أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات محسن الفراتي - دقائق لن انساها .. عندما وقفت امام (منظار غاليلو) الذي عرض لاول مرة منذ اربعة قرون















المزيد.....

دقائق لن انساها .. عندما وقفت امام (منظار غاليلو) الذي عرض لاول مرة منذ اربعة قرون


فرات محسن الفراتي

الحوار المتمدن-العدد: 2815 - 2009 / 10 / 30 - 09:20
المحور: الادب والفن
    


في صباح سويدي جميل ، و على لسعات برد الشمال الجميلة .. و نحن في مطلع الاسبوع الثاني من تشرين الاول 2009 ، و على مقربة من المحطة الرئيسية في استوكهولم ( T - centralen ) ، التقيت بصديقي العراقي بسام البغدادي المقيم في السويد .. و كان هدف اللقاء ان نزور بعض المتاحف في استوكهولم ، فلطالما عشقت هذه الاماكن كلما و اينما سافرت .. لما فيها من سحر خاص لست افهمه ، و كانت اول محطاتنا زيارة متحف نوبل ( Nobel Museum ) في ضاحية كاملا ستون ( Gamla Stan ) القريبة .. حيث من المنتظر في ذلك اليوم اعلان الفائز بجائزة نوبل للاداب للعام 2009 .

وصلنا الى المتحف قبيل اعلان النتائج التي من المقرر ان تعلن في الواحدة ضهراً .. وكانت الساحة المقابلة للمتحف مكتضة بالاشخاص من مختلف الجنسيات ، يجمعهم رغبتهم في معرفة من سيحصل على ميدالية نوبل للاداب هذا العام .

لم ننتظر طويلاً بين المحتشدين في الخارج ، و دخلنا انا و صديقي بسام الى المتحف .. و بلا شك فالمفاجئات غير المتوقعة في متحف زاهر و نابض بالحياة كمتحف نوبل متوقعة .. الا ان ما لم اكن اتوقعه بالمطلق ، هو ان اكون من اوائل الاشخاص في العالم بأسره .. سيشاهد تحفة علمية خالدة
بقيت في ايطاليا طيلة اربعة قرون مضت .. و افرج عنها اخيراً ليحتضنها متحف النوبل و يشاهدها العالم عن قرب .. انها مقتنيات العالم الفلكي الكبير غاليلو غاليلي (Galileo Galilei ) و خاصة منظاره ، يدوي الصنع الذي اكتشف من خلاله اقمار المشتري .. و برهن بأن الارض و الكواكب يدورون حول الشمس ، وقت كان العالم يضن بأن الارض مركز الكون و الشمس هي من تدور حولها .

متحف نوبل خصص جناحه الرئيسي الكبير لاستقبال مقتنيات غاليلو الاصلية من وثائق و خرائط و معادلات رياضية بخط يده و اراء كتبت بيده حول الفلك و الكواكب ، و مجموعة من الكتب العلمية و المعادلات و الاجهزة التي كان يستخدمها في ابحاثه و تجاربه ، فضلاً عن منظاره الذي صنعه بيديه.

لحظات من السكون و التأمل اخذتني و انا امعن النظر في ذلك المنظار البسيط المصنوع من الرصاص و الزجاج و المؤطر بالخشب ، ترى كيف استطاع ان يبرهن من خلاله على حقائق علمية عجز عن اثباتها اليونانيون القدامى ، و علماء عاصروه .. يبدو ان هدوء الانبهار لم يكن اصابني انا فقط بل يبدو انه اصاب كل من وقف امام المنظار يتأمله .. لقد بهر الجميع .

ثم كم كان دقيقاً من اختار موقع العارضة الزجاجية التي احتضنت المنظار .. لقد وضعه وسط القاعة و فوقه مباشرتاً تمر سلسلة الشرف التي يعلق عليها صور جميع من حمل ميدالية النوبل .. و كأنما هنالك رابط علمي بين غاليلو و من تلاه من علماء .. او تشعر و كأنما رعاة المتحف يسلمون غاليلو ميدالية نوبل .. فالمتحف بأسره ملىء بالجداريات المرسومة و المصورة التي حملت صورة لغاليلو كتب فوقها بالانكليزية ( Galileos Teleskop ) منظار غاليلو كما و زينت مكتبه المتحف الغنية بكتب العلم الثمينة بخرائط للكواكب و للمجموعة الشمسية كما صورها غاليلو قبل قرون .

انه (العلم) حيث المجال الحيوي لبني البشر لللاستمرار و التطور ، غاليلو لم يكن عالماً استثنائياً فقط ، بل اجتاز حتى ذلك ، فهو كما يصفه البرت انيشتاين (Albert Einstein ) : (غاليلو هو اب الفيزياء الحديثة بل اب جميع العلوم الطبيعية المعاصرة نظراً لمعرفة الحقيقة بحماس اكثر من اي شخص اخر) ، هذا العالم لم يعش بين مكتشفاته و تجاربه و مبرهناته ضمن اجواء من الاستقرار و الترف ، بل على العكس واجه غاليلو مشكلات مختلطة و جمة ، (و كأنني كنت عندما اطلع على ماكتب حوله و ما عاناه ، اجد مصداقية المقولة التي تقول ، بأن العظيم يخرج من رحم المأساة) .. فحياته الاجتماعية لم تكن مستقرة تماماً ، و وضعه الاقتصادي لم يكن جيداً ، وما كان يجنيه كان يقدمه لعائلته الكبيرة من ام و اخت و اخ و ثلاث اطفال ، اما اهم مشكلات هذا الرجل او لنقل اهم التحديات التي عصفت به .. فكان الصراع الكبير بين العلم و الدين (الكنيسة) في تلك المرحلة من تاريخ الانسانية .. حيث من يخالف الرأي الديني لا يجد سوى الحرق حياً مصيراً له ، و غاليلو ولج الضغوط النفسية من اوسع ابوابها .. عندما برهن بصدق فرضية (نظرية) العالم (Copernicus) كوبرنيكوس الذي نص على دوران الكواكب حول الشمس .. مما تسبب في احراقه حياً بأمر كنسي مقدس .
غاليلو بدأ مغمراته العلمية ، بأتباع المنهج التجريبي و بأليات مبتكرة .. فبرهن بداية على خطأ نظية ارسطو ، و من خلال تجارب غاليلو الفيزائية ، التي كان يجريها في برج بيتزا المائل ، اختبر غاليلو تجربة اسقاط الاثقال مختلفة الاوزان من البرج و اثبت ان الاجسام رغم اختلاف ثقلها تسقط في نفس الوقت .. وهو على نقيض ما اقره ارسطو بأن الاجسام الاثقل تصل الى الارض اسرع من الاجسام الاقل وزناً .. الا ان الثورة العلمية و المعرفية التي حققها غاليلو كانت بين العامين 1608 و 1609 .. عندما بدأ جاليليو يصنع منظاره الشهير (الذي وقفت امامه في متحف نوبل بذهول اخاذ) بوضع عدستين في طرفي إنبوبة من الرصاص .. ليشاهد السماء كما لم يشاهدها غيره .. و يعرف عنها ما لم يعرفه علماء عصره .

ما اعظم العلم (400 عام) مر على صنع غاليلو لمنظاره (الذي تأملته طويلاً) لقد اثبت حقائق مطابقة لما كشفته الاقمار الصناعية المعاصرة .. كم هي لحظة ساحرة تلك التي وقفتها امام الخزانة التي احتوت هذا المنظار الفريد وسط متحف نوبل ، ذلك المنظار الذي كان باباً للانسان ليلج علوماً جديدة نحو المستقبل .

غاليلو دون مكتشفاته و نظرياته العلمية و الفيزيائية و التي تتعلق بالمجموعة الشمسية و النظام الشمسي ضمن كتابه المسمى (مناظرة بين نظامين اساسيين للعالم) و الذي نشر عام 1632 ، و تسبب في ضجة علمية و سخط و ازعاج للكنيسة ، لما جاء في الكتاب من متناقضات مع اراء ارسطو التي كانت الكنيسة قد اعتمدتها دينياً في وقت سابق .

غاليلو برهن من خلال منظاره (الذي اقف امامه متأملاً) حقائق تاريخية .. فقد اكتشف بأن الارض ليست المركز الرئيسي للكون ، و اكتشف ان الشمس هي مركز الكون ، وبرهن على صدق نظرية كوبرنيكوس الناصة بأن الكواكب هي من تدور حول الشمس ، و ليس العكس ، كما اثبت ان الارض ليست سوى كوكب صغير يدور حول الشمس ، و اكتشف وأن كوكب المشتري له أقمار .. مثلها مثل القمر الذي يدور حول الأرض ، ورأى أن الطريق اللبني (او ما عرف لاحقاً بدرب التبانة) ليس مجرد سحابة من الضوء إنما هو يتكون من عدد لا حصر له من النجوم المنفصلة والسديم .. و اكتشف ايضاً ان للقمر ارتفاعات و انخفاضات ، ليس كما تصورته الثقافات و اعلوم القديمة بأن سطحة مسطح .
اهتمت الكنيسة بالموضوع و طلب من غاليلو المثول امام لجنة الاستجواب المقدسة في روما ، و كانت التهمة الموجهة له تقول بأن اراءه العلمية تتعارض مع ما جاء في الكتاب المقدس ، كما انها تخطىء اراء ارسطو الذي تبنت الكنيسة افكاره العلمية في وقت سابق ، اضافة الى اتهام غاليلو بنشر افكار المنشق كوبرنيكوس و تعاليمه .. و هنا كانت الادانة تعني بلا شك اعدامه مع كتبه حرقاً ، و لكنه و نظراً لكبر سنه (عند المحاكمة كان في التاسعة و الستين) و خشية من الموت حرقاً على غرار كوبرنيكوس ، و خشية على كتبه من الحرق .. سحب غاليلو افكاره امام الجمهور .. الا ان ذلك لم يشفع حكم المحكمة الكنسية عليه بالاعدام .. الذي خفض (لسحبه اراءه و كبر سنه) ليتحول الى الاقامة الجبرية (معزولاً عن الاخرين) .. و بقي غاليلو يردد عند خروجه من المحكمة و في طريقه الى بيته حيث الاقامة الجبرية عبارته الشهيرة (ومع ذلك فهي تدور) قاصداً الارض حول الشمس .

غاليلو بقي تحت الاقامة الجبرية لحين وفاته عام 1642 و دفنه في مدينته الام فلورنسا ، عن تسعة و سبعين عاماً .. و بقي العلم الحديث و العلماء من عصر النهضة الى عصر الثورة الصناعية الى عصر ثورة المعلومات يعتمدون ارائه العلمية و نظرياته .

و في العام 1983 .. اعتذرت الكنيسة المسيحية رسمياً من غاليلو الراحل منذ اكثر من ثلاثة قرون و نصف ، بعد ان تأكدت ان مجمل نظرياته العلمية كانت صحيحة .. و ان الحكم الكنسي الذي صدر في حقه كان قاسياً و خاطئاً .
و لاشك انني مدين للصدفة التي جمعتني بهذه التحفة العلمية (منظار غاليلو) ، و اشعر بالفخر الشديد بأنني كنت من اول .. ان لم اكن اول من صور هذه التحفة العلمية و تصور الى جانبها .. في اجواء متحف نوبل الساحر .. و الملهم للنجاح و التقدم لكل من على هذه المعمورة .




#فرات_محسن_الفراتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من داخل متحف النوبل في استوكهولم .. و في ظل الاجواء الحالمة
- المعارضين الأجانب في العراق .. العراق و أزمة الحوثيين انموذج ...
- قضية لبنى الحسين .. تفتح ابواب الحريات و الحقوق في العالم ال ...
- العراقيون و مشاريع اوباما
- السجارة التي احرقت روما .. تحرق بغداد
- ذكرى 14 تموز .. و ثمار الحرية
- مع قرب الانسحاب .. التناقضات تفتضح
- كنت استاذاً و صديقاً .. فليرحمك الله يا سلام الحيدري
- بين رفع الحصانة و سحب الثقة .. لا محاكمة للوزراء و النواب
- الإجابة على السؤال التقليدي .. المصالحة مع من ؟
- بخطوة متأخرة الحكومة العراقية توجه بإقامة تمثال للراحلة نزيه ...
- في الذكرى السادسة للتغيير في العراق
- حقيقة الجدل العراقي حول الانفتاح على (حزب البعث) السابق
- بين مفهوم المواطنة الأمريكية و مفهوم المواطنة العراقية .. في ...
- العراق الجديد (الديمقراطي) لا يمتلك سفيرة بالخارج !
- الانتخابات المحلية في العراق .. تعلن بداية فصل جديد في عراق ...
- العراق يعتزم طرد منظمة مجاهدي خلق الإيرانية من أراضيه
- اوباما يستبق وصوله للبيت الأبيض بالرغبة في الوصول لحل نهائي ...
- أسرار مرور الاتفاقية العراقية – الأمريكية .. تقرير مفصل
- العراق يسعى لإعادة عقوله المهاجرة


المزيد.....




- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات محسن الفراتي - دقائق لن انساها .. عندما وقفت امام (منظار غاليلو) الذي عرض لاول مرة منذ اربعة قرون