أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعيد مضيه - مين فرعنك يا فرعون















المزيد.....


مين فرعنك يا فرعون


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 2585 - 2009 / 3 / 14 - 09:55
المحور: كتابات ساخرة
    


إسرائيل تمعن في غطرسة القوة وتواصل ممارساتها العدوانية، حيث لا تجد من رادع ولا حتى مساءلة. تضع إسرائيل نفسها في نادي الدول الدائمة في مجلس الأمن، وقر لها أعضاء النادي بذلك، حيث لا مساءلة ولا قرارات دولية تدينها نظرا لاحتفاظها بحق النقض. وإذ تدرك إسرائيل ذلك كله فإنها ، وقبل أن تهدأ موجة المظاهرات الساخطة على جرائمها في غزة، فاجأت العالم بإعلان مصادرة 1800 دونم حول مستوطنة إفرات جنوب بيت لحم ضمن مخطط بناء القدس الكبرى المترامية حتى أراضي بيت أمر في محافظة الخليل. وعلى إثر ذلك أعلنت عن خطة لبناء ئلاث وسبعين ألف وحدة سكنية داخل مستوطناتها بالضفة؛ وطبيعي أن ينطوي المشروع على مصادرة المزيد من الأراضي العربية . ثم انثنت تهدم بيوتا في سلوان وبيوتا في القدس، وفي مخططاتها مشاريع مصادرة وتوسع استيطاني جديدة في القدس العربية وفي أنحاء الضفة، علاوة على 5500 وحدة سكنية شيدتها منذ اتفاق أنابوليس في نوفمبر 2007، في ظل عملية "البحث عن السلام" المزعومة.
وعلى صعيد المنطقة تمارس إسرائيل التخريب والتحريض على الانفصال في كردستان ودارفور والأمازيغ في شمال إفريقيا وبلدان إفريقية أخرى. تحظى بدعم إسرائيل وتحريضها كل النزعات العرقية الانفصالية في الأقطار العربية، خصوصا العناصر القومية المتعصبة،التي تتجاهل أن استبداد الحكم يلحق عسفه بالعرب وبغير العرب على حد سواء. وكانت إسرائيل قد أعلنت معارضتها واحتجاجها على بريطانيا عام 1969، حين قررت تصفية وجودها العسكري شرقي السويس!
في هذه الأيام أسقطت إسرائيل الشعب الفلسطيني والعرب عموما من الشرعية الإنسانية، وخلعت على العرب عموما صورا نموذجية تنميطية مجردة من صفتها الإنسانية. وتؤكد التقارير الصحفية لمراقبين من داخل إسرائيل أن إسقاط الشرعية عن العرب داخل المجتمع اليهودي الإسرائيلي قد انعكس في خطابات القادة، وأثناء الحملة الانتخابية وفي التقارير الإخبارية والتحليلات التي قدمت وتقدم في وسائل الإعلام، وفي الأدب والمسرح والأفلام، وحتى في الكتب التدريسية. وهذا كله لم يطرق مسامع القوى الدولية المقررة التي تزعم مقاومة العنصرية .
وضمن التوجه العنصري نفسه جمعت الحرب الإسرائيلية على غزة كل أنواع الجرائم المسجلة في القانون الدولي، والتي صنفتها المحكمة الجنائية الدولية إلى: جرائم إبادة، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة العدوان. فاستهداف المدنيين بإلقاء القنابل بشكل عشوائي في أنحاء غزة، و تعمّد استهدافهم في الملاجئ والمستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والمنشآت المدنية وتدمير البنية التحتية، واستخدام الأسلحة المحرمة، كل ذلك يعد جرائم حرب بموجب القوانين الدولية، وهو النوع الثاني من جرائم القانون الدولي بموجب تصنيف المحكمة الجنائية الدولية، إذ استطاعت إسرائيل خلال فترة وجيزة ارتكاب جرائم الحرب بمختلف أصنافها، بطريقة مذهلة!
واقترفت إسرائيل جريمة تجويع الشعب الفلسطيني في غزة، ومنع الدواء والغذاء من الوصول إلى الشعب الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، أثناء الحرب وقبلها، وتشريده خلال الحرب، ما يدخل في إطار النوع الثالث من جرائم القانون الدولي، بحسب ميثاق روما الأساسي، والتي تسمى "جرائم ضد الإنسانية". الجرائم الإسرائيلية مكتملة إذاً، وأركان الجريمة مسجلة بالصوت والصورة، وقد أكدت هذا منظمات حقوقية غربية وعربية يصعب حصرها؛ ولكن إسرائيل لم تتعرض لمساءلة دولة أو تعنيف من جهة رسمية. وسيق لإسرائيل أن تمردت على القرارات الدولية ورفضت دخول لجنة تحقيق دولية في جريمة مجزرة مخيم جنين أواخر آذار 2002، وأجبرت مجلس الأمن على سحب قراره بتشكيل اللجنة .
في غضون ذلك لم يكتف حكام إسرائيل بتجاهل الدول العربية ، خاصة المحيطة ومصر بالذات، بل وأشهرت استخفافها يالقيادة المصرية حين أفشلت وساطتها وأعفت ممثلها جلعاد من مهمته التفاوضية في عملية التهدئة بصدد قطاع غزة. ويُسمِع ليبرمان العالم كل يوم خطاباته العنصرية المتضمنة دعوات الترحيل للعرب إسرائيل، معبرا في الحقيقة عما تختلج به نفوس الطيف السياسي في إسرائيل كله. و للمقارنة فقد منع سلف ليبرمان في الفاشية ، الحاخام مائير كهانا مع حركته من الترشح لانتخابات 1987بسبب توجهاته العنصرية.
من طبيعة ارتباطاتها العضوية استمدت إسرائيل قوة التحدي للقانون الدولي. فقد خرجت الحركة الصهيونية ووليدها إسرائيل من رحم النظام الاقتصادي ـ السياسي في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وفي صلب وعد بلفور حدد للكيان الصهيوني بفلسطين مكان ودور في مشروع السيطرة الكولنيالية على الوطن العربي. وخلال النصف الثاني من القرن الماضي قامت إسرائيل بادوار أساسية وصريحة في الحملات الامبريالية ضد شعوب المنطقة. ونظرأ لإدراكها العلاقة الجدلية بين التحرر وسلامة الجبهة الداخلية في الأقطار العربية فقد انشغلت إسرائيل، من خلال أجهزتها السرية، بالتخريب وتدبير الدسائس وإعداد الخطط لمنع التطور الديمقراطي والتنمية ومقاومة نزعات التضامن والوحدة القومية بين الأقطار العربية كافة. وبينت التحقيقات أصابع الموساد الإسرائيلي في الجريمة الدولية لاغتيال المناضل الوطني الديمقراطي المغربي، المهدي بن بركة. وتناصب إسرائيل وأجهزتها العداء كل قوة وطنية ديمقراطية في أي من الأقطار العربية. إسرائيل وممارساتها العدوانية جزء لا يتجزأ من نهج الامبريالية وسياسة العولمة في الوقت الراهن. ويقدم تاريخ الصراع مع عدوانية إسرائيل أنه صراع مناهض بالضرورة للاحتكارات عابرة الجنسية وضد العولمة وقوى المحافظة والتخلف في الداخل وعلى الصعيد الدولي. ربما تعجز الجيوش عن المواجهة المظفرة للغطرسة العسكرية المدججة بأكثر نظم التسلح تطورا؛ لكن الجماهير المعبأة والمنظمة بمقدورها التصدي طويل النفس والمكلل بالنجاح.
مناهضة السياسات الإسرائيلية لا تنسجم والصداقة مع البلدان الامبريالية؛ وفي ضوء العلاقة العضوية بين إسرائيل والامبريالية العالمية أسفرت عن سراب تلك المساعي لدى الدول الامبريالية ، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، كي ترد التطاولات الإسرائيلية. تكشفت المساعي عن خداع للشعب الفلسطيني وللجماهير العربية. استطاع الدور الأمريكي، خاصة إدارة بوش الابن، اصطحاب أصدقائه من الحكام العرب في حملة ضد الشعب الفلسطيني. ولعل احد ثمار هذه الصحبة ما كتبه الصحفي اللبناني طلال سليمان رئيس تحرير جريدة السفير، إذ كتب في مقالته بالجريدة يوم 11 آذار 2009، يقول: "سمعنا مسئولا عربياً بارزا( أثناء القمة الاقتصادية في الكويت) يرفع صوته بلهجة التحدي وهو يقول:
’أريحونا قليلاً من فلسطينكم. ليست فلسطين التي تحتلها إسرائيل أعز علينا من الجزر العربية التي تحتلها إيران. لماذا تريدوننا أن نقاتل العالم من أجل فلسطين وأنتم تهملون القضايا المتفجرة التي تهدد أمننا في الخليج؟! وفاجأنا مسئول خليجي آخر يتدخل مسانداً شريكه في ’القضية‘ الجديدة: لن نغفر لبعض العرب أنهم تخلوا عنا عندما غزا صدام الكويت، بذريعة الاعتراض على الهيمنة الأميركية على المنطقة‘". ومازال الغموض والإبهام المعروفين عن إدارة بوش يكتنف خطاب الإدارة الجديدة بصدد الموضوع الفلسطيني. لم يتم الإقرار بوجود احتلال ينبغي إزالته؛ ولم يعلن موقف إيجابي من قرار محكمة العدل الدولية بشأن الجدار. وما زال الموقف غامضا من ضرورة تفكيك المستوطنات المقامة على أراضي الضفة والقدس العربية . ولم يصدر اعتراض على انفراد إسرائيل بحق الأمن بينما يهشم الأمن الفلسطيني على مدار الساعة، وجرى تدمير الكيان الفلسطيني على مذبح كيان إسرائيل. يدعي قادة جميع الأحزاب الصهيونية أن عودة اللاجئين يشكل خطرا على امن إسرائيل ! لا تشير الدلائل الأولية أن التبدلات في نهج الإدارة الجديدة سوف تطال تفاصيل العلاقة مع إسرائيل ونهجها العدواني التوسعي.
إن هذا ينقلنا إلى العنصر الثاني المعبئ لغطرسة إسرائيل، حيث تجد إسرائيل حكاما عربا بجانبها على المكشوف . وتحدثت التقارير عن وجود ضباط مخابرات إسرائيليين على رأس بعثات أمنية في دول خليجية، كي يعززوا "أمنها" مقابل إيران. ليس من الصعب تبرير أي خطوة سياسية، ولحكام العرب مبرراتهم للتحالف مع إسرائيل ضد عدوا ما يجري تنصيبه. لكن هذا التبرير لا يصعب كشف زيفه؛ فهو لا يعدو تعبيرا عن وحدة المصالح. في عام 1969 طرح وزير خارجية الولايات المتحدة، روجرز مبادرته لحل النزاع الإسرائيلي العربي عبر تنازلات يقدمها الاحتلال الإسرائيلي. وبرر الوزير مقترحه بضرورة المحافظة على الأنظمة العربية الصديقة التي تضعضعت مكانتها بين شعوبها وداخل المنطقة. وفجأة ألغيت المبادرة وأعفي الوزير روجرز من منصبه. تم إقناع إدارة جونسون الذي أعطى من قبل الضوء الأخضر لعدوان حزيران، ان الأجدى بالنسبة لإسرائيل ولمشاريع الهيمنة الأمريكية بالمنطقة يكمن في تعزيز قوى المحافظة والتخلف في العالم العربي. وبالفعل دخلت المنطقة مرحلة هجوم شرس ضد قوى التحرر والتقدم بالمنطقة العربية، باستثمار احتياطي المحافظة والتخلف في الحياة لعربية، الفكرية منها والسياسية والاقتصادية، تلك التي لم تجتثها حقبة النهوض في حركة التحرر العربية. وساعد انتصار الهجوم غياب عبد الناصر المباغت وتولي السادات مكانه.
حفظ التراث الثقافي العربي توأمة الدين والحكم، وتقليد السيطرة الفردية المطلقة للحاكم، ما جعل الاستبداد السياسي والفكري حالة طبيعية وواقعية في الحياة العربية. في كتاب عنوانه " الإنسان المهدور"، صدر حديثا للدكتور مصطفى حجازي ، الباحث في علم النفس الاجتماعي، مرافعة غنية ومحكمة لتداعيات الاستبداد المقوضة لاقتدار المجتمعات العربية. يتعقب الكتاب مفعول الاستبداد في الوعي الاجتماعي؛ إذ يقوضه من الداخل ويشيع لدى الجماهير ليس إدراكا معطلاً وحسب، بل وتبخيسا للذات. يخلص البحث على ضرورة ايترداد إنسانية الإنسان العربي قبل التحدث عن الديمقراطية ومكافحة الفساد أو إنجاز التنمية. فالاستبداد يفضل الولاء على الإنجاز. يتواطأ الاستبداد لاستنزاف وعي الفرد العادي وإدراكه فيتواطأ هو بدوره على نفسه ويقعد يجتر آلامه. ضمن هذه السيرورة الهابطة قوضت الأنظمة مجتمعاتها فقدمت لتحالف الامبريالية وإسرائيل جبهة منخورة من الداخل. والحاكم أو المجلس المنتخب أو القوة المسلحة يغرق بالهوان ويفقد هيبته إن لم يستند إلى حركة الجماهير وضغوطاتها. الاستبداد يهمش الجماهير ويقف منها موقف العداء، فيهمش ذاته على صعيد العلاقات الدولية. الاستبداد يقيم دولة ويعجز عن بناء وطن. فهو يهيئ تربة ثقافية وذهنية وسيكولوجية ينمو عليها نظام العصبية الدينية أو الطائفية أو العشائرية أو العرقية ، وكذلك الحركات الأصولية. من ثغرة الاستبداد نفذت الحركة الالتفافية على المسيرة التحررية للأقطار العربية. كان إنعاش الأصولية ونظم الاستبداد وتعميمها في المجتمعات العربية المدخل المفتوح كي ينقض التحالف الامبريالي ـ الإسرائيلي على حركة التحرر والتقدم العربية. في ظل الاستبداد تم هدر القانون والمؤسسات وهدر الثروة الوطنية والاستفراد بالجماهير وترويضها . تحكّم في حياتها الروحية من خلال الإعلام والتعليم فجردها من كل مرجعيات القوة والمنعة والحقوق. ومن الناحية العملية تبين أن هذا الحرمان ينشر صقيع التبلد والخمول في الحياة الاجتماعية. فلقد أثبتت الأبحاث الحديثة على الدماغ البشري أن البيئة الرتيبة الخالية من المثيرات والإثارات، حيث تنفرد العفوية أسلوبا للتعامل مع الأحداث ، تعمل على ترقيق القشرة الدماغية، وبالتالي إلى تدهور الكفاءة الذهنية. ويتجلى ذلك في قصور الانتباه والوعي وغياب التفكير الاستراتيجي والتخطيط وصناعة القرار وحل المشكلات وتشكيل الخيارات وتنفيذها . ترقيق القشرة الدماغية تحد من الضبط العقلي، مما يفتح السبل أمام غلبة السلوك الانفعالي الاندفاعي. وهذا ما يميز ردود الفعل بوجه التطاولات الإسرائيلية. إسرائيل لم تواجه لدى الجانب العربي غير ردود الفعل الانفعالية والغضب العاجز حيال جرائمها الدموية.
والشباب أكثر شرائح المجتمع عرضة للهدر. يقول الدكتور حجازي:"هدر الوعي، ووعي الشباب تحديدا يؤدي إلى تعمية الرؤى، وبالتالي يضلل تبصرهم بما هم فيه، وفيما يجب أن يكونوا عليه... في محاولة لإخماد كل نزعة للقيام بمسئولية المصير، من خلال غرس روح القطيع فيهم والرؤية الانقيادية التبعية، وبالتالي تحويلهم إلى مجرد أدوات... يحرم الشباب من أن تكون له قضية وطنية عامة تملأ حياته؛ وتكون فرصته للتضحية والبذل والعطاء... كما تدل دراسات البيولوجيا فالحيز الوطني مجال للدفاع والحماية لكل كائن حي. الوطن قضية مغروسة الجذور عميقا في صلب الكيان الحي ذاته. .. يتضح مقدار الهدر الوجودي الذي يصيب الشباب حين لا يشعرون بأنهم سادة مجالهم الحيوي وحماته وصانعو قوته ومنعته. ونظرا لأن بلاد الهدر بلا بطولات، يظل الشباب في مأزق فوق طاقة الاحتمال تموه له بطولات زائفة في برامج تلفزيونية من أمثال’ سوبر ستار‘ و’ ستار أكاديمي‘ ، وكذلك مباريات كرة القدم التي غدت دينا جديدا للشباب. إن لهذه كلها قيمة دفاعية لتعويض الثغرة الوجودية المتمثلة في العجز المزدوج : هدر المكانة المهنية والاجتماعية". برامج التسلية الموجهة للشباب من فضائيات تنهل من ثقافة العولمة تسكّن الأوجاع وتخدر الوعي من خلال ملهاة وزارات الشباب والرياضة ، وتشكل أبرز حالات الهدر وأكثرها خطورة على المستقبل الوطني. أما إغراءات الاستهلاك المروج لها بالدعايات ( وهي تدخل ضمن حزمة الثقافة المعولمة) فتبهت في حضرتها ثقافة البحث العلمي والجهد المبذول في التنمية والبناء طويل النفس والمعتمد على المعرفة والخبرة والنشاط الهادف.
يلازم الهدر الإنسان طوال حياته بحيث يتوهم أنه الحالة الطبيعة وواقع الأمور. يؤكد الباحث "أن الهدر يلازم الإنسان منذ الطفولة حين يسلب حق الرعاية الأسرية عاطفيا واجتماعيا وتحصيليا؛ لا إدارة ولا تخطيط ولا تبصر بمستقبل، بل استسلام لأقدار، يحكمه قانون الأقوى جسديا ويحول الطاقات العقلية إلى ’الذكاء التحايلي‘( الفهلوة) أو ذكاء تدبير الحال. المناقضين لنمط الذكاء المطلوب للنجاح في الدراسة... أما البديل الآخر فهو الانخراط في الحركات الأصولية."
و العولمة تلقي بثقلها في مهمة الهدر إذ تحاول سلخ الشباب عن انتماءاتهم الوطنية من خلال الترويج للأسواق العالمية باعتبارها الفرص المستقبلية الواعدة. ... "عصر الرفاه الاجتماعي الذي أنتجه المجتمع الصناعي ليس سوى حدث عابر في التاريخ الاقتصادي؛ ذلك أن دولة الرفاه لم تكن سوى الثمن الذي توجب على الرأسمالية دفعه لمقاومة الشيوعية". تلوح العولمة بمصير سحري وغير مضمون في الاغتراب الجغرافي والاجتماعي وذلك لإبعاد الشباب عن الانخراط في صناعة المستقبل الأكيد من خلال الجهد وبناء الاقتدار، واستراتيجية التنمية المستدامة ذات النفس الطويل والجهد المستمر والنتائج المضمون.
الأنظمة المحافظة لا تقف بجانب إسرائيل وحسب، بل تضعف الجبهة المناهضة لتحالف العدوان والهيمنة العولمية، وتسعى لتقويضها من الداخل. تهدر شعوبها، مدمرة الطاقات والوعي والفكر كي تعطل قوى التنمية والتغيير والتقدم. لم يردّ التحالف الجميل للأنظمة ويدخل معها في شراكة متكافئة، بل استخف بها وركنها جانبا، واستنفر غرائزه الذئبية الافتراسية
مقابل هذا التدمير الذاتي واصلت إسرائيل بناء قدراتها العسكرية والصناعية والعلمية. عندما عقد السادات اتفاقه الذليل مع إسرائيل ملحقا خسارة فادحة بالجبهة العربية المناهضة للاحتلال والتوسع، ارتفعت داخل إسرائيل مقولة أن القوة اضطرت العرب إلى السلام مع إسرائيل. ومضت إسرائيل تشحن جمهورها بلغة الكراهية العنصرية وبضرورة اتباع نهج مواقع القوة في التعامل مع العرب. وهنا يقبع العنصر الثالث لتفوق إسرائيل وغطرستها العنصرية الفاشية. طفقت تنمي قدراتها العسكرية . وكم من حرب بادرت إليها إسرائيل منذ كارثة كامب ديفيد خلال ثلاثة عقود مضت على الاتفاق المشئوم. وبهذا الصدد كتب الصحفي الإسرائيلي جوناثان كوك في مجلة (كاونتر بانش ) يفسر ظاهرة المد الفاشي داخل إسرائيل، فكشف النقاب عن دور النظام التعليمي الديني الممول من قبل الحكومة في تخريج حاخامات أكثر تماثلا مع كهنة العصور الوسطى منهم إلى العصر الحديث. فهذا النظام يجهز التلاميذ بعقيدة عبادة العنف القبلي ، والتمركز الكلي حول الذات ، ولا يرى في تاريخ العالم كله سوى حكاية اليهودي الضحية التي لا نهاية لها. إنها عقيدة الشعب المختار، عقيدة لا تعاطف إطلاقا مع غير اليهود ، وتمجد ما أمر به الرب في التوراة من إبادة الجنس وحصيلة هذا النظام التعليمي هم الحاخامات الذين يدرسون الشبان. في استطلاع اجري مؤخرا تبين أن أكثرية الطلبة يدعمون حزب ليبرمان الفاشي، بينما حزب ميريتس، وهو صهيوني لكنه ينحو لليسار في قضايا ثانوية ، لا يحظى بأي تأييد. وبتشجيع من المؤسسة الدينية يبذل جهد منهجي للاستيلاء على الجيش من الداخل . وأبرز مثال لهؤلاء كبير حاخامات الجيش ، الكولونيل أفيشاي رونسكي، الذي أعلن هدفه تعزيز "الروح القتالية " للجنود. إنه من اليمين الفاشي ولا يختلف عن الحاخام الراحل مائير كهانا، الذي حظر حزبه بسبب إيديولوجيته الفاشية. وتحت إشرافه يجري توزيع منشورات بمضمون فاشي ديني على أفراد الجيش. ويضم الجيش الإسرائيلي وحدات من المتدينين ومعظمهم يقيمون بمستوطنات الضفة الغربية. وهم يستجيبون لنداءات المتعصبين ، دعاة إسرائيل الكبرى.
وبناء على معطيات إحصائية يوردها الإعلام الإسرائيلي فإن ما يزيد على ثلث القوات المحاربة في الجيش الإسرائيلي هم متدينون، وأن أكثر من أربعين بالمائة من هؤلاء ضباط تخرجوا من دورات خاصة.
الاقتدار الإسرائيلي والدعم غير المتحفظ من جانب قوى العولمة من جانب، وتقويض المجتمعات العربية من الداخل بفعل الاستبداد وهدر الطاقات والوعي والفكرمن الجانب الآخر .. بيئة نمت فيها الغطرسة الإسرائيلية. والمرض الداخلي هو ما يمكن علاجه والقضاء عليه. يمكن بل يجب التطويح بالاستبداد السياسي والفكري وبناء الاقتدار العربي عبر استعادة الإنسان العربي إنسانيته. استعادتها من خلال الممارسة العملية ضمن حركة شعبية مقاومة للاحتلال وحليفه الاستبداد بالداخل، ومدافعة عن قضايا الجماهير ، ومن خلال نشاط تثقيفي تعبوي يرفد العمل بالمعرفة وبثقافة الأمل. وهذا يتطلب جهودا حثيثة ومضنية، ثقافية وسياسية ، من جانب قوى التغيير، لكنها جهود ملحة لا بد منها.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمود أمين العالم في الحياة الفكرية العربية 3- جدل الواقع في ...
- محمود أمين العالم في الحياة الفكرية العربية - 2 الجدلية جوهر ...
- محمود أمين العالم في الحياة الفكرية العربية الحلقة الأولى
- المجزرة .. كوارث ودروس
- الجدار واغتيال ياسر
- الهندسة الوراثية لدولة إسرائيل
- الأحزاب الصهيونية تتبارز بالدم الفلسطيني
- بوش والحذاء... سخرية في حفل ساخر
- فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
- تصعيد المقاومة الشعبية بوجه سعار الاستيطان
- زيوف أقحمت لتشويه الماركسية
- ماركسية بلا زيوف 1
- تحية للحوار المتمدن في عيده السابع
- وخرج القمر عن مداره
- أكتوبر و عثرات البناء الاشتراكي
- أكتوبر في حياة البشرية
- هل يخمد عطر الدين عفونة فساد الحكم الحلقة الأخيرة
- هل يخمد عطر الدين عفونة فساد الحكم-3 .... السيف والكتاب
- فرقة ناجية واحدة أم اكثر؟
- هل يذهب عطر الدين عفونة فساد الحكم؟


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعيد مضيه - مين فرعنك يا فرعون