أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - قاسم حسين صالح - الثابت والمتحول في المجتمع العراقي المعاصر 2-5















المزيد.....

الثابت والمتحول في المجتمع العراقي المعاصر 2-5


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 2880 - 2010 / 1 / 6 - 18:32
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


جيلان ونوعان من القيم

توطئه في القيم
قد لا يقدّر كثيرون، لاسيما السياسيون، دور القيم في صناعة شخصية الانسان وتحديد سلوكه، الأمر الذي يدعونا الى القول بأن (القيم Values) شغلت اهتمام الفلاسفه وعلماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة والدين وعلم النفس. ومع انهم تنوعوا في تحديد مفهوم"القيم" الا انهم اتفقوا على ان القيم تعمل على التحكّم بالسلوك وتوجيهه نحو اهداف ومقاصد معينة. ويرون ان"القيمه" تطلق على كل ما هو جدير باهتمامات الفرد :المادية ، المعنوية ، الاجتماعية ، الاخلاقية ، الدينية ،والجمالية. وانها- ايضا"- توليفة معقدة من الاراء والافكار والاتجاهات حول الموضوعات والأشياء، انتظمت من خلال الخبرة الشخصية والاجتماعية والثقافتين الرئيسة والفرعية بحيث تشكل نظاما"أو نسقا اجتماعيا له صفة الثبات النسبي.
هذ ا يعني ان الذي يحدد اخلاق وتصرفات رجل الدين ويميزه عن الشخص الارهابي مثلا" هو نوع القيم التي يحملها كل منهما لكونها هي التي توجه السلوك نحو اهداف ومقاصد معينة. ولك ان تشبه القيم بـ (داينمو) السيارة.. فكما انك ترى السيارة تتحرك (وحركتها سلوك) ولا ترى الذي حرّكها( الداينمو) كذلك فانت لا ترى (المنظومة القيمية) التي تحرّك سلوك الانسان.
والأهمية الثانية للقيم، انها نظام متكامل من الاحكام والقواعد الاخلاقية والمعايير يخلقه المجتمع في نسق مميز ويعمل على اعطائه اساسا" عقليا" يستقر في اذهان افراده، ويزودهم بمعنى الحياة والهدف الذي يجمعهم من أجل البقاء. كما أنه يقوم أيضا" بترتيب القيم في مستويات بحسب اولويتها واهميتها بما يشبه الهرم، لتكون القيم الأكثر قدسية والزامية في قاعدة الهرم كالقيم الدينية والالتزامات الأسرية وتنتهي بالقيم الجمالية المتعلقة بما يفضله الفرد من طعام وشراب والوان وما الى ذلك.
وبهذا المعنى فان القيم أشبه بـ" اللاصق" الذي يربط بين الاشياء أو " الاسمنت" الذي يربط بين"طابوق" عمارة. فاذا كانت مادته اللاصقة ضعيفة انهارت العمارة اذا تعرضت لهزة ارضية. ويصح القول على المجتمع الذي تكون قيمه ضعيفة ،فان ما كان يتمسك به من اخلاق وروابط دينية واجتماعية تنهار أو تتفكك حين يتعرض الى احداث سياسية مفاجئة تدخله في صراعات بين مكوناته القومية والدينية والمذهبية.
وما نريد أن ننبه اليه، ان اعادة اعمار المنظومات القيمية للناس (الاخلاق، الضمير، النزاهة.. ) اصعب من اعادة اعمار وطن لا سيما اذا انتهكت بالمجتمع ثلاث قيم اساسية: الحياة والمال العام والملكية الشخصية. ومع انها استبيحت في المجتمع العراقي المعاصر بشكل غير مسبوق فاننا، (الحكومة والبرلمان والمثقفون) لم نهتم بها قدر اهتمامنا بالقضايا السياسية.. وقد يكون في هذا المشروع الذي تتبناه(الصباح) ما يقرع الجرس للبدء بتنفيذه.



التغير في القيم .
تمرّ "القيم" بنوعين من التغير هما: التغير المنضبط ، ويحدث هذا في المجتمعات المستقره سياسيا" واجتماعيا" واقتصاديا" بغض النظر ما اذا كان النظام فيها ديمقراطيا" أو دكتاتوريا"، فرديا" أو جمعيا"( امريكا والصين مثلا"). وفيها يكون تغير القيم تدريجيا" اذ تندثر قيم و يقل تأثيرأخرى وتشيع قيم كانت محدودة وتكتسب قيم جديدة، مع الاخذ بنظر الاعتبار نسبية هذا التغيير من مجتمع الى آخر، لكون سرعته تتوقف على مرونة وصلابة المنظومات القيمية في كل مجتمع ( السويد مقارنة بكوبا مثلا"). غير ان تغير القيم في هذه المجتمعات يحكمه، مع اختلافها، عامل التحول التدريجي.
والنوع الثاني لتغير القيم هو التغير المنفلت ، ويحدث هذا في المجتمع الذي يتعرض الى احداث سياسية كبيرة كالحروب،وازمات اقتصادية حاده تمتد لسنوات،تهز البناء القيمي للمجتمع والمنظومات القيمية للافراد.. وهذا هو الذي حصل للمجتمع العراقي المعاصر بدءا من عام 1980 التي افتتحها النظام السابق بحربه الكبيرة الاولى مع ايران ثم الحروب المتلاحقة، التي ينفرد بها المجتمع العراقي عن المجتمعات المعاصرة، ليس فقط بطول زمن هذه الحروب التي استمرت ثلاثة عقود،وما تزال، بل وأيضا" بحجم خسائرها البشرية والمادية وشمولية فواجعها بين الناس.
وما يعنينا هنا هو ما احدثته هذه الحروب والازمات الاقتصادية من تغير في أهم القيم وما نجم عنها من سلوك في المجتمع العراقي المعاصر.. ولنبدأ بالحرب العراقية الايرانية.

تراجع قيمة الحياة.
اخطر ضربة وجهتها الحرب العراقية الايرانية الى المنظومة القيمية بالمجتمع تلك التي استهدفت بها"قيمة الحياة". فلقد كانت هذه القيمة المقدسة تحتل المكانة الرفيعة العليا في البناء القيمي للمجتمع. اذكر حين كنت طفلا" في خمسينيات القرن الماضي انني (وجيل الكبار هو كذلك) تألمت على جارنا الذي توفي وهو في الخامسة والسبعين.واذكر ان البيان العراقي الأول للحرب العراقية الايرانية ذكر بالنص (ان عدد قتلانا ستة) فتألمنا كثيرا".
وما ان بدأت حالات تشييع شهداء الحرب تزداد في شوارع مدن العراق وقراه مصحوبه بالمشاهد البشعة لضحايا الحرب التي كانت تعرض يوميا" في التلفزيزن عبر برنامج(صور من المعركة) حتى بدأت قيمة الحياة تتراجع لدى جيل الشباب الذي شهد في طفولته هذه الحرب. والى هذا الجيل تحديدا" يعزى ارتكاب الجرائم البشعه في عامي (2006- 2007 ) الذي استسهل انتهاك قيمة الحياة وتجاوز حالة القتل الى التمثيل المروع بضحاياه.
ولأن الفرق الكمي بين جيل الكبار وجيل الشباب لم يكن كبيرا" زمن الحرب العراقية الايرانية، ولأن المنظومة القيمية لدى جيل الكبار كانت قويه، فأن القيم المتعلقة بالروابط بين الناس وتلك الخاصة بالاخلاق العامة والضمير والفساد المالي والملكيتين العامة والشخصية، لم تتعرض الى اهتزاز كبير، غير ان رياح التغيير بدأت تهب علينا.

انتهاك الملكيتين العامة والشخصية.
بعد هزيمة جيش النظام في غزو الكويت عام 1991،وسقوط السلطة في اغلب المحافظات العراقية، وجهت ضربة جديدة الى المنظومة القيمية في المجتمع استهدفت هذه المرّة الملكية العامة الخاصة بمؤسسات الدولة،تبعتها ضربة اوجع على نفس الهدف في 9/4/2003..ومابعده.
وبوصفي شاهد اعيان لما جرى من اعمال نهب وسلب، لكون شقتي تقع في مكان استراتيجي،( شارع حيفا مقابل وزارة العدل ومجاوره تماما" لوزارة البلديات)، فأنني شهدت بعيني أن النسبة الاكبر من الذين نهبوا الوزارتين ومبنى الاذاعة والتلزيون ووزارة الثقافة والاعلام وفندق منصور ميليا قاموا، كانوا من جيل الشباب، وبها تجرأوا على انتهاك قيمة احترام الملكية العامة.
ونجم عن الحصار انتهاك قيمة احترام الملكية الشخصية، فقد شاع في تسعينيات القرن الماضي حالات السرقة بشكل عام، وسرقة السيارات المصحوبة بالقتل. وبصفتي باحث علمي فأنني اجريت دراستين، التقيت في الأولى بعدد من مرتكبي جرائم السرقة في سجن ابو غريب، وتحاورت معهم في جلسة( ديوان) عن الاسباب التي تدعوهم للسرقة، فاجابوا انها العوز والفقر وعدم وجود مصدر عيش لهم ولعوائلهم. وحين سألتهم: ماذا لو اطلق سراحكم الآن؟ أجاب خمسة منهم انهم سيسرقون اول سيارة يرونها في الشارع!.
اما الدراسة الثانية فقد اجريتها على عصابة تتكون من ستة اشخاص قامت في اواسط التسعينيات بسرقة سيارات (سوبر ياباني، تحديدا") وقتل اصحابها. وكان زعيم هذه العصابة شابا" في الثامنة والعشرين من عمره رياضي وصاحب محل (موبيليات) ولم يكن محتاجا"، قام بقتل ستة اشخاص واخذ سياراتهم . وحين سالته: لو انهم البسوك البدلة الحمراء واقتادوك فجرا" الى الاعدام فعلى ماذا ستندم؟ ، اجابني: اندم لأنني لم اقتل اكثر!. وبغض النظر ما اذا كان مصابا"بــ (السيكوباثية) فان شباب التسعينيات كان قد عانى الحرمان الاقتصادي والشعور بالحيف. فكثير من اصحاب الشهادات( وبينهم مهندسون) اضطروا الى ان يشتغلوا باعمال لاتليق بهم (بائع خضروات، أو مشويات،أو مرطبات...). بل انني التقيت اثناء وجودي استاذا" زائرا" بجامعة صنعاء عام 1998 شابا" عراقيا جامعيا" كان يبيع "اللبلبي!" في شارع الزبير.
ونشير هنا الى أنه يوجد في كل مجتمع هرمان او سلّمان للمكانتين الاجتماعية والاقتصادية، تحكمهما علاقة منطقية.. بمعنى ان الطبيب الذي يحتل قمة الهرم في المكانة الاجتماعية ينبغي ان يحتل المكانة نفسها في الهرم الاقتصادي. وكنت اجريت في العام 1997 دراسة ميدانية تبين منها ان الاستاذ الجامعي الذي كان يحتل المرتبة الرابعة في اعلى قمة هرم المكانة الاجتماعية(مع الطبيب والتاجر والمهندس) تراجع في سنوات الحصار الى المرتبة الرابعة والعشرين في الهرم الاقتصادي وجاء ترتيبه بعد مصلّح الراديو والتلفزيون!.. وجاء المعلم في المرتبة الاقتصادية الاخيره بعد الحمّال!. والمخجل ان بعض ميسوري الحال كانوا يعطون زكاة الفطر والصدقات الى المعلمين الذين كانوا يعيلون اسرا" كبيرة، بعد ان كان المعلم في الخمسينيات يستطيع ان يتزوج ويؤثث بيتا" براتب ثلاثة اشهر فقط!.
وما حصل في سنوات الحصار ان المنظومة القيمية في المجتمع العراقي تلقت ضربة موجعه في مكان جديد استهدفت هذه المرّة قيمة احترام الملكيتين العامة والشخصية، وهذا هو الذي شكّل احد اهم اسباب الفساد المالي الذي نقل العراق الى مواقع الصداره بين الدول الفاسدة.

تصاعد جيل وانحسار جيل.
يحسب عمر الجيل عادة بـ (35) سنة، وهذا يعني ان جيل الشباب بالعراق هم المولودون عام 1975 وما بعده. ومع ان جيلي الشباب والكبار بينهما تباين بالقيم في اي مجتمع كان،فان هذا التباين بينهما في المجتمع العراقي المعاصر اكبر منه في اي مجتمع اخر، لسبب جوهري هو ان جيل الشباب بالعراق ولدّ في حرب ونشأ في حرب وما يزال يعيش حروبا" مركبه، ولأنه عانى بقسوة ازمة اقتصادية حادة اخذت ثلاث عشرة سنة من عمره. هذا يعني انه عاش "نوعية حياة" مختلفة تماما" عن تلك التي عاشها جيل الكبار. ومسألة اخرى مهمة هي ان نسبة كبيرة من جيل الشباب تقدر باربعة الى خمسة ملايين هم من اليتامى والمشردين وتاركي الدراسة، فضلا عن أن 30% منهم يتعاطون المخدرات وفقا لاحصاءات طبية أشار لها مؤتمر مكافحة المخدرات عقد مؤخرا (22-12-09) بجامعة القادسية . ومع ان المنظومتين القيميتين لجيلي الشباب والكبار تختلفان في المحتوى وفي تراتب القيم (مواقعها في سلّم القيم) في كل المجتمعات البشرية ، الا ان الاختلاف بينهما في مجتمعنا المعاصر على اوسع مدياته. فجيل الشباب عندنا متشبع بثقافتي العنف والحرمان وتردي المعايير القيمية الخاصة بالحلال والحرام.
ولتوضيح الصورة نستعير هنا ما اتفق عليه علماء الاجتماع بوجود اربعة توجهات قيمية مختلفة تحكم علاقة الفرد بالجماعة في النظام الاجتماعي هي:
1. التوجه الايثاري Altruist. وفيه يسعى الفرد الى جلب المنافع للجماعة حتى لو تطلب ذلك تضحية شخصية منه.
2. التوجه التعاوني Cooperator . وفيه يتوجه الفرد للعمل سوية مع الاخرين للحصول على اكبر قدر من المنافع له ولجماعته.
3. التوجه الفردي Individualist . وفيه يكون توجه الفرد نحو حصوله على أكبر المنافع بغض النظر عن باقي افراد الجماعة .
4. التوجه التنافسي Competitor . وفيه يسعى الفرد الى ان يكون هو الاحسن من الاخرين بغض النظر ما اذا كانت المنافع التي يحصل عليها عالية او منخفضة بالمعنى التجريدي.
ويرى هؤلاء العلماء ان معظم الناس يقعون في الفئتين( التعاوني والفردي) فيما يوجد قليلون في الفئتين( الايثاري والتنافسي) ..وهذا ما كان ينطبق الى حد كبير على جيل الكبار ولم يعد ينطبق على جيل الشباب بالمثل. فاذا كان "التوجه الايثاري" موجودا" – على قلته – لدى جيل الكبار فانه لم يعد موجودا" بين جيل الشباب الا ما ندر. وتراجع أيضا" التوجه التعاوني لديهم، وصار محكوما" بعامل سياسي بعد ان كان قيمة اجتماعية. وشاع بين افراد جيل الشباب التوجهان الفردي والتنافسي، وكلاهما انانيان .. فالفردي يكون مدفوعا" نحو الحصول على أعلى قدر من المنافع بغض النظر عن منافع أو خسائر الاخرين، والتنافسي يكون مدفوعا" الى ان يكون هو الافضل حتى لو أدى ذلك الى زيادة خسائرالاخرين .. وكلا هذين التوجهين لا يعملان لصالح المجتمع.
والحقيقة المؤكدة ان مستقبل العراق سيكون بيد جيل الشباب الذي يؤلف الان بحدود 70% من المجتمع. وبرغم اننا لا نمتلك احصائية بنسبة الشباب في البرلمان الحالي فان نسبتهم ستكون أكبر في البرلمان المقبل، ترتفع بعدها الى أكثر من نصف في برلمان عام 2018.
ومع ان ما قلناه بخصوص جيل الشباب لا يتمتع بصدقية التعميم، فان بين الشباب من حافظ على "ثوابت" في القيم الاصيلة ( احترام قيمة الحياة والملكية العامة والشخصية والضمير الاخلاقي الخاص بالحلال والحرام ) لأسباب اهمها انه تربّى في عوائل تحترم هذه القيم. الا ان هذا لايعني ان امور السلطة والناس ستكون بمنأى عن شباب لا يحترمون هذه القيم، بل ان وصول هذا النوع من الشباب الى "كراسي" المسؤولية ارجح .. لانهم اكثر ميلا" للتنافس ومتشبعين بثقافتي العنف والحرمان، واكثرهم انخراطا" في الاحزاب السياسية ( جسر العبور الى السلطة) فضلا" عن أن الشباب النظيف والنزيه سيكون بعيدا" عن لعبة السياسة التي وجد انها تحتاج الى "مؤهلات" لا يمتلكها من قبيل: الكذب والاحتيال والنفاق ... فضلا" عن الخوف من الاغتيال.

خيبة الشباب في جيل الكبار
أصدق وصف ينطبق على جيل الشباب العراقي هو :(جيل الخيبات المتلاحقة).فالحرب العراقية الايرانية سلبت منه متعة الطفولة ومرحها ،وروّعته بمشاهد الحرب وفواجعها .والحصار أضاع عليهم الاستمتاع بحياة المراهقة واشباع حاجاتها . وحين صاروا شبابا أغلقت بوجوههم فرص العمل حتى الذين تخرجوا في الجامعات ..وما تزال البطالة شائعة بين الشباب بأعلى نسبة في العالم مع أنهم في أغنى بلد.
والخيبة الجديدة التي صدموا بها أن لديهم صورة عن جيل الكبار أنه يحترم معيار ( الحلال والحرام) بمعنى أنهم يحللون ويحرّمون ، وأنهم في زمانهم ما كانوا يعطون امرأة (زوجة) لرجل يعرفون انه سارق، وأن (الحرامي ) في قيمهم أشبه بالمنبوذ اجتماعيا ..واذا بهم يرون بين من صاروا مسؤولين عنهم تحولوا الى ( حرامية دولة).
ومع ان هذه الصورة سبق أن اهتزت زمن النظام السابق حين ازداد رموزه ثراءا فيما ابتلع الفقر حتى الطبقة المتوسطة ، الا ان معيار ( الحلال والحرام) ظل من الثوابت كقيمة اجتماعية .. لأن معظم العراقيين عدّوا اولئك الرموز سارقين منبوذين ، وحين جاءت سلطات ما بعد التغيير أسقطت ذلك الثابت من المنظومة القيمية لدى الشباب بعد ان شاع الفساد بين مسؤولين في السلطة الذين يفترض فيهم أن تكون أخلاقهم عكس اخلاق المسؤولين في النظام السابق ، وأن لا يكونوا كما قال الشاعر :(لا تنه عن خلق وتأتي مثله ...عار عليك اذا فعلت عظيم).وما حصل كان أقبح ، فقد صار الاتهام بالفساد المالي بين المسؤولين علنا، ولكم أن تتذكروا كيف اتهمت لجنة النزاهة مسؤولا كبيرا بالفساد ، فردّ مسؤول قيادي على رئيسها بأنه فاسد ،هو وحزبه ، حد النخاع ..عبر الفضائيات!.ولقد ولّد مثل هذا السلوك لدى الناس اعتقادا بأن أغلب السياسيين يسرقون ، ويفسرون ما يحصل بينهم من " هدنة " في تبادل الاتهامات انهم وصلوا الى اتفاق " تحت العباءة " مفاده :" ما دمنا كلانا يسرق ..فاسكت وانا اسكت".
وطبيعي ان الشائعة يرافقها التضخيم ، سيما وأن لدى المحرومين شهية لقضم سمعة من كان بالأمس منهم وصار اليوم بالسلطة ، برغم أن كثيرا من في السلطة يتصف بالنزاهة والاخلاص.الا أن هنالك من الشواهد ما يفيد بأن قيمة ( الحلال والحرام) لم تعد من الثوابت .فلقد اتهمت الحكومة المحلية الجديدة في البصرة مثيلتها السابقة بأنها كانت عصابة نهبت المليارات .وأفادت لجنة النزاهة بأن هنالك اكثر من ثلاثة آلاف حالة فساد في عام 2009 .ونشر في شريط الأخبار بالفضائيات بأنه حكم على مسؤول الوقف الشيعي ( في احدى المحافظات) بالسجن خمس سنوات لسرقته مبلغ 307 مليون دينارا!.
وهنالك مقولة : ( أن الناس على دين ملوكهم ) وأنها تصح أكثر حين يكون ملوكهم (القادة السياسيون من جيل الكبار) أنتخبهم الناس أنفسهم ليكونوا لهم القدوة في السلوك والأخلاق . لكن المخجل أن عددا من هؤلاء الساسيين ما تركوا مفردة بذيئة في قاموس اللغة الا وتراشقوا بها علنا أمام الملاين عبر الفضائيات حتى صاروا موضوعا للتندر في رسوم الكاركيتير ، و " انموذجا " تضرب به الأمثال عن الأفعال التي تخالف الأقوال ، حتى لتحسب ما قاله علي الوردي ينطبق عليهم بامتياز . فمنهم من ذهب لحج بيت الله الحرام ..وهو آكل للمال الحرام ، ومنهم من وعد ناخبيه باصلاح الحال ..فتركهم يأكلون الخبز والكرّاث وأصلح حاله بما لذّ وطاب من الطعام والشراب ،ومنهم من أطلق اللحى وأطلق معها طول اللسان في نعت الآخرين بأردأ الصفات .
والخطر الاجتماعي في هذا التصرف ، أن استسهال تداول المفردات البذيئة من قبل الكبار يؤدي الى استسهال تداولها وتحولها الى سلوك بين أفراد المجتمع . وقباحة أخرى مرتبطة بسابقتها أن الذين يتراشقون ببذيء الكلام في الصباح تراهم في المساء يتضاحكون وكأن شيئا لم يكن . فكيف سيكون جيلا الشباب والأطفال (70%من المجتمع ) حين يرون آباءهم ، أو ممثليهم القدوة ، تستسهل ألسنتهم وصف الآخرين ببذيء الأوصاف ثم يضعون يدا بيد ويتقلبون في مواقفهم باليوم
أكثر من عدد مرات الصلاة سواء كانت خمسا أم ثلاثا .
لقد افتقد الشباب في جيل الكبار رجل الدولة ( الأنموذج القدوة ) في النزاهة والاخلاص، ولم يعنهم شيئا تباهيهم بعبد الكريم قاسم الذي رحل عن الدنيا ولم يكن في جيبه غير سبعمئة وخمسين فلسا..فذاك تاريخ والفعل للواقع الذي وجدوا فيه قادتهم قد شرعنوا الفساد وحللوا لأنفسهم ما كانوا يعدونه حراما.
والخطر الذي لم يدركه المسؤولون ولا يعيرونه اهتماما أن المتبقي من ( ثوابت ) القيم الأصيلة في المجتمع العراقي المعاصر تتعرض الآن الى أن تكتسحها (تحولات ) بهجوم أقوى من دفاعاتها ، وأنه قد يأتي علينا يوم نلوم فيه أنفسنا كيف تركناها ..ذهبت مع الريح!.



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هكذا تكون الدعوة لتحرير المرأة
- الثابت والمتحول في المجتمع العراقي المعاصر 1 - 5
- ميكافيللي الشرير القابع في زعاماتنا
- السياسيون وبذيء الكلام
- انتخبوا ..القائمة النفسية!
- التعصب والاتجاهات
- نهاية العراق :في الانتخابات المقبلة!
- سادية حاكم ..مازوشية شعب
- زيارة لمدينة الناصرية - قراءة في ثقافة العشيرة
- الفؤوق الجندرية بين العلم والخرافة
- رسالة إلى نفسي
- الانتخابات العراقية ..وسيكولوجيا الاحتواء -قراءة نفسية-سياسي ...
- سيكولوجيا الفوضى بين بغداد وبيروت
- نحو فهم جديد لسيكولوجيا الشيخوخة
- العار ..للقتل غسلا للعار !
- التقاعد = مت وأنت قاعد!
- العراق : وطن بلا طفولة
- دلالات الرموز في أعلام دول العالم
- الحب في زمن الكوليرا
- تساؤلات محرجة ..في الدين - الحلقة السادسة - سيكولوجيا الدين ...


المزيد.....




- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...
- جميع الإصابات -مباشرة-..-حزب الله- اللبناني ينشر ملخص عمليات ...
- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- -بوليتيكو-: شي جين بينغ سيقوم بأول زيارة له لفرنسا بعد -كوفي ...
- كيم جونغ أون يشرف بشكل شخصي على تدريب رماية باستخدام منصات ص ...
- دمشق: دفاعاتنا الجوية تصدت لعدوان إسرائيلي استهدف ريف دمشق
- هبوط اضطراري لطائرة مسيرة أمريكية في بولندا بعد فقدان الاتصا ...


المزيد.....

- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 4 - 11 العراق الملكي 2 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - قاسم حسين صالح - الثابت والمتحول في المجتمع العراقي المعاصر 2-5