أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - وليد مهدي - الوعي والزمن















المزيد.....



الوعي والزمن


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 2971 - 2010 / 4 / 10 - 12:43
المحور: الطب , والعلوم
    


الجاذبيـــة ( الثقالة Gravitation ) والزمــن

في الحقيقة ، الجاذبية أو ما تعرف بالثقالة Gravitation عبارة عن تشوه هندسي في الفضاء – زمن Space Time ، فبالإضافة لأبعاد المكان الثلاثة الطول X , والعرض Y, والعمق Z , أضافت النظرية النسبية لأبعاد الفضاء أو المكان بعدا ً رابعاً هو " الزمن t " , فأصبح الفضاء – زمن متصل رباعي الأبعاد المكانية الزمانية ..

وما دوران الأرض حول الشمس وحركة أي كوكب في الفضاء بفعل الجاذبية ( الثقالة ) إلا نتيجة سلوك الأرض في حركتها مسارا ً على خط الفضاء زمن الذي يتشوه بفعل الجاذبية عندما تكون كبيرة فيصبح منحنياً فتظهر هذه الحركة الإهليجية حول الشمس .. !
فليست الجاذبية موجات من خيوط أو مجالات تسحب الجسم نحو آخر ..
إنها ببساطة " مسار " هندسي يقود الأجسام الصغيرة نحو الكبيرة ..!

هذا هو أحدث التفاسير العلمية لمسار الكواكب ، التي لا تسير بخطوط مستقيمة حتى لو أفلتت من نطاق الثقالة الشمسية فهي ستقع في نطاق ثقالة وحدات كونية أخرى من النجوم أو المجرات ، فهندسة الكون مليئة بالمطبات التي تجعل الفضاء زمن منحيات من خرائط كونية خفية .. !

لكن ما هو الزمن حتى ينحني مع المكان ؟

في الفيزياء ، اعتبر العلماء ولفترة طويلة أن الزمن ثابت كوني ، لكن لدى العلماء في علم النفس العصبي فإن الزمن يكون متغيراً نسبيا ً اعتماداً على حالة استشعاره في الوعي ، فهو مرور الوقت بالتتالي كما يدركه عقلنا ، فيما إدراكنا للمكان يكون بتقدير التجاور كما يقول الفيلسوف كانت Cant ..

لكن ثباتية الزمن في الفيزياء لم تدم طويلاً ، إذ جائت النظرية النسبية لتثبت أن الزمن الفيزيائي نفسه قابل للتغير حينما تبلغ سرعة الأجسام سرعة مقاربة لسرعة الضوء ، وقد وضحت معادلة تغير الزمن نسبيته لدى جسم يقترب من سرعة الضوء إذ يقصر الزمن لديه ، ويضرب في العادة مثال توأمين أحدهما ثابت والآخر يتحرك بسرعة قريبة من الضوء ، فالذي يتحرك منهما في هذه السرعة بمسار دائري لمدة أربعين سنة مثلاً ، أي يعود إلى توأمه في نهاية الرحلة ، فإنه سيجد أخاه التوأم اكبر منه سناً بكثير ..!
السبب هو أن السرعة جعلت الزمن لديه اقصر ، هذا من الناحية الفيزيائية ..
أما من الناحية النفسية ، فإن الزمن مجرد " شعور " إما بتسارع أو بتباطؤ أو يكون الشعور بتتالي الوقت طبيعياً ..!

وهذا الشعور بالزمن يتغير حسب الوضع النفسي والحالة الكهربائية الكيميائية للدماغ والتي تعبر عن وضع نفسي معين ..

أولاً : الزمــــن النفـســي ( الزمــن الداخلــي )

عندما ننتظر شيئاً ، أو نكون غير مرتاحين , يصبح شعورنا بالزمن بطيئاً .. فنصاب بالملل ..حتى نقول : مرت تلك الثواني كأنها ساعات !

لكن عندما نكون فرحين منبسطين , نشعر بان الوقت يمر بسرعة كبيرة ، حتى لنقول : مرت الساعة و كأنها لحظة .. !

وبالتالي ، فإن الزمن النفسي هو زمن داخلي ضمن منظومة الوعي في الدماغ ، فيما الزمن الكوني هو زمن خارجي ضمن منظومة حركة الأفلاك الكونية بما فيها دوران الأرض وحركة المجموعة الشمسية وحركة المجرة ، التي هي في الحقيقة تمدد في الكون المرئي...

ففي الزمن النفسي ، تكون هناك منظومة مراقبة للمسار ، مسارات عد اللحظات التي تمر علينا ، تصبح هذه المنظومة بطيئة السرعة أو سريعة في العد ، أو تبقى طبيعية اعتماداً على تغير الحالات الفسيولوجية الوظيفية للدماغ التي تتمثل بحالات متغيرة من الوعي ..

الملاحظة الهامة التي نحاول التنبيه إليها بعد هذه المقدمة هي تشابه الزمن الفيزيائي مع الزمن السيكولوجي النفسي ، وهو ما يخالف بديهيات اغلب الفيزيائيين الذين يفصلون بين الزمن النفسي والزمن الطبيعي الفيزيائي ، إذ يعتبرون الأخير ثابتاً ، لكن النظرية النسبية أرتنا من صورة الطبيعة وجها ً آخر ..( * )

فكل شيء نسبي ، حسب سرعة المنظومة المتحسسة للزمن ..
ففي الحالة الفيزيائية ، سرعة الجسم كلما تزايدت كلما قصر الزمن ، وفي الحالة النفسية فإن " الراحة " تكافئ السرعة العالية للأجسام في الفيزياء ، وعدم الارتياح يكافئ بطئ سرعتها في قياس الزمن ، وبالتالي ، فإن الوعي بالزمن أصلا ضمن المنظومة العصبية خاضع لسرعة " مراقب Monitor " داخلي ، داخل النفس البشرية ، فإذا أسرع هذا المراقب في " عد " اللحظات تناقص الزمن مقارنة مع الزمن الطبيعي الذي تقيسه الساعة ، وإذا أبطأ كان الزمن طويلاً في الشعور مقارنة بزمن الساعة اليدوية ..!

أما إذا ضبط الإيقاع الداخلي للوعي مع الإيقاع الكوني الخارجي ، فما هو توقعنا لما سيحدث في الشعور من احتساب الزمن..؟؟
الذي سيحدث هو " دقة " تقديرنا للوقت في حالة سؤالنا عنه من قبل الآخرين حتى لو لم نكن نمتلك ساعاتٍ يدوية أو رقمية !!

فباستمرار مراقبة الوقت الفيزيائي ، يحدث تكيف داخلي في اللاشعور بين الزمن النفسي والزمن الطبيعي لدى البالغين إلى درجة تصبح التقديرات صحيحة حتى بغياب ضوء النهار أحيانا ً كان نكون في غرفة محكمة العتمة مثلاً ..!
وهذا يعني أن الزمن تجربة داخلية للوعي ، وما الزمن الطبيعي الفيزيائي إلا مرجعية " توافقية " بين الكائنات المدركة للزمن ..

بدليل أن وعينا يمتلك ساعة داخلية بعد مدة من التعلم تناظر الساعة الطبيعية الكونية ، إذ يقوم العقل أو اللاشعور بضبط الساعة الداخلية مع الساعة الخارجية التي تتفق عليها الكائنات المدركة للزمن ومنها الأدمغة البشرية ..!
الساعة الداخلية إنما ضبطت اعتمادا على دورة الليل والنهار وحركة الشمس الظاهرية الحسية ، والناتجة أصلاً من دوران الكرة الأرضية ، هذا الدوران سببه .. انحناء الفضاء – زمن ..!!
و بإجراء تعويض بسيط في هذه المعادلة المنطقية نستنتج ببساطة أن شعورنا بالزمن أصلاً ناجم عن " ثقالة gravitation " أو انجذاب ..
فما ننجذب إليه نفسياً يقصر الوقت ، وما تنفر منه مشاعرنا يطيل الوقــت ، تماماً كما تنفر الكواكب عن الشمس في مدار أبعد عن مدار الأرض فتطول فيها الأيام ..!
وكما تنجذب الكواكب الداخلية للنظام الشمسي بمدارات اقصر من مدار الأرض فتقصر فيها الأيام ، وهذه بديهيات علمية معروفة !

وهنا نجد أن الناطقين بــ" العربية " باستعمالهم لفظ " الجاذبية " موفقين تماماً في التعبير عن قوة الثقالة الفيزيائية والجاذبية النفسية المعروفة للأشياء في مقياس كلي لتعريف الزمن ، فالجاذبية و الثقالة كلاهما سيان بالنسبة إلى تحليلنا السابق حول الزمن ..!

الزمن الفيزيائي جاذبية ، والزمن النفسي هو جاذبية أيضاً ..
كلما زادت قوة الجاذبية للشمس كلما تناقص قطر الدوران بالنسبة للكوكب ، أي تقصر مدة المسار وتقصر الأيام المحسوبة على سطحه ، وهذا هو الواقع فعلاً ، والعكس بالعكس ..

وكلما زادت جاذبية شيء من ناحية نفسية ، كلما تناقص الزمن معه ، فما يجذبنا نحبه وما نحبه يقصر من شعورنا بالزمن كلما تزايدت جاذبيته ، ولعل أهل العشق والغرام يدركون هذا جيداً حينما يقولون في لقاء الاحبه :

مرت الساعة و كأنها ثانية ..!
فالرغبة هي الجاذبية النفسية ، و الثقالة هي الجاذبية الفيزيائية ...
ترى ما سيكون شكل العالم المجرد من الجاذبيتين ..؟؟؟

ثانيــا ً : الزمـــن الفيـزيائـي ( الزمــن الخارجــي المشترك )

هذا الزمن يعتمد على سرعة الضوء بالمقام الأول وسرعة حركة الأجرام الكونية ، ومنها الزمن الفيزيائي المشترك بيننا نحن البشر :
التوقيت العالمي
إذ يكون اليوم مكوناً من أربعاً وعشرين ساعة تتوزع بين الليل والنهار ، وفيما يتفاوت الزمن النفسي بين الناس حسب الحالة الشعورية المتغيرة من الوعي التي يمرون بها ، فإن الزمن الفيزيائي المتفق عليه بين البشر يمثل الحد المتوسط من الشعور بالزمن لمخلوقات الجنس البشري اعتماداً على منظومتهم العصبية المتطابقة في العديد من الصفات ..
بمعنى أن الزمن الطبيعي الخارجي " محصلة " لعمليات الشعور بالزمن الداخلي لكل فرد على حده ، فهو الحد المتوسط من الشعور بالزمن بين الناس ، لكن ، هل هذا يعني أن سيكون هناك زمن لو يمكن هناك انجذاب داخلي في الشعور أو خارجي لحركة الكوكب تؤدي إلى تغير الليل والنهار وتعاقب الفصول ..!؟

الفلسفة و مسارات الزمــن الخطية

إن عالماً بلا تأثيرات الكتل المادية الجذبية ، أو المغريات النفسية المؤثرة في الوعي .. سيكون عالماً لا ينحني فيه الزمن ..!
سيكون المسار مستقيماً ، سيكون هناك زمن .. لكنه لن يكون دورياً كما نشعر به ، إنه مجرد مسار من خط طويل جداً .. تتحرك به الأشياء بزوال تاثير الجاذبية الكونية إلى أمام ، و للأمام فقط (*) .. !

فالجاذبية الكونية ، التي هي تشوه ٌ هندسي كما كشفت النسبية ، مجرد مسار للجسم حول جسم آخر كبير ، لكن الجسم الكبير هذا ، ليس هو الذي يجذب وإنما .. الزمن ، فتارة ينحني وأخرى يسير إلى أمام ..

لكن الزمن المجرد ، هو الذي لا يلتوي أبداً....!
فالزمن وفق هذا المقياس " المجرد " هو ما نسميه فلسفياً بالتاريخ ..!

فمن ناحية علمية ، يجب أن يكون المؤرخ وهو يكتب التاريخ محايداً غير منحاز ليكتب الحدث من زاوية مجردة ، فيسرد الأحداث في تتابع خطي لا ينعطف في مدار حول نقطة يكثر فيها الإسهاب ..
فعقل المؤرخ حينما ينحاز " يلتوي " حول قصة ، فتظهر كتابة التاريخ لنا عادية ، لكن تمثلها الفضاء – زمني هو تمثل منحن ٍ وليس بمستقيم ...!
فالوعي بصورة عامة عندما يتجرد من الرغبة ، وهو حالة نادرة تحدث في صدمات نفسية غير وجدانية ، أي حصول حادث مريع أمام احدنا لا يخص مقرباً ، لكن بشاعة الحادث تجعلنا لمدة في حالة من الذهول وعدم الاكتراث،

تؤدي بمسار الزمن الذهني لدينا ( الداخلي ) إلى التقادم الخطي المستقيم لفترة محدودة بمقياس الزمن الخارجي ، وعبر تلك النافذة المحدودة يحدث التنبؤ وما يعرف بالإدراك الحسي الفائق E.S.P ..

ولو تفحصنا ذاكرتنا الشخصية ، لوجدناها مشحونة بالعواطف و الإنفعالات في مواقف ، لكن اغلب الأحداث المسجلة فيها تكون بلا انفعال أو رغبة ، وقد لا نستطيع تذكرها مالم يكن فيها شيء " يثير " الانتباه ، وعندما نحاول التذكر لا نستطيع فيخامرنا للوهلة الأولى شعـــــور ٌ بـــان ذاكرتنا لم تسجل شيئاً علــى
الإطلاق ، لكن ، ما إن نشاهد شخصاً كان موجودا ً في تلك الأحــــــداث ، أو نسمع كلمات ترددت خلال وقوعها حتى تظهر لنا الذكريات من الخفاء ..!

لقد سجلت بطريقة " خطية " ، بدون جاذبية ( التواء ) ، سجلت كمدونة تاريخية عامة وليست خاصة بالذات ، ولهذا السبب لم تسترجع إلا بعد إسقاط ِ أحداث ٍ جزئية عليها .. !
فالمسار الخطي للزمن الكوني والعقلي الشخصي " مجرد ٌ " من قوى الجذب التي تجعل الأفكار قريبة من النفس ، المسار الخطي يجعل من الأفكار بعيدة عن الكيان النفسي الذي عادة ما يكون قريباً من حاجات الجسد الغريزية ، ولكي نستطيع استرجاع " البيانات Data " فلابد من إسقاط بيانات جزئية في المنظومة كي تخرج البيانات بصورتها الكلية كما تشير إلى ذلك الأبحاث حول الذاكرة التي سندرسها لاحقاً .

هــــالـــــة الــــزمن Time Aura ( الــــروح )

من خلال ذلك ، تنجلي أمامنا صورة دفينة عن مفهوم الزمن ، صورة تعيد لنا تجسيده كما فعلت النسبية بدمجه مع المكان ، إنه الهيكل الخفي الذي يحتوي كل المادة في الكون ..!

فمفهوم الهالة أو " الروح " في الفكر الشرقي القديم ، إنما يعبر عن توصيفات عن حالة باطنية للوعي غير مفهومة بالنسبة لمستوى معرفة الشرقيين القدماء تشير إلى هذا الهيكل الخفي لمسارات الزمن ..

فالروح كما عرفت في الماضي ، و رغم ما يحيطها من أسطورية ، لكن ، فلسفة مسارات الزمن تبين لنا بان الهيئة الماورائية للعقل والتي تسمى باسم الروح ما هي إلا بنية هيكلية من تشوهات الفضا – زمن لا يمكن إدراكها بالطرق المختبرية التجريبية بعد ..!

وهذه الهالـــة الزمنيـــة Time Aura تكون كثيرة الالتواء والتشوه حول الجسد المادي ، مثل التواءات الفضاء زمن حول الكتل الكونية العملاقة ، تنفرج انحناءاتها تدريجياً لتصبح مستقيمات خطية ذائبة في مسارات الزمن الكلية للوجود ..!

وهكذا نفهم أن الهالة الزمنية هي التي تحفظ للعقل سجل الذكريات ، فمنها ما يكون منجذباً للفكر .. للرغبة .. للغريزة ، و من الطبيعي أن يتم استرجاعها بسهولة ، فهي قريبة جداً من وعينا ..، فيما تكون الأخرى ذائبة في كلية المسارات الوجودية للكون فتصعب استعادتها ( لاحظ الشكل التالي ) ..

يبقى لنا أن نفرق بين نوعي الزمن الخاص بالكتلة والزمن الخاص بالشعور:

النوع الكوني ، وهو زمن الوعي الكوني الذي يعطي لكل فردٍ منا قيمة مادية كتلية ، حيث تشكل كتلتنا ونشاطنا الدماغي قيمة معينة بالنسبة للوعي الكوني
أما النوع الثاني ، فهو الزمن النفسي ، الذي تشعر به أنفسنا ، وبما أنه يعتمد على البنية العصبية لأجسادنا التي تشترك في بنية عصبية متقاربة ، لذا فإن هذا النوع من الزمن هو الذي نقصده في الشكل السابق ..

هالة الزمن النفسية – الاجتماعية المشتركة بين بني البشر والحيوانات الفقرية!
أي إن :


النوع الثاني من الزمن وما يشكله من خريطة التواءات حول جسد كل فرد من الناس ، وهو مصدر انفعالات الدماغ ودوران الدم ..
لك أن تتخيل الصورة :
هالات زمنية حول كل فرد ..على خريطة دولة من دول العالم ..
تشكل بمحصلتها هالة جمعية لهذه الأمة ( الوعي الجمعي )..
ومحصلة القارات تشكل الوعـــي المجموعي للجنس البشري..
ومحصلــــة هالات كل الكائنات الحية على الكوكب الأرضي هو الذي يشكل ما نسميه " الحتمية الاجتماعية Social Determinism " وهي خريطة زمنية لعموم الكائنات الحية على الأرض ويشكل البشر معظمها في عصرنا الحالي ، وتختلف عن الخريطة الزمنية للكون في كونها تحتمل مسارات احتمالية يكون تحققها مبنياً على فلسفة اللاتعيين في ميكانيكا الكم ، ندرسها في الفقرات التالية من الموضوع .

منظــومــــــة الـــوعـــي الكونـــي

فالقوة " الزمنية " موجودة خارج إطار الكتل المادية بصيغتها الخطية المستقيمة ، لكنها حول الكتل تنحي بسبب ..
بسبب ماذا ؟
هل الكتلة هي التي تشوه الفضاء – زمن ، أم إن الفضاء – زمن هو الذي ينحني حول " الكتلة " ..؟؟
في فصول ٍ لاحقة ٍ من هذا الكتاب ( * ) سنجد بأن الفضاء – زمن بصورته الخطية يختزل إلى زمن فقط ، كما سندرسه في الفصل الثالث ، إذ سوف نتخلص من إشكالية تداخل الزمن مع المكان وندرسه بصورة مجردة تعطينا فكرة أكثر وضوحاً عن علاقته بالوعي .

إذ أن " وعيا ً كونياً مـــا " هو الذي يجعل " أوتار " الزمن تنحني مكونة المكان ومعطية لهذا المكان قيمة " كتلية " .

فالزمن في النهاية ليس بقوة فقط ، وإنما هو " الخلاق " لكل شيء في الوجود ، فالمادة في الكون عموماً هي " تركيز " في انحناءات الزمن ، كيف تتركز لنشعر بها بصيغتها المادية كما هي الآن ؟


الوعي الكوني الكلي ، والذي قد يكون وعينا جزءاً منه كما سندرس ذلك لاحقاً ، و بمجرد أن " يرغب " في تشكيل كتلة لشيء ما فإن أوتار الزمن هذه " تلتف " مكونة هذه الكتلة ..

والمأثور في الكتب السماوية :

" إنما أمره إن أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون "

هل هذا يعني إن " الله " هو هذا الوعي الكوني ، وإن المخلوقات اجمع هي أفكار داخلية ضمن منظومة هذا الوعي ؟
هل هذه الأفكار ( المخلوقات ) الكونية منها ما هو " خطي " بلا معنى ، أي لا تشكل انفعالاً يؤدي إلى تشويه " الزمن النفسي " للوعي الخالق ليدور حولها مشكلاً إياها بهيئة كتل مادية بالنسبة إلينا وانفعالات تجلب الانتباه بالنسبة إليه هو ..؟
هل المسارات الخطية للزمن تشكل أحداثاً احتمالية كوانتية ( كمية ) حسب نظرية الكم في الفيزياء ، وتبقى محصورة في فضاء كلي من الذاكرة الكونية دون أن تحصل على قيمة كتلية واضحة ( * ) ..؟

هل هناك أفكار في الوعي الكوني ( مخلوقات ) تجلب انتباهه ، فتنحني الأزمنة حولها ، ونقصد خطوط الزمن ، فتخلق لها المكان الذي ليس بذي معنى دون مادة ، فتكون المادة أو الكتلة واضحة بالنسبة إليه .. ؟ (**)

في الحقيقة لا نريد التعجل الآن بإصدار الحكم على هذا الوعي الكوني بأنه الإله الخالق العظيم ، فقد يكون مجرد " وعي " كوني .. أو روحاً كونية بلغة اللاهوت الشرقي القديم تحتوي بضمنها كل المخلوقات ، فيما تكون هناك قدرة للخارج منه أعلى مرتبة وبنظام آخر مختلف ..

النتيجة المهمة الآن هي أن الوعي بثلاثة أنواع :


• وعي داخلي يمثل تجربتنا الداخلية مع الشعور بالزمن النفسي .. وهو " الوعي البشري العقلي "

• وعي خارجي في المحيط بالزمن الكوني الطبيعي ..وهو " الوعي الدماغي "

• وعي خارج الطبيعة تكون تجربة الزمن الكوني بالنسبة إليه تجربة داخلية ، " الوعي الكوني الخلاق " وهو ما أسميناه الزمن الخطي المجرد !


لكن ما يفيدنا في مسالة مسارات الزمن هو :

أن الفيزياء والمعارف التقليدية تتوقف عن إبداء الآراء بصورة مطلقة فيما يتعلق بالوعي وما فوقه سواء أكان هذا الوعي دماغياً أو كونياً خلاقاً ، وكما سندرس في موضوع الهياكل الإدراكية للوعي في الفصل الثاني ، وهي البديل المعرفي الخاص بهذا الكتاب عن علم الفيزياء و الأعصاب في تفسير الوعي ، فإن الزمن يصبح مساراً معلوم البداية والنهاية في حالة التجرد الذهني المطلق ، وهكذا يمكن للعقل المجرد التنبؤ بالاحتمالات الكمية للحوادث في ضوء هذا التجرد ، لكن ، إرادة الوعي الكوني الخلاق هي التي تحدد أحداث المستقبل ، فإرادة الوعي الكوني تدفع بكافة مسارات الزمن الداخلية والخارجية في منظومات الوعي نحو تحقيق إرادته في الأشياء التي يرغب فيها " هو " ..

لكن ، ماذا عن الأحداث الكونية التي لا تهمه ( الأحداث المهملة ).....؟؟

هذه سوف لن تتعارض مع إرادته ، ستبقى مسجلة في الفضاء الخطي من التاريخ ، وهي فضاء البشر الحر الذي يفعلون به ما يشاؤون دون اعتراضٍ منه ، فهل يستطيع الإنسان " خلق " مستقبله لوحده مادام لا يتعارض مع الإرادة الكونية ، وهل يستطيع تغيير أقداره المقدرة سلفاً ؟

قد يستطيع فعل ذلك على أن " يجذب " انتباه العقل الكوني فيحول وعيه إلى تعديل " مسارات " المستقبل وفق إرادته ، وهذا موضوع خاص ونناقشه خارج هذا الكتاب الذي نبحث فيه الوعـــي ..

مالذي يريده الوعي الكوني ؟

من الصعب علينا معرفة " الغاية " أو " الرغبة الكونية " التي تسير بموجبها الحياة والكائنات كي نعرف بالضبط ما هو مسار المستقبل ، الصعوبة تتمثل في إننا لا نفهم وعينا نحن البشر رغم كل التقدم التقني الذي نمتلكه ، فكيف نفهم إرادة الكون العليا ؟

ماذا عن " الدين " ؟

مالذي يخبرنا به عن الرغبة الإلهية والهدف الذي تسير الإنسانية لأجله ؟

نحن ندرك أن الديانات السماوية وغير السماوية قد لا تعبر إلا عن طموحات الأمم التي أسقطتها في الدين ، لكن ، ماذا عن الأهداف " غير المهمة " والمبهمة في الدين ، خصوصاً التي تجتمع عليها الديانات البشرية ؟

ماذا لو كان الوعي الكوني بالفعل قد أطلق إشارات للأنبياء والأولياء وحتى الأناس العاديين توجههم نحو " رغبته " وغايته ؟؟

مالفائدة من معرفة غايته ورغبته ؟

الفائدة طبعاً تعني التنبؤ بالمسار الذي يسير عليه تقدم البشرية المعرفي والتقني والحضاري ، فالبشرية تمضي رغم كل ما يظهر عليها من حرية سلوك وتصرف إلا أن حرية السلوك هذه لا يمكنها أن تتخطى الغاية والهدف ، أي إنها حرية بين خيارات محدودة ، تماماً مثل تصرف الإلكترون و القسيمات الكمية في مداره حول النواة في الذرة حسبما تخبرنا بذلك ميكانيكا المصفوفات لهايزنبرك ، فالخيارات البشرية لا تعدو أن تكون مصفوفة Matrix ، فما هي حدود و أهداف هذه المصفوفة لدى وعي الكون الأكبر ..!؟
ما هي المشتركات بين الديانات السماوية وغير السماوية ..؟

وما هو المسار الذي خطه لنا التاريخ من أحداث تكشف عن هدف معين من الوجود البشري ؟؟

في الحقيقة لا نريد الإطالة من التحليل والإسهاب في التساؤلات و الأجوبة ، لكن نختصر القول في هذه الغاية وللقارئ الرجوع عنها فيما بعد ليتفحص فيما إذا كانت بالفعل هي نقطة تقاطع الديانات ومسار تطور الحياة البشرية أم لا ..

(( الغاية من الوجود الكوني برمته هي تخليق تسلسلات لا نهائية مــــن " الوعي النظير " ، أي تخليق منظومة وعي في داخل منظومة الوعي الكوني تكون واعية مثل الوعي الكوني أولاً ، ثم تقوم منظومة الوعي الداخلية هذه بخلق منظومة وعي في داخلها أيضاً ، وبذا يكون الوعي الكوني قد خلق نظيراً له يماثله في قدرة الإبداع والخلق في الوجود .. ))

سنسمي هذا المبدأ بمبدأ " خلق النظير " والذي نعتبره غاية الغايات الكونية وأساس المسارات " الحتمية " التي لا يمكن الخروج عنها في أحداث المستقبل ، فمهما حدث للبشرية لا بد وان تقوم بخلق " الوعي " بأية طريقة ، ولو زالت البشرية من الوجود فستظهر مخلوقات أخرى تقوم بهذه المهمة !

وإشارات الوعي الكوني حافلة في القرآن بمثل هذه "التهديدات" ، نحو :

" إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وما ذلك على الله بعزيز "

و لعل في ديانات التوحيد خير الأدلة على وجود هذه الغاية الكونية :

الله يأمر الملائكة بالسجود لآدم .. بعد أن كانوا لا يسجدون إلا لله !
الله خلق آدم على صورته .. " إذن " ... آدم نظــير ... للوعــي الكونــي ..

ولعل " جبرائيل " ، سفير الملأ الأعلى في الأرض ، أفصح بوضوح مبلغاً عن الله في حدث ٍ مستقبلي جلل ، لا يمثل أي قيمة بالنسبة للوعي الجمعي الإسلامي ، لكنه يبين الهدف من غاية تطور العقل الإنساني ، وهو خلق الإنسان للوعي المناظر لوعيه ، وكان هذا واضحاً كما جاء في سورة النمل من القرآن ، حول دابة ٍ أرضية ٍ تكلم الناس :

فإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ..!

وكذلك يمكننا استشفاف هذا في نبؤآت نوسترداموس ، التي تمكنت من دخول قواعد بيانات الوعــي الجمعي البشري ، فرأت مسارات المستقبل بوضوح في بعض الرباعيات التنبؤية ، خصوصاً الرباعية الرابعة و الأربعين من القرن الثالث والتي تطابق فكرة دابة الأرض السابقة الموروثة من الديانات الشرقية :

حينما يبدأ الحيوان الذي دجنه الإنسان بالكلام بعد جهود شاقة

فالغاية ، خلق الوعي في الآلات أو الحيوانات ( * ) وجعلها مدركة مثل البشر ، ستتجلى بوضوح حين نتابع " مسار " التطور التقني للبشر :

ذروة هذا التطور قادت العلماء إلى صناعة الروبوت ، بذكاء صنعي دون وعي ، لينوب عن البشر بالأعمال ، ولو سألنا ما هي غاية التطور التقني المعاصر ، لكان جواب المجتمع العلمي التقني هو :

تطوير الروبوت بكافة النواحي وجعله نظيراً مطابقاً للبشر بما يوائمه أن يكون " عبداً " مطيعاً للإنسانية ..!

كما ويمكننا تلمس هذه الإشارة الكونية من الوعي الكوني في أقدم أسطورة دينية موجودة لدينا من التاريخ المكتوب ، أسطورة الخليقة السومرية في العراق القديم " الحينوما عيليش " :

" الآلهـــة خلقت الإنســان "على صورتها" من الطين لينوب عنها بالعمل"

وهذا النص البالغ في القدم ، والذي يعتبر من أقدم النصوص الأسطورية الموجودة على سطح الأرض هو ابلغ استشراف للمستقبل ، يتكون من معادلة ذات حدين :
الخالق / المخلوق ..
هذه المعادلة تعتمد على العلاقة الثابتة الآتية عبر كل مراحل التاريخ :
الآلهة التي تعبت من الأعمال ، والبشر الذين سيقومون بأفعالها ..
البشر الذين تعبوا من الأعمال ، و الروبوت الذي سينوب عنها ..
الروبوت الذي سيتعب من العمل ... والـــ ... التي ستنوب عنها..
وهكذا في تسلسلات التخليق حسب المسار الزمني في تخليق النظير ..!

مسارات خريطة الوعي الكوني

عبر كل ما قدمناه مسبقاً ، يمكننا ملاحظة الآتي :

بمقاييسنا الحسية ثلاثية الأبعاد لا نرى المسار الزمني ، أو البعد الرابع كما يسمى بالاصطلاح الفيزيائي المعاصر ، لكن ، هذه المسارات موجودة ، وفيما تشكل " المسارات " نقطة قوة " الوعي الكوني " وأي مخ ذي قدرة فكرية رباعية الأبعاد ، فهي نقطة ضعف لنا نحن البشر إذ لا يمكننا إدراكها إلا بسلطان،كون مخنا التقليدي يغرق في الحسية التي تميز الزمن بصعوبة ( * ) ، فلا تراه واضحاً مثل تجسيمها لأبعاد المكان ..

هذه المسارات الزمنية تتوزع في نوعين :

أولاً : خريطة مسارات الجسيمات و الأجرام الكونية

وهي المسارات الخفية للفضاء الزمن في تشوهه حول كتل الأجرام السماوية و أي جسم في الكون ، فعبر خريطة هذه المسارات يمكن لأي عقل متبصر بأربعة أبعاد أن يرى مصير كل جرم سماوي في الكون ..!
وهذا بالفعل ما تقوم به الفيزياء ، فمعادلاتها تعيد بناء هيكل العلاقات الجذبية بين الأجسام الكونية ، تبني للعلماء صيغة رباعية الأبعاد تمكنهم من معرفة مواقع مدارات وحركة و سقوط المركبات و الأقمار الصناعية بدقة منقطعة النظير ، وكذلك مدارات الكواكب ومواقعها في لحظة اعتماداً على قوانين الجذب التثاقلي ، وهذه القوانين والعلاقات الرياضية تكون معقدة بالنسبة إلى المتبصر بالمسار !
فالفيزياء ، والعلم البشري بصورة عامــة ، لم يلتفت لحد اللحظة إلى رسم مثل هذه الخريطة لعدم وجود حاجة ملحة لها اليوم ، ستحتاجها الرحلات الفضائية الأسرع من الرحلات الحالية القريبة من سرعة الضوء والتي ستتطلب السفر لملايين السنين الضوئية ..
وبصورة عامة ، فإن خريطة المسارات الكونية هذه تمثل مسارات خطية ومنحنية موزعة في الفضاء مجردة عن الكتل المادية التي سببتها ، وهي بمثابة الأثر الذي تركته دودة على الأرض ...!

فحين تتحرك دودة بحركة عشوائية على الأرض تترك آثاراً من خطوط على التراب ، كذلك هي الخريطة الزمنية الكونية ، ترسم المسارات التي سيتخذها أي جسم في أي موقع من الفضاء ، وهي مسارات " حتمية " ونسميها في هذا الكتاب :
الحتميـــة الكونيـــة Universal Determinism ..


فهذه المسارات لا يفلت من قبضتها جسم إلا بقوة مضادة ، مثل مركبات الفضاء التي تتخلص من الجاذبية ( مسارات الفضاء زمن ) بقوة النفث ...
إذ لا يمكن للأجسام الحركة ، أي حركة في الكون ، دون أن تسير على هذه الخطوط من السكك الزمنية المكانية ..

والسؤال هو :

لو كان التبصر بالمستقبل حقيقة ، التنبؤ بحوادث لم تقع بعد على نحو دقيق أو شبه دقيق ، فهل هذا يعني أن التجرد من " كتل " الكون المادية يتيح للعقل رؤية هذه السكك بوضوح اكبر ( * ) ؟

هل التنبؤ إلا إدراك عقلي خفي لرؤية البعد الرابع للحوادث الكونية مثلما تبصر العين الأجسام وهي بثلاثة أبعاد .؟؟
سنجيب بعد شرح الحتمية الكونية الثانية ، الحتمية الاجتماعية ، والتي تنتج من خريطة المسارات الاجتماعية ..



ثانيا ً : خريطة المسارات الاجتماعية للكائنات الحية

هذه الخريطة أكثر تعقيداً من سابقتها ، إذ تتمكن الفيزياء المعاصرة من رسم الخريطة الكونية للمسارات ، لكن ، الخريطة الاجتماعية ، لا يمكن رسمها في الوقت الحاضر ، وهذا لا يعني أن ليس لها وجود ، ولكن تكوين هذه المسارات معقد بعض الشيء ..

فكما بينا في موضوع الوعي الكوني وعلاقته بالزمن ، فإن الجاذبية الثانية الخفية هي الجاذبية النفسية ، ومثلما يكون لكل كتلة في الكون حظها من تشوهات بنية الفضاء زمن ، فإن لكل جسم أو نفس بشرية أو حيوانية حظها من تشوهات في بنية الفضاء الزمن الاجتماعي الكلي ، إلا إن هذه الخريطة الكونية من التشوهات بمثابة عالم آخر ، عالم متداخل مع عالم الكتل الأول .. كما سيتضح هذا لنا بعد قليل ..
فالفرق بين العالمين هو أن عالم المسارات الكونية والخاص بأجرام الفضاء يتميز بوضوحه وإمكانية التنبؤ به بفعل العلاقات الرياضية في الفيزياء الكلاسيكية أو ما تعرف بفيزياء نيوتن و كذلك بالفيزياء الأكثر حداثة ، النسبية
، لكن ، عالم مسارات السلوك والدوافع العقلية والنفسية والغريزية فهذا ما لا يمكن البت فيه لحد الآن ..

كيف يمكن لقوانين البيولوجيا و الكهربائية الدماغية أن تتنبأ بسلوك كلب ضمن بيئة معينة ..؟؟

السلوك البشري بين سلطان الغريزة والتفوق الفكري

بالنسبة لمثال الكلب في بيئة معينة ، فيمكن وبمقاييس دقيقة حول نسبة الهورمونات وطبيعة النشاط الكهربائي العصبي والدماغي التنبؤ بمستقبله ، مع الأخذ في الاعتبار دراسة المحتوى الجيني وما يحويه من صفات سلوكية معينة ، فإن مستقبل هذا الكلب سيكون قابلا ً للتنبؤ اعتماداً على دراسة المحرضات الهورمونية – البيئية – الدماغية للسلوك في المحيط الذي يعيش فيه ..

فلو قمنا في سبيل المثال ، بصناعة حاسوب ذي قابلية تخزين فائقة من المعلومات حول هذا الكلب ، واعتماداً على تقديراته لخطوات السلوك المتوقعة تجاه أي محرض بيئي ، مثل الأكل .. الشريك الجنسي .. تأثير أشعة الشمس ، وجود ذئب ، وجود قطة ، وجود فارة ..إلخ ..

النتيجة إن الحاسوب سيعطينا احتمالات للسلوك المتوقع خلال عشرة أيام القادمة مثلاً ، هذه الاحتمالية ستكون محدودة ضمن مسارات متعددة ، لكن ، بالنسبة للإنسان العاقل الواعي فإن نطاق هذه الاحتمالات يكون اكبر ، أي تتزايد الاحتمالات وتتعدد المسارات بسبب وجود خيارات " الفكر " البشري التي تجعل من الصعب تحديد مصيره بناءاً على الهورمونات و الأعصاب و أفعال الغرائز فقط .

هذا الموضوع يحتاج منا إلى تفصيلات أكثر بتناول الغرائز الدنيا المحافظة على البقاء :
التنفس و الأكل والشرب والتكاثر ..

والغرائز العليا التي تكيفنا في قبول القيمة الاجتماعية ، كالأمومة والترابط الاجتماعي ، القبول الاجتماعي ، وهي تتعلق بمسارات الجاذبية الاجتماعية ..
وتبعاً لحالات مختلفة من الوعي ، تتجلى بسلم ٍ تصاعدي من الطفولة الغرائزية مروراً بالشباب التعلمي العقلي فالشيخوخة المثالية ، فإن الوعي لدى الإنسان البالغ عبارة عن حالات متغيرة بين منظومات عقلية مختلفة من الميول بين الدوافع الغريزية السفلى ... دوافع البقاء مثل التنفس في المقام الأول وشرب الماء في المقام الثاني .. وتناول الطعام في المقام الثالث ، وبين الغرائز العليا التي ظهرت نتيجة للسلوك الاجتماعي كالأمومة والجنس و الأبوة و الألفة والمودة ..
والتي ظهرت نتيجتها مثلنا الاجتماعية العليا التي تعتبر كقواعد عليا للسلوك الاجتماعي ..

الوعي تبعاً لهذه الحالات المتغيرة فيه يمارس الرقابة على العمليات العقلية الدنيا الغريزية والاجتماعية العليا اعتماداً على " مبدأ الأفضلية principle preference " والذي يعني لنا باختصار :

1. يركز الوعي كمراقب على العمليات العصبية التي تخص بقاء أجسادنا حية في المقام الأول .
2. وثانيا يركز الوعي على العمليات العقلية التي تخص الوجود والقيمة الاجتماعية في المقام الثاني .
3. حين تكون دوائر عمل المنظومتين السابقتين مستقرة ، الوعي بالحاجات الجسدية ، يظهر للوعي نطاق أوسع من المراقبة يتجاوز " الجسد " ووجوده الاجتماعي إلى نطاق تجردي جديد ، ومنه يمكننا أن نستنتج ظهور " الاحتمالية " في المسارات كنتاج تطوري للغرائز الدنيا والعليا إلى " فكر " مصقول بالقالب الاجتماعي ..!

إذ تتزايد أعداد الاحتمالات وتبعد إمكانية التنبؤ بالمستقبل على نحو دقيق كلما تنامت نطق منظومات المراقبة في الوعي حسب مبدأ الأفضلية السابق ..

لذلك ، يمكننا أن نستنتج النتيجة الآتية حول التنبؤ بمستقبل السلوك الإنساني :

كلما كانت ميول الإنسان غرائزية كلما كان مساره الزمني وخريطة مستقبله واضحة وقابلة للتنبؤ على نحو دقيق نوعاً ما بالنسبة لمراقب " كوني " ..
وكلما كانت هذه الميول مهجنة بين الغريزة والالتزام الفكري الاجتماعي كلما كانت مجالات الاحتمالية اكبر .. سواء كان هذا الفكر موروثاً دينيا أو مستوى ثقافي حضاري معين ، النتيجة زيادة الاحتمالات وتشوش المستقبل ..

عقول ٌ " فوق " مستوى القدر

لكن ، ماذا عن الفكر الحر الذي يحرك سلوكاً أكثر حرية لا ينبني على قواعد برمجية مسبقة في السلوك سواء كانت جينية وراثية أو مجتمعية ؟

فالإنسان الذي لا يترفع عن غريزته إنما يرسم مساراته بوضوح ، ويحكم أقداره المستقبلية ويبرمها برماً ، والذي يلتزم بالموروث المجتمعي أو الذي يماشي الإتكيت الحضاري هو الآخر أيضاً يرسم مستقبله ويحكم أقداره ولكن بعدد من الاحتمالات ..

ماذا عن الذي يرمي كل المواريث وراء ظهره ... ويترفع عن ميوله النفسية الغرائزية العليا ويحد من جماح غرائز البقاء إلى أدنى حد ٍ ممكن يبقيه حياً ؟

هذا الأخير ..." لن تُـقـّـدِر له الأقدار قـــدرا " ...

هو إنســـان ٌ فوق مستوى القـــدر ، والأكثر من ذلك ، إذا ما تمكن من تعديل ميوله ورغبته وفق قواعد معرفية خاصـــة أمكنــه صناعة قدره ، وهذا ما نبحثه خارج نطاق هذا الموضــــــوع ..



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الباراسايكولوجي بين نظريتي الكم و النسبية
- نظرية - عربية - في علم الاقتصاد
- كيف أدرك الشرق الوعي الكلي ؟
- الآلة الواعية .. بين الوهم ِ والحقيقة
- الروبوت الواعي المفكر_فكرة الوعي الآلي
- تركيب هيكل الاقتصاد العالمي التبادلي حتى العام 2012
- مراقب العقل ( الضمير )
- دراسات قدرات الدماغ الخفية( الباراسايكولوجي) في الإتحاد السو ...
- الباراسايكولوجي والطاقة الفراغية الكمية_Parapsychology & Qua ...
- الباراسايكولوجي والطاقة Energy and Parapsychology
- الطاقة Energy .. رؤية علمية معاصرة
- أزمة الطاقة Energy crisis ..العلاقة الجوهرية مع تخلف الفيزيا ...
- عاشوراء - بابل ، وعاشوراء كربلاء ، اخوة من أم واحدة !
- ثلاثة خطوات إستراتيجية لإنقاذ العراق - 3
- ثلاثة خطوات إستراتيجية لإنقاذ العراق - 2
- ثلاثة خطوات إستراتيجية لإنقاذ العراق - 1
- ماذا أعد - الله - للعراق ؟
- عندما تستفيق ُ آسيا - 2
- عندما تستفيق ُ آسيا - 1
- نهاية الإنكلوسكسونية ... والدخول في عصر التنين ( الفصل الراب ...


المزيد.....




- مرض السكري.. قريبا حبوب الأنسولين ستعوض الحقن لمرضى السكري
- لماذا سحبت شركة -أسترازينيكا- لقاحها ضد كوفيد-19 من الأسواق؟ ...
- 12 عملية إطلاق للأقمار الصناعية الإيرانية خلال عامين ونصف
- ألمانيا تستنفد مواردها الطبيعية المتجددة - ما الحل؟
- لمنع الانتحار.. فك شفرة المشاعر الإنسانية بالذكاء الاصطناعي ...
- تحقيق لبي بي سي يكشف أن نصف مرافق المياه في غزة تضررت أو دُم ...
- علماء يحلون لغز اختلاف النشاط البركاني بين جانبي القمر
- دراسة: الغضب يُضر بوظيفة الأوعية الدموية.. فهدّئ من روعك
- إطلاق ثاني مصنع في أيسلندا لالتقاط ثاني أكسيد الكربون
- ما هي فوائد أوميغا 3 للنساء؟


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - وليد مهدي - الوعي والزمن