أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - منام !! ( قصّة قصيرة)















المزيد.....

منام !! ( قصّة قصيرة)


حمادي بلخشين

الحوار المتمدن-العدد: 2807 - 2009 / 10 / 22 - 15:57
المحور: الادب والفن
    



رأيت جدتي في المنام ... كانت تشير إليّ بيديها وهي تبكي، سألتها" ماذا تبغين؟" تحرّكت شفتاها دون أن يصلني شيء. حين يئست جدتي من التواصل معي، أخذت تلطم خديها الي أن تهاوت على الأرض. إستيقظت فزعا . استعذت بالله من الشيطان الرجيم ثم نمت من جديد.

في الليلة الثانية تكرّر نفس الحلم. كانت جدتي أشد نحولا و أكثر بكاء و لطما لخديها من المرّة الأولى. رجعت الي أرشيف جدتي عليّ أجد فيه ما يبرّر عذابها في معسكر الأموات. ما وجدته كان لا يبشر صاحبه بأقل من الفردوس الأعلى! فقد كان الشيخ يوسف القرضاوي و آية الله السيستاني ألعن شخصية بالنسبة إليها بعد رئيس الجمهورية، كانت جدتي تجتهد في لعنهم كلما وردت أسماؤهم و حين تظهر صورة احدهم كانت تصرخ فينا:
ــ أغلقوا المرحاض ( تقصد التلفزيون) !

كانت جدتي تكره كل ما يمتّ للحكومة بصلة، حتى انها كلما اضطرت الي دخول مؤسّسة عمومية، قدّمت رجلها اليسرى مردّدة دعاء الدخول الي المراحيض!، و حين تغادرها كانت تقدم رجلها اليمني وهو تسأل الله أن يعيذها من الخبث و الخبائث!

حين قصصت على إمام مسجدنا ما رأيته في المنام، مسح لحيته ثم قال لي:
ــ غياب الصوت في منامك مؤشر هامّ على وجود انسداد معتبر في بصيرتك التي يبدو لي انها تعاني عدم تواصل بالأوامر الربانية... راجع نفسك يا بني...
سكت قليلا ثم سألني:
ــ أجبني يا بني بكل صدق، هل أنت عاكف على فرج حرام؟ هل تنتمي الي تنظيم سلفي أو إخواني؟ وهل أنت مدمن مخدرات أو حشيش؟. هل تتابع أفلام بورنو أو مسلسلات مخلة بالأخلاق؟ هل تشاهد فيديو كليبات ؟ هل أحسنت الظن يوما بإيران حين ادعت انها تسعى لما ينفع المسلمين؟ هل اعتقدت ولو للحظة ما أن حزب الله اللبناني يكره إسرائيل و يودّ دمارها؟ هل فرحت بفوز بارك اوباما؟ هل حدثتك نفسك الأمارة بالسّوء ان لذلك التافه المرتدّ من الصلاحيات ما يخوّل له مجرّد قلب حجر صغير في عالمنا الإسلامي دون استئذان اللوبي الصهيوني و أرباب الشركات المتعددة الجنسيات؟

أقسمت للإمام انني أحب زوجتي، و لا أشرك بها أحدا منذ أكملت نصف ديني وازداد بالله يقيني، كما انني لا أتناول أي نوع من المخدرات سلفية كانت أم اخوانية هيروين او حتى قات، كما أكدت له امتناعي عن مشاهد الأفلام والمسلسلات الاجتماعية و الكليبات . كما أكدت للإمام كراهيتي لإيران و ذيلها اللبناني، و أمريكا و رؤسائها، و يأسي من نفعهم يأس ستالين من النشور، و كفار قريش من أصحاب القبور.

أكبر الإمام إيماني، قبل ان يطلب مني ان أدعو له لأنه لا يفلت حلقة واحدة من مسلسل تلفزيوني كلاسيكي او معاصر عربي أو مدبج وعدته خيرا ثم انصرفت!

في أول ليلة كففت فيها عن متابعة نشرات الأخبار التي تبدو فيها المذيعة و كأنها تتهيأ للجماع. ظهرت لي جدتي في المنام، كان الصوت واضحا لكنني كنت التقط القليل منه... لم يصلني منها غير قولها:" اقتراع ... انتخاب ... مناشير..." قبل ان تنخرط في لطم نفسها من جديد، حالما تأكدت عدم استيعابي لما كانت تصرخ به .

حين عدت ثانية الي الأرشيف العائلي، و بعد تحريّات مضنية،
إكتشفت أن جدّتي لم تصوّت لأحد في حياتها، كانت تقول لمن حولها " لإن أفعلها على نفسي في مجلس حافل بمن أجلّه و أقدره، أهون عليّ من التصويت لحمار رئاسيّ عميل لا يفرق بين آية و بين بيت شعر شعبيّ..." نسيت ان اقول لكم ان جدتي قد تعرضت مرتين الي تعنيف شديد في أحد مراكز الشرطة بعد إستهانتها بالتزامين متتالين باحترام المنشور رقم 108 القاضي بعدم ارتداء الخمار باعتباره زيا طائفيا عثمانيا مقطوع الصلة بتونس الخضراء و تراثها الإسلامي الخالد ... منذ ذلك الوقت اعتكفت جدتي في البيت حتى خرجت منه محمولة على الأعناق.

كان لا بد لي أن اتطهر اكثر ليتجلى لي الحلم أوضح و أسمع.

في اول ليلة كففت فيها عن متابعة النشرة الجوية التي كانت مؤخرة المذيعة الحسناء تذهلني أثناءها عن التركيز على الدرجات الحرارية و المنخفضات الجوية، و الزوابع الرعدية، ظهرت لي جدتي في المنام . كانت الصورة واضحة، و الصوت مسموعا الي درجة رجوت فيها جدتي ترك ما الفته من صراخ .

ــ أشدّ ما آلمني يابنيّ، و اكثر ما حزّ في نفسي، سخرية أهل البرزخ مني... مني أنا التي كنت أشبه الرئيس بإبليس، و وصمي بأنني إحدى إلإماء المخلصين للرئيس زين العابدين، حتى بعد موتي و خروجي عن متناول مخالبه... حدث ذلك منذ وزعت علينا مناشير فيها أسماء من صوّت له في الانتخابات الرئاسية... أجهشت جدتي بالبكاء ثم قالت:
ــ يا للعار لقد كان أسمي على رأس القائمة!
قلت لجدتي مواسيا:
ــ لعل المسألة مجرّد تشابه أسماء لا أكثر و لا أقل؟
انهالت عليّ بخيزرانة خضراء كانت بيدها.. كنت أكابد ألم لسعتها حين سمعتها تقول:
ـــ لا تســتهن بــمعلوماتي مــرة أخرى، لـــقد ورد اســمي بصيغته الرباعية !
أردت سؤالها، لكنها عاجلتني قبل ان توليني ظهرها:
ــــ لبن ابنتي عليك حرام ان لم تنصفني بين الأموات، و تبيّض وجهي بين أهل البرزخ.
كنت أهم بسؤال جدتي عن كيفية إنصافها، و تبييض وجهها بين أهل البرزخ، حين أيقظني طرق عنيف على الباب، نقلني من عالم الأحلام و الرؤى، الي دنيا الأحياء الأوصاب.

ظللت مشغولا لأيام كثيرة ... كنت أعلم أن النظام المصريّ قد دأب منذ سنين طويلة على الإستعانة بأسماء أهل القبور لرفع رصيده المزعوم من المنتخبين، لكنني لم أسمع قط ان النظام التونسي الذي يعتبر كل الشعب ( من هب منهم و درج) في عداد الأموات، قد يلجأ يوما الي تلك الطريقة السخيفة!. لأجل ذلك بقي عليّ الاتصال بحاتم منصور زميل دراستي القديم، الذي يحتل موقعا متقدما من التجمع الاشتراكي الحاكم، حتى يوافيني بأصوات من أنتخب أخيرا... ولأن العداء بيننا كان عميقا، و الشقة بعيدة ...لجأت الي سكرتيرته الفاتنة لمياء ( جارتنا في نفس الوقت)، جثوت أمامها على ركبتيّ، توسلت إليها باسم الحب القديم الذي كان يجمعنا أن تضع اسم " خديجة بن مبروك بن لخضر بن البرني النجار" في محرّك البحث السريّ التابع لمكتب المسؤول الحزبي البارز حاتم منصور، وعند ظهور الاسم المذكورعلى أي قائمة، عليها بالمسارعة الي حذفه مع جزيل الشكر و عظيم العرفان... رفضت في أوّل الأمر... تعللت بأن أمن الدولة آخر ما يفكرعاقل في المساس به. قلت لها أن تعاملها مع اسم شخص ميت، لا يمكن ان يجلب لها أي مشكلة... لم تقتنع بقولي، الا حين وعدتها باستئناف ما كان بيننا من مأثم و وصال محرّم .

في صباح اليوم التالي، تلقيت هاتفا من لمياء، طمأنتني فيه بأن الأمر قد تمّ على أحسن ما يكون، و أن وصالي اكثر ما يملك عليها تفكيرها... لم اكن اعتقد حين وعدت لمياء بوصل قريب، أن لقاءنا سيتحقق في نفس الليلة و لكن في أقبية وزارة الداخلية! فقد فوجئت قبيل الفجر بقليل، بفرقة" نينجا" ملثمة تقتحم بيتي، و أخرى تقفر من سطحه. سحبوني الي وزارة الداخلية. حين دخلت مكتب التحقيق ظهرت لي لمياء كما ولدتها أمّها، كانت مشدودة بحبل وآثار التعذيب بادية عليها، بعد اكتشاف ما سماه المحققون بتلاعب خطير وغير مسبوق بنتيجة الانتخابات!. بعد تعذيب طويل، و رغم تأكدهم من براءتي، و ضحكهم طويلا من طرافة حكايتي، أحلت الي محكمة أمن الدولة. بعد جدال طويل بين المحامي الذي وكلته للدفاع عني، وبين نائب الحق العام، رجحت كفة الأخير في إعتبار صلتي بمعارضة متوفاة، من قبيل الإرتباط بجهة أجنبية معادية، حتى لو اكتست طابعا ميتافيزيقيا صرفا. لأجل ذلك حكم علي بخمس سنين سجنا مؤجلة التنفيذ، و بغرامة مالية قدرها عشرة ملايين من المليمات .

بعد سبعة أشهر من عناء السجن و التوقيف، ظهرت لي جدتي في اول ليلة نمتها خارج أسوار السجن... هنأتني بالسلامة، كما اعتذرت لي عن تأخرها في زيارتي و مؤازرتي في محنتي، بسبب إستقذارها الفضاءات الرسمية. كما شكرتني على سعيي الدءوب في إنصافها و تبييض وجهها بين أهل البرزخ ... سألتها:
ــ كنت اعتقدت أن معاناتك ما زالت مستمرة.
ــ لم ظننت ذلك؟
ــ الم يقع إعادة اسمك من خانة المهملات الي مكانه الأول بين الناخبين؟
قالت لي بين لسعتـين مؤلمتين من خيزرانتها :
ــ يا لكع، المفروض وقوع ذلك، ولكن متى أتمت الدولة عملا بدأته ؟

وهي تغادرني أكبت علي رأسي و أشبعته تقبيلا، وهو تطلب مني( ومرة اخرى تحت طائلة التهديد بتحريم لبن أمي عليّ)، بالتدخل لصالح متوفاة عزيزة عليها وصمت حديثا بمثل وصمتها بعد وصول مناشير تحمل نتائج الإنتخابات التشريعـــية الأخـــيرة! خشيتي من

خيزرانة جدّتى، أجبرتني على وعدها ببذل أقصى ما في وسعي في سبيل رفع الضيم عن رفيقتها و تبييض وجهها بين أهل البرزخ . حين أفقت من النوم، سارعت الي فتح التلفزيون قافزا على عربة مسلسل مكسيكي شارف على الإنتهاء. كما التزمت منذ ذلك اليوم بلقاء نصف شهري في شقة لمياء لتجديد ما قطعناه من وصال. مع حرصى على متابعة أكثر الكليبات خدشا للحياء. لمزيد أحكام سدّ مجال الرؤى صوتا و صورة، و لصرف طيف جدتي عن اقتحام غرفتي علقت صور القرضاوي و السيستاني و زين العابدين بن عليّ على الجدار المواجه لسريري.

كان ذلك قبل عشرين سنة... منذ اتخاذي تلك الإجراءات الأمنية، كفت جدتي عن الظهور!

أوسلو 24 جوان 2009



#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقاب الوهّابي خطيئة علمانية
- إعتذار لكل النساء و الكتاب و القراء يليه رد على السيد عبد ال ...
- عن ضرب شاذات النساء في شرع خاتم الأنبياء
- رد هادىء على السيدة وفاء سلطان
- الصّوفية، مرّة أخرى و أخيرة (مآذن خرساء 46/48)
- في بلادي، الفقراء يشنقون أنفسهم.( مآذن خرساء 45/48)
- مصر، لا نور الشريف هي الخاسر الأكبر
- شراء بيت بربا ( مآذن خرساء 44/ 48).
- صدق الطنطاوي وهو الكذوب!
- من جرائم الأمم المتحدة.( مآذن خرساء 43/48)
- كل شيء عن الصّوفية المدمّرة (مآذن خرساء 43/48)
- العدل أساس الملك ( مآذن خرساء 41/48)
- مع شيعيّ غاضب ( مآذن خرساء 40/48)
- مأساة الوكيل عمّار الدريدي.(مآذن خرساء 39/48)
- احتفالات 17 ماي.( مآذن خرساء 38/48)
- عن الكهنة السلفيين( مآذن خرساء 37/48)
- في شقة رشيد (مآذن خرساء 36 /48)
- عدوّ !!
- سخافة !!
- إشكال


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - منام !! ( قصّة قصيرة)