أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - هناك شيء عفن.... فى البرلمان!















المزيد.....

هناك شيء عفن.... فى البرلمان!


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2912 - 2010 / 2 / 9 - 16:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا أحد يجادل فى أن انجلترا هى أعرق ديموقراطية فى العالم الغربي. ولهذا فإن البرلمان الإنجليزي يعتبر المؤسسة الأعرق على الإطلاق. ومع ذلك فإن صحيفة "ديلى تلجراف" فجرت فضيحة من الوزن الثقيل حين كشفت النقاب منذ بضعة أيام عن تحايل عدد من النواب للحصول على مبالغ كبيرة من المال نظير نفقات وهمية.
ولم يجد التقرير الصحفي الخطير آذاناً صماء، بل تم تحويل الموضوع على الفور إلى المراجع المستقل، السير توماس ليج، الذى دفع القضية إلى أبعاد أكبر من الصورة المروعة التى رسمتها "ديلي تلجراف". حيث توصل بعد بحث وتمحيص إلى أن إساءة استخدام النظام المعمول به فى البرلمان اكبر من أن تكون مجرد أعداد محدودة من " ثمار التفاح الفاسد" التى تم توجيه اللوم إليها عند تفجير الفضيحة. حيث تبين أن أكثر من نصف النواب المحترمين قد ثبت عليهم الجرم المشهود، ألا وهو التحايل للحصول على نفقات اكبر من الحقيقة لنشاطهم البرلماني. وبناء على هذا التقرير سيتم إجبار 366 نائباً على أن يرد كل منهم فى المتوسط ثلاثة آلاف جنيه إسترليني ليصل إجمالي المبالغ المستردة إلى أكثر من مليون جنيه إسترليني.
ولم تقتصر ردود فعل تقرير المراجع العام توماس ليج على مطالبة النواب برد المبالغ المشار إليها، بل إن زملاءهم – سواء من الحزب الحاكم أو من الأحزاب المعارضة- قالوا بأنه أصبحت هناك حاجة ملحة لإجراء انتخابات عامة اليوم قبل الغد للتخلص من عشرات النواب المتورطين فى هذه الممارسة القذرة.
وأفادت مراكز استطلاع الرأى إلى أنه أصبح من المتوقع تغيير أكثر من نصف العدد الاجمالي لأعضاء البرلمان البالغ 646 عضوا نتيجة امتعاض الرأى العام بعد الكشف عن هذه الفضيحة.
وأعرب نيك كليج، الزعيم الديموقراطي الليبرالي، عن أمله فى أن يكون هذا التقرير هو "الفصل الختامى" لهذا "البرلمان العفن".
بينما قال مكتب المدعى العام أنه سيعلن خلال ساعات، ما إذا كان سيوجه إلى بعض هؤلاء النواب اللصوص تهمة التزوير.
فى الوقت ذاته لم يكتفي السير "ليج" بمطالبة النواب المشار إليهم برد الأموال التى حصلوا عليها بالتدليس، وإنما صب هجومه أيضاً على نظام صرف النفقات البرلمانية برمته، واصفاً إياه بالضبابية والافتقار إلى الشفافية.
أما المتحدث باسم رئيس الوزراء جوردون براون فقد اعتبر تقرير "ليج" خطوة للأمام "مهمة للغاية" وأن رئيس الوزراء قال من البداية أن هذا تحقيق مهم جدا وأنه يساند التقرير بقوة ويحث النواب على رد الأموال التى حصلوا عليها دون وجه حق بأقصى سرعة ممكنة.
ومن الجانب الأخر اعترف ديفيد كاميرون، زعيم حزب المحافظين، بأن النظام كان به خلل منذ البداية وأنه كان أول من طالب النواب برد الأموال حتى لو كانوا قد حصلوا عليها وفق القواعد المعمول بها، لان هذه القواعد ذاتها معيبة.
وفى هذا السياق تصاعدت ضغوط الرأى العام والقوى السياسية المختلفة على رئيس الوزراء من أجل انتخابات عامة بعد أن اثبت تقرير "ليج" أن "البرلمان قد أصبح عفناً حتى النخاع " على حد تعبير جون ويك الذى كان مهندس عملية تسريب المعلومات عن هذا الملف المخجل.
****
ومن المعلومات والتصريحات السابقة.. يتولد عدد من الملحوظات:
أولاً: أن الفساد موجود فى كل مكان ويمكن أن يصل إلى عقر دار أعرق برلمان فى العالم.
ثانياً: أن الدول الديموقراطية إن لم تكن محصنة من الفساد، فإنها تمتلك من الآليات ما يسمح لها بمواجهة هذا الفساد وتعقبه.
ثالثا: أن البرلمانات الحية لا تتذرع بأنها "سيدة قرارها" بل إنها تحترم الصحافة وتأخذ تقاريرها مأخذ الجد وتحيل هذه التقارير الى لجان تقصى حقائق ولجان تحقيق محترمة، تكون كلمتها مسموعة عندما تتأكد من صحة هذه التقارير الصحفية.
رابعاً: أن الحزب الحاكم لا يحتمى بأغلبيته العددية للإفلات من مثل هذه الفضائح، بل إن الجميع – معارضة وحكومة- يتسابقون لكشف الحقيقة وعقاب المخطئ.
خامساً: أن العقاب فى مثل هذه الحالات ليس بيروقراطياً أو تأديبياً فقط، بل وليس جنائياً أيضاً فحسب، وإنما هو سياسي كذلك، ولهذا رأينا أن الرأى العام لم يكتفي بالمطالبة برد الأموال المسروقة وإنما طالب أيضاً بإجراء انتخابات لتطهير البرلمان من هذا "العفن".
سادساً: إن العفن الموجود فى مجلس العموم البريطاني، الذى استوجب كل هذا العقاب التأديبي والجنائي والسياسي لا يزيد عن أن يكون مثقال ذرة من العفن الذى يعشش فى كثير من برلمانات العالم العربي الحافلة بنواب سميحة ونواب القمار والعبَّارات الغارقة والقروض المنهوبة من البنوك والدماء الملوثة ونواب فتيات الليل وراقصات الكباريهات وأشباه الفنانات.
ومع ذلك فان "الإنجليز حالهم يغيظ"، ورغم أنهم مشهورون – لدينا – بأنهم من أصحاب الدم البارد فإننا وجدنا أن الدماء الباردة تغلي فى عروقهم ولا يهدأ لهم بال قبل أن يزيلوا السلبيات التى يكتشفونها مهما كانت طفيفة بـ "معاييرنا " طبعاً. بينما برلمانات العرب تغط فى سبات عميق ولا تحرك ساكنا إزاء أخطر الجرائم التى تقع تحت قبتها وعلى أيدي البعض من نوابها. وإذا اضطرتها الظروف لفتح التحقيق فى فضيحة ما فأنها تعمد إلى تسطحيها وتسخيفها وابتذالها إلى أقصى حد بينما نجد أصحاب الدم البارد من الإنجليز يتوقفون أمام هذه الفعلة "التافهة" – بمقاييسنا- من جانب عدد يزيد أو يقل من نوابهم فى مجلس العموم ويضعونها فى المكان الذى تستحقه من الاهتمام، ويقولون مثلما فعلت ديلي تلجراف فى مقالها الافتتاحي يوم الجمعة الماضي أن هذه الفعلة "لم تكشف فقط جشع وطمع وعدم أمانة العديد من النواب البرلمانيين، بل إنها ألحقت ضرراً بالغاً بديمقراطيتنا لا يمكن أن يصلحه أو يمحوه شيء أقل من إجراء انتخابات لبرلمان جديد".
****
هذه المقارنات لا نسوقها لجلد الذات أو للحط من شأننا، وإنما نسلط عليها الضوء من أجل التدليل على أهمية الديموقراطية "الحقيقية"، وعلى فعاليتها فى تقليم أظافر الفساد ومواجهة مختلف السلبيات .. وهذا هو سر تقدمهم.. مثلما هو سر انحطاطنا وتأخرنا.
وبداية طريق التخلص من هذه "اللعنة" هو إعادة الاعتبار إلى صناديق الاقتراع، وخلق توافق مجتمعى – مفقود حاليا- حول قواعد نزيهة للعب فى ساحة الديموقراطية لا يكون فيها الخصم هو الحكم ولا يكون فيها القول الفصل للبلطجة أو شراء الأصوات بقوة المال أو التلاعب بالعواطف الدينية للملايين الفقيرة والأمية.
وقتها.. سنتوقف عن الانبهار بما يحدث فى مجلس العموم البريطاني لأننا فى ذلك الحين لن نتندر على "برلمان موافقون" أو على برلمان يستوفى الشكل والاسم ولكنه منزوع المضمون .. شأنه شأن باقي المؤسسات التى تحمل أسماء رنانة لكنها فارغة المحتوى، لأن وظيفتها الحقيقية هى استكمال "ديكور" الدولة الحديثة، بينما هى فى الحقيقة ترسخ أسوأ ما فى القبيلة.. حيث لا وجود لـ "مواطنين" وإنما مجرد "رعايا" يتواطأون مع "العفن" ويذعنون له ولا يجرؤ واحد منهم أن يسير على درب الأمير هاملت الذى يصرخ بأعلى صوته "إن هناك فى الدانمرك – شيء عفن".



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحذير دولى للنائمين فى العسل .. مصر... دولة فى وضع -حرج-
- بدلاً من خطاب الشكوى .. وبديلاً عن استراتيجية المراوغة
- وقائع خطيرة تستدعي وضع النقاط علي الحروف .. من الذي يحمي كل ...
- قبطى.. لامؤاخذة!!
- ترجمة -جوجل- .. الشيطانية!
- ترجمة جوجل -غير الشيطانية-
- تعامل مصر -الخشن-.. مع قوتها -الناعمة- .. محمد صالح .....الآ ...
- نجع حمادى.. - حقل الأرز- الذى أصبح -مزرعة ذئاب-!
- مبادرة «شق» الإخوان (1)
- مبادرة «شق» الإخوان (2)
- ممنوع الدخول: توارد الخواطر بين -الإمارة- و-الحارة- و-النقاب ...
- علاقة مسمومة: ظلم عواطف حميمة.. واستفزاز مجتمع فقير
- الدعائم الأربع لحرية الصحافة فى مصر
- هل كان مفروضاً أن يكون مصر حامد أبوزيد.. لاعب كرة؟!
- قبل أن نسير فى جنازة الصحافة التى أحببناها
- الأذان فى مالطة.. وسويسرا!
- ضمائر حية.. وقلوب مازالت تنبض.. في الجامعة العربية
- هل يأتى حل عقدة خلافة الرئيس على يد الدكتور يسرى الجمل؟!
- إعلام لا يعلم ولا يتعلم:استنساخ الفشل والغوغائية وابتذال الو ...
- سائق حافظ المرازى.. الفيلسوف


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - هناك شيء عفن.... فى البرلمان!