أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - غزة: أمتان ... بل عالمان!















المزيد.....

غزة: أمتان ... بل عالمان!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2529 - 2009 / 1 / 17 - 07:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




هتف لينين وهو يتجوّل في أحياء الفقراء في لندن، بعد أن شاهد أحياء الأغنياء: أمتان... بمعنى الاختلاف والتناقض والصراع، فعالم المتخمين والكسالى، يختلف عن عالم المحرومين والمكدودين، إنهما بالفعل يمثلان نموذجين مختلفين من العيش والتفكير والهموم والأحلام.

كنت أستعيد ذلك خلال تجوالي في شوارع وأحياء ساوباولو وريو دي جانيرو قبل أن يداهمني زلزال غزة، ليقطع عليّ متعة الاستذكار والتأمل، ففي غزة التي تعيش محنة الاحتلال والحصار والعدوان والقتل، ينعم إلى جانبها المحتل بكل ما تيسّر من سبل العيش الحديث والرفاهية، في حين تغرق هي في ظلام دامس محرومة من قرص الرغيف وحبّة الدواء وقطرة الماء وحليب الأطفال، لاسيما عشية رأس السنة.

وفي ظل العولمة، ولاسيما وجهها المتوحش، يستشري الاستغلال والقهر على نحو مريع، ويتجاور التعساء والمحظوظون، كما الفقراء والأغنياء، المالكون و”المملوكون”، تفصل بينهم أسلاك شائكة ومياه آسنة وسياجات عالية، تخفي وراءها، عالمين وواقعين وطموحين لا يجتمعان أحياناً، إلاّ خضوعاً أو مجابهة، سلماً أو عنفاً، ما دامت العدالة معدومة أو شحيحة في هذا العالم الغريب، مثلما يتجاور اليوم في غزة المحتل والغاصب الى جانب المُستلب والمغصوب.

وقبل أن تحضر غزّة بكل ثقلها الذي لا ينازعه شيء هذه الأيام، وبكل بهائها ومقاومتها وجمالها، استحضرت الجواهري الشاعر الكبير، الذي كان يردد دائماً في جلساته الخاصة وعلى مسامع بعض زواره، أنه عاش في مدينتين من أجمل أربع مدن في العالم، هما باريس وبراغ، أما المدينتان الأخريان فهما: فيينا وريو دي جانيرو، حيث عاش في باريس أواخر الاربعينات وخلّد “أنيتا” فيها بخمس قصائد بعد قصائده النارية إثر وثبة كانون الثاني/يناير العام 1948 وقصيدته الشهيرة بعد معركة الجسر وقصيدته الى أخيه جعفر وقصيدته أتعلم أم أنت لا تعلم وقصيدته في ساحة السباع حيث تأسس أول اتحاد طلابي في العراق في 14 نيسان/ابريل ،1948 تلك التواريخ التي لها صدى في نفسي وذكريات عشتها طفلاً حتى تصلّب عودي كما يقال!

أما المدينة الثانية التي عاش فيها الجواهري فكانت براغ التي جاءها العام 1961 بعد خلافه الشهير مع الزعيم عبدالكريم قاسم وبقي فيها سبعاً عجافاً حتى العام 1968 وخلّدها بعدد من القصائد، لعل أبلغها وأكثرها خلوداً هي قصيدته “يا دجلة الخير”، وكنت قد سألته: ماذا كان في المنفى يا أبا فرات: زمهرير الغربة أم فردوس الحرية؟ فأجابني: “الاثنان معاً.. أي والله”، وكان قد تردد على المدينة الجميلة الثالثة فيينا عدة مرّات، ولعل قربها من براغ خلق لديه الاحساس بأنه قريب من العيش فيها.

كانت المدينة الرابعة ريو دي جانيرو التي ظل يحلم بها، والتي كثيراً ما ذكرها كأجمل مدن الدنيا: من جمال الطبيعة الى جمال الخلق والعمران البشري وسحر أهلها وطعامها وثرواتها وجبالها ونسائها: يا الله كان يحلم بذلك..! كل تلك الحكايا والنقاشات استعدتها على نحو تفصيلي، ولم أكن أدري أنها ستنقطع على حين غرّة، ومعها تتشظى متعتي وتأملي ورغبتي في الاكتشاف والاستذكار والمعرفة، لاسيما بعد وصول أخبار غزة التي أضافت الى همومي العراقية واللبنانية والفلسطينية بشكل عام هماّ جديداً، ولعلها أبت أن تتركني الاّ وأنا مشدود أمام شاشة تلفزيون الCNN منكسراً وحزيناً، لاسيما لما يحصل للسكان المدنيين من كارثة إنسانية حقيقية باعتراف ليس اللجنة الدولية للصليب الأحمر وحسب، بل حتى من الذين لا يريدون إدانة “إسرائيل” على فعلتها النكراء من أصدقائها.

ولعل ما زاد حزني هو الانكفاء العربي والبحث عن حلول لا ترتقي إلى معالجة ما حصل، ناهيكم عن أسبابه، بل البحث في تسوية دون الحد الأدنى من الأمر الواقع احياناً، لدرجة أن مطلب وقف القتال وهو مطلب إنساني بلا أدنى شك، يصبح أكبر انتصار يتحقق، فما بالك بإدانة العدوان ومساءلة المعتدي.

لقد ساهمت أحداث غزة في تعميق الانشطار العمودي على المستوى الدولي، لاسيما بين من يدعم العدوان ويبرئ ساحته ويلقي اللوم على الضحية، وبين المنتصرين للضحية ولعدالة قضيتها ولحق الشعب العربي الفلسطيني في الانعتاق وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

لقد تم بناء جدار الفصل العنصري رغم اصدار محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً باعتباره يخالف قواعد القانون الدولي المعاصر والقانون الدولي الانساني واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام ،1977 الأمر الذي لا يتطلب تفكيكه حسب، بل تجريم “إسرائيل” باعتبارها قامت بعمل عدواني يتعارض مع قواعد القانون الدولي، وهو الأمر الذي لا بدّ من مقاضاتها بشأنه، لاسيما عدوانها الأخير على غزة فضلاً عن حصارها المستمر وهو بمثابة عمل إبادة جماعي موجه ضد الإنسانية وعمل عنصري يستهدف استئصال جماعات بشرية وسلالية، وهو ما سبق “إسرائيل” أن مارسته بعمليات الإجلاء السكاني والطرد الجماعي لسكان فلسطين. إن ما يحصل في غزة ولاسيما ردود الفعل العالمية التي لم تكن بالمستوى المطلوب تؤكد أن العالم يزداد انقساماً وربما سيكون انقساماً حاداً إلى عالمين متناحرين، فالعالم “المتحضر” والذي يدعو لاحترام حقوق الإنسان، يسكت ويتواطأ أو يشجع العدوان بحجة صواريخ حماس ضد “إسرائيل”، من دون أن يكون معنياً بهضم حقوق شعب فلسطين وممارسة العدوان عليه وعلى الأمة العربية طيلة ما يزيد على ستة عقود من الزمان، والعالم الآخر ما زال مستلباً بفعل الهيمنة والاستتباع الخارجي، إضافة الى الاستبداد وقمع الحريات وعدم التوزيع العادل للثروة على المستوى الداخلي، بحيث أن تعساء العالم يصبحون محكومين من جانب سفهائه بالاستغلال والطغيان الخارجي والاستبداد والكبت الداخلي.

ولعل حشد جهود المظلومين في كل مكان، سيكون المدماك الأساسي لوقف الاستلاب المزمن والمستمر لشعب فلسطين، الذي كان استغلاله وتشتيته عنواناً أساسياً و”أممياً” من عناوين الاستغلال البشع للعالم المتوحش، الذي لا يضع أي اعتبار للرحمة أو العدالة أو الحقوق الانسانية، وهذا الأمر سيزيد العالم شرخاً ويخطئ من يظن أنه سيتوقف عند حدود غزة، أو العراق أو أفغانستان أو لبنان أو غيره، بل سيسهم في إيجاد أرضية أكثر ملاءمة لمواجهة الإرهاب الرسمي الحكومي المنظم، بإرهاب غير رسمي وغير حكومي وغير منظم، حيث سيجد مرتعاً خصباً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأيديولوجياً لنموه وانتشاره واستفحاله.

فهل كان صحيحاً قول شيخ الاشتراكيين قبل نحو قرن من الزمان “أمتان” أم أنه “عالمان” بالفعل؟



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواطنة بلا ضفاف!!
- الإعلامي والحقوقي ومن يعتمر القبعتين
- مغزى كلام بوش
- العراق وشرنقة الفصل السابع
- سريالية عراقية!
- حقوق الإنسان.. إشكاليات أم معايير؟
- ماذا يريد سانتا كلوز من أوباما؟
- حكم القانون ... من أين نبدأ؟!
- هل يتمكن أوباما من إغلاق جوانتانامو؟
- حقوق الإنسان بين التقديس والتدنيس!!
- «نفاق» حقوق الإنسان.. وقفة تأمل!
- جائزة التسامح
- المواطنة «المفترضة»!
- شرق أوسط ممكن شرق أوسط مستحيل
- الاتفاقية الامنية رهن للعراق وشعبه
- الاتفاقية العراقية- الامريكية من الاحتلال العسكري الى الإحتل ...
- المعاهدة العراقية-الأميركية: من الاحتلال إلى الاحتلال! (2-3)
- أوباما الشرق أوسطي!!
- زمان الطائفية
- أولويات الرئيس أوباما!


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - غزة: أمتان ... بل عالمان!