جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 2959 - 2010 / 3 / 29 - 18:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تساؤلين أطرحهما بدء ...
هل يمكن أن توجد على وجه الأرض دولة تجيز لرئيس وزرائها أن يحمل الجنسية البريطانية في حين تحرم عليه تقلد هذه الوظيفة لأن أمه لبنانية, وإذا فرض وإن وجدت هذه الدولة, ألا يكون ذلك وحده كافيا للحكم عليها كواحدة من أفشل الدول التي مرت في التاريخ على الإطلاق.
وإذا كان الدستور العراقي يقر حقا عدم جواز أن يكون رئيسا للوزراء من كانت أمه لبنانية, وظهر إن أياد علاوي هو المشمول الآن بتلك العبارة فأين هي نقطة الضعف الحقيقية .. هل هي في الدستور أم في أياد علاوي.
إن ( طارق حرب ) الذي وجدها كما فعل سلفه ( أرخميدس ) وهو يسبح في حوض السياسة العراقية المضطرب والحافل بكل ما يمكن أن يتصوره الإنسان من حاجات مقلوبة وكنوز منهوبة وحقوق مسلوبة ونفوس معطوبة وحدود مغصوبة رأى إن الدولة العراقية قد إكتمل بناؤها و علا شهابها وذلت صعابها وشحذت حرابها, فلم يبقى بينها وبين الصعود إلى الأعالي وبلوغ قمم المجد سوى أن تتحقق من جنسية أم رئيس وزرائها, فإن ظهر إنها غير عراقية بالمولد فإن عليها يقع وزر حظ إبنها الخائب الذي لم يجد فيه عذاله سوى مسقط رأس أمه لكي يسجلوا عليه فوزا بالضربة القاضية بعد أن عجزوا عن تحقيق ذلك بالنقاط الإجتثاثية.
على مسافة ساعتين بالسيارة إلى الجنوب من مدينة أرخميدس حرب, أي بغداد, يسكن رجل دين إسمه آية الله السيد علي السيستاني والذي كان لفترة السبعة سنوات الماضية وسيظل لفترة قادمة غير منظورة يلعب دور صانع الملوك في العراق. والرجل في أكثر اللحظات الوطنية العراقية خصوصية لا يتردد لحظة عن الإعلان عن جنسيته الإيرانية الذي لم يجد أنها تشكل عائقا بينه وبين دوره في العراق, وهو ما زال لحد الآن يلحن مخارج الحروف بلكنة إيرانية ثقيلة لكنه لا يجد إن ذلك يتناقض مع الحقوق التي منحها له الإسلام والفقه الجعفري الذي يقر بعلو الدين على الجغرافيا, وهذا الأمر هو شان فقهي سني أيضا.
وتشهد الدار المتواضعة لذلك الرجل, خاصة في لحظات الشدة العراقية تزاحم السياسيين عليها, شيعة وسنة وعرب وأكراد, حتى إذا ما خرج الواحد منهم من زيارة ولو للمجاملة فسيعلن إنه قد حضي ببركات السيد وإنه الآن بات جاهزا لحكم العراق أو للحصول على إحدى الوزارات السيادية. لكن هذا الدستور الذي وصل إلى الحد الذي يدقق بجنسية أم رئيس وزرائه قد فاته أن يضع في مقدمة بنوده شرط أن تكون جنسية صانع الملوك عراقية قبل أن يبحث عن جنسية أم رئيس وزرائه.
الذي أردت أن أقوله, إن التأكيد على أصل وفصل رئيس الوزراء لا يمكن أن يكون قد انطلق من مسائل شكلية. فلا بد وإن يكون واضعي الدستور قد شاءوا أن يقولوا بذلك شيئا أكبر مما تعنيه الكلمة المجردة, كأن يكون هدفهم التأكيد على إن جنسية الأم مهمة لأنها تلعب دورا بارزا في تلقين مبادئ التربية الوطنية لابنها, ولنتفق على صحة ذلك, وانطلاقا منه سنسأل.. هل نتوقع إن أم إياد علاوي قد لعبت دورا مؤثرا لتثقيف ابنها بمبادئ الوطنية اللبنانية بدلا من العراقية, ولنفترض أنها فعلت ذلك وسنسأل .. ما هي حقا مواقع الاختلاف التي من شأنها أن تأكل من عراقية علاوي لصالح لبنانية أمه ..
هل كان بين العراق ولبنان معارك كبرى سواء في تاريخه القديم أو في التاريخ المعاصر مما يوجب الاحتراس من خطر انحياز الابن لإنحيازات أمه.
أو أن يكون لبنان قد قام بالاستيلاء على أراض في العراق وعلى نصف شطه الرئيس أو على حقل نفطي بالقرب من حدوده لكي نخاف من إمكانية أن يتنازل الابن عن أنهار وحقول وأراض أخرى.
هل يطالب لبنان العراق بتعويضات سمعنا إنها تصل إلى ألف مليار دولار مثل تلك التي تطالب بها إيران كتعويضات عن الأضرار التي أدت إليها الحرب الأخيرة.
هل تحتفظ لبنان بأية حدود مع العراق لكي نخاف من إمكانية نشوب أو تجدد القتال معها أو عبور النفط المهرب عبر أراضيها وشواطئها.
هل أرسلت لبنان جنديا من حرسها الثوري لكي يكون عينا ساهرة لها في هذا المجلس أو ذاك ومرشدا لها ساعة الحاجة.
وإذا كانت الثقافة الوطنية هي المقصودة من هذه الفقرة الدستورية, وليس رنتها الموسيقية أو سحرها اللغوي, فكيف نعالج تأثير الثقافة الإيرانية على سياسيين وقادة عراقيين ظلوا في إيران لفترة طويلة وتشبعوا بثقافتها وفقهها السياسي ولو إنهم عراقيين بأم وأب بالجنسية والولادة.
إن لبنان الجميل المسكين هو آخر بلد في الدنيا يتدخل بشؤون الآخرين, ولبنان الجميل المبتلى هو أضعف من أن يوفر لنفسه الحماية حتى يتدخل في شؤون الآخرين, ولو حدث أن تهددت الوطنية العراقية بلبنان فلا بد أن تكون هذه الوطنية قد وصلت إلى الحضيض بحيث إنها فعلا قد أصبحت بحاجة إلى من يحرسها من أخطار وطنية مسكينة كالوطنية اللبنانية.
إن الدساتير في العالم توضع لكي تلبي حاجات وضعية بالأساس وهي قابلة لأن تتعدل على ضوء تبدل الظرف, أي إننا لا يمكن أن نحكم العراق بالدستور الفرنسي وإن استفدنا من أخلاقياته الإنسانية, ولا بالدستور الأمريكي وإن اعتبرناه دليلا على الرقي. فإن كانت تلك هي القاعدة, أي إن الدستور يراعي ظرف الزمان والمكان, فما هي الأسس الظرفية التي أستند إليها كتبة الدستور حينما عرجوا على جنسية أم رئيس وزرائهم وجنسية خالة رئيس جمهوريتهم.
نعم أنا مع الفقرة التي تؤكد على أن تكون جنسية أم رئيس الوزراء عراقية وحتى أن يكون مسقط رأسها كذلك, ولكن بشرط أن يجري إستثناء لبنان من هذا الشرط الدستوري.
والسبب بسيط .. إن لبنان كما العراق ما زال لحد الآن لم يتشكل كدولة وما زال لحد الآن يعاني من أزمة إنتماء وطني فكيف له أن يؤثر على وطنية العراقيين إلا إذا كانت هذه الأخيرة قد وصلت إلى الحضيض.
فيا لها من وطنية رائعة.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟