أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أبو الحسن سلام - برومثيوس الأسود في قيود الحرية















المزيد.....



برومثيوس الأسود في قيود الحرية


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 3042 - 2010 / 6 / 23 - 22:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


برومثيوس الأسود في قيود الحرية
- المسرح الأفريقي بين الثوابت والمتغيرات الثقافية -
د. أبو الحسن سلام
* مهاد نظري:
لا حضارة بلا عقل ، ولا عقل بلا فكر ، ولا فكر بلا روح ، ولا روح بلا عقيدة، ولا عقيدة بلا إيمان ، ولا إيمان بلا مصداقية ، ولا مصداقية بلا اقتناع ، ولا اقتناع بلا إمتاع ، ولا إمتاع بلا فن، ولا فن بلا طبيعة ، ولا طبيعة بلا تطبع، ولا تطبّع بلا عمل ، ولا عمل بلا مادة ، ولا مادة بلا حركة ، ولا حركة بلا حياة ، ولا حياة بلا إنسان ، ولا إنسان بلا رأي ، ولا رأي بلا حرية ، ولا حرية بلا نضال ولا نضال بلا وعي طبقي.

أين من ذلك كله، يتجلى برومثيوس أفريقيا الزنوج ، تتجلى صورة الفعل الذي ما حرره ، أو الفعل الذي حرره .. من قيود جلده .. من قبل أن يحرره ، من قيود الاستعمار ؟
فإذا به المقيد وهو في أرض غريبة، بقيود فرانكفونونيه من خيوط فكر أجنبي ، فإذا به تحرر ، بينما لم يتحرر !!
هكذا أراه في بحثي هذا ، استنادا لنصوص مسرحية، في كتابات وجوه أفريقية.
يقول سارتر : " الإنسان الذي لا يملك أن يغير جلده ؛ فلا أقل من أن يمنحه البريق والحياة ؛ سواء أكان هذا الجلد أبيض أو أحمر أو أسود"
وهذا ما فعله أحفاد برومثيوس الأسود مفكرون ، ومبدعون شعراء ومسرحيون . يقول (إيميه سيزير) :
" كانوا يعلموننا بالنار الحمراء
وكانوا يبيعوننا كالحيوانات
وكانوا يعدون أسناننا
سفاحون، سفاحون، سفاحون "
لا يخرج هذا التعبير الشعري عن حدود المعنى السابق الذي قاله سارتر ، فهو تعبير لا يتجاوز كونه صورة مستعادة من الماضي عن الإحساس بالقهر، الذي وقع على الشعوب الإفريقية بفعل إرهاب البيض الأوروبيين ، بدءا من القرن الخامس عشر ، الذي يعد قرن الصدمة المأساوية للإنسان الأسود بالحضارة الغربية ، تلك الصدمة التي ربطت الحركة الزنجية بالحضارة الغربية ، منذ أن انتزع الغرب نحو 150 مليون أسود خلال أربعة قرون ، حيث يرسفون في قيد العبودية ، منذ ذلك التاريخ ، حتى إلغاء نظام العبودية من نحو مئة عام فقط. وقد بلغت بشاعة ذلك الفعل الإرهابي الغربي حدا عبر عنه سارتر بقوله: " الإنسان – في عالم – أسود "

ولأن الإحساس وحده بالظلم والاضطهاد العنصري لا يكفي للخلاص من ذلك الاضطهاد ، لذا ، ومع قوة الضغط وضراوة الإرهاب الأبيض الواقع على كاهل برومثيوس الأسود ، تسلح الرجل الأسود بالوعي ، بعد أن انتظم في حركات التحرر، التي عرفتها الشعوب الإفريقية عن طريق قلة من أبنائها الذين تعلموا في الغرب الأوروبي ، وتشبعوا بثقافته ، دون أن تتمكن تلك الثقافة الأوروبية من انتزاع جذور ثقافتهم الوطنية، وبذلك حاربوا الوجه الاستعماري الغربي القبيح بأسلحته التي يرفعها شعارات يتشدق بها عن الديموقراطية وعن الحرية ، التي لم تحل دون تعرض الكثيرين من أحفاد برومثيوس الأسود من الاعتقالات والسجون والتعذيب ، ليس ذلك فحسب ، بل تعرضوا للاغتيالات أيضا.غير أن ذلك لم يفت في عضد الحركات التحررية ، التي حققت لبلدانه الحرية. لكن ماذا حدث للإفريقي الأسود بعد أن تحررت بلاده بنضاله الطويل المستميت ؟ هل تحرر حقيقة أم أعاد تكبيل نفسه بقيود جده برومثيوس الأسود باختياره؟!
هذا ما سوف تجيب عنه كتابات المسرحيين الأفارقة ، جنبا إلى جنب مع إجابتها عن قيود ما قبل فترة التحرر.


• صدى زئير الغابة في المسرح الأفريقي:
إذا حاولنا تفعيل عبارة "سارتر" البليغة عن عالمنا ، عالم الإنسان الذي نعيشه، وعاشته البشرية منذ نشأة الكون ، تلك العبارة التي يقول فيها: " الإنسان- في عالم – أسود " إذا فعلناها في المسرح ؛ فسوف نجد أنفسنا وجها لوجه أمام كل النصوص المسرحية العالمية والمحلية التي تعرضت للإنسان وكشفت عن أقنعنه المتعددة والمتناقضة ، وعن وجهه القبيح المتواري من خلف تلك الأقنعة الزائفة التي تفنن في اصطناعها ، وأتقن تقنعه خلفها ، متحصنا بها أحيانا ، أو سقطت منه رغما عنه ، أو أسقطها متعمدا ، متحديا الكون كله ، مدرعا بآلته الحربية الرهيبة مرة ، بعد أخرى ، ومتوجا بمنجزاته العلمية ، ومزدانة بمنتجه التكنولوجي في مرة أخرى ، ثم غازيا لتضاريس الثقافة العالمية في كل وديان العالم المتخلف وسهولة المجدبة في عصرنا هذا.
ومع أن هذه النظرة( السارترية – الهيجلية) تقع على الإنسان بصفتها المجردة ، إلا أن عالم الإنسان في قارتنا العجوز هو الأكثر سوادا !!
ولما كانت وقفتنا الافتراضية وجها لوجه أمام كل إبداعات الكتابة المسرحية العالمية منها والمحلية ، التي تعرضت للإنسان بأقنعته المتعددة والمتناقضة أمرا مستحيلا أمام جهد بحثي واحد ، فضلا عن عبء مقتضيات البحث العلمي المنهجي ، التي تقوم على فرضية وجود إشكالية محددة ، يجتهد البحث في محاولة حلها ، بوصفها منظومة مشكلات لا تحل إحداها منفردة عن حزمة المشكلات في تلك المنظومة نفسها – بتعبير : ميشيل فوكوه – لذا فإن هذا البحث يقتصر على عدد من الكتابة المسرحية الأفريقية ؛ التي تغطي حاجته لإثبات فرضيته ، وحل الإشكالية التي طرحها.
• كولونيالية المسرح الأفريقي وما بعدها:
ما بين الثوابت والمتغيرات الثقافية البدائية القبلية في أثناء احتلال بعض الدول الأفريقية للبلاد الأفريقية ، والجهود الوطنية في المجالات السياسية والاقتصاد والثقافية، في محاولة زحزحة تلك الثوابت؛ لإحلال ثقافة مدنية وطنية بديلة؛ بعد التحرر من الاستعمار ؛ نشطت بعض الكتابات المسرحية التي استهدفت التعبير عن هذا الحراك الوطني ، عن طريق اجتهادات بعض الكتاب والشعراء الأفارقة الذين درسوا في بعض الجامعات الأوروبية ؛ وتأثرت أفكارهم وكتاباتهم بالكثير من قيم التحرر ، فتداخلت ثوابت قيمهم التراثية مع متغيرات ثقافية أوروبية متباينة ، كانت نتاجا للاحتكاك اليومي في الداخل مع الممارسات الثقافية للمحتل الأجنبي ؛ والمؤثرات الثقافية الأوروبية الناتجة عن التحصيل العلمي والثقافي للمبتعثين الأفارقة للدراسة ببعض الدول الأوروبية. وهكذا انعكس ذلك التزاوج الثقافي بين الثوابت الثقافية الأفريقية والمتغيرات الثقافية الأوروبية على النص المسرحي الأفريقي.
على أن الكتابة في مرحلة النضال السياسي الأفريقي ؛ غيرها في مرحلة ما بعد الكولونيالية ؛ فتكثيف الجهود الوطنية في اتجاه هدف رئيسي محدد ومعلوم ، استنهضت أمة بأكملها لمواجهته بكل ما تملك من عزم ومن وسائل ؛ أيسر من مواجهة تبعات التي اختفت وتوارت خلف ذلك الهدف الذي تحقق ؛ بخاصة إذا كانت تلك التبعات شديدة التعقيد ومتشعبة في كل الاتجاهات ، كما لو كانت بمثابة الشبكة العصبية في جسد كائن بشري . لقد ورثت أفريقيا تبعات جرائم المستعمر الأبيض المتراكمة على مدار 500 سنة من العبودية بشتى أشكالها المادية والمعنوية، كما تباينت كتابات الشعراء والمسرحيين الذين كان مولدهم أو نشأتهم أوروبية ؛ عن كتابات الشعراء والكتاب الأفريفيين الذين ولدوا وعاشوا في قلب أفريقية وقاسوا مع آبائهم وأجدادهم بطش المستعمر الأبيض ، وسطوة جبروته في استباحة الأعراض واستنزاف الطاقات المادية والمعنوية. ولقد عبر إيميه سيزير في شعره عن هذا الوضع خير تعبير:
"لقبي:مهان..
إسمي:محتقر..
عمري:عمر الحجر..
جنسيتي: الجنس البشري..
ديانتي: الإخاء.. "

المسرح الزنجي والنضال عن بعد:*
تتجلى صور الصراع بين حركة التحرر الأفريقي الأسود والمستعمر الأوروبي الأبيض في المسرح الأفريقي في أعمال سيزير المسرحية ، في نصوصه: " الملك كريستوف" و" فصل في الكونغو " و "العاصفة " بوصفه صراعا بين السيد الأبيض الدخيل والعبد الأسود صاحب البلاد ، الوطني"

لذا نرى بعض الكتاب الأفريقيين الذين يناضلون من داخل أوطانهم يسخرون من هؤلاء ، إذ يسخر كل من " فيمي أوسوفيلسان" ورفيقه " شوينكا" من فكرة الزنجية التي تبناها الشعراء والأدباء الأفارقة الذين تربوا في أوروبا وتلقوا تعليمهم ، وواصلوا حياتهم فيها ؛ ثم أخذهم الحنين نحو منابع ثقافتهم العرقية ؛ فيما بعد ؛ عندما أصبح لكل منهم شأنا ووزنا في بيئة المنشأ الأوروبية؛ وعبرت كتاباتهم الأدبية والشعرية عن ذلك الحنين ، وظهرت آراؤهم الحاضة على رفض السطوة الأوروبية البيضاء على موطنهم الأفريقي ، وعلى الجنس الأسود ؛ فكان أدبهم الشعري والمسرحي ؛دعوة لاستنهاض أبناء جلدتهم من بعد . وهو الأمر الذي قوبل بتعاطف عدد كبير من مفكري أوروبا ، وعلى رأسهم فيلسوف الوجودية المادية الأكبر "جان بول سارتر"
لذلك ظهرت بنائية الأدب الأفريقي ؛ حيث الكتابات التي نعتت بالأدب الزنجي أو بالروح الزنجية المتعالية على الروح الأفريقية الصميمة. في مقابل الكتابات الأفريقية التي كانت نتاج كتاب سكنتهم الهوية الأفريقية ؛ ميلادا ونشأة وثقافة؛ فجاءت كتاباتهم شكلا يجسد روح التعبير الأدبي والفني القومي الملتبس بالتراث ، والمتطلع في آن إلى التزاوج – من حيث الشكل – مع الشكل الكلاسيكي الغربي للكتابة المسرحية ، المسكونة بالمحتوى الثقافي الأفريقي في اتجاه التعبير عن الواقع الداخلي المعيش في بلادهم ، سواء في ظل السيطرة الإستعمارية للرجل الأبيض الأوروبي –عسكريا- أو بعد انتهاء مرحلة الكولونيالية. وهنا تكون لدينا مرحلتان من مراحل التعبير المسرحي الأفريقي عن الواقع، هما :
( مرحلة معارك التحرر ، ومرحلة معارك ما بعد التحرر)
مع ملاحظة أن الهم الأفريقي المقاوم لسلطة الأبيض الدخيل ، كان أخف وطأة على المقاومة الوطنية من هم مقاومة سلطة الرجل الأبيض الدخيل ، لأن المقاومة الوطنية لمحتل غاصب أجنبي محمولة على شرعية قومية ،لذا تتضافر كل الجهود الوطنية على ما بينها من خلافات أو اختلافات سياسية ، أو عرقية ، حيث تتحدد الجهود الوطنية أو تتقارب بالتآلف وبالتحالف – إذا شكلت جماعات منظمة أو جمعيات أو أحزاب وطنية – في سبيل مقاومة المستعمر ، بغية الخلاص من الاستعمار. لكن المسألة تختلف اختلافا يكاد أن يكون جذريا بعد التحرر ، حيث يأتي دور الصراع الداخلي بين تلك الجماعات والأحزاب إذ يتفكك تآلفها أو تحالفها الإطاري ، الذي التف حول برنامج عمل محدد موجه نحو تحقيق هدفها الاستراتيجي ( الخلاص من الاستعمار) ويبرز المطالبات الحزبية والفئوية ، محمولة – غالبا- على عوامل عرقية؛ فتطالب كل فئة حزبية وقبلية بنصيبها من كعكة السلطة الجديدة ، التي يفترض تسلمها لمقاليد الحكم من يد المستعمر المرتخية ، من شدة ضربات المقاومة الوطنية وضراوتها ، كما وكيفا ، على أرض المعركة وجهدا دوليا وإعلاميا. هذا إن لم تكن هناك قوة وطنية هي الممثلة الرسمية التى تشكل عصب المقاومة ، التى انضوت تخت رايتها بقية القوى الوطنية المتحالفة معها على طريق مقاومة المستعمر. ولئن كان ذلك قد تم فعليا فإن الصراع على الأنصبة في مستويات السلطة ، ومراتب القيادة في نظام الحكم الوطني سيحل محل شكل الصراع مع المستعمر ، وسيتخذ مظاهر متعددة ؛ غالبا ما تعطل مخططات السلطة الوطنية التي تربعت على سرير الحكم ؛ إذا كانت لديها بعد مخططات حقيقية لصالح الوطن المتحرر حديثا .. هذا فضلا عن المشكلات العويصة التي خلّفها المستعمر الأوروبي ؛ بخاصة الاقتصادية ، وما يرتبط بها من أحوال معيشية وصحية وتعليمية ، وإنتاجية . وهو أمر يحتاج من أي نظام وطني مستند إلى سلطة حزبية قوية ، التفت حولها قوى حزبية موازية لها أو أقل منها قوة في تفاعلها مع جماهير الشعب العريضة ؛ بحيث يتمكن من رسم خطة اقتصادية ، أو مشروع قومي ، يرتفع بالإنتاجية ، بالتوازن مع الواقع الاجتماعي ، تحقيقا لعدالة اجتماعية ، وهو أمر تقف دونه النزعة العرقية أو النعرة القبلية ، وهي نزعة فاعلة في تلك المجتمعات المتشبثة بالرسوبيات الثقافية المشتبكة مع الكثير من الخرافات والعصبيات ، في ظل الازدواجية الدينية واللغوية والعرقية ، وكلها بمثابة قنابل موقوتة سريعة الانفجار لأقل احتكاك طائفي أو عرقي. وهذا ما رأيناه على أرض الواقع الأفريقي ، في مرحلة ما بعد الكولونيالية ، على كل المستويات الصراعية السياسية الملتبسة بالمؤامرات الداخلية المتدنية ، مابين مرحلة تصفية الزعامات الوطنية بعضها بعضا ، تصفية دموية جسدية ، كحالة " تشومبي " وتآمره على قتل " لومومبا" الزعيم الوطنى الكونغولي ، وتآمره على "داج همرشلد" الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ، عندما أقدم على التوسط لحل مشكلة الصراع على الزعامة غي تلك المنطقة المشتعلة بنار العصبية والطموحات الرئاسية العرقية، وهب أمور عرقلت مسيرة انطلاقة البرجوازية الوطنية الأفريقية نحو تنفيذ مهامها الوطنية في إنضاج ثورتها الوطنية في اتجاه النمو الاقتصادي ، والاضطلاع بالتحكم في مقدراتها ، دون تدخلات أجنبية ، في ظل وعي قومي ووطني ؛ بأنه ليس سهلا على المستعمر الأبيض الذي سلب الكثير من ثروات أفريقيا واستنفد ما تفيء به المناجم من نحاس ومن ذهب ، فضلا عن استغلال الأيدي العاملة المتدنية الأجور ، والسيطرة على السواق لتصريف منتجاته الأوروبية ، ليس سهلا عليه أن يسلم بالواقع الذي انتهى إليه حاله بعد طرده من القارة الأفريقية .. وهو بكل أسف لم يكن مهما عند بعض القيادات السياسية الأفريقية المنتفعة من وجود الاستعمار . وبخاصة تلك المنتمية إلى المؤسسة العسكرية ، المعادية بطبيعتها للمدنية والمتشبعة بروح التسلط الفردي وثقافة الطاعة التراتبية.
استنادا إلى ما تقدم ؛ فإن لهذا البحث وقفتين مع الإنتاج المسرحي الأفريقي
الأولى: تتمثل في : ( مبحث: المعالجة المسرحية للمسألة الأفريقية عن بعد)
الثانية: تتمثل في : (مبحث: المعالجة المسرحية للمسألة الأفريقية/ أفريقيا)
المبحث الأول: المعالجة المسرحية للمسألة الأفريقية عن بعد

لنر في الوقفة الأولى كيف تناولت الكتابات المسرحية الزنجية قضايا التحرر ، والدور الذي لعبته تلك الكتابات في تكوين رأي عام أوروبي وعالمي لصالح قضايا الخلاص من المستعمر الأوروبي الأبيض. ، ونر في الوقفة الثانية مع كاتبين تمثل إنتاحهما المسرحي والشعري بالروح الأفريقية الصميمة في معالجة قضايا أفريقية صميمة وهما ( وول شوينكا) وزميله النيجيري( فيمي أوسوفيسان)

• صورة أفريقيا بعد التحرر من الاستعمار:
في نشوة الاستقلال المكتسب ، تجمعت كل المشكلات الأفريقية مرة واحدة ثورات ، خيانات ، صدمات حضارية، دسائس سياسية / مناورات قيادات كبرى. كل هذا جرى بلا رابط ، في طريقة إعادة بناء الدولة المعلق . ولا يعدم مثل ذلك الواقع المعقد من الظفر بشخصية رجل خيالي ، يرى أبعد من الواقع المتردّي . رجل وطني ، حقيقي ، عقائدي ، يزاوج في إيمانه بين القوة والحكمة معا في كل واقع تختلط فيه المصالح مع المنطق وتتداخل كل التناقضات بلا رابط ، في طريق إعادة بناء الدولة.
وقد ظفرت أفريقيا بشخصية كبيرة وعظيمة ، هي شخصية " باتريس لومومبا".
• " إنه رجل سياسي ، كان يعّد الرجل الوحيد في الكونغو والرجل العظيم في أفريقيا بأسرها ، ذلك أنه يتمتع ببصيرة نافذة وشاعرية مطلقة." أكمل قدره ومصيره بجلاء ووضوح رؤسا ، قدره ومصيره كضحية وبطل ، مهزوم ، ولكنه منتصر أيضا .. يصطدم بأسوار سجنه ، ولكنه يقاوم في الوقت نفسه . رجل بعبر عن تاريخ قارة بأكملها ، تعبيرا مثاليا ورمزيا "3

• لمومومبا وصورة البطولة المهزومة في المسرح الزنجي:
صور إيميه سيزير ، شخصية لومومبا في مسرحيته ( فصل في الكونغو) منتصرا مهزوما في آن معا ؛ تصويرا لا يبتعد كثيرا عما جرى من أحداث حقيقية جرت على أرض الكونغو في مرحلة الاستعمار البلجيكي . وقد كان صوت سيزير هو الأقوى والأبقى والأكثر تأثيرا وأثرا من بين أصوات الحركة الزنجية التي ضمت كل من " سنجور " و "داماس " و " ديوب " و " سيزير " نفسه في الفترة من 1934 إلى 1940
ولعل من الضرورة الإشارة إلى هوية سيزير الفنية والسياسية قبل الوقفة التحليلية لنصه المسرحي . لقد اعلن سيزير عن اقتناعه بالسيريالية مذهبا فكريا ، يسعى إلى الحرية المطلقة ، بحيث جاء اعتناقه لها إفادة منها ، وليست تبعية لها ، ووسيلة لهدف ، وليس غاية أو أيديولوجية. ومن الناحية السياسية فقد انخرط في العمل السياسي حتى أصبح عضوا في البرلمان الفرنسي ، وكان أن هجر الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1956 بعد أن وصل فيه إلى أعلى المراكز ، ليتفرغ للكتابة شاعرا ومؤلفا مسرحيا ومفكرا من أجل حرية وطنه وحرية جنسه وحرية الإنسان في كل مصير . أما أسلوبه الأدبي ، فيميل إلى التعقيد شأن كل مفكر ، ومبدع متعدد الثقافات ، إذ يتخير الألفاظ المهجورة والمركبة والعبارات المحملة بشحنات نفسية ، تعكس حالة التوتر ، وتكشف عما يكتنفها من الغموض ، كما يدل رموزها دلالة اعتباطية على الجنس والرغبة المكبوتة ، وحيث يتقارب معنى الرمز عند الكتاب الأفارقة مابين أنواع الشجر ن والفواكه ، والنجوم ، والمياة ، والعصافير ، والزهور . وهي لا شك من تأثيرات السيريالية عنده. بما لها من إيحاءات وإسقاطات استطاع توظيفها في صوره الشعرية والمسرحية على حد سواء .

• الخطبة الدرامية في الفرجة الشعبية:
يستهل "سيزير" نصه المسرحي ( فصل في الكونغو) استهلالا احتفاليا ، طقسيا ، ملتبسا بالتضفير السياسي، وأقول الخطبة ، لأنها خطبة بالفعل . وهي سياسية في مضمونها . غير أنها درامية احتفالية ، من حيث الشكل أو الأسلوب الإطاري الفني ؛ حيث يؤديها ( حاو) في حلقة محيطها جمهرة من الأفارقة المحتشدين في حي لعاصمة ( ليوبولد فيل) حول ذلك الحاوي الذي يقوم في أثناء تقديم ألعابه بالدعاية لمنتج البيرة البلجيكية. ومن الملاحظ المهمة أن الحاوي والحشد المتحلق حوله مراقبون من الشرطة السرية البلجيكية
تنطوي الافتتاحية إذن على عنصر الدهشة ؛ إذ من غير المتصوّر- على المستوى الواقعي – أن يحمّل حاو شعبي بخطاب سياسي ، تحريضي ، يحض الجماهير البسيطة المتحلّقة حوله ، متوقعين الاستمتاع بمشاهدة حيله ومهاراته وألعابه السحرية ؛ فإذا بأفق توقعاتهم يتبدد!! وهنا يلتبس المضمون السياسي بكساء الفرجة الشعبية ، فيما يظهر حالة الغرابة ، المثيرة للدهشة ، تلك الدهشة التي هي أساس عمل نظرية التغريب الملحمي في فنون المسرح – بغض النظر عما إذا كان الكاتب يتقصد ذلك من عده - :
" الحاوي: اخترع البيض ، يا أبنائي ، كثيرا من الأشياء . جاءوا بكم إلى هنا وفعلوا الخير ، وفعلوا الشر . أما عن الشر فلن أطيل اليوم لكن لا شك أن البيرة خير . اشتروا .. أليست هي الحرية الوحيدة التي يبيحونها لنا قبل أي شيء ؟ هل يمكننا أن نجتمع دون أن ينتهي هذا الاجتماع إلى السجن ؟ نجتمع نسجن . نكتب نسجن .. نغادر البلاد ؟ نسجن .. وهلم جرّى ؟ لكن .. لكن لاحظوا بأنفسكم .. منذ ربع ساعة وأنا أخطب فيكم ومع هذا يتركني رجال الشرطة أفعل .. أما السبب ، فلأني أبيع البيرة ، ولأني أصب البيرة .. من المؤكد أن كأس البيرة هي رمز حقنا ، الكونغو وحرياتنا الكونغولية .
لكن احذروا ، نعم فكما يوجد في البلد الواحد أجناس متعددة ، كما هو الحال في بلجيكا نفسها ، حيث يعيش الفلاموند والفايون وحيث يعلم أي فرد أنه لا يوجد أسوأ من الفلامونديين ، يوجد أيضا بيرة وبيرة أخرى . أجناس من البيرة ، أفضل أنواع البيرة في العالم .. البولار . هي التي تغيش في الظروف الجوية القاصية .. البولار بيرة الحرية الكونغولية.
متفرج: هيه .. ولكني سمعت أن البولار توهن المرء .. وأن البولار يوهن المرء .. وأن البولار تضعف من قواه الجنسية .. أجب عن هذا يا سيدى.
الحاوي: لاجظ أيها المواطن ، أني لا أرد على هجومك بهجوم مماثل .. كما أني لا أطلب منك أن تأتي لي بزوجتك أو أختك ( ضحكات تدوّي في الاجتماع)
متفرج: هو ..هو هو . هذا الرجل عنيف ..
الحاوي: لكني التفت ناحية الفتيات هناك ، تلك النباتات اليافعة ، وألقي عليهن بسوء .. إليّ .. هيا أيتها الفتيات .. يا دعاباتي ، صاحبات البسمة النديّة .. يافتياتي ذوات بطن الحية اللدن .. ألن تجئن؟
( الفتيات تغني )

أجساد كالمرايا ملساء
أدساد بر رياء
غارقة في العسل
شعر متموج
نهدان بارزان
فوق الصدر البرئ بلا حياء ( تصفيق الجمهور)"
المخبر البلجيكي الأول: لا بأس بتهريجه .. لكنه ثرثار
المخبر الثاني: هيه.. لكنه مصدر قلق .. فكأس البيرة التي يصبها عبارة عن صندوق ملئ بالدهاء .. ماذا يخرج منه ؟ سأحصل منه على كلمتين في هذا الشأن.
المخبر الأول: عامله بعنف .. لا بد من بيع البولار .. تعرف من يملك البولار ؟
المخبر الثاني: كيف تريد لي أن أعرف ؟ أعرف فقط أن هذا الزنجي خطير.
المخبر الأول: أنت صغير ، أقول لك .. فوراء البولار يختفي الوزير .. أي نعم
وزير الكونغو .. هل هذا يكدرك .. لكن الأمر كذلك .. فهمت إذن .. هيا بنا نأخذ كأسا.
المخبر الثاني: أرغب في ذلك تماما.. اعطني بالمناسبة اسم الحاج ، فشيء ما يقول لي إننا سنحتاج إليه.المحبر الأول: أوه إنه ساحر ..اطمئن .. ساحر اسمه .. باتريس لومومبا "


• المسكوت عنه في المشهد الافتتاحي:
يتكشف المسكوت عنه من وراء ظاهر التعبير الدرامي في الصورة الفرجوية الاحتفالية الشعبية السابقة ، في السلوك البراجماتيك المتبادل بين السلطة الاستعمارية البيضاء والمعارضة السياسية الأفريقية ، فظاهر الصورة تدل على نفعية استعمارية حيث يظهر المستعمر الأبيض بمظهر الديموقراطي الذي يسمح لمعارضيه الوطنيين بانتقاده ، ومن الناحية الفعلية ، فطالما يعمل المعارض السياسي على در الأرباح للرأسمالى الحاكم المستعمر ؛ فلا ضير من القليل من ثرثرته . المهم هو أنه يروّج له منتجه الاستهلاكي .

• التعليمية والفعل الدرامي المرجأ:
تلعب فكرة البطولة المنسحبة دورا مهما في مسيرة النضال الأفريقي من أجل التحرر ، وهو ما عني " سيزير " بتصويره في مسرحيته تلك:
" ( يدخل رجل يرتدي زيا أوروبيا ، يسير كرجال البحرية . إنه موكوتو)
موكوتو: سلام على الفتيات ، عندي لكم أخبار جديدة . ألقى الفلامنديون القبض على باتريس ، ولا أمل في أن يلينوا .. رحلوه إلى إيفيل، مقيد اليدين ، بينما يجتمع السياسيون في بروكسل حول مائدة مستديرة لتقرير مصير الكونغو"
" رجل: حسن ..حسن .. لاكن ما العمل ؟ لا يمكننا رغم كل شيء أن نقتحم وبأيدينيا العزلاء سجن إليزابيث فيل.
موكوتو: وهل أعرف أنا؟ ياإلهي.. افعلوا أي شيء . ولكن افعلوا .. كل الطرق ممهدة ، كل الطرق تؤدي إلى الثورة ، فاتخذوا إذن أي الطرق . لكن اتخذوا طريقا ( يرتفع الصوت مرة أخرى خلف المسرح ويغني نشيد اللمبانجيست)

إننا الأبناء اليتامى
ليل حالك ، شاق هو الطريق
إلهنا القادر . أين نجد العون ؟
أبانا الكونغو من ذا الذي يعيننا."
هكذا تنتهي المسألة إلى رد الفعل التواكلي ، حيث الوسيلة السهلة المريحة ، الدعاء ، ترك المسألة بيد الغيب .
"المرأة: اقترح أن نرتدي ملابس الحداد لمدة ستة شهور ، فنحن نلبس الحداد عندما نفقد أحدا منا ، وباتريس كان إلى حد ما واحدا منّا.
موكوتو: ياله من كذب .. تعتقدين أن هذا الأمر يهم الفلامنديون؟
المرأة: أنا أقترح أن نقوم بإضراب ونطوف رافعين أعلامنا ، كل جمعياتنا لوليتا ، دولار ، المرأة الحرة ، والأمل ، رافعة أعلامها الصفراء والخضراء والحمراء ، سوف يكون لهذا تأثير ."
تتأرجح اقتراحات النساء من أجل اتخاذ موقف ضد اعتقال زعيم الأمة، ما بين إلقاء عبء خلاص ذلك الزعيم المعتقل على الغيب ، أو التعبير الحزين السلبي بديلا عن الفعل ؛ بارتداء ملابس الحداد حزنا أو تعبيرا عن حزنهن . إلى أن تدرّج رد الفعل ، حيث اقتراح إحدى النساء بالقيام بإضراب - هكذا بشكل مفاجئ ؛ فلا إعداد ولا تنظيم ، قرارات ارتجالية فردية ؛ ابنة لحظتها – إضراب نسوى ترفع فيه الأعلام !!
ولنلاحظ أن هذه الاقتراحات اللحظية المتدرجة لتنتهي هذه الدفعة الحماسية إلى المهادنة والاستسلام على يد (ماماكوزي) أي بمخلّص فردي . وهنا يتضح المغزى التعليمي الذي قصد إليه المؤلف ؛ حيث يشخص حالة ردود الفعل الفردية المتدرجة:
" ماماكوزي: (أو المرأة القوية) كفاكم بلاهه.. لا حزن ولا إضراب . العمل هو العمل ، سنعمل أكثر مما عملنا من قبل. سندفع كفالة للبلجيكيين ، الجاموس يحب المال، هذا شيء معروف إنه غذاؤه ، وسيجتمع باتريس مع الآخرين في بروكسل . انتهيت من كلامي."
يعتمد المجتمع الأفريقي إذن على القرار الفري الممسك بزمام الأمور ، والمتحكم في آلة الفعل الجماعي القبلي ، وهو أمر مريح للقوى الاستبدادية الاستعمارية أو غير الاستعمارية على حد سواء.
"( رجل يقوم ، يغني ، الحشد يردد غناءه)
سيحل فصل الأمطار
ستأتي الحرب إلينا
زمن الدماء الحمراء
هو الزمن الذي أتحدث عنه
قوي هو الجاموس ، قوي هو الفيل
لكن أين الفرار ؟
لا الباب ولا الطريق
تنبأ بعلمه
قريبا يسقط الجاموس وقريبا يسقط الفيل
سيشعرون بيد الله الرهيبة
الزمن الذي اتحدث عنه هو زمن الدماء الحمراء
للغد هي الحرية."
هكذا يرجأ اتخاذ قرار الفعل الثوري المختلف عليه شكلا ، ويستبدل بموقف تلطيفي ، يفرغ شحنة الحماس الجماعي . ما أشبه ردود الأفعال لدى شعوب أفريقيا .. ، أليس ما نفعله نحن هنا في مصر وفي الكثير من البلدان التي تغرق مجتمعاتها في الفساد البيروقراطي فيما بعد مرحلة التحرر ، الهتافات أو الغناء الحماسي ،-أحيانا- والتلطيفي –أحيانا -

• درامية العنف وصوره مع المعارضة السياسية :
لا يختلف معاملة السجناء المعارضين السياسيين في أفريقيا عنها في أي بلد يحكمه التسلط الأجنبي أو الحكم الوطني الاستبدادي ، في ظل الاحتلال أو في ظل مرحلة ما بعد التحرر:
" السجان1: ( يتحدث في التليفون) آلو؟ إني منصت .. نعم سيادة المدير .. تماما ياسيادة المدير.. حسب أوامرك ياسيادة المدير.
السجان2: ما الموضوع أيها الرئيس ؟ خطير ؟
السجان1: المدير أخبرنا بحضوره الآن، بخصوص السيد باتريس لومومبا.
السجان2: أوه.. هذا الرجل.. لا يجلب لنا سوى المشاكل.. رأيت العديد من المسجونين، لكن بشرف السجان، لم أري أناسا متعبون أكثر من هؤلاء الزنوج ذوي النظارات.
السجان1: والإدعاءات .. انظر إنه حتى الآن يكتب الشعر .. شاعر خسيس، لكن احضره هنا حتى نذكره بالنظام ونهيؤه للحديث مع سيادة المدير"
ولنلاحظ المسكوت عنه فيما وراء عبارة " ونهيؤه للحديث مع سيادة المدير" !! ونوازنه باللهجة المغايرة ، حالة ارتخاء قبضة نظام أسياد ذلك السجان ، حيث تتغير نبرته بدرجة 180% من عنفوان جبروت السلطة إلى خوار الأبقار ؛ فور تغير لهجة أسياده في بروكسل:
( بينما يذهب السجان الثاني لإحضار السجين .. السجان الأول يقرأ)
السجان 1: أوه .. أوه ..
الكونغو، ثم جاء الرجل الأبيض
مغتصبين نساءك
لكن المستقبل السعيد يحمل الخلاص
شواطئ النهر الكبير هي ملكك الآن
ملكك هذه الأرض وكل خيراتها
ملكك تلك الشمس في علاها
من أين سيملكها الشمس؟
إنهم لا يكتفون بالحصول على بيوتنا ونسائنا
بل يريدون أيضا الحصول على الشمس !
أه.. ها أنت أيها القذر الحقير، الجاحد، أه السيد يقرض الشعر.. لكن من الذي علمك القراءة.. أيها الخسيس، سوى هؤلاء البلجيكيين الذين تكرههم إلى هذا الحد .. قف.ز امسك.. سأكتب الشعر على ضلوعك.
السجان1: لا بأس.. هيه؟ ( يضربه) اتتصور نفسك في بروكسل أيها الوحش؟ وما الذي ستقوله للملك إذا رايته ؟ ما الذي ستقوله للسيد كتوكو؟
السجان2: ( وهو يضربه) يريد بالطبع أن يصبح وزيرا..(يضحك) أتتصور نفسك سيدا .. أيها الخسيس .. سيدا."
هكذا تبدو صورة صغار السجانين دائما هم ملكيون أكثر من الملك نفسه، لكنهم سرعان ما ينقلبون رأسا على عقب في معاملتهم للمعتقل السياسي إذا ما ارتخت قبضة سلطلة نظامهم، فإذا بهم وقد تخنثت أصواتهم في مخاطبتهم للمعارضين السياسيين ، خوفا وهلعا من احتمالات ما ستتكشف عنه الأحداث في ظل الفوران الجماهيري ، وصلابة المناضلين: لعة المهادنة والتفاوض في الدراما : *
المهادنة عمل من أعمال السياسة ، التي هي فن إجادة التعامل مع الواقع . ولا شك أن عمل الإدارة هو عمل معبر عن سياسات نظام حكم أو هيئة أو مؤسسة رسمية أو غير رسمية. ولما كانت السجون مؤسسة حكومية يديرها نظام الحكم من أجل حماية النظام ومؤسساته ، وحماية استقراره اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ؛ لذا نرى مدير السجن في مسرحية ( فصل في الكونغو) ؛ وقد تغير موقف حكومة بلجيكا من الزعيم الأفريقي لومومبا المحبوس في سجنه ؛ يسارع هو بنفسه لنقل الخبر إلى سجينه، بإعلان إطلاق سراح لومومبا . وهو إعلان يتخذ سمة أخرى ونبرا مختلفا كل الاختلاف عن لهجة القهر ، والاستعلاء السابقة:
" المدير: أحمل إليك أنباء سارة .. يا سيد لومومبا .. نبأ عظيما. نعم فأحيانا ما يحدث أن يحمل مديرو السجون أنباء سارة.أنباء عظيمة إلى مساجينهم ، فقد وصلني منذ برهة أمر من بروكسل بخصوصك. قرر السيد حاكم الكونغو إطلاق سراحك .. ويأمل بصفتك رئيسا للحركة الوطنية الكونغولية ، كما تطلقون عليها ، يأمل أن تشترك في أعمال مؤتمر المائدة المستديرة . وقد كلفت باتخاذ اللآجراءات الللازمة لتسيير سفرك .. وأخبرك بأن طائرة شركة سابينا المتجهة إلى بروكسل ستقلع غدا. أنت الآن حر يا سيد لومومبا .. رحلة موفقة ياإكسلنس..
السجانان: أوه..أوه..(ينحنيان) رحلة موفقة ياإكسلنس"
( يمر لاعب سائرا وهو يغنى)
"إخواني .. يا إخواني.. تيقظوا.. الكونغو يتحرك "

• سوق المال ودراما المتغيرات السياسية :
بقدر دفع الحراك السياسي نحو اشتداد النضال الوطني ضد المستعمر أو ضد أنظمة التسلط الفردي لنظام الحكم ، تتغير حركة سوق المال صعودا أو هبوطا، وهكذا يحدث الحراك الاقتصادي بفعل النضال الوطني تغيرا ملحوظا في صناعة القرار السياسي .، وهذا ما يصوره إيميه سيزير في المشهد الرابع ، بعد الإفراج عن الزعيم الكونغولي لومومبا.؛ حيث يتذبذب سوق المال وتضطرب حركة البنوك:
"( منشور يسقط من الكواليس مكتوب عليه: " بروكسل قاعة المائدة المستديرة " غرقة ملاصقة لقاعة القصر.. الذي ينعقد فيه مؤتمر المائدة للأحزاب الأفريقية..أربعة أو خمسة رجال متنكرين في شكل ساخر ، على هيئة صرافي البنوك ، يدخلون ويخرجون .. زي أنيق.. سيجاركبير .. السخط والرعب على أشدهما .. تسربت أنباء تفيد بأن الحكومة البلجيكية وافقت بناء على طلب لومومبا على تحديد يوم 30 يونيو 1960 موعدا لاستقلال الكونغو.)
الصراف1: لقد انتهي كل شئ صمم الخونة على بيع إمبراكوريتنا
الصراف 2: حددوا للاستقلال موعدا
الصراف3: للأسف قبلوا ديكتاتورية هذا الخسيس
الصراف4: الشجاعة يا سادة ..الشجاعة. على المرء أن يتزوج عصره.. لا أقول يحبه..يكفي أن يتزوج منه.. هذا الاستقلال يضللني."
هكذا تنقسم الآراء في حمية الانفعال ، خوفا من ضياع المكاسب ، فيتبنى الكثرة من أصحاب المصالح موقف التشدد والسخط ، ويقف القلة القليلة موقفا برجماتيا . وهذا ما وضح في الحوارية السابقة ، حيث يتبن موقف الرجل الأبيض من مسألة التفاوض ، مع الحركة الأفريقية الوطنية ؛ فترى في إعلان بلجيكا الاستقلال والرحيل عن الكونغو ضربة قاصمة لمصالحهم ، بينما لا تعدم هذه المجموعة الرأسمالية الغاضبة من صوت العقل إذ يظهر بينها من يفكر تفكيرا برجماتيا ، يتدبر مسالك أخرى بديلة للانتفاع ، وتقليل الخسائر :
"الصراف1: الشئ الذي يؤدي إلى الكارثة الكبرى ويقضي على الدولة ، ويبدد أموالنا ويحط من قدر هذا البلد حتى يصل إلى أحط الدرجات ، هو أن تتخذ موقفا بعد فترة طويلة.
الصراف2: تناقض محير أم حكمة خطيرة .الإثنان ولا شك .. زميلي إني أقولها لا أعرف م الذي يجيش في أعماقك ولكن عندما ينتشر الشر في مملكة شاسعة يصبح من الخير ألاّ تنادي بالحرية.
الصراف4: عندما ينتشر الشر في مملكة شاسعة تصبح الحلول الجريئة هي وحدها العاقلة."
يتفتق ذهن الرأسمالى العجوز عن حيلة يظل بها ممسكا بمفتاح خزائن المال ومسيطرا على السوق ، بعد الاستقلال ؛ فللاستعمار أشكال غير الشكل العسكري المباشر ، والمهم ملكية وسائل الإنتاج .. الأسواق والبنوك :
"الصراف2: ما علينا.. هل لديكم ما يسمى بالسياسة؟
الصراف 4: سياسة؟ الكلمة ضخمة. لكن لنحكم العقل، من هنا وهناك تقفز إلى مخيلتي بعض الأفكار.. وهذا لا يستحق شيئا عشرون عاما من العذاب. فكروا. فلكي نروض الوحش لا يوجد إلاّ وسيلتان.. الهراوة يا عزيزي ، والخازوق.
الصراف1: وبعد ؟
الصراف4: ماذا لا شئ.. كنت أعتقد أنكم أكثر وعيا. اتبعوا الفكرة.. يريدون؟ مراكز.ألقاب.رئاسات.نواب.شيوخ.وزراء.. أخيرا الخازوق.. حسنا .. سيارات..حسابات جارية.قصور. مرتباتكبيرة.لن أبخل أبدا.. بديهيا وهذا هو المهم:أن تشبعهم.. النتيجة..أن تلين قلوبهم. ويصفو مزاجهم، أرأيتم إلى أين يقودنا المنطق حتى تحكم تدبيبر المؤامرة.
الصراف1: كفى.. أحسنت أيها الزميل.. الموافقة بدون تحفظ؟
كورس الصرافين: هيه..هيه.. يحيا الاستقلال."
تسهم الانقسامات العرقية الداخلية الكونغولية في إنجاح مخططات الفكر الإمبريالي المستقبلية ؛
" (ليوبولدفيل ، احتفالات شعبية، تسمع أناشيد الاستقلال)
امرأة: كيف يصل الاستقلال في سيارة ..أو باخرة .ز في طائرة؟
رجل: يصل بصحبة الملك الأبيض الصغير.ز السيد كيتوكوتو، هو الذي سيحضره لنا.
مواطن: ( من المنظمة الوطنية الكونغولية):
الاستقلال .. لن يحضره لنا أحد.. نحن الذين نحصل عليه. أيها المواطنون.
موكونجو: لا يهم .. منحناه أو انتزعناه.. ما أعرفه .. هو أننا الآن نملك الاستقلال وعلى كل البنجاليين أن يعودوا إلى قراهم.. لقد أفسد هؤلاء البنجاليون البلد.
مونجالي: نحن وحدنا الذين نملك السماح لواحد من الموكونجو ، أن يكون رئيسا للجمهورية.. وأن يحكمنا .. هذا المكان يعود لرجل من النهر ، يحيا جان بوليكانجو.. إلى السلطة يا جان بوليكانجو. "

من الحاكم المستبد لا يتحقق إلا عن طريق الاغتيال السياسي.


• دراما الخطاب السياسي بين التحذير والتغيير:
في ظروف السياسية الطارئة ، حيث تشكل مرحلة نقل السلطة من المستعمر الأجنبي إلىالسلطة الوطنية الثورية المؤهلة لاستلام الحكم ، تشيع بين الأطراف المؤيدة للانتقال ، والأطراف المعرضة المضارة من تبعاته ، تشيع الكثير من مقولات التحذير ، مختلطة مع شعرات ما بعد التحرير ، من صور لطموحات التغيير ، وهو مناخ ملتبس ، يتحول فيه الصراع إلى صراع فكري ، يميل كثيرا إلى روح الشعارات المحذرة من عواقب التغيير والتبرير في مساندة الدعوة الرافضة لأي نوع من أنواع التغيير ، حرصا على مصالحها أن تضار :
" كالالوبو: أريد أن تعلموا أن الاستقلال إنما هو صديق للقبائل.. لم يأت لينال القانون .. ولا العادات .. ولكنه جاء ليكملها ويتممها .. ويوفق بينهما الاستقلال ، صديق الوطن . لم يأت أيضا ليعمل على تقويض الحضارة . الاستقلال جاء ممسكا بين يديه من ناحية بالعادات وبالحضارة من ناحية أخرى .. الاستقلال جاء ليوفق بين القديم والحديث ، بين الوطن والقبائل ، فلنبق مخلصين للحضارة ، فلنبق مخلصين للعادات ، وسوف يحفظ الرب الكونغو."
وفي مقابل هذا الخطاب التلفيقي المضاد للتغيير بجمعه للنقيضين ، الحضارة والعادات وللوطن والقبائل معا ، يقف خطاب لومومبا الزعيم الأفريقي التقدمي ، الذي يدرك خطورة خطاب التلفيق السياسي التبريرى السابق ، وما ينطوي عليه من غش وتزييف :
" لومومبا: أما أنا .. سيدي .. فأفكر في المنسيين ، نحن الذين ضربنا ، وشوهنا، وأهنّا وبصق على وجوهنا . طباخون، وشغالون، عمال كما تقولون غسالون ، شعب من العمال، من يشك أن الإنسان من الممكن ألا يكون إنسانا، ولا يملك إلا أن ينظر إليه ، كل الآلام التي استطاع أن يتحملها الإنسان. يا سيدي تحملناها. كل الإهانات التي استطاع أن يذوقها الإنسان ذقناها. طعم الحياة، أيها السادة ، لم يستطيعوا أن يصبوا مرا في أفواهنا. ولقد كافحنا بوسائلنا البدائية. كافحنا خمسين عاما، وها نحن قد انتصرنا بلادنا هي الآن بين أيدي أبنائها، هذه السماء، هذا النهر، هذه الأراضي، ملكنا . البحيرة ، والغابة ملكنا . كاريزمين، تيارا ، نجوجو، يناموراجيرا ، ميكينو ملكنا..إيه إن الجبال تتصاعد إليها النار والكلمات ، أيها الكونغوليون اليوم هو يوم عظيم ، اليوم الذي يضم فيه العالم إلى أممه الكنغو أمنا، أو الكونغو ابننا ، وليد أرقنا ، وآلامنا ، أصدقاء الكفاحوأخوة النضال ، فليتحول كل جرح من جروحنا إلى ثدي ولتصبح كل فكرة من أفكارنا ، وكل أمل من آمالنا غصنا يجدد الهواء من أجل الكونغو.. انتبهوا.. إني أرفعه فوق رأسي وأحمله على كتفي .
انفخ على وجهه ثلاث مرات، أضعه على الأرض وأسألكم .. هل تعرفون حقيقة هذا الطفل ؟
وتجيبون جميعا
إنه الكونغو ملكنا
أريد أن أكون طاءرا ، طائرا جميلا، يحلق في السماء ، بعلن للأجناس بكل اللغات.. إن الكونغو ولد لنا ملك لنا .. ليحيا الكونغو.. الكونغو المولود مؤخرا ، فليحيط بالجميع. أيها الأصدقاء ، كل شيء يجب أن يصنع ، كل شيء يجب أن يعاد صنعه، سوف نراجع القوانين بعضها تلو الآخر من أجل الكونغو.. سوف نعاود النظر ونحن نقتلع الظلم في كل أجزاء الصرح القديم من أسفله إلى أعلاه.. الواحد تلو الآخر من أجل الكونغو..وكل ما اعوج سوف يستقيم، وكل ما نكس سوف يرفع."14
هل تنبه الوطميون الكونغوليون لتحذير زعيمهم ( لومومبا) ، وهو يصيح بأعلى صوته :
"لومومبا: من أجل الكونغو أطالب باتحاد الجميع ، أطالب بتضحية الجميع من أجل الكونغو ( فترة من الذهول)
ياكونغو يا أيها الزمن العظيم ..
ونحن بعد أن أحرقنا ثياب العام القديم
علينا أن نبدأ خطواتنا الراسخة المتفائلة
في المهد الجديد.. في بزوغ الشمس "
لو كان ذلك قد حدث ما اغتيل لومومبا بإيد كونغولية . وهي نهاية متوقعة ، على لسان ممثل القوى المضادة للتغيير:
( يدخل أربعة صرافين)
" الصراف 1: هذا مرعب.. -هذا مرعب .. ستكون النهاية سيئة.
الصراف 2: هذا الحديث.. هذه المرة إن حدث يمكننا أن نرحل..
الصراف 3: (متعجرفا) هذا واضح حين ينعدم النظام على الصراف أن يرحل..
الصراف 4: نعم.. على الكونغو .. هذه المرة أن يسير بدون مرشد.. يمر موكوتو مهموما ولا يرى أحدا)
موكوتو : كنت قد راهنت عليه: على من استطاع أن بحسن صياغة هذا الحديث ؟ ليقال إني أردت أن أصنع منه رجل دولة.. إذا كان يريد أن يكسر عنقه ، فتبا له، ياللخسارة، يالها من خسارة.ز إن السكين الخادة تمزق حتى غمدها ( يبصق) محترف المقابلات.ز هل صحيح كما يقال في قريتي إن الثروة جمل يملكه الشخص الذي يترقب اللحظة التي يبرك فيها الحيوان تعبا لكي يمتطيه..
( يخرج ممتطيا جوادا خياليا) ( وهذا لاعب السانزا يردد أغنية لوبيتو الشعبية)
يمسك الرياح
فليس هناك آمن منهم
وليست لهم ملامح القتلة
ولكن أنوفهم تستنشق كل رائحة تحملها الرياح
إنهم شباب لوبيتو
إنهم رجال مشوهون
يأكلون كل شيء
إنهم رجال لوبيتو
اللوبيتو هي النقود
ليسوا طيببين ولا أشرار
إنهم رجال لوبيتو
( يظهر الصراف الخامس)
الصراف 1 : تهنئتي يا سيدي.ز إنه همل جيد في الحقيقة"

* جمالية الصورة المسرحية:
هكذا تتكامل الصورة المسرحية بتضافر المضمون الحواري مع عنصر الفرجة الشعبية الإيهامية في ربط شخصية (موكوتو) بين المثل الشعبي الذي يتردد في قريته : (( إن الثروة جمل ينلكه الشخص الذي يترقب اللحظة التي يبرك فيها الحيوان تعبا لكي يمتطيه)).. ومغادرته المكان (( ممتطيا جوادا خياليا متوهما))
والجمالية في التورية الدرامية ، حيث المسكوت عنه ، وهو أن ذلك الشاب الثائر لومومبا ، سيبرك كما يبرك الجمل ، وعندها يمكن السيطرة عليه ومن ثم ، عودة الثروة التي طارت من بين يدي موكوتو وأمثاله من الأفريقيين الذين خدموا في حكومة المستعمر .
كما تتكشف الجمالية في الصورة الدرامية في ربط المؤلف لما ترمز إليه كلمات الأغنية برجال اللوبيتو-أي رجال المال) ودخول الصراف 5 على زملائه الصرافين الأربعة فور انتهاء الأغنية ، ليهنئونه على ما أنجز من تدبير تآمري يؤدي إلى فصل إقليم ( كاتنجا) الغني بالثروات المعدنية عن الكونغو الأم:
" الصراف 5: ( يهمس في أذنهم) سوف تعرفون أيها السادة أنه منطق سليم .. إذا كان "ليو" يتمسك بتقرير المصير ، ليكن .. لا نستطيع أن نمنعه.. ولكن ليكون ذلك للجميع ولمناجمنا قبل كل شيء.
الصراف1: شوت..شوت.. دعوني اسمع ما يقوله الزميل، منطقي في الغالب..
الصراف 4 : أيها الزملاء عندما أتأمل محيط الفوضى الذي تهوي البلاد فيه يلوح لي أن الحل الأخير يبقي حقا .ز أمام هذا الكونغو المتعثر المترامي في الأطراف. هناك فكرة تفرض نفسها .. فمن غير اللائق ألاّ نستطيع أن نخرج كاتنجا طواعية من هذا التلاحم الضخم.
الصراف1 : آهلقد فهمت ما ترمون إليه.. ولهذا أعانقكم . يحيا اليورانيوم حرا .. هذا أمر طيب أليس كذلك ؟
الصراف5 : ليس اليورانيوم فحسب .. الماس كذلك .. النحاس.ز والكوبالت.. وأخيرا كاتانجا .. كاتانجا المتعثرة الزائغة الصيت..
جوقة الصرافين : هوراه..هوراه..تحيا كاتانجا."
بالطبع لا يقف الأمر عند ذلك الحد ، فللقبائل هي الأخرى طموحاتها الصغيرة ، إذ لا بد من أن يكون لها نصيب في الحمل الذي برك ، لذا فسرعان ما تقوم حرب القبائل ، ليواجه الكونغو بعضه بعضا من الداخل ، ويواجه الأجانب أصحاب الاحتكارات ، ويواجه فوق الانقسام انقسامات تالية بسبب أطماع الداخل والخارج معا : (قصر الرئاسة ، جناح كالا)
كالا: يالها من دماء.. يالها من أهوال.. قبائل اللوليامس تقتل قبائل البالومامس.. قبائل البالوبامس تبيد قبائل اللولبامس.. وقواتنا.. القوات الكونغولية الوطنية .. تسحق الجميع.. أوه .. الحرب .. الحرب"
ومن المتآمر ، الذي وافق على تلك الحرب الوطنية ؟ هو (كالا) رئيس الكونغو:
" كالا .. بالتأكيد أعطيت موافقتي.ز لكن هل تعتقدون أنه من السهل أن تقول لا لهذا الشيطان القبيح.. على كل هو الذي قرر.. ومن الطبيعي أن يتحمل قراراته.."
أيضا لم يكن كالا بعيدا عما حدث لباتريس لومومبا:
" كالا : عصفور يحارب برأسه باحثا عمن يهاجمه . أجدادنا كانوا محقين.. القائد الحقيقي لا يثور أبدا .. يبقى .. حيث يكون مركز الوجود مركز الدولة .. إنه يشع حيث يكون أما هذا .. فمتسلط .. لكنه لا يشع .. يشعل .. يوقد النار..كنتو .. كنتو .. آه ، ذلك أنه كان سيقلبني رأسا على عقب لو تركته يفعل .. والنار في الكونغو .. النار في العالم .. ولكني هنا .. ولن أتركه يفعل أبدا أنا هنا لكي أنقذ الكونغو وأنقذه من نفسه.
مهلا ياسيد باتريس.. مهلا.. كالا العجوز هنا .. هنا .. بحق الشيطان.. نعم.. أنا هنا.. ولزمن طويل ."15
هكذا تشابكت خيوط التآمر من الداخل ومن الخارج في ظل صراع القبائل داخليا والأطماع الاحتكارية الأجنبية ، التي قسمت الكونغو إلى أكثر من دولة واغتالت زعيم تحررها الوطني.

لم يبتعد حدث في الكونغو كثيرا عما حدث في نيجيريا. غير أن نيجيريا ، تمثل الصراع فيها بين سلطات ثلاثة بعد مرحلة الكولونيالية حيث تصور مسرحية فيمي أوسوفيسان( آرنجندن والحارس الليلي) طبيعة التنازع على السلطة بين ممثل السلطة التسشريعية المنتخبة وممثل السلطة الدينية وممثل السلطة التنفيذية) ، ليكشف الصراع عن تضافر السلطة الدينية مع السلطة التنفيذية في إقصاء السلطة التشريعية ، وعندما يتحقق ذلك لهما يقصى ممثل السلطة التنفيذية ممثل السلطة الدينية وينفرد بالسلطة بعد أن أتاح له ممثل السلطة الدينية أعدادا كثيفة من الشباب الذي تربي دينيا لينضوا تحت راية جهاز حماية أمن البلاد ، وعندها ينحاز ممثل السلطة التشريعية تحت راية ممثل السلطة التنفيذية الأمنية ، غير أن تسلطه واستبداده ، يؤدي إلى اغتيال ابنة ممثل السلطة التشريعية له وانتحارها ، وبذلك يكشف المؤلف أوسوفيسان عن أن الخلاص

المبحث الثاني
المعالجة المسرحية للمسألة الأفريقية/أفريقيا

* درا ما الخطاب السياسي بين التدبير والتبرير
بين التدبير التآمري للاستيلاء على السلطة وتبرير ذلك الفعل ؛ بالتنسيق بين ثلاث قوى ، تمثل مثلث هرم السلطة في النظام السياسي الاستبدادي( ممثل التشريع والقانون وممثل الدين وممثل الأمن ) تدور أحداث مسرحية ( آرنجندن والحارس الليلي) في المجتمع الأفريقي النيجيري ، حيث تتكالب تلك السلطات الثلاث على الشعب ، بعدما آلت البلاد إلى السلطة الوطنية بعد زوال المستعمر الأوروبي الأبيض . لذا فإن الصراع في تلك المسرحية " يدور على عدة مستويات أولها المستوى الموازي للصراع العام ، الذي يدور حول مجمل شكل فني يخضع لتقاليد الفنون الأفريقية ، وهو ما صوّره المؤلف بعبقرية كرقصات فلكلورية بين الرجل والنساء ، الأمر الذي يضفي على المسرحية أيضا روحا من الفرجة والجمال والتشويق."
ل1لك يوظف المؤلف الأشعار التقليدية بلغة " اليوروبا" الأفريقية ، بديلا عن رتابة الراوي ، للتعليق على الحدث ، تعليقا نقديا ، أو كتقنية للتخلص الدرامي من موقف مواحهة حادة بين أطراف الصراع إلى موقف آخر أدعى إلى التلطيف .
• درامية خطاب النقد السياسي:
ينتمي هذا النص إلى المسرح السياسي ؛ لا لأنه يتناول قضية سياسية فحسب؛ بل لأنه يتناولها بأسلوب يمزج بين المواجهات الصراعية المباشرة ، بأسلوب يجمع بسن الحوار والغناء في شكل كوميدي انتقادي ، وإن انتهى الحدث نهاية ميلودرامية ، بقتل البطلة للشخصية الرئيسية التي تمثل وجه التسلط الفردي الأمنى في البلاد ، وهو نوع من الاغتيال السياسي ، ثم إنهاء حياتها بالسلاح نفسه – والقصدية الميلودرامية ماثلة في قتلها لنفسها ، على حين أن قتلها لنفسها لم يصدر عن ضرورة درامية ، على اعتبار أن والدها هو المؤهل للزعامة الفردية محل ذلك الحاكم العسكري المستبد - فضلا عن أن الرغبة العامة للخلاص منه كانت متوفرة كشرط موضوعي لفعل الخلاص منه
يوجه المؤلف اتهاما دامغا للممارسات غير الآدمية التي يقوم بها الحكام المتداخلين في سلطة البلاد بعد التحرر من المستعمر الأوروبي الأبيض ، حيث لا يكتفون بالتنازع على السلطة فيما بينهم ( قانونيا ودينيا وأمنيا) بل يتسلطون كل بطريقته على الشعب ، الذي لولا نضاله ما كان لهؤلاء وجود على الساحة السياسية ، لذا تفضح هذه المسرحية أغراضهم وتكشف عن ممارساتهم المريضة، التي أدت إلى وضع قيد من نوع جديد على البلاد والعباد بعد التحرر ، مما بدا معه الوطن وكأنه ما تخلص من قيد إلاّ ووضع في قيد جديد ثلاثي الحلقات ( قيد قانوني أو متذرع بقانونه ،وقيد ديني ،أو متذرع بالخطاب التديني ، وقيد أمنى متذرع بحماية أمن الوطن والمواطن ) وما كان ذلك في حقيقة الأمر سوى ذرائع زائفة كحق أريد به باطل ..

المسرحية الأفريقية
بين الفرجة الشعبية والفرجة المسرحانية
- إيهاميا وتغريبيا -
في كتابات المؤلف المسرحي الأفريقي ، الذي يكتب عن تجربته الملتحمة مع بيئته الأفريقية من الداخل ، تختلف الصورة عنها في كتابات المؤلف المسرحي الذي يكتب عن المجتمع الزنجي الأفريقي عن بعد ، ، تبعا لميلاده ونشأته خارج القارة الأفريقية ولتحصيله العلمي والمعرفي في المعاهد أو بالتفاعل الثقافي والمعرفي الغربي . ومع ذلك فإن سمات الحكي وتداخل فنون الغناء والرقص ، ولغة الترميز متقاربة بين كتابات من كتبوا عن بعد أو من كتبوا من داخل القارة الأفريقية نفسها. كما أن الكتابة المسرحية لكتاب مسرحيين ممن يطلق عليهم (كتاب الحركة الزنجية) أو لكتاب مسرحيين أفارقة ميلادا ونشأة توشي بنيتها الدرامية بأشكال الفرجة الشعبية متزاوجة مع عناصر الفرجة المسرحانية – التي هي أقرب لتقنية المسرح الغربي المعروف- غير أن عناصر الفرجة الشعبية ، وروح الانسيابية التلقائية في التخلص الدرامي في كتابات المسرحيين الأفارقة ميلادا ونشأة وهوية ثقافية أفريقية أكثر ظهورا واتساقا في وحدة البناء الدرامي عنها في كتابات المسرح الزنجي ، كما تشحب في الكتابة الأولى نبر الخطابة والميل إلى المباشرة الواهية القناع ، وإنما يحمل الخطاب ذا الصبغة الخطابية عبر الشخصية القناع التي يختفي المؤلف خلفها ، فيبدو رأيه رأي الشخصية التي حملت برأيه.فمسرحيات "وول شوينكا" و "فيمي أوسوفيسان" على سبيل المثال " مليئة بأشكال الفلكلور الأفريقي النيجيري؛ ولكنه محبوك بطريقة ذكية وجميلة حتى يبدو كأنه جزء من نسيج البناء الفني للعمل المسرحي. وهو ما يسهم في خلق تقاليد فنية أفريقية خاصة ، تصبح مع تناولها ، ومرور الزمن جزء أساسيا في بناء المسرحية ووسيلة فعّالة في إيضاح (وايصال) الخطاب المسرحي الخاص بالفن المسرحي الأفريقي والنيجيري بوجه خاص. ومع كل ذلك فإن مسرحية (آرنجندن والحارس الليلي) تحتوي على العديد من التنويعات في الصراع وفي البناء الفني."
فإذا توقفنا عند مسرحية (الطريق) أو عند مسرحية(الأسد والجوهرة) لشوينكا أو عند مسرحية (آرنجندن والحارس الليلي ) لأوسوفيسان ، سنجد العديد من صور الفرجة الشعبية ، والفرجة المسرحانية في ضفيرة واحدة في البنية الدرامية.

• أولا : الفرجة الشعبية في المسرحية الأفريقية:
للفرجة الشعبية في الآداب والفنون أشكال مختلفة ، تتناظر في بعض الثقافات وتتباين في بعض الثقافات ؛ باعتبارها الخلفية الخاصة بكل هوية ثقافية لتلك المنطقة أو لهذا البلد أو ذاك . ، ويمكن التعرف على أشكال الفرجة بالنظر الإطاري لأحد الأسواق الريفية – على سبيل المثال- وفي مسرحية( آرنجندن والحارس الليلي ) تتكرر صورة السوق مرتين في المشهد الافتتاحي للجزء الأول وللجزء الثاني . وإذا كانت صورة السوق في الجزء الأول من هذا النص ، تكشف عن حالة تدمير للسوق ، وهو ما يشكل الأزمة الدرامية التي ينبني عليها الحدث الدرامي للمسرحية ؛ فإن صورة السوق في الجزء الثاني تبدو مختلفة ، إلى حد ما ، حيث اكتشاف التجار لما حدث من سرقة وتدمير لمتاجرهم ، بفعل عصابة مجهولة لهم ، حيث يدور الصراع متراوح العلنية والخفاء بين ثلاثة الزعماء الممسكين بزمام السلطة وهم ( آرنجندن ممثل السلطة التنفيذية ، والقنصل ممثل السلطة التشريعية والقضائية وبآلي ممثل السلطة الدينية) كل يفرض سيطرته على ما وسعه من سلطة مدعما بعدد من الأنصار أو الأتباع ، و السعي نحو توسيع مجال سيطرته بالتآمر خفية على زميليه ، فضلا عن انفراد كل منهم ، في إطار محيط سيطرته ، وهو أمر أشبه بأسلوب أمراء الإقطاعيات في العصور الوسطي ، حيث كل أمير مقاطعة هو الآمر الناهي على رقاب القيان والعبيد .هو المستبد في مقاطعته .
يشكل السوق الشعبي العام إذن أحد أهم معالم المدن والقرى الأفريقية ، على حد سواء . وللسوق – كما في قرانا – يوم معين من أيام الأسبوع ، يقام فيه. وهو يوم متغير ما بين قرية وقرية أخرى. ويعد يوم السوق يوم احتفال عام ، يهتم به كل سكان القرية ، حيث يخرج الجميع لاستيفاء حوائجهم اليومية وتدبير مصالحهم وصفقاتهم التجارية ، وتسوية خلافاتهم . ويتكرر هذا الأمر ما بين أسبوع وأسبوع تال له.وفي ذلك اليوم ، يوم السوق ، يعرض صاحب الشيء المعروض للبيع ،بضاعته أو منتجه على الشارين ، سواء أكان على هيئة بضائع (أزياء-أحذية-معدات-منتجات زراعية- توابل-جلود –خيوط-أقمشة-لحوم-طيور وغيره) أو مواشي ،. كما تقام المزايدات ، وطقوس طهور الأطفال ، فضلا عن مشهد طابور المزينين القعود في صف على الأرض ، وكل منهمك في الحلاقة لزبون. وفي السوق تقام شوادر وخيام المقاهي الشعبية المتنقلة وتتبعثر في أركان متعددة السوق. وتكثر الألعاب الشعبية في يوم السوق ، كالتحطيب والسيجة بين كبار السن الذين ينتظرون تسوية مصالحهم ، كما تنتشر تجمعات الناس حول أحد الحواة أو مغن شعبي يحكي بالغناء الشعبي على ربابة (السيرة الهلالية أو أدهم الشرقاوي أو الظاهر بيبرس أو سيرة عنترة بن شداد ، أو حكاية شفيقة ومتولي أو السيرة النبوية) وقد يتحلق بعض هواة التحطيب حول مبارزة بالعصي أو ترقيص الخيول على إيقاعات الطبول ونفخ المزمار. أو حول استعراضات الغجر في مهارات قراءة الكف وضرب الودع. كما يتغلغل الخفراء والمخبرون والعسس بين الناس ، ويتسلل النشالون وتروج نشاطاتهم ، في تنافس مع المتسولين . ويكثر الدراويش والبهاليل والمتسكعون وتروج مهنة السمسرة والوساطة . ومهنة المنادي على أطفال تائهين انفلتوا من بين أيدي أهاليهم. وهكذا تختلط النداءات بالغناء ، بأصوات الشجار ، بجعير البهائم ونهيق الحمير المعروضة للبيع مع نباح الكلاب الضالة الحائمة حول جزار هنا أو هناك يعمل ساطوره وسكينه في جسم ذبيحة يعدها للبيع.
ولا يختلف الأمر كثيرا ما بين قرية أفريقية في بلد وقرية أفريقية في بلد آخر في القارة الأفريقية ؛إلا اختلافات خاصة بهوية الفرجة (بعض الخصوصية الثقافية)
ولأن التجمع في الأسواق ؛تتداخل فيه كل تلك الأنشطة التفاعلية المتنوعة الأغراض ، وتتنوع أساليب التعاملات ، ما بين المنفعة المتبادلة ، وروح الفرجة لذا يجد المتأمل لها حالة من الانفراج أو الانشراح والبهجة ، تعادل حالة الانشراح التي يجدها ذلك الملأ الكثيف من المتعاملين مع السوق.
ولما كانت مسرحية ( آرنجندن والحارس الليلي) تبدأ بمقدمة درامية لمشهد السوق لذا وقف هذا البحث عند ه متأملا أشكال الفرجة الشعبية في اشتباكها مع أشكال الفرجة المسرحانية ؛ بما يكشف عن طبيعة الصراع بين ثقافتين في حالة اشتباك ، عبر صور الصراع الدرامي الذي يعبر عنه المؤلف في عدد من المواقف على هيئة مواجهات متفرقة بين أصحاب الثقافة الشعبية التراثية المتحصنة بهويتها الأفريقية الوطنية ، وأصحاب الثقافة المتأوربة من المثقفين القلائل الذين تشبعوا بالثقافة الغربية ، حيث تتكرر تلك المواجهات في صور متعددة في النص:
" القنصل: .... إنك تخاف أن تفقد سيطرتك الموروثة على الناس ! ومع أن رعيتك يتهددهم الخطر كنت أنت لا تفكر إلاّ فيما يهدد عرشك.
أولودي: وأنت أيها القنصل صاحب الكلمات الكبيرة ..ماذا ترى؟
القنصل: أنا أعرف يا أولودي أن الناس انتخبوني : لأنهم يريدون الحياة ، وليس الموت موسميا بشراك الصيادين العشوائية ! ولأنهم يودون النوم دون أن تزعجهم كوابيس العنف ! ويرتادون الشوارع بأمان دون الوقوع في شباك المجرمين ! كيف يكون لحياتهم أي معنى بينما اللصوص يسيطرون على أحلامهم وأفكارهم.
بآلي: ليس من تقاليدنا الرد على مهاترات شخص متهور "
على أن ذلك التباين بين بين ممثلي الثقافة المتشبثة بهويتها التراثية ( عاداتها ) وممثل الثقافة المتؤربة ، ترتكز كل منهما على توجه سياسي ، نقيض لتوجه للآخر.
لا يفوتنا أن نلاحظ من الاستشهاد السابق أن من رد على القنصل أحد أتباع ممثل التيار الديني وليس الشيخ ( بآلي) نفسه .. مما يكشف عن الطبيعة التسلطية ومظاهر الاستعلاء في تعامل النخبة الحاكمة مع بعضها بعضا:
" أولودي: تصوّر أيها القنصل لو أن السمماوات التي تغطي هذا العالم تهدد بالانهيار ، هل يستطيع أي منّا أن يوفر الملجأ في عالم يسحق بالكامل .
بانونهون: في تلك اللحظات التي يتحول العالم إلى قطع متناثرة لا يمكن أن يكون لموت فرد واحد أي أهمية.
القنصل: ليس بالنسبة إلى يا بنانونهون ؛ فأي حياة لها أهمية في كل لحظة.
بانونهون: لا بد أن تقصد كل صوت انتخابي
القنصل: لن تستطبع استدراجي كي أغضب .
أولودي: هذا الموسم محمل بالشؤم. لقد أعلنها العراف " أفا" قائلاك" عند كل هبوب ريح أو نفخة غبار ، سيأتي الموت طائرا؛ ولذلك يجب أن نطرد الموت خارج حدودنا وإلا! فإن نهايتنا ستأتي قبل موعدها المعلوم.
نانونهون: نحن لسنا بأصنام أيها القنصل .فنحن أيضا نعاني بسبب مشاكل أصدقائنا ، ةلكننا نحتاج للوقت لإقامة الطقوس المناسبة.
القنصل : ولكني ليس لديّ أي وقت أضيّعه ، أتفهمون ؟ إن الوقت مثل الرياح التي تعصف بحياة الناس الذين منحوني ثقتهم."
هكذا تستبين أوجه المفارقة بين توجه يتخذ من المظاهر المدنية سلوكا ثقافيا ليكشف عن مسؤوليته تجاه من انتخبوه ، في مواحهة ثقافة التراتبية والنظام الأبوي الهرراركي الذي يجعل الزعامة الفردية القبلية ، في منأي علوي عن التعامل مع الآخر ، تظاهرا في السمو وبأنه ممثل للذات الغيبية ، وبذلك يكون على في التراتبية ، رد الآخر عنه باعتباره المكلف وخليفة الذات الغيبية للأنا العليا وهكذا يتبدى كنه الهلاف بين الثقافتين في عبارات يتراشق فيها الطرفان:
" القنصل: ..... إن نبوءتك لا تحقق حاجتنا الملحة "
" بانونهون: حسنا الطفل يتباهي بثيابه الجميلة ، أكثر من تفاخره بثياب آبائه . ولكن افترض بأن ما نحتاج إليه هو ثياب رثة ، ماذا سيكون موقفه حينئذ ؟
أولودي: لا أفهم كيف يمكن لأحد الحديث عن القوة دون الاعتماد على وحي السماء .
القنصل : يمكنه ذلك حتى يمسك ببندقية بين يديه.
بآلي: إنك تدهشني أيها القنصل ! وماذا عن القانون ؟
القنصل: إن القانون شبيه بالحرباء ، فهو يتكيف حسب متطلبات القوة ! "
ولنلاحظ أن الأتباع هم الذين يناوشون الطرف المعارض ، شريك الحكم ، مناوشة تقوم على أسلوب التورية ، وهو من الأساليب الجمالية ، التي يتقنع المعني الخفي فيها من وراء المعنى الظاهر ، وفيها فرجة مسرحانية ، لأن تأمل المتلقى اللحظي للصورة المعنوية فيما هو مسكون عنه من قول ذلك الذنب الذي ، يتخذ أسلوب الردح المبطن بغية الطعن على الخصم . بينما يظهر الزعيم الروحي نفسه عند التصدي لما هو مقنع في قول معارضه ، وهو الأمر الذي حاول فيه (بآلي) الإمساك بالقنصل ،رجل القانون متلبسا بالتناقض ، إذ لا يستقيم القول عن استخدام البندقية مع التظاهر بالحرص على القانون !! ولنلاحظ أوجه التناظر بين صورة التعامل بين النخبة الحاكمة في بلد أفريقي متخلف ؛ كذلك البلد الذي يصوره ( أوسوفيسان) هنا ، وما هو حادث في مجتمعنا المصري الأفريقي على أرض التعامل السياسي بين الحزب الوطني الحاكم والأحزاب السياسية المعارضة.
هكذا يتبين الفرق بين ثقافة التحصن بالهوية – على ما تحمله من فكر ظلامي متخلف وخرافي- وثقافة براجماتية ، تنفذ مباشرة إلى النفعية ، دون مواربة ، وهو فرق بين ثقافة تحترف العمل السياسي ، مدركة أنها فن التعامل مع الواقع ، وأنها فن توظيف القوة عندما تكون هناك ضرورة لتوظيفها ، حفاظا على مصالح النخبة الحاكمة في ظل نظام استبدادي - كذلك النظام المتناظر في البلاد التي تخلصت من استعمار طال أمده وبخاصة في أفريقيا. – وتوظيف الملاينة والمراوغة وأساليب التلطيف والمسكنات السياسية أو أسلوب التفاوض ، عندما تكون هناك ضرورة ، حفاظا على مصالح النخبة القابضة على مصير البلاد ، وهى التي تسن من القوانين ما يناسب الحفاظ على مكاسبها ، وما يحفظ عليها سلطانها ، وإحكام سيطرتها على وسائل الإنتاج وعلى عائدات السوق ، وتسيير البلاد في المسار الذي يخدم تلك المصالح ، ويقوي من قبضتها على مصائر البلاد.
وعلى الرغم من ذلك ؛ فإن موازين الأمور ، كثيرا ما يتغير اتجاهها ما بين صعود كفة طرف معارض ، تبعا لما يملكه من ثقل شعبي ، وهبوط كفة أخري يتربع فيها الطرف المسيطر ، سيطرة فعلية ، تبعا لما يملكه من رصيد روحي لدي غالبية من البسطاء والأميين والمستنيمين على سرير الخنوع الغيبي:
" ( نسمع هتافات المواطنين)
بآلي: هناك قانون واحد فقط ، ذلك الذي أقسمت بأن تدافع عنه.
القنصل: لقد كان قسمي يا بآلي ، أن أخدم الناس باستخدام القانون كسلاح ، ولكن عندما يصبح هذا القانون عائقا أمام أداء خدماتي للناس ، فإنه يجب أن يغير ! "
ونلحظ طبيعة المراوغة الديماجوجية التي يتقن توظيفها في مكانه المناسب كل سياسي المجتمعات المحكومة بنظم شمولية أو قبلية أو عسكرتارية
(تسمع الهتافات ثانية)
بآلي: ( يخاطب الجماهير) اصمتوا . يبدو لي بأن آرنجندن قد خرّب عقولكم جميعا ! تذكر أيها القنصل أن الخوف شيء والحرية شيء آخر . وأن هناك أناسا يسبحون مع تيار النهر ؛ بينما يسبح آخرون ضد هذا التيار.
القنصل: ( مقاطعا) وهناك أيضا أولئك الذين لا يسبحون بالمرة !!
جباديجسن: أيها القنصل
القنصل : (مقاطعا) كفى .. لقد سمعت ما فيه الكفاية !! اختبئوا وراء نبوءاتكم أو احتموا خلف القانون ! ولكن عندما يتطاير الرصاص لا تقولوا بأنكم لم تنذروا !
بآلي: شكرا لك ، ولكنني أحملك إنذارا أيضا ، يمكنك أن تقوله لصديقك آرنجندن المتعطش للدماء .. إن هذه المدينة لم تعد تتحمل أمثالكما ! إنني أكرر ما سبق أن قلته ؛ بأن هذه مدينة ، وليس ؛ وليست ميدان معركة ، إننا أناس متحضرون هنا ! وما دامت هذه القبعة على رأسي ، وقدماي ترتديان هذين النعلين المصنوعين من الخرز ، واللذين ارتداهما أجدادي من قبلي ؛ فإنه لن يكون هناك إطلاق أي رصاص . والجريمة سيتم التحقيق فيها ، ويعاقب الفاعل بقوة القانون . ولن يتغير إيقاع حياتنا المحكومة بنظام الفصول . كما رسمتها القوى الإلهية! "
نلاحظ ، ديماجوجيته أيضا ، يعلن أنه متحضر ، وفي الجملة التالية له من كلامه للمعرض رجل القانون ( القنصل) أنه يقف على أرضية قانون أجداده المحكوم بنظام فصول السنة !!
لا شك أن هذه المواجهة السياسية بيت قوى سياسية مسيطرة ، وبيدها سلاح القوة وسلاح القانون الوضعي المتغير وفق إرادة اتجاه ما في نظام الحكم من ناحية في مواجهة سلاح القانون الغيبي المرتكز على تيار شعبي يسبح ضد اتجاه رياح شركاء الحكم الممسك بزمام التشريع المدني و الجانب التنفيذي ذي الوجه العسكري الأمني ، يقف بالبلاد أمام هوة حرب أهلية وشيكة ، فكل اتجاه منها يقف في مواجهة مصالح الآخر .. فالاتجاه المدني التشريعي يتآزر معه ويقويه الجناح العسكري ال1ذي يمثله هنا آرنجندن ، والزعيم الروحي (بآلي) يتقوى بالغالبية التي ما أن زعق فيهم ليصمتوا ، حتى صمتوا . فليس لصوت يعلو فوق صوت الزعيم الروحي رجل الدين ، الذي يعلن تمسكه بالقانون - قانون أجداده ، لا القانون الوضعي المدني –
فنحن إذن أمام ثلاثة أوجه من وجوه السيطرة المتضاربة الأهداف والمصالح ، مع أنها جميعا تستهدف الانفراد بالسيطرة على نظام الحكم . على أن تآزر اتجاه الأمن ممثل القوة مع الاتجاه القانوني الوضعي ، يحقق التقدم على اتجاه الغالبية الظلامية ، برغم ما يتبدى من قوتها المدعمة بمساندة غوغائية ، مغيبة ، ذلك أن تلك القوتين المتآزرتين تسيران وفق مخطط مرسوم يحقق وجهتها البرجماتية ، ويسير وفق مسار واضح لا لبس فيه ولا ازدواجية ، في مقابل ازدواجية ثقافية روحية ملتبسة بين وجهين أحدهما يتظاهر بالتحضر ، متباهيا بمظاهر شكلية للتحضر : " مادامت هذه القبعة على رأسي" في الوقت الذي يتشبث بعادات وقانون أجداده: " وقدماي ترتديان هذين النعلين المصنوعين من الخرز ، واللذين ارتداهما أجدادي من قبلي"
لقد عكست هذه الازدواجية الثقافية نقسه على سلوكها السياسي ؛ إذ اتخذ مسار الوسطية في اتخاذ القرار السياسي:
" لن يكون هناك إطلاق أي رصاص . والجريمة سيتم التحقسق فيها ويعاقب الفاعل بقوة القانون، ولن يتغير إيقاع حياتنا المحكومة بنظام الفصول ، كما رسمهتها القوى الإلهية."
ولنا أن نلاحظ قراره الوسطي: : " لن يتغير إيقاع حياتنا المحكوم بنظام الفصول ، كما رسمتها القوى الإلهية" فتلك ثقافة شعوب النهر ، وحياة الأفريقيين ، كما هي حياة الآسيويين محكومة بفيضان النهر ، وتغير فصول السنة وفق نظام مركزي ، يسير في مسار آلي لا يتجاوز في تغيره الآلي حدود الفصول الأربعة في ثباتها . هي ثقافة مركزية ؛ تسير مركزية التفكير ومركزية إتحاذ القرار في مقابل ثقافة تنحو نحو التغيير ، بما يتوافق مع مصالحها . فنحن إذن بإزاء صورتين لوجه الصراع في البلاد الأفريقية ، بعد الكولونيالية: صورة طرف معارض متمسك بهوية ملتبسة بين مظهرين أحدهما سطحي يصطنع قناع المدنية ، والآخر ساكن تحت الجلد ، كامن في الأعماق ، يشكل جوهر وجوده ، نفسه ، تبعا لمركزية فكرية عقيدية ، تسيّر حياته ، كرد فعل غير متكافئ مع ديموقراطية مركزية في قرار التسلط الحاكم الذي تواجهه . وتلك هي إشكالية الواقع الأفريقي في مرحلة ما بعد الكولونيالية، التس استطاع " فيمي أوسوفيسان" ، إلى جانب الكاتب النيجيري الكبير " وول شوينكا"" ، حيث استطاعا التعبير عن ذلك الواقع مسرحيا بمهارة ووعي سياسي ، واقتدار فني وحرفي ، يمزج الفركر بالفرجة ، الملتبسة بين ما هو شعبي ، وما هو مسرحاني ، على النحو الذي نراه عند "أوسوسيفان" من مهارة التخلص الدرامي بالانتقال الناعم من موقف المواجهة إلى موقف التلطيف بالغناء :
"( يخرج القنصل غاضبا، ويتبعه بعض مشجعيه ، بينما يبدأ المداح المغني أغنية لتهدئة بآلي)"
وعلى الرغم من حدّة القرار القاطع الذي اتخذه كل طرف منهما في مواجهة الآخر ؛إلا! أنه من المؤكد أن خلخلة فكرية داخلية ، قد اعترت الطرف الذي أخليت له الساحة ؛ حيث يراوده فكره نحو الميل إلى روح التفاوض ، خروجا عن حالة التصلب التي اتخذها كلا الطرفين المتصارعين ، كل منهما يحاول الانتصار لمصالح من يمثلهم ، على أساس أن االتفاوض عمل من أعمال السياسة ، ، تنبع ضرورته من تقدير قوة الطرف المواجه ، وهو مشروع قبل اتخاذ القرار ، وعند وجود ضرورة قصوى لمراجعة بعض الجوانب فيما اتخذ من قرارات ، يتراءى إمكان التراجع عنها؛ بهدف الاتفاق على حل وسط للقضية المختلف حولها ؛ بعيدا عن لغة التعالي والاستفزاز ، وإظهارا للرغبة في إقصاء لغة الادعاء بالتفرد بملكية الحقيقة المطلقة؛ حتى تتوازن الأحوال وتتقارب المصالح بن طرفي التصارع ، بديلا عن مصادرة كل طرف منهما للآخر ؛ ولا شك أن تلك المهمة ، تخرج من ذهن مثقف تلك الشريحة المنتصرة ؛ لذلك يخرج أحد المثقفين باقتراح وسط على الطرف المنتصر ( بآلي):
" الدكتور: ( متقدما باتجاه بآلي) أرجو المعذرة يا بآلي
بآلي: تكلم يابني
الدكتور: اعتقد يا بآلي يأن فكرة آرنجندن ...
بآلي: نعم؟
الدكتور: ربما تكون الفكرة ليست سيئة إلى هذا الحد.. لو ..
بآلي: شكرا لك أيها الطبيب . لقد سمعت بما فيه الكفاية! إذا كنت تقول بأن وعي السماء يؤكد أن الكوارث قادمة فمن المؤكد بأن واجبنا مقاومتها بكل ما...
أولودي: ( مقاطعا) نعم يكل طتقاتنا أيها الطبيب... تلك التي جربت من خلال الشعائر والأضاحي في الاحتفالات التي وجدت منذ قدم الأرض التي تقف عليها الآن. هل تجرؤ على القول بأن ذلك غير كاف ؟!
الطبيب: ولكن آرنجندن يقتر ...
أولودي: ( مقاطعا) لا داعي للاستمرار أيها الطبيب ، لقد استمعت إلى الشيخ منذ قليل ..."
هكذا تتبدى ثقافة الفكر الإرهابي ، فكر مصادرة الآخر ، وإقصائه أو إخصائه عن طريق قمعه عبر لغة التعالي والادعاء الزائف بامتلاك الحقيقة المطلقة . . تلك السلوكيات التي سادت البلاد التي نا أن تحررت من المستعمر الأوروبي إلاّ ووقعت بين براثن زمرة من المنتفعين الذين يكالبوا على البلاد بعد أن قطفوا ثمرة نضال شعب بأكمله ، بذل الأرواح وكل غال ونفيس في سبيل طرد المستعمر الأجنبي ، وبذلك أممت البلاد بعد التحرر لصالح ثلة انتهازيين ، مهدت لهم مواقعهم القيادية التي تسللوا إليها ، ليصبحوا في مقدمة الصفوف خلسة. ؛ وتمكنوا من عزل رفقاء السلاح ، ومصادرة السلطة ، واحتكار صناعة القرار وتسيير البلاد في اتجاه منافعهم الذاتية . وبذلك توقفت مسيرة التقدم التي خططن لها حركة النضال الوطني فيما بعد الاستقلال. وهكذا أصبح الرجل الأسود كبرومثيوس أسير دوران لا نهاية له ، يشقى شقاء لا نهائيا ، ولا أمل له في الخلاص من استعباد أبيض أو أسود ، فهو مقيد بالمعتقدات الخرافية ، لم يتخلص منها ، إذ تعمل الزعامة الظلامية المتدّرعة بالمعتقدات الخرافية والعادات إلى تكبييل شعوبهم بأحابيل الموروث ، حتى تظل الشعوب مذعنة لأهوائهم ، مغيبين ، لا حول لهم ولا قوة بدون تلك الزعامة الوهمية ، المتقنعة بالمعتقدات التدينية والخرافية ، حتى لا يفكر فرد من الشعب على رعاية حقوق مواطنته ، أو أملاكه ، أو استردادها ، وقد سلبت منه.. ومتى ؟ بعد التحرر !! ، مكتفيا باللجوء إلى الخرافات ، والتواكل على أرواح الموتى وعلى التمائم . هكذا كان حال التجار ، في هذه المسرحية ، بعد أن نهبت متاجرهم عصابة مسلحة ، تابعة لآرنجندن ، الذي أراد الإيحاء بافتقاد الأمن ، حتى يقره الطرفان الشريكان في التسلط على البلاد بضرورة إطلاق يده للضرب بيد من حديد ، واستخدام القوة العسكرية لضبط أمن البلد . – أليس هذا هو حال كل البلاد الأفريقية التي تخلصت من الاستعمار منذ عشرات السنين ؟؟!-
" بانونهون: فاتوس إنك رجل..
فاتوس: ( مقاطعا) لا.. يابانونهون.. أنا انتهيت .. انتهيت .. سوف أموت.
بيمبو: كل شيء في المتجر ، وخاصة تلك الملابس الثمينة، التي لم أدفع ثمنها بعد ، ولم تخرج من صناديقها.. آه .. ومجوهراتي.. سانجو انتقم لي منهم يا سانجو.. اقبض عليهم من أجلى .. دمرهم .."
يذكرنا هذا بمسرحية دينية من العصور الوسطى هي مسرحية ( القديس نيقولا) حيث يلجأ أحد الخدم المسيحيين العاملين بقصر الخليفة العثماني المسلم ، بعد أن اتهم بسرقة خزينة مال الخليفة ظلما ، يلجأ إلى ضريح القديس نيقولا ليقبض على السارق الحقيقي الذي يتضح أنه مسلم سكير من أرباب الحانات ؛ وهنا يلبي القديس نيقولا توسل المسيحي المتهم ويلقي القبض على المسلم السارق ، وهو مخمور بالحانة.
" أوريسا: أربع وأربعين دراجة كلها جديدة ( يريهم السلاسل المكسورة) لقد حطموا القفل ، انظروا ، لقد دمروا حياتي"
"إليبوتي: جميع أحهزة الستريو ! آه ، إن هؤلاء اللصوص أشرار ! جميع أجهزة التليفزيون ، وكل شيء ! إن الإله أسيو .. يعاقبني مرة ثانية أه لقد انتهيت.
بيمبولا: آه كم طلبت من والدتي الاّ تخلد للنوم في قبرها بسرعة ، كان يجب أن تترك عينا واحدة مفتوحة دائما لحراستي ؛ أما لماذا هجرتني اليوم ؟ ( يحاولون تهدئتها)
هكذا في ظل سيطرة عصابة ما على منقاليد الحكم في البد ، بعد تخلصه من المستعمر الأجنبي ، يتحول البلد إلى ضحية لسطوة سلطة ظلامية ، تتقنع خلف معتقدات تدينية ملتبسة بالخرافات ، تعمل على تغييب وعي الشعب ، وتبطل تفكيره في مجرد التحرك قيد أنملة في اتجاه الخلاص من قسد الخرافة المتقنعة خلف مظهر تمدن زائف ، وتقوم باستنزافه وإرهابه ، ، فهو مقيد بين إرهاببن أحدخما فكري والآخر دموي مادي. وهكذا لم يعد هناك فرق جوهري بين حال الشعب قبل التحرر وبعده.
ومن اللافت للنظر أن كلا السلطتين ، على ما بينهما من تنافضات ثانوية ، يتعايشان على خنوع الشغب ، فضلا عن دعم كل منهما للآخر ، الأول يرهب الشعب باستباحة أمواله وأرواحه بالقانون تارة وبالقوة والتصفية الجسدية مرة أخرى والثاني يمهد له ، بتهوين ما يقع على الغالبية المستضعفة:
" بآلي: ( صارخا فيهم) نعم أعرف ذلك ! جميع مدخرات حياتكم ! استمعوا إلى .. وماذا عن لاميدي .. نعم لاميدي !
أويسا: آه.. أجل الحارس الليلي ؟
فاتوس: أين هو؟ أين اختفى ذلك الجرذ؟
بيمبولا: أين كان ذلك الأحمق عندما حدث كل ذلك؟
إليبوتي: نائما بالطبع كالعادة ! مع كل ما نذفعه له من أجر !
أوريسا: اخبرنا ، أين يختبئ يا آبالي؟ أتمنى أن اتحدث إلى هذا الظربان !
بآلي: (بهدوء) كل حياته
فاتوس: ماذا ؟
بآلي: حقيقة أنكم فقدتم بضائعكم وأرباحكم ، ولكنه فقد حياته كلها ( صدمة جماعية) كان يحرس بضائعكم الغالية جدا فأتوه وذبحوه وتركوه ملقي هناك إن ما ترونه هماك ليس ماء ولكن دماؤه ( ينخفض أصواتهم ) ستقام جنازته في القصر ظهر هذا اليوم واتوقع حضوركم جميعا! هيا بنا"
ولأن طبقة التجار ( الطبقة المتوسطة ومن في حكمها) براجماتيون بحكم اقتصاد منافعهم وتداولاتهم المتغيرة في إطار تدوير الثروة في عمليات البيع والوساطة والشراء الآلية ، ودائرية رأس المال ؛ فإن المسألة لا يمكن أن تنتهي عند خطاب التلهية المتمسحة بالدين ، لذلك يتحرك عدم الرضا المكبوت رافضا لتطييبات الشيخ الزعيم الروحي ،فور ارتفاع صوت أحدهم ؛ إذ تنطلق ألسنتهم وترتفع أصواتهم ، صوت مصالحهم الاقتصادية ، فالاقتصاد هو الصوت المحرك الأقوى من كل صوت :
" بيمبولا: ( تعترض طريقه) ولكن أيها الشيخ
( يدخل المدرس أبييندي ترافقه يوبي ، وهما في حالة ارتباك ظاهر)
بألى: ( يقف ) نعم .. إني مصغ إليك
بيمبولا: وماذا عن مصيرنا؟
بآلي: وماذا عن مصيركم ؟
بيمبولا: من الذي سيقوم بتجهيز جنائزنا نحن ؟
بآلي: إني لا أفهم ما تقصدين ؟!
بيمبو: ألا تعرف أن ما حدث يعني موتا بالنسبة إلينا أيضا ؟
بآلى: أنا
فاتوس: ( إنها على حق أيها الشيخ. إن هذه السرقة أكبر من سكين في الرقبة. ويمكنه الراحة منذ الآن . والميت لم يعد لديه ما يقلقه .. ولكننا نحن الذين يجب أن نعيش ونطعم أولادنا.
بيمبو: نرعى والمرضى آه قريبا سيأتي عيد الفصح وهو ميعاد استبدال سقف كوخ والدي بصفائح المعدن بدلا من القش: كما وعدته. إن والدي شيخ عجوز أيها البآلي . وموسم الأمطار سيبدأ قريبا جدا .. آه ياإلهي.
إليبوتي: انظروا ، ها نحن في منتصف الطريق وجيوبنا خاوية بينما بالأمس فقط ، كان أي واحد منا قادرا على شراء المدينة بأسرها." 25
تتكشف المسألة في نهاية الأمر عن آرنجندن ، حيث يتضح وقوفه وراء عملية السطو تلك ، ليجبر شركاء السلطة على تسليم زمام البلد إليه ، بحجة صيانة أمنها ، عن طريق السماح له بتكوين قوة أمنية من المتطوعين يكونون تحت إمرته، ولئن كان ذلك يشكل ظاهر الأمر إلاّ أنه في الواقع يصبح فيما بعد شكلا من أشكال الإنقلاب على شركاء الحكم ( الاتجاه التشريعي القانوني والاتجاه العقائدي التديني) وهو الأمر الذي فطنت إليه "يوبي" إبنه القنصل ممثل القانون) والمدرس إبيندى صديقها) :
"يوبي: ابحث في داخل روحك
حيث تختبئ
فضتك وذهبك
أنا خلد .. أنا خلد
( القنصل يدور بشكل مفاجئ ويبدأ بمتابعتهم خارجا ، ولكن البآلي يتحرك باتجاهه ليوقفه)
بآلي: انصت أيها القنصل .. أيها القنصل ! أيها القنصل . لقد كنت على حق ، بالتأكيد . إن الناس لا يحتاجون إلى الحرية ، ولكن إلى خوفهم..
( يواصل القنصل طريقه إلى الخارج) أخبرني ي آرنجندن كم رجلا تريد؟
آرنجندن: أنا اختاج إلى كل من يريد التطوع
بآلي: ولكن لن يكون هناك الكثير الذين يستطيعون استخدام البنادق
آرتجندن: اعرف ذلك فقد ربيتهم أبناءك على أن يكونوا رهبانا ، وموظفين، ولكن لا تقلق إذا انضموا إلى فسوف لأعلمهم كيف يطلقون النار.
بآلي: سوف يكون لديك جميع الرجال الذين تحتاج إليهم
بانونهون: تريث أيها البىلي
لآرنجندن: جميعهم تحت إمرتي ولا أحد سواي
بآلي: ( بعد لحظات تفكير) نعم تحت إمرتك"26
هكذا ينضم الفاشيون إلى بعضهم بعضا ، ، فسرعان ما بدل رجل الدين والزعيم الروحي مبدأه ، في لمح البصر ، وهو الذي تصايح ( لا رصاصة بعد اليوم وإنما القانون) إذا به ينحاز لزميله الفاشي رجل العسكرة ، بهد أن اختلف مع صاحب القانون المدني ( القنصل) ألم أقل إن الاقتصاد هو المحرك للقوى الاجتماعية ؟!
وهكذا يتشكل جيش من المرتزقة تأتمر بأمر آرنجندن ، الذي انقلب على رجل الدين ، وانفرد بالسيطرة على البلاد ، ثم عاود التحالف مع القنصل ، وأراد أن يتزوج من ابنته ( يوبي) المرتبطة بالمدرس ، بخاصة بعد أن حرض على المدرس وتخلص منه عن طريق تحريض الغوغاء على سحله ، غير أنها ترفض ضغوط أبيها تحت صفقته مع رجل العسكر ، وتستطيع قتل آرنجندن ، وتخلص البلاد منه ، ثم تنتحر. وهكذا ينهي أوسوفيسان نصه المسرحي هذا بتحبيذ فكرة الاغتيال السياسي ، ويرى فيه الطريقة الوحيدة المتاحة للخلاص من سطوة جبروت الحاكم الفردي المستبد مدعوما بعسكره : :
" يوبي: إنك الآن أنت الذي تضحك .. ولكن يوما ما سيصحو شعبنا ، وسيرفض الاعتماد الذليل على حلم المسيح المنتظر كي ينقذهم، عندها سوف يصبح الجميع مستعدين لتحمل مسؤولية حياتهم وستشيع ديموقراطية حقيقية( يضحك آرنجندن) "
آرنجندن: إنك تثرثرين كثيرا ، وكلامك كله تافه ولا معنى له! لأنك حالمة ؛ إنك لا تعرفين إن الذي لا تحتاج إليه بلادنا فعلا ، هو الأحلام إنها تحتاج الرجال الذين يحولونها إلى واقع ملموس ! نعم ... رجال قادرون على الفعل .. مثلي أنا."65
* درامية الترميز السياسي:
إن رسم الشخصيات الرئيسية :( القنصل – آرنجندن – بآلي – يوبي –المدرس) على تلك الصورة التي رسمت بها بوصفها شخصيات نمطية ، تعبر كل منها عن فكرة ؛ تجعل من ها مجرد رموز ، يتقنع خلف أحدها المؤلف نفسه ، غذ يحعل منها شخصية قناعية على نحو ما فعل مع (يوبي) ، ابنة رمز القانون ( القنصل ) الذي ترفض الانتماء إليه ، وتنكر أبوته لها بعد أن تخلى عن القانون المدني ، بانسحابه أمام قانون الظلامية ، الذي سلم قياده أيضا لقانون الغاب ، قان ن القوة الغاشمة ( آرنجندن) الذي سيطر على كل شئ ، وأراد أخيرا إعلان زواجه الشرعي من البلاد ( يوبي) ( رمز الوطنية) ومن ثّم توافق مع رجل القانون والدها المستسلم بتسليمه له بوصفها رمزا للبلاد ، لكنها ترفض أن تحكم حكما فاشيا عسكرتاريا ، بعد أن تعلن إنكارها لأبوة رجل القانون لها ، بعد أن نبذ هو القانونك
"" يوبي: إنني أرفض
آرنجندن: لا يمكنك الرفض ألا تفهمين ؟!
يوبي: بل إنب أرفض !
القنصل: يوبي
يوبي: ( تقاطعه) اصمت فأنت لم تعد أبا لي!القنصل: استمعي إلي يايوبي
يوبي: ( تقاطعه) لا ، ليس بعد الآن ! لقد أوصلتك أصوات الناس إلى منصبك هذا ، وجعلوك زعيمهم ، قائدهم ، ولاكن انظر إلى أين أوصلتهم .
القنصل: حسنا ، هاجميني إن أردت ، ولكن دعيني أخبرك شيئا ! إن شعبنا جميعهم يفضلون الذهاب إلى النوم ، بينما يتولى جراستهم أحد الحراس ! إنهم يتكلمون ويتكلمون ، ولكنهم لا يحركون ساكنا لتحمل المسؤولية بأنفسهم. ما داموا يستطيعون ممارسة حياتهم وكسب أقواتهم الحقيرة بالسوق في الصباح وصرفها كلها باحتفالات المساء ، وما دام أسلوب الحياة اللامبالي هذا يمارس من دون أي رقابة فإنهم لا يهتمون بهوية الرجل الجالس على كرسي السلطة ، وكل من يحاول إطلاق كلمات التنبيه في آذانهم فإنه سيسحق بقسوة.
آرنجندن: (ضاحكا) معقول جدا
يوبي: نعم مثل أصوات الخونة ! سيذكرك التاريخ بأسوأ الصفات يا أبي لأنك لا تؤمن بشعبك لاعتقادك بانه لا يوجد هناك مستقبل ! ما أكثر إشفاقي عليك ."

* ميلودرامية الاغتيالات السياسية:
ينهي المؤلف مسرحيته نهاية ميلودرامية ، على النحو الذي تنتهي به الأفلام البوليسية ، أو على النحو الواقعي الذي ينهي به السلطات العسكرتارية كل الأمور لصالحها::
" آرنجندن: هذا يكفي ! هل أنت آتية معي أم لا ؟
يوبي: أفضل الموت على ذلك !
آرنجندن: سوف نرى . من الواضح أنك تستهينين بذكائي ( يصفق بيديه فيظهر الحارس) اقبض عليها، حتى أوامر أخرى( يستدير مبتعدا ، ويقترب الحارس من يوبي التي تقفز فجأة وتسحب مسدس آرنجندن ( المعلق على جانبه) وتطلق عليه الرصاص أولا ثم تقتل نفسها ، تحدث فوضى عارمة ، فيجري القنصل لإمساك ابنته ، ويدخلالحراس من الخارج بسرعة وعلى وجه آرنجندن المحتضر نرى علامات الرعب ، ويتجمد الموقف على ذلك"

وهنا لا بد من وقفة أما تلك النهاية ، التي يكرس فيها المؤلف لفكرة الاغتيالات السياسية للحاكم الوطني المستبد المزمن ، ويراها وسيلة لإيقاف مسيرة التسلط العسكرتاري الفردي بوصفها طريقة الخلاص من الطغيان السياسي ،
والسؤال : ماذا يكون الأمر مع المستبد العادل الذي يأتي خلفا له ؟ هل هناك غير أبيها خليفة للمستبد الذي اغتيل ؟ وهل كان أبوها غير ذلك المستبد المتذرع بالقوانين يغيرها متى شاء حسبما تقتضي حاجته هو لا حاجة الشعب؟! وماذا عن أمر العسكر أتباع الحاكم العسكري الذي قتل ، ما هو موقفهم ، وقد رباهم سيدهم القتيل على البطش ، أليست مصالحهم مرتبطة بالسيطرة الفاشية ؟ أيستسلمون لرجل القانون ( القنصل) ؟ كل تلك تساؤلات ، لا بد من طرحها أمام مثل ذلك الحل الذي رأي فيه المؤلف وسيلة مثالية وحيدة للخلاص من طغيان حاكم مستبد مزمن.

خلاصة البحث

على الرغم من أن الكتابة المسرحية الأفريقية/ الأفريقية قد سارت في مسارين ، أحدهما كتابة عن بعد ، حيث إسهامات المؤلف الأفريقي الأصول ، الأوروبي ميلادا نشأة وتعليما وثقافة ، وهو مسار اصطلح على تسميته بالزنجية، والآخر لكتاب أفارقة ميلادا ونشأة وثقافة وطنية مهجنة مع ثقافة أوروبية وافدة ؛ إلا أن كلا المسارين المسرحيين قد اتفقا على تصوير واقع الحياة الأفريقية من نواحيها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ويوصفا ويعللا ما آلت إليه البلاد الأفريقية من تدهور وتخلف في كل المجالات إلى الازدواجية الثقافية حيث الجمع التلفيقي بين ثقافة ماضوية وقبلية ، راسبة في أعماق الممارسات الحياتية اليومية سياسيا واجتماعيا ، ومطلية بقشرة التمدن والادعاء المعلن بالوجهة الحضارية ،


وقد توصل البحث في النص المسرحي الأفريقي إلى النتائج الآتية:
أولا: من الناحية الخطاب السياسي:
• اعتماد الفكر السياسي الأفريقي على هوية مركزية الثقافة النهرية التي تؤمن إيمانا راسخا بأن التغير التاريخي يتم وفقا لآلية فصول السنة على نحو ما قررته الآلهة. وبذلك تيبس فكرها وتمحور نمطيا حول مركزية السلطة التي كبلت البلاد بقيود بيروقراطية، حالت دون استكمال مهام الثورة البرجوازية الوطنية.
• الجمع بين مظاهر التمدن الزائف والعادات والتقاليد والخرافات جمعا تلفيقيا أوقف طموحات برنامج التحديث ، مما تسبب في وأد فكرة الحداثة في مهدها.
• سيطرة النزعة البطريركية الأبوية الروحية على مصائر الناس في حياتهم اليومية.
• النزاع على اقتسام مراكز السلطة على أساس عرقي أو قبلي ، مما أدى إلى الكثير من الانقسامات والمؤامرات والاغتيالات ، وتصفية القيادات لبعضها بعضا ، فضلا عن الحروب الأهلية التي كبلت البلاد بقيود التخلف.
• تذرع القوى الظلامية الدائم بأن لا حل لمشكلات أبسط المسائل بعيدا عن تقاليد الأجداد الراسخة وما رسمته الآلهة ، حتى تطلق يدها في تسيير حياة الناس اليومية .
• تفشي ثقافة الفكر الإرهابي مع إقصاء الآخر بزعم زائف بامتلاك الزعامة التدينية الروحية بامتلاكها للحقيقة المطلقة.
• تآزر برجماتية السلطة التشريعية المنتخبة برلمانيا مع ديماجوجية البطريركية السياسية الدينية ، مع تربص السلطة التنفيذية المتعطشة للاستبداد للانفراد بالسلطة.
• توحد الهدف الرئيسي للقوى الفاشية في السلطة وخارجها في الضرب بيد من حديد على أيدي المعارضين ، وإخماد أي صوت حقيقي يطالب بالتغيير، ونزع فتيل حرب أهلية عرقية وشيكة الوقوع ، مع تناقضات تلك القوى الفاشية بعضها بعضا تناقضا ثانويا، عند النزاع على اقتسام المنافع الاقتصادية أو المراكز القيادية السيادية.
• تآزر الفاشيين بعضهم بعضا ( رجال الدين ورجال الأمن) ضد السلطة التشريعية
• تخاذل السلطة التشريعية المنتخبة لتمثيل الشعب عن القيام بواجباتها لحماية حقوق الشعب ، وانحيازها للسلطة التنفيذية المتحالفة مع القوى الدينية الظلامية مما يكرس استبدادها وإلحاق الهوان بحقوق المواطنة وبالوطن نفسه.
• وضع القوى الفاشية شروطا مسبقة لعمليات التفاوض التي تضطر إليها عند ضعف موقفها ، أو تراخي قبضتها على مركز اتزان حركة الشارع.
• تقاعس الشعب الأفريقي عن تحمل مسؤولياته بنفسه.
• عدم مبالاة الشعوب الأفريقية بمن يحكمها طالما أنهم يكسبون عوائد أعمالهم أو تجارتهم اليومية في الصباح وينفقونها على احتفالاتهم المسائية.
• نشاط عصابات السطو على المحال التجارية ، تحت عين السلطة التنفيذية أو بعلمها ، حتى تتخذ ذلك ذريعة للمطالبة بإطلاق يدها في البلاد بدعوى الحفاظ على أمن المواطن وأمن البلاد.علو نبر خطاب التلهية الدينية الغيبية بديلا عن تعويض خسائر التجار من جراء نهب بضائعهم على أيدى عصابات مسلحة.
• ميل الكتاب إلة تحبيذ فكرة خلاص الشعب الأفريقي من استبداد الحاكم الوطني الفرد ، عن طريق الاغتيالات السياسية، واعتبارا الوسيلة الوحيدة للخلاص.
• تأكيد خطاب النص المسرحي على أن صوت الاقتصاد هو الصوت الأعلى والأقوى المحرك للأحداث .
• تأكيد خطاب النص على أن فئة التجار من الطبقة الوسطي لا تلهيهم الخطب الدينية التي تستهدف إلهائهم عن تحصيل المكاسب أو تعويض خسائرهم.


ثانيا: من الناحية الدرامية والفنية:
• رسم الشخصيات الدرامية الرئيسية –غالبا – رسما نمطيا ، تعادل كل منها فكرة أو رمزا ، حيث يكتفي الكاتب برسم بعدها الاجتماعي الفكري أو رسمها ببعد اجتماعي ونفسي – في بعض الشخصيات التاريخية مثل لومومبا –
• اعتماد البنية الدرامية على أشكال الفرجة الشعبية الأفريقية مختلطة أحيانا بالفرجة المسرحانية إيهاما أو تغريبا.
• الاعتماد على نهاية ميلودرامية .
• تضفير الأغاني الشعبية الأفريقية في البنية الحوارية بما يحدث حالة التغريب التي – ربما تأتي عرضا تبعا لخاصية في التعبير الأدبي والفني الأفريقي –
• يضطر الكاتب المسرحي الأفريقي إلى رسم الشخصية القناع التي يحملها بآرائه ومقولاته ، في مشكلة العلاقة بين الحاكم – المحتل الأجنبي أو عميله الوطني – أو الحاكم الوطني المستبد ، ويتستر خلفه ، وكثيرا ما يعلو نبر المؤلف فيسقط القناع الدرامي.
• تحمل الأغاني الشعبية الأفريقية المضفرة في نسيج البنية الحوارية في المشاهد الدرامية ، ببعض المضامين المسكوت عنها.











ثبت الهوامش والمصادر والمراجع ؤ
برومثيوس الأسود في قيود الحرية
- المسرح الأفريقي بين الثوابت والمتغيرات الثقافية -
د. أبو الحسن سلام
* مهاد نظري:
لا حضارة بلا عقل ، ولا عقل بلا فكر ، ولا فكر بلا روح ، ولا روح بلا عقيدة، ولا عقيدة بلا إيمان ، ولا إيمان بلا مصداقية ، ولا مصداقية بلا اقتناع ، ولا اقتناع بلا إمتاع ، ولا إمتاع بلا فن، ولا فن بلا طبيعة ، ولا طبيعة بلا تطبع، ولا تطبّع بلا عمل ، ولا عمل بلا مادة ، ولا مادة بلا حركة ، ولا حركة بلا حياة ، ولا حياة بلا إنسان ، ولا إنسان بلا رأي ، ولا رأي بلا حرية ، ولا حرية بلا نضال ولا نضال بلا وعي طبقي.

أين من ذلك كله، يتجلى برومثيوس أفريقيا الزنوج ، تتجلى صورة الفعل الذي ما حرره ، أو الفعل الذي حرره .. من قيود جلده .. من قبل أن يحرره ، من قيود الاستعمار ؟
فإذا به المقيد وهو في أرض غريبة، بقيود فرانكفونونيه من خيوط فكر أجنبي ، فإذا به تحرر ، بينما لم يتحرر !!
هكذا أراه في بحثي هذا ، استنادا لنصوص مسرحية، في كتابات وجوه أفريقية.
يقول سارتر : " الإنسان الذي لا يملك أن يغير جلده ؛ فلا أقل من أن يمنحه البريق والحياة ؛ سواء أكان هذا الجلد أبيض أو أحمر أو أسود"
وهذا ما فعله أحفاد برومثيوس الأسود مفكرون ، ومبدعون شعراء ومسرحيون . يقول (إيميه سيزير) :
" كانوا يعلموننا بالنار الحمراء
وكانوا يبيعوننا كالحيوانات
وكانوا يعدون أسناننا
سفاحون، سفاحون، سفاحون "
لا يخرج هذا التعبير الشعري عن حدود المعنى السابق الذي قاله سارتر ، فهو تعبير لا يتجاوز كونه صورة مستعادة من الماضي عن الإحساس بالقهر، الذي وقع على الشعوب الإفريقية بفعل إرهاب البيض الأوروبيين ، بدءا من القرن الخامس عشر ، الذي يعد قرن الصدمة المأساوية للإنسان الأسود بالحضارة الغربية ، تلك الصدمة التي ربطت الحركة الزنجية بالحضارة الغربية ، منذ أن انتزع الغرب نحو 150 مليون أسود خلال أربعة قرون ، حيث يرسفون في قيد العبودية ، منذ ذلك التاريخ ، حتى إلغاء نظام العبودية من نحو مئة عام فقط. وقد بلغت بشاعة ذلك الفعل الإرهابي الغربي حدا عبر عنه سارتر بقوله: " الإنسان – في عالم – أسود "

ولأن الإحساس وحده بالظلم والاضطهاد العنصري لا يكفي للخلاص من ذلك الاضطهاد ، لذا ، ومع قوة الضغط وضراوة الإرهاب الأبيض الواقع على كاهل برومثيوس الأسود ، تسلح الرجل الأسود بالوعي ، بعد أن انتظم في حركات التحرر، التي عرفتها الشعوب الإفريقية عن طريق قلة من أبنائها الذين تعلموا في الغرب الأوروبي ، وتشبعوا بثقافته ، دون أن تتمكن تلك الثقافة الأوروبية من انتزاع جذور ثقافتهم الوطنية، وبذلك حاربوا الوجه الاستعماري الغربي القبيح بأسلحته التي يرفعها شعارات يتشدق بها عن الديموقراطية وعن الحرية ، التي لم تحل دون تعرض الكثيرين من أحفاد برومثيوس الأسود من الاعتقالات والسجون والتعذيب ، ليس ذلك فحسب ، بل تعرضوا للاغتيالات أيضا.غير أن ذلك لم يفت في عضد الحركات التحررية ، التي حققت لبلدانه الحرية. لكن ماذا حدث للإفريقي الأسود بعد أن تحررت بلاده بنضاله الطويل المستميت ؟ هل تحرر حقيقة أم أعاد تكبيل نفسه بقيود جده برومثيوس الأسود باختياره؟!
هذا ما سوف تجيب عنه كتابات المسرحيين الأفارقة ، جنبا إلى جنب مع إجابتها عن قيود ما قبل فترة التحرر.


• صدى زئير الغابة في المسرح الأفريقي:
إذا حاولنا تفعيل عبارة "سارتر" البليغة عن عالمنا ، عالم الإنسان الذي نعيشه، وعاشته البشرية منذ نشأة الكون ، تلك العبارة التي يقول فيها: " الإنسان- في عالم – أسود " إذا فعلناها في المسرح ؛ فسوف نجد أنفسنا وجها لوجه أمام كل النصوص المسرحية العالمية والمحلية التي تعرضت للإنسان وكشفت عن أقنعنه المتعددة والمتناقضة ، وعن وجهه القبيح المتواري من خلف تلك الأقنعة الزائفة التي تفنن في اصطناعها ، وأتقن تقنعه خلفها ، متحصنا بها أحيانا ، أو سقطت منه رغما عنه ، أو أسقطها متعمدا ، متحديا الكون كله ، مدرعا بآلته الحربية الرهيبة مرة ، بعد أخرى ، ومتوجا بمنجزاته العلمية ، ومزدانة بمنتجه التكنولوجي في مرة أخرى ، ثم غازيا لتضاريس الثقافة العالمية في كل وديان العالم المتخلف وسهولة المجدبة في عصرنا هذا.
ومع أن هذه النظرة( السارترية – الهيجلية) تقع على الإنسان بصفتها المجردة ، إلا أن عالم الإنسان في قارتنا العجوز هو الأكثر سوادا !!
ولما كانت وقفتنا الافتراضية وجها لوجه أمام كل إبداعات الكتابة المسرحية العالمية منها والمحلية ، التي تعرضت للإنسان بأقنعته المتعددة والمتناقضة أمرا مستحيلا أمام جهد بحثي واحد ، فضلا عن عبء مقتضيات البحث العلمي المنهجي ، التي تقوم على فرضية وجود إشكالية محددة ، يجتهد البحث في محاولة حلها ، بوصفها منظومة مشكلات لا تحل إحداها منفردة عن حزمة المشكلات في تلك المنظومة نفسها – بتعبير : ميشيل فوكوه – لذا فإن هذا البحث يقتصر على عدد من الكتابة المسرحية الأفريقية ؛ التي تغطي حاجته لإثبات فرضيته ، وحل الإشكالية التي طرحها.
• كولونيالية المسرح الأفريقي وما بعدها:
ما بين الثوابت والمتغيرات الثقافية البدائية القبلية في أثناء احتلال بعض الدول الأفريقية للبلاد الأفريقية ، والجهود الوطنية في المجالات السياسية والاقتصاد والثقافية، في محاولة زحزحة تلك الثوابت؛ لإحلال ثقافة مدنية وطنية بديلة؛ بعد التحرر من الاستعمار ؛ نشطت بعض الكتابات المسرحية التي استهدفت التعبير عن هذا الحراك الوطني ، عن طريق اجتهادات بعض الكتاب والشعراء الأفارقة الذين درسوا في بعض الجامعات الأوروبية ؛ وتأثرت أفكارهم وكتاباتهم بالكثير من قيم التحرر ، فتداخلت ثوابت قيمهم التراثية مع متغيرات ثقافية أوروبية متباينة ، كانت نتاجا للاحتكاك اليومي في الداخل مع الممارسات الثقافية للمحتل الأجنبي ؛ والمؤثرات الثقافية الأوروبية الناتجة عن التحصيل العلمي والثقافي للمبتعثين الأفارقة للدراسة ببعض الدول الأوروبية. وهكذا انعكس ذلك التزاوج الثقافي بين الثوابت الثقافية الأفريقية والمتغيرات الثقافية الأوروبية على النص المسرحي الأفريقي.
على أن الكتابة في مرحلة النضال السياسي الأفريقي ؛ غيرها في مرحلة ما بعد الكولونيالية ؛ فتكثيف الجهود الوطنية في اتجاه هدف رئيسي محدد ومعلوم ، استنهضت أمة بأكملها لمواجهته بكل ما تملك من عزم ومن وسائل ؛ أيسر من مواجهة تبعات التي اختفت وتوارت خلف ذلك الهدف الذي تحقق ؛ بخاصة إذا كانت تلك التبعات شديدة التعقيد ومتشعبة في كل الاتجاهات ، كما لو كانت بمثابة الشبكة العصبية في جسد كائن بشري . لقد ورثت أفريقيا تبعات جرائم المستعمر الأبيض المتراكمة على مدار 500 سنة من العبودية بشتى أشكالها المادية والمعنوية، كما تباينت كتابات الشعراء والمسرحيين الذين كان مولدهم أو نشأتهم أوروبية ؛ عن كتابات الشعراء والكتاب الأفريفيين الذين ولدوا وعاشوا في قلب أفريقية وقاسوا مع آبائهم وأجدادهم بطش المستعمر الأبيض ، وسطوة جبروته في استباحة الأعراض واستنزاف الطاقات المادية والمعنوية. ولقد عبر إيميه سيزير في شعره عن هذا الوضع خير تعبير:
"لقبي:مهان..
إسمي:محتقر..
عمري:عمر الحجر..
جنسيتي: الجنس البشري..
ديانتي: الإخاء.. "

المسرح الزنجي والنضال عن بعد:*
تتجلى صور الصراع بين حركة التحرر الأفريقي الأسود والمستعمر الأوروبي الأبيض في المسرح الأفريقي في أعمال سيزير المسرحية ، في نصوصه: " الملك كريستوف" و" فصل في الكونغو " و "العاصفة " بوصفه صراعا بين السيد الأبيض الدخيل والعبد الأسود صاحب البلاد ، الوطني"

لذا نرى بعض الكتاب الأفريقيين الذين يناضلون من داخل أوطانهم يسخرون من هؤلاء ، إذ يسخر كل من " فيمي أوسوفيلسان" ورفيقه " شوينكا" من فكرة الزنجية التي تبناها الشعراء والأدباء الأفارقة الذين تربوا في أوروبا وتلقوا تعليمهم ، وواصلوا حياتهم فيها ؛ ثم أخذهم الحنين نحو منابع ثقافتهم العرقية ؛ فيما بعد ؛ عندما أصبح لكل منهم شأنا ووزنا في بيئة المنشأ الأوروبية؛ وعبرت كتاباتهم الأدبية والشعرية عن ذلك الحنين ، وظهرت آراؤهم الحاضة على رفض السطوة الأوروبية البيضاء على موطنهم الأفريقي ، وعلى الجنس الأسود ؛ فكان أدبهم الشعري والمسرحي ؛دعوة لاستنهاض أبناء جلدتهم من بعد . وهو الأمر الذي قوبل بتعاطف عدد كبير من مفكري أوروبا ، وعلى رأسهم فيلسوف الوجودية المادية الأكبر "جان بول سارتر"
لذلك ظهرت بنائية الأدب الأفريقي ؛ حيث الكتابات التي نعتت بالأدب الزنجي أو بالروح الزنجية المتعالية على الروح الأفريقية الصميمة. في مقابل الكتابات الأفريقية التي كانت نتاج كتاب سكنتهم الهوية الأفريقية ؛ ميلادا ونشأة وثقافة؛ فجاءت كتاباتهم شكلا يجسد روح التعبير الأدبي والفني القومي الملتبس بالتراث ، والمتطلع في آن إلى التزاوج – من حيث الشكل – مع الشكل الكلاسيكي الغربي للكتابة المسرحية ، المسكونة بالمحتوى الثقافي الأفريقي في اتجاه التعبير عن الواقع الداخلي المعيش في بلادهم ، سواء في ظل السيطرة الإستعمارية للرجل الأبيض الأوروبي –عسكريا- أو بعد انتهاء مرحلة الكولونيالية. وهنا تكون لدينا مرحلتان من مراحل التعبير المسرحي الأفريقي عن الواقع، هما :
( مرحلة معارك التحرر ، ومرحلة معارك ما بعد التحرر)
مع ملاحظة أن الهم الأفريقي المقاوم لسلطة الأبيض الدخيل ، كان أخف وطأة على المقاومة الوطنية من هم مقاومة سلطة الرجل الأبيض الدخيل ، لأن المقاومة الوطنية لمحتل غاصب أجنبي محمولة على شرعية قومية ،لذا تتضافر كل الجهود الوطنية على ما بينها من خلافات أو اختلافات سياسية ، أو عرقية ، حيث تتحدد الجهود الوطنية أو تتقارب بالتآلف وبالتحالف – إذا شكلت جماعات منظمة أو جمعيات أو أحزاب وطنية – في سبيل مقاومة المستعمر ، بغية الخلاص من الاستعمار. لكن المسألة تختلف اختلافا يكاد أن يكون جذريا بعد التحرر ، حيث يأتي دور الصراع الداخلي بين تلك الجماعات والأحزاب إذ يتفكك تآلفها أو تحالفها الإطاري ، الذي التف حول برنامج عمل محدد موجه نحو تحقيق هدفها الاستراتيجي ( الخلاص من الاستعمار) ويبرز المطالبات الحزبية والفئوية ، محمولة – غالبا- على عوامل عرقية؛ فتطالب كل فئة حزبية وقبلية بنصيبها من كعكة السلطة الجديدة ، التي يفترض تسلمها لمقاليد الحكم من يد المستعمر المرتخية ، من شدة ضربات المقاومة الوطنية وضراوتها ، كما وكيفا ، على أرض المعركة وجهدا دوليا وإعلاميا. هذا إن لم تكن هناك قوة وطنية هي الممثلة الرسمية التى تشكل عصب المقاومة ، التى انضوت تخت رايتها بقية القوى الوطنية المتحالفة معها على طريق مقاومة المستعمر. ولئن كان ذلك قد تم فعليا فإن الصراع على الأنصبة في مستويات السلطة ، ومراتب القيادة في نظام الحكم الوطني سيحل محل شكل الصراع مع المستعمر ، وسيتخذ مظاهر متعددة ؛ غالبا ما تعطل مخططات السلطة الوطنية التي تربعت على سرير الحكم ؛ إذا كانت لديها بعد مخططات حقيقية لصالح الوطن المتحرر حديثا .. هذا فضلا عن المشكلات العويصة التي خلّفها المستعمر الأوروبي ؛ بخاصة الاقتصادية ، وما يرتبط بها من أحوال معيشية وصحية وتعليمية ، وإنتاجية . وهو أمر يحتاج من أي نظام وطني مستند إلى سلطة حزبية قوية ، التفت حولها قوى حزبية موازية لها أو أقل منها قوة في تفاعلها مع جماهير الشعب العريضة ؛ بحيث يتمكن من رسم خطة اقتصادية ، أو مشروع قومي ، يرتفع بالإنتاجية ، بالتوازن مع الواقع الاجتماعي ، تحقيقا لعدالة اجتماعية ، وهو أمر تقف دونه النزعة العرقية أو النعرة القبلية ، وهي نزعة فاعلة في تلك المجتمعات المتشبثة بالرسوبيات الثقافية المشتبكة مع الكثير من الخرافات والعصبيات ، في ظل الازدواجية الدينية واللغوية والعرقية ، وكلها بمثابة قنابل موقوتة سريعة الانفجار لأقل احتكاك طائفي أو عرقي. وهذا ما رأيناه على أرض الواقع الأفريقي ، في مرحلة ما بعد الكولونيالية ، على كل المستويات الصراعية السياسية الملتبسة بالمؤامرات الداخلية المتدنية ، مابين مرحلة تصفية الزعامات الوطنية بعضها بعضا ، تصفية دموية جسدية ، كحالة " تشومبي " وتآمره على قتل " لومومبا" الزعيم الوطنى الكونغولي ، وتآمره على "داج همرشلد" الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ، عندما أقدم على التوسط لحل مشكلة الصراع على الزعامة غي تلك المنطقة المشتعلة بنار العصبية والطموحات الرئاسية العرقية، وهب أمور عرقلت مسيرة انطلاقة البرجوازية الوطنية الأفريقية نحو تنفيذ مهامها الوطنية في إنضاج ثورتها الوطنية في اتجاه النمو الاقتصادي ، والاضطلاع بالتحكم في مقدراتها ، دون تدخلات أجنبية ، في ظل وعي قومي ووطني ؛ بأنه ليس سهلا على المستعمر الأبيض الذي سلب الكثير من ثروات أفريقيا واستنفد ما تفيء به المناجم من نحاس ومن ذهب ، فضلا عن استغلال الأيدي العاملة المتدنية الأجور ، والسيطرة على السواق لتصريف منتجاته الأوروبية ، ليس سهلا عليه أن يسلم بالواقع الذي انتهى إليه حاله بعد طرده من القارة الأفريقية .. وهو بكل أسف لم يكن مهما عند بعض القيادات السياسية الأفريقية المنتفعة من وجود الاستعمار . وبخاصة تلك المنتمية إلى المؤسسة العسكرية ، المعادية بطبيعتها للمدنية والمتشبعة بروح التسلط الفردي وثقافة الطاعة التراتبية.
استنادا إلى ما تقدم ؛ فإن لهذا البحث وقفتين مع الإنتاج المسرحي الأفريقي
الأولى: تتمثل في : ( مبحث: المعالجة المسرحية للمسألة الأفريقية عن بعد)
الثانية: تتمثل في : (مبحث: المعالجة المسرحية للمسألة الأفريقية/ أفريقيا)
المبحث الأول: المعالجة المسرحية للمسألة الأفريقية عن بعد

لنر في الوقفة الأولى كيف تناولت الكتابات المسرحية الزنجية قضايا التحرر ، والدور الذي لعبته تلك الكتابات في تكوين رأي عام أوروبي وعالمي لصالح قضايا الخلاص من المستعمر الأوروبي الأبيض. ، ونر في الوقفة الثانية مع كاتبين تمثل إنتاحهما المسرحي والشعري بالروح الأفريقية الصميمة في معالجة قضايا أفريقية صميمة وهما ( وول شوينكا) وزميله النيجيري( فيمي أوسوفيسان)

• صورة أفريقيا بعد التحرر من الاستعمار:
في نشوة الاستقلال المكتسب ، تجمعت كل المشكلات الأفريقية مرة واحدة ثورات ، خيانات ، صدمات حضارية، دسائس سياسية / مناورات قيادات كبرى. كل هذا جرى بلا رابط ، في طريقة إعادة بناء الدولة المعلق . ولا يعدم مثل ذلك الواقع المعقد من الظفر بشخصية رجل خيالي ، يرى أبعد من الواقع المتردّي . رجل وطني ، حقيقي ، عقائدي ، يزاوج في إيمانه بين القوة والحكمة معا في كل واقع تختلط فيه المصالح مع المنطق وتتداخل كل التناقضات بلا رابط ، في طريق إعادة بناء الدولة.
وقد ظفرت أفريقيا بشخصية كبيرة وعظيمة ، هي شخصية " باتريس لومومبا".
• " إنه رجل سياسي ، كان يعّد الرجل الوحيد في الكونغو والرجل العظيم في أفريقيا بأسرها ، ذلك أنه يتمتع ببصيرة نافذة وشاعرية مطلقة." أكمل قدره ومصيره بجلاء ووضوح رؤسا ، قدره ومصيره كضحية وبطل ، مهزوم ، ولكنه منتصر أيضا .. يصطدم بأسوار سجنه ، ولكنه يقاوم في الوقت نفسه . رجل بعبر عن تاريخ قارة بأكملها ، تعبيرا مثاليا ورمزيا "3

• لمومومبا وصورة البطولة المهزومة في المسرح الزنجي:
صور إيميه سيزير ، شخصية لومومبا في مسرحيته ( فصل في الكونغو) منتصرا مهزوما في آن معا ؛ تصويرا لا يبتعد كثيرا عما جرى من أحداث حقيقية جرت على أرض الكونغو في مرحلة الاستعمار البلجيكي . وقد كان صوت سيزير هو الأقوى والأبقى والأكثر تأثيرا وأثرا من بين أصوات الحركة الزنجية التي ضمت كل من " سنجور " و "داماس " و " ديوب " و " سيزير " نفسه في الفترة من 1934 إلى 1940
ولعل من الضرورة الإشارة إلى هوية سيزير الفنية والسياسية قبل الوقفة التحليلية لنصه المسرحي . لقد اعلن سيزير عن اقتناعه بالسيريالية مذهبا فكريا ، يسعى إلى الحرية المطلقة ، بحيث جاء اعتناقه لها إفادة منها ، وليست تبعية لها ، ووسيلة لهدف ، وليس غاية أو أيديولوجية. ومن الناحية السياسية فقد انخرط في العمل السياسي حتى أصبح عضوا في البرلمان الفرنسي ، وكان أن هجر الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1956 بعد أن وصل فيه إلى أعلى المراكز ، ليتفرغ للكتابة شاعرا ومؤلفا مسرحيا ومفكرا من أجل حرية وطنه وحرية جنسه وحرية الإنسان في كل مصير . أما أسلوبه الأدبي ، فيميل إلى التعقيد شأن كل مفكر ، ومبدع متعدد الثقافات ، إذ يتخير الألفاظ المهجورة والمركبة والعبارات المحملة بشحنات نفسية ، تعكس حالة التوتر ، وتكشف عما يكتنفها من الغموض ، كما يدل رموزها دلالة اعتباطية على الجنس والرغبة المكبوتة ، وحيث يتقارب معنى الرمز عند الكتاب الأفارقة مابين أنواع الشجر ن والفواكه ، والنجوم ، والمياة ، والعصافير ، والزهور . وهي لا شك من تأثيرات السيريالية عنده. بما لها من إيحاءات وإسقاطات استطاع توظيفها في صوره الشعرية والمسرحية على حد سواء .

• الخطبة الدرامية في الفرجة الشعبية:
يستهل "سيزير" نصه المسرحي ( فصل في الكونغو) استهلالا احتفاليا ، طقسيا ، ملتبسا بالتضفير السياسي، وأقول الخطبة ، لأنها خطبة بالفعل . وهي سياسية في مضمونها . غير أنها درامية احتفالية ، من حيث الشكل أو الأسلوب الإطاري الفني ؛ حيث يؤديها ( حاو) في حلقة محيطها جمهرة من الأفارقة المحتشدين في حي لعاصمة ( ليوبولد فيل) حول ذلك الحاوي الذي يقوم في أثناء تقديم ألعابه بالدعاية لمنتج البيرة البلجيكية. ومن الملاحظ المهمة أن الحاوي والحشد المتحلق حوله مراقبون من الشرطة السرية البلجيكية
تنطوي الافتتاحية إذن على عنصر الدهشة ؛ إذ من غير المتصوّر- على المستوى الواقعي – أن يحمّل حاو شعبي بخطاب سياسي ، تحريضي ، يحض الجماهير البسيطة المتحلّقة حوله ، متوقعين الاستمتاع بمشاهدة حيله ومهاراته وألعابه السحرية ؛ فإذا بأفق توقعاتهم يتبدد!! وهنا يلتبس المضمون السياسي بكساء الفرجة الشعبية ، فيما يظهر حالة الغرابة ، المثيرة للدهشة ، تلك الدهشة التي هي أساس عمل نظرية التغريب الملحمي في فنون المسرح – بغض النظر عما إذا كان الكاتب يتقصد ذلك من عده - :
" الحاوي: اخترع البيض ، يا أبنائي ، كثيرا من الأشياء . جاءوا بكم إلى هنا وفعلوا الخير ، وفعلوا الشر . أما عن الشر فلن أطيل اليوم لكن لا شك أن البيرة خير . اشتروا .. أليست هي الحرية الوحيدة التي يبيحونها لنا قبل أي شيء ؟ هل يمكننا أن نجتمع دون أن ينتهي هذا الاجتماع إلى السجن ؟ نجتمع نسجن . نكتب نسجن .. نغادر البلاد ؟ نسجن .. وهلم جرّى ؟ لكن .. لكن لاحظوا بأنفسكم .. منذ ربع ساعة وأنا أخطب فيكم ومع هذا يتركني رجال الشرطة أفعل .. أما السبب ، فلأني أبيع البيرة ، ولأني أصب البيرة .. من المؤكد أن كأس البيرة هي رمز حقنا ، الكونغو وحرياتنا الكونغولية .
لكن احذروا ، نعم فكما يوجد في البلد الواحد أجناس متعددة ، كما هو الحال في بلجيكا نفسها ، حيث يعيش الفلاموند والفايون وحيث يعلم أي فرد أنه لا يوجد أسوأ من الفلامونديين ، يوجد أيضا بيرة وبيرة أخرى . أجناس من البيرة ، أفضل أنواع البيرة في العالم .. البولار . هي التي تغيش في الظروف الجوية القاصية .. البولار بيرة الحرية الكونغولية.
متفرج: هيه .. ولكني سمعت أن البولار توهن المرء .. وأن البولار يوهن المرء .. وأن البولار تضعف من قواه الجنسية .. أجب عن هذا يا سيدى.
الحاوي: لاجظ أيها المواطن ، أني لا أرد على هجومك بهجوم مماثل .. كما أني لا أطلب منك أن تأتي لي بزوجتك أو أختك ( ضحكات تدوّي في الاجتماع)
متفرج: هو ..هو هو . هذا الرجل عنيف ..
الحاوي: لكني التفت ناحية الفتيات هناك ، تلك النباتات اليافعة ، وألقي عليهن بسوء .. إليّ .. هيا أيتها الفتيات .. يا دعاباتي ، صاحبات البسمة النديّة .. يافتياتي ذوات بطن الحية اللدن .. ألن تجئن؟
( الفتيات تغني )

أجساد كالمرايا ملساء
أدساد بر رياء
غارقة في العسل
شعر متموج
نهدان بارزان
فوق الصدر البرئ بلا حياء ( تصفيق الجمهور)"
المخبر البلجيكي الأول: لا بأس بتهريجه .. لكنه ثرثار
المخبر الثاني: هيه.. لكنه مصدر قلق .. فكأس البيرة التي يصبها عبارة عن صندوق ملئ بالدهاء .. ماذا يخرج منه ؟ سأحصل منه على كلمتين في هذا الشأن.
المخبر الأول: عامله بعنف .. لا بد من بيع البولار .. تعرف من يملك البولار ؟
المخبر الثاني: كيف تريد لي أن أعرف ؟ أعرف فقط أن هذا الزنجي خطير.
المخبر الأول: أنت صغير ، أقول لك .. فوراء البولار يختفي الوزير .. أي نعم
وزير الكونغو .. هل هذا يكدرك .. لكن الأمر كذلك .. فهمت إذن .. هيا بنا نأخذ كأسا.
المخبر الثاني: أرغب في ذلك تماما.. اعطني بالمناسبة اسم الحاج ، فشيء ما يقول لي إننا سنحتاج إليه.المحبر الأول: أوه إنه ساحر ..اطمئن .. ساحر اسمه .. باتريس لومومبا "


• المسكوت عنه في المشهد الافتتاحي:
يتكشف المسكوت عنه من وراء ظاهر التعبير الدرامي في الصورة الفرجوية الاحتفالية الشعبية السابقة ، في السلوك البراجماتيك المتبادل بين السلطة الاستعمارية البيضاء والمعارضة السياسية الأفريقية ، فظاهر الصورة تدل على نفعية استعمارية حيث يظهر المستعمر الأبيض بمظهر الديموقراطي الذي يسمح لمعارضيه الوطنيين بانتقاده ، ومن الناحية الفعلية ، فطالما يعمل المعارض السياسي على در الأرباح للرأسمالى الحاكم المستعمر ؛ فلا ضير من القليل من ثرثرته . المهم هو أنه يروّج له منتجه الاستهلاكي .

• التعليمية والفعل الدرامي المرجأ:
تلعب فكرة البطولة المنسحبة دورا مهما في مسيرة النضال الأفريقي من أجل التحرر ، وهو ما عني " سيزير " بتصويره في مسرحيته تلك:
" ( يدخل رجل يرتدي زيا أوروبيا ، يسير كرجال البحرية . إنه موكوتو)
موكوتو: سلام على الفتيات ، عندي لكم أخبار جديدة . ألقى الفلامنديون القبض على باتريس ، ولا أمل في أن يلينوا .. رحلوه إلى إيفيل، مقيد اليدين ، بينما يجتمع السياسيون في بروكسل حول مائدة مستديرة لتقرير مصير الكونغو"
" رجل: حسن ..حسن .. لاكن ما العمل ؟ لا يمكننا رغم كل شيء أن نقتحم وبأيدينيا العزلاء سجن إليزابيث فيل.
موكوتو: وهل أعرف أنا؟ ياإلهي.. افعلوا أي شيء . ولكن افعلوا .. كل الطرق ممهدة ، كل الطرق تؤدي إلى الثورة ، فاتخذوا إذن أي الطرق . لكن اتخذوا طريقا ( يرتفع الصوت مرة أخرى خلف المسرح ويغني نشيد اللمبانجيست)

إننا الأبناء اليتامى
ليل حالك ، شاق هو الطريق
إلهنا القادر . أين نجد العون ؟
أبانا الكونغو من ذا الذي يعيننا."
هكذا تنتهي المسألة إلى رد الفعل التواكلي ، حيث الوسيلة السهلة المريحة ، الدعاء ، ترك المسألة بيد الغيب .
"المرأة: اقترح أن نرتدي ملابس الحداد لمدة ستة شهور ، فنحن نلبس الحداد عندما نفقد أحدا منا ، وباتريس كان إلى حد ما واحدا منّا.
موكوتو: ياله من كذب .. تعتقدين أن هذا الأمر يهم الفلامنديون؟
المرأة: أنا أقترح أن نقوم بإضراب ونطوف رافعين أعلامنا ، كل جمعياتنا لوليتا ، دولار ، المرأة الحرة ، والأمل ، رافعة أعلامها الصفراء والخضراء والحمراء ، سوف يكون لهذا تأثير ."
تتأرجح اقتراحات النساء من أجل اتخاذ موقف ضد اعتقال زعيم الأمة، ما بين إلقاء عبء خلاص ذلك الزعيم المعتقل على الغيب ، أو التعبير الحزين السلبي بديلا عن الفعل ؛ بارتداء ملابس الحداد حزنا أو تعبيرا عن حزنهن . إلى أن تدرّج رد الفعل ، حيث اقتراح إحدى النساء بالقيام بإضراب - هكذا بشكل مفاجئ ؛ فلا إعداد ولا تنظيم ، قرارات ارتجالية فردية ؛ ابنة لحظتها – إضراب نسوى ترفع فيه الأعلام !!
ولنلاحظ أن هذه الاقتراحات اللحظية المتدرجة لتنتهي هذه الدفعة الحماسية إلى المهادنة والاستسلام على يد (ماماكوزي) أي بمخلّص فردي . وهنا يتضح المغزى التعليمي الذي قصد إليه المؤلف ؛ حيث يشخص حالة ردود الفعل الفردية المتدرجة:
" ماماكوزي: (أو المرأة القوية) كفاكم بلاهه.. لا حزن ولا إضراب . العمل هو العمل ، سنعمل أكثر مما عملنا من قبل. سندفع كفالة للبلجيكيين ، الجاموس يحب المال، هذا شيء معروف إنه غذاؤه ، وسيجتمع باتريس مع الآخرين في بروكسل . انتهيت من كلامي."
يعتمد المجتمع الأفريقي إذن على القرار الفري الممسك بزمام الأمور ، والمتحكم في آلة الفعل الجماعي القبلي ، وهو أمر مريح للقوى الاستبدادية الاستعمارية أو غير الاستعمارية على حد سواء.
"( رجل يقوم ، يغني ، الحشد يردد غناءه)
سيحل فصل الأمطار
ستأتي الحرب إلينا
زمن الدماء الحمراء
هو الزمن الذي أتحدث عنه
قوي هو الجاموس ، قوي هو الفيل
لكن أين الفرار ؟
لا الباب ولا الطريق
تنبأ بعلمه
قريبا يسقط الجاموس وقريبا يسقط الفيل
سيشعرون بيد الله الرهيبة
الزمن الذي اتحدث عنه هو زمن الدماء الحمراء
للغد هي الحرية."
هكذا يرجأ اتخاذ قرار الفعل الثوري المختلف عليه شكلا ، ويستبدل بموقف تلطيفي ، يفرغ شحنة الحماس الجماعي . ما أشبه ردود الأفعال لدى شعوب أفريقيا .. ، أليس ما نفعله نحن هنا في مصر وفي الكثير من البلدان التي تغرق مجتمعاتها في الفساد البيروقراطي فيما بعد مرحلة التحرر ، الهتافات أو الغناء الحماسي ،-أحيانا- والتلطيفي –أحيانا -

• درامية العنف وصوره مع المعارضة السياسية :
لا يختلف معاملة السجناء المعارضين السياسيين في أفريقيا عنها في أي بلد يحكمه التسلط الأجنبي أو الحكم الوطني الاستبدادي ، في ظل الاحتلال أو في ظل مرحلة ما بعد التحرر:
" السجان1: ( يتحدث في التليفون) آلو؟ إني منصت .. نعم سيادة المدير .. تماما ياسيادة المدير.. حسب أوامرك ياسيادة المدير.
السجان2: ما الموضوع أيها الرئيس ؟ خطير ؟
السجان1: المدير أخبرنا بحضوره الآن، بخصوص السيد باتريس لومومبا.
السجان2: أوه.. هذا الرجل.. لا يجلب لنا سوى المشاكل.. رأيت العديد من المسجونين، لكن بشرف السجان، لم أري أناسا متعبون أكثر من هؤلاء الزنوج ذوي النظارات.
السجان1: والإدعاءات .. انظر إنه حتى الآن يكتب الشعر .. شاعر خسيس، لكن احضره هنا حتى نذكره بالنظام ونهيؤه للحديث مع سيادة المدير"
ولنلاحظ المسكوت عنه فيما وراء عبارة " ونهيؤه للحديث مع سيادة المدير" !! ونوازنه باللهجة المغايرة ، حالة ارتخاء قبضة نظام أسياد ذلك السجان ، حيث تتغير نبرته بدرجة 180% من عنفوان جبروت السلطة إلى خوار الأبقار ؛ فور تغير لهجة أسياده في بروكسل:
( بينما يذهب السجان الثاني لإحضار السجين .. السجان الأول يقرأ)
السجان 1: أوه .. أوه ..
الكونغو، ثم جاء الرجل الأبيض
مغتصبين نساءك
لكن المستقبل السعيد يحمل الخلاص
شواطئ النهر الكبير هي ملكك الآن
ملكك هذه الأرض وكل خيراتها
ملكك تلك الشمس في علاها
من أين سيملكها الشمس؟
إنهم لا يكتفون بالحصول على بيوتنا ونسائنا
بل يريدون أيضا الحصول على الشمس !
أه.. ها أنت أيها القذر الحقير، الجاحد، أه السيد يقرض الشعر.. لكن من الذي علمك القراءة.. أيها الخسيس، سوى هؤلاء البلجيكيين الذين تكرههم إلى هذا الحد .. قف.ز امسك.. سأكتب الشعر على ضلوعك.
السجان1: لا بأس.. هيه؟ ( يضربه) اتتصور نفسك في بروكسل أيها الوحش؟ وما الذي ستقوله للملك إذا رايته ؟ ما الذي ستقوله للسيد كتوكو؟
السجان2: ( وهو يضربه) يريد بالطبع أن يصبح وزيرا..(يضحك) أتتصور نفسك سيدا .. أيها الخسيس .. سيدا."
هكذا تبدو صورة صغار السجانين دائما هم ملكيون أكثر من الملك نفسه، لكنهم سرعان ما ينقلبون رأسا على عقب في معاملتهم للمعتقل السياسي إذا ما ارتخت قبضة سلطلة نظامهم، فإذا بهم وقد تخنثت أصواتهم في مخاطبتهم للمعارضين السياسيين ، خوفا وهلعا من احتمالات ما ستتكشف عنه الأحداث في ظل الفوران الجماهيري ، وصلابة المناضلين: لعة المهادنة والتفاوض في الدراما : *
المهادنة عمل من أعمال السياسة ، التي هي فن إجادة التعامل مع الواقع . ولا شك أن عمل الإدارة هو عمل معبر عن سياسات نظام حكم أو هيئة أو مؤسسة رسمية أو غير رسمية. ولما كانت السجون مؤسسة حكومية يديرها نظام الحكم من أجل حماية النظام ومؤسساته ، وحماية استقراره اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ؛ لذا نرى مدير السجن في مسرحية ( فصل في الكونغو) ؛ وقد تغير موقف حكومة بلجيكا من الزعيم الأفريقي لومومبا المحبوس في سجنه ؛ يسارع هو بنفسه لنقل الخبر إلى سجينه، بإعلان إطلاق سراح لومومبا . وهو إعلان يتخذ سمة أخرى ونبرا مختلفا كل الاختلاف عن لهجة القهر ، والاستعلاء السابقة:
" المدير: أحمل إليك أنباء سارة .. يا سيد لومومبا .. نبأ عظيما. نعم فأحيانا ما يحدث أن يحمل مديرو السجون أنباء سارة.أنباء عظيمة إلى مساجينهم ، فقد وصلني منذ برهة أمر من بروكسل بخصوصك. قرر السيد حاكم الكونغو إطلاق سراحك .. ويأمل بصفتك رئيسا للحركة الوطنية الكونغولية ، كما تطلقون عليها ، يأمل أن تشترك في أعمال مؤتمر المائدة المستديرة . وقد كلفت باتخاذ اللآجراءات الللازمة لتسيير سفرك .. وأخبرك بأن طائرة شركة سابينا المتجهة إلى بروكسل ستقلع غدا. أنت الآن حر يا سيد لومومبا .. رحلة موفقة ياإكسلنس..
السجانان: أوه..أوه..(ينحنيان) رحلة موفقة ياإكسلنس"
( يمر لاعب سائرا وهو يغنى)
"إخواني .. يا إخواني.. تيقظوا.. الكونغو يتحرك "

• سوق المال ودراما المتغيرات السياسية :
بقدر دفع الحراك السياسي نحو اشتداد النضال الوطني ضد المستعمر أو ضد أنظمة التسلط الفردي لنظام الحكم ، تتغير حركة سوق المال صعودا أو هبوطا، وهكذا يحدث الحراك الاقتصادي بفعل النضال الوطني تغيرا ملحوظا في صناعة القرار السياسي .، وهذا ما يصوره إيميه سيزير في المشهد الرابع ، بعد الإفراج عن الزعيم الكونغولي لومومبا.؛ حيث يتذبذب سوق المال وتضطرب حركة البنوك:
"( منشور يسقط من الكواليس مكتوب عليه: " بروكسل قاعة المائدة المستديرة " غرقة ملاصقة لقاعة القصر.. الذي ينعقد فيه مؤتمر المائدة للأحزاب الأفريقية..أربعة أو خمسة رجال متنكرين في شكل ساخر ، على هيئة صرافي البنوك ، يدخلون ويخرجون .. زي أنيق.. سيجاركبير .. السخط والرعب على أشدهما .. تسربت أنباء تفيد بأن الحكومة البلجيكية وافقت بناء على طلب لومومبا على تحديد يوم 30 يونيو 1960 موعدا لاستقلال الكونغو.)
الصراف1: لقد انتهي كل شئ صمم الخونة على بيع إمبراكوريتنا
الصراف 2: حددوا للاستقلال موعدا
الصراف3: للأسف قبلوا ديكتاتورية هذا الخسيس
الصراف4: الشجاعة يا سادة ..الشجاعة. على المرء أن يتزوج عصره.. لا أقول يحبه..يكفي أن يتزوج منه.. هذا الاستقلال يضللني."
هكذا تنقسم الآراء في حمية الانفعال ، خوفا من ضياع المكاسب ، فيتبنى الكثرة من أصحاب المصالح موقف التشدد والسخط ، ويقف القلة القليلة موقفا برجماتيا . وهذا ما وضح في الحوارية السابقة ، حيث يتبن موقف الرجل الأبيض من مسألة التفاوض ، مع الحركة الأفريقية الوطنية ؛ فترى في إعلان بلجيكا الاستقلال والرحيل عن الكونغو ضربة قاصمة لمصالحهم ، بينما لا تعدم هذه المجموعة الرأسمالية الغاضبة من صوت العقل إذ يظهر بينها من يفكر تفكيرا برجماتيا ، يتدبر مسالك أخرى بديلة للانتفاع ، وتقليل الخسائر :
"الصراف1: الشئ الذي يؤدي إلى الكارثة الكبرى ويقضي على الدولة ، ويبدد أموالنا ويحط من قدر هذا البلد حتى يصل إلى أحط الدرجات ، هو أن تتخذ موقفا بعد فترة طويلة.
الصراف2: تناقض محير أم حكمة خطيرة .الإثنان ولا شك .. زميلي إني أقولها لا أعرف م الذي يجيش في أعماقك ولكن عندما ينتشر الشر في مملكة شاسعة يصبح من الخير ألاّ تنادي بالحرية.
الصراف4: عندما ينتشر الشر في مملكة شاسعة تصبح الحلول الجريئة هي وحدها العاقلة."
يتفتق ذهن الرأسمالى العجوز عن حيلة يظل بها ممسكا بمفتاح خزائن المال ومسيطرا على السوق ، بعد الاستقلال ؛ فللاستعمار أشكال غير الشكل العسكري المباشر ، والمهم ملكية وسائل الإنتاج .. الأسواق والبنوك :
"الصراف2: ما علينا.. هل لديكم ما يسمى بالسياسة؟
الصراف 4: سياسة؟ الكلمة ضخمة. لكن لنحكم العقل، من هنا وهناك تقفز إلى مخيلتي بعض الأفكار.. وهذا لا يستحق شيئا عشرون عاما من العذاب. فكروا. فلكي نروض الوحش لا يوجد إلاّ وسيلتان.. الهراوة يا عزيزي ، والخازوق.
الصراف1: وبعد ؟
الصراف4: ماذا لا شئ.. كنت أعتقد أنكم أكثر وعيا. اتبعوا الفكرة.. يريدون؟ مراكز.ألقاب.رئاسات.نواب.شيوخ.وزراء.. أخيرا الخازوق.. حسنا .. سيارات..حسابات جارية.قصور. مرتباتكبيرة.لن أبخل أبدا.. بديهيا وهذا هو المهم:أن تشبعهم.. النتيجة..أن تلين قلوبهم. ويصفو مزاجهم، أرأيتم إلى أين يقودنا المنطق حتى تحكم تدبيبر المؤامرة.
الصراف1: كفى.. أحسنت أيها الزميل.. الموافقة بدون تحفظ؟
كورس الصرافين: هيه..هيه.. يحيا الاستقلال."
تسهم الانقسامات العرقية الداخلية الكونغولية في إنجاح مخططات الفكر الإمبريالي المستقبلية ؛
" (ليوبولدفيل ، احتفالات شعبية، تسمع أناشيد الاستقلال)
امرأة: كيف يصل الاستقلال في سيارة ..أو باخرة .ز في طائرة؟
رجل: يصل بصحبة الملك الأبيض الصغير.ز السيد كيتوكوتو، هو الذي سيحضره لنا.
مواطن: ( من المنظمة الوطنية الكونغولية):
الاستقلال .. لن يحضره لنا أحد.. نحن الذين نحصل عليه. أيها المواطنون.
موكونجو: لا يهم .. منحناه أو انتزعناه.. ما أعرفه .. هو أننا الآن نملك الاستقلال وعلى كل البنجاليين أن يعودوا إلى قراهم.. لقد أفسد هؤلاء البنجاليون البلد.
مونجالي: نحن وحدنا الذين نملك السماح لواحد من الموكونجو ، أن يكون رئيسا للجمهورية.. وأن يحكمنا .. هذا المكان يعود لرجل من النهر ، يحيا جان بوليكانجو.. إلى السلطة يا جان بوليكانجو. "

من الحاكم المستبد لا يتحقق إلا عن طريق الاغتيال السياسي.


• دراما الخطاب السياسي بين التحذير والتغيير:
في ظروف السياسية الطارئة ، حيث تشكل مرحلة نقل السلطة من المستعمر الأجنبي إلىالسلطة الوطنية الثورية المؤهلة لاستلام الحكم ، تشيع بين الأطراف المؤيدة للانتقال ، والأطراف المعرضة المضارة من تبعاته ، تشيع الكثير من مقولات التحذير ، مختلطة مع شعرات ما بعد التحرير ، من صور لطموحات التغيير ، وهو مناخ ملتبس ، يتحول فيه الصراع إلى صراع فكري ، يميل كثيرا إلى روح الشعارات المحذرة من عواقب التغيير والتبرير في مساندة الدعوة الرافضة لأي نوع من أنواع التغيير ، حرصا على مصالحها أن تضار :
" كالالوبو: أريد أن تعلموا أن الاستقلال إنما هو صديق للقبائل.. لم يأت لينال القانون .. ولا العادات .. ولكنه جاء ليكملها ويتممها .. ويوفق بينهما الاستقلال ، صديق الوطن . لم يأت أيضا ليعمل على تقويض الحضارة . الاستقلال جاء ممسكا بين يديه من ناحية بالعادات وبالحضارة من ناحية أخرى .. الاستقلال جاء ليوفق بين القديم والحديث ، بين الوطن والقبائل ، فلنبق مخلصين للحضارة ، فلنبق مخلصين للعادات ، وسوف يحفظ الرب الكونغو."
وفي مقابل هذا الخطاب التلفيقي المضاد للتغيير بجمعه للنقيضين ، الحضارة والعادات وللوطن والقبائل معا ، يقف خطاب لومومبا الزعيم الأفريقي التقدمي ، الذي يدرك خطورة خطاب التلفيق السياسي التبريرى السابق ، وما ينطوي عليه من غش وتزييف :
" لومومبا: أما أنا .. سيدي .. فأفكر في المنسيين ، نحن الذين ضربنا ، وشوهنا، وأهنّا وبصق على وجوهنا . طباخون، وشغالون، عمال كما تقولون غسالون ، شعب من العمال، من يشك أن الإنسان من الممكن ألا يكون إنسانا، ولا يملك إلا أن ينظر إليه ، كل الآلام التي استطاع أن يتحملها الإنسان. يا سيدي تحملناها. كل الإهانات التي استطاع أن يذوقها الإنسان ذقناها. طعم الحياة، أيها السادة ، لم يستطيعوا أن يصبوا مرا في أفواهنا. ولقد كافحنا بوسائلنا البدائية. كافحنا خمسين عاما، وها نحن قد انتصرنا بلادنا هي الآن بين أيدي أبنائها، هذه السماء، هذا النهر، هذه الأراضي، ملكنا . البحيرة ، والغابة ملكنا . كاريزمين، تيارا ، نجوجو، يناموراجيرا ، ميكينو ملكنا..إيه إن الجبال تتصاعد إليها النار والكلمات ، أيها الكونغوليون اليوم هو يوم عظيم ، اليوم الذي يضم فيه العالم إلى أممه الكنغو أمنا، أو الكونغو ابننا ، وليد أرقنا ، وآلامنا ، أصدقاء الكفاحوأخوة النضال ، فليتحول كل جرح من جروحنا إلى ثدي ولتصبح كل فكرة من أفكارنا ، وكل أمل من آمالنا غصنا يجدد الهواء من أجل الكونغو.. انتبهوا.. إني أرفعه فوق رأسي وأحمله على كتفي .
انفخ على وجهه ثلاث مرات، أضعه على الأرض وأسألكم .. هل تعرفون حقيقة هذا الطفل ؟
وتجيبون جميعا
إنه الكونغو ملكنا
أريد أن أكون طاءرا ، طائرا جميلا، يحلق في السماء ، بعلن للأجناس بكل اللغات.. إن الكونغو ولد لنا ملك لنا .. ليحيا الكونغو.. الكونغو المولود مؤخرا ، فليحيط بالجميع. أيها الأصدقاء ، كل شيء يجب أن يصنع ، كل شيء يجب أن يعاد صنعه، سوف نراجع القوانين بعضها تلو الآخر من أجل الكونغو.. سوف نعاود النظر ونحن نقتلع الظلم في كل أجزاء الصرح القديم من أسفله إلى أعلاه.. الواحد تلو الآخر من أجل الكونغو..وكل ما اعوج سوف يستقيم، وكل ما نكس سوف يرفع."14
هل تنبه الوطميون الكونغوليون لتحذير زعيمهم ( لومومبا) ، وهو يصيح بأعلى صوته :
"لومومبا: من أجل الكونغو أطالب باتحاد الجميع ، أطالب بتضحية الجميع من أجل الكونغو ( فترة من الذهول)
ياكونغو يا أيها الزمن العظيم ..
ونحن بعد أن أحرقنا ثياب العام القديم
علينا أن نبدأ خطواتنا الراسخة المتفائلة
في المهد الجديد.. في بزوغ الشمس "
لو كان ذلك قد حدث ما اغتيل لومومبا بإيد كونغولية . وهي نهاية متوقعة ، على لسان ممثل القوى المضادة للتغيير:
( يدخل أربعة صرافين)
" الصراف 1: هذا مرعب.. -هذا مرعب .. ستكون النهاية سيئة.
الصراف 2: هذا الحديث.. هذه المرة إن حدث يمكننا أن نرحل..
الصراف 3: (متعجرفا) هذا واضح حين ينعدم النظام على الصراف أن يرحل..
الصراف 4: نعم.. على الكونغو .. هذه المرة أن يسير بدون مرشد.. يمر موكوتو مهموما ولا يرى أحدا)
موكوتو : كنت قد راهنت عليه: على من استطاع أن بحسن صياغة هذا الحديث ؟ ليقال إني أردت أن أصنع منه رجل دولة.. إذا كان يريد أن يكسر عنقه ، فتبا له، ياللخسارة، يالها من خسارة.ز إن السكين الخادة تمزق حتى غمدها ( يبصق) محترف المقابلات.ز هل صحيح كما يقال في قريتي إن الثروة جمل يملكه الشخص الذي يترقب اللحظة التي يبرك فيها الحيوان تعبا لكي يمتطيه..
( يخرج ممتطيا جوادا خياليا) ( وهذا لاعب السانزا يردد أغنية لوبيتو الشعبية)
يمسك الرياح
فليس هناك آمن منهم
وليست لهم ملامح القتلة
ولكن أنوفهم تستنشق كل رائحة تحملها الرياح
إنهم شباب لوبيتو
إنهم رجال مشوهون
يأكلون كل شيء
إنهم رجال لوبيتو
اللوبيتو هي النقود
ليسوا طيببين ولا أشرار
إنهم رجال لوبيتو
( يظهر الصراف الخامس)
الصراف 1 : تهنئتي يا سيدي.ز إنه همل جيد في الحقيقة"

* جمالية الصورة المسرحية:
هكذا تتكامل الصورة المسرحية بتضافر المضمون الحواري مع عنصر الفرجة الشعبية الإيهامية في ربط شخصية (موكوتو) بين المثل الشعبي الذي يتردد في قريته : (( إن الثروة جمل ينلكه الشخص الذي يترقب اللحظة التي يبرك فيها الحيوان تعبا لكي يمتطيه)).. ومغادرته المكان (( ممتطيا جوادا خياليا متوهما))
والجمالية في التورية الدرامية ، حيث المسكوت عنه ، وهو أن ذلك الشاب الثائر لومومبا ، سيبرك كما يبرك الجمل ، وعندها يمكن السيطرة عليه ومن ثم ، عودة الثروة التي طارت من بين يدي موكوتو وأمثاله من الأفريقيين الذين خدموا في حكومة المستعمر .
كما تتكشف الجمالية في الصورة الدرامية في ربط المؤلف لما ترمز إليه كلمات الأغنية برجال اللوبيتو-أي رجال المال) ودخول الصراف 5 على زملائه الصرافين الأربعة فور انتهاء الأغنية ، ليهنئونه على ما أنجز من تدبير تآمري يؤدي إلى فصل إقليم ( كاتنجا) الغني بالثروات المعدنية عن الكونغو الأم:
" الصراف 5: ( يهمس في أذنهم) سوف تعرفون أيها السادة أنه منطق سليم .. إذا كان "ليو" يتمسك بتقرير المصير ، ليكن .. لا نستطيع أن نمنعه.. ولكن ليكون ذلك للجميع ولمناجمنا قبل كل شيء.
الصراف1: شوت..شوت.. دعوني اسمع ما يقوله الزميل، منطقي في الغالب..
الصراف 4 : أيها الزملاء عندما أتأمل محيط الفوضى الذي تهوي البلاد فيه يلوح لي أن الحل الأخير يبقي حقا .ز أمام هذا الكونغو المتعثر المترامي في الأطراف. هناك فكرة تفرض نفسها .. فمن غير اللائق ألاّ نستطيع أن نخرج كاتنجا طواعية من هذا التلاحم الضخم.
الصراف1 : آهلقد فهمت ما ترمون إليه.. ولهذا أعانقكم . يحيا اليورانيوم حرا .. هذا أمر طيب أليس كذلك ؟
الصراف5 : ليس اليورانيوم فحسب .. الماس كذلك .. النحاس.ز والكوبالت.. وأخيرا كاتانجا .. كاتانجا المتعثرة الزائغة الصيت..
جوقة الصرافين : هوراه..هوراه..تحيا كاتانجا."
بالطبع لا يقف الأمر عند ذلك الحد ، فللقبائل هي الأخرى طموحاتها الصغيرة ، إذ لا بد من أن يكون لها نصيب في الحمل الذي برك ، لذا فسرعان ما تقوم حرب القبائل ، ليواجه الكونغو بعضه بعضا من الداخل ، ويواجه الأجانب أصحاب الاحتكارات ، ويواجه فوق الانقسام انقسامات تالية بسبب أطماع الداخل والخارج معا : (قصر الرئاسة ، جناح كالا)
كالا: يالها من دماء.. يالها من أهوال.. قبائل اللوليامس تقتل قبائل البالومامس.. قبائل البالوبامس تبيد قبائل اللولبامس.. وقواتنا.. القوات الكونغولية الوطنية .. تسحق الجميع.. أوه .. الحرب .. الحرب"
ومن المتآمر ، الذي وافق على تلك الحرب الوطنية ؟ هو (كالا) رئيس الكونغو:
" كالا .. بالتأكيد أعطيت موافقتي.ز لكن هل تعتقدون أنه من السهل أن تقول لا لهذا الشيطان القبيح.. على كل هو الذي قرر.. ومن الطبيعي أن يتحمل قراراته.."
أيضا لم يكن كالا بعيدا عما حدث لباتريس لومومبا:
" كالا : عصفور يحارب برأسه باحثا عمن يهاجمه . أجدادنا كانوا محقين.. القائد الحقيقي لا يثور أبدا .. يبقى .. حيث يكون مركز الوجود مركز الدولة .. إنه يشع حيث يكون أما هذا .. فمتسلط .. لكنه لا يشع .. يشعل .. يوقد النار..كنتو .. كنتو .. آه ، ذلك أنه كان سيقلبني رأسا على عقب لو تركته يفعل .. والنار في الكونغو .. النار في العالم .. ولكني هنا .. ولن أتركه يفعل أبدا أنا هنا لكي أنقذ الكونغو وأنقذه من نفسه.
مهلا ياسيد باتريس.. مهلا.. كالا العجوز هنا .. هنا .. بحق الشيطان.. نعم.. أنا هنا.. ولزمن طويل ."15
هكذا تشابكت خيوط التآمر من الداخل ومن الخارج في ظل صراع القبائل داخليا والأطماع الاحتكارية الأجنبية ، التي قسمت الكونغو إلى أكثر من دولة واغتالت زعيم تحررها الوطني.

لم يبتعد حدث في الكونغو كثيرا عما حدث في نيجيريا. غير أن نيجيريا ، تمثل الصراع فيها بين سلطات ثلاثة بعد مرحلة الكولونيالية حيث تصور مسرحية فيمي أوسوفيسان( آرنجندن والحارس الليلي) طبيعة التنازع على السلطة بين ممثل السلطة التسشريعية المنتخبة وممثل السلطة الدينية وممثل السلطة التنفيذية) ، ليكشف الصراع عن تضافر السلطة الدينية مع السلطة التنفيذية في إقصاء السلطة التشريعية ، وعندما يتحقق ذلك لهما يقصى ممثل السلطة التنفيذية ممثل السلطة الدينية وينفرد بالسلطة بعد أن أتاح له ممثل السلطة الدينية أعدادا كثيفة من الشباب الذي تربي دينيا لينضوا تحت راية جهاز حماية أمن البلاد ، وعندها ينحاز ممثل السلطة التشريعية تحت راية ممثل السلطة التنفيذية الأمنية ، غير أن تسلطه واستبداده ، يؤدي إلى اغتيال ابنة ممثل السلطة التشريعية له وانتحارها ، وبذلك يكشف المؤلف أوسوفيسان عن أن الخلاص

المبحث الثاني
المعالجة المسرحية للمسألة الأفريقية/أفريقيا

* درا ما الخطاب السياسي بين التدبير والتبرير
بين التدبير التآمري للاستيلاء على السلطة وتبرير ذلك الفعل ؛ بالتنسيق بين ثلاث قوى ، تمثل مثلث هرم السلطة في النظام السياسي الاستبدادي( ممثل التشريع والقانون وممثل الدين وممثل الأمن ) تدور أحداث مسرحية ( آرنجندن والحارس الليلي) في المجتمع الأفريقي النيجيري ، حيث تتكالب تلك السلطات الثلاث على الشعب ، بعدما آلت البلاد إلى السلطة الوطنية بعد زوال المستعمر الأوروبي الأبيض . لذا فإن الصراع في تلك المسرحية " يدور على عدة مستويات أولها المستوى الموازي للصراع العام ، الذي يدور حول مجمل شكل فني يخضع لتقاليد الفنون الأفريقية ، وهو ما صوّره المؤلف بعبقرية كرقصات فلكلورية بين الرجل والنساء ، الأمر الذي يضفي على المسرحية أيضا روحا من الفرجة والجمال والتشويق."
ل1لك يوظف المؤلف الأشعار التقليدية بلغة " اليوروبا" الأفريقية ، بديلا عن رتابة الراوي ، للتعليق على الحدث ، تعليقا نقديا ، أو كتقنية للتخلص الدرامي من موقف مواحهة حادة بين أطراف الصراع إلى موقف آخر أدعى إلى التلطيف .
• درامية خطاب النقد السياسي:
ينتمي هذا النص إلى المسرح السياسي ؛ لا لأنه يتناول قضية سياسية فحسب؛ بل لأنه يتناولها بأسلوب يمزج بين المواجهات الصراعية المباشرة ، بأسلوب يجمع بسن الحوار والغناء في شكل كوميدي انتقادي ، وإن انتهى الحدث نهاية ميلودرامية ، بقتل البطلة للشخصية الرئيسية التي تمثل وجه التسلط الفردي الأمنى في البلاد ، وهو نوع من الاغتيال السياسي ، ثم إنهاء حياتها بالسلاح نفسه – والقصدية الميلودرامية ماثلة في قتلها لنفسها ، على حين أن قتلها لنفسها لم يصدر عن ضرورة درامية ، على اعتبار أن والدها هو المؤهل للزعامة الفردية محل ذلك الحاكم العسكري المستبد - فضلا عن أن الرغبة العامة للخلاص منه كانت متوفرة كشرط موضوعي لفعل الخلاص منه
يوجه المؤلف اتهاما دامغا للممارسات غير الآدمية التي يقوم بها الحكام المتداخلين في سلطة البلاد بعد التحرر من المستعمر الأوروبي الأبيض ، حيث لا يكتفون بالتنازع على السلطة فيما بينهم ( قانونيا ودينيا وأمنيا) بل يتسلطون كل بطريقته على الشعب ، الذي لولا نضاله ما كان لهؤلاء وجود على الساحة السياسية ، لذا تفضح هذه المسرحية أغراضهم وتكشف عن ممارساتهم المريضة، التي أدت إلى وضع قيد من نوع جديد على البلاد والعباد بعد التحرر ، مما بدا معه الوطن وكأنه ما تخلص من قيد إلاّ ووضع في قيد جديد ثلاثي الحلقات ( قيد قانوني أو متذرع بقانونه ،وقيد ديني ،أو متذرع بالخطاب التديني ، وقيد أمنى متذرع بحماية أمن الوطن والمواطن ) وما كان ذلك في حقيقة الأمر سوى ذرائع زائفة كحق أريد به باطل ..

المسرحية الأفريقية
بين الفرجة الشعبية والفرجة المسرحانية
- إيهاميا وتغريبيا -
في كتابات المؤلف المسرحي الأفريقي ، الذي يكتب عن تجربته الملتحمة مع بيئته الأفريقية من الداخل ، تختلف الصورة عنها في كتابات المؤلف المسرحي الذي يكتب عن المجتمع الزنجي الأفريقي عن بعد ، ، تبعا لميلاده ونشأته خارج القارة الأفريقية ولتحصيله العلمي والمعرفي في المعاهد أو بالتفاعل الثقافي والمعرفي الغربي . ومع ذلك فإن سمات الحكي وتداخل فنون الغناء والرقص ، ولغة الترميز متقاربة بين كتابات من كتبوا عن بعد أو من كتبوا من داخل القارة الأفريقية نفسها. كما أن الكتابة المسرحية لكتاب مسرحيين ممن يطلق عليهم (كتاب الحركة الزنجية) أو لكتاب مسرحيين أفارقة ميلادا ونشأة توشي بنيتها الدرامية بأشكال الفرجة الشعبية متزاوجة مع عناصر الفرجة المسرحانية – التي هي أقرب لتقنية المسرح الغربي المعروف- غير أن عناصر الفرجة الشعبية ، وروح الانسيابية التلقائية في التخلص الدرامي في كتابات المسرحيين الأفارقة ميلادا ونشأة وهوية ثقافية أفريقية أكثر ظهورا واتساقا في وحدة البناء الدرامي عنها في كتابات المسرح الزنجي ، كما تشحب في الكتابة الأولى نبر الخطابة والميل إلى المباشرة الواهية القناع ، وإنما يحمل الخطاب ذا الصبغة الخطابية عبر الشخصية القناع التي يختفي المؤلف خلفها ، فيبدو رأيه رأي الشخصية التي حملت برأيه.فمسرحيات "وول شوينكا" و "فيمي أوسوفيسان" على سبيل المثال " مليئة بأشكال الفلكلور الأفريقي النيجيري؛ ولكنه محبوك بطريقة ذكية وجميلة حتى يبدو كأنه جزء من نسيج البناء الفني للعمل المسرحي. وهو ما يسهم في خلق تقاليد فنية أفريقية خاصة ، تصبح مع تناولها ، ومرور الزمن جزء أساسيا في بناء المسرحية ووسيلة فعّالة في إيضاح (وايصال) الخطاب المسرحي الخاص بالفن المسرحي الأفريقي والنيجيري بوجه خاص. ومع كل ذلك فإن مسرحية (آرنجندن والحارس الليلي) تحتوي على العديد من التنويعات في الصراع وفي البناء الفني."
فإذا توقفنا عند مسرحية (الطريق) أو عند مسرحية(الأسد والجوهرة) لشوينكا أو عند مسرحية (آرنجندن والحارس الليلي ) لأوسوفيسان ، سنجد العديد من صور الفرجة الشعبية ، والفرجة المسرحانية في ضفيرة واحدة في البنية الدرامية.

• أولا : الفرجة الشعبية في المسرحية الأفريقية:
للفرجة الشعبية في الآداب والفنون أشكال مختلفة ، تتناظر في بعض الثقافات وتتباين في بعض الثقافات ؛ باعتبارها الخلفية الخاصة بكل هوية ثقافية لتلك المنطقة أو لهذا البلد أو ذاك . ، ويمكن التعرف على أشكال الفرجة بالنظر الإطاري لأحد الأسواق الريفية – على سبيل المثال- وفي مسرحية( آرنجندن والحارس الليلي ) تتكرر صورة السوق مرتين في المشهد الافتتاحي للجزء الأول وللجزء الثاني . وإذا كانت صورة السوق في الجزء الأول من هذا النص ، تكشف عن حالة تدمير للسوق ، وهو ما يشكل الأزمة الدرامية التي ينبني عليها الحدث الدرامي للمسرحية ؛ فإن صورة السوق في الجزء الثاني تبدو مختلفة ، إلى حد ما ، حيث اكتشاف التجار لما حدث من سرقة وتدمير لمتاجرهم ، بفعل عصابة مجهولة لهم ، حيث يدور الصراع متراوح العلنية والخفاء بين ثلاثة الزعماء الممسكين بزمام السلطة وهم ( آرنجندن ممثل السلطة التنفيذية ، والقنصل ممثل السلطة التشريعية والقضائية وبآلي ممثل السلطة الدينية) كل يفرض سيطرته على ما وسعه من سلطة مدعما بعدد من الأنصار أو الأتباع ، و السعي نحو توسيع مجال سيطرته بالتآمر خفية على زميليه ، فضلا عن انفراد كل منهم ، في إطار محيط سيطرته ، وهو أمر أشبه بأسلوب أمراء الإقطاعيات في العصور الوسطي ، حيث كل أمير مقاطعة هو الآمر الناهي على رقاب القيان والعبيد .هو المستبد في مقاطعته .
يشكل السوق الشعبي العام إذن أحد أهم معالم المدن والقرى الأفريقية ، على حد سواء . وللسوق – كما في قرانا – يوم معين من أيام الأسبوع ، يقام فيه. وهو يوم متغير ما بين قرية وقرية أخرى. ويعد يوم السوق يوم احتفال عام ، يهتم به كل سكان القرية ، حيث يخرج الجميع لاستيفاء حوائجهم اليومية وتدبير مصالحهم وصفقاتهم التجارية ، وتسوية خلافاتهم . ويتكرر هذا الأمر ما بين أسبوع وأسبوع تال له.وفي ذلك اليوم ، يوم السوق ، يعرض صاحب الشيء المعروض للبيع ،بضاعته أو منتجه على الشارين ، سواء أكان على هيئة بضائع (أزياء-أحذية-معدات-منتجات زراعية- توابل-جلود –خيوط-أقمشة-لحوم-طيور وغيره) أو مواشي ،. كما تقام المزايدات ، وطقوس طهور الأطفال ، فضلا عن مشهد طابور المزينين القعود في صف على الأرض ، وكل منهمك في الحلاقة لزبون. وفي السوق تقام شوادر وخيام المقاهي الشعبية المتنقلة وتتبعثر في أركان متعددة السوق. وتكثر الألعاب الشعبية في يوم السوق ، كالتحطيب والسيجة بين كبار السن الذين ينتظرون تسوية مصالحهم ، كما تنتشر تجمعات الناس حول أحد الحواة أو مغن شعبي يحكي بالغناء الشعبي على ربابة (السيرة الهلالية أو أدهم الشرقاوي أو الظاهر بيبرس أو سيرة عنترة بن شداد ، أو حكاية شفيقة ومتولي أو السيرة النبوية) وقد يتحلق بعض هواة التحطيب حول مبارزة بالعصي أو ترقيص الخيول على إيقاعات الطبول ونفخ المزمار. أو حول استعراضات الغجر في مهارات قراءة الكف وضرب الودع. كما يتغلغل الخفراء والمخبرون والعسس بين الناس ، ويتسلل النشالون وتروج نشاطاتهم ، في تنافس مع المتسولين . ويكثر الدراويش والبهاليل والمتسكعون وتروج مهنة السمسرة والوساطة . ومهنة المنادي على أطفال تائهين انفلتوا من بين أيدي أهاليهم. وهكذا تختلط النداءات بالغناء ، بأصوات الشجار ، بجعير البهائم ونهيق الحمير المعروضة للبيع مع نباح الكلاب الضالة الحائمة حول جزار هنا أو هناك يعمل ساطوره وسكينه في جسم ذبيحة يعدها للبيع.
ولا يختلف الأمر كثيرا ما بين قرية أفريقية في بلد وقرية أفريقية في بلد آخر في القارة الأفريقية ؛إلا اختلافات خاصة بهوية الفرجة (بعض الخصوصية الثقافية)
ولأن التجمع في الأسواق ؛تتداخل فيه كل تلك الأنشطة التفاعلية المتنوعة الأغراض ، وتتنوع أساليب التعاملات ، ما بين المنفعة المتبادلة ، وروح الفرجة لذا يجد المتأمل لها حالة من الانفراج أو الانشراح والبهجة ، تعادل حالة الانشراح التي يجدها ذلك الملأ الكثيف من المتعاملين مع السوق.
ولما كانت مسرحية ( آرنجندن والحارس الليلي) تبدأ بمقدمة درامية لمشهد السوق لذا وقف هذا البحث عند ه متأملا أشكال الفرجة الشعبية في اشتباكها مع أشكال الفرجة المسرحانية ؛ بما يكشف عن طبيعة الصراع بين ثقافتين في حالة اشتباك ، عبر صور الصراع الدرامي الذي يعبر عنه المؤلف في عدد من المواقف على هيئة مواجهات متفرقة بين أصحاب الثقافة الشعبية التراثية المتحصنة بهويتها الأفريقية الوطنية ، وأصحاب الثقافة المتأوربة من المثقفين القلائل الذين تشبعوا بالثقافة الغربية ، حيث تتكرر تلك المواجهات في صور متعددة في النص:
" القنصل: .... إنك تخاف أن تفقد سيطرتك الموروثة على الناس ! ومع أن رعيتك يتهددهم الخطر كنت أنت لا تفكر إلاّ فيما يهدد عرشك.
أولودي: وأنت أيها القنصل صاحب الكلمات الكبيرة ..ماذا ترى؟
القنصل: أنا أعرف يا أولودي أن الناس انتخبوني : لأنهم يريدون الحياة ، وليس الموت موسميا بشراك الصيادين العشوائية ! ولأنهم يودون النوم دون أن تزعجهم كوابيس العنف ! ويرتادون الشوارع بأمان دون الوقوع في شباك المجرمين ! كيف يكون لحياتهم أي معنى بينما اللصوص يسيطرون على أحلامهم وأفكارهم.
بآلي: ليس من تقاليدنا الرد على مهاترات شخص متهور "
على أن ذلك التباين بين بين ممثلي الثقافة المتشبثة بهويتها التراثية ( عاداتها ) وممثل الثقافة المتؤربة ، ترتكز كل منهما على توجه سياسي ، نقيض لتوجه للآخر.
لا يفوتنا أن نلاحظ من الاستشهاد السابق أن من رد على القنصل أحد أتباع ممثل التيار الديني وليس الشيخ ( بآلي) نفسه .. مما يكشف عن الطبيعة التسلطية ومظاهر الاستعلاء في تعامل النخبة الحاكمة مع بعضها بعضا:
" أولودي: تصوّر أيها القنصل لو أن السمماوات التي تغطي هذا العالم تهدد بالانهيار ، هل يستطيع أي منّا أن يوفر الملجأ في عالم يسحق بالكامل .
بانونهون: في تلك اللحظات التي يتحول العالم إلى قطع متناثرة لا يمكن أن يكون لموت فرد واحد أي أهمية.
القنصل: ليس بالنسبة إلى يا بنانونهون ؛ فأي حياة لها أهمية في كل لحظة.
بانونهون: لا بد أن تقصد كل صوت انتخابي
القنصل: لن تستطبع استدراجي كي أغضب .
أولودي: هذا الموسم محمل بالشؤم. لقد أعلنها العراف " أفا" قائلاك" عند كل هبوب ريح أو نفخة غبار ، سيأتي الموت طائرا؛ ولذلك يجب أن نطرد الموت خارج حدودنا وإلا! فإن نهايتنا ستأتي قبل موعدها المعلوم.
نانونهون: نحن لسنا بأصنام أيها القنصل .فنحن أيضا نعاني بسبب مشاكل أصدقائنا ، ةلكننا نحتاج للوقت لإقامة الطقوس المناسبة.
القنصل : ولكني ليس لديّ أي وقت أضيّعه ، أتفهمون ؟ إن الوقت مثل الرياح التي تعصف بحياة الناس الذين منحوني ثقتهم."
هكذا تستبين أوجه المفارقة بين توجه يتخذ من المظاهر المدنية سلوكا ثقافيا ليكشف عن مسؤوليته تجاه من انتخبوه ، في مواحهة ثقافة التراتبية والنظام الأبوي الهرراركي الذي يجعل الزعامة الفردية القبلية ، في منأي علوي عن التعامل مع الآخر ، تظاهرا في السمو وبأنه ممثل للذات الغيبية ، وبذلك يكون على في التراتبية ، رد الآخر عنه باعتباره المكلف وخليفة الذات الغيبية للأنا العليا وهكذا يتبدى كنه الهلاف بين الثقافتين في عبارات يتراشق فيها الطرفان:
" القنصل: ..... إن نبوءتك لا تحقق حاجتنا الملحة "
" بانونهون: حسنا الطفل يتباهي بثيابه الجميلة ، أكثر من تفاخره بثياب آبائه . ولكن افترض بأن ما نحتاج إليه هو ثياب رثة ، ماذا سيكون موقفه حينئذ ؟
أولودي: لا أفهم كيف يمكن لأحد الحديث عن القوة دون الاعتماد على وحي السماء .
القنصل : يمكنه ذلك حتى يمسك ببندقية بين يديه.
بآلي: إنك تدهشني أيها القنصل ! وماذا عن القانون ؟
القنصل: إن القانون شبيه بالحرباء ، فهو يتكيف حسب متطلبات القوة ! "
ولنلاحظ أن الأتباع هم الذين يناوشون الطرف المعارض ، شريك الحكم ، مناوشة تقوم على أسلوب التورية ، وهو من الأساليب الجمالية ، التي يتقنع المعني الخفي فيها من وراء المعنى الظاهر ، وفيها فرجة مسرحانية ، لأن تأمل المتلقى اللحظي للصورة المعنوية فيما هو مسكون عنه من قول ذلك الذنب الذي ، يتخذ أسلوب الردح المبطن بغية الطعن على الخصم . بينما يظهر الزعيم الروحي نفسه عند التصدي لما هو مقنع في قول معارضه ، وهو الأمر الذي حاول فيه (بآلي) الإمساك بالقنصل ،رجل القانون متلبسا بالتناقض ، إذ لا يستقيم القول عن استخدام البندقية مع التظاهر بالحرص على القانون !! ولنلاحظ أوجه التناظر بين صورة التعامل بين النخبة الحاكمة في بلد أفريقي متخلف ؛ كذلك البلد الذي يصوره ( أوسوفيسان) هنا ، وما هو حادث في مجتمعنا المصري الأفريقي على أرض التعامل السياسي بين الحزب الوطني الحاكم والأحزاب السياسية المعارضة.
هكذا يتبين الفرق بين ثقافة التحصن بالهوية – على ما تحمله من فكر ظلامي متخلف وخرافي- وثقافة براجماتية ، تنفذ مباشرة إلى النفعية ، دون مواربة ، وهو فرق بين ثقافة تحترف العمل السياسي ، مدركة أنها فن التعامل مع الواقع ، وأنها فن توظيف القوة عندما تكون هناك ضرورة لتوظيفها ، حفاظا على مصالح النخبة الحاكمة في ظل نظام استبدادي - كذلك النظام المتناظر في البلاد التي تخلصت من استعمار طال أمده وبخاصة في أفريقيا. – وتوظيف الملاينة والمراوغة وأساليب التلطيف والمسكنات السياسية أو أسلوب التفاوض ، عندما تكون هناك ضرورة ، حفاظا على مصالح النخبة القابضة على مصير البلاد ، وهى التي تسن من القوانين ما يناسب الحفاظ على مكاسبها ، وما يحفظ عليها سلطانها ، وإحكام سيطرتها على وسائل الإنتاج وعلى عائدات السوق ، وتسيير البلاد في المسار الذي يخدم تلك المصالح ، ويقوي من قبضتها على مصائر البلاد.
وعلى الرغم من ذلك ؛ فإن موازين الأمور ، كثيرا ما يتغير اتجاهها ما بين صعود كفة طرف معارض ، تبعا لما يملكه من ثقل شعبي ، وهبوط كفة أخري يتربع فيها الطرف المسيطر ، سيطرة فعلية ، تبعا لما يملكه من رصيد روحي لدي غالبية من البسطاء والأميين والمستنيمين على سرير الخنوع الغيبي:
" ( نسمع هتافات المواطنين)
بآلي: هناك قانون واحد فقط ، ذلك الذي أقسمت بأن تدافع عنه.
القنصل: لقد كان قسمي يا بآلي ، أن أخدم الناس باستخدام القانون كسلاح ، ولكن عندما يصبح هذا القانون عائقا أمام أداء خدماتي للناس ، فإنه يجب أن يغير ! "
ونلحظ طبيعة المراوغة الديماجوجية التي يتقن توظيفها في مكانه المناسب كل سياسي المجتمعات المحكومة بنظم شمولية أو قبلية أو عسكرتارية
(تسمع الهتافات ثانية)
بآلي: ( يخاطب الجماهير) اصمتوا . يبدو لي بأن آرنجندن قد خرّب عقولكم جميعا ! تذكر أيها القنصل أن الخوف شيء والحرية شيء آخر . وأن هناك أناسا يسبحون مع تيار النهر ؛ بينما يسبح آخرون ضد هذا التيار.
القنصل: ( مقاطعا) وهناك أيضا أولئك الذين لا يسبحون بالمرة !!
جباديجسن: أيها القنصل
القنصل : (مقاطعا) كفى .. لقد سمعت ما فيه الكفاية !! اختبئوا وراء نبوءاتكم أو احتموا خلف القانون ! ولكن عندما يتطاير الرصاص لا تقولوا بأنكم لم تنذروا !
بآلي: شكرا لك ، ولكنني أحملك إنذارا أيضا ، يمكنك أن تقوله لصديقك آرنجندن المتعطش للدماء .. إن هذه المدينة لم تعد تتحمل أمثالكما ! إنني أكرر ما سبق أن قلته ؛ بأن هذه مدينة ، وليس ؛ وليست ميدان معركة ، إننا أناس متحضرون هنا ! وما دامت هذه القبعة على رأسي ، وقدماي ترتديان هذين النعلين المصنوعين من الخرز ، واللذين ارتداهما أجدادي من قبلي ؛ فإنه لن يكون هناك إطلاق أي رصاص . والجريمة سيتم التحقيق فيها ، ويعاقب الفاعل بقوة القانون . ولن يتغير إيقاع حياتنا المحكومة بنظام الفصول . كما رسمتها القوى الإلهية! "
نلاحظ ، ديماجوجيته أيضا ، يعلن أنه متحضر ، وفي الجملة التالية له من كلامه للمعرض رجل القانون ( القنصل) أنه يقف على أرضية قانون أجداده المحكوم بنظام فصول السنة !!
لا شك أن هذه المواجهة السياسية بيت قوى سياسية مسيطرة ، وبيدها سلاح القوة وسلاح القانون الوضعي المتغير وفق إرادة اتجاه ما في نظام الحكم من ناحية في مواجهة سلاح القانون الغيبي المرتكز على تيار شعبي يسبح ضد اتجاه رياح شركاء الحكم الممسك بزمام التشريع المدني و الجانب التنفيذي ذي الوجه العسكري الأمني ، يقف بالبلاد أمام هوة حرب أهلية وشيكة ، فكل اتجاه منها يقف في مواجهة مصالح الآخر .. فالاتجاه المدني التشريعي يتآزر معه ويقويه الجناح العسكري ال1ذي يمثله هنا آرنجندن ، والزعيم الروحي (بآلي) يتقوى بالغالبية التي ما أن زعق فيهم ليصمتوا ، حتى صمتوا . فليس لصوت يعلو فوق صوت الزعيم الروحي رجل الدين ، الذي يعلن تمسكه بالقانون - قانون أجداده ، لا القانون الوضعي المدني –
فنحن إذن أمام ثلاثة أوجه من وجوه السيطرة المتضاربة الأهداف والمصالح ، مع أنها جميعا تستهدف الانفراد بالسيطرة على نظام الحكم . على أن تآزر اتجاه الأمن ممثل القوة مع الاتجاه القانوني الوضعي ، يحقق التقدم على اتجاه الغالبية الظلامية ، برغم ما يتبدى من قوتها المدعمة بمساندة غوغائية ، مغيبة ، ذلك أن تلك القوتين المتآزرتين تسيران وفق مخطط مرسوم يحقق وجهتها البرجماتية ، ويسير وفق مسار واضح لا لبس فيه ولا ازدواجية ، في مقابل ازدواجية ثقافية روحية ملتبسة بين وجهين أحدهما يتظاهر بالتحضر ، متباهيا بمظاهر شكلية للتحضر : " مادامت هذه القبعة على رأسي" في الوقت الذي يتشبث بعادات وقانون أجداده: " وقدماي ترتديان هذين النعلين المصنوعين من الخرز ، واللذين ارتداهما أجدادي من قبلي"
لقد عكست هذه الازدواجية الثقافية نقسه على سلوكها السياسي ؛ إذ اتخذ مسار الوسطية في اتخاذ القرار السياسي:
" لن يكون هناك إطلاق أي رصاص . والجريمة سيتم التحقسق فيها ويعاقب الفاعل بقوة القانون، ولن يتغير إيقاع حياتنا المحكومة بنظام الفصول ، كما رسمهتها القوى الإلهية."
ولنا أن نلاحظ قراره الوسطي: : " لن يتغير إيقاع حياتنا المحكوم بنظام الفصول ، كما رسمتها القوى الإلهية" فتلك ثقافة شعوب النهر ، وحياة الأفريقيين ، كما هي حياة الآسيويين محكومة بفيضان النهر ، وتغير فصول السنة وفق نظام مركزي ، يسير في مسار آلي لا يتجاوز في تغيره الآلي حدود الفصول الأربعة في ثباتها . هي ثقافة مركزية ؛ تسير مركزية التفكير ومركزية إتحاذ القرار في مقابل ثقافة تنحو نحو التغيير ، بما يتوافق مع مصالحها . فنحن إذن بإزاء صورتين لوجه الصراع في البلاد الأفريقية ، بعد الكولونيالية: صورة طرف معارض متمسك بهوية ملتبسة بين مظهرين أحدهما سطحي يصطنع قناع المدنية ، والآخر ساكن تحت الجلد ، كامن في الأعماق ، يشكل جوهر وجوده ، نفسه ، تبعا لمركزية فكرية عقيدية ، تسيّر حياته ، كرد فعل غير متكافئ مع ديموقراطية مركزية في قرار التسلط الحاكم الذي تواجهه . وتلك هي إشكالية الواقع الأفريقي في مرحلة ما بعد الكولونيالية، التس استطاع " فيمي أوسوفيسان" ، إلى جانب الكاتب النيجيري الكبير " وول شوينكا"" ، حيث استطاعا التعبير عن ذلك الواقع مسرحيا بمهارة ووعي سياسي ، واقتدار فني وحرفي ، يمزج الفركر بالفرجة ، الملتبسة بين ما هو شعبي ، وما هو مسرحاني ، على النحو الذي نراه عند "أوسوسيفان" من مهارة التخلص الدرامي بالانتقال الناعم من موقف المواجهة إلى موقف التلطيف بالغناء :
"( يخرج القنصل غاضبا، ويتبعه بعض مشجعيه ، بينما يبدأ المداح المغني أغنية لتهدئة بآلي)"
وعلى الرغم من حدّة القرار القاطع الذي اتخذه كل طرف منهما في مواجهة الآخر ؛إلا! أنه من المؤكد أن خلخلة فكرية داخلية ، قد اعترت الطرف الذي أخليت له الساحة ؛ حيث يراوده فكره نحو الميل إلى روح التفاوض ، خروجا عن حالة التصلب التي اتخذها كلا الطرفين المتصارعين ، كل منهما يحاول الانتصار لمصالح من يمثلهم ، على أساس أن االتفاوض عمل من أعمال السياسة ، ، تنبع ضرورته من تقدير قوة الطرف المواجه ، وهو مشروع قبل اتخاذ القرار ، وعند وجود ضرورة قصوى لمراجعة بعض الجوانب فيما اتخذ من قرارات ، يتراءى إمكان التراجع عنها؛ بهدف الاتفاق على حل وسط للقضية المختلف حولها ؛ بعيدا عن لغة التعالي والاستفزاز ، وإظهارا للرغبة في إقصاء لغة الادعاء بالتفرد بملكية الحقيقة المطلقة؛ حتى تتوازن الأحوال وتتقارب المصالح بن طرفي التصارع ، بديلا عن مصادرة كل طرف منهما للآخر ؛ ولا شك أن تلك المهمة ، تخرج من ذهن مثقف تلك الشريحة المنتصرة ؛ لذلك يخرج أحد المثقفين باقتراح وسط على الطرف المنتصر ( بآلي):
" الدكتور: ( متقدما باتجاه بآلي) أرجو المعذرة يا بآلي
بآلي: تكلم يابني
الدكتور: اعتقد يا بآلي يأن فكرة آرنجندن ...
بآلي: نعم؟
الدكتور: ربما تكون الفكرة ليست سيئة إلى هذا الحد.. لو ..
بآلي: شكرا لك أيها الطبيب . لقد سمعت بما فيه الكفاية! إذا كنت تقول بأن وعي السماء يؤكد أن الكوارث قادمة فمن المؤكد بأن واجبنا مقاومتها بكل ما...
أولودي: ( مقاطعا) نعم يكل طتقاتنا أيها الطبيب... تلك التي جربت من خلال الشعائر والأضاحي في الاحتفالات التي وجدت منذ قدم الأرض التي تقف عليها الآن. هل تجرؤ على القول بأن ذلك غير كاف ؟!
الطبيب: ولكن آرنجندن يقتر ...
أولودي: ( مقاطعا) لا داعي للاستمرار أيها الطبيب ، لقد استمعت إلى الشيخ منذ قليل ..."
هكذا تتبدى ثقافة الفكر الإرهابي ، فكر مصادرة الآخر ، وإقصائه أو إخصائه عن طريق قمعه عبر لغة التعالي والادعاء الزائف بامتلاك الحقيقة المطلقة . . تلك السلوكيات التي سادت البلاد التي نا أن تحررت من المستعمر الأوروبي إلاّ ووقعت بين براثن زمرة من المنتفعين الذين يكالبوا على البلاد بعد أن قطفوا ثمرة نضال شعب بأكمله ، بذل الأرواح وكل غال ونفيس في سبيل طرد المستعمر الأجنبي ، وبذلك أممت البلاد بعد التحرر لصالح ثلة انتهازيين ، مهدت لهم مواقعهم القيادية التي تسللوا إليها ، ليصبحوا في مقدمة الصفوف خلسة. ؛ وتمكنوا من عزل رفقاء السلاح ، ومصادرة السلطة ، واحتكار صناعة القرار وتسيير البلاد في اتجاه منافعهم الذاتية . وبذلك توقفت مسيرة التقدم التي خططن لها حركة النضال الوطني فيما بعد الاستقلال. وهكذا أصبح الرجل الأسود كبرومثيوس أسير دوران لا نهاية له ، يشقى شقاء لا نهائيا ، ولا أمل له في الخلاص من استعباد أبيض أو أسود ، فهو مقيد بالمعتقدات الخرافية ، لم يتخلص منها ، إذ تعمل الزعامة الظلامية المتدّرعة بالمعتقدات الخرافية والعادات إلى تكبييل شعوبهم بأحابيل الموروث ، حتى تظل الشعوب مذعنة لأهوائهم ، مغيبين ، لا حول لهم ولا قوة بدون تلك الزعامة الوهمية ، المتقنعة بالمعتقدات التدينية والخرافية ، حتى لا يفكر فرد من الشعب على رعاية حقوق مواطنته ، أو أملاكه ، أو استردادها ، وقد سلبت منه.. ومتى ؟ بعد التحرر !! ، مكتفيا باللجوء إلى الخرافات ، والتواكل على أرواح الموتى وعلى التمائم . هكذا كان حال التجار ، في هذه المسرحية ، بعد أن نهبت متاجرهم عصابة مسلحة ، تابعة لآرنجندن ، الذي أراد الإيحاء بافتقاد الأمن ، حتى يقره الطرفان الشريكان في التسلط على البلاد بضرورة إطلاق يده للضرب بيد من حديد ، واستخدام القوة العسكرية لضبط أمن البلد . – أليس هذا هو حال كل البلاد الأفريقية التي تخلصت من الاستعمار منذ عشرات السنين ؟؟!-
" بانونهون: فاتوس إنك رجل..
فاتوس: ( مقاطعا) لا.. يابانونهون.. أنا انتهيت .. انتهيت .. سوف أموت.
بيمبو: كل شيء في المتجر ، وخاصة تلك الملابس الثمينة، التي لم أدفع ثمنها بعد ، ولم تخرج من صناديقها.. آه .. ومجوهراتي.. سانجو انتقم لي منهم يا سانجو.. اقبض عليهم من أجلى .. دمرهم .."
يذكرنا هذا بمسرحية دينية من العصور الوسطى هي مسرحية ( القديس نيقولا) حيث يلجأ أحد الخدم المسيحيين العاملين بقصر الخليفة العثماني المسلم ، بعد أن اتهم بسرقة خزينة مال الخليفة ظلما ، يلجأ إلى ضريح القديس نيقولا ليقبض على السارق الحقيقي الذي يتضح أنه مسلم سكير من أرباب الحانات ؛ وهنا يلبي القديس نيقولا توسل المسيحي المتهم ويلقي القبض على المسلم السارق ، وهو مخمور بالحانة.
" أوريسا: أربع وأربعين دراجة كلها جديدة ( يريهم السلاسل المكسورة) لقد حطموا القفل ، انظروا ، لقد دمروا حياتي"
"إليبوتي: جميع أحهزة الستريو ! آه ، إن هؤلاء اللصوص أشرار ! جميع أجهزة التليفزيون ، وكل شيء ! إن الإله أسيو .. يعاقبني مرة ثانية أه لقد انتهيت.
بيمبولا: آه كم طلبت من والدتي الاّ تخلد للنوم في قبرها بسرعة ، كان يجب أن تترك عينا واحدة مفتوحة دائما لحراستي ؛ أما لماذا هجرتني اليوم ؟ ( يحاولون تهدئتها)
هكذا في ظل سيطرة عصابة ما على منقاليد الحكم في البد ، بعد تخلصه من المستعمر الأجنبي ، يتحول البلد إلى ضحية لسطوة سلطة ظلامية ، تتقنع خلف معتقدات تدينية ملتبسة بالخرافات ، تعمل على تغييب وعي الشعب ، وتبطل تفكيره في مجرد التحرك قيد أنملة في اتجاه الخلاص من قسد الخرافة المتقنعة خلف مظهر تمدن زائف ، وتقوم باستنزافه وإرهابه ، ، فهو مقيد بين إرهاببن أحدخما فكري والآخر دموي مادي. وهكذا لم يعد هناك فرق جوهري بين حال الشعب قبل التحرر وبعده.
ومن اللافت للنظر أن كلا السلطتين ، على ما بينهما من تنافضات ثانوية ، يتعايشان على خنوع الشغب ، فضلا عن دعم كل منهما للآخر ، الأول يرهب الشعب باستباحة أمواله وأرواحه بالقانون تارة وبالقوة والتصفية الجسدية مرة أخرى والثاني يمهد له ، بتهوين ما يقع على الغالبية المستضعفة:
" بآلي: ( صارخا فيهم) نعم أعرف ذلك ! جميع مدخرات حياتكم ! استمعوا إلى .. وماذا عن لاميدي .. نعم لاميدي !
أويسا: آه.. أجل الحارس الليلي ؟
فاتوس: أين هو؟ أين اختفى ذلك الجرذ؟
بيمبولا: أين كان ذلك الأحمق عندما حدث كل ذلك؟
إليبوتي: نائما بالطبع كالعادة ! مع كل ما نذفعه له من أجر !
أوريسا: اخبرنا ، أين يختبئ يا آبالي؟ أتمنى أن اتحدث إلى هذا الظربان !
بآلي: (بهدوء) كل حياته
فاتوس: ماذا ؟
بآلي: حقيقة أنكم فقدتم بضائعكم وأرباحكم ، ولكنه فقد حياته كلها ( صدمة جماعية) كان يحرس بضائعكم الغالية جدا فأتوه وذبحوه وتركوه ملقي هناك إن ما ترونه هماك ليس ماء ولكن دماؤه ( ينخفض أصواتهم ) ستقام جنازته في القصر ظهر هذا اليوم واتوقع حضوركم جميعا! هيا بنا"
ولأن طبقة التجار ( الطبقة المتوسطة ومن في حكمها) براجماتيون بحكم اقتصاد منافعهم وتداولاتهم المتغيرة في إطار تدوير الثروة في عمليات البيع والوساطة والشراء الآلية ، ودائرية رأس المال ؛ فإن المسألة لا يمكن أن تنتهي عند خطاب التلهية المتمسحة بالدين ، لذلك يتحرك عدم الرضا المكبوت رافضا لتطييبات الشيخ الزعيم الروحي ،فور ارتفاع صوت أحدهم ؛ إذ تنطلق ألسنتهم وترتفع أصواتهم ، صوت مصالحهم الاقتصادية ، فالاقتصاد هو الصوت المحرك الأقوى من كل صوت :
" بيمبولا: ( تعترض طريقه) ولكن أيها الشيخ
( يدخل المدرس أبييندي ترافقه يوبي ، وهما في حالة ارتباك ظاهر)
بألى: ( يقف ) نعم .. إني مصغ إليك
بيمبولا: وماذا عن مصيرنا؟
بآلي: وماذا عن مصيركم ؟
بيمبولا: من الذي سيقوم بتجهيز جنائزنا نحن ؟
بآلي: إني لا أفهم ما تقصدين ؟!
بيمبو: ألا تعرف أن ما حدث يعني موتا بالنسبة إلينا أيضا ؟
بآلى: أنا
فاتوس: ( إنها على حق أيها الشيخ. إن هذه السرقة أكبر من سكين في الرقبة. ويمكنه الراحة منذ الآن . والميت لم يعد لديه ما يقلقه .. ولكننا نحن الذين يجب أن نعيش ونطعم أولادنا.
بيمبو: نرعى والمرضى آه قريبا سيأتي عيد الفصح وهو ميعاد استبدال سقف كوخ والدي بصفائح المعدن بدلا من القش: كما وعدته. إن والدي شيخ عجوز أيها البآلي . وموسم الأمطار سيبدأ قريبا جدا .. آه ياإلهي.
إليبوتي: انظروا ، ها نحن في منتصف الطريق وجيوبنا خاوية بينما بالأمس فقط ، كان أي واحد منا قادرا على شراء المدينة بأسرها." 25
تتكشف المسألة في نهاية الأمر عن آرنجندن ، حيث يتضح وقوفه وراء عملية السطو تلك ، ليجبر شركاء السلطة على تسليم زمام البلد إليه ، بحجة صيانة أمنها ، عن طريق السماح له بتكوين قوة أمنية من المتطوعين يكونون تحت إمرته، ولئن كان ذلك يشكل ظاهر الأمر إلاّ أنه في الواقع يصبح فيما بعد شكلا من أشكال الإنقلاب على شركاء الحكم ( الاتجاه التشريعي القانوني والاتجاه العقائدي التديني) وهو الأمر الذي فطنت إليه "يوبي" إبنه القنصل ممثل القانون) والمدرس إبيندى صديقها) :
"يوبي: ابحث في داخل روحك
حيث تختبئ
فضتك وذهبك
أنا خلد .. أنا خلد
( القنصل يدور بشكل مفاجئ ويبدأ بمتابعتهم خارجا ، ولكن البآلي يتحرك باتجاهه ليوقفه)
بآلي: انصت أيها القنصل .. أيها القنصل ! أيها القنصل . لقد كنت على حق ، بالتأكيد . إن الناس لا يحتاجون إلى الحرية ، ولكن إلى خوفهم..
( يواصل القنصل طريقه إلى الخارج) أخبرني ي آرنجندن كم رجلا تريد؟
آرنجندن: أنا اختاج إلى كل من يريد التطوع
بآلي: ولكن لن يكون هناك الكثير الذين يستطيعون استخدام البنادق
آرتجندن: اعرف ذلك فقد ربيتهم أبناءك على أن يكونوا رهبانا ، وموظفين، ولكن لا تقلق إذا انضموا إلى فسوف لأعلمهم كيف يطلقون النار.
بآلي: سوف يكون لديك جميع الرجال الذين تحتاج إليهم
بانونهون: تريث أيها البىلي
لآرنجندن: جميعهم تحت إمرتي ولا أحد سواي
بآلي: ( بعد لحظات تفكير) نعم تحت إمرتك"26
هكذا ينضم الفاشيون إلى بعضهم بعضا ، ، فسرعان ما بدل رجل الدين والزعيم الروحي مبدأه ، في لمح البصر ، وهو الذي تصايح ( لا رصاصة بعد اليوم وإنما القانون) إذا به ينحاز لزميله الفاشي رجل العسكرة ، بهد أن اختلف مع صاحب القانون المدني ( القنصل) ألم أقل إن الاقتصاد هو المحرك للقوى الاجتماعية ؟!
وهكذا يتشكل جيش من المرتزقة تأتمر بأمر آرنجندن ، الذي انقلب على رجل الدين ، وانفرد بالسيطرة على البلاد ، ثم عاود التحالف مع القنصل ، وأراد أن يتزوج من ابنته ( يوبي) المرتبطة بالمدرس ، بخاصة بعد أن حرض على المدرس وتخلص منه عن طريق تحريض الغوغاء على سحله ، غير أنها ترفض ضغوط أبيها تحت صفقته مع رجل العسكر ، وتستطيع قتل آرنجندن ، وتخلص البلاد منه ، ثم تنتحر. وهكذا ينهي أوسوفيسان نصه المسرحي هذا بتحبيذ فكرة الاغتيال السياسي ، ويرى فيه الطريقة الوحيدة المتاحة للخلاص من سطوة جبروت الحاكم الفردي المستبد مدعوما بعسكره : :
" يوبي: إنك الآن أنت الذي تضحك .. ولكن يوما ما سيصحو شعبنا ، وسيرفض الاعتماد الذليل على حلم المسيح المنتظر كي ينقذهم، عندها سوف يصبح الجميع مستعدين لتحمل مسؤولية حياتهم وستشيع ديموقراطية حقيقية( يضحك آرنجندن) "
آرنجندن: إنك تثرثرين كثيرا ، وكلامك كله تافه ولا معنى له! لأنك حالمة ؛ إنك لا تعرفين إن الذي لا تحتاج إليه بلادنا فعلا ، هو الأحلام إنها تحتاج الرجال الذين يحولونها إلى واقع ملموس ! نعم ... رجال قادرون على الفعل .. مثلي أنا."65
* درامية الترميز السياسي:
إن رسم الشخصيات الرئيسية :( القنصل – آرنجندن – بآلي – يوبي –المدرس) على تلك الصورة التي رسمت بها بوصفها شخصيات نمطية ، تعبر كل منها عن فكرة ؛ تجعل من ها مجرد رموز ، يتقنع خلف أحدها المؤلف نفسه ، غذ يحعل منها شخصية قناعية على نحو ما فعل مع (يوبي) ، ابنة رمز القانون ( القنصل ) الذي ترفض الانتماء إليه ، وتنكر أبوته لها بعد أن تخلى عن القانون المدني ، بانسحابه أمام قانون الظلامية ، الذي سلم قياده أيضا لقانون الغاب ، قان ن القوة الغاشمة ( آرنجندن) الذي سيطر على كل شئ ، وأراد أخيرا إعلان زواجه الشرعي من البلاد ( يوبي) ( رمز الوطنية) ومن ثّم توافق مع رجل القانون والدها المستسلم بتسليمه له بوصفها رمزا للبلاد ، لكنها ترفض أن تحكم حكما فاشيا عسكرتاريا ، بعد أن تعلن إنكارها لأبوة رجل القانون لها ، بعد أن نبذ هو القانونك
"" يوبي: إنني أرفض
آرنجندن: لا يمكنك الرفض ألا تفهمين ؟!
يوبي: بل إنب أرفض !
القنصل: يوبي
يوبي: ( تقاطعه) اصمت فأنت لم تعد أبا لي!القنصل: استمعي إلي يايوبي
يوبي: ( تقاطعه) لا ، ليس بعد الآن ! لقد أوصلتك أصوات الناس إلى منصبك هذا ، وجعلوك زعيمهم ، قائدهم ، ولاكن انظر إلى أين أوصلتهم .
القنصل: حسنا ، هاجميني إن أردت ، ولكن دعيني أخبرك شيئا ! إن شعبنا جميعهم يفضلون الذهاب إلى النوم ، بينما يتولى جراستهم أحد الحراس ! إنهم يتكلمون ويتكلمون ، ولكنهم لا يحركون ساكنا لتحمل المسؤولية بأنفسهم. ما داموا يستطيعون ممارسة حياتهم وكسب أقواتهم الحقيرة بالسوق في الصباح وصرفها كلها باحتفالات المساء ، وما دام أسلوب الحياة اللامبالي هذا يمارس من دون أي رقابة فإنهم لا يهتمون بهوية الرجل الجالس على كرسي السلطة ، وكل من يحاول إطلاق كلمات التنبيه في آذانهم فإنه سيسحق بقسوة.
آرنجندن: (ضاحكا) معقول جدا
يوبي: نعم مثل أصوات الخونة ! سيذكرك التاريخ بأسوأ الصفات يا أبي لأنك لا تؤمن بشعبك لاعتقادك بانه لا يوجد هناك مستقبل ! ما أكثر إشفاقي عليك ."

* ميلودرامية الاغتيالات السياسية:
ينهي المؤلف مسرحيته نهاية ميلودرامية ، على النحو الذي تنتهي به الأفلام البوليسية ، أو على النحو الواقعي الذي ينهي به السلطات العسكرتارية كل الأمور لصالحها::
" آرنجندن: هذا يكفي ! هل أنت آتية معي أم لا ؟
يوبي: أفضل الموت على ذلك !
آرنجندن: سوف نرى . من الواضح أنك تستهينين بذكائي ( يصفق بيديه فيظهر الحارس) اقبض عليها، حتى أوامر أخرى( يستدير مبتعدا ، ويقترب الحارس من يوبي التي تقفز فجأة وتسحب مسدس آرنجندن ( المعلق على جانبه) وتطلق عليه الرصاص أولا ثم تقتل نفسها ، تحدث فوضى عارمة ، فيجري القنصل لإمساك ابنته ، ويدخلالحراس من الخارج بسرعة وعلى وجه آرنجندن المحتضر نرى علامات الرعب ، ويتجمد الموقف على ذلك"

وهنا لا بد من وقفة أما تلك النهاية ، التي يكرس فيها المؤلف لفكرة الاغتيالات السياسية للحاكم الوطني المستبد المزمن ، ويراها وسيلة لإيقاف مسيرة التسلط العسكرتاري الفردي بوصفها طريقة الخلاص من الطغيان السياسي ،
والسؤال : ماذا يكون الأمر مع المستبد العادل الذي يأتي خلفا له ؟ هل هناك غير أبيها خليفة للمستبد الذي اغتيل ؟ وهل كان أبوها غير ذلك المستبد المتذرع بالقوانين يغيرها متى شاء حسبما تقتضي حاجته هو لا حاجة الشعب؟! وماذا عن أمر العسكر أتباع الحاكم العسكري الذي قتل ، ما هو موقفهم ، وقد رباهم سيدهم القتيل على البطش ، أليست مصالحهم مرتبطة بالسيطرة الفاشية ؟ أيستسلمون لرجل القانون ( القنصل) ؟ كل تلك تساؤلات ، لا بد من طرحها أمام مثل ذلك الحل الذي رأي فيه المؤلف وسيلة مثالية وحيدة للخلاص من طغيان حاكم مستبد مزمن.

خلاصة البحث

على الرغم من أن الكتابة المسرحية الأفريقية/ الأفريقية قد سارت في مسارين ، أحدهما كتابة عن بعد ، حيث إسهامات المؤلف الأفريقي الأصول ، الأوروبي ميلادا نشأة وتعليما وثقافة ، وهو مسار اصطلح على تسميته بالزنجية، والآخر لكتاب أفارقة ميلادا ونشأة وثقافة وطنية مهجنة مع ثقافة أوروبية وافدة ؛ إلا أن كلا المسارين المسرحيين قد اتفقا على تصوير واقع الحياة الأفريقية من نواحيها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ويوصفا ويعللا ما آلت إليه البلاد الأفريقية من تدهور وتخلف في كل المجالات إلى الازدواجية الثقافية حيث الجمع التلفيقي بين ثقافة ماضوية وقبلية ، راسبة في أعماق الممارسات الحياتية اليومية سياسيا واجتماعيا ، ومطلية بقشرة التمدن والادعاء المعلن بالوجهة الحضارية ،


وقد توصل البحث في النص المسرحي الأفريقي إلى النتائج الآتية:
أولا: من الناحية الخطاب السياسي:
• اعتماد الفكر السياسي الأفريقي على هوية مركزية الثقافة النهرية التي تؤمن إيمانا راسخا بأن التغير التاريخي يتم وفقا لآلية فصول السنة على نحو ما قررته الآلهة. وبذلك تيبس فكرها وتمحور نمطيا حول مركزية السلطة التي كبلت البلاد بقيود بيروقراطية، حالت دون استكمال مهام الثورة البرجوازية الوطنية.
• الجمع بين مظاهر التمدن الزائف والعادات والتقاليد والخرافات جمعا تلفيقيا أوقف طموحات برنامج التحديث ، مما تسبب في وأد فكرة الحداثة في مهدها.
• سيطرة النزعة البطريركية الأبوية الروحية على مصائر الناس في حياتهم اليومية.
• النزاع على اقتسام مراكز السلطة على أساس عرقي أو قبلي ، مما أدى إلى الكثير من الانقسامات والمؤامرات والاغتيالات ، وتصفية القيادات لبعضها بعضا ، فضلا عن الحروب الأهلية التي كبلت البلاد بقيود التخلف.
• تذرع القوى الظلامية الدائم بأن لا حل لمشكلات أبسط المسائل بعيدا عن تقاليد الأجداد الراسخة وما رسمته الآلهة ، حتى تطلق يدها في تسيير حياة الناس اليومية .
• تفشي ثقافة الفكر الإرهابي مع إقصاء الآخر بزعم زائف بامتلاك الزعامة التدينية الروحية بامتلاكها للحقيقة المطلقة.
• تآزر برجماتية السلطة التشريعية المنتخبة برلمانيا مع ديماجوجية البطريركية السياسية الدينية ، مع تربص السلطة التنفيذية المتعطشة للاستبداد للانفراد بالسلطة.
• توحد الهدف الرئيسي للقوى الفاشية في السلطة وخارجها في الضرب بيد من حديد على أيدي المعارضين ، وإخماد أي صوت حقيقي يطالب بالتغيير، ونزع فتيل حرب أهلية عرقية وشيكة الوقوع ، مع تناقضات تلك القوى الفاشية بعضها بعضا تناقضا ثانويا، عند النزاع على اقتسام المنافع الاقتصادية أو المراكز القيادية السيادية.
• تآزر الفاشيين بعضهم بعضا ( رجال الدين ورجال الأمن) ضد السلطة التشريعية
• تخاذل السلطة التشريعية المنتخبة لتمثيل الشعب عن القيام بواجباتها لحماية حقوق الشعب ، وانحيازها للسلطة التنفيذية المتحالفة مع القوى الدينية الظلامية مما يكرس استبدادها وإلحاق الهوان بحقوق المواطنة وبالوطن نفسه.
• وضع القوى الفاشية شروطا مسبقة لعمليات التفاوض التي تضطر إليها عند ضعف موقفها ، أو تراخي قبضتها على مركز اتزان حركة الشارع.
• تقاعس الشعب الأفريقي عن تحمل مسؤولياته بنفسه.
• عدم مبالاة الشعوب الأفريقية بمن يحكمها طالما أنهم يكسبون عوائد أعمالهم أو تجارتهم اليومية في الصباح وينفقونها على احتفالاتهم المسائية.
• نشاط عصابات السطو على المحال التجارية ، تحت عين السلطة التنفيذية أو بعلمها ، حتى تتخذ ذلك ذريعة للمطالبة بإطلاق يدها في البلاد بدعوى الحفاظ على أمن المواطن وأمن البلاد.علو نبر خطاب التلهية الدينية الغيبية بديلا عن تعويض خسائر التجار من جراء نهب بضائعهم على أيدى عصابات مسلحة.
• ميل الكتاب إلة تحبيذ فكرة خلاص الشعب الأفريقي من استبداد الحاكم الوطني الفرد ، عن طريق الاغتيالات السياسية، واعتبارا الوسيلة الوحيدة للخلاص.
• تأكيد خطاب النص المسرحي على أن صوت الاقتصاد هو الصوت الأعلى والأقوى المحرك للأحداث .
• تأكيد خطاب النص على أن فئة التجار من الطبقة الوسطي لا تلهيهم الخطب الدينية التي تستهدف إلهائهم عن تحصيل المكاسب أو تعويض خسائرهم.


ثانيا: من الناحية الدرامية والفنية:
• رسم الشخصيات الدرامية الرئيسية –غالبا – رسما نمطيا ، تعادل كل منها فكرة أو رمزا ، حيث يكتفي الكاتب برسم بعدها الاجتماعي الفكري أو رسمها ببعد اجتماعي ونفسي – في بعض الشخصيات التاريخية مثل لومومبا –
• اعتماد البنية الدرامية على أشكال الفرجة الشعبية الأفريقية مختلطة أحيانا بالفرجة المسرحانية إيهاما أو تغريبا.
• الاعتماد على نهاية ميلودرامية .
• تضفير الأغاني الشعبية الأفريقية في البنية الحوارية بما يحدث حالة التغريب التي – ربما تأتي عرضا تبعا لخاصية في التعبير الأدبي والفني الأفريقي –
• يضطر الكاتب المسرحي الأفريقي إلى رسم الشخصية القناع التي يحملها بآرائه ومقولاته ، في مشكلة العلاقة بين الحاكم – المحتل الأجنبي أو عميله الوطني – أو الحاكم الوطني المستبد ، ويتستر خلفه ، وكثيرا ما يعلو نبر المؤلف فيسقط القناع الدرامي.
• تحمل الأغاني الشعبية الأفريقية المضفرة في نسيج البنية الحوارية في المشاهد الدرامية ، ببعض المضامين المسكوت عنها.











ثبت الهوامش والمصادر والمراجع ؤ
برومثيوس الأسود في قيود الحرية
- المسرح الأفريقي بين الثوابت والمتغيرات الثقافية -
د. أبو الحسن سلام
* مهاد نظري:
لا حضارة بلا عقل ، ولا عقل بلا فكر ، ولا فكر بلا روح ، ولا روح بلا عقيدة، ولا عقيدة بلا إيمان ، ولا إيمان بلا مصداقية ، ولا مصداقية بلا اقتناع ، ولا اقتناع بلا إمتاع ، ولا إمتاع بلا فن، ولا فن بلا طبيعة ، ولا طبيعة بلا تطبع، ولا تطبّع بلا عمل ، ولا عمل بلا مادة ، ولا مادة بلا حركة ، ولا حركة بلا حياة ، ولا حياة بلا إنسان ، ولا إنسان بلا رأي ، ولا رأي بلا حرية ، ولا حرية بلا نضال ولا نضال بلا وعي طبقي.

أين من ذلك كله، يتجلى برومثيوس أفريقيا الزنوج ، تتجلى صورة الفعل الذي ما حرره ، أو الفعل الذي حرره .. من قيود جلده .. من قبل أن يحرره ، من قيود الاستعمار ؟
فإذا به المقيد وهو في أرض غريبة، بقيود فرانكفونونيه من خيوط فكر أجنبي ، فإذا به تحرر ، بينما لم يتحرر !!
هكذا أراه في بحثي هذا ، استنادا لنصوص مسرحية، في كتابات وجوه أفريقية.
يقول سارتر : " الإنسان الذي لا يملك أن يغير جلده ؛ فلا أقل من أن يمنحه البريق والحياة ؛ سواء أكان هذا الجلد أبيض أو أحمر أو أسود"
وهذا ما فعله أحفاد برومثيوس الأسود مفكرون ، ومبدعون شعراء ومسرحيون . يقول (إيميه سيزير) :
" كانوا يعلموننا بالنار الحمراء
وكانوا يبيعوننا كالحيوانات
وكانوا يعدون أسناننا
سفاحون، سفاحون، سفاحون "
لا يخرج هذا التعبير الشعري عن حدود المعنى السابق الذي قاله سارتر ، فهو تعبير لا يتجاوز كونه صورة مستعادة من الماضي عن الإحساس بالقهر، الذي وقع على الشعوب الإفريقية بفعل إرهاب البيض الأوروبيين ، بدءا من القرن الخامس عشر ، الذي يعد قرن الصدمة المأساوية للإنسان الأسود بالحضارة الغربية ، تلك الصدمة التي ربطت الحركة الزنجية بالحضارة الغربية ، منذ أن انتزع الغرب نحو 150 مليون أسود خلال أربعة قرون ، حيث يرسفون في قيد العبودية ، منذ ذلك التاريخ ، حتى إلغاء نظام العبودية من نحو مئة عام فقط. وقد بلغت بشاعة ذلك الفعل الإرهابي الغربي حدا عبر عنه سارتر بقوله: " الإنسان – في عالم – أسود "

ولأن الإحساس وحده بالظلم والاضطهاد العنصري لا يكفي للخلاص من ذلك الاضطهاد ، لذا ، ومع قوة الضغط وضراوة الإرهاب الأبيض الواقع على كاهل برومثيوس الأسود ، تسلح الرجل الأسود بالوعي ، بعد أن انتظم في حركات التحرر، التي عرفتها الشعوب الإفريقية عن طريق قلة من أبنائها الذين تعلموا في الغرب الأوروبي ، وتشبعوا بثقافته ، دون أن تتمكن تلك الثقافة الأوروبية من انتزاع جذور ثقافتهم الوطنية، وبذلك حاربوا الوجه الاستعماري الغربي القبيح بأسلحته التي يرفعها شعارات يتشدق بها عن الديموقراطية وعن الحرية ، التي لم تحل دون تعرض الكثيرين من أحفاد برومثيوس الأسود من الاعتقالات والسجون والتعذيب ، ليس ذلك فحسب ، بل تعرضوا للاغتيالات أيضا.غير أن ذلك لم يفت في عضد الحركات التحررية ، التي حققت لبلدانه الحرية. لكن ماذا حدث للإفريقي الأسود بعد أن تحررت بلاده بنضاله الطويل المستميت ؟ هل تحرر حقيقة أم أعاد تكبيل نفسه بقيود جده برومثيوس الأسود باختياره؟!
هذا ما سوف تجيب عنه كتابات المسرحيين الأفارقة ، جنبا إلى جنب مع إجابتها عن قيود ما قبل فترة التحرر.


• صدى زئير الغابة في المسرح الأفريقي:
إذا حاولنا تفعيل عبارة "سارتر" البليغة عن عالمنا ، عالم الإنسان الذي نعيشه، وعاشته البشرية منذ نشأة الكون ، تلك العبارة التي يقول فيها: " الإنسان- في عالم – أسود " إذا فعلناها في المسرح ؛ فسوف نجد أنفسنا وجها لوجه أمام كل النصوص المسرحية العالمية والمحلية التي تعرضت للإنسان وكشفت عن أقنعنه المتعددة والمتناقضة ، وعن وجهه القبيح المتواري من خلف تلك الأقنعة الزائفة التي تفنن في اصطناعها ، وأتقن تقنعه خلفها ، متحصنا بها أحيانا ، أو سقطت منه رغما عنه ، أو أسقطها متعمدا ، متحديا الكون كله ، مدرعا بآلته الحربية الرهيبة مرة ، بعد أخرى ، ومتوجا بمنجزاته العلمية ، ومزدانة بمنتجه التكنولوجي في مرة أخرى ، ثم غازيا لتضاريس الثقافة العالمية في كل وديان العالم المتخلف وسهولة المجدبة في عصرنا هذا.
ومع أن هذه النظرة( السارترية – الهيجلية) تقع على الإنسان بصفتها المجردة ، إلا أن عالم الإنسان في قارتنا العجوز هو الأكثر سوادا !!
ولما كانت وقفتنا الافتراضية وجها لوجه أمام كل إبداعات الكتابة المسرحية العالمية منها والمحلية ، التي تعرضت للإنسان بأقنعته المتعددة والمتناقضة أمرا مستحيلا أمام جهد بحثي واحد ، فضلا عن عبء مقتضيات البحث العلمي المنهجي ، التي تقوم على فرضية وجود إشكالية محددة ، يجتهد البحث في محاولة حلها ، بوصفها منظومة مشكلات لا تحل إحداها منفردة عن حزمة المشكلات في تلك المنظومة نفسها – بتعبير : ميشيل فوكوه – لذا فإن هذا البحث يقتصر على عدد من الكتابة المسرحية الأفريقية ؛ التي تغطي حاجته لإثبات فرضيته ، وحل الإشكالية التي طرحها.
• كولونيالية المسرح الأفريقي وما بعدها:
ما بين الثوابت والمتغيرات الثقافية البدائية القبلية في أثناء احتلال بعض الدول الأفريقية للبلاد الأفريقية ، والجهود الوطنية في المجالات السياسية والاقتصاد والثقافية، في محاولة زحزحة تلك الثوابت؛ لإحلال ثقافة مدنية وطنية بديلة؛ بعد التحرر من الاستعمار ؛ نشطت بعض الكتابات المسرحية التي استهدفت التعبير عن هذا الحراك الوطني ، عن طريق اجتهادات بعض الكتاب والشعراء الأفارقة الذين درسوا في بعض الجامعات الأوروبية ؛ وتأثرت أفكارهم وكتاباتهم بالكثير من قيم التحرر ، فتداخلت ثوابت قيمهم التراثية مع متغيرات ثقافية أوروبية متباينة ، كانت نتاجا للاحتكاك اليومي في الداخل مع الممارسات الثقافية للمحتل الأجنبي ؛ والمؤثرات الثقافية الأوروبية الناتجة عن التحصيل العلمي والثقافي للمبتعثين الأفارقة للدراسة ببعض الدول الأوروبية. وهكذا انعكس ذلك التزاوج الثقافي بين الثوابت الثقافية الأفريقية والمتغيرات الثقافية الأوروبية على النص المسرحي الأفريقي.
على أن الكتابة في مرحلة النضال السياسي الأفريقي ؛ غيرها في مرحلة ما بعد الكولونيالية ؛ فتكثيف الجهود الوطنية في اتجاه هدف رئيسي محدد ومعلوم ، استنهضت أمة بأكملها لمواجهته بكل ما تملك من عزم ومن وسائل ؛ أيسر من مواجهة تبعات التي اختفت وتوارت خلف ذلك الهدف الذي تحقق ؛ بخاصة إذا كانت تلك التبعات شديدة التعقيد ومتشعبة في كل الاتجاهات ، كما لو كانت بمثابة الشبكة العصبية في جسد كائن بشري . لقد ورثت أفريقيا تبعات جرائم المستعمر الأبيض المتراكمة على مدار 500 سنة من العبودية بشتى أشكالها المادية والمعنوية، كما تباينت كتابات الشعراء والمسرحيين الذين كان مولدهم أو نشأتهم أوروبية ؛ عن كتابات الشعراء والكتاب الأفريفيين الذين ولدوا وعاشوا في قلب أفريقية وقاسوا مع آبائهم وأجدادهم بطش المستعمر الأبيض ، وسطوة جبروته في استباحة الأعراض واستنزاف الطاقات المادية والمعنوية. ولقد عبر إيميه سيزير في شعره عن هذا الوضع خير تعبير:
"لقبي:مهان..
إسمي:محتقر..
عمري:عمر الحجر..
جنسيتي: الجنس البشري..
ديانتي: الإخاء.. "

المسرح الزنجي والنضال عن بعد:*
تتجلى صور الصراع بين حركة التحرر الأفريقي الأسود والمستعمر الأوروبي الأبيض في المسرح الأفريقي في أعمال سيزير المسرحية ، في نصوصه: " الملك كريستوف" و" فصل في الكونغو " و "العاصفة " بوصفه صراعا بين السيد الأبيض الدخيل والعبد الأسود صاحب البلاد ، الوطني"

لذا نرى بعض الكتاب الأفريقيين الذين يناضلون من داخل أوطانهم يسخرون من هؤلاء ، إذ يسخر كل من " فيمي أوسوفيلسان" ورفيقه " شوينكا" من فكرة الزنجية التي تبناها الشعراء والأدباء الأفارقة الذين تربوا في أوروبا وتلقوا تعليمهم ، وواصلوا حياتهم فيها ؛ ثم أخذهم الحنين نحو منابع ثقافتهم العرقية ؛ فيما بعد ؛ عندما أصبح لكل منهم شأنا ووزنا في بيئة المنشأ الأوروبية؛ وعبرت كتاباتهم الأدبية والشعرية عن ذلك الحنين ، وظهرت آراؤهم الحاضة على رفض السطوة الأوروبية البيضاء على موطنهم الأفريقي ، وعلى الجنس الأسود ؛ فكان أدبهم الشعري والمسرحي ؛دعوة لاستنهاض أبناء جلدتهم من بعد . وهو الأمر الذي قوبل بتعاطف عدد كبير من مفكري أوروبا ، وعلى رأسهم فيلسوف الوجودية المادية الأكبر "جان بول سارتر"
لذلك ظهرت بنائية الأدب الأفريقي ؛ حيث الكتابات التي نعتت بالأدب الزنجي أو بالروح الزنجية المتعالية على الروح الأفريقية الصميمة. في مقابل الكتابات الأفريقية التي كانت نتاج كتاب سكنتهم الهوية الأفريقية ؛ ميلادا ونشأة وثقافة؛ فجاءت كتاباتهم شكلا يجسد روح التعبير الأدبي والفني القومي الملتبس بالتراث ، والمتطلع في آن إلى التزاوج – من حيث الشكل – مع الشكل الكلاسيكي الغربي للكتابة المسرحية ، المسكونة بالمحتوى الثقافي الأفريقي في اتجاه التعبير عن الواقع الداخلي المعيش في بلادهم ، سواء في ظل السيطرة الإستعمارية للرجل الأبيض الأوروبي –عسكريا- أو بعد انتهاء مرحلة الكولونيالية. وهنا تكون لدينا مرحلتان من مراحل التعبير المسرحي الأفريقي عن الواقع، هما :
( مرحلة معارك التحرر ، ومرحلة معارك ما بعد التحرر)
مع ملاحظة أن الهم الأفريقي المقاوم لسلطة الأبيض الدخيل ، كان أخف وطأة على المقاومة الوطنية من هم مقاومة سلطة الرجل الأبيض الدخيل ، لأن المقاومة الوطنية لمحتل غاصب أجنبي محمولة على شرعية قومية ،لذا تتضافر كل الجهود الوطنية على ما بينها من خلافات أو اختلافات سياسية ، أو عرقية ، حيث تتحدد الجهود الوطنية أو تتقارب بالتآلف وبالتحالف – إذا شكلت جماعات منظمة أو جمعيات أو أحزاب وطنية – في سبيل مقاومة المستعمر ، بغية الخلاص من الاستعمار. لكن المسألة تختلف اختلافا يكاد أن يكون جذريا بعد التحرر ، حيث يأتي دور الصراع الداخلي بين تلك الجماعات والأحزاب إذ يتفكك تآلفها أو تحالفها الإطاري ، الذي التف حول برنامج عمل محدد موجه نحو تحقيق هدفها الاستراتيجي ( الخلاص من الاستعمار) ويبرز المطالبات الحزبية والفئوية ، محمولة – غالبا- على عوامل عرقية؛ فتطالب كل فئة حزبية وقبلية بنصيبها من كعكة السلطة الجديدة ، التي يفترض تسلمها لمقاليد الحكم من يد المستعمر المرتخية ، من شدة ضربات المقاومة الوطنية وضراوتها ، كما وكيفا ، على أرض المعركة وجهدا دوليا وإعلاميا. هذا إن لم تكن هناك قوة وطنية هي الممثلة الرسمية التى تشكل عصب المقاومة ، التى انضوت تخت رايتها بقية القوى الوطنية المتحالفة معها على طريق مقاومة المستعمر. ولئن كان ذلك قد تم فعليا فإن الصراع على الأنصبة في مستويات السلطة ، ومراتب القيادة في نظام الحكم الوطني سيحل محل شكل الصراع مع المستعمر ، وسيتخذ مظاهر متعددة ؛ غالبا ما تعطل مخططات السلطة الوطنية التي تربعت على سرير الحكم ؛ إذا كانت لديها بعد مخططات حقيقية لصالح الوطن المتحرر حديثا .. هذا فضلا عن المشكلات العويصة التي خلّفها المستعمر الأوروبي ؛ بخاصة الاقتصادية ، وما يرتبط بها من أحوال معيشية وصحية وتعليمية ، وإنتاجية . وهو أمر يحتاج من أي نظام وطني مستند إلى سلطة حزبية قوية ، التفت حولها قوى حزبية موازية لها أو أقل منها قوة في تفاعلها مع جماهير الشعب العريضة ؛ بحيث يتمكن من رسم خطة اقتصادية ، أو مشروع قومي ، يرتفع بالإنتاجية ، بالتوازن مع الواقع الاجتماعي ، تحقيقا لعدالة اجتماعية ، وهو أمر تقف دونه النزعة العرقية أو النعرة القبلية ، وهي نزعة فاعلة في تلك المجتمعات المتشبثة بالرسوبيات الثقافية المشتبكة مع الكثير من الخرافات والعصبيات ، في ظل الازدواجية الدينية واللغوية والعرقية ، وكلها بمثابة قنابل موقوتة سريعة الانفجار لأقل احتكاك طائفي أو عرقي. وهذا ما رأيناه على أرض الواقع الأفريقي ، في مرحلة ما بعد الكولونيالية ، على كل المستويات الصراعية السياسية الملتبسة بالمؤامرات الداخلية المتدنية ، مابين مرحلة تصفية الزعامات الوطنية بعضها بعضا ، تصفية دموية جسدية ، كحالة " تشومبي " وتآمره على قتل " لومومبا" الزعيم الوطنى الكونغولي ، وتآمره على "داج همرشلد" الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ، عندما أقدم على التوسط لحل مشكلة الصراع على الزعامة غي تلك المنطقة المشتعلة بنار العصبية والطموحات الرئاسية العرقية، وهب أمور عرقلت مسيرة انطلاقة البرجوازية الوطنية الأفريقية نحو تنفيذ مهامها الوطنية في إنضاج ثورتها الوطنية في اتجاه النمو الاقتصادي ، والاضطلاع بالتحكم في مقدراتها ، دون تدخلات أجنبية ، في ظل وعي قومي ووطني ؛ بأنه ليس سهلا على المستعمر الأبيض الذي سلب الكثير من ثروات أفريقيا واستنفد ما تفيء به المناجم من نحاس ومن ذهب ، فضلا عن استغلال الأيدي العاملة المتدنية الأجور ، والسيطرة على السواق لتصريف منتجاته الأوروبية ، ليس سهلا عليه أن يسلم بالواقع الذي انتهى إليه حاله بعد طرده من القارة الأفريقية .. وهو بكل أسف لم يكن مهما عند بعض القيادات السياسية الأفريقية المنتفعة من وجود الاستعمار . وبخاصة تلك المنتمية إلى المؤسسة العسكرية ، المعادية بطبيعتها للمدنية والمتشبعة بروح التسلط الفردي وثقافة الطاعة التراتبية.
استنادا إلى ما تقدم ؛ فإن لهذا البحث وقفتين مع الإنتاج المسرحي الأفريقي
الأولى: تتمثل في : ( مبحث: المعالجة المسرحية للمسألة الأفريقية عن بعد)
الثانية: تتمثل في : (مبحث: المعالجة المسرحية للمسألة الأفريقية/ أفريقيا)
المبحث الأول: المعالجة المسرحية للمسألة الأفريقية عن بعد

لنر في الوقفة الأولى كيف تناولت الكتابات المسرحية الزنجية قضايا التحرر ، والدور الذي لعبته تلك الكتابات في تكوين رأي عام أوروبي وعالمي لصالح قضايا الخلاص من المستعمر الأوروبي الأبيض. ، ونر في الوقفة الثانية مع كاتبين تمثل إنتاحهما المسرحي والشعري بالروح الأفريقية الصميمة في معالجة قضايا أفريقية صميمة وهما ( وول شوينكا) وزميله النيجيري( فيمي أوسوفيسان)

• صورة أفريقيا بعد التحرر من الاستعمار:
في نشوة الاستقلال المكتسب ، تجمعت كل المشكلات الأفريقية مرة واحدة ثورات ، خيانات ، صدمات حضارية، دسائس سياسية / مناورات قيادات كبرى. كل هذا جرى بلا رابط ، في طريقة إعادة بناء الدولة المعلق . ولا يعدم مثل ذلك الواقع المعقد من الظفر بشخصية رجل خيالي ، يرى أبعد من الواقع المتردّي . رجل وطني ، حقيقي ، عقائدي ، يزاوج في إيمانه بين القوة والحكمة معا في كل واقع تختلط فيه المصالح مع المنطق وتتداخل كل التناقضات بلا رابط ، في طريق إعادة بناء الدولة.
وقد ظفرت أفريقيا بشخصية كبيرة وعظيمة ، هي شخصية " باتريس لومومبا".
• " إنه رجل سياسي ، كان يعّد الرجل الوحيد في الكونغو والرجل العظيم في أفريقيا بأسرها ، ذلك أنه يتمتع ببصيرة نافذة وشاعرية مطلقة." أكمل قدره ومصيره بجلاء ووضوح رؤسا ، قدره ومصيره كضحية وبطل ، مهزوم ، ولكنه منتصر أيضا .. يصطدم بأسوار سجنه ، ولكنه يقاوم في الوقت نفسه . رجل بعبر عن تاريخ قارة بأكملها ، تعبيرا مثاليا ورمزيا "3

• لمومومبا وصورة البطولة المهزومة في المسرح الزنجي:
صور إيميه سيزير ، شخصية لومومبا في مسرحيته ( فصل في الكونغو) منتصرا مهزوما في آن معا ؛ تصويرا لا يبتعد كثيرا عما جرى من أحداث حقيقية جرت على أرض الكونغو في مرحلة الاستعمار البلجيكي . وقد كان صوت سيزير هو الأقوى والأبقى والأكثر تأثيرا وأثرا من بين أصوات الحركة الزنجية التي ضمت كل من " سنجور " و "داماس " و " ديوب " و " سيزير " نفسه في الفترة من 1934 إلى 1940
ولعل من الضرورة الإشارة إلى هوية سيزير الفنية والسياسية قبل الوقفة التحليلية لنصه المسرحي . لقد اعلن سيزير عن اقتناعه بالسيريالية مذهبا فكريا ، يسعى إلى الحرية المطلقة ، بحيث جاء اعتناقه لها إفادة منها ، وليست تبعية لها ، ووسيلة لهدف ، وليس غاية أو أيديولوجية. ومن الناحية السياسية فقد انخرط في العمل السياسي حتى أصبح عضوا في البرلمان الفرنسي ، وكان أن هجر الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1956 بعد أن وصل فيه إلى أعلى المراكز ، ليتفرغ للكتابة شاعرا ومؤلفا مسرحيا ومفكرا من أجل حرية وطنه وحرية جنسه وحرية الإنسان في كل مصير . أما أسلوبه الأدبي ، فيميل إلى التعقيد شأن كل مفكر ، ومبدع متعدد الثقافات ، إذ يتخير الألفاظ المهجورة والمركبة والعبارات المحملة بشحنات نفسية ، تعكس حالة التوتر ، وتكشف عما يكتنفها من الغموض ، كما يدل رموزها دلالة اعتباطية على الجنس والرغبة المكبوتة ، وحيث يتقارب معنى الرمز عند الكتاب الأفارقة مابين أنواع الشجر ن والفواكه ، والنجوم ، والمياة ، والعصافير ، والزهور . وهي لا شك من تأثيرات السيريالية عنده. بما لها من إيحاءات وإسقاطات استطاع توظيفها في صوره الشعرية والمسرحية على حد سواء .

• الخطبة الدرامية في الفرجة الشعبية:
يستهل "سيزير" نصه المسرحي ( فصل في الكونغو) استهلالا احتفاليا ، طقسيا ، ملتبسا بالتضفير السياسي، وأقول الخطبة ، لأنها خطبة بالفعل . وهي سياسية في مضمونها . غير أنها درامية احتفالية ، من حيث الشكل أو الأسلوب الإطاري الفني ؛ حيث يؤديها ( حاو) في حلقة محيطها جمهرة من الأفارقة المحتشدين في حي لعاصمة ( ليوبولد فيل) حول ذلك الحاوي الذي يقوم في أثناء تقديم ألعابه بالدعاية لمنتج البيرة البلجيكية. ومن الملاحظ المهمة أن الحاوي والحشد المتحلق حوله مراقبون من الشرطة السرية البلجيكية
تنطوي الافتتاحية إذن على عنصر الدهشة ؛ إذ من غير المتصوّر- على المستوى الواقعي – أن يحمّل حاو شعبي بخطاب سياسي ، تحريضي ، يحض الجماهير البسيطة المتحلّقة حوله ، متوقعين الاستمتاع بمشاهدة حيله ومهاراته وألعابه السحرية ؛ فإذا بأفق توقعاتهم يتبدد!! وهنا يلتبس المضمون السياسي بكساء الفرجة الشعبية ، فيما يظهر حالة الغرابة ، المثيرة للدهشة ، تلك الدهشة التي هي أساس عمل نظرية التغريب الملحمي في فنون المسرح – بغض النظر عما إذا كان الكاتب يتقصد ذلك من عده - :
" الحاوي: اخترع البيض ، يا أبنائي ، كثيرا من الأشياء . جاءوا بكم إلى هنا وفعلوا الخير ، وفعلوا الشر . أما عن الشر فلن أطيل اليوم لكن لا شك أن البيرة خير . اشتروا .. أليست هي الحرية الوحيدة التي يبيحونها لنا قبل أي شيء ؟ هل يمكننا أن نجتمع دون أن ينتهي هذا الاجتماع إلى السجن ؟ نجتمع نسجن . نكتب نسجن .. نغادر البلاد ؟ نسجن .. وهلم جرّى ؟ لكن .. لكن لاحظوا بأنفسكم .. منذ ربع ساعة وأنا أخطب فيكم ومع هذا يتركني رجال الشرطة أفعل .. أما السبب ، فلأني أبيع البيرة ، ولأني أصب البيرة .. من المؤكد أن كأس البيرة هي رمز حقنا ، الكونغو وحرياتنا الكونغولية .
لكن احذروا ، نعم فكما يوجد في البلد الواحد أجناس متعددة ، كما هو الحال في بلجيكا نفسها ، حيث يعيش الفلاموند والفايون وحيث يعلم أي فرد أنه لا يوجد أسوأ من الفلامونديين ، يوجد أيضا بيرة وبيرة أخرى . أجناس من البيرة ، أفضل أنواع البيرة في العالم .. البولار . هي التي تغيش في الظروف الجوية القاصية .. البولار بيرة الحرية الكونغولية.
متفرج: هيه .. ولكني سمعت أن البولار توهن المرء .. وأن البولار يوهن المرء .. وأن البولار تضعف من قواه الجنسية .. أجب عن هذا يا سيدى.
الحاوي: لاجظ أيها المواطن ، أني لا أرد على هجومك بهجوم مماثل .. كما أني لا أطلب منك أن تأتي لي بزوجتك أو أختك ( ضحكات تدوّي في الاجتماع)
متفرج: هو ..هو هو . هذا الرجل عنيف ..
الحاوي: لكني التفت ناحية الفتيات هناك ، تلك النباتات اليافعة ، وألقي عليهن بسوء .. إليّ .. هيا أيتها الفتيات .. يا دعاباتي ، صاحبات البسمة النديّة .. يافتياتي ذوات بطن الحية اللدن .. ألن تجئن؟
( الفتيات تغني )

أجساد كالمرايا ملساء
أدساد بر رياء
غارقة في العسل
شعر متموج
نهدان بارزان
فوق الصدر البرئ بلا حياء ( تصفيق الجمهور)"
المخبر البلجيكي الأول: لا بأس بتهريجه .. لكنه ثرثار
المخبر الثاني: هيه.. لكنه مصدر قلق .. فكأس البيرة التي يصبها عبارة عن صندوق ملئ بالدهاء .. ماذا يخرج منه ؟ سأحصل منه على كلمتين في هذا الشأن.
المخبر الأول: عامله بعنف .. لا بد من بيع البولار .. تعرف من يملك البولار ؟
المخبر الثاني: كيف تريد لي أن أعرف ؟ أعرف فقط أن هذا الزنجي خطير.
المخبر الأول: أنت صغير ، أقول لك .. فوراء البولار يختفي الوزير .. أي نعم
وزير الكونغو .. هل هذا يكدرك .. لكن الأمر كذلك .. فهمت إذن .. هيا بنا نأخذ كأسا.
المخبر الثاني: أرغب في ذلك تماما.. اعطني بالمناسبة اسم الحاج ، فشيء ما يقول لي إننا سنحتاج إليه.المحبر الأول: أوه إنه ساحر ..اطمئن .. ساحر اسمه .. باتريس لومومبا "


• المسكوت عنه في المشهد الافتتاحي:
يتكشف المسكوت عنه من وراء ظاهر التعبير الدرامي في الصورة الفرجوية الاحتفالية الشعبية السابقة ، في السلوك البراجماتيك المتبادل بين السلطة الاستعمارية البيضاء والمعارضة السياسية الأفريقية ، فظاهر الصورة تدل على نفعية استعمارية حيث يظهر المستعمر الأبيض بمظهر الديموقراطي الذي يسمح لمعارضيه الوطنيين بانتقاده ، ومن الناحية الفعلية ، فطالما يعمل المعارض السياسي على در الأرباح للرأسمالى الحاكم المستعمر ؛ فلا ضير من القليل من ثرثرته . المهم هو أنه يروّج له منتجه الاستهلاكي .

• التعليمية والفعل الدرامي المرجأ:
تلعب فكرة البطولة المنسحبة دورا مهما في مسيرة النضال الأفريقي من أجل التحرر ، وهو ما عني " سيزير " بتصويره في مسرحيته تلك:
" ( يدخل رجل يرتدي زيا أوروبيا ، يسير كرجال البحرية . إنه موكوتو)
موكوتو: سلام على الفتيات ، عندي لكم أخبار جديدة . ألقى الفلامنديون القبض على باتريس ، ولا أمل في أن يلينوا .. رحلوه إلى إيفيل، مقيد اليدين ، بينما يجتمع السياسيون في بروكسل حول مائدة مستديرة لتقرير مصير الكونغو"
" رجل: حسن ..حسن .. لاكن ما العمل ؟ لا يمكننا رغم كل شيء أن نقتحم وبأيدينيا العزلاء سجن إليزابيث فيل.
موكوتو: وهل أعرف أنا؟ ياإلهي.. افعلوا أي شيء . ولكن افعلوا .. كل الطرق ممهدة ، كل الطرق تؤدي إلى الثورة ، فاتخذوا إذن أي الطرق . لكن اتخذوا طريقا ( يرتفع الصوت مرة أخرى خلف المسرح ويغني نشيد اللمبانجيست)

إننا الأبناء اليتامى
ليل حالك ، شاق هو الطريق
إلهنا القادر . أين نجد العون ؟
أبانا الكونغو من ذا الذي يعيننا."
هكذا تنتهي المسألة إلى رد الفعل التواكلي ، حيث الوسيلة السهلة المريحة ، الدعاء ، ترك المسألة بيد الغيب .
"المرأة: اقترح أن نرتدي ملابس الحداد لمدة ستة شهور ، فنحن نلبس الحداد عندما نفقد أحدا منا ، وباتريس كان إلى حد ما واحدا منّا.
موكوتو: ياله من كذب .. تعتقدين أن هذا الأمر يهم الفلامنديون؟
المرأة: أنا أقترح أن نقوم بإضراب ونطوف رافعين أعلامنا ، كل جمعياتنا لوليتا ، دولار ، المرأة الحرة ، والأمل ، رافعة أعلامها الصفراء والخضراء والحمراء ، سوف يكون لهذا تأثير ."
تتأرجح اقتراحات النساء من أجل اتخاذ موقف ضد اعتقال زعيم الأمة، ما بين إلقاء عبء خلاص ذلك الزعيم المعتقل على الغيب ، أو التعبير الحزين السلبي بديلا عن الفعل ؛ بارتداء ملابس الحداد حزنا أو تعبيرا عن حزنهن . إلى أن تدرّج رد الفعل ، حيث اقتراح إحدى النساء بالقيام بإضراب - هكذا بشكل مفاجئ ؛ فلا إعداد ولا تنظيم ، قرارات ارتجالية فردية ؛ ابنة لحظتها – إضراب نسوى ترفع فيه الأعلام !!
ولنلاحظ أن هذه الاقتراحات اللحظية المتدرجة لتنتهي هذه الدفعة الحماسية إلى المهادنة والاستسلام على يد (ماماكوزي) أي بمخلّص فردي . وهنا يتضح المغزى التعليمي الذي قصد إليه المؤلف ؛ حيث يشخص حالة ردود الفعل الفردية المتدرجة:
" ماماكوزي: (أو المرأة القوية) كفاكم بلاهه.. لا حزن ولا إضراب . العمل هو العمل ، سنعمل أكثر مما عملنا من قبل. سندفع كفالة للبلجيكيين ، الجاموس يحب المال، هذا شيء معروف إنه غذاؤه ، وسيجتمع باتريس مع الآخرين في بروكسل . انتهيت من كلامي."
يعتمد المجتمع الأفريقي إذن على القرار الفري الممسك بزمام الأمور ، والمتحكم في آلة الفعل الجماعي القبلي ، وهو أمر مريح للقوى الاستبدادية الاستعمارية أو غير الاستعمارية على حد سواء.
"( رجل يقوم ، يغني ، الحشد يردد غناءه)
سيحل فصل الأمطار
ستأتي الحرب إلينا
زمن الدماء الحمراء
هو الزمن الذي أتحدث عنه
قوي هو الجاموس ، قوي هو الفيل
لكن أين الفرار ؟
لا الباب ولا الطريق
تنبأ بعلمه
قريبا يسقط الجاموس وقريبا يسقط الفيل
سيشعرون بيد الله الرهيبة
الزمن الذي اتحدث عنه هو زمن الدماء الحمراء
للغد هي الحرية."
هكذا يرجأ اتخاذ قرار الفعل الثوري المختلف عليه شكلا ، ويستبدل بموقف تلطيفي ، يفرغ شحنة الحماس الجماعي . ما أشبه ردود الأفعال لدى شعوب أفريقيا .. ، أليس ما نفعله نحن هنا في مصر وفي الكثير من البلدان التي تغرق مجتمعاتها في الفساد البيروقراطي فيما بعد مرحلة التحرر ، الهتافات أو الغناء الحماسي ،-أحيانا- والتلطيفي –أحيانا -

• درامية العنف وصوره مع المعارضة السياسية :
لا يختلف معاملة السجناء المعارضين السياسيين في أفريقيا عنها في أي بلد يحكمه التسلط الأجنبي أو الحكم الوطني الاستبدادي ، في ظل الاحتلال أو في ظل مرحلة ما بعد التحرر:
" السجان1: ( يتحدث في التليفون) آلو؟ إني منصت .. نعم سيادة المدير .. تماما ياسيادة المدير.. حسب أوامرك ياسيادة المدير.
السجان2: ما الموضوع أيها الرئيس ؟ خطير ؟
السجان1: المدير أخبرنا بحضوره الآن، بخصوص السيد باتريس لومومبا.
السجان2: أوه.. هذا الرجل.. لا يجلب لنا سوى المشاكل.. رأيت العديد من المسجونين، لكن بشرف السجان، لم أري أناسا متعبون أكثر من هؤلاء الزنوج ذوي النظارات.
السجان1: والإدعاءات .. انظر إنه حتى الآن يكتب الشعر .. شاعر خسيس، لكن احضره هنا حتى نذكره بالنظام ونهيؤه للحديث مع سيادة المدير"
ولنلاحظ المسكوت عنه فيما وراء عبارة " ونهيؤه للحديث مع سيادة المدير" !! ونوازنه باللهجة المغايرة ، حالة ارتخاء قبضة نظام أسياد ذلك السجان ، حيث تتغير نبرته بدرجة 180% من عنفوان جبروت السلطة إلى خوار الأبقار ؛ فور تغير لهجة أسياده في بروكسل:
( بينما يذهب السجان الثاني لإحضار السجين .. السجان الأول يقرأ)
السجان 1: أوه .. أوه ..
الكونغو، ثم جاء الرجل الأبيض
مغتصبين نساءك
لكن المستقبل السعيد يحمل الخلاص
شواطئ النهر الكبير هي ملكك الآن
ملكك هذه الأرض وكل خيراتها
ملكك تلك الشمس في علاها
من أين سيملكها الشمس؟
إنهم لا يكتفون بالحصول على بيوتنا ونسائنا
بل يريدون أيضا الحصول على الشمس !
أه.. ها أنت أيها القذر الحقير، الجاحد، أه السيد يقرض الشعر.. لكن من الذي علمك القراءة.. أيها الخسيس، سوى هؤلاء البلجيكيين الذين تكرههم إلى هذا الحد .. قف.ز امسك.. سأكتب الشعر على ضلوعك.
السجان1: لا بأس.. هيه؟ ( يضربه) اتتصور نفسك في بروكسل أيها الوحش؟ وما الذي ستقوله للملك إذا رايته ؟ ما الذي ستقوله للسيد كتوكو؟
السجان2: ( وهو يضربه) يريد بالطبع أن يصبح وزيرا..(يضحك) أتتصور نفسك سيدا .. أيها الخسيس .. سيدا."
هكذا تبدو صورة صغار السجانين دائما هم ملكيون أكثر من الملك نفسه، لكنهم سرعان ما ينقلبون رأسا على عقب في معاملتهم للمعتقل السياسي إذا ما ارتخت قبضة سلطلة نظامهم، فإذا بهم وقد تخنثت أصواتهم في مخاطبتهم للمعارضين السياسيين ، خوفا وهلعا من احتمالات ما ستتكشف عنه الأحداث في ظل الفوران الجماهيري ، وصلابة المناضلين: لعة المهادنة والتفاوض في الدراما : *
المهادنة عمل من أعمال السياسة ، التي هي فن إجادة التعامل مع الواقع . ولا شك أن عمل الإدارة هو عمل معبر عن سياسات نظام حكم أو هيئة أو مؤسسة رسمية أو غير رسمية. ولما كانت السجون مؤسسة حكومية يديرها نظام الحكم من أجل حماية النظام ومؤسساته ، وحماية استقراره اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ؛ لذا نرى مدير السجن في مسرحية ( فصل في الكونغو) ؛ وقد تغير موقف حكومة بلجيكا من الزعيم الأفريقي لومومبا المحبوس في سجنه ؛ يسارع هو بنفسه لنقل الخبر إلى سجينه، بإعلان إطلاق سراح لومومبا . وهو إعلان يتخذ سمة أخرى ونبرا مختلفا كل الاختلاف عن لهجة القهر ، والاستعلاء السابقة:
" المدير: أحمل إليك أنباء سارة .. يا سيد لومومبا .. نبأ عظيما. نعم فأحيانا ما يحدث أن يحمل مديرو السجون أنباء سارة.أنباء عظيمة إلى مساجينهم ، فقد وصلني منذ برهة أمر من بروكسل بخصوصك. قرر السيد حاكم الكونغو إطلاق سراحك .. ويأمل بصفتك رئيسا للحركة الوطنية الكونغولية ، كما تطلقون عليها ، يأمل أن تشترك في أعمال مؤتمر المائدة المستديرة . وقد كلفت باتخاذ اللآجراءات الللازمة لتسيير سفرك .. وأخبرك بأن طائرة شركة سابينا المتجهة إلى بروكسل ستقلع غدا. أنت الآن حر يا سيد لومومبا .. رحلة موفقة ياإكسلنس..
السجانان: أوه..أوه..(ينحنيان) رحلة موفقة ياإكسلنس"
( يمر لاعب سائرا وهو يغنى)
"إخواني .. يا إخواني.. تيقظوا.. الكونغو يتحرك "

• سوق المال ودراما المتغيرات السياسية :
بقدر دفع الحراك السياسي نحو اشتداد النضال الوطني ضد المستعمر أو ضد أنظمة التسلط الفردي لنظام الحكم ، تتغير حركة سوق المال صعودا أو هبوطا، وهكذا يحدث الحراك الاقتصادي بفعل النضال الوطني تغيرا ملحوظا في صناعة القرار السياسي .، وهذا ما يصوره إيميه سيزير في المشهد الرابع ، بعد الإفراج عن الزعيم الكونغولي لومومبا.؛ حيث يتذبذب سوق المال وتضطرب حركة البنوك:
"( منشور يسقط من الكواليس مكتوب عليه: " بروكسل قاعة المائدة المستديرة " غرقة ملاصقة لقاعة القصر.. الذي ينعقد فيه مؤتمر المائدة للأحزاب الأفريقية..أربعة أو خمسة رجال متنكرين في شكل ساخر ، على هيئة صرافي البنوك ، يدخلون ويخرجون .. زي أنيق.. سيجاركبير .. السخط والرعب على أشدهما .. تسربت أنباء تفيد بأن الحكومة البلجيكية وافقت بناء على طلب لومومبا على تحديد يوم 30 يونيو 1960 موعدا لاستقلال الكونغو.)
الصراف1: لقد انتهي كل شئ صمم الخونة على بيع إمبراكوريتنا
الصراف 2: حددوا للاستقلال موعدا
الصراف3: للأسف قبلوا ديكتاتورية هذا الخسيس
الصراف4: الشجاعة يا سادة ..الشجاعة. على المرء أن يتزوج عصره.. لا أقول يحبه..يكفي أن يتزوج منه.. هذا الاستقلال يضللني."
هكذا تنقسم الآراء في حمية الانفعال ، خوفا من ضياع المكاسب ، فيتبنى الكثرة من أصحاب المصالح موقف التشدد والسخط ، ويقف القلة القليلة موقفا برجماتيا . وهذا ما وضح في الحوارية السابقة ، حيث يتبن موقف الرجل الأبيض من مسألة التفاوض ، مع الحركة الأفريقية الوطنية ؛ فترى في إعلان بلجيكا الاستقلال والرحيل عن الكونغو ضربة قاصمة لمصالحهم ، بينما لا تعدم هذه المجموعة الرأسمالية الغاضبة من صوت العقل إذ يظهر بينها من يفكر تفكيرا برجماتيا ، يتدبر مسالك أخرى بديلة للانتفاع ، وتقليل الخسائر :
"الصراف1: الشئ الذي يؤدي إلى الكارثة الكبرى ويقضي على الدولة ، ويبدد أموالنا ويحط من قدر هذا البلد حتى يصل إلى أحط الدرجات ، هو أن تتخذ موقفا بعد فترة طويلة.
الصراف2: تناقض محير أم حكمة خطيرة .الإثنان ولا شك .. زميلي إني أقولها لا أعرف م الذي يجيش في أعماقك ولكن عندما ينتشر الشر في مملكة شاسعة يصبح من الخير ألاّ تنادي بالحرية.
الصراف4: عندما ينتشر الشر في مملكة شاسعة تصبح الحلول الجريئة هي وحدها العاقلة."
يتفتق ذهن الرأسمالى العجوز عن حيلة يظل بها ممسكا بمفتاح خزائن المال ومسيطرا على السوق ، بعد الاستقلال ؛ فللاستعمار أشكال غير الشكل العسكري المباشر ، والمهم ملكية وسائل الإنتاج .. الأسواق والبنوك :
"الصراف2: ما علينا.. هل لديكم ما يسمى بالسياسة؟
الصراف 4: سياسة؟ الكلمة ضخمة. لكن لنحكم العقل، من هنا وهناك تقفز إلى مخيلتي بعض الأفكار.. وهذا لا يستحق شيئا عشرون عاما من العذاب. فكروا. فلكي نروض الوحش لا يوجد إلاّ وسيلتان.. الهراوة يا عزيزي ، والخازوق.
الصراف1: وبعد ؟
الصراف4: ماذا لا شئ.. كنت أعتقد أنكم أكثر وعيا. اتبعوا الفكرة.. يريدون؟ مراكز.ألقاب.رئاسات.نواب.شيوخ.وزراء.. أخيرا الخازوق.. حسنا .. سيارات..حسابات جارية.قصور. مرتباتكبيرة.لن أبخل أبدا.. بديهيا وهذا هو المهم:أن تشبعهم.. النتيجة..أن تلين قلوبهم. ويصفو مزاجهم، أرأيتم إلى أين يقودنا المنطق حتى تحكم تدبيبر المؤامرة.
الصراف1: كفى.. أحسنت أيها الزميل.. الموافقة بدون تحفظ؟
كورس الصرافين: هيه..هيه.. يحيا الاستقلال."
تسهم الانقسامات العرقية الداخلية الكونغولية في إنجاح مخططات الفكر الإمبريالي المستقبلية ؛
" (ليوبولدفيل ، احتفالات شعبية، تسمع أناشيد الاستقلال)
امرأة: كيف يصل الاستقلال في سيارة ..أو باخرة .ز في طائرة؟
رجل: يصل بصحبة الملك الأبيض الصغير.ز السيد كيتوكوتو، هو الذي سيحضره لنا.
مواطن: ( من المنظمة الوطنية الكونغولية):
الاستقلال .. لن يحضره لنا أحد.. نحن الذين نحصل عليه. أيها المواطنون.
موكونجو: لا يهم .. منحناه أو انتزعناه.. ما أعرفه .. هو أننا الآن نملك الاستقلال وعلى كل البنجاليين أن يعودوا إلى قراهم.. لقد أفسد هؤلاء البنجاليون البلد.
مونجالي: نحن وحدنا الذين نملك السماح لواحد من الموكونجو ، أن يكون رئيسا للجمهورية.. وأن يحكمنا .. هذا المكان يعود لرجل من النهر ، يحيا جان بوليكانجو.. إلى السلطة يا جان بوليكانجو. "

من الحاكم المستبد لا يتحقق إلا عن طريق الاغتيال السياسي.


• دراما الخطاب السياسي بين التحذير والتغيير:
في ظروف السياسية الطارئة ، حيث تشكل مرحلة نقل السلطة من المستعمر الأجنبي إلىالسلطة الوطنية الثورية المؤهلة لاستلام الحكم ، تشيع بين الأطراف المؤيدة للانتقال ، والأطراف المعرضة المضارة من تبعاته ، تشيع الكثير من مقولات التحذير ، مختلطة مع شعرات ما بعد التحرير ، من صور لطموحات التغيير ، وهو مناخ ملتبس ، يتحول فيه الصراع إلى صراع فكري ، يميل كثيرا إلى روح الشعارات المحذرة من عواقب التغيير والتبرير في مساندة الدعوة الرافضة لأي نوع من أنواع التغيير ، حرصا على مصالحها أن تضار :
" كالالوبو: أريد أن تعلموا أن الاستقلال إنما هو صديق للقبائل.. لم يأت لينال القانون .. ولا العادات .. ولكنه جاء ليكملها ويتممها .. ويوفق بينهما الاستقلال ، صديق الوطن . لم يأت أيضا ليعمل على تقويض الحضارة . الاستقلال جاء ممسكا بين يديه من ناحية بالعادات وبالحضارة من ناحية أخرى .. الاستقلال جاء ليوفق بين القديم والحديث ، بين الوطن والقبائل ، فلنبق مخلصين للحضارة ، فلنبق مخلصين للعادات ، وسوف يحفظ الرب الكونغو."
وفي مقابل هذا الخطاب التلفيقي المضاد للتغيير بجمعه للنقيضين ، الحضارة والعادات وللوطن والقبائل معا ، يقف خطاب لومومبا الزعيم الأفريقي التقدمي ، الذي يدرك خطورة خطاب التلفيق السياسي التبريرى السابق ، وما ينطوي عليه من غش وتزييف :
" لومومبا: أما أنا .. سيدي .. فأفكر في المنسيين ، نحن الذين ضربنا ، وشوهنا، وأهنّا وبصق على وجوهنا . طباخون، وشغالون، عمال كما تقولون غسالون ، شعب من العمال، من يشك أن الإنسان من الممكن ألا يكون إنسانا، ولا يملك إلا أن ينظر إليه ، كل الآلام التي استطاع أن يتحملها الإنسان. يا سيدي تحملناها. كل الإهانات التي استطاع أن يذوقها الإنسان ذقناها. طعم الحياة، أيها السادة ، لم يستطيعوا أن يصبوا مرا في أفواهنا. ولقد كافحنا بوسائلنا البدائية. كافحنا خمسين عاما، وها نحن قد انتصرنا بلادنا هي الآن بين أيدي أبنائها، هذه السماء، هذا النهر، هذه الأراضي، ملكنا . البحيرة ، والغابة ملكنا . كاريزمين، تيارا ، نجوجو، يناموراجيرا ، ميكينو ملكنا..إيه إن الجبال تتصاعد إليها النار والكلمات ، أيها الكونغوليون اليوم هو يوم عظيم ، اليوم الذي يضم فيه العالم إلى أممه الكنغو أمنا، أو الكونغو ابننا ، وليد أرقنا ، وآلامنا ، أصدقاء الكفاحوأخوة النضال ، فليتحول كل جرح من جروحنا إلى ثدي ولتصبح كل فكرة من أفكارنا ، وكل أمل من آمالنا غصنا يجدد الهواء من أجل الكونغو.. انتبهوا.. إني أرفعه فوق رأسي وأحمله على كتفي .
انفخ على وجهه ثلاث مرات، أضعه على الأرض وأسألكم .. هل تعرفون حقيقة هذا الطفل ؟
وتجيبون جميعا
إنه الكونغو ملكنا
أريد أن أكون طاءرا ، طائرا جميلا، يحلق في السماء ، بعلن للأجناس بكل اللغات.. إن الكونغو ولد لنا ملك لنا .. ليحيا الكونغو.. الكونغو المولود مؤخرا ، فليحيط بالجميع. أيها الأصدقاء ، كل شيء يجب أن يصنع ، كل شيء يجب أن يعاد صنعه، سوف نراجع القوانين بعضها تلو الآخر من أجل الكونغو.. سوف نعاود النظر ونحن نقتلع الظلم في كل أجزاء الصرح القديم من أسفله إلى أعلاه.. الواحد تلو الآخر من أجل الكونغو..وكل ما اعوج سوف يستقيم، وكل ما نكس سوف يرفع."14
هل تنبه الوطميون الكونغوليون لتحذير زعيمهم ( لومومبا) ، وهو يصيح بأعلى صوته :
"لومومبا: من أجل الكونغو أطالب باتحاد الجميع ، أطالب بتضحية الجميع من أجل الكونغو ( فترة من الذهول)
ياكونغو يا أيها الزمن العظيم ..
ونحن بعد أن أحرقنا ثياب العام القديم
علينا أن نبدأ خطواتنا الراسخة المتفائلة
في المهد الجديد.. في بزوغ الشمس "
لو كان ذلك قد حدث ما اغتيل لومومبا بإيد كونغولية . وهي نهاية متوقعة ، على لسان ممثل القوى المضادة للتغيير:
( يدخل أربعة صرافين)
" الصراف 1: هذا مرعب.. -هذا مرعب .. ستكون النهاية سيئة.
الصراف 2: هذا الحديث.. هذه المرة إن حدث يمكننا أن نرحل..
الصراف 3: (متعجرفا) هذا واضح حين ينعدم النظام على الصراف أن يرحل..
الصراف 4: نعم.. على الكونغو .. هذه المرة أن يسير بدون مرشد.. يمر موكوتو مهموما ولا يرى أحدا)
موكوتو : كنت قد راهنت عليه: على من استطاع أن بحسن صياغة هذا الحديث ؟ ليقال إني أردت أن أصنع منه رجل دولة.. إذا كان يريد أن يكسر عنقه ، فتبا له، ياللخسارة، يالها من خسارة.ز إن السكين الخادة تمزق حتى غمدها ( يبصق) محترف المقابلات.ز هل صحيح كما يقال في قريتي إن الثروة جمل يملكه الشخص الذي يترقب اللحظة التي يبرك فيها الحيوان تعبا لكي يمتطيه..
( يخرج ممتطيا جوادا خياليا) ( وهذا لاعب السانزا يردد أغنية لوبيتو الشعبية)
يمسك الرياح
فليس هناك آمن منهم
وليست لهم ملامح القتلة
ولكن أنوفهم تستنشق كل رائحة تحملها الرياح
إنهم شباب لوبيتو
إنهم رجال مشوهون
يأكلون كل شيء
إنهم رجال لوبيتو
اللوبيتو هي النقود
ليسوا طيببين ولا أشرار
إنهم رجال لوبيتو
( يظهر الصراف الخامس)
الصراف 1 : تهنئتي يا سيدي.ز إنه همل جيد في الحقيقة"

* جمالية الصورة المسرحية:
هكذا تتكامل الصورة المسرحية بتضافر المضمون الحواري مع عنصر الفرجة الشعبية الإيهامية في ربط شخصية (موكوتو) بين المثل الشعبي الذي يتردد في قريته : (( إن الثروة جمل ينلكه الشخص الذي يترقب اللحظة التي يبرك فيها الحيوان تعبا لكي يمتطيه)).. ومغادرته المكان (( ممتطيا جوادا خياليا متوهما))
والجمالية في التورية الدرامية ، حيث المسكوت عنه ، وهو أن ذلك الشاب الثائر لومومبا ، سيبرك كما يبرك الجمل ، وعندها يمكن السيطرة عليه ومن ثم ، عودة الثروة التي طارت من بين يدي موكوتو وأمثاله من الأفريقيين الذين خدموا في حكومة المستعمر .
كما تتكشف الجمالية في الصورة الدرامية في ربط المؤلف لما ترمز إليه كلمات الأغنية برجال اللوبيتو-أي رجال المال) ودخول الصراف 5 على زملائه الصرافين الأربعة فور انتهاء الأغنية ، ليهنئونه على ما أنجز من تدبير تآمري يؤدي إلى فصل إقليم ( كاتنجا) الغني بالثروات المعدنية عن الكونغو الأم:
" الصراف 5: ( يهمس في أذنهم) سوف تعرفون أيها السادة أنه منطق سليم .. إذا كان "ليو" يتمسك بتقرير المصير ، ليكن .. لا نستطيع أن نمنعه.. ولكن ليكون ذلك للجميع ولمناجمنا قبل كل شيء.
الصراف1: شوت..شوت.. دعوني اسمع ما يقوله الزميل، منطقي في الغالب..
الصراف 4 : أيها الزملاء عندما أتأمل محيط الفوضى الذي تهوي البلاد فيه يلوح لي أن الحل الأخير يبقي حقا .ز أمام هذا الكونغو المتعثر المترامي في الأطراف. هناك فكرة تفرض نفسها .. فمن غير اللائق ألاّ نستطيع أن نخرج كاتنجا طواعية من هذا التلاحم الضخم.
الصراف1 : آهلقد فهمت ما ترمون إليه.. ولهذا أعانقكم . يحيا اليورانيوم حرا .. هذا أمر طيب أليس كذلك ؟
الصراف5 : ليس اليورانيوم فحسب .. الماس كذلك .. النحاس.ز والكوبالت.. وأخيرا كاتانجا .. كاتانجا المتعثرة الزائغة الصيت..
جوقة الصرافين : هوراه..هوراه..تحيا كاتانجا."
بالطبع لا يقف الأمر عند ذلك الحد ، فللقبائل هي الأخرى طموحاتها الصغيرة ، إذ لا بد من أن يكون لها نصيب في الحمل الذي برك ، لذا فسرعان ما تقوم حرب القبائل ، ليواجه الكونغو بعضه بعضا من الداخل ، ويواجه الأجانب أصحاب الاحتكارات ، ويواجه فوق الانقسام انقسامات تالية بسبب أطماع الداخل والخارج معا : (قصر الرئاسة ، جناح كالا)
كالا: يالها من دماء.. يالها من أهوال.. قبائل اللوليامس تقتل قبائل البالومامس.. قبائل البالوبامس تبيد قبائل اللولبامس.. وقواتنا.. القوات الكونغولية الوطنية .. تسحق الجميع.. أوه .. الحرب .. الحرب"
ومن المتآمر ، الذي وافق على تلك الحرب الوطنية ؟ هو (كالا) رئيس الكونغو:
" كالا .. بالتأكيد أعطيت موافقتي.ز لكن هل تعتقدون أنه من السهل أن تقول لا لهذا الشيطان القبيح.. على كل هو الذي قرر.. ومن الطبيعي أن يتحمل قراراته.."
أيضا لم يكن كالا بعيدا عما حدث لباتريس لومومبا:
" كالا : عصفور يحارب برأسه باحثا عمن يهاجمه . أجدادنا كانوا محقين.. القائد الحقيقي لا يثور أبدا .. يبقى .. حيث يكون مركز الوجود مركز الدولة .. إنه يشع حيث يكون أما هذا .. فمتسلط .. لكنه لا يشع .. يشعل .. يوقد النار..كنتو .. كنتو .. آه ، ذلك أنه كان سيقلبني رأسا على عقب لو تركته يفعل .. والنار في الكونغو .. النار في العالم .. ولكني هنا .. ولن أتركه يفعل أبدا أنا هنا لكي أنقذ الكونغو وأنقذه من نفسه.
مهلا ياسيد باتريس.. مهلا.. كالا العجوز هنا .. هنا .. بحق الشيطان.. نعم.. أنا هنا.. ولزمن طويل ."15
هكذا تشابكت خيوط التآمر من الداخل ومن الخارج في ظل صراع القبائل داخليا والأطماع الاحتكارية الأجنبية ، التي قسمت الكونغو إلى أكثر من دولة واغتالت زعيم تحررها الوطني.

لم يبتعد حدث في الكونغو كثيرا عما حدث في نيجيريا. غير أن نيجيريا ، تمثل الصراع فيها بين سلطات ثلاثة بعد مرحلة الكولونيالية حيث تصور مسرحية فيمي أوسوفيسان( آرنجندن والحارس الليلي) طبيعة التنازع على السلطة بين ممثل السلطة التسشريعية المنتخبة وممثل السلطة الدينية وممثل السلطة التنفيذية) ، ليكشف الصراع عن تضافر السلطة الدينية مع السلطة التنفيذية في إقصاء السلطة التشريعية ، وعندما يتحقق ذلك لهما يقصى ممثل السلطة التنفيذية ممثل السلطة الدينية وينفرد بالسلطة بعد أن أتاح له ممثل السلطة الدينية أعدادا كثيفة من الشباب الذي تربي دينيا لينضوا تحت راية جهاز حماية أمن البلاد ، وعندها ينحاز ممثل السلطة التشريعية تحت راية ممثل السلطة التنفيذية الأمنية ، غير أن تسلطه واستبداده ، يؤدي إلى اغتيال ابنة ممثل السلطة التشريعية له وانتحارها ، وبذلك يكشف المؤلف أوسوفيسان عن أن الخلاص

المبحث الثاني
المعالجة المسرحية للمسألة الأفريقية/أفريقيا

* درا ما الخطاب السياسي بين التدبير والتبرير
بين التدبير التآمري للاستيلاء على السلطة وتبرير ذلك الفعل ؛ بالتنسيق بين ثلاث قوى ، تمثل مثلث هرم السلطة في النظام السياسي الاستبدادي( ممثل التشريع والقانون وممثل الدين وممثل الأمن ) تدور أحداث مسرحية ( آرنجندن والحارس الليلي) في المجتمع الأفريقي النيجيري ، حيث تتكالب تلك السلطات الثلاث على الشعب ، بعدما آلت البلاد إلى السلطة الوطنية بعد زوال المستعمر الأوروبي الأبيض . لذا فإن الصراع في تلك المسرحية " يدور على عدة مستويات أولها المستوى الموازي للصراع العام ، الذي يدور حول مجمل شكل فني يخضع لتقاليد الفنون الأفريقية ، وهو ما صوّره المؤلف بعبقرية كرقصات فلكلورية بين الرجل والنساء ، الأمر الذي يضفي على المسرحية أيضا روحا من الفرجة والجمال والتشويق."
ل1لك يوظف المؤلف الأشعار التقليدية بلغة " اليوروبا" الأفريقية ، بديلا عن رتابة الراوي ، للتعليق على الحدث ، تعليقا نقديا ، أو كتقنية للتخلص الدرامي من موقف مواحهة حادة بين أطراف الصراع إلى موقف آخر أدعى إلى التلطيف .
• درامية خطاب النقد السياسي:
ينتمي هذا النص إلى المسرح السياسي ؛ لا لأنه يتناول قضية سياسية فحسب؛ بل لأنه يتناولها بأسلوب يمزج بين المواجهات الصراعية المباشرة ، بأسلوب يجمع بسن الحوار والغناء في شكل كوميدي انتقادي ، وإن انتهى الحدث نهاية ميلودرامية ، بقتل البطلة للشخصية الرئيسية التي تمثل وجه التسلط الفردي الأمنى في البلاد ، وهو نوع من الاغتيال السياسي ، ثم إنهاء حياتها بالسلاح نفسه – والقصدية الميلودرامية ماثلة في قتلها لنفسها ، على حين أن قتلها لنفسها لم يصدر عن ضرورة درامية ، على اعتبار أن والدها هو المؤهل للزعامة الفردية محل ذلك الحاكم العسكري المستبد - فضلا عن أن الرغبة العامة للخلاص منه كانت متوفرة كشرط موضوعي لفعل الخلاص منه
يوجه المؤلف اتهاما دامغا للممارسات غير الآدمية التي يقوم بها الحكام المتداخلين في سلطة البلاد بعد التحرر من المستعمر الأوروبي الأبيض ، حيث لا يكتفون بالتنازع على السلطة فيما بينهم ( قانونيا ودينيا وأمنيا) بل يتسلطون كل بطريقته على الشعب ، الذي لولا نضاله ما كان لهؤلاء وجود على الساحة السياسية ، لذا تفضح هذه المسرحية أغراضهم وتكشف عن ممارساتهم المريضة، التي أدت إلى وضع قيد من نوع جديد على البلاد والعباد بعد التحرر ، مما بدا معه الوطن وكأنه ما تخلص من قيد إلاّ ووضع في قيد جديد ثلاثي الحلقات ( قيد قانوني أو متذرع بقانونه ،وقيد ديني ،أو متذرع بالخطاب التديني ، وقيد أمنى متذرع بحماية أمن الوطن والمواطن ) وما كان ذلك في حقيقة الأمر سوى ذرائع زائفة كحق أريد به باطل ..

المسرحية الأفريقية
بين الفرجة الشعبية والفرجة المسرحانية
- إيهاميا وتغريبيا -
في كتابات المؤلف المسرحي الأفريقي ، الذي يكتب عن تجربته الملتحمة مع بيئته الأفريقية من الداخل ، تختلف الصورة عنها في كتابات المؤلف المسرحي الذي يكتب عن المجتمع الزنجي الأفريقي عن بعد ، ، تبعا لميلاده ونشأته خارج القارة الأفريقية ولتحصيله العلمي والمعرفي في المعاهد أو بالتفاعل الثقافي والمعرفي الغربي . ومع ذلك فإن سمات الحكي وتداخل فنون الغناء والرقص ، ولغة الترميز متقاربة بين كتابات من كتبوا عن بعد أو من كتبوا من داخل القارة الأفريقية نفسها. كما أن الكتابة المسرحية لكتاب مسرحيين ممن يطلق عليهم (كتاب الحركة الزنجية) أو لكتاب مسرحيين أفارقة ميلادا ونشأة توشي بنيتها الدرامية بأشكال الفرجة الشعبية متزاوجة مع عناصر الفرجة المسرحانية – التي هي أقرب لتقنية المسرح الغربي المعروف- غير أن عناصر الفرجة الشعبية ، وروح الانسيابية التلقائية في التخلص الدرامي في كتابات المسرحيين الأفارقة ميلادا ونشأة وهوية ثقافية أفريقية أكثر ظهورا واتساقا في وحدة البناء الدرامي عنها في كتابات المسرح الزنجي ، كما تشحب في الكتابة الأولى نبر الخطابة والميل إلى المباشرة الواهية القناع ، وإنما يحمل الخطاب ذا الصبغة الخطابية عبر الشخصية القناع التي يختفي المؤلف خلفها ، فيبدو رأيه رأي الشخصية التي حملت برأيه.فمسرحيات "وول شوينكا" و "فيمي أوسوفيسان" على سبيل المثال " مليئة بأشكال الفلكلور الأفريقي النيجيري؛ ولكنه محبوك بطريقة ذكية وجميلة حتى يبدو كأنه جزء من نسيج البناء الفني للعمل المسرحي. وهو ما يسهم في خلق تقاليد فنية أفريقية خاصة ، تصبح مع تناولها ، ومرور الزمن جزء أساسيا في بناء المسرحية ووسيلة فعّالة في إيضاح (وايصال) الخطاب المسرحي الخاص بالفن المسرحي الأفريقي والنيجيري بوجه خاص. ومع كل ذلك فإن مسرحية (آرنجندن والحارس الليلي) تحتوي على العديد من التنويعات في الصراع وفي البناء الفني."
فإذا توقفنا عند مسرحية (الطريق) أو عند مسرحية(الأسد والجوهرة) لشوينكا أو عند مسرحية (آرنجندن والحارس الليلي ) لأوسوفيسان ، سنجد العديد من صور الفرجة الشعبية ، والفرجة المسرحانية في ضفيرة واحدة في البنية الدرامية.

• أولا : الفرجة الشعبية في المسرحية الأفريقية:
للفرجة الشعبية في الآداب والفنون أشكال مختلفة ، تتناظر في بعض الثقافات وتتباين في بعض الثقافات ؛ باعتبارها الخلفية الخاصة بكل هوية ثقافية لتلك المنطقة أو لهذا البلد أو ذاك . ، ويمكن التعرف على أشكال الفرجة بالنظر الإطاري لأحد الأسواق الريفية – على سبيل المثال- وفي مسرحية( آرنجندن والحارس الليلي ) تتكرر صورة السوق مرتين في المشهد الافتتاحي للجزء الأول وللجزء الثاني . وإذا كانت صورة السوق في الجزء الأول من هذا النص ، تكشف عن حالة تدمير للسوق ، وهو ما يشكل الأزمة الدرامية التي ينبني عليها الحدث الدرامي للمسرحية ؛ فإن صورة السوق في الجزء الثاني تبدو مختلفة ، إلى حد ما ، حيث اكتشاف التجار لما حدث من سرقة وتدمير لمتاجرهم ، بفعل عصابة مجهولة لهم ، حيث يدور الصراع متراوح العلنية والخفاء بين ثلاثة الزعماء الممسكين بزمام السلطة وهم ( آرنجندن ممثل السلطة التنفيذية ، والقنصل ممثل السلطة التشريعية والقضائية وبآلي ممثل السلطة الدينية) كل يفرض سيطرته على ما وسعه من سلطة مدعما بعدد من الأنصار أو الأتباع ، و السعي نحو توسيع مجال سيطرته بالتآمر خفية على زميليه ، فضلا عن انفراد كل منهم ، في إطار محيط سيطرته ، وهو أمر أشبه بأسلوب أمراء الإقطاعيات في العصور الوسطي ، حيث كل أمير مقاطعة هو الآمر الناهي على رقاب القيان والعبيد .هو المستبد في مقاطعته .
يشكل السوق الشعبي العام إذن أحد أهم معالم المدن والقرى الأفريقية ، على حد سواء . وللسوق – كما في قرانا – يوم معين من أيام الأسبوع ، يقام فيه. وهو يوم متغير ما بين قرية وقرية أخرى. ويعد يوم السوق يوم احتفال عام ، يهتم به كل سكان القرية ، حيث يخرج الجميع لاستيفاء حوائجهم اليومية وتدبير مصالحهم وصفقاتهم التجارية ، وتسوية خلافاتهم . ويتكرر هذا الأمر ما بين أسبوع وأسبوع تال له.وفي ذلك اليوم ، يوم السوق ، يعرض صاحب الشيء المعروض للبيع ،بضاعته أو منتجه على الشارين ، سواء أكان على هيئة بضائع (أزياء-أحذية-معدات-منتجات زراعية- توابل-جلود –خيوط-أقمشة-لحوم-طيور وغيره) أو مواشي ،. كما تقام المزايدات ، وطقوس طهور الأطفال ، فضلا عن مشهد طابور المزينين القعود في صف على الأرض ، وكل منهمك في الحلاقة لزبون. وفي السوق تقام شوادر وخيام المقاهي الشعبية المتنقلة وتتبعثر في أركان متعددة السوق. وتكثر الألعاب الشعبية في يوم السوق ، كالتحطيب والسيجة بين كبار السن الذين ينتظرون تسوية مصالحهم ، كما تنتشر تجمعات الناس حول أحد الحواة أو مغن شعبي يحكي بالغناء الشعبي على ربابة (السيرة الهلالية أو أدهم الشرقاوي أو الظاهر بيبرس أو سيرة عنترة بن شداد ، أو حكاية شفيقة ومتولي أو السيرة النبوية) وقد يتحلق بعض هواة التحطيب حول مبارزة بالعصي أو ترقيص الخيول على إيقاعات الطبول ونفخ المزمار. أو حول استعراضات الغجر في مهارات قراءة الكف وضرب الودع. كما يتغلغل الخفراء والمخبرون والعسس بين الناس ، ويتسلل النشالون وتروج نشاطاتهم ، في تنافس مع المتسولين . ويكثر الدراويش والبهاليل والمتسكعون وتروج مهنة السمسرة والوساطة . ومهنة المنادي على أطفال تائهين انفلتوا من بين أيدي أهاليهم. وهكذا تختلط النداءات بالغناء ، بأصوات الشجار ، بجعير البهائم ونهيق الحمير المعروضة للبيع مع نباح الكلاب الضالة الحائمة حول جزار هنا أو هناك يعمل ساطوره وسكينه في جسم ذبيحة يعدها للبيع.
ولا يختلف الأمر كثيرا ما بين قرية أفريقية في بلد وقرية أفريقية في بلد آخر في القارة الأفريقية ؛إلا اختلافات خاصة بهوية الفرجة (بعض الخصوصية الثقافية)
ولأن التجمع في الأسواق ؛تتداخل فيه كل تلك الأنشطة التفاعلية المتنوعة الأغراض ، وتتنوع أساليب التعاملات ، ما بين المنفعة المتبادلة ، وروح الفرجة لذا يجد المتأمل لها حالة من الانفراج أو الانشراح والبهجة ، تعادل حالة الانشراح التي يجدها ذلك الملأ الكثيف من المتعاملين مع السوق.
ولما كانت مسرحية ( آرنجندن والحارس الليلي) تبدأ بمقدمة درامية لمشهد السوق لذا وقف هذا البحث عند ه متأملا أشكال الفرجة الشعبية في اشتباكها مع أشكال الفرجة المسرحانية ؛ بما يكشف عن طبيعة الصراع بين ثقافتين في حالة اشتباك ، عبر صور الصراع الدرامي الذي يعبر عنه المؤلف في عدد من المواقف على هيئة مواجهات متفرقة بين أصحاب الثقافة الشعبية التراثية المتحصنة بهويتها الأفريقية الوطنية ، وأصحاب الثقافة المتأوربة من المثقفين القلائل الذين تشبعوا بالثقافة الغربية ، حيث تتكرر تلك المواجهات في صور متعددة في النص:
" القنصل: .... إنك تخاف أن تفقد سيطرتك الموروثة على الناس ! ومع أن رعيتك يتهددهم الخطر كنت أنت لا تفكر إلاّ فيما يهدد عرشك.
أولودي: وأنت أيها القنصل صاحب الكلمات الكبيرة ..ماذا ترى؟
القنصل: أنا أعرف يا أولودي أن الناس انتخبوني : لأنهم يريدون الحياة ، وليس الموت موسميا بشراك الصيادين العشوائية ! ولأنهم يودون النوم دون أن تزعجهم كوابيس العنف ! ويرتادون الشوارع بأمان دون الوقوع في شباك المجرمين ! كيف يكون لحياتهم أي معنى بينما اللصوص يسيطرون على أحلامهم وأفكارهم.
بآلي: ليس من تقاليدنا الرد على مهاترات شخص متهور "
على أن ذلك التباين بين بين ممثلي الثقافة المتشبثة بهويتها التراثية ( عاداتها ) وممثل الثقافة المتؤربة ، ترتكز كل منهما على توجه سياسي ، نقيض لتوجه للآخر.
لا يفوتنا أن نلاحظ من الاستشهاد السابق أن من رد على القنصل أحد أتباع ممثل التيار الديني وليس الشيخ ( بآلي) نفسه .. مما يكشف عن الطبيعة التسلطية ومظاهر الاستعلاء في تعامل النخبة الحاكمة مع بعضها بعضا:
" أولودي: تصوّر أيها القنصل لو أن السمماوات التي تغطي هذا العالم تهدد بالانهيار ، هل يستطيع أي منّا أن يوفر الملجأ في عالم يسحق بالكامل .
بانونهون: في تلك اللحظات التي يتحول العالم إلى قطع متناثرة لا يمكن أن يكون لموت فرد واحد أي أهمية.
القنصل: ليس بالنسبة إلى يا بنانونهون ؛ فأي حياة لها أهمية في كل لحظة.
بانونهون: لا بد أن تقصد كل صوت انتخابي
القنصل: لن تستطبع استدراجي كي أغضب .
أولودي: هذا الموسم محمل بالشؤم. لقد أعلنها العراف " أفا" قائلاك" عند كل هبوب ريح أو نفخة غبار ، سيأتي الموت طائرا؛ ولذلك يجب أن نطرد الموت خارج حدودنا وإلا! فإن نهايتنا ستأتي قبل موعدها المعلوم.
نانونهون: نحن لسنا بأصنام أيها القنصل .فنحن أيضا نعاني بسبب مشاكل أصدقائنا ، ةلكننا نحتاج للوقت لإقامة الطقوس المناسبة.
القنصل : ولكني ليس لديّ أي وقت أضيّعه ، أتفهمون ؟ إن الوقت مثل الرياح التي تعصف بحياة الناس الذين منحوني ثقتهم."
هكذا تستبين أوجه المفارقة بين توجه يتخذ من المظاهر المدنية سلوكا ثقافيا ليكشف عن مسؤوليته تجاه من انتخبوه ، في مواحهة ثقافة التراتبية والنظام الأبوي الهرراركي الذي يجعل الزعامة الفردية القبلية ، في منأي علوي عن التعامل مع الآخر ، تظاهرا في السمو وبأنه ممثل للذات الغيبية ، وبذلك يكون على في التراتبية ، رد الآخر عنه باعتباره المكلف وخليفة الذات الغيبية للأنا العليا وهكذا يتبدى كنه الهلاف بين الثقافتين في عبارات يتراشق فيها الطرفان:
" القنصل: ..... إن نبوءتك لا تحقق حاجتنا الملحة "
" بانونهون: حسنا الطفل يتباهي بثيابه الجميلة ، أكثر من تفاخره بثياب آبائه . ولكن افترض بأن ما نحتاج إليه هو ثياب رثة ، ماذا سيكون موقفه حينئذ ؟
أولودي: لا أفهم كيف يمكن لأحد الحديث عن القوة دون الاعتماد على وحي السماء .
القنصل : يمكنه ذلك حتى يمسك ببندقية بين يديه.
بآلي: إنك تدهشني أيها القنصل ! وماذا عن القانون ؟
القنصل: إن القانون شبيه بالحرباء ، فهو يتكيف حسب متطلبات القوة ! "
ولنلاحظ أن الأتباع هم الذين يناوشون الطرف المعارض ، شريك الحكم ، مناوشة تقوم على أسلوب التورية ، وهو من الأساليب الجمالية ، التي يتقنع المعني الخفي فيها من وراء المعنى الظاهر ، وفيها فرجة مسرحانية ، لأن تأمل المتلقى اللحظي للصورة المعنوية فيما هو مسكون عنه من قول ذلك الذنب الذي ، يتخذ أسلوب الردح المبطن بغية الطعن على الخصم . بينما يظهر الزعيم الروحي نفسه عند التصدي لما هو مقنع في قول معارضه ، وهو الأمر الذي حاول فيه (بآلي) الإمساك بالقنصل ،رجل القانون متلبسا بالتناقض ، إذ لا يستقيم القول عن استخدام البندقية مع التظاهر بالحرص على القانون !! ولنلاحظ أوجه التناظر بين صورة التعامل بين النخبة الحاكمة في بلد أفريقي متخلف ؛ كذلك البلد الذي يصوره ( أوسوفيسان) هنا ، وما هو حادث في مجتمعنا المصري الأفريقي على أرض التعامل السياسي بين الحزب الوطني الحاكم والأحزاب السياسية المعارضة.
هكذا يتبين الفرق بين ثقافة التحصن بالهوية – على ما تحمله من فكر ظلامي متخلف وخرافي- وثقافة براجماتية ، تنفذ مباشرة إلى النفعية ، دون مواربة ، وهو فرق بين ثقافة تحترف العمل السياسي ، مدركة أنها فن التعامل مع الواقع ، وأنها فن توظيف القوة عندما تكون هناك ضرورة لتوظيفها ، حفاظا على مصالح النخبة الحاكمة في ظل نظام استبدادي - كذلك النظام المتناظر في البلاد التي تخلصت من استعمار طال أمده وبخاصة في أفريقيا. – وتوظيف الملاينة والمراوغة وأساليب التلطيف والمسكنات السياسية أو أسلوب التفاوض ، عندما تكون هناك ضرورة ، حفاظا على مصالح النخبة القابضة على مصير البلاد ، وهى التي تسن من القوانين ما يناسب الحفاظ على مكاسبها ، وما يحفظ عليها سلطانها ، وإحكام سيطرتها على وسائل الإنتاج وعلى عائدات السوق ، وتسيير البلاد في المسار الذي يخدم تلك المصالح ، ويقوي من قبضتها على مصائر البلاد.
وعلى الرغم من ذلك ؛ فإن موازين الأمور ، كثيرا ما يتغير اتجاهها ما بين صعود كفة طرف معارض ، تبعا لما يملكه من ثقل شعبي ، وهبوط كفة أخري يتربع فيها الطرف المسيطر ، سيطرة فعلية ، تبعا لما يملكه من رصيد روحي لدي غالبية من البسطاء والأميين والمستنيمين على سرير الخنوع الغيبي:
" ( نسمع هتافات المواطنين)
بآلي: هناك قانون واحد فقط ، ذلك الذي أقسمت بأن تدافع عنه.
القنصل: لقد كان قسمي يا بآلي ، أن أخدم الناس باستخدام القانون كسلاح ، ولكن عندما يصبح هذا القانون عائقا أمام أداء خدماتي للناس ، فإنه يجب أن يغير ! "
ونلحظ طبيعة المراوغة الديماجوجية التي يتقن توظيفها في مكانه المناسب كل سياسي المجتمعات المحكومة بنظم شمولية أو قبلية أو عسكرتارية
(تسمع الهتافات ثانية)
بآلي: ( يخاطب الجماهير) اصمتوا . يبدو لي بأن آرنجندن قد خرّب عقولكم جميعا ! تذكر أيها القنصل أن الخوف شيء والحرية شيء آخر . وأن هناك أناسا يسبحون مع تيار النهر ؛ بينما يسبح آخرون ضد هذا التيار.
القنصل: ( مقاطعا) وهناك أيضا أولئك الذين لا يسبحون بالمرة !!
جباديجسن: أيها القنصل
القنصل : (مقاطعا) كفى .. لقد سمعت ما فيه الكفاية !! اختبئوا وراء نبوءاتكم أو احتموا خلف القانون ! ولكن عندما يتطاير الرصاص لا تقولوا بأنكم لم تنذروا !
بآلي: شكرا لك ، ولكنني أحملك إنذارا أيضا ، يمكنك أن تقوله لصديقك آرنجندن المتعطش للدماء .. إن هذه المدينة لم تعد تتحمل أمثالكما ! إنني أكرر ما سبق أن قلته ؛ بأن هذه مدينة ، وليس ؛ وليست ميدان معركة ، إننا أناس متحضرون هنا ! وما دامت هذه القبعة على رأسي ، وقدماي ترتديان هذين النعلين المصنوعين من الخرز ، واللذين ارتداهما أجدادي من قبلي ؛ فإنه لن يكون هناك إطلاق أي رصاص . والجريمة سيتم التحقيق فيها ، ويعاقب الفاعل بقوة القانون . ولن يتغير إيقاع حياتنا المحكومة بنظام الفصول . كما رسمتها القوى الإلهية! "
نلاحظ ، ديماجوجيته أيضا ، يعلن أنه متحضر ، وفي الجملة التالية له من كلامه للمعرض رجل القانون ( القنصل) أنه يقف على أرضية قانون أجداده المحكوم بنظام فصول السنة !!
لا شك أن هذه المواجهة السياسية بيت قوى سياسية مسيطرة ، وبيدها سلاح القوة وسلاح القانون الوضعي المتغير وفق إرادة اتجاه ما في نظام الحكم من ناحية في مواجهة سلاح القانون الغيبي المرتكز على تيار شعبي يسبح ضد اتجاه رياح شركاء الحكم الممسك بزمام التشريع المدني و الجانب التنفيذي ذي الوجه العسكري الأمني ، يقف بالبلاد أمام هوة حرب أهلية وشيكة ، فكل اتجاه منها يقف في مواجهة مصالح الآخر .. فالاتجاه المدني التشريعي يتآزر معه ويقويه الجناح العسكري ال1ذي يمثله هنا آرنجندن ، والزعيم الروحي (بآلي) يتقوى بالغالبية التي ما أن زعق فيهم ليصمتوا ، حتى صمتوا . فليس لصوت يعلو فوق صوت الزعيم الروحي رجل الدين ، الذي يعلن تمسكه بالقانون - قانون أجداده ، لا القانون الوضعي المدني –
فنحن إذن أمام ثلاثة أوجه من وجوه السيطرة المتضاربة الأهداف والمصالح ، مع أنها جميعا تستهدف الانفراد بالسيطرة على نظام الحكم . على أن تآزر اتجاه الأمن ممثل القوة مع الاتجاه القانوني الوضعي ، يحقق التقدم على اتجاه الغالبية الظلامية ، برغم ما يتبدى من قوتها المدعمة بمساندة غوغائية ، مغيبة ، ذلك أن تلك القوتين المتآزرتين تسيران وفق مخطط مرسوم يحقق وجهتها البرجماتية ، ويسير وفق مسار واضح لا لبس فيه ولا ازدواجية ، في مقابل ازدواجية ثقافية روحية ملتبسة بين وجهين أحدهما يتظاهر بالتحضر ، متباهيا بمظاهر شكلية للتحضر : " مادامت هذه القبعة على رأسي" في الوقت الذي يتشبث بعادات وقانون أجداده: " وقدماي ترتديان هذين النعلين المصنوعين من الخرز ، واللذين ارتداهما أجدادي من قبلي"
لقد عكست هذه الازدواجية الثقافية نقسه على سلوكها السياسي ؛ إذ اتخذ مسار الوسطية في اتخاذ القرار السياسي:
" لن يكون هناك إطلاق أي رصاص . والجريمة سيتم التحقسق فيها ويعاقب الفاعل بقوة القانون، ولن يتغير إيقاع حياتنا المحكومة بنظام الفصول ، كما رسمهتها القوى الإلهية."
ولنا أن نلاحظ قراره الوسطي: : " لن يتغير إيقاع حياتنا المحكوم بنظام الفصول ، كما رسمتها القوى الإلهية" فتلك ثقافة شعوب النهر ، وحياة الأفريقيين ، كما هي حياة الآسيويين محكومة بفيضان النهر ، وتغير فصول السنة وفق نظام مركزي ، يسير في مسار آلي لا يتجاوز في تغيره الآلي حدود الفصول الأربعة في ثباتها . هي ثقافة مركزية ؛ تسير مركزية التفكير ومركزية إتحاذ القرار في مقابل ثقافة تنحو نحو التغيير ، بما يتوافق مع مصالحها . فنحن إذن بإزاء صورتين لوجه الصراع في البلاد الأفريقية ، بعد الكولونيالية: صورة طرف معارض متمسك بهوية ملتبسة بين مظهرين أحدهما سطحي يصطنع قناع المدنية ، والآخر ساكن تحت الجلد ، كامن في الأعماق ، يشكل جوهر وجوده ، نفسه ، تبعا لمركزية فكرية عقيدية ، تسيّر حياته ، كرد فعل غير متكافئ مع ديموقراطية مركزية في قرار التسلط الحاكم الذي تواجهه . وتلك هي إشكالية الواقع الأفريقي في مرحلة ما بعد الكولونيالية، التس استطاع " فيمي أوسوفيسان" ، إلى جانب الكاتب النيجيري الكبير " وول شوينكا"" ، حيث استطاعا التعبير عن ذلك الواقع مسرحيا بمهارة ووعي سياسي ، واقتدار فني وحرفي ، يمزج الفركر بالفرجة ، الملتبسة بين ما هو شعبي ، وما هو مسرحاني ، على النحو الذي نراه عند "أوسوسيفان" من مهارة التخلص الدرامي بالانتقال الناعم من موقف المواجهة إلى موقف التلطيف بالغناء :
"( يخرج القنصل غاضبا، ويتبعه بعض مشجعيه ، بينما يبدأ المداح المغني أغنية لتهدئة بآلي)"
وعلى الرغم من حدّة القرار القاطع الذي اتخذه كل طرف منهما في مواجهة الآخر ؛إلا! أنه من المؤكد أن خلخلة فكرية داخلية ، قد اعترت الطرف الذي أخليت له الساحة ؛ حيث يراوده فكره نحو الميل إلى روح التفاوض ، خروجا عن حالة التصلب التي اتخذها كلا الطرفين المتصارعين ، كل منهما يحاول الانتصار لمصالح من يمثلهم ، على أساس أن االتفاوض عمل من أعمال السياسة ، ، تنبع ضرورته من تقدير قوة الطرف المواجه ، وهو مشروع قبل اتخاذ القرار ، وعند وجود ضرورة قصوى لمراجعة بعض الجوانب فيما اتخذ من قرارات ، يتراءى إمكان التراجع عنها؛ بهدف الاتفاق على حل وسط للقضية المختلف حولها ؛ بعيدا عن لغة التعالي والاستفزاز ، وإظهارا للرغبة في إقصاء لغة الادعاء بالتفرد بملكية الحقيقة المطلقة؛ حتى تتوازن الأحوال وتتقارب المصالح بن طرفي التصارع ، بديلا عن مصادرة كل طرف منهما للآخر ؛ ولا شك أن تلك المهمة ، تخرج من ذهن مثقف تلك الشريحة المنتصرة ؛ لذلك يخرج أحد المثقفين باقتراح وسط على الطرف المنتصر ( بآلي):
" الدكتور: ( متقدما باتجاه بآلي) أرجو المعذرة يا بآلي
بآلي: تكلم يابني
الدكتور: اعتقد يا بآلي يأن فكرة آرنجندن ...
بآلي: نعم؟
الدكتور: ربما تكون الفكرة ليست سيئة إلى هذا الحد.. لو ..
بآلي: شكرا لك أيها الطبيب . لقد سمعت بما فيه الكفاية! إذا كنت تقول بأن وعي السماء يؤكد أن الكوارث قادمة فمن المؤكد بأن واجبنا مقاومتها بكل ما...
أولودي: ( مقاطعا) نعم يكل طتقاتنا أيها الطبيب... تلك التي جربت من خلال الشعائر والأضاحي في الاحتفالات التي وجدت منذ قدم الأرض التي تقف عليها الآن. هل تجرؤ على القول بأن ذلك غير كاف ؟!
الطبيب: ولكن آرنجندن يقتر ...
أولودي: ( مقاطعا) لا داعي للاستمرار أيها الطبيب ، لقد استمعت إلى الشيخ منذ قليل ..."
هكذا تتبدى ثقافة الفكر الإرهابي ، فكر مصادرة الآخر ، وإقصائه أو إخصائه عن طريق قمعه عبر لغة التعالي والادعاء الزائف بامتلاك الحقيقة المطلقة . . تلك السلوكيات التي سادت البلاد التي نا أن تحررت من المستعمر الأوروبي إلاّ ووقعت بين براثن زمرة من المنتفعين الذين يكالبوا على البلاد بعد أن قطفوا ثمرة نضال شعب بأكمله ، بذل الأرواح وكل غال ونفيس في سبيل طرد المستعمر الأجنبي ، وبذلك أممت البلاد بعد التحرر لصالح ثلة انتهازيين ، مهدت لهم مواقعهم القيادية التي تسللوا إليها ، ليصبحوا في مقدمة الصفوف خلسة. ؛ وتمكنوا من عزل رفقاء السلاح ، ومصادرة السلطة ، واحتكار صناعة القرار وتسيير البلاد في اتجاه منافعهم الذاتية . وبذلك توقفت مسيرة التقدم التي خططن لها حركة النضال الوطني فيما بعد الاستقلال. وهكذا أصبح الرجل الأسود كبرومثيوس أسير دوران لا نهاية له ، يشقى شقاء لا نهائيا ، ولا أمل له في الخلاص من استعباد أبيض أو أسود ، فهو مقيد بالمعتقدات الخرافية ، لم يتخلص منها ، إذ تعمل الزعامة الظلامية المتدّرعة بالمعتقدات الخرافية والعادات إلى تكبييل شعوبهم بأحابيل الموروث ، حتى تظل الشعوب مذعنة لأهوائهم ، مغيبين ، لا حول لهم ولا قوة بدون تلك الزعامة الوهمية ، المتقنعة بالمعتقدات التدينية والخرافية ، حتى لا يفكر فرد من الشعب على رعاية حقوق مواطنته ، أو أملاكه ، أو استردادها ، وقد سلبت منه.. ومتى ؟ بعد التحرر !! ، مكتفيا باللجوء إلى الخرافات ، والتواكل على أرواح الموتى وعلى التمائم . هكذا كان حال التجار ، في هذه المسرحية ، بعد أن نهبت متاجرهم عصابة مسلحة ، تابعة لآرنجندن ، الذي أراد الإيحاء بافتقاد الأمن ، حتى يقره الطرفان الشريكان في التسلط على البلاد بضرورة إطلاق يده للضرب بيد من حديد ، واستخدام القوة العسكرية لضبط أمن البلد . – أليس هذا هو حال كل البلاد الأفريقية التي تخلصت من الاستعمار منذ عشرات السنين ؟؟!-
" بانونهون: فاتوس إنك رجل..
فاتوس: ( مقاطعا) لا.. يابانونهون.. أنا انتهيت .. انتهيت .. سوف أموت.
بيمبو: كل شيء في المتجر ، وخاصة تلك الملابس الثمينة، التي لم أدفع ثمنها بعد ، ولم تخرج من صناديقها.. آه .. ومجوهراتي.. سانجو انتقم لي منهم يا سانجو.. اقبض عليهم من أجلى .. دمرهم .."
يذكرنا هذا بمسرحية دينية من العصور الوسطى هي مسرحية ( القديس نيقولا) حيث يلجأ أحد الخدم المسيحيين العاملين بقصر الخليفة العثماني المسلم ، بعد أن اتهم بسرقة خزينة مال الخليفة ظلما ، يلجأ إلى ضريح القديس نيقولا ليقبض على السارق الحقيقي الذي يتضح أنه مسلم سكير من أرباب الحانات ؛ وهنا يلبي القديس نيقولا توسل المسيحي المتهم ويلقي القبض على المسلم السارق ، وهو مخمور بالحانة.
" أوريسا: أربع وأربعين دراجة كلها جديدة ( يريهم السلاسل المكسورة) لقد حطموا القفل ، انظروا ، لقد دمروا حياتي"
"إليبوتي: جميع أحهزة الستريو ! آه ، إن هؤلاء اللصوص أشرار ! جميع أجهزة التليفزيون ، وكل شيء ! إن الإله أسيو .. يعاقبني مرة ثانية أه لقد انتهيت.
بيمبولا: آه كم طلبت من والدتي الاّ تخلد للنوم في قبرها بسرعة ، كان يجب أن تترك عينا واحدة مفتوحة دائما لحراستي ؛ أما لماذا هجرتني اليوم ؟ ( يحاولون تهدئتها)
هكذا في ظل سيطرة عصابة ما على منقاليد الحكم في البد ، بعد تخلصه من المستعمر الأجنبي ، يتحول البلد إلى ضحية لسطوة سلطة ظلامية ، تتقنع خلف معتقدات تدينية ملتبسة بالخرافات ، تعمل على تغييب وعي الشعب ، وتبطل تفكيره في مجرد التحرك قيد أنملة في اتجاه الخلاص من قسد الخرافة المتقنعة خلف مظهر تمدن زائف ، وتقوم باستنزافه وإرهابه ، ، فهو مقيد بين إرهاببن أحدخما فكري والآخر دموي مادي. وهكذا لم يعد هناك فرق جوهري بين حال الشعب قبل التحرر وبعده.
ومن اللافت للنظر أن كلا السلطتين ، على ما بينهما من تنافضات ثانوية ، يتعايشان على خنوع الشغب ، فضلا عن دعم كل منهما للآخر ، الأول يرهب الشعب باستباحة أمواله وأرواحه بالقانون تارة وبالقوة والتصفية الجسدية مرة أخرى والثاني يمهد له ، بتهوين ما يقع على الغالبية المستضعفة:
" بآلي: ( صارخا فيهم) نعم أعرف ذلك ! جميع مدخرات حياتكم ! استمعوا إلى .. وماذا عن لاميدي .. نعم لاميدي !
أويسا: آه.. أجل الحارس الليلي ؟
فاتوس: أين هو؟ أين اختفى ذلك الجرذ؟
بيمبولا: أين كان ذلك الأحمق عندما حدث كل ذلك؟
إليبوتي: نائما بالطبع كالعادة ! مع كل ما نذفعه له من أجر !
أوريسا: اخبرنا ، أين يختبئ يا آبالي؟ أتمنى أن اتحدث إلى هذا الظربان !
بآلي: (بهدوء) كل حياته
فاتوس: ماذا ؟
بآلي: حقيقة أنكم فقدتم بضائعكم وأرباحكم ، ولكنه فقد حياته كلها ( صدمة جماعية) كان يحرس بضائعكم الغالية جدا فأتوه وذبحوه وتركوه ملقي هناك إن ما ترونه هماك ليس ماء ولكن دماؤه ( ينخفض أصواتهم ) ستقام جنازته في القصر ظهر هذا اليوم واتوقع حضوركم جميعا! هيا بنا"
ولأن طبقة التجار ( الطبقة المتوسطة ومن في حكمها) براجماتيون بحكم اقتصاد منافعهم وتداولاتهم المتغيرة في إطار تدوير الثروة في عمليات البيع والوساطة والشراء الآلية ، ودائرية رأس المال ؛ فإن المسألة لا يمكن أن تنتهي عند خطاب التلهية المتمسحة بالدين ، لذلك يتحرك عدم الرضا المكبوت رافضا لتطييبات الشيخ الزعيم الروحي ،فور ارتفاع صوت أحدهم ؛ إذ تنطلق ألسنتهم وترتفع أصواتهم ، صوت مصالحهم الاقتصادية ، فالاقتصاد هو الصوت المحرك الأقوى من كل صوت :
" بيمبولا: ( تعترض طريقه) ولكن أيها الشيخ
( يدخل المدرس أبييندي ترافقه يوبي ، وهما في حالة ارتباك ظاهر)
بألى: ( يقف ) نعم .. إني مصغ إليك
بيمبولا: وماذا عن مصيرنا؟
بآلي: وماذا عن مصيركم ؟
بيمبولا: من الذي سيقوم بتجهيز جنائزنا نحن ؟
بآلي: إني لا أفهم ما تقصدين ؟!
بيمبو: ألا تعرف أن ما حدث يعني موتا بالنسبة إلينا أيضا ؟
بآلى: أنا
فاتوس: ( إنها على حق أيها الشيخ. إن هذه السرقة أكبر من سكين في الرقبة. ويمكنه الراحة منذ الآن . والميت لم يعد لديه ما يقلقه .. ولكننا نحن الذين يجب أن نعيش ونطعم أولادنا.
بيمبو: نرعى والمرضى آه قريبا سيأتي عيد الفصح وهو ميعاد استبدال سقف كوخ والدي بصفائح المعدن بدلا من القش: كما وعدته. إن والدي شيخ عجوز أيها البآلي . وموسم الأمطار سيبدأ قريبا جدا .. آه ياإلهي.
إليبوتي: انظروا ، ها نحن في منتصف الطريق وجيوبنا خاوية بينما بالأمس فقط ، كان أي واحد منا قادرا على شراء المدينة بأسرها." 25
تتكشف المسألة في نهاية الأمر عن آرنجندن ، حيث يتضح وقوفه وراء عملية السطو تلك ، ليجبر شركاء السلطة على تسليم زمام البلد إليه ، بحجة صيانة أمنها ، عن طريق السماح له بتكوين قوة أمنية من المتطوعين يكونون تحت إمرته، ولئن كان ذلك يشكل ظاهر الأمر إلاّ أنه في الواقع يصبح فيما بعد شكلا من أشكال الإنقلاب على شركاء الحكم ( الاتجاه التشريعي القانوني والاتجاه العقائدي التديني) وهو الأمر الذي فطنت إليه "يوبي" إبنه القنصل ممثل القانون) والمدرس إبيندى صديقها) :
"يوبي: ابحث في داخل روحك
حيث تختبئ
فضتك وذهبك
أنا خلد .. أنا خلد
( القنصل يدور بشكل مفاجئ ويبدأ بمتابعتهم خارجا ، ولكن البآلي يتحرك باتجاهه ليوقفه)
بآلي: انصت أيها القنصل .. أيها القنصل ! أيها القنصل . لقد كنت على حق ، بالتأكيد . إن الناس لا يحتاجون إلى الحرية ، ولكن إلى خوفهم..
( يواصل القنصل طريقه إلى الخارج) أخبرني ي آرنجندن كم رجلا تريد؟
آرنجندن: أنا اختاج إلى كل من يريد التطوع
بآلي: ولكن لن يكون هناك الكثير الذين يستطيعون استخدام البنادق
آرتجندن: اعرف ذلك فقد ربيتهم أبناءك على أن يكونوا رهبانا ، وموظفين، ولكن لا تقلق إذا انضموا إلى فسوف لأعلمهم كيف يطلقون النار.
بآلي: سوف يكون لديك جميع الرجال الذين تحتاج إليهم
بانونهون: تريث أيها البىلي
لآرنجندن: جميعهم تحت إمرتي ولا أحد سواي
بآلي: ( بعد لحظات تفكير) نعم تحت إمرتك"26
هكذا ينضم الفاشيون إلى بعضهم بعضا ، ، فسرعان ما بدل رجل الدين والزعيم الروحي مبدأه ، في لمح البصر ، وهو الذي تصايح ( لا رصاصة بعد اليوم وإنما القانون) إذا به ينحاز لزميله الفاشي رجل العسكرة ، بهد أن اختلف مع صاحب القانون المدني ( القنصل) ألم أقل إن الاقتصاد هو المحرك للقوى الاجتماعية ؟!
وهكذا يتشكل جيش من المرتزقة تأتمر بأمر آرنجندن ، الذي انقلب على رجل الدين ، وانفرد بالسيطرة على البلاد ، ثم عاود التحالف مع القنصل ، وأراد أن يتزوج من ابنته ( يوبي) المرتبطة بالمدرس ، بخاصة بعد أن حرض على المدرس وتخلص منه عن طريق تحريض الغوغاء على سحله ، غير أنها ترفض ضغوط أبيها تحت صفقته مع رجل العسكر ، وتستطيع قتل آرنجندن ، وتخلص البلاد منه ، ثم تنتحر. وهكذا ينهي أوسوفيسان نصه المسرحي هذا بتحبيذ فكرة الاغتيال السياسي ، ويرى فيه الطريقة الوحيدة المتاحة للخلاص من سطوة جبروت الحاكم الفردي المستبد مدعوما بعسكره : :
" يوبي: إنك الآن أنت الذي تضحك .. ولكن يوما ما سيصحو شعبنا ، وسيرفض الاعتماد الذليل على حلم المسيح المنتظر كي ينقذهم، عندها سوف يصبح الجميع مستعدين لتحمل مسؤولية حياتهم وستشيع ديموقراطية حقيقية( يضحك آرنجندن) "
آرنجندن: إنك تثرثرين كثيرا ، وكلامك كله تافه ولا معنى له! لأنك حالمة ؛ إنك لا تعرفين إن الذي لا تحتاج إليه بلادنا فعلا ، هو الأحلام إنها تحتاج الرجال الذين يحولونها إلى واقع ملموس ! نعم ... رجال قادرون على الفعل .. مثلي أنا."65
* درامية الترميز السياسي:
إن رسم الشخصيات الرئيسية :( القنصل – آرنجندن – بآلي – يوبي –المدرس) على تلك الصورة التي رسمت بها بوصفها شخصيات نمطية ، تعبر كل منها عن فكرة ؛ تجعل من ها مجرد رموز ، يتقنع خلف أحدها المؤلف نفسه ، غذ يحعل منها شخصية قناعية على نحو ما فعل مع (يوبي) ، ابنة رمز القانون ( القنصل ) الذي ترفض الانتماء إليه ، وتنكر أبوته لها بعد أن تخلى عن القانون المدني ، بانسحابه أمام قانون الظلامية ، الذي سلم قياده أيضا لقانون الغاب ، قان ن القوة الغاشمة ( آرنجندن) الذي سيطر على كل شئ ، وأراد أخيرا إعلان زواجه الشرعي من البلاد ( يوبي) ( رمز الوطنية) ومن ثّم توافق مع رجل القانون والدها المستسلم بتسليمه له بوصفها رمزا للبلاد ، لكنها ترفض أن تحكم حكما فاشيا عسكرتاريا ، بعد أن تعلن إنكارها لأبوة رجل القانون لها ، بعد أن نبذ هو القانونك
"" يوبي: إنني أرفض
آرنجندن: لا يمكنك الرفض ألا تفهمين ؟!
يوبي: بل إنب أرفض !
القنصل: يوبي
يوبي: ( تقاطعه) اصمت فأنت لم تعد أبا لي!القنصل: استمعي إلي يايوبي
يوبي: ( تقاطعه) لا ، ليس بعد الآن ! لقد أوصلتك أصوات الناس إلى منصبك هذا ، وجعلوك زعيمهم ، قائدهم ، ولاكن انظر إلى أين أوصلتهم .
القنصل: حسنا ، هاجميني إن أردت ، ولكن دعيني أخبرك شيئا ! إن شعبنا جميعهم يفضلون الذهاب إلى النوم ، بينما يتولى جراستهم أحد الحراس ! إنهم يتكلمون ويتكلمون ، ولكنهم لا يحركون ساكنا لتحمل المسؤولية بأنفسهم. ما داموا يستطيعون ممارسة حياتهم وكسب أقواتهم الحقيرة بالسوق في الصباح وصرفها كلها باحتفالات المساء ، وما دام أسلوب الحياة اللامبالي هذا يمارس من دون أي رقابة فإنهم لا يهتمون بهوية الرجل الجالس على كرسي السلطة ، وكل من يحاول إطلاق كلمات التنبيه في آذانهم فإنه سيسحق بقسوة.
آرنجندن: (ضاحكا) معقول جدا
يوبي: نعم مثل أصوات الخونة ! سيذكرك التاريخ بأسوأ الصفات يا أبي لأنك لا تؤمن بشعبك لاعتقادك بانه لا يوجد هناك مستقبل ! ما أكثر إشفاقي عليك ."

* ميلودرامية الاغتيالات السياسية:
ينهي المؤلف مسرحيته نهاية ميلودرامية ، على النحو الذي تنتهي به الأفلام البوليسية ، أو على النحو الواقعي الذي ينهي به السلطات العسكرتارية كل الأمور لصالحها::
" آرنجندن: هذا يكفي ! هل أنت آتية معي أم لا ؟
يوبي: أفضل الموت على ذلك !
آرنجندن: سوف نرى . من الواضح أنك تستهينين بذكائي ( يصفق بيديه فيظهر الحارس) اقبض عليها، حتى أوامر أخرى( يستدير مبتعدا ، ويقترب الحارس من يوبي التي تقفز فجأة وتسحب مسدس آرنجندن ( المعلق على جانبه) وتطلق عليه الرصاص أولا ثم تقتل نفسها ، تحدث فوضى عارمة ، فيجري القنصل لإمساك ابنته ، ويدخلالحراس من الخارج بسرعة وعلى وجه آرنجندن المحتضر نرى علامات الرعب ، ويتجمد الموقف على ذلك"

وهنا لا بد من وقفة أما تلك النهاية ، التي يكرس فيها المؤلف لفكرة الاغتيالات السياسية للحاكم الوطني المستبد المزمن ، ويراها وسيلة لإيقاف مسيرة التسلط العسكرتاري الفردي بوصفها طريقة الخلاص من الطغيان السياسي ،
والسؤال : ماذا يكون الأمر مع المستبد العادل الذي يأتي خلفا له ؟ هل هناك غير أبيها خليفة للمستبد الذي اغتيل ؟ وهل كان أبوها غير ذلك المستبد المتذرع بالقوانين يغيرها متى شاء حسبما تقتضي حاجته هو لا حاجة الشعب؟! وماذا عن أمر العسكر أتباع الحاكم العسكري الذي قتل ، ما هو موقفهم ، وقد رباهم سيدهم القتيل على البطش ، أليست مصالحهم مرتبطة بالسيطرة الفاشية ؟ أيستسلمون لرجل القانون ( القنصل) ؟ كل تلك تساؤلات ، لا بد من طرحها أمام مثل ذلك الحل الذي رأي فيه المؤلف وسيلة مثالية وحيدة للخلاص من طغيان حاكم مستبد مزمن.

خلاصة البحث

على الرغم من أن الكتابة المسرحية الأفريقية/ الأفريقية قد سارت في مسارين ، أحدهما كتابة عن بعد ، حيث إسهامات المؤلف الأفريقي الأصول ، الأوروبي ميلادا نشأة وتعليما وثقافة ، وهو مسار اصطلح على تسميته بالزنجية، والآخر لكتاب أفارقة ميلادا ونشأة وثقافة وطنية مهجنة مع ثقافة أوروبية وافدة ؛ إلا أن كلا المسارين المسرحيين قد اتفقا على تصوير واقع الحياة الأفريقية من نواحيها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ويوصفا ويعللا ما آلت إليه البلاد الأفريقية من تدهور وتخلف في كل المجالات إلى الازدواجية الثقافية حيث الجمع التلفيقي بين ثقافة ماضوية وقبلية ، راسبة في أعماق الممارسات الحياتية اليومية سياسيا واجتماعيا ، ومطلية بقشرة التمدن والادعاء المعلن بالوجهة الحضارية ،


وقد توصل البحث في النص المسرحي الأفريقي إلى النتائج الآتية:
أولا: من الناحية الخطاب السياسي:
• اعتماد الفكر السياسي الأفريقي على هوية مركزية الثقافة النهرية التي تؤمن إيمانا راسخا بأن التغير التاريخي يتم وفقا لآلية فصول السنة على نحو ما قررته الآلهة. وبذلك تيبس فكرها وتمحور نمطيا حول مركزية السلطة التي كبلت البلاد بقيود بيروقراطية، حالت دون استكمال مهام الثورة البرجوازية الوطنية.
• الجمع بين مظاهر التمدن الزائف والعادات والتقاليد والخرافات جمعا تلفيقيا أوقف طموحات برنامج التحديث ، مما تسبب في وأد فكرة الحداثة في مهدها.
• سيطرة النزعة البطريركية الأبوية الروحية على مصائر الناس في حياتهم اليومية.
• النزاع على اقتسام مراكز السلطة على أساس عرقي أو قبلي ، مما أدى إلى الكثير من الانقسامات والمؤامرات والاغتيالات ، وتصفية القيادات لبعضها بعضا ، فضلا عن الحروب الأهلية التي كبلت البلاد بقيود التخلف.
• تذرع القوى الظلامية الدائم بأن لا حل لمشكلات أبسط المسائل بعيدا عن تقاليد الأجداد الراسخة وما رسمته الآلهة ، حتى تطلق يدها في تسيير حياة الناس اليومية .
• تفشي ثقافة الفكر الإرهابي مع إقصاء الآخر بزعم زائف بامتلاك الزعامة التدينية الروحية بامتلاكها للحقيقة المطلقة.
• تآزر برجماتية السلطة التشريعية المنتخبة برلمانيا مع ديماجوجية البطريركية السياسية الدينية ، مع تربص السلطة التنفيذية المتعطشة للاستبداد للانفراد بالسلطة.
• توحد الهدف الرئيسي للقوى الفاشية في السلطة وخارجها في الضرب بيد من حديد على أيدي المعارضين ، وإخماد أي صوت حقيقي يطالب بالتغيير، ونزع فتيل حرب أهلية عرقية وشيكة الوقوع ، مع تناقضات تلك القوى الفاشية بعضها بعضا تناقضا ثانويا، عند النزاع على اقتسام المنافع الاقتصادية أو المراكز القيادية السيادية.
• تآزر الفاشيين بعضهم بعضا ( رجال الدين ورجال الأمن) ضد السلطة التشريعية
• تخاذل السلطة التشريعية المنتخبة لتمثيل الشعب عن القيام بواجباتها لحماية حقوق الشعب ، وانحيازها للسلطة التنفيذية المتحالفة مع القوى الدينية الظلامية مما يكرس استبدادها وإلحاق الهوان بحقوق المواطنة وبالوطن نفسه.
• وضع القوى الفاشية شروطا مسبقة لعمليات التفاوض التي تضطر إليها عند ضعف موقفها ، أو تراخي قبضتها على مركز اتزان حركة الشارع.
• تقاعس الشعب الأفريقي عن تحمل مسؤولياته بنفسه.
• عدم مبالاة الشعوب الأفريقية بمن يحكمها طالما أنهم يكسبون عوائد أعمالهم أو تجارتهم اليومية في الصباح وينفقونها على احتفالاتهم المسائية.
• نشاط عصابات السطو على المحال التجارية ، تحت عين السلطة التنفيذية أو بعلمها ، حتى تتخذ ذلك ذريعة للمطالبة بإطلاق يدها في البلاد بدعوى الحفاظ على أمن المواطن وأمن البلاد.علو نبر خطاب التلهية الدينية الغيبية بديلا عن تعويض خسائر التجار من جراء نهب بضائعهم على أيدى عصابات مسلحة.
• ميل الكتاب إلة تحبيذ فكرة خلاص الشعب الأفريقي من استبداد الحاكم الوطني الفرد ، عن طريق الاغتيالات السياسية، واعتبارا الوسيلة الوحيدة للخلاص.
• تأكيد خطاب النص المسرحي على أن صوت الاقتصاد هو الصوت الأعلى والأقوى المحرك للأحداث .
• تأكيد خطاب النص على أن فئة التجار من الطبقة الوسطي لا تلهيهم الخطب الدينية التي تستهدف إلهائهم عن تحصيل المكاسب أو تعويض خسائرهم.


ثانيا: من الناحية الدرامية والفنية:
• رسم الشخصيات الدرامية الرئيسية –غالبا – رسما نمطيا ، تعادل كل منها فكرة أو رمزا ، حيث يكتفي الكاتب برسم بعدها الاجتماعي الفكري أو رسمها ببعد اجتماعي ونفسي – في بعض الشخصيات التاريخية مثل لومومبا –
• اعتماد البنية الدرامية على أشكال الفرجة الشعبية الأفريقية مختلطة أحيانا بالفرجة المسرحانية إيهاما أو تغريبا.
• الاعتماد على نهاية ميلودرامية .
• تضفير الأغاني الشعبية الأفريقية في البنية الحوارية بما يحدث حالة التغريب التي – ربما تأتي عرضا تبعا لخاصية في التعبير الأدبي والفني الأفريقي –
• يضطر الكاتب المسرحي الأفريقي إلى رسم الشخصية القناع التي يحملها بآرائه ومقولاته ، في مشكلة العلاقة بين الحاكم – المحتل الأجنبي أو عميله الوطني – أو الحاكم الوطني المستبد ، ويتستر خلفه ، وكثيرا ما يعلو نبر المؤلف فيسقط القناع الدرامي.
• تحمل الأغاني الشعبية الأفريقية المضفرة في نسيج البنية الحوارية في المشاهد الدرامية ، ببعض المضامين المسكوت عنها.

ثبت الهوامش والمصادر والمراجع



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرح باكثير بين التسجيلية ودراما الأوتشرك
- المعارضات المسرحية في عصر العولمة
- جماليات الصورة الشعرية في القصيدة العربية
- أصدق المسرح أكذبه/ أصدقه؟!
- المسرح والتفاعل الاتصالى بين النوظيف الإبداعي والتوظيف العلم ...
- ( وشم الهناجر ) بين النقد ونقد النقد
- الفراق الطبيعي بين المفكر ومنتجه الإبداعي
- فن المخرج المسرحي بين التحصيل المعرفي والتأصيل العلمي
- تربية الإرهاب - مصادر الإرهاب الفكري ومصادر الفكر الإرهابي
- المشروع السياسي .. مجرد دليل عمل
- أصداء البوح الذاتي في شعر كفافي
- أوركسترا عناكب الثقافة العنصرية ومغزوفة النشاز القروسطية
- جسد الممثل والأعراف الاجتماعية - دراسة في مناهج التمثيل المع ...
- نصوص مسرحية للمسرح ونصوص للدراسة
- ديموقراطية اليونان بين الفلسفة والسياسة والمسرح
- مونودراما ( مذكرات شمعة)
- الدين والدولة
- المبدعون وآفة سوء فهم الناقد
- التطوير الجامعي والقفز على الواقع المعيش
- في انتظار أوباما .. في انتظار جودو


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أبو الحسن سلام - برومثيوس الأسود في قيود الحرية