أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - مختار ملساوي - شامل عبد العزيز والاستعمار















المزيد.....

شامل عبد العزيز والاستعمار


مختار ملساوي

الحوار المتمدن-العدد: 2694 - 2009 / 7 / 1 - 09:57
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


أثارت عدة مقالات كتبها السيد شامل عبد العزيز حول الاستعمار، أو بالأحرى حول بعض المواقف من الاستعمار، ردودا حامية، بعضها تجاوزت حدود النقد البناء الموضوعي أو حتى التحاور اللبق المحترم، سواء أكانت مؤيدة أم معارضة لوجهات نظر شامل عبد العزيز.
أنا بدوري شاركت، بعدة تعقيبات، حول هذه المسألة الشائكة. ونظرا لقناعتي بأهمية الموضوع وحاجته إلى مزيد من البحث ارتأيت إعادة طرح هذا الموضوع مرة ثانية.
نعم الموضوع شائك بالفعل، وتناوله بالطريقة التي تناولها بها شامل، تتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة الأدبية قد تعتبر عند البعض من قبيل الجحود ونكران الجميل وحتى الخيانة تجاه أجيال من المناضلين الوطنيين ضحوا بالغالي والنفيس لإخراج الاستعمار من بلدانهم وتمكين الشعوب من أوطان مستقلة ظلوا يحلمون بها طوال قرون (طبعا سأتخذ الجزائر بلدي نموذجا سلبيا في هذه المقالة رغم ما سخرته الدولة بفضل نعمة البترول والتوجهات الوطنية من أموال في البناء والعمران والتعليم والاقتصاد). وهي نظرة جاحدة كذلك في نظر الكثير من متعلمي الأجيال اللاحقة التي لم تعش العهد الاستعماري، ولكنها رضعت منذ نعومة أظافرها حليب الأيديولوجيا القومية والإسلامية التي اتخذت النقد للأجنبي المستعمر مطية ركبتها في كل مغامراتها. كان ذلك الخطاب السياسي والتربوي الموجه لهذه الأجيال في البداية معقولا، لكنه مع مرور الأيام والسنين أصبح مملا ومقرفا بعد أن واصل مسئولونا تحميلهم هذه الحقبة من تاريخنا كل مآسينا الحاضرة، كذريعة للتستر على فشل مشاريع التنمية في جميع المجالات والعجز المخزي في إدارة شؤون الناس، بما في ذلك أبسطها. والأدهى والأمر أن هذا الخطاب أصبح شيئا فشيئا مولّدا لردود فعل عكسية تماما، فكثير ما نسمع الناس يترحمون على الاستعمار، بسبب ما ينالونه يوميا من الإدارة (الوطنية) من سوء معاملة وظلم وتجبر، هذا بالنسبة لمن عايش العهود الاستعمارية، أما بالنسبة للأجيال التي ولدت بعد الاستقلال فلم ينفع معها كل تلك المناهج التربوية في المدارس بمختلف أطوراها وفي المساجد وفي كل المناسبات الاحتفالية (وما أكثرها) حول ماضي البلاد الاستعماري، قلت لم ينفع هذا ليجعلها تقبل بالأمر الواقع. وقد سبق لي أن علقت سابقا على بعض هذه المظاهر، منها الاستقبال الحار الذي لقيه جاك شيراك، وكيف كان الشباب يصيحون فيزا فيزا شيراك، كذلك المحاولات المتكررة حتى الموت لشباب يحاولون اجتياز المتوسط نحو أوربا. كذلك ما أثارته شائعة لا أدري كيف تسربت إلى عقول شبابنا حول صدور قانون فرنسي لاسترجاع جنسيتها يشمل الشباب الجزائري الذين ولدوا في العهد الاستعماري ولم يكونوا في سن تسمح لهم بتقرير مصيرهم واختيار الجنسية التي يبغون.
هذه الحالة تدفعنا دفعا إلى أخذ مقالات شامل وغيره مأخذ الجد. كيف لا ونحن نشاهد شبابنا ينتحرون بين مغامرات البحر ومغامرات الإرهاب. هل الوضع فعلا ميئوس منه إلى هذا الحد، أم أن السبب سوء تربية الأجيال وفقرهم الشديد للوطنية وحب العمل والصبر على المحن من أجل تنمية بلداننا. لعل السببين معا قد اجتمعا ليفضيا إلى هذه الحالة المتردية.
تقديري أن حكوماتنا فشلت في نواح كثير تربوية وتنموية بحيث قضت على كل الآمال التي ولدتها مراحل النضال ضد الاستعمار والمراحل الأولى التي ولدها الاستقلال، وكانت كلها حبلى بالأماني والطموحات. أتذكر بهذا الصدد كيف كان الجزائريون يهبون بمئات الآلاف سنويا لإعادة تشجير البلاد، كما أتذكر كيف أن طلبة الجامعات كانوا يضحون بعطلهم الصيفية في السبعينات، للتطوع إلى جانب الفلاحين لإنجاح الثورة الزراعية. لكني على قناعة أن قدرا كبير من المسؤولية يتحملها هذا الانفجار الديمغرافي الذي وقف ولا يزال يقف في وجه كل مشاريع التنمية. إنه لمن المستحيل أن يتصدى بلد خارج من قرون من الانحطاط والاستعمار لمواجهة مطالب شعب تضاعف عدد سكانه أربع مرات في جيل واحد (بين 30 و40 سنة). هنا أيضا فأنا لا أمل من تحميل الحكومات التي خضعت لرجال الدين وتهاونت في هذه المسألة المصيرية وتركت العامة تتكاثر بلا حسيب ولا رقيب.
لنعد الآن إلى الاستعمار. في الجزائر، ومن خلال المناهج التربوية التي أشرفت على وضعها الدولة، تنطبق كلمتا استعمار واحتلال على فترات الغزو الروماني (25 ق م إلى 647 م) والفرنسي (1830-1962)، أما الغزو العربي باسم الإسلام (منذ 647 م) فيسمى فتحا، بينما يلف الغموض الفترة الطويلة التي (استضفنا) فيها الأتراك العثمانيين (1518-1830).
هنا لا يفوتنا أن أشير إلى التمثيلية المونولوج التي أداها الممثل الجزائري الساخر محمد فلاق تحت عنوان (جرجراسيك بلاد) على منوال الفيلم الشهير (جوراسيك بارك)، (جرجرة هي سلسلة جبال عالية في الجزائر) وفيها انتقد بمرارة أمازيغ الجزائر الذين ظلوا يثورون على كل الغزاة رغم نفعهم للجزائر، بينما قبلوا بسهولة الغزو العربي لأن القوم كلهم كانوا متشابهين في.... العقليات المتخلفة !!!!، مع اعتذاري لمن تعجبه هذه السخرية اللاذعة.
لكننا عندما نتجول في الجزائر طولا وعرضا، فإننا نندهش أشد الاندهاش. فمعظم الآثار التي نفتخر بها الآن يعود تاريخها أولا إلى الحقبة الرومانية وأخيرا إلى الحقبة الفرنسية. ما عدا ذلك فهو عبارة عن بعض الخرائب التي لم تقو على الزمن.
بالنسبة للآثار الرومانية، تحاول الدولة اليوم تثمينها من أجل السياحة، لكنها تتعامل معها بقدر كبير من النفاق في المناهج التربوية، فهي ليست جزائرية (وكما يقول المثل عندنا: ياكل الغلة ويسب الملة)، ونفس المعاملة تلقاها الآثار الفرنسية الكبيرة والتي لا تزال قائمة ومفيدة في حياة الناس اليومية، (يكفي المرء الوقوف على جسور قسنطينة المعلقة).
الآثار الرومانية مازالت ماثلة في مدن كاملة بفضل محالات الفرنسيين الكبيرة لنفض غبار الزمن عنها، وبعد رحيلهم توقفت الأبحاث تقريبا. هي مدن بشوارع وطرق واسعة معبدة ومسارح تتسع للآلاف ومجاري مياه وحمامات ومعابد وأسواق ومباني للأعيان وحتى مباني للعامة وإدارة راقية للمياه. ورغم ما طالها من تخريب في العهود التالية فقد تحدت الزمن وصمدت، وهي اليوم محل رعاية وعناية من الدولة، وثروة اقتصادية حقيقية، لولا ما أصاب البلاد من إرهاب عزلها عن العالم.
لكن أمام هذا، فإن الآثار التي ورثناها عن العهود الإسلامية شحيحة جدا وذات أهمية تافهة. هي باستثناء بعض القصور في العاصمة وقسنطينة فإن الباقي عبارة عن خرائب، كأطلال امرئ القيس، وحتى الأحياء العائدة إلى العهد العثماني فهي حقيرة وضيقة جعلت خصيصا لمرور البهائم والراجلين، على خلاف الأحياء الرومانية الواسعة التي تتسع لمرور العربات رغم أنها بنيت قبلها بألف سنة تقريبا.
مع العهد الاستعمار الفرنسي تدخل الجزائر عهد الحداثة، على الأقل من الناحية العمرانية.
أما الأحياء والمدن الجديدة في الجزائر المستقلة، وما أكثرها، التي شيدتها الدولة فقد ظهر عوارها بسرعة: لقد أصبحت الطرق والشوارع لا تتسع للازدياد الحاصل في عدد السكان وخاصة السيارات، وهو ما يدل على سيطرة نظرة زاهدة للحياة لا تفكر في المستقبل البعيد (ولو لعدة عشرات من السنين) كما هو حال الطرق والشوارع المشار إليها اليوم.
هنا نجد أنفسنا أمام سؤال محير: لماذا لم يهتم العرب والمسلمون بعمران قادر على استشراف المستقبل وتحدي الزمن؟
أتذكر في هذا المجال مقارنة أجراها مالك بن نبي المفكر الجزائر صاحب القابلية للاستعمار، في كتابة "مشكلة الأفكار" ورغم ميوله الإسلامية، فقد انتبه إلى حقيقة هامة عندما قارن بين بطلي قصة حي بن يقظان لابن طفيل (1105-1185) وقصة روبنسن كريزوي (Robinson Crusoë)، لدانيال دو فوي (Daniel de Foe 1660-1731)، حيث رأى تحكم النظرة الدينية للعالم عند المسلم (كل شيء هالك إلا وجهه (القصص88. فالإنسان أحد اثنين حسب الكاتب: (إما ينظر نحو قدميه إلى الأرض أو يرفع عينيه في اتجاه السماء”.
روبنسون كريزوئي الذي رمى به الموج، في يوم عاصف، إلى جزيرة معزولة عن الناس، فكان عليه أن يصب تفكيره كله في البحث عن الطعام وأسباب العيش.
حي ابن يقظان الذي تعلقت نفسه منذ الصغر بعنزة تسقيه من حليبها ويمرح في المراعي معها، فلما ماتت شق عليه فراقها، وتساءل عن ماهية المحيا والممات، ثم تصاعد في تساؤلاته عن الروح وما علاها وعن كنه السماوات وما وراءها. فهو في هذا الحال يبحث عن الحقيقة على الإطلاق ويتقلب بصره في السماء لعله يدرك إلى ما ترجع الأمور وإلى أين المصير؟
طبعا لمن اطلع على قصة ابن طفيل، أذكر هنا أن الكاتب تخيل ولادة حي بطريقتين، طريقة طبيعية لعلها اختصار شديد يشبه بداية الحياة على الأرض، وطريقة وصول طفل إلى هذه الجزيرة بعد أن رمي به في البحر لأسباب موجودة في القصة، لكن في كل الأحوال، ما كان يمكن لحي بن يقظان أن يدرك ما أدرك خلال حياة واحدة وهو لا يحسن النطق بأية لغة.
ما يهمنا هنا جانب المقارنة التي أجراها مالك بن نبي، فهل الشرق روحاني والغرب مادي كما يحلو للإسلاميين التفاخر به؟
الموضوع يحتاج إلى عودة.



#مختار_ملساوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دفاعا عن عقول أبنائنا ضد تخلف المناهج التربية: مادة التربية ...
- قصة قصيرة من أزمنة الإرهاب: نهاية شيوعي
- دفاعا عن عقول أطفالنا ضد تخلف المناهج التربوية، التربية الإس ...
- قصة قصيرة من أزمنة الإرهاب: غسلا للعار
- دفاعا عن عقول أبنائنا ضد تخلف المناهج التربوية: مادة التربية ...
- المحاولات البائسة للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية: ولاية ال ...
- قصة قصيرة من أزمنة الإرهاب: المجاهد يسترد بندقيته
- دفاعا عن عقول أطفالنا ضد تخلف المناهج الدراسية: مادة التربية ...
- دفاعا عن عقول أبنائنا ضد تخلف المناهج الدراسية: مادة التربية ...
- المحاولات البائسة للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية: القرضاوي ...
- مقال تعقيبي على مقال السيد نادر قريط
- مآزق الإسلام السياسي أمام العقل المنطقي


المزيد.....




- -ندعي يجينا صاروخ عشان نرتاح-.. شاهد معاناة سكان رفح وسط هرو ...
- قوة متعددة الجنسيات في غزة.. انفتاح -عربي- على فكرة سبق رفضه ...
- كيف يتحرك سكان القطاع المحاصر بحراً وجواً وأرضاً منذ 15 عاما ...
- هربًا من أزمات نفسية تلاحقة منذ السابع من أكتوبر.. جندي إسرا ...
- خطاب منتظر لبايدن في ذكرى المحرقة يركز على -الحاضر-
- الحرب في غزة تهيمن على جوائز بوليتز الأمريكية مع مكافأة للرو ...
- بلقاسم بوقنة.. سفير الأهازيج والأشعار البدوية التونسية
- أبو عبيدة يعلن وفاة أسيرة إسرائيلية بعد إصابتها بقصف الاحتلا ...
- خبير عسكري: سيطرة الاحتلال على معبر رفح بداية العمليات المحد ...
- ماذا يعني احتلال معبر رفح سياسيا وإنسانيا؟


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - مختار ملساوي - شامل عبد العزيز والاستعمار