أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حمزة الحسن - نقد الفكر المغلق














المزيد.....

نقد الفكر المغلق


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 2507 - 2008 / 12 / 26 - 09:32
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


حين يطرح سؤال الهوية والذات والوطن والانسان، تكون الاجابة دائما، من وجهة نظر الفكر المغلق، جاهزة ومطروحة كما لو ان هذه المفاهيم جواهر ثابتة ومغلقة يتم التعامل معها كقطعة نقدية ممكنة الاستعمال وهذا النوع من الوهم أو العمى العقلي لا يغذي وهم الهوية ووهم الوطن وكل الأوهام الأخرى ولكنه يحول الزمن الى عنصر ثابت وأبدي وفي الوقت نفسه يحول التاريخ الى حقيقة متعالية على العمل والارادة.

في حالة من هذا النوع ـ ثبات المفاهيم وثبات الزمن ـ الانسان هو زي يكتمل بالاستعمال، باستعمال المفهوم الجاهز والمعلب والخالد. ليس الانسان فاعلية حسب هذا المنطق العذري لكنه اصطلاح مستقر وهذا الاستقرار مهدد دائما بالخلل والقلق والسؤال والنقد، وهي اشكالية عامة وخاصية مرافقة للفكر البشري وليست مشكلة محلية، لكن الفكر الغربي في نصف القرن الاخير استطاع تجاوز هذه اليقينيات والجواهر والحتميات أو ما يسميه المفكر إدغار موران" منظومة التبسيط" في كتابه: الفكر والمستقبل، مدخل الى الفكر المركب.

وموران على سبيل المثال، يتعرض الى " نقد الفكر الاعمى" والمعرفة الزائفة القائمة على الاختزال والتبسيط والتجريد والافكار " الواضحة والمميزة" كمبدأ للحقيقة، و"اقصاء الفوضى" والتشرد الفكري والتيه العقلي والحلم واللايقين، لأن الجوهر الانساني للفرد هو خرافة مصطنعة تعود للزمن الاسطوري.

هذا العالم لا يدرك باليقين الثابت ولا برسوخ المفهوم ولا عن طريق العلم وحده ولكن يمكن ان يدرك عن طريق التعدد، تعدد طرق الفهم لا في وحدته الزائفة ولا في انسجامه الوهمي ولكن في فوضاه ولا عقلانيته، اي تحتاج هذه القراءة الى قلب طرق التحليل القائمة والقديمة التي تدرس العالم كنظام متماسك منطقي هندسي لا علاقة لا الصدفة والخلق والفوضى في تشكله ـ اي كل ما له علاقة بمنظومة التبسيط المارة الذكر.

واذا كان الفكر الغربي قد اسس حداثته عن طريق نقد اسسه وثوابته ومقدساته وزعزع اليقين السائد والمعتقدات الراسخة وانتقل من الحداثة الى ما بعد الحداثة، اي من التماسك العقلاني الى التشتت، من الرؤية الواحدة الى التعدد، من المنطق الى ادخال الوهم والحلم والجسد والفوضى كعناصر اساسية في المعرفة، فإن محاولة من هذا النوع مازلت بعيدة بل غير محتملة في فكر اليقينيات والثوابت والجواهر الخالدة، فنحن مازلنا نعتبر اي تغيير فردي، مثلا، في الفكر هو هروب اخلاقي من المبادئ، بل من الشرف خاصة وان المبادئ والشرف يرتبطان في الفكر المتخلف عميق الارتباط، مع ان الفكر لا علاقة له بذلك: الفكر قد يكون صحيحا اليوم وقد لا يكون كذلك غدا، وربط الفكر بالشرف والمبادئ هو ربط زائف وملفق وهو خاصية الفكر المغلق والوعي المشوه، وفي الوعي العام هناك معارة حول الامر وكما قال شاعر شعبي: هو جلد حيّة وينِّزع؟

نعم، الفكر جلد حية وينزع ـ اذا نظرنا للحياة من خارج منظومات التبسيط والمفاهيم التقليدية شريطة أن لا يكون هذا النزع مخلا بالكرامة الانسانية وعدا ذلك تفاصيل قابلة للحوار.

عقلية" الثبات المبدئي" تعيد وتصقل وتجتر وتخلق زمنا اسطوريا خارج التاريخ وتتعالى عليه وعلى الانسان: في منطق الثبات المبدئي يصبح المفهوم أهم من الانسان، ويصبح مفهوم الزمن أهم من الزمن الفعلي الذي يجري من حسن الحظ خارج هذه المفاهيم ولذلك نغرق كل مرة في زمن مصنوع بالتلفيق ونحفر مفاهيم لم يعد يصدق بها غيرنا ونعتبر كل محاولة في قراءة اخرى هي فوضى وتخريب وجنون.

إن أبقار الاسطبلات تميل الى الوداعة والطمأنينة حتى لو كان الجزار يشحذ سكينه على مقربة منها ـ لا شيء يزعزع الدعة الزائفة غير قلب المفاهيم.

ان الحديث عن هوية ثابتة للانسان هو أحد الأوهام الكبرى واذا استعرنا مفاهيم علم الاجتماع الحديث نقول: ان كل انسان يحمل هويتين: الهوية العامة، القومية والعرقية والذاكرة الجماعية الخ، والهوية الفردية. ولكن الذي يجري في العقل الاجتراري هو حذف الهوية الثانية ـ الهوية الشخصية ـ ودمج الفرد ، أو اعتقاله، في هوية عامة ثابتة كما لو ان هناك" عقدا" مكتوبا بين الفرد والمجتمع على ان ينظم ايقاعه على ايقاع الاخرين. هذا ليس حذفا للانسان بل يلغي الاخرين ايضا ويحولهم الى قطيع مبرمج في عالم متغير ومتحول ومندفع نحو افاق كونية مشرقة، ومن هنا يأتي غضب البعض الغريب والشاذ والمنحرف من كل محاولة فردية للنظر بطريقة مختلفة للعالم لأن في عالم القطيع الاندماج هو القاعدة في عقلية الجوقة.

مرة اخرة نعود الى ادغار موران ـ كمثال متعمد على الجرأة والمغامرة الفكرية ـ وهو يفكك اسس الفكر الغربي ويشطب على مسلمات ويخلخل مقدسات وثوابت.
يتحدث عن تعدد الهويات داخل الفرد الواحد ويقول: ان كل كائن يحمل في داخله تعددية في الهويات، وتعددية في الشخصيات، وعالما من الاستيهامات والاحلام تصاحب حياته. وتكشف الرواية كيف ان كل واحد لا يعرف ذاته الا قليلا. اننا لا نعرف الا مظهرا واحدا من الذات، كما اننا ننخدع حول الذات... كل هذه الامور تشير الى ان المجتمع ليس وحده المركب، ولكن ايضا كل ذرة من العالم الانساني ـ الفكر والمستقبل ، مدخل الى الفكر المركب.

ان اختزال السلطة في السلطة السياسية هو تبسيط فج وسخيف وغير مقبول اليوم، كما ان اختزال الانسان في هوية واحدة محددة ومقررة وخلق صورة وهوية له هو عمل ينافي كل حقوق الانسان في الحرية والتفتح والاختيار والأمل.











#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتاتور القادم المستقبل الماضي
- لا يهم كيف تهب الريح، الأهم كيف ننشر الأشرعة
- ارهاب اللغة
- مؤذن فرعون
- خيارات السياسة خلق كالمتعة والأمل والأصالة
- ماركس العراقي
- المؤجل والمسكوت عنه في الاتفاقية الامنية وصراع مؤجل
- المتمرد القادم من الصحراء
- رسالة إلى البنفسج الى رباح
- فَتح الباب من دون أن يلتفت واجتاز العتبة
- إذا مت فدعوا الشرفة مفتوحة
- في انتظار جمهورية السراب
- التنظير لدولة غائبة
- قديم يتفسخ وجديد لا يولد
- صورة كارثية قادمة للمجتمع المستشفى
- صلوا على أرواح موتانا وموتاهم
- باتريك سيل والشجاعة الملهمة
- الأسباب الخفية في الحملة على الحركة الإسلامية
- مساوئ الغرف المغلقة
- ماذا يعني ان تكون كاتبا في الوطن العربي؟


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حمزة الحسن - نقد الفكر المغلق