أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبد الحسين شعبان - لا بدّ من بغداد ولو طال السفر















المزيد.....

لا بدّ من بغداد ولو طال السفر


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2570 - 2009 / 2 / 27 - 09:23
المحور: الصحافة والاعلام
    


في زيارتي السادسة للعراق منذ العام 2003 كنت أشعر في ذلك الصباح البغدادي الجميل أن طيف بغداد يلوح لي كلما فكرت في العراق، ويتحرك في داخلي ذلك الشوق البغدادي المعتّق مثل خمورها التي كان أبو نواس يصفها وهي مندلقة من دنانها بألوانها الزاهية ومذاقها اللذيذ.
صادفت احتفالية «اتحاد الحقوقيين العراقيين» بتكريمي وتسليمي وسام الاتحاد وشهادته التقديرية في يوم 14 فبراير، يومَ الحب ولقاء العشاق، وكنت أشعر أن الكلمات والتحايا أقرب إلى باقات ورد وحرية وحب، متدليات مثل رطب برحي عراقي ذهبي محبب، رغم المرارات والعذابات الكثيرة، القديمة منها والجديدة، وليالي النوء والحسرة.
هكذا ظلّت بغداد تدور في رأسي: حلماً وواقعاً وأملاً، بالاقتراب منها والعيش فيها، أو بالابتعاد عنها على الكراهة حيناً وطوعاً حيناً آخر، وكأني أطبق ما يقول الجواهري الكبير مخاطباً بغداد:

ما درّ درك في ربوعِ ديارِ قربُ المزارِ بها كبعدِ مزار
يهفو الدّوارُ برأسِ من يشتاقها ويصابُ -وهو يخافها- بدوارِ
لكأنّ طيفكِ إذ يطوف بروضةٍ غنّاءَ يمسخها بسوحِ قفارِ
أفأنتِ دارُ شبيبةٍ وفتوةٍ يُصبى بها أم أنتِ دارُ بوارِ؟
وكان مطلع قصيدة «بغداد» يتغلغل فيّ إلى درجة أني لا أستطيع الفكاك منه أحياناً، فأردده على جلاّسي أو أدندن به، بيني وبين نفسي، كلما شعرت بالحاجة إلى بغداد.. كلما افتقدتها أو اشتقت إليها، سواءً كنت فيها أو بعيداً عنها، وعندما سنحت أول فرصة للقاء الجمهور بعد دقائق من وصولي إلى بغداد العام 2003، رددت بيت الجواهري.
بقينا نحلم ببغداد لعقود من الزمان، «ثلاثون حولاً والهوى شرق» كما يقول الأديب العراقي جمعة اللامي، بملاقاة الحبيبة بعد غياب طويل، وكان الحلم وحده هو الذي منحنا هذه القدرة العجيبة على المقاومة والاستمرارية وتحمّل الغربة التي فيها يطول الزمهرير على حد تعبير الشاعر مظفر النواب.
وكنت قد سألت الجواهري مرّة، حيث وصف سنوات الغربة بالسبع العجاف، وماذا كان هناك في الغربة يا أبا فرات: زمهرير المنفى أم فردوس الحرية!؟ فأجابني محركاً أصابعه الممدودة وهو ينفث دخان سيجارته ويلاحق دوائرها وهي تتسابق مع بعضها وتتصاعد في حلزونية حتى تختفي: الاثنان معاً.. أي والله!!
إن قلب الإنسان هو الذي يستطيع أن يقاوم الزمن، لا سيما إذا اتسع بالحب، إذ بدونه تزحف الصحراء على الروح ويتعطل العقل ويتعفن الفكر ويصاب الإنسان بالجدب والخواء، فالحب هو الحالة الأبدية المباركة ضد اليومي والساكن والرتيب. ومن يقرأ رواية «خريف البطريرك» للروائي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز يعرف أي تعويض يمنحه الحب عن الفداحات والعذابات والحرمانات الكثيرة!!
ومثلما يمنح قلب الإنسان القدرة على الحب، فإن عقله يمنحه القدرة على التفكير، وتمنحه الإرادة القدرة على العمل، وأخيراً فإن وجدانه يمنحه الإحساس بالعدالة والجمال. ولعل ما مرّ بنا من آلام وأحزان وعذابات وحصار وحروب كان أقرب إلى الكوميديا السوداء أو التراجيديا الساخرة، حيث انتقلنا من التدمير المبرمج إلى التدمير المبدد، ومن التدمير المنهجي إلى التدمير العشوائي، وتصدعت الكثير من القيم والمبادئ، ناهيكم عن الخراب المادي والمعنوي الذي أصاب الإنسان والمجتمع، وأُغرق كل شيء بالبلاهة والرداءة والخوف، هكذا «حشرنا» رويداً رويداً من الطغاة إلى الغزاة، وظل الغلاة يتصدّرون المشهد، في حين أن مجتمعنا يحتاج إلى دعاة حقيقيين لنشر ثقافة حقوق الإنسان واحترام حق الاختلاف والرأي والرأي الآخر والتعايش السلمي، ومنع تغوّل الدولة على المواطن تحت أي أسباب مذهبية أو طائفية أو دينية أو إثنية أو لغوية أو سلالية أو سياسية أو اجتماعية، أو لأي سبب كان.
ظلّ العراقي، رغم كل الخسائر والعذابات، يحلم باستعادة التوازن واستمرارية الحياة، لدرجة أنه أحياناً يتساوى عنده الموت مع الحياة، لا سيما إذا تعلق الأمر بالكرامة، وكأنه يتمثل قول الجواهري الكبير:

وأركبُ الهول في ريعانِ مأمنةٍ حُبّ الحياة بحب الموت يغريني
فرغم عوامل الانقسام والتمذهب والتشظي والإرهاب والعنف، فإن كل شيء في العراق يشي بالتكامل والتوحّد والتفاعل، رغم الخصوصيات، فالثقافة تعددية، واتجاهات الفكر والفلسفة تاريخياً أميل إلى التعددية، والأديان والقوميات والإثنيات والجماعات البشرية متعددة ومتنوعة ومتعايشة، والمجتمع العراقي تاريخياً رغم تنوعه وتعدديته الفكرية والسياسية والدينية والقومية والسلالية كان أقرب إلى التجانس والتفاعل في إطار «موزاييك» موحد وفسيفساء جميلة، مثل الموارد والأنهار والجغرافيا والتاريخ والبشر والحضارات السومرية والآشورية والبابلية، الأمر الذي يحتاج إلى التفكّر وأخذ الدروس والعبر، فيما يتعلق بالوحدة الوطنية الجامعة المانعة، مع احترام التعدد والتنوع والخصوصية!
لا يمكن الحديث اليوم عن ديمقراطية حقيقية دون احترام التنوع والتعددية وحقوق جميع المكوّنات، بما فيها الأقليات الدينية والإثنية، ودون احترام حقوق المرأة كاملة ومساواتها مع الرجل، ودون احترام حقوق المواطنة كاملة في إطار احترام حقوق الإنسان وحرياته، وفي إطار المساواة وعدم التمييز.
وسيكون الشرط الأول لذلك هو فضاء الحرية والانعتاق والاستقلال والسيادة وإنهاء الاحتلال وكل ما له علاقة بآثاره وتبعاته، مثل كل ما له علاقة بآثار الحِقَب الاستبدادية السابقة، أما الشرط الثاني فيتعلق بإعمال مبدأ سيادة القانون وإنهاء مظاهر العنف والميليشيات، والشرط الثالث يتعلق بالمساواة وعدم التمييز لأي سبب كان، سواء كان دينياً أم عرقياً أم سياسياً أم جنسياً أم اجتماعياً أو لأي سبب كان، أما الشرط الرابع فهو قبول مبادئ التعددية والحق في الاختلاف وقواعد اللعبة الديمقراطية، وهذه بحاجة إلى قضاء مستقل ومهني ونزيه وفصل للسلطات ومنع هيمنة إحداها على الأخرى، والديمقراطية لوحدها دون الوطنية تؤدي إلى الاستتباع وقبول الهيمنة، والتشدّق بالوطنية لوحدها دون الديمقراطية يؤدي إلى الدكتاتورية، ولذلك فالتلاقح بين الديمقراطية والوطنية أمر ضروري ولا غنى عنه، وتلك مهمة سيكون لبّها وجوهرها البعد الإنساني للحقوقيين الذين أعادونا إلى بغداد واستعدناها معهم ورددنا: لا بدّ من بغداد ولو طال السفر!!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما الذي تبقّى من “اليسار الإسرائيلي”؟
- حصاد غزة والبروتوكول الأمريكي - “الإسرائيلي”
- أطياف روزا الحمراء : ماركسية واغتراب!
- محاكمة منتظر الزيدي ولحظة الحسم
- عبدالحسين شعبان: خمسة خيارات لمقاضاة مسؤولي إسرائيل
- بروموثيوس و متحفية الماركسية!!
- ثلاثة مخاطر أساسية تهدد الإعلاميين! (2-2)
- السفير مختار لماني والمواطنة العراقية!
- قمة الكويت والمجتمع المدني
- الأكاديميون العراقيون: أليس في الصمت شيء من التواطؤ؟
- ثلاثة مخاطر أساسية تهدد الإعلاميين!
- غزة من شارون إلى أولمرت: حسابات الحقل والبيدر!
- عملية «الرصاص المنصهر»: غزة و«الثأر المبرر»!
- الانتخابات العراقية: الدستور والطائفية!!
- غوانتانامو والعدّ العكسي!
- غزة: أمتان ... بل عالمان!
- مواطنة بلا ضفاف!!
- الإعلامي والحقوقي ومن يعتمر القبعتين
- مغزى كلام بوش
- العراق وشرنقة الفصل السابع


المزيد.....




- تبدو مثل القطن ولكن تقفز عند لمسها.. ما هذه الكائنات التي أد ...
- -مقيد بالسرية-: هذا الحبر لا يُمحى بأكبر انتخابات في العالم ...
- ظل عالقًا لـ4 أيام.. شاهد لحظة إنقاذ حصان حاصرته مياه الفيضا ...
- رئيس الإمارات وعبدالله بن زايد يبحثان مع وزير خارجية تركيا ت ...
- في خطوة متوقعة.. بوتين يعيد تعيين ميشوستين رئيسًا للوزراء في ...
- طلاب روس يطورون سمادا عضويا يقلل من انبعاث الغازات الدفيئة
- مستشار سابق في البنتاغون: -الناتو- أضعف من أي وقت مضى
- أمريكية تقتل زوجها وأختها قبل أن يصفّيها شقيقها في تبادل لإط ...
- ما مصير شراكة السنغال مع فرنسا؟
- لوموند: هل الهجوم على معبر رفح لعبة دبلوماسية ثلاثية؟


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبد الحسين شعبان - لا بدّ من بغداد ولو طال السفر