أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أنور نجم الدين - الهوبسنية – اللينينية و الحركة الكومونية العالمية: التناقض بين المنهج المادي للتاريخ و منهج لينين في (الامبريالية) - (أعلى مراحل الرأسمالية)















المزيد.....


الهوبسنية – اللينينية و الحركة الكومونية العالمية: التناقض بين المنهج المادي للتاريخ و منهج لينين في (الامبريالية) - (أعلى مراحل الرأسمالية)


أنور نجم الدين

الحوار المتمدن-العدد: 2485 - 2008 / 12 / 4 - 09:58
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


مدخل إلى (الهوبسنية – اللينينية)

في بداية القرن العشرين، كتب الاقتصادي البرجوازي جون.ا.هوبسن (John A. Hobson، 1858 – 1940) كتاباً تحت عنوان: (الامبريالية) وحدد هوبسن فيه كلَّ ما يتصوره من الميزات لما يسمى بمرحلة الامبريالية، و في عام (1916) كتب لينين كراسه: (الامبريالية) – (أعلى مراحل الرأسمالية) واشتهر بأنَّه تطوير لأطروحات كارل ماركس الاقتصادية فيما يسمى بمرحلة الاحتكارات، والبحث الذي بين أيديكم، هو محاولة للإجابة عن السؤال الذي يطرح بصدد منهج كراس لينين (الامبريالية) – (أعلى مراحل الرأسمالية): هل هو منهج المادية التاريخية، أم هو نفس المنهج البرجوازي للاقتصاد السياسي؟ هل هو تطوير لأبحاث كارل ماركس، أم مجرد عرض لأطروحات جون هوبسن البرجوازي؟

يقول لينين: "لقد استفدت من المؤلف الإنجليزي الرئيسي بصدد الإمبريالية – كتاب ج. ا. هوبسون – بكل الانتباه الذي يستحقه هذا المؤلف حسب اعتقادي، ففي سنة (1902) صدر في لندن ونيويورك مؤلف للاقتصادي الإنجليزي هوبسون عنوانه: (الإمبريالية) قد أعطى وصفاً ممتازاً مفصلاً لخواص الامبريالية الاقتصادية والسياسية الأساسية".

وهكذا، فأطروحات جون هوبسن البرجوازي، وليس كارل ماركس، هي التي تعتبر نقطة انطلاق لينين في عرض آرائه عن الامبريالية، وفي كراسه، يتحرك لينين بالفعل، في الفضاء الذي يدور فيه هوبسن البرجوازي، لذا لو أردنا تقييم كراس لينين، لوجدنا منذ اللحظة الأولى، أننا ندور فعلاً حول المفاهيم البرجوازية للاقتصاد السياسي، وليس مفاهيم المادية التاريخية عن الرأسمالية، وأنَّ جون هوبسن و كارل ماركس، يبحثان المجتمع الرأسمالي من وجهات نظر متناقضة، فعلى العكس من كارل ماركس، يتحرك جون هوبسن، من نفس الأرضية التي يتحرك منها الاقتصاد السياسي، وفي الواقع، ليس كراس لينين سوى جملة من الاقتباسات عن مفاهيم البرجوازية التي طرحها على الأخص، هوبسن البرجوازي عن الامبريالية، ويعترف لينين بنفسه، بأنَّ هوبسن أعطى سلفاً خواص الامبريالية الاقتصادية والسياسية، وأنَّ الامبريالية (كلمة) و(مفهوماً) هي من اختراع الاقتصاديين البرجوازيين، وأنَّ أكثر من نصف كراس لينين، هو استشهاد بسفسطة الاقتصاديين العاميين كهوبسن، وريسر، وييدلس، وكستنر وآخرين، وهكذا، ومن منظور الأبحاث العلمية، لم يطرح لينين، سوى ما طرحه مسبقاً الاقتصادي البرجوازي هوبسن.

إذاً، فالقيمة العلمية لكراس لينين، لا تساوي شيئاً لذاتها، لأنَّه لا يكشف لنا سوى خواص الهوبسنية البرجوازية، لما يسمى بأعلى مراحل الرأسمالية، فما يرجع للينين في كراس (الامبريالية) – (أعلى مراحل الرأسمالية) هو طريقة العرض، وليس طريقة البحث، لأنَّ طريقة البحث، هي نفسها طريقة هوبسن البرجوازي، أي طريقة الاقتصاد السياسي.

وهكذا، فالاختلاف بين كارل ماركس و لينين، يظهر منذ البداية، في المنهجية المختلفة التي يتمسك بها كلٌّ منهما، فالأول يبدأ أطروحاته من نقد المنهج الذي يتمسك به هوبسن البرجوازي، أي الاقتصاد السياسي، بينما الثاني يتمسك كلياً بمنهج هوبسن، الأول يفحص الرأسمالية في سيرها الطبيعي بين الازدهار والأزمة، وتأثيراتها المعاكسة على الثورة الأممية، وما يهم (رأس المال – نقد الاقتصاد السياسي) لكارل ماركس، هو أنَّ الرأسمالية، لا يمكن أن توجد على الإطلاق، إلا من حيث كونها وجود تاريخي عالمي، ولقد خلق النظام الرأسمالي تاريخاً عالمياً للمرة الأولى، جعل من القوميات المختلفة، ثم من كلِّ فرد في السوق العالمية، رهناً بهذا التاريخ، أو بالأحرى، لا يمكن لنظام جديد أن يظهر، إلاَّ بوصفه ظاهرة أممية، و إنَّ كلَّ استقطاب طبقي بين طبقتي المجتمع الرأسمالي، يجب أن يكون في المستوى الأممي، وان الثورة البروليتارية، إمَّا أن تنتصر أممياً أو أن تمنى بالفشل، بينما الثاني، يتكلم عن الظواهر الخارجية للرأسمالية، لذا، فإنَّ ما يهم لينين، ليس التركيب التاريخي للرأسمالية بوصفها علاقة عالمية، وإنَّما القوانين المجردة التي تدور في رؤوس الاقتصاديين العاميين الذين لا ينظرون إلى التاريخ إلاَّ من عيون المجردة، وعلى النقيض من كارل ماركس، يستعير لينين مجموعة من المفاهيم الاقتصادية المجردة من هوبسن البرجوازي، لتبشر بها رأسمالية جديدة في العالم، و(التطور المتفاوت) للبلدان المختلفة، ثم ثورات بروليتارية وطنية، وضرورة إقامة اشتراكيات وطنية في عالمه المتفاوت، وبالفعل، فإنَّ فكر لينين، هو نسخة من كتاب هوبسن في القومية والامبريالية.
وهكذا، فإنَّ اختلاف منهج كارل ماركس عن منهج لينين، هو نفس الاختلاف بين المنهج المادي للتاريخ، والمنهج البرجوازي للاقتصاد السياسي.

ولكن ما يجلب الانتباه، هو أنَّ لينين يطرح عبارات هوبسن، كعبارات مسيحية مقدسة، كي يؤكد بها على وجهات نظره بوصفها وجهات نظر (ماركسية) مقدسة، ويحارب بقدسيتها كاوتسكي بوصفه مرتداً عن الماركسية، لكن ومع كلِّ هذه الزخرفة لطريقة بحث هوبسن، لا تعني الهوبسنية، سوى مجموعة من المفاهيم الاقتصادية المجردة، تنعكس في عيون مجردة لاقتصادي برجوازي مثل هوبسن. أمَّا لينين، فيستعير هذه المفاهيم البرجوازية ليفسر بها الاتجاه القومي الخاص للدول، حديثة النمو في العالم، و من ثم يفسر عصر الشركات الصناعية الاحتكارية (الكارتلات والتروستات) كعصر مختلف عن عصر كارل ماركس، فكأن نشوء دول و شركات جديدة في العالم، يعني ظهور قوانين جديدة للرأسمالية العالمية ومن ثم منهج جديد للبروليتاريا العالمية. وما يجب الإشارة إليه هنا، هو أنَّ لينين لم يكلف نفسه العناء للبحث عن التاريخ الفعلي، بل اكتفى بتلخيص ما استنتجه هوبسن والاقتصاديون الآخرون ممَّا يسمى بعهد الامبريالية، وخواص جديدة لرأسمالية جديدة.

و ما هي الخواص التي يشخصها هوبسن وآخرون، ويلخصها لينين بوصفها ماركسية عصر الامبريالية؟

هي تمركز الإنتاج، ونشوء رأس المال المالي، وسيطرة البنوك على رأس المال الصناعي، وتصدير رأس المال، وتقيسم العالم بين الاحتكارات، الخواص التي لا تعتبر جديدة إلاَّ في مخيلة لينين وأساتذته، فالرأسمالية موجودة مع هذه الخواص منذ وجودها في سوق عالمية، ولكن ما يجب الإشارة إليه هنا على الأخص، هي أوهام لينين بخصوص سيطرة البنوك على رأس المال الصناعي، ونحاول أن نقدم اعتراضنا على كل هذه الخواص خلال دراستنا، ولكن قبل الدخول إلى (الامبريالية) – (أعلى مراحل الرأسمالية)، علينا إلقاء نظرة سريعة عن الاحتكارات الاستعمارية، لأنَّ استعمار العالم وتقسيمه بين الدول الصناعية، لم يكن نتيجة لظهور المؤسسات الاحتكارية، الكارتلات والتروستات، فاحتكار العالم، يسبق نشوء المؤسسات الصناعية الاحتكارية بقرنين على الأقل، بل إنَّ الرأسمالية نفسها بوصفها نظاماً عالمياً، ومع مؤسساتها الاحتكارية (الكارتلات و التروستات) نتيجة مباشرة لاحتكار مسبق للعالم، وظهور شركات تجارية احتكارية مسبقة في الدول الصناعية، أمَّا تقسيم العالم، فيعود بالتحديد إلى ظهور بلدان صناعية جديدة، وليس إلى المؤسسات الاحتكارية، و يعود تاريخ دخول أكبر شركة من الشركات الاحتكارية إلى الهند إلى عام (1600) وهي شركة الهند الشرقية التي اندمجت في تطورها مع المنافسين بعد قرن من دخولها إلى القارة الآسيوية، بحيث تشمل تجارتها الاحتكارية في الهند، القطن والحرير، وغيرها من السلع إضافة إلى التوابل.

وهكذا، نرى أنَّ احتكار العالم من قبل الدول الصناعية، أدى إلى ضرورة نشوء شركات احتكارية تجارية، ثم إلى نشوء شركات احتكارية صناعية، لأنَّ وجود إمبراطورية استعمارية بريطانية شاسعة، كان يكفي للتطور السريع للصناعة والتجارة، ومن ثم ظهور شركات احتكارية في القرن السابع عشر، وتسريعها في القرن الثامن عشر، وتطورها في القرن التاسع عشر.

يقول كارل ماركس: "إنَّ البداية الفعلية لنشاط شركة الهند الشرقية، لا تمكن إعادتها إلى زمن يسبق (1702) أي العام الذي اتحدت فيه مختلف الشركات الطامعة باحتكار التجارة مع الهند الشرقية في شركة واحدة موحدة .. إنَّ عهد الحرية الموهومة هذا كان بالفعل عهد الاحتكارات – حزيران(1853)".

وهكذا، تعود بداية تاريخ (عهد الاحتكارات) إلى أكثر من (250) سنة من قبل زمن كارل ماركس، و(300) سنة قبل زمن الاحتكارات التي يوهمنا بها لينين وكأنها عصر أسطوري للرأسمالية، وبعد ثلاثة قرون من وجود وتطور الاحتكارات، يقول لينين:

"برهن ماركس بتحليله النظري والتاريخي للرأسمالية، على أنَّ المزاحمة الحرة تولد تمركز الإنتاج، وعلى أنَّ هذا التمركز يفضي عند درجة معينة من تطوره إلى الاحتكار، وقد غدا الاحتكار الآن أمراً واقعاً – لينين".

كان رأس المال الاحتكاري، في زمن كارل ماركس، أمراً واقعاً قبل فترة طويلة من الزمن، ولكن على العكس من هوبسن ولينين، لم يؤدِ هذا الاحتكار إلى استنتاج جديد لدى كارل ماركس عن الرأسمالية، وإنَّما كان يدرس رأس المال مع هذه الاحتكارات بوصفها التركيب الطبيعي للرأسمالية، ولكن لينين، يلخص ملاحظاته عن الهوبسنية البرجوازية، بأنَّ الاحتكارات، تعني أعلى مرحلة للرأسمالية، وحسب هوبسن، يرجع تطور عصر هذه الرأسمالية الجديدة إلى (1870 - 1900)، وهكذا، فلا يمكن أن تتطابق دراسات كارل ماركس التاريخية، ودراسات هوبسن عن الرأسمالية إطلاقاً، ويمكننا أن نلاحظ أنَّ ما يهم كارل ماركس من حركة رأس المال و انتقاله من نقطة إلى أخرى، كان يختلف تمام الاختلاف عمَّا يهم لينين وأستاذه البرجوازي هوبسن، فمن أزمة (1825) إلى (1870) وما يليها، أي بعد هزيمة ثورة الكومونة، كان السؤال الذي تجب الإجابة عنه هو: هل استثمار رأس المال في مناطق جغرافية شاسعة في العالم، يسبب تأخير الثورة الأممية؟ لنرَ الآن ماذا يهم كارل ماركس من هذه التحولات، أي من سيطرة رأس المال الصناعي على العالم و نشوء الشركات الاحتكارية وتأثيراتها المعاكسة على الثورة الأممية؟

"... وقناة السويس هي وحدها التي فتحت بحق، شرق آسيا وأستراليا أمام التجارة البحرية، وزمن تداول السلع المرسلة إلى آسيا والذي كان عام (1847) إثنا عشر شهراً على الأقل، يمكن أن يرتد الآن إلى عدد مماثل من الأسابيع تقريباً، وهذا الانقلاب في وسائل المواصلات قد قرب ما لا يقل عن (70) إلى (90) بالمئة، البلدان الصناعية في أوروبا من المركزين الكبيرين لأزمات (1825 – 1857) وهما أمريكا والهند، وجعل هذه الأزمات على هذا النحو، تفقد نصيباً كبيراً من قدرتها الانفجارية، لقد اختصر زمن دوران مجمل التجارة العالمية بهذا المقدار، وتضاعفت قدرة رأس المال الذي تستخدمه على العمل أو بلغت ثلاثة أمثالها، وبديهي أنَّ هذه الواقعة لم تبقَ دون تأثير على معدل الربح – كارل ماركس".

وهكذا، وعلى العكس من الهوبسنية – اللينينية، يجب التحرك من التركيب الداخلي لرأس المال و ليس من الظواهر الخارجية لتطوره، ويبحث كارل ماركس دوماً، أسباب تخفيف القدرة الانفجارية لأزمات المجتمع العالمي، وتأثيراتها المعاكسة على الحركة الأممية، فالذي كان يهم كارل ماركس هو توسع رأس المال في المستوى الأممي، واستبعاد الخطر من مركز الأزمات، أي أوروبا الصناعية، و من ثم شل الثورة البروليتارية الأممية، ويستنتج كارل ماركس من هذه الواقعة الآتي: الارتفاع في المعدل العام للربح، الناتج عن استثمارات جديدة في مناطق شاسعة في العالم، ومن ثم التوازن النسبي للاقتصاد العالمي، وجمود الحركة الأممية للبروليتاريا، وسيطرة الرأسمالية على الحركات البروليتارية المتفرقة في العالم بسهولة (كومونة باريس مثلاً)، وهذا الاستنتاج، يناقض لينين و هوبسن، حرفياً وتاريخياً، لأنَّ استخلاص لينين، ليس نتاج التركيب البنيوي لرأس المال، وإنَّما الظواهر الشكلية للرأسمالية، لذلك ليس من المستغرب أن يرى لينين بعيونها المجردة، رأسمالية جديدة، ويستنتج مما تراه العيون المجردة، (التفاوت الاقتصادي) بين البلدان، من جهة، وما يسمى بالمهمات المختلقة للحركة البروليتارية العالمية، من جهة أخرى، و حسب هوبسن و لينين، فقد ولدت الرأسمالية الجديدة خلال 30 سنة (1870 – 1900) و سميت الامبريالية بدل الاستعمار، و لها خصائصها التي تميزها عن رأسمالية عهد الاحتكارات الاستعمارية.

اذاً، ما هو الاختلاف الجذري بين المنهج المادي للتاريخ ومنهج لينين؟ نحاول أن نلخص هذا الاختلاف في أطروحات لينين وأطروحات كارل ماركس الآتية:

أطروحات لينين: "إنَّ السمة المميزة للامبريالية هي كون العالم كله منقسماً إلى عدد كبير من الأمم المظلومة، وعدد ضئيل من الأمم الظالمة"، ويستنتج لينين من ذلك، الاستنتاج الآتي: "ما هو الأهم في موضوعاتنا، ما هي فكرتها الأساسية؟ إنَّها الفرق بين الأمم المظلومة والأمم الظالمة" وهذا هو منهج لينين قبل وصوله إلى السلطة وبعد تربعه على سدة الحكم.

وهكذا، تتلخص نظرة لينين إلى التاريخ، في نظرة النزاع بين الدول الاحتكارية والدول النامية، أي من منظور المنافسة العالمية، وسيكون الهدف بالنسبة له بالطبع، انهيار الاحتكارات خلال الاستقلال الوطني للدول النامية، فكأن الطريق نحو عالم جديد، هو انهيار الاحتكارات و نشوء دول مستقلة في العالم، كما أنَّه لا يرى أنَّ إنهاء دور احتكاري في العالم (بريطانيا العظمى مثلاً) يعني ظهور مجموعة من الاحتكارات الجديدة في نفس الزمن التاريخي، فقد كانت أمريكا مثلاً، في يوم من الأيام، مستعمرة الدول الصناعية الأوروبية كافة، أما اليوم تعتبر أمريكا أكبر دولة صناعية احتكارية في العالم، فحسب الآيديولوجية اللينينية، تتأثر استقلالية الدول، على مجرى التاريخ العالمي كله، ولكن كيف يا ترى، تأثرت استقلالية أمريكا على مجرى التاريخ؟ هل تأثرت بالمعنى المادي للكلمة، أم بمعناه اللينيني؟ وكيف يقارن لينين بين (حق تقرير مصير أمريكا) في القرن الثامن عشر، وهو جذر فكر لينين، ودور أمريكا في القرن العشرين بوصفها أكبر دولة صناعية احتكارية في العالم؟ أمَّا الصين، و التي كانت في يوم من الأيام، مصدر المواد الخام الرخيصة لأوروبا الصناعية، تقف اليوم على قدميها في السوق المنافسة العالمية بوصفها ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهل تراكم تعلمون، أنَّ الاقتصاد العالمي، حقق ارتفاعاً في معدل النمو في عامي (2006) و(2007) بفضل النمو في اقتصاد الصين (11%) والهند (9%) والبلدان الآسيوية الأخرى والبلدان النفطية على الأخص؟ أي البلدان التي تتمتع اليوم باسقلالية وطنية تامة، ولكن دون تغيير أي شيء من مجرى التاريخ العالمي، أي من مجراه الرأسمالي.

هذا هو رأس المال، فموت خلية من خلاياه، لا يغير شيئاً من تركيبه التاريخي، أمَّا لينين فيتكلم عن احتكارات القرن العشرين للدول الصناعية، وكأنها نهاية شكل الرأسمالية التاريخي، ولا يرى أنَّ هذه الاحتكارات، تتحرك في السوق العالمية، وتتحول من مكان إلى آخر مع الطبيعة الحركية لرأس المال نفسه، فموت خلية من خلايا الرأسمالية، أو حصول تغيير سياسي في هذا البلد أو ذاك، لا يعني شيئاً بالنسبة للرأسمالية بوصفها نظاماً عالمياً، كذلك وفي نفس الوقت، لا يمكن تقليل قدرة الرأسمالية من خلال ما يسمى بالمباريات الاقتصادية، التي يوهمنا لينين بها وكأنها قانون جديد في العلاقات الدولية، وفي الواقع، ليست المباريات الاقتصادية اللينينية هذه، سوى تأويل آخر للمفاهيم الاقتصادية، هو مفهوم المنافسة، ويمكن أن نقدم اعتراضنا على هذا التأويل مع افتراض، ألا وهو: حتى إذا كان افترضنا أن هذا القانون اللينيني، قانون جديد في العلاقات العالمية، فلا يمكننا أن نقر بأنَّ البلد الأكثر تخلفاً، روسيا السوفيتية مثلاً، يمكنه المباريات مع الدول الصناعية الأكثر تقدماً، كأوروبا وأمريكا، واحتفاظه بما يسمى بأسلوبه الاشتراكي في الإنتاج، لأنَّ الدول الأكثر تخلفاً، لا بد وأن تأخذ نفس المجرى التاريخي للدول الأكثر تقدماً في السوق العالمية، وبخصوص كل هذا، وكذلك بخصوص (التفاوت الاقتصادي) الذي يوهمنا به لينين وكأنه قانون جديد في الاقتصاد العالمي، يطرح كارل ماركس أطروحاته عن هذا التفاوت، على النقيض ممَّا يستنتجه لينين، بالشكل التالي:

أطروحات كارل ماركس: "من البديهي أنَّ الصناعة لا تبلغ ذات المستوى من الإحكام في جميع البلدان، ولا في جميع أقاليم البلد الواحد .. إنَّ البلدان حيث تتطور الصناعة الكبرى، تؤثر بطريقة مماثلة في البلدان التي تفتقر أكثر أو أقل إلى الصناعة، وذلك بقدر ما تنجرف هذه البلدان غير الصناعية بفعل التجارة العمومية، في تيار صراع المزاحمة العمومية .. إنَّ المزاحمة مع البلدان الأكثر تقدماً صناعياً، المترتبة على امتداد التعامل الدولي، كافية لإنتاج تناقض مماثل حتى في بلدان ذات صناعة متخلفة – كارل ماركس".

هذه هي نظرة الماديين إلى التاريخ، فما يستنتجه الماديون عن التاريخ الفعلي، ليس هو ما يؤله البرجوازيون عمَّا تراه العيون المجردة من التاريخ العالمي، فالماديون يبحثون (التفاوت الاقتصادي – التطور اللامتكافئ) بطريقة مادية وبوصفه بديهياً للمجتمع الرأسمالي العالمي، وعلى الأخص في عصر كانت تزحف الصناعة فيه، نحو هدم آخر بقايا الحياة المشاعية في العالم، وجرِّ كلِّ الحضارات القديمة نحو تيار المدنية.

إنَّ كلاً من كارل ماركس ولينين، يبحثان نفس الحقبة التاريخية من تطور الإنسانية، ولكن بطريقتين متناقضتين: الطريقة المادية للتاريخ، وطريقة الاقتصاد السياسي! لذلك من غير المعقول أن يصلا إلى نفس النتائج فيما يخص التطور الصناعي، والتفاوت الاقتصادي بين البلدان المختلفة في العالم، لذا، ليس من المستغرب أن يستنتج كارل ماركس من واقعة، يؤولها لينين حسب أوهام الهوبسنية البرجوازية عن المرحلة الأسطورية للرأسمالية، وعلى العكس من لينين، يلخص كارل ماركس نظرته إلى التاريخ العالمي و تفاوته الاقتصادي، على الشكل التالي:

"إنَّ الصناعة الكبرى قد خلقت في كلِّ مكان ذات العلاقات بين طبقات المجتمع، وبذلك دمرت الفردية الخاصة للقوميات المختلفة، وبينما كانت برجوازية كلِّ أمة تحتفظ بعد بمصالح قومية خاصة، فقد خلقت الصناعة الكبرى طبقة تملك نفس المصلحة في جميع الأمم، وقد ألغيت القومية سلفاً بالنسبة إليها – كارل ماركس".

هذا هو الاختلاف الجذري بين منهج كارل ماركس للتاريخ، ومنهج لينين، فمنهج لينين هو نفس منهج البرجوازيين عن العالم الرأسمالي، وهو لا ينظر إلى التاريخ إلاَّ من وجهة نظر القوميين، أي البرجوازيين، لذا ليس من المستغرب أن يقترح لينين اشتراكية برجوازية للعمال، أي الاشتراكية القومية.

وهكذا، فخلال نشر أوهام الهوبسنية في الحركة العمالية العالمية، حاول لينين، وباسم الماديين أنفسهم، القضاء التام على منهج الماديين وإقناع العمال نسيان مسألتهم الأساسية، وهي: أممية ثورتها! فلينين يحاول دون جدوى، أن يخفي مفاهيمه الهوبسنية، وراء كلمات منتفخة و براقة حول الاضطهاد والاشتراكية والمادية، لذلك يمكننا أن نقول إنَّه لا يجمع أي جامع بين أطروحات (رأس المال – نقد الاقتصاد السياسي) وأطروحات (الامبريالية) – (أعلى مراحل الرأسمالية) المقتبسة كلياً من هوبسن، دون أي تغيير، ويمكن القول: بأنَّ (الامبريالية)، كلمة ومفهوماً هي الهوبسنية، و(أعلى مراحل الرأسمالية) والتي ليست سوى جملة خالية من المعاني هي اللينينية، والماركسية التي يجتهدها لينين في كراسه، هي نفس الفلسفة الوهمية التي ساهم كاوتسكي في اختراعها أكثر من غيره، الفلسفة التي لا يجمعها أي جامع مع المادية التاريخية، و إنَّ الجزء الأعظم من هذه الفلسفة في مدرستها الروسية هي الهوبسنية من جهة، واستعارة جمل كارل ماركس من قبل لينين، وتأويلها وفقاً لأفكار الهوبسنية عن عالمه الامبريالي وتطوره اللامتكافئ من جهة أخرى، وحقاً يمكن القول: لم يؤدِ لينين شيئاً، سوى تأويل المادية التاريخية وفقاً للمنهج الهيغلي للفلسفة، ومنهج الاقتصاد السياسي، والآن لنرَ، ما هي الامبريالية التي اكتشفتها الهوبسنية، وكيف يلخص لينين نظرته عمَّا يستنتجه اقتصادي برجوازي مثل هوبسن من المجتمع العالمي لرأس المال، وما هو العجز العلمي للهوبسنية – اللينينية في تحديد المسار التاريخي للرأسمالية بوصفها نظاما أمميا؟





#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد و ثورة أممية جديدة؟ 4) لن ...
- هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد، وثورة أممية جديدة؟ 3) أز ...
- هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد و ثورة أممية جديدة؟ 2) لم ...
- هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد و ثورة أممية جديدة؟ 1) أز ...
- المجاعة الكبرى في الاتحاد السوفياتي: موت الملايين من الجوع ف ...
- الاتحاد السوفياتي: اسطورة اشتراكية القرن العشرين – المجاعة: ...
- الاتحاد السوفيتي: اسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الرا ...
- الاتحاد السوفيتي: اسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الثا ...
- الاتحاد السوفيتي: أسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الثا ...
- الاتحاد السوفياتي: إسطورة إشتراكية القرن العشرين!
- أمريكا، بؤرة الأزمات و الحروب


المزيد.....




- المظاهرات في جورجيا.. لا للتبعية لموسكو وواشنطن لن تكون البد ...
- طلاب محتجون في جامعة جونز هوبكنز الأميركية ينفون إجراء مفاوض ...
- عشرات الالاف من المتظاهرين الاسرائيليين يطالبون بإسقاط قاتل ...
- م.م.ن.ص// استمرار النكبة
- أضواء على حراك التعليم المجيد
- استنتاجات تجربة نقابية مديدة بقطاع التعليم: مقابلة مع الرفيق ...
- حراك شغيلة التعليم 2023: تقييم ودروس للمستقبل
- اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين يطالبون بانجاز اتف ...
- معركة الأجور.. وفرص المقاومة العمالية
- قادة الفصائل الفلسطينية في منتدي -مغرب مشرق- في تونس


المزيد.....

- كراسات شيوغية:(الدولة الحديثة) من العصور الإقطاعية إلى يومنا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية:(البنوك ) مركز الرأسمالية في الأزمة.. دائرة لي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رؤية يسارية للأقتصاد المخطط . / حازم كويي
- تحديث: كراسات شيوعية(الصين منذ ماو) مواجهة الضغوط الإمبريالي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (الفوضى الاقتصادية العالمية توسع الحروب لإنعاش ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أنور نجم الدين - الهوبسنية – اللينينية و الحركة الكومونية العالمية: التناقض بين المنهج المادي للتاريخ و منهج لينين في (الامبريالية) - (أعلى مراحل الرأسمالية)