أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - ألنفط وصراخ الكفار















المزيد.....

ألنفط وصراخ الكفار


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2984 - 2010 / 4 / 23 - 19:04
المحور: المجتمع المدني
    


بعد ساعات امتدت من الصباح الباكر وحتى المساء ، قضيتها في عملي ، تدحرجت بجسدي المتعب صوب محطة النقل العام ، لأحشر نفسي في المقعد الخلفي من الباص .

العدد المطلوب لاشغال المقاعد هو أحد عشر راكبا اضافة للسائق ، وكانوا جميعا من ملة واحدة ، عدا أجنبي خمنت بانه فلبيني الجنسيه .. وكان من نصيبي ان يجاورني شاب مصاب بالزكام ، راح ينثر حولي رذاذ عطاسه ، ورغم ذلك فهو لا يريد أن يسكت .. إنه محارب لم يشأ أن يتخلف عن ابناء جلدته ، في نقاشهم الحاد حول امور لم استطع مسك خيوط تعينني على فهم محاورها المتشعبه

جميع من في الباص عدا الفلبيني وأنا ، بدت عليهم مشاعر الغضب الحاد من شيء ذابت فيه مواضيع شتى ، وصلت لي اطراف منها ففهمت بانها تتعلق بفلسطين ، والعراق ، وتفسخ المجتمع ، ونار جهنم ، وحساب القبر ، وضيق الشوارع ، وزيادة عدد السيارات ، وكثرة الحراميه هذه الايام .. كل هذه الهموم بدأت الحناجر تتلاقف التحدث عنها بعصبية تعكسها حدة الصراخ والتجاذب المتشنج .. الرجل الجالس بجانب السائق كان يلتف بنصف جسده الى الخلف ، وهو يلوح بيده حتى كادت ان تفقس عين الراكب الجالس خلفه ، إنه متضايق جدا من تصرف الامريكان في العراق .. وآخر يتمايل في مقعده الوسط ، وهو يبين لمن يجاوره كيف ان الله سينزل غضبه علينا اكثر مما حل بنا ، لكوننا هجرنا المساجد .. جاري المصاب بالزكام كان ينط بعد كل عطسة ليلكزني بكوعه ، كي يوصل حديثه للباقين وهو يحتج على انتشار المخدرات هذه الايام .. وفي لحظة مباغته ، سكت الجميع ليستمعوا الى مصيبة بدأ أحدهم بسرد تفاصيلها ودون مقدمات .. المصيبة الجلل .. هي ان منطقة ما ، في بلد عربي ما .. وحينما قررت الحكومة حفر بئر نفطية فيها ، شعر المهندسون بأن ثمة منطقة سماها الراوي بالطبقة الناريه ، اعترضت سير الحفر مما اضطرهم لسحب معداتهم وإستدعاء الخبراء الكبار .. بدأت فعاليات الكشف عن ماهية الطبقة النارية تلك ، وفجأة حدثت المعجزة ، حين سمع الجميع أصوات آدمية تأتي من اعماق الارض ، وبعد جهود مضنية ، علموا بانها عبارة عن صيحات المعذبين من الكفار .. وأهم ما في الموضوع ، هو أن تلكم الاصوات هي اصوات لنساء يتعرضن للحساب الشديد .. إستفسر أحدهم .. ولماذا النساء دون الرجال ؟ .. فرد عليه ناقل الخبر ، لان النساء هن أول من يتعرضن للعذاب يوم الحساب .

جميع من في الباص كان منصتا بخشوع للرجل وهو يروي مصيبته .. وما إن انتهى من حديثه حتى اختلط الحابل بالنابل من جديد ، ليتقاتل الجميع حول تفسير تلك الظاهرة ، في الوقت الذي بصقت انا في سري على مؤخرة رأس ذلك المتحدث ، وشتمته وشتمت نصيبي من هذه الحياة الآسنه ، وسط رعاع لم تؤثر فيهم جميع مظاهر التحضر ورقي ملامح الانسانية الحديثه .

لو علم هؤلاء الرعاع ، إلى أية درجة من الاحساس بالغبطة ، أكون فيها وانا انتظر اصوات خطوات بناتي ، وهن يتسابقن نحو فتح الباب ، كي تفلح احداهن قبل الاخرى بنيل ما احمله من حلوى او فاكهه .. أو عندما تغسل روحي كلمة ترحيب تصلني من زوجتي وهي تبدو كفارس يصول في الميدان ، تدير دفة ركب الاسرة بما فيها من صعاب .. لو علمت تلكم الرؤوس الخاوية بانني لا يمكنني ان ابدل منديلا عتيقا من مناديل نساء بيتي بجميع ما في هياكلهم من أعضاء .. ولو علموا يقين ما في نفسي وأنا استمع الى نتاج ما حقنوه في ادمغتهم بأن النساء في مقدمة المعذبين بنار جهنم ، لوقعت الكارثة لي ولكان نصيبي ما لا أحب .

من أباح لملائكة السماء أن يسلطوا عذاباتهم على جسد امرأه ؟؟ .. ومن هو الذي منحهم صلاحية أن يركلوا بمباديء العدل حين تنطلق من تحت اقدامهم صرخات النساء ، ليحققوا من خلال تصرفهم هذا ، أبشع معالم التجني على الانسانية المحفوفة بملامح التقديس ؟؟ .. أية ترهات تلك التي حقنوا بها عقول الفقراء من ابناء امتهم ، ليجنوا من وراء ذلك ، مجتمعات تتحرك بما تفرزه عقولها من قيح لا ينفع فيه غير الاستئصال والكي ؟ .

ذهب خيالي بعيدا ، تاركا ما يحيط بي من شتات لأطراف جدل لا يجمعها جامع ، فتخيلت كيف يعامل هؤلاء زوجاتهم على الفراش مثلا .. أو كيف يصار الى الاعتماد على هذه العينة من الناس ، في رسم شكل النظام السياسي للبلاد ، عندما تفتح لهم سبل اختيار ممثليهم عبر صناديق الاقتراع !! .. وتذكرت بأن النتائج كانت ولا تزال هي ذاتها حيث إختارت صناديق الاقتراع الاسلاميين في العراق ، وقبلهم عباس مدني في الجزائر ، ودفعت بالاخوان المسلمين في مصر الى مواقع مؤثرة ، جعلت أكثر المجتمعات العربية تفتحا يرزح تحت نير التخلف ، وغابت عنه اروع مراكز الاشعاع الفني والادبي ، لتحل محلها صيغ جديدة ملونة بالوان باهتة .

هؤلاء .. من هم معي في الباص ، المجموعة المصغرة لمجتمعاتنا .. وهم الذين يعبرون وبصدق متناهي عن ما تحمله عقول الملايين من ابناء امتنا ، حيث تجري افضع عمليات لغسل الادمغة ، الخاوية أصلا ، ليل نهار وعبر كافة الوسائل المتاحة من تلفزيون ومنابر وعظ ، وصحف متخصصة .. في حين يبقى الفعل الواعي لمن يحملون المقدرة على حمل هذا الفعل ، بمعزل عما يجري في الشارع والمقهى والحارة من تذويب مبرمج لأدمغة عموم الناس ، تاركين الحبل على الغارب ، ليتخاطبوا فيما بينهم ، ويتباروا في اختيار أصعب المفردات اللغوية لبناء افكارهم البعيدة عن فهم العوام ، مقتصرين في نشاطاتهم الفكرية على خوض مباراة من طرف واحد ، ابطالها هم وليس معهم أحد .. وتوالت علينا ، وبشكل مخزي ، عمليات وضع ألقاب رنانة كلقب مفكر ، وباحث ، وعالم اجتماع ، على الكثيرين ممن لا يملكون أثرا في تغيير حال هذه الجماهير المغلوبة على امرها ، أو قيادتها باتجاه الرفض لواقعها المزري .

ما إن توقف الباص لإنزال أحد الفرسان ، حتى فوجئت بمن يمد حزمة من ايصالات ورقية ليعرضها علي من خلال النافذة ، وهو يدعوني للتبرع لبناء مسجد ، واعدا إياي بحسنات سوف تضيق بها آخرتي ليكون مثواي الجنه .. شعرت حينها برغبة جامحة للطم ذلك المعتوه على وجهه وبعثرة اوراقه في الهواء .. ففي الحي الذي اسكن فيه ثلاثة مساجد دون ان تكون هناك حاوية واحدة لجمع القمامه ، أو ساحة صغيرة مهيأة للعب الاطفال .

إستمرت رحلتي الطويلة دهرا بكامله .. والنقاش الحاد لا زال يحاصرني من كل ناحية .. الجميع كان يتحدث دون ان يترك مجالا لمن يسمع .. الشاب المزكوم راح عطاسه المتتالي يختلط برغبته في المساهمة بالحوار ، فيضطر الى حشري في زاوية مقعدي كلما وجد نفسه في ضيق من أمره ، فيهب لقذف كلماته المبتورة حتى لا تفوته الفرصه .. الفلبيني المسكين كان يكتفي بالنظر الى الخارج ، وقد يكون مشغولا حينها باحتساب راتبه ، وكيفية توزيعه بما يهيء له ربحا يقيه شر الحاجة في المستقبل .. أو أنه يقرأ في مخيلته كيفية حل معضلة تواجهه في عمله .

انتهى سفرنا ببلوغنا المحطة الاخيره .. وترجل الركاب على التوالي ، والحوار لم يزل على أشده ولم يتوقف بعد .. وكنت انا آخر المغادرين ، وما إن خطوت عدة خطوات ، حتى سمعت احدهم يصفر خلفي وعلى طريقة مربي طيور الحمام ، لينبهني بانني لم اقم بدفع الاجره .. إعتذرت بأدب للسائق .. وتحركت فورا من مكاني وانا تنتابني رغبة شديدة بالبكاء والى درجة النحيب ، وصوت يأتي من اعماقي يصيح .. متى ياترى .. يحل موعد الخلاص .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم في مستشفى عمومي
- أين نحن من توقعات مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجي ...
- ألفرات وقربان المدينه .. ( قصة قصيره )
- مشاوير شخصيه ، في ثنايا الماضي .
- حينما تصر الجماهير على رفض مسببات خلاصها .. أين الحل ؟ .
- أعمارنا ليست عزيزة علينا ، وحربنا معها مستمره .
- لماذا هذا الإهمال المتعمد للكفاءات العراقية المهاجره ؟؟ .
- ألواقع الاجتماعي العربي .. بين ثورة الجسد والعقل ، وعبثية رد ...
- أفكار مهشمه !
- أليسار في دول العالم العربي ، ومقاومة التجديد .
- من ذاكرة الحرب المجنونه
- بعيدا عن رحاب التنظير السياسي .. 2
- ألحريه .. حينما تولد ميته .
- الزمن العربي .. وسوء التسويق
- حلوى التمر
- سلام على المرأة في يومها الأغر
- مراكز نشر الوعي في الوطن العربي .. الى أين ؟
- بغداد ... متى يتحرك في أركانها الفرح من جديد ؟
- أفكار تلامس ما نحن فيه من أزمه
- نحن والتاريخ


المزيد.....




- اعتقال اثنين من ضباط حرس الدولة الأوكراني.. كييف تعلن إحباط ...
- العضوية الكاملة.. آمال فلسطين معقودة على جمعية الأمم المتحدة ...
- الأقليات والسياسة في بريطانيا.. تقدم محفوف بمخاوف
- الأونروا تحذر من استمرار توقف دخول المساعدات إلى غزة
- الأمم المتحدة: المساعدات محجوبة عن غزة والمخزون لا يكفي لأكث ...
- ذوي الأسرى الاسرائيليين يضغطون على نتنياهو للوصول الى إتفاق ...
- أزمة مياه الشرب تفاقم معاناة النازحين بالقضارف شرقي السودان ...
- مطبخ تضامني في العاصمة السودانية الخرطوم لمساعدة السكان المه ...
- أمين الأمم المتحدة: غلق معبري رفح وكرم أبو سالم أمر مدمر للو ...
- يونيسف: الهجوم الإسرائيلي على رفح يعقد إيصال المساعدات لقطاع ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - ألنفط وصراخ الكفار