أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - فن المخرج المسرحي بين التحصيل المعرفي والتأصيل العلمي















المزيد.....

فن المخرج المسرحي بين التحصيل المعرفي والتأصيل العلمي


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 2800 - 2009 / 10 / 15 - 22:32
المحور: الادب والفن
    



لأن الكثير من النصوص المسرحية العالمية و القليل من النصوص المحلية لا تفقد فعاليات تأثيرها الدرامي وتأثيرها الجمالي ؛ لذلك يتناوب عليها المخرجون ويتهافتون من جنسيات مختلفة ، فيتناولونها برؤاهم المتعددة والمتباينة؛ بما يتوافق مع أسلوبها الدرامي والفني أو بما يعمق خطابها الدرامي وأثرها الجمالي والفكري بالتفسير . وأحيان بما ينأى عن التوحد مع خطابها سواء بالعبث البنّاء في ترتيب أنساق النص وإعادة إنتاج خطاب مفكك لخطابه الذي أراده المؤلف ؛ بنقضه . ومن بين تلك النصوص المسرحية العالمية يبرز نص ( مس جوليا) للكاتب السويدي أوجست سترندبرج ، فلقد اختلفت عليه الرؤى الإخراجية وتباينت ، كما اختلفت عليه الدراسات النقدية مابين الاتفاق والاختلاف حول خطابه وحول الأسلوب الفني الذي ينتمي إليه ( الطبيعية أم التعبيرية أم الكلاسية - باعتبار بنيته المشتملة على الوحدات الثلاث – أم الرمزية باعتبار ما ترمز إليه الشخصيتين الرئيسيتين ( جولي – جان) دلالة على انعكاس صراع الطبقات واستحالة التزاوج الطبقي . وهذه الرؤى المتعددة لا شك هي التي تكشف أصالة الإبداع في ذلك النص ، مما ينسبه إلى كل محاولة تعيد إنتاج خطابه ، وتلك سمات الفن العظيم.
لاشك أن روعة ذلك النص بما فيه من صدق تصويره لقوة الرغبة الغريزية في السباحة في خضم تيار الشعور في اتجاه معاكس لتيار الوعي قد أوعز إلى المخرج الباحث جمال ياقوت بنزول نهر ذلك النص المتلاطم المشاعر مابين دوامات علاقات الصدق والزيف في محاولة – ربما – لإنقاذ جوليا من حتمية الغرق في دوامات جان ، مسلحا برؤى عدد من مخرجي المسرح العالميين والمصريين الذين سبقت رؤيتهم في إخراج ( مس جوليا) رؤيته التي شرع في تكوينها حول ذلك النص نفسه قبيل استعداه لإخراجه لفرقة قصر ثقافة التذوق بالإسكندرية.
ولأن جمال ياقوت مخرج مفكر بحكم كونه باحثا أكاديميا منخرطا في سلك التدريس الجامعي بقسم المسرح بجامعة الإسكندرية ؛ لذا لم يألو جهدا في سبر غور بعض الرؤى الإخراجية السابقة لمخرجي ( مس جوليا ) بأقلامهم وبأقلام نقاد عروضهم لذلك النص حيث توقف عند أربعة عروض لها على المسرح في بلاد مختلفة ( السويد – جنوب أفريقيا – مصر) وعكف على دراستها ، قبل شروعه في إخراج نص ( مس جوليا) .
لم تكن وقفته التحليلية لنص ( جوليا) هي الركيزة الأساس الممهدة لوضع رؤيته الإخراجية لذلك النص بقدر ماكانت وقفة تحليلية نقدية لرؤى إخراجية متباينة بين ثلاثة مخرجين عالميين توافروا على إخراج (جوليا)من محنتها أو إغراقها في الوحل الذي أرادت التمرغ على بساطة اللزج!! مضيفا إلى تلك العروض العالمية وقفة عند عرض مصري للنص نفسه بمسرح الطليعة ، لقد شكلت تلك الوقفات النقدية بعين مخرج مسرحي باحث أساسا ينطلق منه إلى طرح رؤيته الخاصة للنص ، ضمانا لخروجها رؤية جديدة فيها من تفرد النظرة إلى معالجة ذلك الحدث المحمل بوجوه التفسير ووجوه التأويل مابين فكرة الصراع الطبقي وسطوة الرغبة الجنسي المستوطنة في الجينات الوراثية في تفاعلاتها مع معطيات البيئة ( وفق وجهة النزعة الطبيعية) أو فكرة الصراع العرقي، العنصري . وقد انتهي به بحثه التحليلي لرؤى أولئك المخرجين إلى وضع تلك الرؤى في بؤرة اهتمامه في تقابلها مع خطاب النص نفسه وأنساقه المعرفية - القيمية والفنية ؛ عندما حان وقت اختياره لمشرع بحثه لنيل درجة الماجستير في الإخراج المسرحي فعكف على دراسته لتلك الرؤى المتباينة في تناول أولئك المحرجين – مضيفا إليها تجربته التطبيقية المغايرة إخراجا للنص نفسه ؛ فتأسست دراسته التي تضمنها كتابه هذا على المستويين النظري والتطبيقي متوحدين في منهج المسرح المقارن ، متحملا في صبر واناة مشاق المتطلبات العلمية والفنية التي لا مندوحة عن تكبدها وفاء لتبعات ذلك المنهج؛ بخاصة في ظل ضرورات مشاهدة تلك العروض في مواقع عروضها خارج مصر وداخلها ، حتى أنه سافر فعلا إلى عاصمة السويد لمشاهدة عرضين للنص نفسه أحدهما لإنجمار بيرجما والآخر لتومى بيرجن ، فضلا عن عرض ثالث لجنوب أفريقيا. على أن ما يلفت النظر إلىهذا الجهد البحثي الذي أراده المؤلف رافدا لرؤيته في إخراج ( مس جوليا) بطابع فني متفرد ، يحمل بصمته الإبداعية والتخييلية ؛ فإذا بتكوينه العلمي يطور ذلك الهدف ليصبح بين يديه بحثا أكاديميا متوجا لفن الإخراج المسرحي بأطر المنهج العلمي ، فيؤصل دور المخرج ، ويكشف عن زيف الإدعاء بأن أسلوب إخراج نص مسرحي ما ؛ هو نفسه أسلوب ذلك النص ، ويؤكد حرية المخرج في عدم التوحد مع خطاب النص الذي بين يديه وعدم التوحد مع أسلوبه.
وتتجلى خبرة جمال ياقوت المسرحية العملية في هذا الكتاب في تتبعه الخبير الواعي بمراحل تطور الحدث في مناطق توهّجه مابين تجليات التوظيف الرمزي في بناء معادل موضوعي غير متوازن الحدود ، حيث تجاوز إحساس (جوليا) بسقطتها الأخلاقية التي تورطت فيها مع خادمها إلى رد فعل تلقيني عنيف بالانتحار؛ على الرغم من وجود حلول أخرى أخف وطأة من ذلك حسبما أرى –
وقد وضع جمال نصب عينيه نقاط التحول الدرامي مابين مواقف اللعب الإسقاطي ومناطق اللعب الإيهامي الذي تمارسه كل شخصية منهما على الأخرى ( جوليا - جان) بوصفهما ممثلين – كل لطبقنه – ملتقطاا للحظة الاكتشاف الدرامي بين البنية الدرامية الكبرى والبنيات الصغرى ، منتبها إلى دور الباعث الخارجي للفعل الدرامي، مصغيا إلى أصداء الصفات الوراثية في حياة كل منهما ودورها في حتمية الفعل الدرامي واحتمالاته بين الإطارين المعرفي والنفسي وصولا إلى بنية الإطار الدرامي الملتبس مع الإطار الفني وجمالياته التي تقوم على الصدمات الدرامية والمفارقات بتقنيات الخلص الدرامي وضرورات الحذف والإضافة من قاموس لغة العرض المسرحي ؛ نفيا للزمن الدرامي الميت، وإشعالا لبؤر توهج الفعل الدرامي اقترابا من محطات الصدمة الدرامية ومفارقاتها ؛ فضلا عن العبث الواعي بالمشهد الشارح ( الميتاتياتر) لتؤكيد الحدث الرئيس.
ومما يلفت النظر إلى جهد الكتابة وفطنة التحليل في هذه الكتابة الدارسة تفريق صاحبها لوجهات الإخراج المتباينة بين العروض الأربعة التي توافرت علي نص (جوليا) موضوع تحليلاته النظرية والعملية المقارنة، إذ يرى إحداها متوقفة عند محطة ترجمة النص ونقله من حدود صورته الكتابية لنسجية الحدث إلى صورة جركية تحريكية حية مجسدة في فضاء منصة العرض المسرحي بالأداء التمثيلي وتفعيلاته السينوجرافية في صنع دلالة العرض بما يتوافق مع النص في خطابه وأنساقه، أي يكتفي باستعارتهما . وهو ما يعرف إصطلاحيا بالإخراج الاستعاري. بينما يجد عرضا آخر للنص نفسه يقوم على الإخراج المفسر للنص ، عبر خط مواز لخطابه وأنساقه بلغة العرض المسرحي ، ويجد الثالث متجاوزا لحدود التفسير إلى ما يعرف بالتأويل ، حيث تتجاوز نظرة المخرج خطاب النص وأنساقه ، اقترابا من حدود تفكيك نسقه وخطابه.
وفي سبيل الكشف عن سبل التباين في الرؤي الإخراجية ، عني جمال ياقوت بالمقاربة بين خطوط تجسيد الصورة المسرحية في كل عرض من تلك العروض نفسها من حيث فهم كل مخرج منهم لطبيعة النمط الثقافي للشخصيات الثلاث من حيث سلوكها وأزياؤها ، ومن حيث تفعيل كل منهم لمراحل استمالة كل من (جوليا – جان) للآخر ومراحل الاستدراج المتبادل بينهماا ومقارنة طرائق التباين الأدائي بين ممثلي الدورين في كل العروض موضوع البحث. وصولا ألى نقطة السقوط الأخلاقي المدوي من سماوات الحلم إلى قعر الانحطاط على أرض الواقع، مرورا بمحطات البوح الذاتي وهوامش نقد الذات وكشف عوراتها أو جلدها، بعد كل صدمة درامية على طريق الانفلات من قيد الانتماء الطبقي الذي جاهدت كل شخصية منهما إلى التخلص منه ؛ ليكتشفا في النهاية إنهما وصلا إلى ( حارة سد) – بالمعنى الشعبي المصري – حيث استحالة التزاوج بين الطبقات. وهي الدلالة نفسها التي انتهي إليها خطاب سترندبرج .
على أن وجه استفادة بالتحليلات النقدية المقارنة لأربعة العروض التي شغلت ب(جوليا) ، كانت بمثابة مواجهة مقارنة مع العرض المسرحي التطبيقي للنص نفسه بإخراج جمال ياقوت نفسه ، وهو جهد نظري وتطبيقي حواه ذلك الكتاب الذي بين يدي القارئ ، جهد أترك للقارئ أن يستبين قيمته بنفسه ، ليكتشف قيمة ذلك الجهد في التحليل النظري والتطبيقي الذي يدخل مرفع الرأس إلى ساحة الدراسات العلمية المتوّجة للإبداع ، موشحة بوشاح المعارضات المسرحية بين رؤى الإخراج المسرحي العالمي ورؤي الإخراج المسرحي المصري.

أبو الحسن سلام



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تربية الإرهاب - مصادر الإرهاب الفكري ومصادر الفكر الإرهابي
- المشروع السياسي .. مجرد دليل عمل
- أصداء البوح الذاتي في شعر كفافي
- أوركسترا عناكب الثقافة العنصرية ومغزوفة النشاز القروسطية
- جسد الممثل والأعراف الاجتماعية - دراسة في مناهج التمثيل المع ...
- نصوص مسرحية للمسرح ونصوص للدراسة
- ديموقراطية اليونان بين الفلسفة والسياسة والمسرح
- مونودراما ( مذكرات شمعة)
- الدين والدولة
- المبدعون وآفة سوء فهم الناقد
- التطوير الجامعي والقفز على الواقع المعيش
- في انتظار أوباما .. في انتظار جودو
- المثاقفة والتناص (تطبيقات في النقد الفني والمسرحي)
- التنسيق الحضاري وسور السياسات العظيم
- القرد في عين أمه
- الإنتاج المسرحي في عصر العولمة
- القرد .. هدية مصرية للعمال في عيدهم
- دفاعا عن الوطن
- في ذكرى كادح مسرحي مات مغتربا
- تكوين رأي عام بوسيط مسرحي


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - فن المخرج المسرحي بين التحصيل المعرفي والتأصيل العلمي