أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - مآلات الدولة العربية الحديثة















المزيد.....

مآلات الدولة العربية الحديثة


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 2942 - 2010 / 3 / 12 - 08:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتعرض العديد من الدول العربية إلى أزمة بنيوية عميقة تطال أسس النظام الرسمي العربي ومستقبله، خاصة تلك الدول التي تفتقد سلطاتها للشرعية الدستورية. ففي حالات عربية ليست قليلة يتفكك كيان الدولة الموحدة بفعل الهويات المتصارعة داخلها، مما يضع مستقبل هذه الدول على المحك ويعرّضها لافتقاد مجتمعاتها للحماية وتحوّلها إلى دول فاشلة.
ويبدو أنّ الدولة العربية " الحديثة " قد انحلت إلى مجرد أجهزة إدارية تابعة للفئة المتسلطة على الحكم، بمعنى أنه لم يتح للمجتمعات العربية أن تفرز سلطاتها القادرة على إدارة دولة حق وقانون، بل بقي هذا الأنموذج غائباً إجمالاً، ليس لانعدام تقاليد الديمقراطية أصلاً من المجال العام، بل بسبب تلك الحالة من فقدان الجماعة حس الأمان العام في ظل سلطات استبدادية اعتادت على منهج الخوف والتخويف كأساس لكل علاقة بين الحاكم والمحكوم.
كما أنّ هذه السلطات أحكمت بيدها عزلتها عن مجتمعاتها، عندما انغلقت نخبها الحاكمة على مصالحها الخاصة، وحررت نفسها من أبسط وعود التنمية الشاملة، وأغرقت البلاد والعباد في المزيد من التخلف والفقر والجهل، حتى أصبح العالم العربي مضرب المثل في تمتعه بأدنى المقاييس الدولية من حيث النمو والتقدم، وعجزه المضطرد عن اللحاق بحركة التطور العالمي من حوله.
وفي الواقع، لا أحد ينكر أنّ العالم العربي قد ابتلي بنخب حاكمة هي مزيج من كواسر باحثة عن فريستها في جسم مجتمع مجوّف ومختل التوازن، ومن قطّاع طرق مختفين وراء ألقاب ورتب سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية، ومهربي مخدرات وتجار سلاح ومختلسين لأموال الدول، ولصوص ومرتشين، لا مبدأ لديهم ولا مثال غير إرضاء الشهوة البدائية في السيطرة والقوة والثروة المادية. لا يسري ذلك على الكثير من العاملين داخل حقل سلطة الدولة ومؤسساتها فحسب، ولكن بشكل أكبر أحياناً على المتحكمين بمؤسسات المجتمع الخاصة، ونخبه الأهلية، من أصحاب مشاريع صناعية وتجارية وثقافية وفكرية أيضا.
وكانت النتيجة النهائية لكل تلك المقدمات المأزومة أنّ الدولة العربية " الحديثة " فشلت فشلاً ذريعاً في إيصال المجتمعات العربية إلى شاطئ وبر الأمان والاطمئنان الذي سبق أن وعدت الجماهير به، وتفرّغ القائمون عليها للتحكم بموارد الأمة، والسيطرة على مفاصل السلطة والثروة والقوة والمعرفة في كل مواقعها، محتكرين بذلك كل الرأسمال المادي والمعنوي المتبقي لأفراد المجتمع والأمة.
والشيء الذي ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا هنا هو أنّ خطورة هذا الوضع المأساوي العام، الذي يرزح تحته عالمنا العربي الآن تتزايد على مستوى عدم استجابة معظم النخب العربية السياسية الحاكمة لاحتياجات الناس، ومتطلبات التنمية الحقيقية، وهذا ما يؤسس باستمرار لأجواء ضعف, أو عدم وجود المساءلة والنزاهة والشفافية المطلوبة، والتي لا يمكن النهوض والارتقاء من دونها، مما يجعل من تلك المجتمعات مرتعاً خصباً لانعدام الفاعلية والنشاط والكفاءة.
وعلى صعيد آخر لم تنجح الدولة العربية أو لم تحاول العمل على حل مشكلة التعددية الإثنية والمذهبية والدينية متى وجدت هذه التعددية، لا بل زادتها حدة بعدما تجاهلتها أو حاولت توظيفها في لعبة داخلية، انقلب في نهايتها السحر على الساحر.
أما واقع المجتمعات العربية فهو ليس أحسن حالاً، فهذه المجتمعات تبدو في غربة أو غيبوبة، وهي مغيبة، بفعل القيود الكثيرة المكبلة لحركتها وحراكها، وغائبة بحكم ارتهانها للهموم اليومية التي تكابدها، لتحصيل لقمة العيش، ومعها تأمين الحد الأدنى من التعليم والصحة والسكن وباقي مستلزمات الحياة الكريمة، إن أمكن.
هكذا عرّت تجربتا الصراع العربي - الإسرائيلي واحتلال العراق حقيقة الواقع العربي، ففي معترك هاتين القضيتين انكشفت سياسات وتكسرت شعارات وبانت حقائق مريرة، ولكن بعد فوات الأوان.
وهكذا تتكرر صورة المفاضلة الإجبارية بين الخيارات السيئة لتطال معظم الدول العربية، فإما استقرار للدول والأوطان تحت ظلال سلطات مستبدة، تمارس البطش والعنف الداخلي، وتمسك اقتصاداً ريعياً، وتشرف على توزيع ما تستغني عنه لبعض الفئات الموالية لها، وتهمّش في الوقت عينه أوسع فئات شعبها، بعيداً عن أية مشاركة سياسية أو خارج أية مساهمة في التنمية والتقدم الاقتصادي، خالقة بذلك الحاضنة الاجتماعية والاقتصادية لحركات التطرف. وتسعى سلطات الاستبداد هذه مقابل ديمومة حكمها، وغض الطرف عن ممارساتها، إلى إرضاء القوى الدولية الكبرى وعقد صفقات معها تؤمن المصالح الاقتصادية لهذه القوى.
أو سيادة منطق الجماعات السياسية الدينية المتطرفة، التي تدعو إلى القطيعة مع العالم، ومعاداة قيم حقوق الإنسان ورفض مجاراة العصر.
وفي الواقع، ما كان من الممكن لنا أن نتوقع، حسب الدكتور برهان غليون، سوى تفاقم الأزمة الكبرى التي تعصف بمجتمعاتنا منذ سنوات طويلة، وتزايد مظاهرها الخطيرة، من الاحتلالات والتدخلات الخارجية، إلى الحروب والنزاعات الداخلية المسلحة، مروراً بالانقسامات داخل الأحزاب السياسية، والاحتقانات والتوترات في العلاقات العربية - العربية، والخصومات الطائفية والمذهبية والعشائرية المهددة لوجود الدولة نفسها، وفي موازاة ذلك تراجع مستوى حياة السكان، وزيادة الفقر والبطالة، وتزايد عدد البؤر المتفجرة للمطالب والاحتجاجات الاجتماعية في أكثر من مكان.
ومن المؤكد أنه لا يفيد هنا الحديث المعتاد عن العامل الخارجي، حتى لو كانت مسؤولية الدول الغربية رئيسية في ما نحن فيه من مآسٍ وما نواجهه من تحديات. فالمطلوب هو، بالعكس، تفسير الأسباب التي تجعل هذا التدخل الأجنبي ممكناً ودائماً وحاسماً في المنطقة العربية، أكثر من مناطق العالم الأخرى، ولماذا لا ننجح في الحد من أثره على الأقل، إذا كنا غير قادرين على وضع حد له ؟
إن الإشكالية التي تعيشها الدولة الوطنية في العالم العربي هي أنها لم تتمكن من خلق نوع من التوافق بين السلطة والحرية، فإيجاد هذا النوع من التوافق يتوقف عليه القدر من رضى المواطنين عن الحكومات، مما يسهم في إضفاء الشرعية عليها وإلى بقاء واستمرارية الدولة الوطنية. لذلك بات من واجبها أن تبحث عن السبل التي تستطيع من خلالها تأمين القدر المعقول من الحرية في سبيل ضمان مصالح المواطنين.
إنّ الواقع، الموصوف أعلاه، يدعونا جميعاً للتعاطي المجدي مع التحديات الكبرى، مما يفرض ضرورة انفتاح الأنظمة على شعوبها، واعترافها بالتقصير عن تحقيق أهدافها وتطلعاتها والتزاماتها التي سبق أن وعدت بها. كما يفرض أن تتجه جهود أبناء مجتمعاتنا كلهم - حكاماً ومحكومين - إلى تركيز الطاقات باتجاه العمل والتنمية والسعي للنهوض بواقع دولهم، في محاولتها الرامية لاستيعاب المعرفة بمختلف جوانبها، والعمل على اكتسابها، ونشرها، وتعميمها, وذلك من أجل الارتقاء بواقعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في مواجهة عالم كبير يتحكم فيه منطق القوة والمصالح.
فلم يعد عيش المواطن العربي تحت وطأة الإقصاء السياسي أو البطش المنهجي هو القدر المحتوم أمامه، بل لابد من إجراء تغيّرات عميقة في دولنا العربية كي تصبح دول حق وقانون، دول كل مواطنيها بدون تمييز طائفي أو عرقي أو جهوي.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس في العالم العربي
- عن استقلال السياسة وواقعيتها
- العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس واستراتيجيات منعه
- بعض القضايا المؤجلة للنهضة العربية الحديثة
- استلاب الماضوية ونظرية المؤامرة
- حظر المآذن يمتحن التنوّع الثقافي
- الخلل الرئيسي في المشروع العربي
- في الحاجة العربية إلى إصلاح حقيقي
- بعض مظاهر محنة الأمة
- في ضرورة التغيير
- أخطر الأوهام التي يجب أن نتخلص منها
- أين الخلل العربي ؟
- إشكاليات المنظمات غير الحكومية في العالم العربي
- التنمية المستدامة وأمن الإنسان في البلدان العربية (3/3)
- التنمية المستدامة وأمن الإنسان في البلدان العربية (2/3)
- التنمية المستدامة وأمن الإنسان في البلدان العربية (1/3)
- كي يكون حوارنا متمدناً
- واقع وآفاق التعاون الاستراتيجي التركي - السوري
- محددات السياسة الخارجية التركية
- صخر حبش .. وكلمة وفاء


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - مآلات الدولة العربية الحديثة