أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الحداد - كتل كونكريتية وكتل سياسية















المزيد.....

كتل كونكريتية وكتل سياسية


محمد الحداد

الحوار المتمدن-العدد: 2556 - 2009 / 2 / 13 - 08:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هذا هو حال العراق الجديد ، كذا هو حال كل شعوب المنطقة ، فحالة التقسيم والتشرذم واضحة للعيان ، بل لم تبقى بالرمزية كما كانت في العراق ، فبتجوالك بمدينة بغداد ترى جدرانا عالية من كتل كونكريتية ضخمة تفصل بين أحياء سميت سنية وأخرى شيعية ، فتقطع التلاحم بين أبناء الوطن الواحد إلى مسميات مذهبية ودينية ، فهذا سني وذاك شيعي ، وثالث مسيحي ، ورابع صابئي ، وخامس كردي ، وسادس تركماني ، وسابع أيزدي ، وثامن فيلي ، وهو مستمر أيضا داخل الطوائف نفسها ، فهذا قومي عربي ، وذاك قومي كردي ، وهذا مسيحي سرياني ، وآخر أرثودكسي .
كذا الحال ببلدان المنطقة كلها ، وبين مكوناتها ، بل الأخطر هو ما يحدث بين بلدان المنطقة ، فهناك جدار حدودي سيكتمل بين العراق والكويت والسعودية ، كذا تقسيم الدول العربية إلى دول اعتدال ودول مواجهة ، فالكل خائف من الكل ، والبعض متأزم من البعض ، وحالة تشنج عالية ، واللقاءات قليلة بين القادة ، وهو فقط بين أصحاب الكتل المتقاربة ، وان التقوا فهو فقط لأخذ الصور التذكارية .
نحتاج لثقافة جديدة داخل مجتمعاتنا ، تعتمد على الثقة قبل الشك ، وتقبل الانفتاح على الآخر حتى وان كنا مختلفين معه حد النخاع ، لأننا لن نستطيع إفناء الآخر هذا ، كما هو لن يستطيع ذلك تجاهنا ، فكان الأجدر أن نجد قواسم مشتركة نستطيع أن نبني عليها ، ولنضع جانبا ولو مؤقتا نقاط خلافنا ، لأننا ولحد اللحظة لم نمتلك ثقافة التسامح ، وكل مصر على رأيه وصحته ، وبالتالي هكذا خطاب يزيد تشرذمنا بدل لقاءنا .
الإحساس العام لدى الجميع دون استثناء بالتخلف ، وعدم اللحاق بالركب العالمي بكل طرقه ووسائله وثقافته ، أدى إلى نشوء حالة من الخوف الهستيري من الآخر ، والذي أدى بدوره إلى محاولة تضخيم للهوية الذاتية ، الممثلة لتلك الطائفة أو الفئة أو الدولة ، كالعادات والتقاليد والأديان ، والرجوع إلى الخلف ، وتقليب الماضي ، لإيجاد قيم نفتقدها بالحاضر ، لنعيد بعثها ، والتقوقع داخلها ، والتحصن بها كنوع من الدرع الحامي ضد الآخر المتمثل بكل ما هو عصري وحديث .
فبدلا من تفكيك البنى التحتية لواقعنا المعاصر ، ودراسة أسباب التخلف والتقوقع والانغلاق وعدم الانفتاح ، نرى أننا نزيد الداء سوءا بالرجوع إلى الخلف ، لأيمان داخلنا أن سبب تراجعنا عائد لتركنا قيم الماضي ، وهذا فهم يجانب الحقيقة ، لأن تقدم الآخر وإبداعه لم يكن بعودته لماضيه ، بل كان بتركه لهذا الماضي وقيمه ، وبنائه لقيم حداثة مختلفة عن قيمه السابقة .
فنرى مثلا تضخم ديني لدى كل الطوائف ، وكأنها حالة انبعاث جديد لكل الأديان دون استثناء ، بل وبكل طوائفها ، هذا الإحياء الجديد أدى إلى احتقار كل الإنجازات الفلسفية والفكرية للآخر ، وإدخالها ضمن باب المؤامرة علينا ، وكأن الآخر لا عمل له إلا نحن ، وكأن الآخر لا مشاكل عنده وآمال وأحلام ، وهذا التفكير أيضا ، أي فكر المؤامرة هو نوع من تضخيم الذات ، وإعطائها قيمة ليست حقيقية واقعية ، بل أكبر مما هي في ذاتها .
كما أنه أنشأ جدار زجاجي بيننا وبين الآخر ، نراه ويرانا ، ولكننا نخاف أن نأخذ من تجاربه وأفكاره بدعوى الغزو الثقافي تارة ، أو أحلام الاستعمار الجديد ، وغيرها من دعوى ، أضرت بنا نحن أكثر مما أضرت بالآخر ، لأنه أستمر بمسيرته ، بينما نحن ما زلنا نبحث عن أدوات مقاومته ، بل ونبحث عن ذاتنا ، فهل نحن جزء من الماضي حتى نستعيره ونطبقه على الحاضر ، وهل قيم الماضي الحضارية هي نفسها قيم الحاضر الحضارية ؟ وان كانت تختلف هذه القيم ، فهل ممكن استعارة القيم الماضية وتطبيقها حاضرا ، أم أننا نعيش فقط بالماضي ونبكي الأطلال دائما ، ونعيد ونستخدم حرف لو مرارا وتكرار ، فلو كانت دولة أسلامية ، ولو كانت دولة قومية ، ولو أعدنا قيما منسية كانت ، ولو ، ولو ...ولو كثير من الأشياء ، ولكن أين نحن من كل هذا ؟
حالنا المزري هذا ، حتى بعدم مقدرتنا بإيجاد الحلول الناصعة الناجعة ، لهو دليل الانفصام بيننا وبين واقعنا المعاش ، ولهو دليل نتائج الضربات الموجعة التي توجهها لنا القيم الحضارية الجديدة ، قيم الحضارة الغربية وليبراليتها الديمقراطية وحقوق الإنسان والحيوان والبيئة ، مما أدى ببعضنا إلى البحث داخل قيمنا القديمة وتجديدها وتحديثها ، بل أن كثيرون يبحثون بالماضي قيم حداثة ، وإعطاء الماضي وقيمه نظرة حداثة نستطيع من خلالها تطبيقه على واقعنا ، وهذا خطاب تنويري جيد ، ولكنه يلقى مصاعب ومواجهات دامية مع الأصولية الثقافية والدينية ، التي تأخذ الماضي كما هو دون إيجاد أي تحديث له ، أو عصرنته ، بل كل منظورها هو التطبيق الحرفي للماضي ، وإسقاطه على الحاضر والمستقبل ، فبمنظورهم لا يوجد تطور بكل مناحي الحياة ، من فكر وعقيدة ، بل الحياة عندهم حالة من الجمود والتكرار الممل للأحداث بتغيير الشخوص فقط .
كذا نرى أنه كلما تمسكت الحركات الأصولية ، الدينية والثقافية بخطابها الثابت الغير مرن ، كلما اتسعت الفجوة بينها وبين قيم الحداثة والليبرالية الديمقراطية ، ومن هنا نرى أن المواطن البسيط ، مسلم الشارع المتدين البسيط مثالا يرفض قيم التحديث قاطبة رفضا قاطعا بسبب كونه تابع لمرجعيات أصولية حذرته وتحذره ليل نهار من هكذا قيم ، بل هي تعزي له أسباب جوعه وفقره لعدم تطبيقه هو ومجتمعه لأفكار الأصولية تطبيقا صحيحا ، وتعزي أسباب تخلف المجتمع عامة بابتعاده عن التفسير الأصولي للنص الديني وتطبيقاته ، بل هي تطلب منه العودة للماضي بآلاف السنين لأن الماضي لديها كان القمة برغم كل أخطائه ومذابحه ودمائه .
إن الإصلاح الفكري والسياسي والديني متلازم ، فأن صلح أحدهم سيؤدي بالضرورة لصلاح الاثنين الآخرين ، وانتكاس أحدهم يؤدي لانتكاس الآخرين . ومن أولويات الإصلاح الفكري هو قبول الآخر بكل علله ، فلن نجد آخر مطابق لنا ، وإلا لما كان يسمى آخر ، بل سيكون نحن ، كما أن الآخر يرى فينا نواقص ومتناقضات نحن نعتبرها ثوابت ، فكل منا نحن والآخر يرى الحق لديه وحده وغيره على باطل ، لذا كان من الضرورة إيجاد منطقة تلاقي وسطى بيننا .
فكان من الضروري بدل بناء جدران عازلة بيننا كأحزاب ، أو بين طوائف المجتمع ، أو بين البلدان ، أو بين الشرق والغرب ، وترحيل المشكلة للمستقبل ، وتأجيل الصدام المباشر ، أن نرفع الحواجز ، وأن نقلل من درجات الاحتقان ، وأن نحاول فهم بعضنا البعض ، وان نجد طرق تواصل وتفاعل حقيقي ، لا نقل وإسقاط ، أو اعتراض لمجرد الاعتراض ، بل أن يكون هناك نوع من الانصهار والاندماج والتلاحم رغم الاختلاف ، حيث بمرور الزمن ستخرج من بوتقة المزج تشكيلة جديدة ، تحوي كل التيارات ، ولكنها ليست تيار بعينه ، وتحمل كل الخصوصيات ، ولكنها ليست خاصة بفئة معينة .
كذا وجب تذويب الحواجز بين الشعب وأحزابه وبين السلطة الحاكمة ، وهي مسؤولية مزدوجة ، تقع على الحاكم ومنظومته ، كذلك على الشعب ومنظماته وتياراته الدينية والحزبية ، والسبب الداعي لذلك هو إصلاح المنظومة الحاكمة بالحسنى حتى تكون أقرب للشعب وطموحاته بكل فئاته وتقسيماته ، بدل أن يبقى هذا الانشقاق بين الشعوب وحكامها ، والاستسلام لكذا انقسام من كلا الطرفين ، فالحاكم يرضى بذلك لنفسه بل ويزداد يوما بعد آخر بعدا عن الشعب لقصر نظره ولاطمئنانه بأنه مستمر ، وورثته من حملة دمه سيرثون كرسيه من بعده ، كذا الشعب استسلم لقضائه وينتظر الخلاص ، ولكن لا يشارك فيه ، فسيكون هذا الخلاص أما بدخول قوة خارجية مغيرة للواقع كما حدث بالعراق ، أو بانقلابيين يدخلون البلاد بمتاهات كما حدث ويحدث في السودان وموريتانيا ، وكلا الحالتين هي عملية عنيفة دموية جبرية .
عملية المكاشفة والمصارحة بين الحاكم والمحكوم تخدم الاثنين ، فأولا هي خادمة للحاكم حتى لا تكون نهايته دموية ، ويسحل ويقتل هو وأهله ، ونافعة للشعب بتحقيق نسبة ولو قليلة من حقوقه المستباحة ، كذا تجنب البلاد من هزات ضخمة ومجازفات غير محسوبة العواقب .
كذا فالتغيير السلمي التدريجي هو أرقى أنواع التغيير ، لأنه ليس دمويا أولا ، ولأنه تدريجي وليس انقلابي ثوري ، يرفع حيفا عن فئة ويضع على أخرى ثانيا .
فهل سيأتي اليوم الذي يكون فيه قبول الآخر هذا شيئا طبيعيا بثقافتنا ، وهل سيأتي اليوم الذي نقدم فيه لغة الحوار والتفاهم على لغة القتل والدم والإبعاد ، وهل سيأتي اليوم الذي نجد به مشتركات بيننا وبين الآخر هي أقوى وأفضل من الجفاء الذي يرسم حالنا الآن .
أملي كبير بقدوم هكذا يوم ، قد لا يكون بحياتي ، فليس هذا المهم عندي أن أراه بنفسي ، ولكن ما يهم عندي أن نحافظ على الدماء الباقية في عروق أبنائنا من تناحر أخذ الوقت الغالب من حياتنا دون أن نبذله ببناء أنفسنا وأوطاننا .
محمد الحداد
11 . 02 . 2009




#محمد_الحداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللّيبرالية - الجزء الأول
- الليبرالية – الجزء الرابع
- الليبرالية ...الجزء الثالث فصل الدين عن الدولة
- الشعب في غزة بين كماشتي مٌجرِمَي الحرب ... إسرائيل وحماس
- غزة ... الضفة ... وصراع السلطة
- الماسونية
- نموذج جديد من أجل بناء الدولة لمواطني العراق
- الإستبداد الشرقي الضعيف


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الحداد - كتل كونكريتية وكتل سياسية