أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسب الله يحيى - الدرس الرابع في التربية الشيوعية














المزيد.....

الدرس الرابع في التربية الشيوعية


حسب الله يحيى

الحوار المتمدن-العدد: 2637 - 2009 / 5 / 5 - 09:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مضى أكثر من نصف قرن على ما حدث.. ومع ذلك ظل هاجس الخوف ينوء فوق كاهلي، حتى أحس ان ما حدث يمكن ان يتكرر في كل لحظة.
الطرقات القوية على الباب الحديدي الضيق، كانت طرقات تعلن عن حزمها وتوترها وغضبها وقسوتها.. كانت ضربات موجعة كأنها ضربات سوط على جلد عار في ليل ثلجي.
ضربات تعلن عن عدوانها، ولا يمكن ترجمة أصواتها إلا ان تكون صادرة من عدو وخصم لدود.
خشيت فتح الباب، لكن خشيتي باءت بالاحباط فقد دخل من كان يطرق بقوة.. وتتوجه ايقاعات الاقدام القاسية الى باحة البيت.
- اين وعد الله النجار.
- انه ليس هنا.. لم يكن هنا.. من قال لكم انه هنا!؟
جمل عاجلة اطلقتها امي وهي تخاطب هذا العدد الكبير من المسلحين بمختلف الرتب العسكرية الى جانب عدد من المدنيين.
- انه هنا.. اين يختبيء؟
قال الضابط بتهديد وثقة مطلقة.. مؤكداً:
- ها.. اين يختفي، اذا وجدناه سنعدمكم معه.
- وماذا فعل، وماذا فعلنا؟
- انه ضدنا.. وانتم جميعاً ضدنا.
- لسنا ضد أحد..
ظل والدي يحاورهم هذه المرة، فيما كانت أمي تسعى للاصغاء، إلا ان محاولاتها باءت بالفشل، لانها لم تتمكن من معرفة حقيقة الاسئلة والاجوبة المتداولة بين الضابط وأبي.
توزعوا في أرجاء البيت.. خجل أحد الشرطة فيما كان يريد ان يدس خاتماً ذهبياً صغيراً عثر عليه في مجر خشبي يعود لأبي.. داخل جيبه.. فاعاده الى مكانه.
كنت امسك ابي حتى اصبحت ملحقاً به وتابعاً لوجوده اينما حل.. وكان احساسي يقول انهم سيأخذون ابي بدلا عن هروب أخي الذي افلت من قبضتهم وهم يتجهون لالقاء القبض عليه..
وجدت أخي وعد الله يحيى النجار يقفز من سطح الى سطح ويختفي عن الانظار.. فيما كان اعداد الشرطة تتوزع كل زاوية وقسم صعد الى السطح بحثاً عن وجود أخي هناك.
سألت نفسي: هل كان أخي بهذه الاهمية التي يخشى منه فيما عرفت اخي لم يكن حاملاً سلاحاً ابداً.. وإنما وجدته حاملاً جريدة يبرز معالمها ان كانت تحمل أسم (طريق الشعب) وبلون أحمر واضح المعالم.. بينما كان اخي هناك يحمل كتابه وكتاب آخر دائم الانتظار وموشراً لموضوع ومركوناً على رف قريب من منام أخي..
كان فضولي دائم الانشغال بمعرفة عنوان أي كتاب منزوٍ هناك.. متسائلاً ما إذا يعني اهتمام أخي الذي يمتهن النجارة يعنى بهذا الكتاب من دون سواه.
وجدت مرة عنوان (التثقيف الذاتي) من تأليف سلامة موسى وأصر فضولي على قراءته.. ساعة أعرف غياب أخي.
ووجدت بعد أسبوع كتاباً آخر أشبه بكراس يحمل العنوان نفسه ولكن المؤلف هذه المرة يحمل أسم امرأة تدعى: كروبسكايا.. وقد ضبطني أخي وانا اقرأ فيه، وخشيت ان يعاقبني لأنني أعبث في حاجاته.. ولكنه ابتسم بوجهي من دون افتعال وإنما كانت ابتسامة تدل على الارتياح والتفاؤل..
قال:
- الكتاب.. هو الشيء الوحيد المسموح لك به..
أحسست بسعادة تملأ كياني كله.. ومنذ ذلك الوقت صرت أقرأ كل كتاب مركون في تلك الزاوية التي كان يرفد فيها أخي ذاكرته..
ذلك ان وعد الله علمني على قراءة الكتب من دون ان يطلب هذا مني أو ان يلزمني به.. وحين تعلقت بالكتاب صارحني:
- لقد كانت دعوة قصدتها فأثمرت.. كنت اريدك ان تعرف العالم من خلال الكتاب.. وقد فرحت بنجاح خطتي..إذن كان أخي يخطط.. ساعياً نحو توجيهي لقراءة الكتب، ولكن على وفق خياري لا فرض ولا أمر ولا إلتزام يكرهني على ادائه.
عفواً ..
استعدت هذا الموقف فيما غادر الشرطة المسكن وهم في خيبة جراء عدم نجاحهم في القاء القبض على أخي الذي افلت من قبضتهم..
كانوا يعرفون هذا مؤكدين انه كان هنا، وهذا المكان الذي كان يجلس عنده ومازال دافئاً يسامره قدح الشاي الذي يتصاعد بخاره.
لكن الضابط تعاطف معنا وهمس في اذن ابي بعيداً عن زملائه:
- لا تقل لي انه لم يكن هنا.. أنا أعرف.
سكت أبي حتى وجد ان لسانه قد ضاع منه، بحيث صار من الصعب عليه.. السلام على الشرطة الذين غادروا بيتنا بهدوء غير معهود على العكس من دخولهم الشرس ونظراتهم الجادة.. التي تبيناها في الطرقات على الباب..
ومنذ ذلك الوقت قبل نصف قرن وانا اخشى فتح الباب لأن الطرقات القوية كانت تعني ان الامن والشرطة قد جاءوا لاعتقال أحدنا..
ذهب الجميع وملأ الهدوء المكان كله.. فاذا أخي الشهيد وعد الله يحيى النجار الذي استعيد صورته الآن يأخذ مكانه بيننا.. وكأنه كان يتطلع الى ازهار الحديقة المنزلية الصغيرة وشم عطرها ثم عاد إلينا بهدوء تام..
هاتفاً:
- الشاي بارد.. سخنوه.
احتضنت أخي حتى اصدق انه موجود ولم يعثروا عليه فيما كنت اعتقد جزماً انه كان قد قفز من سطح جار لنا الى آخر.. ثم عاد طالباً شاباً ساخناً وها هو نفسه يكمل ما كان يتحدث به إلينا.. وكأن شيئاً لم يكن، وكأن ما حدث مسألة عادية تحدث دائماً..
وما علينا سوى معالجتها بطرق ذكية وأساليب تتسلل من خلالها الافلات من قبضة الامن الذي كان يلاحقنا.. هكذا كان يعلمنا أخي ويدلنا على كيفية الخلاص من خصومنا من دون ان نلحق بهم الاذى.. ذلك انهم يؤدون واجباً رسمياً ولا رأي لهم فيه، فاذا احسنا السلوك معهم، تعاطفوا معنا وجعلونا نفلت من الاصفاد التي اعدوها لنا..
هذا هو الدرس الجديد الذي تعلمته من أخي باتجاه بناء مفهوم لاشاعة الحياة التي ندعو في مسارها الآمن الى شيوعية الافكار والرؤى.. وقد احسنت العمل فعلاً.. احسنته واتقنته حتى أصبح مؤشراً واضح المعالم.. لكنني مع ما تعلمته بقيت أخشى الطرقات على الابواب.





#حسب_الله_يحيى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدرس الثالث في التربية الشيوعية
- الدرس الثاني في التربية الشيوعية
- النقد في منظورين : الجفاء والوفاء
- الدرس الاول في التربية الشيوعية
- للكوارث في العراق الراهن..تسلسل خاص.
- الاعلام العراقي في شبكة
- نهار المدى .. شارع وحياة
- في ثقافة المصالحة والتسامح
- إعدام حلم
- الزعيم يختار الخراف الرشيقة
- الموجة تعشق البحر
- البراعة في احتمال الأذى
- سادة الانتخابات
- الأفاق الاجتماعية للكورد
- بيان في المسرح التجريبي
- في جامعة بغداد :الدراسات العليا بين الجد والمزاج
- غابرييل غارسيا ماركيز: الواقع وأبعاده
- كبار الكتاب كيف يكتبون؟
- الغربة العراقية في ثلاث روايات لمحمود سعيد
- كونديرا خارج الاسوار.. الطفل المنبوذ ..بطيئاً


المزيد.....




- -سرايا القدس- تعلن مقتل 3 من عناصرها في قصف إسرائيلي على جنو ...
- أردوغان: فرص نجاح مبادرات السلام الأحادية دون مشاركة روسيا ض ...
- مصر: أفرجوا فورًا وبدون شروط عن الناشط السياسي البارز محمد ع ...
- إسرائيل تعلن مقتل -قائد القوة البحرية- لحماس
- مراسل RT: قصف مدفعي إسرائيلي في محيط المستشفى الكويتي وسط مد ...
- عشرات القتلى والجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مناطق في مدينتي ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي: قد يكون هذا الصيف -ساخنا- في الشمال ...
- -جداول الحياة-.. أداة جديدة تتنبأ بمدة حياة قطتك
- الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية قائد القوة البحرية التابعة لحماس ...
- ألعاب باريس 2024: وصول الشعلة الأولمبية إلى ميناء مرسيليا قا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسب الله يحيى - الدرس الرابع في التربية الشيوعية