أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جهاد علاونه - مؤلم جدا















المزيد.....

مؤلم جدا


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3047 - 2010 / 6 / 28 - 21:34
المحور: الادب والفن
    


تصدير: افتحوا البابَ فقد جاء الطبيبُ
وانظروا نحوي فلي سرٌ عجيبُ

كان يقال قديماً بأن إتشارلي شابلن هو صاحب صورة أو منظر الرجل الضاحك ودموعه ساقطة واتصف أيضاً إسماعيل ياسين بهذه الصفة وهي صفة (فيلسوف في دمعة وابتسامة) واليوم انتقلت هذه الظاهرة إلى كل الناس فكل الناس تضحك ودموعها غالبة على ابتساماتها , إننا نضحك في ألم ونغني في ألم ونمشي في ألم ونأكلُ في ألم ونعملُ في ألم وإذا رقصنا يكون في رقصنا لمسةٌ من ألم وإذا كتبنا شعراً نكتبه من جراحنا وكلنا ألم .

وما زلتُ أمشي وأسيرُ بخطواتٍ مؤلمة على درب الآلام الحزينة , فمن يومٍ مؤلمٍ إلى يومٍ آخر أكثر إيلاماً ومن يومٍ محزنٍ إلى يومٍ آخر أكثر حزناً من سابقه وإيلاماً , وكل حياتنا مؤلمة وكل قصصنا مؤلمة حتى آدابنا الساخرة مؤلمة ونكاتنا اللاتي نتهكمُ بها على أنفسنا مؤلمة ونحن نضحك ونحبُ السخرية لكي نهرب من آلامنا وأحزاننا ونقرأ لنعيش في الخيال هروباً من واقعنا المؤلم جداً فكلنا هروبٌ من الواقع المؤلم إلى الخيال الأكثر اتساعاً لنسعد ونفرح متناسين أحزاننا وكل الذكريات مؤلمة وكل حياتنا مؤلمة حتى أغانينا العاطفية مؤلمة وتثير فينا مزيداً من الآلام ولا نستمتع إلا بالألحان الحزينة من مقام (الصَبا) المؤلمة , والأغنية الوطنية مؤلمة جدا وتشحذُ ألحانها من الخاصرة كأنها مشرط أو سكينة تدخلُ في خاصرتي وأكلنا وشربنا مؤلمٌ جدا ولا نستمتع بطعامنا إلا في المأكولات الحارة جدا حتى المشروبات الباردة مؤلمة جدا ولا نستمتع إلا بالكولا أو البيبسي الحار جدا , والقهوة التي نشربها مُرة واعتدت من خلال مشاركتي الناس على شرب القهوة بدون سُكر وكلما تقدم بنا الزمن كلما شعرنا أننا بحاجة إلى سُكّر خفيف على القهوة ومنذ أسابيع وأنا أطلب القهوة بدون سُكر نهائيا ًرغم أنني لا أُعاني من أمراض الّسُكّري, وكل شيء مُر وحار بالنسبة لنا أصبح رمزا تكيفنا معه تمشياً مع ظروفنا القهرية , لقد اعتدنا على الخوف وعلى الألم.

ومنذ أسبوع على الأقل وأنا لا أنامُ جيداً ولا آكل ولا أشرب جيدا حتى أنني أتعب لأقل مجهود أبذله ولو كان تافهاً فذهبتُ إلى طبيب أخصائي عظام ومفاصل ليس لأن الألم فقط في عظامي بل لأنه طبيب عظام وأنا أشعرُ بأنني عظيم جداً ومن أولي العزم وحين شكوتُ له قال لي : كل العظماء أمثالك يشكون ولكن أين الألم بالتحديد؟

-هنا ألم كبير ..هنا 11- أيلول.


-وهنا ؟


-هنا ألم ال 67.

-وهنا ؟

-هنا حرب الاستنزاف 70-71.

-وهنا ؟

-هنا حرب الخليج تسببت لي بصداع الشقيقة.

-خذ نفس..شهيق ثم زفير..وشهيق ثم زفير ..أكتم النفس.

-أنا كاتم أنفاسي منذ حرب الخليج الأولى .

-هنا في ألم؟

-وهنا ألم أكثر .

-وهناك؟

-وهناك دائماً يؤلمني ..التاريخ يؤلمني ..الماضي يؤلمني ..الحاضر يؤلمني ..المستقبل مؤلم ومخيف ..والإعلام يؤلمني ..والأسعار مستعرة بداخلي وتؤلمني وكل شيء في جسمي من المحيط إلى الخليج يؤلمني.


ثم سألني عن آخر ألم فقلت له آخر ألم كان بسبب آخر قصة حب وفي كل قصة حب جديدة أقول هذه آخر قصة حب وأنا عشت في زماني أكثر من ثلاثة قصص حب كن جميعهن بالنسبة لي مؤلمات جدا وغالبية النساء اللائي عشقتهن كن معتوهات فكرياً وتسببن لي بآلام مؤلمة في القلب وفي المعدة وفي المرارة وفي الإثنى عشر وفي كل مرة أتوب.


ثم نظر في وجهي وقال يبدو أن مرضك الأصلي في قلبك ومن الظاهر أن قلبك مريض , فقلت له : إذا سمعك بعض المعلقين على مقالاتي في الحوار المتمدن فإنهم سيفرحون جدا وسيقولون : في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً وسأقول لهم : وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا أنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون .

ثم سألني عن أهم الأحداث التاريخية في حياتي فقلت له : كان يوم مولدي يوماً عظيماً شبع فيه كل الجياع من قريتنا وذبح جدي عشرات الذبائح لمدة أسبوع كامل أو شهر على الأقل وكل الذين أكلوا من جسدي يوم مولدي ما زالوا أحياء ويستنكرون أو يتناسون هذه الحادثة لأن الله مَنّ عليهم جميعاً بنعمة النسيان ,وإن سياسة الأردن تقهرني والفساد الإداري يؤلمني والمشعوذون يقرأون يوميا مئات السور من القرآن لكي يسحروني ويفتنوني عن رؤيتي الحقيقية للتاريخ وللاجتماع البشري وكلهم سرقوا زهرة عمري وشبابي وكلهم تسببوا أو ساهموا عن قصد أو عن غير قصدٍ في آلامي , وكلما رأيت محجبة أتألم ..وكلما سمعتُ متحدثاً بالعربية الفصحى أتألم , هل تعلم يا طبيب العظماء أن العرب أو الكُتّابُ العربُ هم الكُتابُ الوحيدون في العالم الذين يخطئون في كتابة الإملاء قواعديا وصرفيا ونحويا ؟!وهم الوحيدون الذين يعانون من صعوبة في فهم لغتهم أتدري لماذا ؟ لأنهم بعيدون عن الواقع ولأنهم يكتبون بلغة ليست مستعملة وقد عفى عليها الزمن ولو جاء اليوم أصحابها الأصليون لواجهوا صعوبة في التحدث بها, ولو يرسل الله من السماء رسولاً أو ملكاً لأرسله متحدثاً باللغة العامية ؟ وأنا كلما نظرتُ إلى بناتي برديس ولميس كلما ازداد ألمي الكبير إذ كيف سيكبرن في عائلة أو حارة نصف أهلها دجالون يقولون ما لا يفعلون يمارسون أقذر أنواع الرذائل ويطالبون بعضهم البعض بحياة شكلية ليس فيها ما يدعون , وكيف سأربي بناتي وابني , ولأولادي سلوك مسالم في مجتمع عدواني يتعرضون للضرب من أبناء الحارة دون أن يدافعوا عن أنفسهم ودون أن يُحركوا ساكنا أنا أربي أولادي على السلوك السلمي وجيراني يربون أبناءهم على السلوك العدواني وكلما عاتبتُ أولادي قائلاً لهم : لماذا لا تدافعون عن أنفسكم ؟ ردوا عليّ قائلين :ما هو أنت ابتحكيلنا حبوا الناس عشان الله يحبكوا , وكلما رأيتُ ولدي في الشارع يلعب أتألم جدا لمنظره المحزن وهو يلعب وعجلات السيارات تمرُ مثل البرق أو الجيوش المنتصرة ,والمدرسة بقيادة وزارة التربية والتعليم تكافح ليلاً ونهاراً ضد أسلوب التربية المدنية الحديثة , وأهل الحارة كذلك يكافحون ليلاً ونهارا ضد الحرية والديمقراطية ووزارة التنمية السياسية تساهم ليلاً ونهاراً من أجل إحباط مخططات التنمية الشاملة وكذلك الجامعات كلهن ضد العمل السياسي والثقافي , الشارع يؤلمني والبنايات بمنظرها المقرف تؤلمني حتى أسلوب البناء مؤلم جدا , أنا أريد الهجرة.

نعم, أنا أريد الهجرة ..الهجرة يا طبيب العظام , كل شيء مؤلم



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فتوحات الجائعين
- المرأة التي قتلت زوجها
- المخيلة الشعبية
- لماذا تقتل المرأة زوجها؟
- نظرة عن كثب
- رجل يوصي أولاده قبل وفاته
- معاك قرش إبتسوى قرش
- طباخ الحاره
- رسالة من الأردن
- تعال
- الناس السكرانه
- السعادة السائلة
- خيانة سحرية
- بيت خالته
- بين أسامة بن المنقذ ودون كيشوت
- بلغوا عني
- حديث الإفك الثاني
- نعمة النسيان
- أنا رجل على البَرَكه
- الازدواجية أو تجزئة الاسلام


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جهاد علاونه - مؤلم جدا