أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - سعدية عبد الحليم وفطنة الكتابة القصصية (2)















المزيد.....

سعدية عبد الحليم وفطنة الكتابة القصصية (2)


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 2608 - 2009 / 4 / 6 - 03:03
المحور: الادب والفن
    


(الهاربون) وأقنعة السارد فطنة الكتابة القصصية (2)
للسارد في القصة التالية من مجموعة سعدية عبد الحليم القصصية أقنعة متعددة لأنه يروي لنا قصة امرأة تطاردها وقائع أيامها الماضية المسترجعة عبر التداعيات ، محمولة علي جناح الصدفة التي جسّد ت أمام حواسها موقف لقاء مصادفة بين رجل وامرأة فرقت بينهما الأيام والمواقع الاجتماعية ، حيث ارتفع الرجل إلي أعلي المراكز وظلت المرأة علي حالها ، وغابا كلاهما عن كليهما ؛ وهاهما علي غير توقع تلقي بهما الأيام وجها لوجه في مقهي عام ، اعتادت الراوية علي الجلوس في ركن مفضل لديها ، فإذا بصرخة تلك المرأة تلفت نظرها ونظر كل الفضوليين الذين تطلّعوا إلي ذلك المشهد الصادم لعزلة كل منهم . غير أن ما لفت نظر الراوية الفضولية ، التي هبت من مقعدها دون غيرها وقد انتزعتها الصرخة من مصافحة جريدتها اليومية وبعثرت صفحاتها تحت قدميها ، ربما لأنها عثرت علي واقعة حية ، بديلا عن وقائع إخبارية غالبا ما تكون ملفقة أو عادية.
( وحدها فقط من استشعر الخطر في صيحة المرأة ) إذ أفزعتها !! تشير هذه العبارة التظليلية إلي جانب عبارة سبقتها في لغة السرد القصصي إلي ما سبق أن أشرت إليه حول ( فطنة الكتابة القصصية) ؛ حيث تلتقط عين الشخصية القناع ( السارد ة) اللحظة الساخنة من الصورة أو الموقف ، وهي هنا تتمثل في قصر حاسة الاستشعار علي شخصية السارد الضمني الذي تقنعت القاصة خلفها لتحملها بما تماس من الصورة التي تتجسد أمام ذلك السارد الضمني مع موقف ماض مناظر لموقف المرأة الصارخة في المقهي ، وهو ما يحيل ذلك الاستشعار إلي رد فعل إسقاطي نفساني ؛ لصيق بتلك الشخصية نفسها . لذلك كان من الضرورة بمكان أن تتابع مظاهر رد الفعل الإسقاطي وقد تمثل في أفعال المضارعة (" هبّت – تحركت ") فضلا عن تصرفاتها التي تنم عن تنصيب نفسها مسؤولة عما يحدث في المقهي بما يوحي للغير بإنها تدير المكان أو أنه مسؤولة أمنيا عنه : " عيناها تنتقل بينهما في إصرار علي اقتحام دواخلهما – قادتهما إلي ركنها أجلست المرأة ) وهو ما توحي به الأوامر التي تصدرها للرجل عندما همّ بالرحيل
( " فاجأه صوتها آمرا:
- اجلس
- أجلس
- قلت لك اجلس
- إذن من أنت حتى تأمريني ؟
جذبته بهدوء . أجلسته
- لابد أنك لا ترغب في ملاحقة المحيطين بنا حى الشارع المزدحم بالناس والشرطة و ...
جلس متنهدا ، بينما كانت المرأة صاحبة الصلرخة قد أدهشها التدخل فتوقفت عن الحركة وسكتت عن الصياح والكلام ." )
هكذا تلتقط القاصة اللحظات الساخنة في الموقف الدرامي ، وتنتقل عبر التخلّص السردي بنعومة من تحميل السارد بلغة التظليل لينسرب منها إلي لغة التفعيل عبر لغة الحوار المباشر بين طرفي الموقف عندما وصل إلي ذروته الدرامية ، حيث (" كان الرجل متلهفا لأية محاولة تنهي الموقف وتبعد أنظار المتابعين ") عند ذلك سارعت تلك الشخصية - التي منحت نفسها دور المصلح الاجتماعي- فقادتهما إلي ركنها الذي هو بمثابة الأرض المحايدة. وعندما شرع الرجل والمرأة في التفاوض ، انسحبت المرأة الوسيط :
(" صمتت وحولت نظرها صوب الجهة الأخرى ").
وهنا نكون قد وصلنا إلي نقطة الحل.علي أن ذلك لا يزيد عن كونه حلا جزئيا لأزمة الرجل والمرأة ، غير أن الموقف برمته بدءا من الصرخة الصادمة لسكون المكان وانتهاء بالجلسة الإجبارية من أجل التفاوض مرورا بلغة تفعيل الموقف – بدفعه دفعا نحو طريق ما للحل - ؛ يمثل الفعل المحرك لأشجان بطلة القصة ، التي اقتحمت الموقف المتأزم دون استدعاء ، غير أن هذا الموقف نفسه ؛ هو الذي يرتد إليها ليوقظ ذكري دفنت في تلافيف الذاكرة ، لموقف يبدو مناظرا للموقف الذي اقتحمته بتجرؤ ؛ إ ذ (" راح خيالها ينسج ألف قصة وقصة حول ما يمكن أن يكون قد حدث بينهما وتسبب فيما حدث أمامها.") وهكذا ظلت " شاردة تستعرض مخيلتها صورا لأحداث مشابهة ."
لا نعرف علي وجه اليقين ما الذي حرك خيال المرأة . لا نعرف هل حرك شجونها موقف مناظر – كما توقعنا – أم أن خيالها نشط إلي حد تخليق صور متعددة للواقعة التي سببت حدوث ذلك الموقف الصادم والفجائي في مكان عام ، وهنا نكون مرة أخري أمام فطنة الكتابة القصصية حيث يصور الموقف علي الاحتمال وليس علي الضرورة .: "رأتهما بعين الخيال في لحظة فاصلة من الماضي القريب . "
هكذا يتداخل الواقع مع الخيال بتأثيرات النسبية، في تخلص سردي من مستو التصور إلي مستوي التصوير ، غير أنه تصوير ليس علي الحقيقة وإنما هو محمول علي أجنحة الخيال في أثير الفضاء الذهني للسارد نفسه في تشخيصه لانقسامات شخصية تلك المرأة الحداثية :
قال لها : سأرحل
قالت له : سأنتظر وستعود
مرت سنوات ربيع العمر ولا زالت تنتظر .
اليوم قد عاد لكنه يتجاهلها . ربما لا يعرفها . تري هل تغيرت كثيرا، لكنه أيضا قد تغير فلماذا لا تخطيْ عيناها ملامحه . لن تتركه يهرب هذه المرة لابد من المواجهة . هكذا فعلت المرأة ."
كل ذلك حدث عبر التصور الذهني ، وهو أمر قريب من فكرة الظاهراتية التي ارتكن إليها فكر هيجل ، إذ نري هنا ظل الفعل لا الفعل الحقيقي ، حيث لم يفعل بإرادة واقعية مادية وإنما بباعث غائب أو غيبي ، كما لو كان قد قرر في عالم الغيب قبل وجود الفاعل المنفذ لإرادة الغيب . فالشخصيتان الحاضرتان أمامنا في هذا الموقف لم يفعلا ما تقصه علينا الراوية حقيقة ، وإنما هي المرأة المتعددة الذوات هي التي صنعته لهما في ذهنها ووضعته علي لسانيهما وأمدتهما بالباعث . أظن أن هذا هو الإبداع بعينه ، و إلاّ فماذا يكون الإبداع القصصي ؟! لقد حفظنا عن نقاد الشعر العربي القدامى قالتهم الشهيرة :" أعذب الشعر أكذبه" وهانحن أولاء نقول : ( أجمل القص أكذبه. )

* الشخصية القناع بين لغة التظليل ولغة التفعيل ولغة التذييل :

يتقنع القاص دائما خلف شخصية ما كالسارد أو الحكواتي أو الراوي ، إذ يضع علي لسانه بعض آرائه النقدية أو رأيا أو وجهة نظر ما . وكلما ابتعد ت اللغة عن المباشرة كان ذلك أقرب إلي الإبداع.
جاءت لغة حضور الشخصيات مستنسخة عبر ذهن السارد الضمني ، وهو السارد الثاني الذي يرسمه القاص ليكون له طابع نقدي محمل بوجهة نظر القاص نفسه متواريا خلف ذلك السارد بوصفه الشخصية القناع ، وفي موقف التصور الذي تتخلق فيه الاحتمالات التي جعلت المرأة تصرخ فور رؤيتها لرجلها الهارب منذ سنين ، نصبح أمام ثلاث مستويات سردية محمولة علي صوت السارد الذي ينوع صوته ليصبح ثلاثة أصوات تتبادل المواقع : صوت السارد محملا بلغة التذييل وهي لغة شارحة للموقف وللمكان وللزمان ، لغة واصفة لظاهر الأفعال ، والسرد هنا ذو طابع وصفي ، وصوته حاملا للغة التظليل وهي لغة تشي بالمسكوت عنه من وراء ظاهر الفعل ، لغة مشحونة بأسلوب التورية والكناية والاستعارات بكل ألوانها . أما صوته حاملا للغة التفعيل ، فيكون عبر صوت السارد الأول ؛ إذا ما تكلم بضمير( الأنا )أو بأصوات الشخصيات محمولة علي صوت القاص نفسه مباشرة أو مستنسخة عبر تشخيص السارد . وهنا نكون أمام وظائف متعددة للسرد ، فهي (وصفية – درامية – نقدية ) وجميعها متشابكة ومتقاطعة ومتداخلة ومراوغة عبر تقنية التخلص السردي بالحكي الدرامي . هكذا ظفرنا بسارد يغير من وظائفه ، فمرة يحمل صفة السارد الثالث ، الذي يقف عند حدود الواجد الواصف ، يجد شيئا فيصفه ، دون تدخل ، وفي مرة تالية يحمل صفة السارد الثاني ( الضمني) الذي يؤسس موقفا نقديا علي ما انتهي إليه تفسيره لوصف السارد الثالث للحدث أو للفعل أو للمكان أو الزمان أو ما انتهي إليه تأويله – غالبا – للمواقف الممنتجة عبر ذهنه . وهو في مرة ثالثة يحمل صفة السارد الأول لا ليتحدث بضمير الأنا الخاصة به ، ولكن ليحل صوته بديلا عن أصوات يستحضرها استحضارا ذهنيا عبر التصور اللحظي ، القريب من فكرة (حلم اليقظة ) عند الكبار أو فكرة (الرفيق الخيالي ) عند الأطفال في مرحلة سنية ما ، إذ يعيد إنتاج ( مجزوء الأصوات) محملة بأقوال الآخرين ، وهو بذلك يكون ساردا إستثنائيا حاملا لمستنسخات كلام الشخصيات المسترجعة عبر ذاكرة السارد المنقسم الذات .
لعل ما قيل عن الواقعية السحرية ، تلك التي تتداخل فيه الصورة الواقعية في الصورة الرومانسية بنعومة وانسيابية شبيهة بتسرب معدن الذهب المنصهر السائل في معدن الفضة المنصهر السائل علي سطح من الصفيح الساخن ؛ ليتداخل السائلان ويمتزجان فلا نستطيع التفريق بين المعدنين ، أو هي صورة لما انتهي إليه عصر ليمونة وإذابة العصير في ماء به قطع من السكر وإذابته ، ليستحيل هذا الخليط إلي شكل ولون وطعم له هوية وله اسم جديد ليس الليمون ولا السكر ولا الماء ولكنه ( ليمونادة) هكذا جاءت الصورة السردية في قصص سعدية ذات صبغة بغرائبية . فالشخصية الرئيسية في قصة (الهاربون) شخصية فوق العادة ، مصلح اجتماعي ، تضمد جروح المحبين من حيث الظاهر ، بينما هي تضمد جرحها القديم الذي انفتح فور مباغتة الصرخة الصدمة لسكونها الظاهري ، مما أتاح لها إسقاط مكبوتات حبها الذي خمد بداخله أعواما منذ رحيل حبيبها ، وهيأ لها فرصة التعويض النفسي عما فقدته من خلال غيرها التي عاشت وكابدت ما كابدته هي من ألم الفراق. وقد وجدت ضالتها في هذه المرأة المهددة بفرار حبيبها الذي حاول أن ينكرها للمرة الثانية بعد أن ألقته المقادير في مواجهتها . في هذا الموقف المتناظر يتنامي رد الفعل المتعدد الصور عبر الخاطر بفعل المصادفة ، ليس بوصفه رد فعل حقيقي لفعل حقيقي وإنما هو ظل لرد فعل متعدد الصور علي ظل فعل متصور عبر ذهن الشخصية المحورية ، وهذا ركن من أركان العجائبية في هذه القصة ، التي تتمثل أيضا في تعقيد الحدث البسيط للقاء المصادفة بين حبيبين ينكر أحدهما المتشبث به، لنصبح بإزاء تصورات متعددة لماضي العلاقة التي بني عليها الحدث وتصورات متعددة لما ستنتهي إليه تلك الأزمة من انفراج ، مع أننا ما زلنا نري الرجل والمرأة قيد جلسة التفاوض التي طالت ، فضلا عن لغة التظليل الإسقاطى تعويضا عن عدم تحقق ذلك الوفاق المرتقب دون جدوى ، فإنها تحققه عبر التوهم ؛ إرضاء لذاتها هي . يشكل هذا التعقيد في منظومة التصوير السردي لا شك لونا من ألوان الغرائبية القصصية .



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فطنة الكتابة وقطرات المطر
- المسرح وفن صناعة الأعداء
- فكرة أنصاف الآلهةبين الوجودية والفرعونية
- المسرح وعاقبة العبث بعلاقات الإنتاج
- حكامنا وفن صناعة الأعداء
- الذكاء الاصطناعي بين الرخاء السلمي والرخاء الإحتكاري
- رجل القلعة وعلاقات الإنتاج الثقافي
- فطنة الكتابة القصصية
- الكمبوشة طوباوية معروف وطوباوية هنية
- بلاغة الصورة بين غرق سفينة نوح وفيلم تيتانيك والعبارة المصري ...
- البلطة والسنبلة والمهدي غير المنتظر
- بنات بحري بين محمود سعيد ووليد عوني
- فنون السرد بين الرواية والمسرحية
- الإنتاج المسرحي بين التنمية والأمراض الثقافية
- حتمية التحول بين نهار اليقظة وعمى البصيرة
- المسرح الشعري ولا عزاء للنقاد
- أحلام سيريالية
- ثقافة الفالوظ
- لويس عوض والبصيرة الحداثية
- المسرح ومفهوم الإيقاع


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - سعدية عبد الحليم وفطنة الكتابة القصصية (2)