|
إسرائيل تبتني من الجرائم نظرية ردع جديدة!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2540 - 2009 / 1 / 28 - 09:02
المحور:
القضية الفلسطينية
إسرائيل لا تنكر؛ لأنْ ليس في مقدورها أن تنكر، أنَّ جيشها قد قتل، أو أصاب بجراح، الآلاف من المدنيين الفلسطينيين في حربها الأخيرة على قطاع غزة، وأنَّ جزءاً كبيراً من ضحايا عدوانها النازي الوحشي كان من الأطفال والنساء والمسنين، وأنَّ "أسلوباً جديداً" للقتل، وفي منتهى الوحشية والبشاعة، قد اتبعته ومارسته إذ استعملت أنواعاً من القنابل والذخائر كـ "الفسفور الأبيض"؛ كما لا تنكر، ولا تستطيع أن تنكر، أنَّ معظم الدمار الذي خلَّفته آلتها الحربية قد أصاب المنازل والبيوت والمساجد والمدارس والجامعات والمنشآت الاقتصادية والبنى التحتية المدنية.
ولكنَّها تنكر، وتجرؤ على أن تنكر، مسؤوليتها عن ذلك، فجيشها، الذي لم تستحي من أن تصفه بأنَّه الأكثر خُلُقاً في العالم، إنَّما كان يقاتل ضد من يطلقون النار والصواريخ عليه، وعلى مدنيين إسرائيليين في المنطقة الجنوبية من إسرائيل، من داخل الأحياء والمناطق الآهلة في قطاع غزة، فتسبَّبوا هم بالتالي بما لحق بالمدنيين الفلسطينيين (الذين اتَّخذوا منهم دروعاً بشرية بحسب المزاعم الإسرائيلية) من خسائر (على يد الجيش الإسرائيلي).
ولقد نفى مدير عمليات الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة جون جينغ وجود مسلَّحين في داخل مدرسة الفاخورة مثلاً، أو إطلاق نار من داخل، أو من جوار، هذه المدرسة، عندما تعرَّضت للهجوم الوحشي الإسرائيلي.
ومع أنَّ هذا النفي الصادر عن موظَّف دولي كبير ومحايد لم ينل من قوَّة إصرار إسرائيل على نسب الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين إلى "مسلَّحين" يتَّخذون من هؤلاء دروعاً بشرية فقد اضطُّر الجيش الإسرائيلي إلى نسب بعض من جرائم الحرب التي ارتكبها إلى أخطاء عسكرية فنية، ليس من جيش في العالم معصوم عن ارتكابها في ظروف قتالية معيَّنة!
وزير الدفاع الإسرائيلي باراك، والذي هو كبير مجرمي الحرب في إسرائيل، سعى في توظيف حملته العسكرية النازية في قطاع غزة في خدمة أغراض حملته الانتخابية التي شرعت تعنف وتشتد، فأظهر نتائج الحرب على أنَّها "تعزيز لقوَّة الردع" الإسرائيلية، التي تضرَّرت كثيراً في حرب إسرائيل على جنوب لبنان، وكأنَّه أراد أن يقول إنَّ ما تعرَّض له المدنيون والمنشآت المدنية في قطاع غزة هو الآن، أو من الآن وصاعداً، السبب الذي سيردع المنظمات الفلسطينية عن مهاجمة إسرائيل بإطلاق الصواريخ على سديروت وغيرها.
وهذا إنَّما يعني أنَّ ما قام به الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين والمنشآت المدنية في قطاع غزة هو جوهر وقوام نظرية الردع الإسرائيلية في مواجهة المقاومة الفلسطينية المسلحة، فلو أنَّ إسرائيل خاضت حربها الأخيرة ضد المقاومة في قطاع غزة بما يوافق القوانين الدولية الخاصة بالمدنيين في أثناء الحرب، والملزمة لها على ما يُفْتَرَض، لانتهت الحرب إلى نتائج ميدانية لا تسمح لباراك بأن يكون مُقْنِعاً، ولو قليلاً، لمواطنيه وناخبيه إنْ هو زعم أنَّ تلك النتائج قد ساهمت في تعزيز قوَّة الردع الإسرائيلية.
وأحسب أنَّ للمقاومة الفلسطينية المسلَّحة، والتي يجب تمييزها من كل ما يعنيه أي التزام فلسطيني بـ "نبذ العنف والإرهاب"، مصلحة جلية في إضعاف وتقويض "قوَّة الردع الإسرائيلية" في هذا المعنى الذي أشار إليه مجرم الحرب الأول باراك، من خلال السعي إلى توظيف "جرائم الحرب" التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة في تعزيز قوَّة القوانين الدولية الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب، فتعزيزها إنَّما هو تعزيز لـ "الردع القانوني الدولي" لـ "نظرية الردع الإسرائيلية" في معناها الذي أشار إليه باراك.
الصراع بالحديد والنار بين إسرائيل والشعب الفلسطيني لم ولن ينتهي ما دام المجتمع الإسرائيلي في ميل متزايد إلى إنجاب قادة له من أمثال أولمرت وباراك وليفني؛ ولا بدَّ، بالتالي، للفلسطينيين، ولكل من له مصلحة في تعزيز الثقة الشعبية بجدوى وأهمية وضرورة خيار المقاومة المسلحة، من أن يعملوا على تحويل جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة إلى قوَّة استنهاض للقانون الدولي الخاص بالحرب، وإلى فرض مزيد من قيوده على آلة الحرب الإسرائيلية في عملها المقبل ضد الفلسطينيين.
قوانين الحرب الدولية، بنصها وروحها، إنَّما تمنع أي جيش في العالم من أن يستهدف، في حربه، المدنيين والمنشآت المدنية، ويلزمه، أيضاً، أن يمتنع عن القيام بأي عمل عسكري ضد جنود أو مسلحين معادين إذا ما تبيَّن له أنَّ هذا العمل يمكن أن يتسبَّب بخسائر (أو بخسائر كبيرة) في صفوف المدنيين، أو بدمار كبير لمنشآت ومؤسسات مدنية.
حتى زعماً إسرائيلياً من قبيل أنَّ "مسلحين" يطلقون النار من بين المدنيين، أو يتخذونهم دروعاً بشرية، لا يلقى تأييداً له في القانون الدولي الخاص بحماية المدنيين في زمن الحرب، فإذا كان الخصم، أو العدو، يشبه (في عمله القتالي) مُحْتَجِزاً لمدنيين (من أبناء جلدته) على شكل رهائن فإنَّ قتله مع الرهائن لا يمكن أن يصبح عملاً مشروعاً من وجهة نظر هذا القانون؛ ولو كان لذريعة كهذه من سند في القانون الدولي لأصبح "تحرير" الرهائن من خلال قتلهم مع محتجزيهم عملاً من السهولة بمكان.
والمقاومون الفلسطينيون في قطاع غزة ليسوا بجيش نظامي (قوي) حتى يخرجوا مع أسلحتهم من المناطق الآهلة إلى ساحات الحرب التي لا وجود لمدنيين فيها، فهم لو فعلوا ذلك، توصُّلاً إلى درء مخاطر آلة الحرب الإسرائيلية عن المدنيين، لقضي عليهم في ساعات، ولاحتل الجيش الإسرائيلي كل قطاع غزة، بمناطقه الآهلة وغير الآهلة.
لقد زعمت إسرائيل أنَّ جيشها نجح في بسط سيطرته على نحو 75 في المئة من المناطق التي تطلق منها الصواريخ، والتي هي مناطق غير آهلة؛ ومع ذلك كانت نسبة الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين تزيد عن 75 في المئة!
إسرائيل، وعبر آلتها العسكرية، اتَّخَذت من "الهدم" وسيلة لـ "الردع العسكري" للمقاومة الفلسطينية المسلحة؛ أمَّا "البناء (أو إعادة البناء)" فيراد له أن يصبح وسيلة لـ "الردع السياسي" للفلسطينيين، وكأنَّ السياسة الكامنة في "الهدم" هي ذاتها الكامنة في "البناء" أيضاً؛ وكأنَّ الاستخذاء الفلسطيني لمشيئة وشروط إسرائيل يجب أن يتحقَّق عبر "البناء" بعدما فشلوا في اتِّخاذ "الهدم" وسيلة لتحقيقه!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هكذا تحدَّث هيكل!
-
كيف نقف من جرائم الحرب الإسرائيلية؟
-
إنَّها الحرب الأولى بين إسرائيل وفلسطين!
-
غزة.. هي وحدها -القمَّة العربية-!
-
وأعدُّوا لهم ما استطعتم من -قِمَم-!
-
-أفران الغاز- و-أفران غزة-!
-
-القرار- و-المبادرة-.. أسئلة وتساؤلات -موضوعية-!
-
السلام الأسوأ والأخطر من الحرب!
-
منطق -الحرب- على ما شرحه بيريز!
-
أردوغان -المُهان-.. أهاننا!
-
إسرائيل يمكن ويجب أن تهزم في غزة!
-
جلالة القول!
-
في إجابة سؤال -ما العمل؟-
-
مجرمون آخرون في خلفية الصورة!
-
حروفٌ حان تنقيطها!
-
هي حرب ضد الشعب الفلسطيني كله!
-
العالم إذ اخْتُصِرَ زماناً ومكاناً!
-
لا تسأل -هل الله موجود؟- ولكن اسْأل..
-
حرب هي الامتداد للانتخابات!
-
في نقد نقَّاد -الحذاء-!
المزيد.....
-
مدير الموساد يغادر الدوحة بعد مشاركته بمحادثات وقف إطلاق الن
...
-
تناول هذه الخضار النيئة يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالأمراض
...
-
شاهد.. البسمة ترتسم على محيا زعيم كوريا الشمالية بعد عملية إ
...
-
بيسكوف: محاولات -الناتو- توسيع نفوذه في القوقاز لن تفيد المن
...
-
دراسة: -حلقة النار- تحت مضيق جبل طارق قد تبتلع المحيط الأطلس
...
-
-ستورمي-.. وثائقي يروي قصة -العلاقة المزعومة- بين ترامب ونجم
...
-
الخارجية القطرية: أي هجوم على رفح سيؤثر سلبا على التوصل إلى
...
-
خبير فرنسي: ماكرون يقود فرنسا إلى حرب مع موسكو
-
الجيش الإسرائيلي يكشف عن مناطق عملياته العسكرية في قطاع غزة
...
-
بكين تدعو واشنطن لاتخاذ إجراءات جدية لنزع السلاح النووي بدلا
...
المزيد.....
-
حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية
/ جوزيف ظاهر
-
الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية-
/ ماهر الشريف
-
اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا
/ طلال الربيعي
-
المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين
/ عادل العمري
-
«طوفان الأقصى»، وما بعده..
/ فهد سليمان
-
رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث
...
/ مرزوق الحلالي
-
غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة
/ أحمد جردات
-
حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق
...
/ غازي الصوراني
-
التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية
/ محمود الصباغ
-
أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|