلا في الإسلام فمازال قطاع واسع يقف منها في أحسن الحالات موقف المتحفظ وفي أسوأها موقف الرافض والمحارب لها.الموقفان يلحقان بالإسلام والمسلمين ضرراً بليغاً،داخلياً وخارجياً:داخلياً ببقاء الدولة في أرض الإسلام نصف همجية،خارجياً بتغذية الإسلاموفوبيا. وهكذا يلطخ الموقفان صورتنا في مرآة الرأي العام العالمي،وما من شعب يستطيع تجاهل حالة صورته في مرآة الرأي العام العالمي. مما جعل اليوم تقديرنا لأنفسنا، واعتزازنا بها مازال في الدرجة صفر.لأننا مازلنا عاجزين عن أن نكون معاصرين لعصرنا دينيا،سياسياً،اقتصادياً وأخلاقياً. والحال أن المطلوب هو أن نكون معاصرين لمعاصرينا في جميع الميادين.
بالإصلاح، نريد التخلص من الشلل النفسي الملازم لعبادة الأسلاف وطريقة تدينهم التي لم تعد من هذا العالم:عالم حقوق الإنسان والمواطن.نريد التخلص من إسلام القرون الوسطى المتقادم، الذي يعبر عنه مشروع أقصى اليمين الإسلامي غير القابل للتحقيق اليوم:إسلام الإجماع،إسلام الجماعة المفروض على الفرد بقوة التقاليد الميتة أو بالقوة،إسلام تذويب العقل في النقل وتذويب الفرد في الأمة. مشروع دستور جماعة الإخوان المسلمين المصرية في سنة 2011 هو عينة تعبر بكثافة عن هذا الإسلام الفصامي، الذي أناخ بكلكليه على عقول المسلمين، منذ كفروا العقل وتسمروا ذُهانياً في النقل والنرجسية الدينية الملازمة له.
السيادة للشرع لا للشعب،المادة(20):"يقوم نظام الحكم على 4 قواعد هي السيادة للشرع لا للشعب.السلطان للأمة،تنصيب رئيس الدولة فرض على المسلمين،لرئيس الدولة وحده حق تبني الأحكام الشرعية، فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين؛
المسلم وحده ينتخب رئيس الدولة،المادة (31):"لكل مسلم بالغ عاقل رجلاً كان أو إمرأة الحق في انتخاب رئيس الدولة وفي بيعته ولا حق لغير المسلمين في ذلك"؛
مبايعة رئيس الدولة مدى الحياة،المادة(43):"ليس لرئاسة الدولة مدة محدودة،فمادام رئيس الدولة محافظاً على الشرع منفذا لأحكامه قادراً على القيام بشؤون الدولة،يبقى رئيسا للدولة ما لم يتغير حاله تغيراً يخرجه عن رئاسة الدولة"؛
رئاسة التنفيذ للمسلم فقط، المادة(55):"يشترط فيمن يتولى إدارة التنفيذ أن يكون مسلماً...؛
تولي القضاء للمسلم فقط، المادة(71):"يشترط فيمن يتولى القضاء أن يكون مسلماً حراً، بالغاً، عاقلاً، عدلاً، فقيهاً مدركاً لتنزيل الأحكام على الواقع"؛
القضاء درجة واحدة،المادة(87):"لا توجد محاكم استئناف، ولا محاكم تمييز، فالقضاء من حيث البت في القضية درجة واحدة. فإذا نطق القاضي بالحكم، فحكمه نافذ ولا ينقضه حكم قاض آخر مطلقاً"؛
الإستعداد للجهاد،المادة(90):"الجهاد فرض على المسلمين والتدريب على الجندية إجباري،فكل رجل مسلم يبلغ الخامسة عشرة من عمرة فرض عليه أن يتدرب على الجندية إستعداداً للجهاد"؛
المرأة أم وربة بيت وعرض لا غير،(المادة 100):"الأصل في المرأة أنها أم وربة بيت وهي عرض يجب أن يصان"؛
المرأة مقصاة من الولاية العامة،المادة(104):"لا يجوز أن تتولى المرأة الحكم،فلا تكون رئيس دولة ولا قاضياً في محكمة المظالم ولا والياً ولا عاملاً[=محافظ]"؛
الزكاة من المسلمين،المادة(131):"تجبى الزكاة من المسلمين ..."؛
الجزية من أهل الذمة،المادة(132):"تجبى الجزية من الذميين"؛
المصرف الوحيد هو بيت المال،المادة(156):"يمنع فتح المصارف منعاً باتاً، ولا يكون إلا مصرف الدولة، ولا يتعامل بالربا ويكون دائرة من دوائر بيت المال"؛
هدف التعليم تكوين العقلية الإسلامية،المادة(159):"سياسة التعليم هي تكوين العقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية فتوضع جميع مواد الدراسة التي يراد تدريسها على أساس هذه السياسة"؛
الإسلام هو محور السياسة الخارجية،المادة(177):"الإسلام هو المحور الذي تدور حوله السياسة الخارجية،وعلى أساسه تبنى علاقة الدولة بجميع الدول"؛
رعايا الدول المحاربة تستباح اموالهم ودماؤهم،المادة(178):"علاقة الدولة بغيرها من الدول القائمة في العالم تقوم على اعتبارات أربعة(...)الدول التي بيننا وبينها معاهدات اقتصادية أو معاهدات حسن جوار (...)تكون العلاقات معها محدودة ومما لا يؤدي إلى تقويتها(...)الدول التي ليس بيننا وبينها معاهدات والدول الإستعمارية فعلاً كإنجلترا وأمريكا وفرنسا والدول التي تطمع في بلادنا كروسيا تعتبر دولاً محاربة حكماً(...)ولا يصح أن تنشأ معها علاقات دبلوماسية(...)الدول المحاربة فعلاً كإسرائيل مثلاً يجب أن تتخذ معها حالة الحرب أساساً لكافة التصرفات،ويمنع جميع رعاياها من دخول البلاد، وتستباح دماء وأموال غير المسلمين منهم"؛
الإنسحاب من المنظمات الدولية،المادة(182):"المنظمات التي تقوم على غير أساس الإسلام،أو تطبق أحكاماً غير أحكام الإسلام،لا يجوز للدولة أن تشترك فيها،وذلك كالمنظمات الدولية، مثل هيئة الأمم، ومحكمة العدل الدولية، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي".
هذه عينة من إسلام أقصى اليمين الإسلامي التقليدي والسياسي لا في مصر وحسب، بل وأيضا في بلدان إسلامية عدة:إسلام الولاء والبراء،أي الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين ومعبوداتهم، ومؤسساتهم،وعلومهم ،وقيمهم والجهاد فيهم باق إلى قيام الساعة!وهو إسلام يجيب جواباً بليغاً عن سؤال شكيب أرسلان،لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم!
هذا هو الإسلام الذي علينا أن نضعه في أرشيفات التاريخ، وليس على جدول الأعمال اليومي.هذا هو الإسلام، الذي يجب أن تختار النخب والجمهور المستنير بينه وبين إسلام العقلانية الإسلامية المنفتح على العالم الذي نعيش فيه.
مفتاح التجديد هو التفكيك وإعادة البناء.الهدف من إصلاح الإسلام هو تفكيك الإسلام العتيق، الذي قادنا إلى المهالك، واقتراح طريق سياسي جديد للإنقاذ العام؛والتبشير بالأمل والتفكير في إعادة صنع عالم إسلامي حديث مندمج في العالم كما هو.
ملاحظة:رفض نبي الإسلام تجنيد الأطفال ،15عاماً،لكن تحت إلحاح صحابته الشديد تراجع كعادته أمامهم وجند الأطفال في أحد، بعد أن كان رفض تجنيدهم في بدر.بعد أكثر من 14 قرناً،يريد أقصى اليمين الإسلامي انتزاع الأطفال من مقاعد المدرسة، لـ:"تدريبهم على الجندية إستعداداً للجهاد"،جهاد الدفع وجهاد الطلب!
محمد عُد من قبرك فأتباعك اليوم ُجنّوا.

نوفمبر 2012

***********

تنبيه ورجاء
في هذه الطبعة الثانية، أثريت"دراسة الإسلام وتدريسه بعلوم الأديان"بإضافة بعض المعطيات والتحليلات، التي تساعد القارئ وصانع القرار على الاستفادة الأمثل منه، متمنياً أن يبادر بعض ذوي العزائم الطيبة إلى إنشاء مدرسة رقمية على الشبكة العنكبوتية لتدريسه،مع كتابات الإصلاحيين الآخرين، للشباب الراغب في ذلك.أعلمني السيد ستيفن أُلف، منشط موقع"المصلح"،أنه برمج ترجمته إلى الانجليزية؛فأرجو أيضاً من أنصار إصلاح الإسلام،الذين لا يعرفون العربية،أن يفكروا في إمكانية ترجمته إلى لغاتهم انطلاقا من الترجمة الانجليزية،عسى أن يثير ذلك حواراً نقدياً،نخبنا وشعوبنا في حاجة ماسة إليه.




إصلاح الإسلام : بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان
حديث مع العفيف الأخضر أجراه :
ناصر بن رجب و لحسن وريغ
مقدمة الطبعة الأولى

قرأنا مقال العفيف الأخضر "لماذا إصلاح الإسلام" الذي نشر في الأوان قبل شهور وتوقعنا أن يكون الأول من سلسلة مقالات مخصصة لإصلاح الإسلام كما أوحت لنا بذلك نبرة المقال. انتظرنا بفارغ الصبر شهورا لكن بلا جدوى. بعد رحيل الفيلسوف المغربي الكبير د. محمد عابد الجابري فجأة فكرنا فورا في العفيف الأخضر، أطال الله عمره، ومشروعه لإصلاح الإسلام. اتصلنا به واستوضحناه عن توقفه عن مواصلة مقالات إصلاح الإسلام، فاتضح أن المانع صحي يتعلق بيده اليمنى التي يكتب بها. وليس له من يملي عليه. طلبنا منه حديثا مطولا، يلخص أفكاره الأساسية عن إصلاح الإسلام، فرحب بحماس وتمنى لو أن الأحاديث معه في هذا الموضوع تتواصل ليائسه من إنجازه بطريقة أخرى، بعد أن يئس من توظيف سكريتير حتى بنصف وقت. فكان هذا الحديث المنشور هنا على ست حلقات، نقدمها لعامة القراء وللباحثين المهتمين بموضوع إصلاح الإسلام الخطير. وشكرا للأستاذ العفيف الأخضر شفاه الله على هذا الحديث المفيد.ونطالب وزراء التعليم في الوطن العربي دراسة مقترحاته وإدراجها في برامج التعليم الديني، لتحقيق الانتقال مما يسميه مدرسة اللامعقول الديني إلى مدرسة العقلانية الدينية الإسلامية، اللائقة بديننا الحنيف في القرن الواحد والعشرين.
ناصر بن رجب، باحث ومترجم تونسي
لحسن وريغ، سكريتير تحرير الأحداث المغربية




إصلاح الإسلام: بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان
حديث مع العفيف الأخضر

1ـ مبرّرات إصلاح الإسلام

 الفكرة الشائعة أن الإسلام لا يقبل الإصلاح فعلى ماذا تراهن ؟
ـ قدم الإسلام في تركيا منذ 1924 حتى الآن، وفي تونس منذ 1956 حتى اليوم ،البرهان على قدرته على إصلاح نفسه نسبياً على الأقل. فما الذي يمنعه من تقديم البرهان على هذه القدرة في باقي البلدان، وعلى نحو أشمل وأعمق ؟ إصلاح الإسلام اليوم ضروري وممكن. ما ينقص هو الشجاعة السياسية والشجاعة الفكرية. صحيح أن عتاقة النخب الدينية، في أقصى اليمين الإسلامي السياسي والتقليدي،لا تسهل التكيف الضروري مع العالم الذي نعيش فيه. لكن الشجاعة مطلوبة لمثل هذه الحالات. شجاعة النخب، التي تملك رؤية واضحة للمستقبل الذي تقود إليه شعوبها برؤية واضحة، بلورتها صناعة قرار واقعي. حسب ابن قتيبه، الإجماع، إجماع نخب الأمة وسلطاتها التشريعية بالمفهوم المعاصر، "أهم من الحديث في التشريع". إذن إصلاح الإسلام لا يحتاج إلى نص ديني، بل إلى إجماع صناع القرار على أنه ضرورة ومصلحة. وكما يقول الشاطبي: وحيث المصلحة فثمة شرع الله.
 هناك من يقول أن إصلاح الإسلام ليس أولوّية في عالم عربي مليء بالمشاكل والتحدّيات. فما هو رأيك أنت الذي تعتبره أولوّية الأولويّات؟
 إصلاح الإسلام هو أولويّة الأولويّات . لأنّ على الشروع في إصلاحه يتوقّف نجاح الورشات الأخرى التي تبدو في الظاهر لا علاقة لها به، كورشة الإصلاح الإقتصادي مثلا. ورشة إصلاح الإسلام لا تتنافى مع فتح الورشات الأخرى بل تتكامل معها وتقتضيها. ورشات الإصلاح جميعا يأخذ بعضها برقاب بعض. فورشات الإصلاح السياسي والإجتماعي والتربوي والديمغرافي واللغوي ... جزء لا يتجزّأ من ورشة إصلاح الإسلام. القاسم المشترك بينها ، أنّها جميعا تتطلّب كأولويّة مطلقة إصلاح صناعة القرار. سبب الأسباب لتخلّفنا ،أو بما هو أدقّ ،لتخبّطنا الطويل في أزمة الحداثة ، التي نجتازها وعدم خروجنا منها سالمين حتّى الآن ، هو سوء صناعة القرار، الذي مازال في تسعة على عشرة على الأقل من البلدان العربية، لا تصنعه المؤسَّسات صناعةً علمية يكون الكمبيوتر أوّل صانع له، بل تصنعه نزوات وهذيانات الحاكم الفرد. واحد من بين عشرات الأمثلة، صدّام حسين الذي افتخر بأنّ القرار، الكارثي عليه وعلى العراق وربّما على الشرق الأوسط كلّه، قرار ضمّ الكويت، اتّخذه بناء على حلم رآه في المنام ؛مُضيفا: إعتمادا على حديث محمّدي، بأن الحلم الصادق جزء من أربعين جزء من النبوّة. لكن الملاك الذي أوحى اليه بالحلم، نسي أن يوصيه بطرح السؤال المركزي، الذي توجبه صناعة القرار: "و،ماذا في صباح اليوم التالي؟".وهو السؤال الذي لم يطرحه قبله جمال عبد الناصر، عندما طرد القوات الدولية المرابطة على الحدود المصرية الاسرائيلية في مايو 1967 ، والذي كان سبب حرب الستة أيام؛ ولم يطرحه بعده السيد حسن نصر الله، عندما خطف الجنود الاسرائيليين الثلاثة، فتسبب في حرب 2006 ؛ولم تطرحه حماس عندما رفضت تجديد الهدنة مع إسرائيل ، فتذرعت بها حكومتها لشن حرب غزة سنة 2008. في الحقيقة طريق هزائم العرب والمسلمين، منذ اصطدامهم بالاستعمار، كان غالبا مفروشا بالقرارات الانفعالية التي يصنعها الفكر السحري ، الذي يطلب من أضغاث الأحلام ان تتحول إلى رؤى صادقة ، ومن التخييلات أن تتحول إلى حقائق. جميع منجزات الحداثة، منذ خمسة قرون إلى الآن، صنعتها قرارات سياسيّة شجاعة وذكيّة، مازالت بالنسبة للنخب العربية برسم الإكتشاف.

 ماذا تعني بشجاعة وذكية؟
 أعني واقعية، تستلهم واقع عصرها. عكس القرارات المتهورة والغبية ، التي تُرتجل تحت ضغط الأحداث والتي طالما اكتوينا بنارها ، لأنها تستلهم عادة مخاوف صانع القرار اللامعقولة أو ردود فعله الهاذية، خاصة والبارانويا هي أعدل الأشياء قسمة بين حكام أرض العروبة والإسلام. العالم الذي نعيش فيه معقد وغير قابل للتّوقع، ومقاربته بالقرارات المرتجلة واللامعقولة تساوي الإنتحار بشقّ البطن. أن تكون شجاعا وذكيّا ، هو أن تعترف بأن الواقع والرغبة قلما يجتمعان. أي أن مبدأ اللذة ومبدأ الواقع نقيضان. وهذا ما لم يدركه بعد الإسلاميون والقوميون، الذين مازالوا يتفاوضون مع أنفسهم ويغالطونها في حقائق العصر الذي يعيشون فيه.

 هلا وضحت أكثر علاقة الإصلاح الديني بصناعة القرار؟
هي علاقة وثيقة. صناعة القرار العربية، قلما احترمت المبدأ الأول لهذه الصناعة، الذي هو التعريف الدقيق، دقة المعادلات الرياضية، للمصلحة القومية، والحساب الدقيق للتكاليف والمكاسب، أي للخسارة والربح في كل قرار. وتجاهلت المجالات الاستراتيجية الأربعة: اصلاح الإسلام، والبحث العلمي، والتجديد التكنلوجي والتعليم الجيد بالمعايير الدولية. صنع قرار الإصلاح الديني اليوم يفترض التفكير في مخاطر النهاية المأساوية لأي مشكلة تطرح نفسها علينا، من أجل تغيير الإتجاه في الوقت المناسب. بقاء الإسلام من دون إصلاح، أي من دون فصل الدين عن الدولة، لتفادي مخاطر الحروب الطائفية والدينية، خاصة الحرب السنيّة ـ الشيعيّة، التي قد تتحول في إحدى مراحلها إلى حرب ذرية؛ ومن دون فصل الشريعة،خاصة في الأحوال الشرعية والقصاص، عن القانون الوضعي، ليغدو الوحيد المُطبَّق، سيسقط العالم الإسلامي في همجيّة تطبيق العقوبات البدنية التي ينطبق عليها وصف فرويد للمارسات النازيّة بأنّها "همجية ما قبل التاريخ" ؛ ومن دون فصل البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني عن الرقابة الدينية، سيبقى "الاشتباك بين القرآن والعلم"، كما أسماه د. عبد الصبور شاهين، دائما؛ ومن دون الفصل بين المؤمن والمواطن، سيبقى المسلمون ماثلين أكثر فأكثر في قفص اتهام المجتمع المدني العالمي لهم بالإنتهاك المتكرر لحقوق الإنسان والمواطن، وبمعاملتهم المرأة كحشرة مُؤذية ، وأقلّياتهم كأهل ذمّة ، والعالم كدار حرب موعودة بالجهاد، الذي أخذ منذ الآن إسم الإرهاب الإسلامي العالمي؛ والذي تنعكس صورته سلبا على الإسلام نفسه في نظر الرأي العام العالمي وفي نظر قطاع من المسلمين أنفسهم.!
يستمد الإصلاح الديني مشروعيّته، من إمكانية قطعه للطريق على مخاطر هذه النهايات المأساوية، ومن تكييف الإسلام مع عصره، الذي يتّجه في السيناريو المتفائل، إلى حضارة بشرية واحدة تتعرّف على هويتها في القيم الإنسانية الكونية المشتركة، وفي الضوابط الأساسية للعيش معًا ،في عالم مُعَولَم تشابكت فيه مصائر البشرية، في السرّاء والضراء، إلى درجة أن سؤال الحكومة الإقليمية والحكومة العالمية أو "الكونفدرالية العالمية"، كما يسميها الفيلسوف والأنتروبولوغ ادغار موران، أصبح سؤالا مشروعا لمواجهة تحديات يتوقف على رفعها بقاء الحضارة، بل وربما بقاء النوع البشري نفسه.

 ما هي نقاط الضعف في الحالة الإسلامية التي يمكن علاجها بالإصلاح الديني؟
 ما زال الإسلام لم يرفع حتى الآن تحدّي عوائقه الثلاثة، التي شخّصها رينان في القرن التاسع عشر : احتقار العلم الوضعي، ورفض البحث العقلاني في نصوصه بما هي كلام الله المُنزّه عن المساءلة العلمية، وفي رموزه بما هم فوق البحث والمساءلة، والخلط بين الروحي والزمني.
وهذه هي عوائق دينية، وذهنية ونفسية تحالفت على كبت الإبداع الديني والسياسي والإقتصادي والعلمي والأدبي والفني؛ مثلا الرسم والنحت والموسيقى مازالت محرّمة في الإسلام. اليهودية، التي أخذنا عنها هذه المحرمات، تناستها لحسن حظ اليهود. ونحن مازلنا متسمرين فيها. تناست أيضا حد الرجم الدموي الذي أخذناه عنها. بالرغم من عدم وجوده في القرآن وتهافت الروايات عن رجم النبي لزناة... إيران، والسعودية،والسودان و"شباب الشريعة" في الصومال مازالوا يرجمون. الأمير خالد بن سلطان، وزير الدفاع السعودي، منعني سنة 2001 من الكتابة في "الحياة"، التي كانت مصدر عيشي الوحيد. لماذا؟ لأنني طالبت "في الجزيرة" بتدخل دولي لمنع الرجم في إيران، محتجا بأن السعودية هي أيضا ترجم، فتكون إذن مشمولة بمطلب التدخل الدولي. رئيس "النهضة"، راشد الغنوشي، اعتبر ،في مقال وقعه، أن العقوبات البدنية الإسلامية، كالجلد، أرحم من السجون الأوروبية. فلماذا لا يعتبر الرجم أيضا أرحم من السجون الأوروبية، علماً بأن عقوبة الزنا نسخت من القوانين الأوربية منذ زمان طويل؟
عالم الإسلام مازال يمشي على رأسه، ونريد، "بإصلاح الإسلام"، أن نجعله يتعود المشي على قدميه.

 لكن جمال الدين الأفغاني ردّ على رينان بأن جميع الأديان،معادية للعلم، وليس الإسلام وحده هو المعادي للعلم ؟.
 صحيح أن جميع الأديان، التوحيدية على الأقل، تنطبق عليها تهمة رينان، لكن اليهودية والمسيحية قبلتا أخيرا، طوعا أو كرها وبالأحرى كرها، رفع تحدّيات رينان الثلاثة. مثلا كشف علم الأركيولوجيا في إسرائيل على أن ما كان يُظَنّ وقائع تاريخية، في أسفار العهد القديم، لم يكن إلاّ أساطير؛ مثل الخروج من مصر، وشقّ البحر الأحمر بعصا موسى؛ وهيكل سليمان الذي اتّضح أنّه شخصيّة أسطورية، والملك داوود الذي كان يُعتبر شخصية تاريخية، اتّضح أنه شخصية نصف أسطورية. لا بأس بهذا الصدد من ترجمة كتاب (الكتاب المقدس وقد تَعرّى) تأليف الاركيولوجيان الإسرائيليّان نأ.سيلبيرمان و جفينكيلستين. احتجّ المتعصّبون من رجال الدين اليهودي، لكن العلماء الإسرائيليين لم يُقدّموا للمحاكمة، كما حوكم د. نصر حامد أبو زيد في مصر ، ولا صدرت ضدّهم فتاوى بالقتل، كما يفعل رجال الدين الإسلامي ، ولا بالطبع اغتيل أيّ عالم منهم، كما اغتيل فرج فودة وأيّد اغتياله بتهمة الردّة محمد الغزالي، أحد نجوم الإسلام السياسي. مؤخرا طالب مجلس البحوث بالأزهر بمحاكمة سيد القمني وحسن حنفي من أجل أفكارهما. مازلنا نعيد صلب الحلاج، وسلخ السهروردي، و نطارد التصوف والفلسفة والعلوم الحديثة وخاصة منها الإنسانية.

 لماذا عجز إسلام الفقهاء عن رفع هذه التحديات ؟
 بسبب افتقاده للقدرة على التكيف مع العالم الحديث. ديناميته الأولى، الجهادية، تحولت إلى عائق وعجز عن اكتساب دينامية جديدة تتطلبها الحقبة التاريخية. هي دينامية التكيف مع جديد التاريخ. عندما يفتقد الدين القدرة على التكيف والدينامية يسقط في الجمود الديني،الأب الشرعي لكل الإنحرافات الدينية وفي مقدمتها عبادة الأسلاف.

 ما المقصود بالجمود الديني ؟
 هو تحريم السؤال، وفرض الأجوبة الجاهزة، الصالحة للجميع ولجميع الأزمنة وجميع الأمكنة، هو اليقين الجامد، وإيمان العجائز المطلق و الساذج . ايمان العجائز يصلح للعجائز ولكنه لا يصلح للباحثين. هو العجز عن التطور وإنتاج الأفكار المجددة. وهو في الوقت نفسه محاربة القلة المجددة التي تظهر من حين لآخر، مثل الشيخ نجم الدين الطوفي الحنبلي، الذي سُجن وأُتلفت كتبه، والفلاسفة والمتصوفة الذين راموا إصلاح الإسلام في عصرهم، وكلفهم ذلك أحيانا حياتهم مثل السهروردي والحلاج.مفتي مصر ورائد إصلاح الإسلام ،محمد عبده، رفض الأزهر لنصف يوم صلاة الجنازة عليه،لحسم النقاش الديني عمّا إذا كان مرتداً أم لا،ورائد تحرير المرأة التونسية من رق فقه العصور الوسطى، الطاهر الحداد، شيع جنازته بضعة أصدقاء...

 وأنت ماذا تتوقع بعد عمر طويل؟
 تبرعت بأعضائي وأنسجتي لمن يحتاجون إليها لزرعها. ووهبت جثتي للعلم. لكلية الطب في أي بلد أموت فيه. عندما سلمت وصيتي لرئيسة الممرضات، في أحد المشافي الباريسية، قالت لي هذا إذا قبلتها كلية الطب، التي كثيرا ما ترفض لكثرة المتبرعين. قارن هذا مع تحريم فقهاء الجمود الديني تشريح الجثث. في 1973، كانت كليات الطب السورية تستورد من الصين الجثة بألف دولار. هذا التسمر في أحكام فقهية معادية للعلم، هو أحد أعراض عبادة الأموات الفرعونية،التي هي بدورها راسب من عبادة الأموات منذ العصر الحجري الحديث التي ترافقت مع شعائر الدفن، – كما يعلمنا ذلك تاريخ الأديان المقارن – التي جعلت فقهاء الإسلام يحتقرون الجسد حيا ويقدسونه ميتا. هذه الواقعة وحدها حافز على ضرورة التعجيل بإصلاح الإسلام.

قلتَ في مقال يتيم عن إصلاح الإسلام أنّ إصلاحه يمرّ بالإنتقال من مدرسة اللامعقول الديني إلى مدرسة المعقول الديني. فماذا تقصد بذلك؟
كل إصلاح حقيقي هو إعادة تأسيس، هو ابتكار لنموذج جديد من العقلانية الدينية، التي لا تعترف من الدين خاصة، في المعاملات، إلا بما يقبله العقل الذي جسدته وثائق حقوق الإنسان. كل إصلاح ديني يمر بقتلٍ رمزي للأب؛ في موضوعنا، يمر بالقطيعة مع لامعقول التراث، وبحلّ مشكلة تنفيذ الجديد بالأدوات القديمة. العمليتان تتطلّبان إصلاح التعليم والإعلام والخطاب الديني جُملةً. لا، بل أن إصلاح الإسلام لن يتحقّق إلاّ بالإنتقال من مدرسة اللامعقول الديني، المُستمرّة منذ قرون في اجترار أجوبة غدت متقادمة، إلى مدرسة المعقول الديني المنشودة، الوحيدة المؤهّلة لعقلنة التعليم، والخطاب الديني بما فيه الخطاب الديني الإعلامي. الإنتقال من مدرسة اللامعقول الديني إلى مدرسة المعقول الديني، يعني الإنتقال من القراءة الحَرفيّة للقرآن خاصة المدني، السائدة إلى اليوم تقريبا في كل مكان من أرض الإسلام، إلى القراءات الأخرى المنافسة لها والتي همّشتها أو كفّرتها كالقراءة التأويليّة، والمقاصديّة، والرمزيّة والتاريخيّة التي مارسها القرآن نفسه بالناسخ والمنسوخ، أي نسخ الآيات التي لم تعد متكيّفة مع مستجدّات التاريخ. واصل الخلفاء الراشدون وبعض الفقهاء هذه القراءة الناسخة للأحكام التي لم تعد تستجيب للواقع المعيش. هذه القراءة الأولى للنّص المُؤسِّس، التي مارسها الراشدون، ضرورية لنا جدّا اليوم. وعلى مدرسة المعقول الديني أن تستعيدها. وهذا ما دشّنه اليوم كلٌّ من جمال البنا، وحسن الترابي، ومحمد الطالبي، وغالب بن الشيخ وأنا نفسي. للتاريخ، أوّل من طالب بالعودة إلى القراءة التاريخية لنسخ أحكام الآيات المتقادمة هو المأسوف على فقده، محمد عابد الجابري سنة 1988، وعندما استخدمت مصطلحه سنة 2002 بعد توسيعه وتعميقه نوهت بذلك.

 قد يقول قائل هذه القراءات التي تحدّثت عنها تكفّلت بها علوم الدين الإسلامية، فلماذا اللجوء إلى علوم الأديان المعاصرة التي دُرست بها الأديان الأخرى، فلماذا لا نكتفي بإصلاح الإسلام من الداخل كما يقول الأستاذ الجابري رحمه الله؟
 كان ينبغي أن تُضيف الأديان الأخرى بما فيها الإسلام ،وخاصّة الظاهرة القرآنية التي درسها بعض المستشرقين، وحتّى المسلمون أنفسهم، مثل محمد أركون في كتابه "قراءة القرآن"، ومحمد علي أمير معزي الذي أشرف على إصدار معجم القرآن بالفرنسية الصادر سنة 2007 . تُرجم إلى عدد من اللغات إلاّ لغة القرآن. هذه الواقعة وحدها إدانة لعدم إصلاح الإسلام حتى الآن،لذلك مازال يخشى، خشية الموت،دراسته بعلوم الأديان!
القراءات الأخرى المقصودة يجب أن تستضيء بعلوم الأديان المعاصرة، لأن علوم الدين الإسلامية تجاوزها التطوّر العلمي،فلم تعد قادرة على التجاوب مع المتطلبات الحديثة لدراسة النّصين الإسلاميين المُؤسِّسين، القرآن والحديث، ولا على دراسة مُجمل التراث الإسلامي، الذي مازال بمنأى عن التحليل والنقد العلميّيْن، اللذين طُبّقا على تراث الأديان الأخرى، وخاصة اليهودية والمسيحية.
"التحديث من الداخل" غير منتج، وبصدد إصلاح الإسلام مثلا هو إستحالة إيبستيمولوجية. علوم الأديان الحديثة تكونت في مناخ الثورات العلمية والفلسفية والصناعية الحديثة. وليس لها أشباه ونظائر، في تاريخ العلوم، لا عندنا ولا عند غيرنا من أمم الجنوب. وهذه العلوم ليست نبتة أو حيوانا يمكن تدجينه بتكييفه مع البيئة الجديدة. هي مفاهيم ونظريات وقوانين علمية دقيقة غالبا، تدجينها مرادف لإجهاضها. إذن هي غير قابلة للتدجين.المطلوب هو دراسة تراثنا بها بطريقة إبداعية؛درس المستشرقون بعض تراثنا بالطريقة الفيلولوجيه، التي دُرس بها الكتاب المقدس،وترجم بها بلاشير القرآن ترجمة ساعدت كثيراً على كشف تناقضاته الداخلية،التي كثيراً ما تخفيها الترجمات الأخرى بما هي تأويل أي إعادة إنتاج للنص.قرأت 3 ترجمات إسلامية:ترجمة حميد الله،الصادق مازيغ وصلاح كشريد:لا أحد منهم لاحظ تناقضاً أي تشابهاً يجعل المعنى غامضاً؛في المقابل،فإن بلاشير،وكذلك نولدكه،وضع مراراً علامة استفهام أمام الآيات والكلمات المتشابهات أي الملتبسات.
الخلفية الأيديولوجية، لشعار التحديث أو التجديد من الداخل، غير مقبولة علميا أيضا. فهي في الواقع تعبير عن "الخصوصية" العربية الإسلامية الشهيرة : نحن أمة إستثنائية لا يصلح لها ما يصلح لغيرها من الأمم التي لم يكرمها الله بالإسلام... الله كلمنا لآخر مرة في التاريخ، فأعطانا الدين الحق، ولغتنا هي لغة أهل الجنة،وهما لا يقبلان الإصلاح إلا إذا كان من الداخل، وفي قول آخر أكثر انتشاراً، هما لا يحتاجان لأي إصلاح أصلاً:ألم يقل الله،"اليوم أكملت لكم دينكم"؟.
نحن هنا أمام منطق عبادة الأسلاف النرجسي الإقصائي، السائد لدى الشعوب البدائية أو ذات الذهنية البدائية، والذي آن لنا أن نخرج منه إلى منطق الشعوب الحديثة، أو ذات الذهنيات الحديثة، التي لا ترى مانعا من استعارة العلوم الحديثة، دونما تشويه لمنطقها الخاص وصرامتها العلمية برغبات عصابية. شعار التحديث من الداخل، هو أحد أعراض عقاب الذات المتواصل منذ قرنين بتكرار التجارب الفاشلة. لا توجد أمة في العالم حدثت نفسها من الداخل. اليابان، منذ حكومة الميجي في القرن التاسع عشر، دشنت دخولها للحداثة باستعارة الحداثة الأوروبية، فتبنت دستور بلجيكا وقوانينها الوضعية، وأدخل إمبراطورها الشوكة للأكل بدل العيدان اليابانية التقليدية، وأدخل الموسيقى الكلاسيكية بدل الموسيقى المحلية. لماذا فعلت اليابان ما عجزنا عنه؟ لأنها يتيمة حضارياً:بلا تراث أسلاف يردعها – مثلنا – عن تقليد الآخر "الكافر". لكن فكر بعض نخبنا السحري يفترض أن التحديث من الداخل ممكن بالنسبة لنا بفضل معجزة مّا؛ جاهلا أو متجاهلا أن الحداثة،كما تتطلب سوسيولوجيا المعرفة، هي كل لا يتجزأ. إما أن تأخذه أو تتركه. وقد تركناه لسوء حظنا طويلا . فلماذا لا نحاول، ولو لمرة واحدة، أخذه عسى ولعل يساعدنا على الخروج من كابوس التأخر التاريخي، الذي أسقطنا في الهذيان شعوبا ونخبا، وجعل جرحنا النرجسي، أي شعورنا بالخصاء والإذلال والدونية، بعرض وعمق النيل والسين معا. وكلما تعمق الجرح،تعمق عجزنا عن الشفاء منه،باسترداد الثقة بالنفس وتقدير الذات بفضل العمل اليومي من أجل التنمية الإقتصادية،والعلمية والثقافية، للحاق بقاطرة الحداثة.



#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليمن اليوم هو العالم العربي غدا
- لماذا إصلاح الإسلام؟
- علي عبد الله صالح : الفدرالية هي صدرية نجاة اليمن
- إيران 30 عاما من الثورة: 30% من الملحدين!
- خطاب الرئيس أوباما: أعدكم بالسلام
- العلمانية ضمانة المواطنة الكاملة
- مسألة الأقليات في أرض الإسلام: العلمانية ضمانة المواطنة الكا ...
- نظرة وداع على أحداث عام 2006‏‏‏
- هل ستنقلب حماس على نفسها؟
- نداء إلى أغنيائنا
- الحكم بالرجم حتى الموت
- كيف نصالح الإسلام مع العالم؟
- الحداثة التونسية في عيدها الخمسين
- هل ستعدم الجزائر الإعدام؟
- على هامش رسالتي إلى أوردغان: الحل العادل للمسألة الكردية؟
- فدا يسوع البشرية و فدا الحريري لبنان
- رسالة مفتوحة إلى أوردغان: كن وسيط السلام الفلسطيني الإسرائيل ...
- تضامنا مع سعيد الكحل
- عمرو موسى يستأسد على العراق
- القائمة الثالثة لمساندي العفيف الأخضر


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العفيف الأخضر - مبرّرات إصلاح الإسلام - إصلاح الإسلام : 1- دراسته وتدريسه بعلوم الأديان