أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - بذرة اللاتسامح هندياً















المزيد.....

بذرة اللاتسامح هندياً


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2900 - 2010 / 1 / 27 - 18:27
المحور: حقوق الانسان
    



بعد ثلاثة عقود ونيف من الزمان على اغتيال غاندي، مؤسس الهند الحديثة ورائد الاستقلال الأول، وتحديداً في العام 1984 سيقوم مرتكب آخر يدعى جاسفير باغتيال انديرا غاندي حيث كان مرافقاً لها، وهو من الطائفة السيخية . وأنديرا غاندي هي ابنة زعيم الهند جواهر لال نهرو أحد قادة حركة الحياد الايجابي ومؤتمر باندونغ العام ،1955 وحركة عدم الانحياز لاحقاً . ولعل اسم انديرا غاندي له أكثر من دلالة للتسامح، فهي ابنة نهرو ودرست في بريطانيا في الأربعينات في جامعة اكسفورد، وهناك أحبّت زميلاً لها من أصول فارسية، وهو مسلم واسمه فيروز غفار، لكن أجواء اللاتسامح لم تكن تسمح باستمرار علاقتهما وبالزواج منه، وقد ناقشت المسألة مع والدها ومع غاندي الذي أخذ يتبنّى هذا الشاب اللامع، خصوصاً أن والده كان متوفياً، وهكذا أعطى “غاندي” لقبه إلى الشاب المسلم بعد اقتناعه به وإيماناً منه بمساواة البشر وبقيم التسامح، خصوصاً أنه يعتبر نفسه ويعتبره الجميع أباً لكل الهنود، الأمر الذي مكّن فيروز غفار (غاندي) من الزواج من أنديرا وأصبح اسمها أنديرا غاندي لاحقاً .

لعل سبب مقتل انديرا غاندي كان هو اللاتسامح، حيث كان بعض السيخ وقتها قد طالبوا في إقليم البنجاب بالاستقلال بما يسمى بكالستان باعتباره حقاً لهم، وكانوا قد تقدموا باقتراح إلى انديرا غاندي التي رفضته، الأمر الذي دفعهم للقيام بأعمال عنفية طالت أعداداً من الهندوس، فاضطرت انديرا غاندي إلى التصدي لهم في عملية سميّت بلوستان Bluestan، خصوصاً بعد اعتصامهم في المعبد الذهبي في البنجاب، وحدوث معارك أدت إلى سقوط عدد من المدنيين، ورغم ترددها في قصف المعبد أو اقتحامه الاّ أنها في نهاية المطاف أعطت الأوامر بحسم الأمر والتصدي بحزم إلى من اعتبرته سبباً في المشكلة ويتحمل نتائجها .

لعل رفض أنديرا غاندي مطلب التقسيم (استقلال إقليم البنجاب) وتمسكها بوحدة الهند كان وراء اغتيالها، مثلما لقي راجيف غاندي مصرعه أيضاً لأنه وقف ضد حركة التاميل ووافق على إرسال قوات هندية لدعم سريلانكا، يومها قامت سيدة في محاولة لتقديم باقة ورد له، لكنها بدلاً من ذلك فجّرت قنبلة فيه، وكان هذا قد حدث في إقليم كيرالا العام ،1991 الذي ظلّت القوى الشيوعية واليسارية مهيمنة على مشهده العام منذ الاستقلال وحتى الآن .

إن مسلسل الاغتيالات للزعامات الهندية يدعو إلى التأمل، ويبدو أن بذرة اللاتسامح لا تزال قوية في المجتمع الهندي، الذي يشهد في الكثير من الأحيان نزاعات وصدامات واحترابات، لاسيما بين الهندوس والمسلمين وهو الأمر الخبيث الذي بذرته بريطانيا قبيل اضطرارها للرحيل من الهند .

وإذا كانت بريطانيا قد استجابت “مضطرة” لاستقلال الهند وتخلّت عن درّة التاج البريطاني، لكنها زرعت لغماً كبيراً بين سكانها لاسيما بين الهندوس والمسلمين، الأمر الذي شجع بعض السياسيين للمطالبة باستقلال باكستان ومنهم محمد علي جنت المدعوم من قبل بعض المتطرفين الإسلاميين بسبب العنف الذي تعرض له المسلمون عشية الاستقلال، ولم يكن الأمر يخلو من يد بريطانيا التي كانت سياستها وربما لا تزال تقوم على قاعدة “فرّق تسد” فشجعت على الاحتراب والانفصال .

وقد كان ردّ فعل بعض السياسيين الهندوس التسليم بالأمر الواقع مثل سردار بلب بهاتي باتيل وإلى حد ما جواهر لال نهرو، وهما وإن كانا ضد التقسيم، لكنهما تعاطيا مع “الأمر الواقع” باعتباره واقعاً لا يمكن تغييره انطلاقاً من “فن الممكن”، في حين كانت نظرة غاندي المتسامحة تصرّ على التعايش ورفض التقسيم، ولا تزال مشكلة كشمير منذ أكثر من 62 عاماً مشتعلة .

كتب ماركس وأنجلز عن حرب استقلال الهند الأولى في خمسينات القرن الثامن عشر، لاسيما انتفاضة فيلور عام 1806 متنبئين باستيقاظ الشرق، فإضافة إلى الهند كانت الصين في صلب تصوراتهما . وكتب ماركس مقالات مكثفة في الفترة بين 1857 1859 في صحيفة “نيويورك ديلي تريبونا” New York Daily Tribuna تحدث فيها عن نهضة الهند والصين، مستنتجاً أن القضاء على الكولونيالية في الهند يعتبر أحد أهم الأركان التي سيتوقف عليها مصير الاوليغارشية البريطانية، لأنها ستؤدي إلى تدمير العلاقات الاقتصادية الإقطاعية وستنعكس إيجاباً على أوروبا . وقد كانت عملية استقلال الهند وفيما بعد الشعوب المستعمرة والتابعة، المدماك الأساسي لغياب شمس الامبراطورية البريطانية، لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية .

إن تاريخ اللاتسامح في الهند بعيد المدى، فبعد وفاة زوجة ملك الملوك شاهجهان “ألجو مان بانو بكم” الملقبة “ممتاز زمان” بنى لها الشاهجهان قصراً سمي بالقصر الأحمر Red Fort في أكرا، وآخر في دلهي، وتعهد بعدم الزواج بعدها رمزية للوفاء، وحيث كان يرفل بحكمه قام ولده بسجنه في قصره وقضى فيه سبع سنوات مات بعدها .

سألت مرافقي الشاب ما رأيه بغاندي وسياسة التسامح، أجابني، غاندي رجل عظيم ورمز كبير، لكن أفكاره مثالية وغير واقعية وغير ممكنة التطبيق، إذ لا يمكن حل الصراعات من دون العنف، لأن من بيده الثروة والمال والسلطة لا يستغني عنها لمصلحة المحرومين أو لتحقيق العدالة والمساواة من دون وجود قوة ضاغطة عليه، قلت له هل تعني أن القوة هي للردع أو أنها لاستخدام العنف لكونه حسب ماركس المحرّك للتاريخ؟ تململ الشاب ذو الثقافة التعددية الهندية الشرقية الغربية فأردفته بالقول: المعرفة قوة بحد ذاتها على حد تعبير الفيلسوف بيكون، فهل توافقني على استخدامها؟

أعتقد أن القضاء على الأمية والجهل وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعاشية وتأمين ظروف عمل مناسبة وضمانات صحية واجتماعية، كفيل بنشر قيم التسامح ومقاربة العدالة وتهيئة الظروف للإقرار بالتنوّع والتعددية وقبول حق الاختلاف وحق التمسك بالمعتقدات بحرية ودون عسف أو خوف، وهو ما تدعو له قيم التسامح، لاسيما إذا تمّ ذلك من خلال التربية والتعليم ولجميع المراحل الدراسية، إضافة إلى التشريع والقوانين، ويلعب الإعلام دوراً مهماً على هذا الصعيد، إذ بمقدوره المساهمة بشكل كبير في نشر وتعميم ثقافة التسامح، وهنا يمكن أن تسهم مؤسسات المجتمع المدني بقسطها في التأثير في النخب الفكرية والسياسية والدينية لتأكيد احترام الحقوق الإنسانية والاعتراف بحق الاختلاف والتنوع والتعددية . ولعل مهمة كتلك تحتاج في ظروف الهند إلى تراكم طويل الأمد لترسيخ قيم التسامح، وفي مواجهة اللامتسامحين الذين تصبح مهمتهم صعبة في المجتمعات المتسامحة .

وإذا كان نهرو باني الهند هو أول من رفع علم بلاده الوطني في 15 أغسطس/ آب 1947 معلناً نهاية الحكم البريطاني للهند، فإن روح غاندي المؤسس وصاحب فلسفة اللاعنف والتسامح لا تزال ترفرف على الهند، ويشكل مرقده الأخير في راجات مزاراً للهنود وضيوفهم من شتى أنحاء العالم حتى وإن تحفظ البعض على فلسفته اللاعنفية .
باحث ومفكر عربي



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين!! 13 - جيفارا بين رامبو ودون كيشوت ...
- هل كان التسامح وراء اغتيال غاندي؟
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين!! - 12 - يوميات المغامر النبيل
- هل تفلت ليفني من يد العدالة؟
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين!! - 11 - شعاع الثورة ومتطلبات الدو ...
- بيئة التسامح
- خالد عيسى طه الحالم المستديم!*
- كوبا.. رؤية ما بعد الخمسين (10) التغريد خارج السرب: رومانسيا ...
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (9) جيفارا والمهدي بن بركة.. غياب ...
- جدل هادئ للفيدرالية الساخنة في العراق
- النجف... والفرصة الواعدة!! سعد صالح (3)
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (8)- جيفارا وعبدالناصر: قلق وهواجس ...
- النجف... والفرصة الواعدة!! سعد صالح (2)
- المجتمع المدني بين القانونين الوطني والدولي
- جيفارا وعبدالناصر: أحلام الكبار!كوبا (7)
- محاكمة اسرائيل بين القانون والسياسة
- سعد صالح الضوء والظل -الوسطية- والفرصة الضائعة(ح1)
- الحرب الثقافية في العراق
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (6).. جيفارا وأحمد بن بيلا: العنفو ...
- الاتحاد الأوروبي: هل من وقفة جديدة إزاء -إسرائيل-؟


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - بذرة اللاتسامح هندياً