أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بلكميمي محمد - فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية -2-















المزيد.....


فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية -2-


بلكميمي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2442 - 2008 / 10 / 22 - 08:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


2- تطور الراسمالية الكولونيالية المغربية .
في البدء اذن كان الجوهر .. كان انصهار الراسمال الفرنسي بالعمل المغربي .. لكن ذلك الجوهر ، لانه جوهر ، لايمكنه بالتالي ان يظل جامدا على حالته البدائية الاولى كجوهر .ان منطقه الخاص يدفعه الى تحقيق ذاته . فالمسالة اذن تشبه الخلية الاصلية الاولى للكائن الحي . ان جميع الكائنات الحية تبدا من خلية واحدة ، التي هي بدورها نتاج لانصهار خليتين متناقضتين : خلية جنسية ذكورية ، وخلية جنسية انثوية . ومن الخلية الواحدة المخصبة ، التي يتم فيها توحيد طرفي التناقض الذكوري – الانثوي ، تنطلق صيرورة الانقسام والتكاثر الخلوي التي تقود الى تشكيل مختلف اعضاء واطراف الجسم الحي .
ان تخصيب العمل المغربي بواسطة الراسمال الفرنسي ، شبيه بتخصيب بويضة المراة بواسطة سبيرماطوزويدات الرجل مع هذا الفرق : وهو ان التخصيب الثاني تخصيب طبيعي ، ولذلك يشعر فيه اطرافه بالانجذاب الى بعضهما البعض ، وبالمتعة الجنسية . بينما التخصيب الاول هو تخصيب فوق –طبيعي ، أي اجتماعي، ولذلك لايتم تحقيقه الا بقوة الحديد والنار .
من الجوهر .. من الخلية الاولى المخصبة .. من انصهار الراسمال الفرنسي بالعمل المغربي ، انطلقت اذم صيرورة تشكل الراسمالية الكولونيالية .
لقد مرت تلك الصيرورة بمرحلتين اساسيتين :
أ‌- المرحلة الاولى وتمتد من سنة 1912 الى سنة 1932 : في هذه المرحلة ، كان بناء الراسمالية الكولونيالية يعني بناء الينية التحتية لتلك الراسمالية . من هنا تحددت طبيعة وشكل الراسمال الذي قاد العملية . لقد كان ذلك الراسمال في اساسه ، راسمالا عموميا . جسدته الدولة الكولونيالية ، التي كانت بدورها ممثلة لراسمالية الدولة الاحتكارية الفرنسية في المغرب .
ولهذا يمكن حصر منجزات تلك المرحلة في التالي : حفر المناجم ، تشييد الموانئ – شق الطرق والسكك الحديدية ، بناء مراكز الطاقة ، اقامة السجون ، الثكنات العسكرية ، البنايات الادارية والحكومية . بناء الاحياء السكنية للموظفين والمعمرين الفرنسيين ، الاستحواذ على اراضي الفلاحين الخصبة ، وتحويلها الى ضيعات راسمالية ( اذ منذ تلك المرحلة يمكن التحدث عن تشكل ، من حيث الجوهر ، لأراضي المعمرين لانه تمت السيطرة في ذلك الوقت من 800000 هكتار من مجموع المليون هكتار ، التي تم انتزاعه من الفلاحين المغاربة ابان الفترة الكولونيالية .)
ب‌- المرحلة الثانية وتمتد من سنة 1932 الى سنة 1956 ، اذ بمجرد ما ان انتهت الراسمالية الكولونيالية من بناء ذاتها ، على اساس الراسمال العمومي ، حتى انتقلت الى تطوير ذاتها على اساس جديد ، هو الراسمال الفرنسي الخاص .
وبالطبع فالفقيد عبد السلام المؤذن عندما قال بان الشكل العمومي الراسمالي الكولونيالي ، كان هو اساس المرحلة الاولى .. وان الشكل الخصوصي هو اساس المرحلة المرحلة الثانية ، فلا يعني بذلك غياب الثاني من المرحلة الاولى ، ولاغياب الثاني من المرحلة الاولى . وانما يقصد فقط بان لكل مرحلة تاريخية ، شكلها الراسمالي الذي يطبعها ويميزها .
لقد مر الراسمال الفرنسي الخاص نفسه في تطوره ، من مرحلتين متميزتين :
المرحلة الاولى : وتتميز بانحصاره في ثلاث انشطة رئيسية : 1- الزراعة .2- العقار 3- التجارة والمال (فلقد كان يستعمل المؤسسات البنكية والشركات التجارية ، لاغراض تامين من جهة ، عمليات تجميع وتصدير المنتوجات الزراعية والمعدنية ، ومن جهة اخرى ، استيراد المنتوجات المصنعة والطاقوية ، والسلع ذات الاستهلاك الواسع مثل : الشاي والسكر والألبسة ).
المرحلة الثانية وتتميز بانتقاله من الشكل العقاري – الخدماتي الى الشكل الصناعي .
لقد تمكن الراسمال الخاص من بناء صناعة تحويلية تتكون من سبعة انواع : 1- المواد الغذائية ..2- المعلبات ..3- الجلود..4- النسيج..5- البناء. .6- الكيمياء..7- الحديد والميكانيكا.
ان العوامل التي ساعدت على بناء ذلك النسيج الصناعي هي : 1) تراكم الراسمال الكولونيالي المحلي ووفرته في الابناك بحيث اصبح قابلا للبحث له عن منافذ استثمارية في الصناعة ..2) انجذاب الراسمال الخاص الخارجي الى المغرب ، بسبب اغراءات مالية وتجارية واجتماعية مثل : سعر قوة العمل الرخيص ، التحرر من المنافسة الاوربية ، الاعفاء العملي من اعباء الضرائب ، تسهيلات التصدير الى افريقيا السوداء والى فرنسا نفسها ( مثلا ان الراسماليين الفرنسيين المقيمين في المغرب ، المنتجين لمصبرات السمك ، كانوا يصدرون لفرنسا حوالي 600000 علبة وبذلك كانوا يهددون من الخارج المقاولات الفرنسية الصغيرة لصناعة السمك ) ..3) خلال الحرب العالمية الثانية ، مثلت عزلة المغرب عن مصادره التقليدية التي كانت تمده بالمنتوجات المصنعة ، حافزا قويا لانتاج بعضها في عين المكان . وبعد نهاية الحرب ازدادت كثافة التصنيع ( تعتبر سنوات 1946-1953 اوج الازدهار الاقتصادي بالنسبة للمرحلة الكولونيالية كلها ) ..4) ثم هناك عامل عسكري استراتيجي محض ، اذ اعتبر المغرب من طرف استراتيجيي الحلف الاطلسي ، بمثابة مؤخرة عسكرية هامة لاوروبا الغربية ( خصوصا بعد اندلاع التوتر بين المعسكرين الراسمالي والاشتراكي غداة حرب كوريا ) .
ولذلك رأى الحلف الاطلسي ضرورة تزويد المغرب ببنية صناعية كافية .
واذا اردنا عرض حجم الاستثمارات الكولونيالية التي جندت مئات العمال مئات آلاف العمال المغاربة الذين قامت على ظهورهم الدولة والمجتمع الكولونياليان ، فيمكن اجمالا ذلك في التالي :
لقد تم انفاق ، خلال المرحلة الكولونيالية كلها ، ما مجموعه 1500 مليار فرنك ( قيمة 1959 ).
وضمن هذا المقدار ، يتكون الراسمال العمومي من الف مليار ، والراسمال الخاص 500 مليار .
من سنة 1912 الى سنة 1940 ، تم انفاق 712 مليار .
ومن سنة 1940 الى سنة 1953 ، تم انفاق 807 مليار .
ان الحجم السنوي للاستثمارات ، قد بلغ في السنوات ما بين 1949و 1957 ، اكثر من اربعة اضعاف حجم ماقبل الحرب ، وتسعة اضعاف حجم سنوات 1939-1944 وضعفين ونصف حجم سنوات 1945 – 1949

3- تناقضات الراسمالية الكولونيالية المغربية .

في اللحظة البدائية لقدوم الراسمال التمويلي الى المغرب ، كانت العلاقة بينه وبين العمل المغربي ، على الشكل التالي : من جهة ، وجود راسمال فرنسي تحركه الحاجة للاستثمار ، ومن جهة اخرى ، غياب قوة العمل المغربية المستجيبة لتلك الحاجة ( اذ كان الانتاج التقليدي المغربي ، يمتص كل قوة العمل المتوفرة . اما البطالة التي يعاني منها المجتمع المغربي اليوم ، فهي ظاهرة حديثة تماما ) .
وقد لاحظنا في الفقرات الاولى ، بان ذلك التناقض لم يتم حله الا عن طريق العنف ، الذي ادى الى فصل الفلاحين من وسائل انتاجهم ، واخضاعهم بالقوة للانضباط للعمل الراسمالي الحديث .
لكن الأمور في نهاية المرحلة الكولونيالية ، ستنقلب الى نقيضها . اذ لم يعد الراسمال هو الذي يرغب في العمل ، بل بالعكس اصبح العمل هو الذي يبحث عن الشغل الراسمالي ولا يجده . ان منطق التطور الراسمالي الكولونيالي نفسه ، قد ادى الى بلترة جماهير عريضة من الفلاحين والحرفيين ، دون ان يكون قادرا في نفس الوقت على تشغيلهم واستيعابهم .
وهذه البلترة لم تتم فقط بوسائل العنف التقليدية ، بل ايضا بوسائل اقتصادية محضة ، كان ابرزها انتشار وتغلغل التعامل النقدي في الحياة الاقتصادية التقليدية ( فالفلاح الذي اصبح مجبرا على دفع الضرائب نقدا لا عينا ، اصبح في نفس الوقت في قبضة الدائنين والمرابين الجشعين ، الذين كانوا يستغلون عجزه عن تسديد ديونه في اجالها المحددة ، للسطو على اراضيه وتشريده ).
وخلاصة القول ، ان التفاوت في التطور بين الراسمال الكولونيالي والعمل المغربي ، ادى تدريجيا الى احتدام التعارض الى تناقض صارخ . ولقد كان ذلك التناقض بين : من جهة ، ظهور طبقة عاملة مغربية فتية ، كان حجمها يتعاظم باضطراد ، ومن تم تعاظم حاجتها الى الشغل والى شروط العمل اللائقة بالانسان . ومن جهة ثانية ، عجز الراسمالية الكولونيالية عن حل مسالة البطالة ( التي لم تظهر في المغرب الى بظهور تلك الراسمالية ذاتها ) ، ورفضها التخفيف من حدة الاستغلال الراسمالي الاجنبي للعمال المغاربة .
هذا اذن هو الوجه الاول للتناقض .
فماهو الوجه الثاني ؟
بعد ان راينا الوجه الاول للتناقض ، فالوجه الثاني للتناقض هو هذا :
في بداية التغلغل الرأسمالي للمغرب ، كان الرأسمال الكولونيالي كولونياليا فعلا ، لانه كان لايزال هامشيا ومعزولا وسط المجتمع المغربي التقليدي ، لكن في نهاية المرحلة الكولونيالية ، اصبح الاقتصاد الكولونيالي اقتصادا وطنيا ، تمتد أبعاد تاثيراته المباشرة والغير مباشرة الى كل الحياة الاقتصادية – الاجتماعية المغربية .
من هنا هذا التناقض : بين الطابع الوطني للاقتصاد المغربي الراسمالي ، وبين الملكية الحقوقية الكولونيالية الاجنبية لذلك الاقتصاد .
هذا من جهة .
من جهة اخرى ، في بداية المرحلة الكولونيالية ، كان العمال المغاربة مجرد فئة اجتماعية صغيرة ، هامشية وسط قوة العمل الفلاحية التقليدية . لكنهم في نهايتها ، اصبحو يشكلون طبقة عمالية وطنية ، تقوم على اكتافها الدولة الكولونيالية برمتها .
من هنا هذا التناقض : بين الطابع الوطني للطبقة العاملة المغربية ، وبين الطابع الكولونيالي للطبقة البورجوازية الفرنسية السائدة ، التي تقوم بتحويل وتهريب الجزء الاعظم من ارباح الراسمال الى الخارج .
ان التناقض المذكور بكل أوجهه وجوانبه السالفة ، هو التناقض الجوهري الذي حكم المجتمع المغربي في نهاية المرحلة الكولونيالية ، لكن رغم جوهريته ، لم يكن لوحده كافيا للقضاء على الاستعمار الكولونيالي وتخليص الوطن من نيره .
اذ من اجل ذلك ، كان لابد ان تتناقض مع الوجود الكولونيالي ، مصالح كل طبقات وفئات المجتمع ، او على الاقل اغلبيته الساحقة . وهذا بالضبط ما تحقق في تلك الفترة :

اولا : بلترة الفلاحين بدون ان تتوفر لهم بدائل جديدة للعمل .

ثانيا : افلاس الحرفيين والتجار الصغار ، بسبب انهيار القوة الشرائية للفلاحين ، وبسبب مزاحمة المنتوجات المصنعة المستوردة . وهذه المزاحمة زاد في تفاقمها ، ظهور الصناعة الراسمالية المحلية .

ثالثا : الازمة المزدوجة للمثقفين التقليديين ، فهم من جهة ، عانوا مرارة ازمة ابائهم الفلاحين والحرفيين ، المتمثلة في سقوطهم الاجتماعي ، ومن جهة ثانية ، عانوا ازمتهم الذاتية الخاصة بهم كفئة مثقفة ، فقدت الامتيازات الاجتماعية التي كانت تتمتع بها في عهد سيادة الدولة المخزنية .

رابعا : ازمة البورجوازية المغربية ، فلقد استطاع الراسمال المغربي الخاص ، الذي كان ينشط في مجالات التجارة والعقار ( بشكليه الزراعي والحضري ) ، مراكمة اموال هامة ، جعلته يتطلع لتنميتها وتوسيعها . وبعد انتقال الراسمالية الكولونيالية من شكلها العمومي الى شكلها الخصوصي ، كان الراسمال المغربي الخاص يعتقد بامكانية الاستفادة من الامكانات الجديدة التي فتحتها تلك المرحلة جنبا الى جنب مع الراسمال الفرنسي الخاص . لكنه سرعان ما أدرك أوهامه . فالدولة الكولونيالية ، وموظفوها المحافظون ، والراسماليون الفرنسيون العنصريون ، لم يقبلوا ولا يمكن لهم قبول خلق مساواة في الفرص بين الراسمال الفرنسي والراسمال المغربي . ولذلك اعتبر الراسمال المغربي ، القوانين والتشريعات المالية والتجارية والاقتصادية ، التي كانت تسنها السلطات الكولونيالية ، كلها حيف وجور ضده .( ان بعض الراسماليين الفرنسيين القلائل جدا الذين حاولوا الانفتاح على الراسمال المغربي ، قد تمت تصفيتهم جسديا من قبل منظمات ارهابية فرنسية عنصرية . وهذه حال رجل الاعمال الشهير « جاك دوبروي» المعروف بدفاعه عن اطروحة الانفتاح ، والذي كانت تربطه مصالح اقتصادية بعائلة السبتي الراسمالية ، حيث تم اغتياله سنة 1955 ).
ان انسداد الافق الذي عانت منه البورجوازية المغربية ، قد عانت منه ايضا نواة الملاكين العقاريين المتبرجزين المغاربة .

خامسا : الازمة المزدوجة للمثقفين العصريين ، لقد عانوا من جهة ، من ازمة ابائهم البورجوازيين المنبوذين من طرف الدولة الكولونيالية والراسمال الخاص . ومن جهة ثانية ، عانوا من ازمتهم الذاتية الخاصة بهم كفئة من الاطر العليا ، الذين ترفض لهم السلطات الكولونالية حق المساواة مع الفرنسيين ، في ولوج نفس المناصب في أجهزة الدولة والادارة .

4- تحول الراسمالية الكولونيالية الى راسمالية تبعية .


لا حظنا في الفقرات الاخيرة ، بان التناقض الجوهري الذي كان يحكم الراسمالية الكولونيالية في نهايو مهدها ، والذي تمحمورت حوله كل اوجه التناقضات الاخرى ، هو مابين الطابع الوطني للاقتصاد الراسمالي المغربي ، وبين الطابع الكولونيالي الاجنبي للملكية الحقوقية لذلك الاقتصاد ( انعدام السيادة الوطنية عليه ) .
وواضح ان حل ذلك التناقض ، كان يقتضي احداث تطابق بين طابع الاقتصاد وطابع الملكية ، او الاصح ، جعل طابع الملكية يتطابق مع طابق الاقتصاد تطابقا سياسيا .
ان الراسمالية التبعية المغربية ، قد مثلت الاطار التاريخي المغربي لذلك الحل ، فهي بقضائها على الدولة الكولونيالية الفرنسية وتقوية السيادة السياسية للدولة المغربية الحديثة الفتية ، وبجعل الدولة المغربية تسيطر على المرافق الاساسية للاقتصاد ، تكون بذلك قد وضعت الاسس الضرورية لتوحيد طابع الاقتصاد بطابع الملكية السياسي .
لكن توحيد الاقتصاد بالدولة السياسية ، يعني في جوهره ، توحيد العمل المغربي بالراسمال المغربي ، لان الانتقال من الشكل السياسي الكولونيالي للدولة المغربية الى شكلها الوطني ، هو تعبير عن انتقال مواز من الشكل الكولونيالي للراسمال الى الشكل المغربي .
ان التاريخ المغربي قد كرر اذن نفسه ، لكن في شكل نوعي جديد ارقى ، في الفقرات الاولى من هذا العرض ، انطلقنا من وحدة الراسمال والعمل ، وفي الفقرة الحالية عدنا الى وحدة الراسمال والعمل لكن مع هذه الاختلافات : اولا ، ان الوحدة الاولى كانت مابين الراسمال الفرنسي والعمل المغربي ، في حين ان الوحدة الثانية اصبحت بين الراسمال المغربي والعمل المغربي . ثانيا ان الوحدة الاولى لم تتحقق الا عن طريق العنف ، الذي قاد الى تحرير العمل المغربي التقليدي من العلاقات الماقبل راسمالية ( فصل الفلاحين عن وسائل انتاجهم لتحويلهم الى قوة عمل بروليتارية ، تحت تصرف الراسمال التمويلي الفرنسي ) . اما الوحدة الثانية فهي الاخرى لم تتحقق الا عن طريق العنف ( المقاومة المسلحة المغربية ) . ثالثا ، وكما ان وحدة الراسمال الفرنسي والعمل المغربي ، قد مثلت في المرحلة السابقة الجوهر الاقتصادي - الاجتماعي الذي قام عليه تطور الراسمالية الكولونيالية من سنة 1912 الى سنة 1956 ، فكذلك ان وحدة الراسمال المغربي والعمل المغربي قد مثلت في المرحلة الحالية الجوهر الاقتصادي – الاجتماعي الذي قام عليه تطور الراسمالية التبعية المغربية من سنة 1956 الى الان .
ونحن ان اردنا ان نتحلى بنظرة تقييمية علمية الراسمالية الكولونيالية ، وان نضعها بالتالي في سياقها التاريخي الموضوعي ، فيجب الا تسقط نظرتنا في النزعة الوطنية العاطفية المجردة الواحدة الجانب ، بل يجب ان ننظر الى الظاهرة الكولونيالية في وحدتها المتناقضة .
من هذا المنطلق النظري الوحيد الممكن علميا اذن ، فان الراسمالية الكولونيالية ، في حقيقتها ن تتاسس على واقعين متناقضين هما اولا : مظهرها الخارجي التعبيري ، المتمثل في السيطرة الاجنبية ، وفي النهب والاستغلال لثروات البرد ولقواها العاملة ، وهي تعريض الشعب لشتى انواع المعاناة والعذاب والشقاء ، وفي الاستعلاء العنصري واحتقار قيم الشعب الوطنية .
وثانيا : جوهرها الداخلي الاساسي ، الذي يتحكم في صيرورتها ، ويجعلها لاتستطيع تنمية وتطوير مظاهر النهب والاستغلال والاضطهاد ، بدون تنمية وتطوير في نفس الوقت للقوى الاجتماعية الصاعدة المعارضة لها والمتناقضة معها .
ان الراسمالية المغربية التبعية ، قد عبرت تاريخيا اذن عن تلك القوى الاجتماعية الوطنية الصاعدة ، التي افرزتها الراسمالية الكولونيالية نفسها ، لكمها تناقضت معها تناقضا عدائيا ، ولذلك فان الانجاز التاريخي للراسمالية التبعية المغربية ، يكمن في كونها قد حلت المشاكل الملحة التي كانت مطروحة على المجتمع المغربي في نهاية المرحلة الكولونيالية .، فهي قد اعادت الاعتبار للراسمال المغربي المضطهد من طرف الراسمال الكولونيالي . وقد ساهمت في توفير الشغل للعمال ، ابان فترة الاندفاع الراسمالي المغربي الاول ، الذي رعته االدولة . وقد حلت ازمة المثقفين العصريين ، عن طريق دمجهم في اجهزة الدولة والادارة التي تمت مغربتها . كما انها خلقت بديلا ايجابيا للتعليم التقليدي ، تمثل في فتح مدارس عصرية جماهيرية لابناء العمال والحرفيين والفلاحين ، وفي توفير الشغل لهم عن طريق دمجهم في المناصب الصغرى لادارات الدولة والمؤسسات الاجتماعية التابعة لها . كذلك عملت على تنشيط الحركة التجارية ، مما سمح بظهور فئة اجتماعية جديدة قوية من التجار اتلصغار ، تمثلت اساسا في الدكاكين السوسية ، كما انها خلقت بديلا جديدا للصناعات الحلافية المنهارة ، تمثل في ظهور حرف عصرية ، مثل الميكانيكا ، والحدادة ، والنجارة ، واصلاح السيارات واجهزة الراديو وغيرها .
وهنا نصل الى السؤال التالي : ماهي حقيقة الراسمالية التبعية المغربية ؟ .

ان الراسمالية التبعية هي اولا راسمالية تبعية . وهذا يعني انها تمثل التواصل والاستمرار التاريخيين للراسمالية الوكولونيالية السابقة عنها . ان ذلك التواصل والاستمرار يتجسدان اساسا ، في الموقع المحدد الذي تحتله ضمن قسمة العمل الدولية ، وهو الموقع الذي يجعلها تتخصص في تصدير المواد الاولية المعدنية والزراعية ( او بعض المنتوجات المصنعة الكلاسيكية ، في مرحلة اعلى من التطور )، واستيراد المنتوجات المصنعة ذات التكنولوجيا المتطورة .
وبالطبع ان تلك العلاقة الدولية لقسمة العمل ، هي في اساسها علاقة غير متكافئة لانه لايمكن المساواة بين من يبيع الفوسفاط ومن يبيع الوسائل المتطورة تكنولوجيا لانتاج ذلك الفوسفاط ، وحين يكون طرفا المعادلة الاساسية غير متكافئين ، يصبح ، بالضرورة ، التبادل التجاري بينهما ، هو نفسه غير متكافئ . ان الازمة النقدية الخانقة التي يعاني منها حاليا الوضع المالي المغربي ، تجد احد اسبابها الحاسمة ، في التبادل اللامتكافئ ( ففي الوقت الذي انهارت فيه اسعار الصادرات المغربية ، ارتفعت فيه ارتفاعا صاروخيا ، وارادته الاساسية من منتوجات مصنعة مدنية وعسكرية ) .
لكن من ناحية اخرى ، ان الوقوف عند حد اعتبار الراسمالية التبعية المغربية ، هي مجرد راسمالية تبعية وكفى اي انها لاتمثل سوى التواصل والاستمرار التاريخيين للراسمالية الكولونيالية السابقة عنها ( كما يفعل العديد من الاقتصاديين المغاربة ، وبعض الكتاب العرب مثل برهان غليون ) ، ان ذلك الموقف ، بالتالي ، ينطوي على خطا نظري كبير ، لان اصحابه ( بحكم نظرتهم التجريدية الواحدة الجانب ) ، لايرون سوى جانب التواصل والاستمرار ، وليس ايضا جانب القطيعة التاريخية مع الراسمالية الكولونيالية .
ان النظرة العلمية للراسمالية التبعية ، التي هي بالضرورة نقيضة للنظرة السياسية الذاتية ، هي التي تنظر للراسمالية التبعية المغربية كوحدة متناقضة ، أي انها في نفس الوقت راسمالية تبعية وراسمالية وطنية . ان تبعيتها تستمدها من امتدادها الخارجي بصفتها تحتل موقعا ضمن قسمة العمل الدولية ، اما وطنيتها فتتأسس على جوهرها الداخلي نفسه ، الذي هو وحدة العمل المغربي والراسمال المغربي .



#بلكميمي_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية الديمقراطية المغربية حقيقة المجتمع المدني المغربي
- نظرية الديمقراطية المغربية
- فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية 1
- اتجاه تطور الطبقة البورجوازية
- تحول راسمالية الدولة الى طبقة بورجوازية - تابع -
- تحول راسمالية الدولة الى طبقة بورجوازية
- ظهور راسمالية الدولة التبعية
- من الراسمالية الكولونيالية الى راسمالية تبعية
- تحول الراسمالية الكولونيالية الى راسمالية تبعية - تابع –
- تناقضات الراسمالية الكولونيالية المغربية - تابع –
- تناقضات الراسمالية الكولونيالية المغربية .
- تطور الراسمالية الكولونيالية المغربية .
- نظرية الراسمالية المغربية – عبد السلام المؤذن-تابع-
- نظرية الراسمالية الكولونيالية المغربية عند عبد السلام المؤذن
- جوهر الراسمالية الكولونيالية المغربية لعبد السلام المؤذن
- نظرية الرأسمالية المغربية لعبد السلام المؤذن
- نظرية الراسمالية المغربية – عبد السلام المؤذن ... الجزء الثا ...
- نظرية الراسمالية المغربية عند عبد السلام المؤذن 1


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بلكميمي محمد - فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية -2-