أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نضال نعيسة - صلة الرحم الإليكترونية















المزيد.....

صلة الرحم الإليكترونية


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 2493 - 2008 / 12 / 12 - 10:18
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


لصلة الرحم منعكسات جمة وهامة على حياة المجتمعات ككل، نظراً لما تخلفه من أثر طيب في نفوس عامة الناس وتقوي من أواصر ووشائج ولحمة وقوّة المجتمعات. وتعتبر صلة الرحم هذه واحدة من سمات وخاصيات المجتمعات الشرقية الأساسية التي ما زالت تتأثر بأطوار الحياة وأنماط الإنتاج الزراعية والمشاعية والتي كانت فيها العلاقات الاجتماعية الحميمة والانغلاق على الذوات سمة من سماتها البارزة. وكلما أوغلت المجتمعات تقنياً وصناعياً كلما، وعلى ما يبدو، ازدادت واشتدت فيها النزعات الفردية، التي تقف بالضد من النزعات الجماعية والقبلية.

وظن كثيرون، أنه مع هذا الانفتاح العولمي المبارك، وتزايد الهجرات والسفر والترحال، وزوال الحواجز والحدود بين الناس، وطبعاً باستثناء ديار الإسلام والحمد لله، بأن علاقات القربي ستندثر وتتلاشى، إلا أنه يبدو أننا في أطوار جديدة من العلاقات وصلات الرحم أقوى مما سبق، وتعوض عن ذاك النقص الحاصل والقصور في العلاقات والواجبات الاجتماعية جرّاء التحولات الجذرية التي طرأت على حياة الإنسان اقتصاديا واجتماعياً وسياسياً. إنها صلة الرحم الإليكترونية التي بدأت تعوض كثيراً مما افتقده الإنسان من علاقات إنسانية رحموية بسبب طغيان نمط العلاقات الرأسمالي الذي لا يعطي أي بال لعاطفة، وشعور، ودفء العلاقات الإنسانية. وقد حملت ثورة المعلومات والاتصالات الهائلة جملة من الفوائد الطيبة على صعيد التواصل الإنساني والاجتماعي كادت الثورة الصناعية أن تطيح به وإلى الأبد. إنها آلية المسنجرات، وبرامج الاتصال الإليكترونية المختلفة التي تتيح للمرء الاتصال بأبعد نقطة في الأرض بمن هم أعزاء عليه، أو تكاد تعرفه بأناس، وأفراد وجماعات، وهيئات ومنظمات، ودون أن يبرح مكانه. وما كان هذا متاحاً لولا ثورة المعلومات والاتصالات الإليكترونية. وصار بإمكان المرء أن يستعيد صداقات قديمة ما كان له أن يحلم بإحيائها، و يتعرف على أشخاص كان من المستحيل أن يشعر بوجودهم أو يعرف أنهم هناك، ويستطيع أن يمارس حياته الاجتماعية ويصل رحمه ويعايد على محبيه وإخوانه صوتاً وصورة، ويتعرف على أنماط جديدة من الناس، والتواصل من خلال رسائل إليكترونية تعبر من ألاسكا إلى أوستراليا برمشة عين. هذه هي أعجوبة الحضارة الغربية الكبرى الأعظم التي تضعها بين أيدي شعوب العالم، وقد بزّت بها كل أعاجيب العالم الشرقي القديم حيث نشأت الحضارات القديمة الكبرى التي اعتمدت بشكل عام على فنون الحجارة بغالبيتها، وما لذلك من رمزية طوطمية صنمية تعكس كنه العقل الشرقي المتيم بالغيب والأسطورة والجماد، وظلت حتى يومنا هذا تدور في فلك هذه المتاهات والمدارات من اللغز والسحر والغيب ولم تستطع تجاوزه على الإطلاق ولذا تراها تراوح في مكانها بطريقة جد عقيمة.

ونشأت على هامش هذا التطور العجيب الصداقات الإليكترونية والمسنجرية التي باتت تعوض فعلاً عن الكثير من العلاقات الاجتماعية البائدة بطابعها القديم، ولاسيما فيما بين أفراد وأشخاص من نفس السوية والشريحة الثقافية والعمرية، التي تتشاطر نفس الهمّ والاهتمام، وبغض النظر عن الجنسية، والعرق واللون والانتماء. وقد بات المرء يتنقل بين عدة عواصم ومدن في الشرق والغرب وهو في غرفته، يحيي هذا، ويسلم على ذاك، ويسأل عن صديق، ويستفسر عن أمر ما. وبات ذلك يشعره بنوع من الالتزام الأدبي تجاه أصدقائه الإليكترونيين، يسأل عنهم، ويترك لهم رسائل الـ"أوف لاينز Offline، للاطمئنان عن أحوالهم، والاستفسار عن أوضاعهم في حال طال غيابهم أكثر من المعهود. وباتت هذه العوالم الافتراضية تشكل تعويضاً حقيقياً عن العوالم الاجتماعية الطبيعي والواقعية التي اعتادها الناس قبل أن تحل عليهم ولا أدري، نقمة، أو نعمة أنماط الحياة والاستهلاك الرأسمالي التي تغرّب الإنسان، وتعزله، كثيراً وتبعده عن محيطه الاجتماعي والعائلي، وجعلته عبداً، وبمشيئته، للمؤسسات الاحتكارية، والشركات الكبرى، والتروستات والبنوك والتكتلات المالية، يجري من الصباح ولغاية المساء ليلبي نهمها ويسدد ديونها وفواتيرها، ومن ثم تنهار وينهار هو ومعها كل شيء، أحلامه وطموحاته وأمنياته، وتذهب إلى الجحيم كل حساباته.

ولا ينسى كثيرون كيف تعوّض لهم هذه التكنولوجيا الفذة عن حياتهم الاجتماعية التي لعبت بتلابيبها ضغوطات الحياة والتزاماتها، ووصلت أرحامهم وعمقت صداقاتهم مع من يحبون وجعلتهم يتقابلون وجهاً لوجه يختصرون المحيطات واليابسة والمسافات، وبأبخس الأسعار، بعد أن هاجروا وتركوا الجمل بما حمل، ليعملوا في أحد أطرف الأرض، وييمموا وجوهم شطر البلاد الأخرى للعيش بعز وكرامة بعدما ضاقت بهم سبل الحياة في أرض أجدادهم حيث تتخلف الحياة بشكل ممنهج ومتعمد، وتـُفقر العباد وتموت الأحلام وتوأد الأمنيات البريئة الطاهرة العذراء.

وبات المرء يتواصل يومياً، صوتاً، وصورة، مع من يعز عليه أو من أرحامه، ودون أي عناء، ولساعات، وبأبسط التكاليف التي لا تكاد تذكر، وكل ما عليه فعله هو امتلاك جهاز كومبيوتر شخصي PC أو الـ Personal Computer، والدخول للشبكة العنكبوتية التي تكون، على الأغلب، بالمجان، وحسب تقنية الـ Wireless المنتشرة بكثرة في أغلب المناطق الأوروبية، على عكس ديار الإيمان وحكومات الإسلام التي تحرم مواطنيها من هذه الخدمات، لا بل تبتزهم فيها دون أي وجه حق كونها لم تساهم في أي من هذه الاختراعات الإنسانية العظيمة بل تتطفل عليها وعلى جهود الآخرين، وتعتبرها مصدر رزق واستغلال جديد لها وتفرض ضرائبها القراقوشية عليها، ولا تسعى البتة لتقديم أي نوع من الخدمات لـ"رعاياها" هكذا، ولوجه الله، أو بالمجان، وهذا متأت من طبيعة العقل الشرقي الاستبداي المتعيش على ثقافة الابتزاز والنهب والاسترقاق والاستعباد. وبات التواصل الإنساني وصلة الرحم عبر هذه التقنية العجيبة واجب"كفاية" يسقط عن الإنسان أية التزامات تجاه أصدقائه ومحبيه ومعارفه. وصارت المعايدة، والاطمئنان، وقضاء مختلف الواجبات الاجتماعية، والتهاني، والتبريكات، وحتى العزاء، يتم عبر هذا الفضاء، برضا، وقبول ودونما أي إحراج.

وتماماً، وكما في العوالم الواقعية، ففي العوالم الافتراضية، أيضاً، وعلى هامش هذه التقنية الجديدة نشأت تقاليد، وأعراف، وأخلاقيات جديدة صار كثيرون يعرفونها، ويقرّون بها، وبات من غير الطبيعي، أو الجائز اختراقها، ويعمل الجميع على التمسك بها واحترام قوانينها.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصافحة الأزهر: انكشاف دور الكهنوت الديني
- الانهيارات المالية الكبرى: اللهم شماتة
- الحوار المتمدن: كلمة حق لا بد منها
- أيام الولدنة، ودهر المتصابين الطويل
- سماحة الإمام الأكبر شيخ الأزهر: تقبل الله طاعتكم
- غزّة تحاصرنا
- رسالة عتب رقيق لحوارنا المتمدن الجميل
- أوباما والمهام الأمريكية القذرة
- في الدفاع عن الباطنية
- ما قال ربك ويل لمن سكروا، بل للمصلينا
- رسالة إلى جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود
- حوار ديني أم تطبيع سياسي؟
- لماذا الخوف من غزو ديني؟
- تضامناً مع أقباط المهجر
- I don’t have a dream
- الأوبامية وهزيمة ثقافة
- محاكمة إعلان دمشق: محاكمة لمرحلة
- القرضاوي: وباطنية شيوخ الإسلام
- سحقاً لهمجية الأمريكان
- وجوه أخرى لتصريحات القرضاوي


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نضال نعيسة - صلة الرحم الإليكترونية