أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جان كورد - حول المعارضة السورية في الوقت الحاضر















المزيد.....



حول المعارضة السورية في الوقت الحاضر


جان كورد

الحوار المتمدن-العدد: 2389 - 2008 / 8 / 30 - 04:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لدى الحديث عن المعارضة السورية، الديموقراطية والوطنية، وهي ليست وليدة اليوم، وانما لها تاريخ طويل من النضالات ومرت بمراحل متعددة منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا، لابد لنا من التطرق إلى الوضع الدولي الحالي... هذا الوضع الذي يمر بعصر ذي سمات واضحة يمكن التعرف عليه من خلالها... وتجسيد أو تحديد سمات العصر في كلمات أو عبارات يقرب إلينا صورته ويزيدها ايضاحا، بحيث لانحتاج إلى بذل جهود مضنية في سبيل التعريف به، وبالتالي نقترب بسهولة من فهم أفضل للمعارضة السورية التي لايمكن فصلها عن العصر الذي تعيشه بأي شكل من الأشكال، فهي ليست حراكا معلقا في فضاء خارجي وانما تعيش على أرض الواقع ووسط شبكة واسعة ومعقدة من العلاقات الاقليمية والدولية المتشابكة...
وسمات العصر الحالي هي:
- النظام العالمي الجديد
- العولمة (الثورة المعلوماتية)
- أزمة الغلاء العالمية
- فشل الدكتاتوريات العسكرية والبورجوازيات الوطنية
- فقدان التوازن الاجتماعي ونمو التطرف الديني والارهاب الانتحاري
- خطر العودة إلى أجواء الحرب الباردة

وقبل التطرق إلى بعض مشاكل المعارضة السورية:

- مشكلة القيادة
-المشكلة الكردية
-الموقف من النظام
- الإسلام والعلمانية

فسنمر على هذه النقاط الأساسية التي لها تأثيرات ايجابية وسلبية على كل حراك سياسي – ثقافي في أي منطقة كانت من مناطق العالم، وبالتالي فإنها تؤثر بعمق في وضع المعارضة السورية أيضا، وعلى ضوء المعطيات التي تفرزها هذه المؤثرات الخارجية / العالمية يمكن رسم الاطار وتحديد المعالم لطريق المعارضة السورية في هذه المرحلة التارخية من عمرها.

النظام العالمي الجديد:

تبقى جمهورية الصين الشعبية أهم قوة دولية تشكل تحديا للعالم الغربي، الأمريكي – الأوربي، من مختلف النواحي الاستراتيجية والاقتصادية والمالية والثقافية، بحكم حجمها الديموغرافي العظيم واتساع رقعة بلادها التي لايمكن تجاهل تأثيراتها المختلفة في جميع البلدان والبحار الآسيوية...إلا أن الخطر الأكبر والمباشر على منطقتي أوروبا والشرق الأوسط اللتين تعتبران هامة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو الذي تقوده كان من الاتحاد السوفييتي الذي تقلص إلى دولة روسية تحيط بها دول أضعف منها اقتصاديا وعسكريا والمنظومة الشيوعية التي تبعثرت وانضمت دول هامة منها إلى المعسكر الغربي، وبخاصة بولونيا والتشيك وهنغاريا ودول البلطيق اللواتي كن بمثابة خندق أمامي لحلف وارسو المنفرط في مواجهة العالم الامبريالي فيما مضى...وبذلك نشأ من عالم القطبين نظام عالمي جديد مختلف من عدة وجوه عما كان عليه في الفترة ما بين الحرب العالمية الثانية وانهيار النظام الشيوعي السوفييتي.

هذا النظام العالمي الجديد أثر بشكل فعال في المعادلات الدولية، فتوالى سقوط العديد من الأنظمة التوتاليتارية، كما في رومانيا وبلغاريا، وتفتت بعضها الآخر كما في يوغسلافيا، وظهرت الولايات المتحدة على الساحة الدولية كأهم قوة قادرة على فرض سياساتها وعلى تحقيق الكثير من مصالحها الحيوية في شتى أنحاء العالم، وبالتالي وضعت مشاريع مستقبلية على ضوء المستجدات الاستراتيجية الناجمة عن سقوط المعسكر الآخر، منها "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الذي يبدو حتى الآن مجرد مشروع نظري لم يتحقق على أرض الواقع، وذلك لجملة من الأخطاء التي وقعت فيها الادارة الأمريكية الحالية التي يديرها المحافظون الجدد "النيوكون"، وبسبب العديد من التحديات على ارض الواقع، كما حدث في العراق بعد اسقاط نظام الدكتاتور صدام حسين عام 2003 عن طريق استخدام القوة العسكرية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الآخرين.

لذا لايمكن تجاهل الدور الهام الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في هذا النظام العالمي الجديد، رغم كل محاولات بعض المعارضين السوريين الذين يحاولون انتهاج سياسة النعامة التي يحدق بها الخطر، ويستهترون بهذا الدور الذي لاتستطيع حتى الصين الشعبية بكل قواها العسكرية والاقتصادية وعلاقاتها الواسعة لعبه في معادلات الصراع الشرق أوسطية، كما لاتستطيع أوروبا المتحدة منافسة الولايات المتحدة الأمريكية رغم قدم علاقاتها في المنطقة وقوة عملتها المشتركة (اليورو) واتساع رقعة بلدانها السبعة والعشرين حاليا وثقلها الديموغرافي، ورغم عراقتها في موضوع الديموقراطية وحقوق الإنسان...

وصحيح أن أوروبا تسعى من أجل تحقيق منظومة اقتصادية – ثقافية لدول البحر الأبيض المتوسط، في محاولة منها لاحتواء الأنظمة الشمولية ولمساعدة تلك التي تتعثر على طريق اقامة أنظمة ديموقراطية، إلا أنها تصطدم باستمرار بما يمكن تسميته ب"الهيمنة الأمريكية" الصارخة على ذات الدول التي تحاول أوروبا كسبها إلى صفها...

وهنا لايمكن تجاهل روح الأنانية الوطنية المسيطرة على العديد من الزعامات الأوربية ومحاولة الكبار في الاتحاد الأوربي ابتلاع الصغار، وهذه الروح المنافية للشراكة الحقيقية تدفع ببعض الدول القوية في الاتحاد إلى التحرك وفق مصالحها الوطنية بدلا عن المصالح المشتركة للاتحاد الذي يعاني من جملة من المشاكل الجادة، وفي مقدمتها مسألة الدستور الذي يتطلب اجماعا أوربيا حتى يصبح ساري المفعول ولكنه يصطدم بالعديد من الاعتراضات القومية، وليس هناك مادة بديلة في حال عدم تحقق الاجماع...

ولكن لابد من الاعتراف أيضا بأن النزعات الوطنية أو القومية بين الجماهير الأوربية قد خفت كثيرا، والإنسان الأوربي لايهتم برفع علمه الوطني – مثلا – إلا أثناء المباريات الرياضية، وقد لايعلم أحدهم أسماء وزراء أو رئيس وزراء بلاده، وحدث أن أجرت أقنية تلفزيونية مساءلات في الشارع الألماني فاتضح أن بعض الألمان تعرفوا مباشرة على لاعبي فريقهم الوطني لكرة القدم ولكنهم لم يتعرفوا على رئيس دولتهم... وقال أحد مثقفي التشيك مرة بأن التشيكيين لم يعد يشعرون بأنهم أمة إلا أثناء مباريات كرة القدم، في حين أن هذه النزعة القومية صارخة للغاية بالنسبة للمهاجرين الترك، وقد لاتجد حانوتا تركيا واحدا يخلو من صورة لأبيهم المقبور "أتاتورك" وعلمهم القومي، حتى في المساجد فإنك تجدهم يرفعون علم بلادهم، سواء في دول المهجر أو في تركيا ذاتها...

ومهما يكن فإن أوروبا التي حققت على طريق اتحادها جملة من الأهداف المشتركة فإنها لاتزال بحاجة ماسة إلى "العم سام" رغم أن الأوربيين اجمالا غير راضين البتة عن سياساته الخارجية ولايحسدون الانسان الأمريكي على طريقته في الحياة أو على مستوى معيشته، بل يعتبرون أمريكا متخلفة عنهم من الناحية الثقافية والاجتماعية... والأوربيون بحاجة إلى الناقلات الجوية العملاقة للولايات المتحدة الأمريكية – مثلا – وإلى معلومات أقمارها الصناعية فيما إذا أضطرت إلى نقل قواتها العسكرية من قارة إلى قارة...

وهكذا فإن اهمال الدور الأمريكي في مجمل عمل المعارضة السورية لن يخدم هذه المعارضة بقدر ما يضر بها، ولكن اقامة العلاقات مع دولة عظمى ولها سياسات متعارضة مع المصالح الوطنية السورية في بعض النقاط الهامة، ليس بالأمر الهين وانما يقتضي حكمة وخبرة وقدرة على تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والولية، إلا أن الدخول في دائرة العداء التام لدولة عظمى من وزن الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين الشعبية أو روسيا أو الاتحاد الأوربي لن يجلب لبلادنا وللمعارضة الوطنية والديموقراطية السورية الضعيفة أصلا، سوى مزيد من المتاعب والانتكاسات التي هي في غنى عنها...

العولمة:

إن أهم شكل من أشكال العولمة هو "الثورة المعلوماتية" التي ساهم الحاسب الالكتروني (الكومبيوتر) في اندلاعها وتوسع نطاقها بحيث شملت العالم كله، وبقدر ما تهبط أسعار الحاسبات وتتطور برامجها، يزداد الاتصال بين البشر قوة وسرعة وانتشارا... وها نحن نرى العالم يتحول في أقل من أربعة عقود من الزمن إلى "قرية كبيرة" تكاد لاتمر شاردة ولا واردة إلا ويعلم بها معظم سكان الأرض قاطبة في فترة وجيزة من الزمن.

أثر هذا تأثيرا بليغا في نقل المعلومات ايجابا وسلبا، فمن ناحية تتوسع آفاق العلم والمعرفة باضطراد من خلال تمكن الناس، حتى أفقرهم أيضا، من التذود بالمعلومات الوفيرة التي كان يصعب عليهم الوصول إليها سابقا، فجلبها الكومبيوتر إلى قراهم ومساكنهم ووضعها في متناول أيديهم في أي وقت يشاؤون، ولكن في ذات الوقت حققت هذه الثورة المعلوماتية للأجهزة الاستخباراتية لمختلف الدول والجهات الأمنية والاقتصادية والنفسية الدخول إلى عالم الفرد والتعرف على أسراره ونمط تفكيره واهتماماته العامة والخاصة وبالتالي التأثير الفعال فيه من خلال الحملات الدعائية المستمرة الواسعة بهدف كسبه لشراء ما يراد بيعه، أو لتغيير سلوكياته في القراءة واللعب والاستمتاع... هذا "التهجين الكبير" لبني البشر من خلال الكومبيوتر ربما لم يصل بعد إلى درجة شاملة على النطاق العالمي، نظرا لوجود معوقات مالية وفنية وأنظمة البروكسي المانعة، وبسبب تفشي الجهل في العالم الثالث، وبخاصة لدى النساء والمسنين في العمر، إلا أن العالم كله يتجه صوب هذا التهجين الذي سيترك بصماته على الأجيال القادمة، وبالتالي يخلق ثقافة عالمية مشتركة تقوم على أساس تقديس الأفكار والقيم التي تتبناها الأسواق التجارية والدول المتقدمة صناعيا ذات السياسات التي تخدم شرائحها المالكة لمختلف أسباب القوة والثروة وتحدد الاطار العام الذي يجب أن يتحرك فيه الانسان دون أن يقدر على التغيير في مجرى توزيع الثروة أو في نوعية الثقافة الاستهلاكية اللااجتماعية...وهذا كله يؤثر تأثيرا قويا في السلوك السياسي للإنسان أيضا، والعمل في وحدة سياسية من أجل احداث تغيير ما في مجتمع من المجتمعات متأثر بعقلية السوق التي تفرضها المؤسسات الدعائية له شئنا أم أبينا، وهذا سيكون عائقا في عمل المعارضة الديموقراطية والوطنية السورية أيضا، ولايستطيع إلا جاهل تناسي دور "الثورة المعلوماتية" سلبا أو ايجابا في معارضتنا السورية، وهذا ما يجب أن يكون واضحا لكل من يعمل على تطوير هذه المعارضة...

فشل الدكتاتوريات والبورجوازيات الوطنية:

على أثر انهيار المعسكر الشيوعي وظهور النظام العالمي الجديد الذي رافقه تعاظم شأن العولمة وازدياد فعالية الثورة المعلوماتية خاصة في شتى أنحاء العالم، فإن الدكتاتوريات العسكرية التي فشلت في تحقيق أي هدف من أهداف الشعوب في تحسين انتاجها وافساح المجال أمام تصدير منتوجاتها والتوزيع العادل للثروة الوطنية (العدالة الاجتماعية) واشاعة الأمن والاستقرار في البلاد، قد تعرضت لمزيد من الهزات القوية، حيث أطيح ببعضها، وأضعف بعضها الآخر، ودخلت البورجوازيات الوطنية التي كانت تعول على هذه الدكتاتوريات في أزمات خانقة، بحيث لم تعد قادرة على الدفاع عن قيمها ومثلها القومية والوطنية بالشكل الذي كانت عليه في الربع الأخير من القرن الماضي، ونرى ذلك بوضوح تام في العالم العربي، حيث الفشل في تحقيق شعارات الوحدة والحرية التي حملتها البورجوازية العربية، ونرى فشل الدكتاتوريات العسكرية في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية والجنوبية بشكل سافر، وذلك بعد أن تمكنت شعوب أوروبا الشرقية من اسقاط دكتاتورياتها الطبقية واحدة بعد الأخرى بثورات برتقالية ومخملية وتضامنية وغيرها، وخفت معها النزعات القومية الصارخة، إلا أنها بسبب ضعف القوى التي حققت الثورات السلمية فيها قد وقعت في شباك العولمة فأصبحت من ضحاياها وصارت أجزاء تابعة ونجوما صغيرة تدور في فلك الكوكب الكبير للنظام العالمي الجديد، ولن تتمكن بسهولة من الانفكاك عنه مهما كانت الدعوات الوطنية صارخة وقوية بعد الآن في تلك البلدان.

ويجدر بالذكر هنا أن على المعارضة السورية الاستفادة تماما من مختلف الثورات الشعبية كالثورة البرتقالية والمخملية وثورة التضامن في أوروبا الشرقية، حيث تفادت اراقة الدماء وتمكنت من انتزاع الحكم من الأنظمة الشيوعية القمعية، وهذا ما يحاول بعض الخبراء والنواب الأوربيين فرضه على المعارضات العربية من خلال لقاءاتهم بها، كما حدث في مؤتمري استانبول السابقين في الأعوام الأخيرة، إلا أن الأوضاع في أوروبا الشرقية تحت ظل الأحزاب الشيوعية تختلف إلى حد كبير من أوضاع الشرق الأوسط، ففي حين اهترأت معظم القيم الشيوعية لدى تلك الشعوب التي كانت تريد الحرية أولا وأخيرا، فإن شعوب الشرق الأوسط ما تزال تؤمن ببعض القيم التي تتأبطها الأنظمة الاستبدادية ذاتها وتدافع عنها بقوة، وفي مقدمتها "الوحدة العربية وتحرير فلسطين"... والشعور بالغبن التام تجاه سياسة ما نسميه بالعالم الحر – الديموقراطي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن.

وهذا ما يقرب – أحيانا- بين كتلتي الصراع (النظام والمعارضة)، بل تنطبق مواقفهما في بعض المسائل تماما مما يشوش على الجماهير في المسائل الأخرى، ويتساءل بعض الناس:" لماذا لايتفق طرفا الصراع بدل الخصام؟"..

قضت العولمة على المونوبول الحكومي للنظم الشمولية في مجال الاعلام، وبالتالي سهلت لمنظمات حقوق الإنسان الوطنية (الاقليمية) والقوى المعارضة الداعية للحرية والديموقراطية أو للاسلمة (في العالم الإسلامي) مهام تواصلها فيما بينها ومع المنظمات الدولية والحكومات أيضا، وبالتالي ازدادت اطلاعا على الشؤون اليومية لشعوبها وصارت أشد قوة على التأثير في سلوكياتها ومواقفها تجاه الأنظمة المستبدة بها...طبعا لاتزال هناك عوائق في هذا المجال، إلا أن جدار الصمت والتعتيم الإعلامي والتفرد بوسائل الاعلام قد اصيب بشرخ عظيم، ولم يعد باستطاعة الفراعنة أن يقولوا بعد اليوم:"لا أريكم إلا ما أرى...!" والمعارضة السورية شأنها في هذا المجال شأن المعارضات الأخرى، تخترق كل يوم حاجزا على أثر حاجز، وبالتالي ستنافس النظام الحاكم في حقل الاعلام، بل إنها قادرة من خلال شبكة واسعة من المواقع الالكترونية والبلوغز والايميلات الخاصة لمنتسبيها في شتى أنحاء العالم، وكذلك التابعة للأحزاب والمنظمات المختلفة، من احباط مختلف المحاولات الحكومية لاستغباء الجماهير وارهابها اعلاميا والتعتيم على جرائمه ومساوئه من خلال عروضها الرديئة وكبتها للحريات الصحافية وتقبيحها صورة العالم الحر – الديموقراطي يوميا مقابل سياسة تلميع صورتها الكالحة والباهتة الألوان والترقيع المستمر لنظام حكمها الفاشل على كل الصعد، وعرض معلومات واحصاءات واستفتاءات مضللة وغير صحيحة، وتسخير جيش من العملاء والمرتزقة لتمرير سياسات معادية لحرية الشعب...

وحيث أن الاعلام أقوى سلاح في أيدي المعارضة للاتصال بالجماهير، لذا فإن النظام الشمولي سيقوم بكل ما أوتي من قوة وبشتى السبل لاجهاض محاولات المعارضة لتطوير هذا السلاح الهام، وهذه النقطة يجب أن لاتغيب عن بال زعماء وقادة المعارضة السورية، وعليها أن تقضي على سياسة الاستفراد الاعلامي للنظام، تلك السياسة التي رافقته منذ قيامه في ستينات القرن الماضي وإلى اليوم وعمل منع الشعب السوري من التمتع بها بحرية...

أزمة الغلاء عالميا:

الملياردير الأمريكي ريتشارد راينووتر (65 عاما) من ولاية تكساس (الفقير نسبيا حيث يمتلك 3 مليارات دولار فقط) كان قد حذر في مجلة (فورتونى) من مغبة السكوت عن الارتفاع الشديد في أسعار الوقود والمواد الغذائية من قبل الدول الثمانية الغنية في العالم، وقال بأن "مصير البشرية متعلق بذلك..." إذ ارتفع سعر البرميل الواحد من البترول الخام من (20) دولارا في عام 1997 إلى (144) دولارا في الوقت الحالي، وبرأيه إن تعرض الاقتصاد العالمي قد يتعرض إلى كارثة... وهذا ليس ببعيد فقد تعرض قطاع العقارات في أمريكا – مثلا – إلى ضربة قاصمة منذ ثلاث سنوات، مما أدى إلى نتائج وخيمة للغاية للبنوك ومؤسسات التأمين.
وإذا ما نظرنا إلى الخريطة العالمية لوجدنا غلاء رهيبا يعصف بالعملات الوطنية ويضر بالنظم الاجتماعية – السياسية ويثير الاضطرابات والقلاقل، مما يعرض مسيرة الديموقراطية في العديد من بلدان العالم الثالث الأقل صمودا من الدول الصناعية الثرية والتي لها أرصدة مالية كبيرة في وجه ارتفاع الأسعار... وحتى في بلدان متقدمة كألمانيا الاتحادية فإننا نلاحظ خوفا كبيرا ارتسم على وجوه المسؤولين والمواطنين من تدهور الأحوال صوب الأسوأ نتيجة الغلاء المستفحل في كل المجالات، وبخاصة في مجالي الوقود والمواد الغذائية، فقد ارتفع سعر الوقود الخفيف للتدفئة خلال العام الأخير بنسبة 57% والبنزين الجيد بنسبة 14% والغاز الطبيعي بنسبة 13%، مما دفع بعض الناس إلى ترك عرباتهم في الكاراج واستخدام باصات وترامويات المدينة وعدم استخدام أجهزة التدفئة في الشتاء القارس إلا نادرا...بل إن في لندن (عاصمة الامبراطورية البريطانية البائدة) أناس يقضون نحبهم شتاء لعدم تمكنهم من تدفئة أنفسهم بالشكل اللازم، ومع ازدياد الاستهلاك العام في الصين الشعبية للمواد البترولية بسبب التزايد المستمر في اقتناء العربات وأجهزة التدفئة والاستحمام (حاليا: 8 برميل يوميا من الوقود مقابل 21 مليون برميل يوميا في الولايات المتحدة)، فإن أحدا من خبراء الأسواق البترولية لايتوقع حدوث انخفاض في أسعار الوقود مستقبلا.

وصل انهيار أسعار العملة مقابل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود (الانفلاسيون) في الهند التي تتقدم بقوة نحو الأمام كدولة عملاقة حققت انجازات عديدة مؤخرا إلى 11.6 %ن وفي باكستان الجارة لها إلى 19.3 % وفي ايران المصدرة للنفط إلى 20.2 %، بينما وصل إلى 15% في كل من روسيا وبلغاريا وصربيا، وفي الفيتنام إلى 25%، وحيث يضطر المواطنون إلى التضحية بما يقارب 75% من رواتبهم وأجورهم للحصول على المواد الغذائية، وفي بعض البلدان الفقيرة كبنغلاديش وصل سعر ليتر المازوت إلى 80 سنتا أمريكيا، وهذا سعر رهيب يدفعه شعب فقير حقا (58 مليون بنغالي من أصل 145 مليونا يحصلون على أقل من دولار واحد يوميا من العمل الشاق لساعات طويلة في يومهم)، في حين حدثت مشاكل واضطرابات في تايلاند ودول عديدة في أمريكا اللاتينية والجنوبية...وفي أكثر من 50 دولة أخرى في العالم إلى أكثر من 10%، وضعفت قوة الشراء في العديد من الدول مثل أثيوبيا وفنزويلا إلى 30 %، وحتى في ألمانيا المتقدمة صناعيا والثرية فإن على العاطلين عن العمل أن يعيشوا ب 264 يورو بعد أن كانوا يحصلون على 378 يورو في أقل من عام واحد، وهذا مبلغ ضئيل جدا في وقت ترتفع فيه الاسعار بشكل فاحش.
ويعترف خبراء المال بأن الدول الغنية الثمانية تخاف من الحديث بجدية عن هذه المأساة العالمية التي أحد أهم أسبابها هو المضاربة بالوقود والمواد الغذائية دون رقابة وتنظيم من قبل الحكومات، وأن هذه الدول مسؤولة عن انقاذ العالم من كارثة غذائية كبرى، وبخاصة فإن مساحات الزراعة تتضاءل، وجزء كبير منها يخصص من قبل الشركات الباحثة عن مزيد من الأرباح لصالح زراعة المرزوعات التي تفيض عليهم بالزيوت المستخدمة بدلا عن الوقود الذي لن يكفي لتغطية الحاجة الدولية، وهي حاجة يومية كبيرة تصل إلى حدود 84 برميل يوميا...أي أن الأسعار ستتحرك نحو الأعلى مما يؤدي إلى استخدام مساحات زراعية أكبر للمزروعات الزيتية وبالتالي يتناقص حجم الانتاج الغذائي عالميا، فيتحول ذلك إلى أداة ساحقة لماليات الأمم التي ستصرف معظم أرصدتها المالية في سنوات قلائل لتأمين الغذاء الضروري لشعوبها...
إن الاضطراب الكبير في مجال الأسعار، وبخاصة (القمح، الرز، الوقود) الآن ستكون له نتائج سلبية جادة بالنسبة للاستقرار والأمن، وبخاصة في بلدان العالم الثالث، وسيعرقل التوجه صوب الديموقراطية، مقابل تناقض صارخ في السياسات المالية بين الولايات المتحدة وأوروبا (البنك الفيدرالي الأمركي يخفض من نسبة الفائدة والبنك المركزي الأوربي يرفع الفائدة في الوقت ذاته) ولذا لابد من العمل معا، على المستوى العالمي، من أجل: رفع وتيرة الانتاج الغذائي بدعم الفلاحين وتأمين حياتهم ومساعدتهم في استغلال الأرض بشكل أفضل، والتقليل من التأثيرات السلبية للكوارث الطبيعية والتصحر والنتائج السلبية للتحولات الكبرى في المناخ، والتأكد من أن المساعدات والأغذية الممنوحة والمواد الكيميائية والأدوية والأسمدة للبلدان الفقيرة تصل إلى المحتاجين إليها فعلا، وارغام بعض الدول على تسهيل التصدير للمواد الغذائية وتوسيع الاستثمار في مجال الزراعة وانتاج اللحوم من قبل الشركات الرأسمالية، حيث يزداد التهام اللحوم يوما بعد يوم، وبخاصة في الصين التي نرى أن المطعم رقم (1000) لشركة ماكدونالد قد افتتح مؤخرا، وهذا يعني تغيرا واضحا في السلوك الغذائي للصينيين –كمثال عالمي-... وقبل كل شيء يجب وضع سياسة دولية صارمة لرقابة الأسواق المالية (البورصات) لأنها هي المسؤولة الأولى عن تدهور الأوضاع الغذائية والبترولية في الأسواق العالمية والوطنية لمعظم دول العالم...

لذا ليس هناك عاقل يتصور وجود معارضة سياسية سورية لاتتأثر كالنظام الذي تعارضه بما يجري في عالمنا المعاصر، ومن الضروري وضع خطة ملائمة لمواجهة احتمالات المستقبل المختلفة، حيث الوضع المتردي، الغذائي والبترولي خاصة، سيدفع بالجماهير الجائعة والكادحة إلى مزيد من المواقف الساخنة في صراعها مع النظام الذي وضع الثروة في أيدي فئة قليلة من رجاله وأتباعهم وعملائهم...والنظام سيتحرك بما تبقى لديه من قوة في محاولة منه لخنق الأصوات الرافضة لسياسة تجويع الشعب وتركه دون وقود أو تدفئة في الشتاء القادم, وهذا يعني أن الصراع في الشارع السوري، وبخاصة في الأحياء الفقيرة سيزداد حدة، وقد يتحول إلى عنف دموي، من جهة النظام لخوفه من انفلات الوضع الأمني الذي سيؤدي إلى سقوطه، ومن جهة المواطنين الذين لم يعد بامكانهم تحمل وزر سياسات النظام، أضافة إلى نتائج الأوضاع الغذائية والبترولية السيئة للغاية على الصعيد الدولي.

فقدان التوازن الاجتماعي ونمو التطرف الديني والارهاب الانتحاري:

نلاحظ في البلدان المتقدمة أن الحديث عن ضرورة صون "التوازن الاجتماعي" يأخذ حيزا هاما من وقت الخبراء الاجتماعيين والسياسيين، وأن هناك تحرفا صوب اليسار في الآونة الأخيرة، بعد أن دفعت الرياح بسفينة الجماهير على أثر انهيار المعسكر الشيوعي صوب اليمين لفترة من الزمن، ويزداد عدد أعضاء الأحزاب اليسارية في حين ينخفض عدد أعضاء الأحزاب المحافظة والاشتراكية – الديموقراطية التي تبنت بحكم الظروف الدولية سياسات متواطئة مع سياسات الأحزاب المحافظة وعقدت معها جبهات وتحالفات، لاتدري كيف تتخلص منها الآن حتى لاتفقد الشارع (وهذا ما تطرقنا إليه في مقال خاص بالكردية قبل أسبوع من كتابة هذا التقرير)... ففقدان التوازن الاجتماعي يقود في سائر المجتمعات، سابقا واليوم ومستقبلا، إلى اضطرابات اجتماعية وظهور قوى وتنظيمات متطرفة، سياسيا وفكريا، وتستخدم الدين في معظم الأحيان، بل منها ما يزعم بأنه يحمل رسالة إلهية تم تكليفه بها لانقاذ البشرية، كما فعل أدولف هتلر الذي استغل ظروف فقدان "التوازن الاجتماعي" وارتفاع الأسعار والعطالة المتفشية، واحتكار حفنة من الرأسماليين وأمراء الحرب أموال الشعب الألماني في أيديهم... كان أدولف هتلر يستغل الدين استغلالا بشعا في سبيل تحقيق مآربه الشيطانية المدمرة، ومثله كثيرون في التاريخ البشري...

ساد الارهاب في العصور القديمة في أنحاء مختلفة من الأرض، ومن صوره الارهاب القومي والديني أو كليهما معا، كارهاب آل فرعون لبني اسرائيل ولشعب مصر (لا أريكم إلا ما أرى)، والارهاب الجماعي لأصحاب الأخدود ضد المختلفين عنهم في العقيدة، وارهاب الجماعات التي كانت تغتال الأنبياء والصالحين كحركة السكاريين اليهودية (66-73م) وحركة الخوارج والحشاشين في دولة الخلافة الإسلامية، وارهاب المنظمات الأوربية قبل وبعد الثورة الفرنسية، والارهاب الطبقي كالقتل الجماعي لعائلة نيكولاي رومانوف آخر القياصرة الروس بقرار زعماء الحزب الشيوعي السوفييتي أثناء فترة حكم فلاديمير لينين، وما تلاه من ارهاب منظم للعديد من المنظمات المختلفة كمنظمة الهاغانا الاسرائيلية، وأيلول الأسود الفلسطينية، وبادر ماينهوف الألمانية، والألوية الحمراء الايطالية، وجيش التحرير الايرلندي، ومنظمة الباسك الانفصالية، وجماعات التكفير والهجرة المصرية التي كانت المدرسة الأولى التي تربت فيها منظمات أخرى لاتزال فعالة ونشطة على مستوى العالم، وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة" الشهير... وهناك أكثر من خمسين منظمة وحزب في العالم في "اللائحة السوداء" التي يعتبرها العالم الحر – الديموقراطي خطيرة على السلم العالمي وعلى دمقرطة البلدان التي تعاني من أنظمة دكتاتورية أو استبدادية تمارس الارهاب أيضا...ويجدر بنا أن نذكر هنا المذابح الكبرى في تركيا ضد الشعب الأرمني من قبل الطورانيين الترك، ومذابح رواندا الأفريقية والأنظمة الشيوعية في جنوب شرقي كنظام بول بوت الدموي وما ارتكبه نظام البعث العراقي في ظل صدام حسين ضد الشعب العراقي عامة وشعب كوردستان خاصة من مجازر، وما ارتكبه البعث السوري في ظل حافظ الأسد بحق الشعب السوري في ثمانينات القرن الماضي خاصة...
واشتهرت أوروبا المسيحية في تاريخها بارهاب واسع النطاق، مارسته الدول تحت رعاية الكنيسة وباعترافها مؤخرا، سواء ضد منتسبي الأديان الأخرى، كما حدث لليهود والمسلمين في اسبانيا في القرون الوسطى، وكما حدث لليهود والغجر في ألمانيا النازية، أو ضد منتسبي الطوائف المسيحية نفسها وبشكل فظيع للغاية، كما حدث في فرنسا وانجلترا وألمانيا وروسيا قبل قرون...إضافة إلى ابادتها لشعوب كاملة أو معاملتها معاملة فظة ولاتليق بالانسانية، كما حدث للشعوب الأصلية في القارة الأمريكية أو في المستعمرات الآسيوية والأفريقية للدول الأوربية...وآخرها كان الارهاب الشنيع ضد مسلمي البوسنة والهرسك من قبل النظام السيء الصيت لميلوزوفيتش الصربي، حيث تم تقديمه والعديد من جنرالاته ورجال حكمه إلى المحكمة الدولية في لاهاي بسبب جرائمهم بحق الإنسانية...

لذا فإن مقولة "الارهاب لادين ولا وطن له" صحيحة، ومخطىء من يزعم أنه منتوج "اسلامي" خاص بالمسلمين، بل نرى آثاره واضحة في كل العصور والبلدان. فهل تم اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي والزعيم الهندي الكبير غاندي وزعيم السود مارتن لوثر كينغ والسياسي الاسرائيلي اسحاق رابين على أيدي مسلمين؟...وهل يمكن نسيان العمليات الارهابية التي حدثت في ايرلندا والباسك وكورسيكا لسنين طويلة، حيث لعبت الطائفة أو القومية أو النزاع على الأرض والهوية دورها بين أبناء الدين الواحد؟
سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية – الفكرية فإن "الإسلام" يرتبط منذ أن دب الوهن والمرض في جسد الدولة العثمانية بالتخلف وبكل المساوىء الأخرى، وآخرها الغلو والتطرف والإرهاب، في حين أن العالم كان يتعلم من المسلمين قبل قرون خلت في سائر المجالات العمرانية (الأندلس) والثقافية (تأثر الشاعر الألماني غوتى بالآداب الإسلامية) والسياسية (سماحة ورحمة السلطان صلاح الدين الأيوبي التي لاتزال على ألسنة الأوربيين) والفكرية أو العلمية (الآثار الهامة لابن خلدون وابن سينا والرازي...وغيرهم) كأمثلة ...

ولاينكر أن لسوء تفسيرات وتأويلات المدارس المنغلقة فكريا للنصوص القرآنية والأحاديث الشريفة دور كبير في تفشي التطرف "الإسلامي!" و الإرهاب "الإسلامي!" على المستوى العالمي... والإرهاب حسب تعريف عربي اسلامي لأكثر من مائة شخصية (أنظر وثيقة مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن) هو:"استخدام غير مشروع للعنف، أو تهديد باستخدامه ببواعث غير مشروعة، يهدف أساسا إلى بث الرعب بين الناس، ويعرض حياة الأبرياء للخطر، سواء أقامت به دولة، أم مجموعة، أم فرد، وذلك لتحقيق مصالح غير مشروعة، وهو بذلك يختلف كليا عن حالات اللجوء إلى القوة المسلحة في اطار القوة المشروعة..."

وحسب المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي (مكة المكرمة، الدورة 16/2002م) هو:"العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الانسان (دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه) ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة، واخافة السبيل، وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذا لمشروع اجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى القاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بايذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه الحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأموال العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر."
ويقول البروفيسور دكتور محمد صالح كابوري في (البصائر) عن الإسلام:"...ودين المسلمين ظاهره الإسلام بمعنى السلام، وباطنه الإيمان بمعنى الأمان. والدين في حقيقته يعني المعاملة الحسنة مع الجميع، وفي الحديث أن الدين المعاملة، وأن الله قد كتب الإحسان في كل شيء، وأن الخلق -والإنسان بينهم- كلهم عيال الله أقربهم إلى الله أنفعهم لعياله." ثم ينتقل إلى "الإرهاب" فيتساءل:"فكيف تحول أو يتحول هذا الدين إلى إرهاب؟ وكيف تحول أو يتحول أتباعه إلى إرهابيين؟" ولكنه يجيب قائلا:"الحق أنه يوجد إرهاب إسلامي ويوجد إرهابيون مسلمون، قال الله تعالى ﴿وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم﴾ وقال الرسول عليه الصلاة والسلام (نصرت بالرعب مسيرة شهر)، ولكن هذا الإرهاب أو الإرعاب في الكتاب والسنة ليس موجهاً لكل أحد بل هو موجه إلى الظالمين المعتدين كرد للفعل ومعاملة بالمثل ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾ ﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا﴾..وسبق أن أخطأوا في مفهوم الجهاد قالوا الجهاد قتال الكافرين وليس قتال الظالمين المعتدين، وقاموا بإلغاء الحرية الدينية وقتلوا المرتد الذي يبدل دينه. ولم يقتصر الأمر على الكافرين المعروفين بل تعداهم إلى الفرق العقدية والطرق الصوفية والمذاهب الفقهية الإسلامية فأفتوا بتكفيرهم وقاموا بمقاتلتهم."
أما الدكتور عبد الرحمن اسبينداري فيقول في الصفحة 22 من كتابه (الإرهاب من منظور قرآني) بصدد الآية الكريمة (الأنفال: 60) التي ذكرناها آنفا بأنه :"لم يستعمل القرآن الجانب السلبي من الكلمة في سياق يفيد المدح، ولم يأمر المسلمين بترجمته إلى عمل، بل المتتبع لآياته يجد أنها تأمر المسلم بالابتعاد عن كل ماله وشيجة بمفاد الجانب السلبي للكلمة من حرمة الاعتداء على الآخرين، أو البغي عليهم، أو القتل...الخ، بل هو منهي حتى عن سلوك أفعال مآلها الولوج في الجانب السلبي للمصطلح من الغلو في الدين والتطرف فيه..."(أنظر الطبعة الأولى – مطبعة هاوار – كوردستان – دهوك – 2006م).
إن اهلاك الحرث والنسل فساد في الأرض (والله لايحب الفساد) (البقرة: 205)... والغريب العجيب أن بعض المغرضين يعود باستمرار إلى آية (الأنفال:60) لتبرير قوله بأن "الإسلام يدعو للإرهاب!" رغم أن الآية صريحة في الدعوة إلى بناء القوة التي ترهب العدو وتردعه، كما يجري الحديث بين الاستراتيجيين عن (الردع النووي) في هذا العصر، وعلى الرغم من وجود أكثر من مائة آية في القرآن الكريم تدعو إلى السلام (السلم) فلا تذكر كل تلك الآيات لدى الحديث عن موقف الإسلام من الارهاب، ومنها الآية (61) التي تليها في السورة مباشرة (وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم)(الأنفال:61).. فالأصل هو السلم وليس الحرب، وانما الحرب ضرورة لردع المعتدين وكسر شوكة الظالمين ولحماية المستضعفين في الأرض وليس لبث الرعب في قلوب الأبرياء من البشر من خلال الأعمال الارهابية الشنيعة النكراء...
طبعا هناك من بيننا مسلمون يعملون على فرض عقيدتهم على غيرهم بالقوة، ويرون ذلك من حقهم، بل يفكرون بأنهم يقومون بعمل يرضي الله سبحانه وتعالى، مع أن القرآن الكريم صريح وواضح في هذا المجال:
(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)
(الكهف: 29)
(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (يونس:99)
(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين)
(هود:118)
إن أسباب الارهاب الفكري المتجذر في تاريخنا نحن المسلمين عديدة، كما هو متجذر في تاريخ أصحاب الديانات الأخرى، منذ عهود التضحية بالقرابين البشرية ارضاء لآلهة خرافية، وهذا الارهاب الفكري القائم على تصورات خاطئة هو الغذاء الأساسي للعديد من المنظمات الارهابية التي تعتقد بأنها البديل السياسي عن الأنظمة القمعية والمعارضات الديموقراطية على حد سواء، بل هي تكافح التيارات الإسلامية المعتدلة أيضا، ويروج لفكرها الشاذ هذا بعض المشايخ الذين يجدون في "الغلو والتطرف" جمرات النار التي يحتاجون إليها لتسعير الصراع داخل المجتمعات الإسلامية، ويظنون بأنهم يخدمون بذلك دينهم ويحققون منتوجا لمجتمعاتهم، ولكن في الحقيقة فإنهم يضرون بالإسلام والمسلمين ولايجلبون سوى الهزائم والنكسات والانقسامات والانحرافات، ولذا نرى أن بعض هؤلاء عاد لينكر على المنظمات التي كان يغذيها بأفكاره المنحرفة ما قامت به من اغتيالات ومذابح وتدمير في شتى أنحاء العالم وما تقوم به حتى الآن ويظهرون ندمهم ويدعون غيرهم للتخلي عن الإرهاب كوسيلة من وسائل نشر العقيدة...

وفي سوريا التي ينعدم فيها "التوازن الاجتماعي" الضروري لتماسك المجتمع وتضامنه، وحيث يزداد قمع النظام بشكل سافر يوما بعد يوم، فإن بعض الأعشاش المنحرفة تحتضن وتفرخ بعض أشباه التنظيمات الإرهابية التي يحتاج النظام إلى تفقيس بيوضها لأسباب تكتيكية، فيظهر نفسه وكأنه المستهدف حقا من قبل الإرهابيين "الإسلاميين!" وأنه المدافع عن "الحرية والديموقراطية والمدنية" في المنطقة وأنه الكاشف عن "بؤر الإرهاب الإسلامي!" للدول والحكومات التي تحارب هذه الاتجاهات...

وبقدر ما يضعف الإسلاميون المعتدلون والرافضون للإرهاب جملة وتفصيلا، يشتد ساعد هذه المنظمات الصغيرة التي تفسر الدين كما تشاء وتحاول زرع فتن كبيرة في المجتمع السوري، مستغلة "الطائفة المستضعفة!" ضد تسلط "الطائفة المنحرفة!" ومتذرعة بأن النظام يلجأ إلى الإرهاب وهذا يمنحها الأسباب الموجبة لممارسته ضد كل من يخالفها، حتى ضمن مجموعاتها بذاتها... وهذا ما رأيناه في العراق في السنوات الأخيرة الماضية، حيث شرع الإسلاميون المتطرفون بمحاربة بعضهم بعضا بدعاوى عقيدية تتحارب حول ذات النص القرآني الصريح الواضح...

وعليه يجدر بالمعارضة السورية، الديموقراطية والوطنية، مناقشة موضوع الإرهاب الذي يستغل اسم الدين الإسلامي استغلالا سيئا، في جو هادىء من الحوار الصريح، بهدف اقامة سد منيع أمام الاتجاهات الضارة للمجتمع السوري، وهذا يعني انفتاحا متبادلا بين الديموقراطيين والإسلاميين المعتدلين على بعضهم بعضا، وتجاوز صغائر الأمور، وعدم اقصاء أي طرف يفكر بطريقة أخرى، طالما لايستخدم العنف ضد الآخرين ولايدعو إلى استخدامه بذرائع آيديولوجية أو دينية ك"الثورة الطبقية" أو "الجهاد" الذي بينا بأنه يكون ضد الظالمين وليس ضد الآخرين المختلفين دينيا أوفكريا، في وقت يمكن حل مختلف المسائل ضمن صفوف المعارضة عن طريق الحوار والتلاقي...

خطر العودة إلى الحرب الباردة:

هناك منذ عدة سنوات من يصف المرحلة الحالية بأنها مرحلة "الحرب الباردة الثانية"، وهناك من يقول بأن العالم يتجه مجددا نحو "الحرب الباردة" ثانية، ومن حيث الجوهر لانرى اختلافا كبيرا بين الرأيين، والمهم هو أن العلاقات الجيدة التي كانت بين الادارة الأمريكية في عهد جورج بوش الأب وبين كل من غورباتشوف ومن بعده يلسين الروسيين قد ساءت، وبخاصة في الفترة الأخيرة من حكم الرئيس الروسي السابق بوتين، الذي يقال بأنه أراد العودة إلى سابق قوتها العسكرية لتحافظ على مركزها الدولي كقطب ثان في العلاقات الدولية الشائكة، وسلاحه الأكبر في ذلك هو الغاز الطبيعي والسوق الروسية الاستهلاكية الواسعة، وبعض الاحتياطي المتبقي من الوقود النووي والذهب... وشيء من البترول.

وحقا، فقد حاول بوتين التصدي للطموحات الأمريكية الاقتصادية الكبيرة في البلدان المنفصلة عن الاتحاد السوفييت المنحل، ولمساعي الادارة نصب شبكة من صواريخها الدفاعية لمجابهة الأخطار المحتملة من الصين الشعبية ومن "الدول المارقة"، واستمرارها في دعم الحركات الانفصالية القومية في بعض الأنحاء التي تعتبرها روسيا خطوط تماس لهيمنتها الاستراتيجية، والضرب بشدة على وتر "حقوق الإنسان" الذي يقلق زعماء موسكو...وكذلك المحاولات المستمرة للادارة الأمريكية لفرض رقابتها الوطنية على السلاح النووي الروسي من خلال اتفاقيات تعتبرها الحكومة الروسية سعيا أمريكيا حثيثا لتثبيت أقدام "الناتو" في مناطق نفوذها...وقد صرح الرئيس الروسي الحالي ميديديف الحذر في تصريحاته بأن الولايات المتحدة الأمريكية تسير بسلوكيات ادارتها تجاه ما يجري في جيورجيا والحرب التي نشبت مؤخرا هناك صوب "الحرب الباردة" في حين تتهم وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس السياسة الروسية الحالية بأنها تؤجج الحرب ضد جيورجيا وتقود روسيا إلى عهد جديد من "الحرب الباردة"...وتعني بذلك مد روسيا لايران بكثير مما تحتاج إليه من المواد الضرورية لبناء ترسانتها الصاروخية والنووية، ومحاولتها بناء قاعدة عسكرية روسية في سوريا على شاطىء المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط، واتخاذ مواقف متعارضة في معظم الأحيان مع ما تعرضه الولايات المتحدة من مشاريع على مجلس الأمن الدولي...
ومهما يكن، فإن "الحرب الباردة" تصب في خانة الدكتاتوريات العسكرية والنظم القمعية التي استفادت في الماضي وستستفيد من توتر العلاقات السياسية والديبلوماسية بين الشرق والغرب عامة، وبين روسيا والولايات المتحدة خاصة...

إن ترك الحبل على الغارب من قبل المعارضة السورية في مجال العلاقات الدولية يخدم بقاء النظام ويطيل من أمد حكمه، لذا فإن من الضروري الانتقال إلى ألوان مناسبة من المواجهة السياسية والديبلوماسية على صعيد العلاقات الدولية لانتزاع المبادرة من النظام ومنعه من الاستفادة بالشكل الذي يرتأيه من تطور النزاعات إلى حد الاستفادة التامة من أجواء شبيهة بزمن "الحرب الباردة" السابقة بين المعسكرين الكبيرين..

بعض مشاكل المعارضة السورية:
مما لاشك فيه أن كل أطراف المعارضة السورية تعاني من مشاكل مالية، وتصطدم بالحواجز القانونية التي وضعها النظام القمعي فمنع بها العمل السياسي واعتبره جريمة واقعة على أمن البلاد أو اعتبره محاولة لتقسيم البلاد وزعزعة الاقتصاد وخرق الدستور واثارة النعرات الطائفية، وكل هذا "العلاك" الذي لاطائل تحته ولايؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان في سوريا "الحضارة والتاريخ الناصع للمدنية!"...وهناك تواجد عدد كبير من المعارضين من مختلف التيارات والاتجاهات خارج البلاد، أضطروا لظروف موضوعية وذاتية وبسبب القمع المستمر وخنق الحريات إلى ترك وطنهم ليعيشوا في المهاجر بقية حياتهم. هؤلاء المعارضون لايستطيعون الاحتكاك المباشر بالشارع السوري ليشرحوا مايريدون شرحه لشعبهم، ولذا فإن هذه المشكلة تكاد تكون عامة يعاني منها مختلف فصائل المعارضة الديموقراطية والوطنية السورية... ولكن هناك مشاكل هامة وعميقة أخرى لابد لنا من المرور بها بسرعة، قبل أن نختم موضوعنا هذا:
أولا- مشكلة القيادة:

هناك بلا شك قيادات متمرسة في النضال تقود أجنحة وجبهات وتحالفات المعارضة السورية، ولكنها مشتتة، منها ما يعيش في الخارج ومنها من هو في السجون والآخر يتحرك بحذر مخافة القضاء عليه و تصفيته جسديا أو زجه ردحا طويلا من الزمن...ولكن حتى الآن ليس هناك قائد تلتف حوله الجماهير، ولم يتمكن أحد من هؤلاء القادة الوصول إلى نقطة يمكن القول عندها بأن هذا المعارض هو القائد العام والمشترك للمعارضة السورية... ففي تشيكوسلوفاكيا كان هناك دوبشيك أثناء التمرد على الشيوعية في عام 1968 (ربيع براغ) ومن بعده ظهر المثقف الكبير هافل وفي بولونيا ليش فاليسا وفي روسيا ظهر غورباتشوف ليضع برنامج البروسترويكا لازالة الشيوعية ومن بعده يلسين، كما كان للثورات الشيوعية قادة مثل هوشي مين في الفيتنام، كاسترو في كوبا، وماوتسى تونغ في الصين الحمراء... أما الادعاء بأن الديموقراطية لاتعرف مثل هؤلاء الزعماء فهذا غير صحيح، إذ لايمكن البتة نكران دور المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو من بعده ومحمد علي جناح في الهند وباكستان، أو دور نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، وهؤلاء لم يكونوا شيوعيين وانما طلاب حرية ويفكرون ديموقراطيا...

كان يمكن للشيخ الشهيد الدكتور محمد معشوق الخزنوي لعب دور كهذا إلا أنه لم يكن منتسبا لحركة أو حزب أو جبهة سياسية سورية، وعلى الأقل فإنه قد أصبح باستشهاده وبمواقفه الرائعة في مجابهة النظام القمعي بعد انتفاضة آذار الكردية عام 2004 رمزا مشتركا لمختلف الجهات الكردية السورية، حزبية كانت أم وطنية غير منظمة...

إن سعي بعضهم في هذا الاتجاه من السوريين الأحرار المناضلين لاينكر، ولكن المعارضة السورية تفتقد هذا القائد الذي يمكن أن يجمع الجميع وراءه ويقود الشعب صوب الاطاحة بالنظام التوتاليتاري...والسبب في عدم ظهور قائد كهذا هو أن معظم قادة وزعماء الحركة السياسية السورية لازالوا يفكرون حزبيا ويدورون ضمن حلقتهم الفكرية أو التنظيمية الضيقة، ومنهم من لديه مسائل عربية في موريتانيا أو السودان أو فلسطين أهم من مشاكل الشعب السوري، ولايفكر سوريا إلا عندما يحتاج للسوريين في تقوية صفه العربي، ومنهم من يفكر تفكيرا سلبيا تجاه منتقديه ويعتبر أن كل من يخرج عن حلقة آرائه ليس بمعارض صادق، وهذا ما نقوله عن خبرة وتجربة وبعد مراقبة طويلة لوضع أحزابنا وتكتلاتنا الديموقراطية والوطنية السورية...

ثانيا- المشكلة الكردية:

تبدو المشكلة الكردية "السورية" أحيانا كجذوة من النار التي يحاول اخفاءها تحت السجادة، أو نكران وجودها أصلا، رغم أنها مشكلة قومية بكل معنى الكلمة، إذ لا تجد كرديا سوريا إلا ويتمنى أن يكون هناك حل جذري لهذه المشكلة، لأنها تتعلق بشعب متميز عن الشعب العربي في سوريا، يعيش على أرضه التاريخية منذ فجر التاريخ، وتعرض إلى تقسيم بسبب معاهدة استعمارية قذرة هي معاهدة سايكس – بيكو لعام 1916، له لغته الخاصة وثقافته القومية، ويطالب بحل عادل لقضيته ضمن اطار الدولة السورية الواحدة...ولكن مع الأسف فإن بعض "الديموقراطيين!!!" السوريين يصمون آذانهم كي لايسمعوا صراخات هذا الشعب، ويصرون دون وجه حق على أن المسألة لاتعدو مسألة حق "المواطنة" ويحاولون بشتى السبل نفي صفة "القضية القومية" عنها، في حين أنهم مستعدون للتضحية بأولادهم وأموالهم من أجل قضية الشعب الفلسطيني، خارج حدود سوريا...ومنهم من جعلها منة على الشعب الكردي أن يأتي الفلاحون الكرد إلى مدينة حلب ليبيعوا منتوجاتهم الزراعية فلا ينهبهم الحلبيون...وفي الحقيقة إنه نهب من الطراز التجاري الأول، إذ لو كانت الدولة قد فتحت أسواقا تجارية مناسبة في المناطق الكردية لذهب الحلبيون إلى هناك بحكم حاجتهم إلى المواد الغذائية وليس العكس، وكلنا يعلم بأن تجار حلب والحسكة ودير الزور والرقة يستغلون المنتج الكردي استغلالا لايمكن أن ينكره إلا مجرم...

فكيف سيأتي هؤلاء بالحرية والديموقراطية إن كانوا غير قادرين على سماع صوت شعب بأكمله يشكل القومية الثانية في البلاد بعد القومية العربية، وكيف بهم كسب الحركة السياسية لهذا الشعب وهم غير آبهين بمعاناة الكرد الكبيرة؟ أفلا يرون أن الأقلية الألمانية في بلجيكا رغم أن موطنها على الحدود بين البلدين، تتمتع بكل حقوقها القومية، دون أن تطالب بالانضمام إلى ألمانيا، ورغم أن الحدود زالت بقيام الاتحاد الأوربي؟ أفلا يرون أن الأقلية الدانماركية في ألمانيا تتمتع بحقوقها القومية، وأن في سويسرا قوميات متجانسة ومتمتعة بحقوقها القومية، ولم يفكر أحد بصهر بعضها في بعض...؟ هل حقا أن الشرق العربي لايفهم الديموقراطية أو لايستطيع قبولها؟ لا...لا... الشعوب تفهم الديموقراطية ولذا تطالب بها، ولكن هناك من يحقن مسيرتها بسم زعاف، هو سم العنصرية الساري في عروق بعض القوى والشخوص من"القومية السائدة" الذين لايختلفون عن زبانية البعث العنصري، مهما رفعوا من شعارات طنانة ورنانة في صفوف المعارضة ...

المعارضة السورية ستعاني من نقص في المواد الحيوية مالم تعترف بالحق للشعب الكردي ومالم ترتفع عن تصوراتها الساذجة عن "حق المواطنة"، فالحركة الشعبية الكردية هي الرائدة في النزول إلى الشارع منذ اخماد الثورة الإسلامية في ثمانينات القرن الماضي، ولايستطيع أحد انكار ما يقوم به الكرد من جهود، على الساحتين الخارجية والداخلية من نشاطات وفعاليات، وما يقدمونه من تضحيات جسام...والكرد الذين يشكلون نسبة (مابين 15% - 17%) من الشعب السوري متفقون جميعا على أن قضيتهم "قومية" ضمن اطار سوريا مشتركة، وذات بعد كوردستاني يمتد على مساحة واسعة من بلدان مجاورة، وليست مجرد مسألة الحصول على هوية عربية في سوريا...

ثالثا- الموقف من النظام:

صحيح أننا نسمع أصواتا عالية تصدر باسم المعارضة السورية، في الداخل والخارج، تطالب بالتغيير والحل وازالة المساوىء وافساح المجال أمام الشعب لممارسة حقوقه الأساسية، إلا أن الغموض لايزال يكتنف الكثير من الأمور، فمنهم من يقول عن النظام بأنه "حكم الأمر الواقع" ومنهم من لايختلف عن بعض الأوربيين في المطالبة ب"تغيير سلوكيات النظام"، ومنهم من ينتقد النظام في السياسة الداخلية ويتفق معه في السياسة الخارجية، ومنهم من يطالب بالقضاء عليه ولكن بمعزل عن العالم الحر – الديموقراطي، وأخيرا هناك من يسعى إلى ازالة هذا النظام بأي ثمن كان...بل نجد من يدعو العالم الحر – الديموقراطي إلا اخراج آل الأسد من دمشق عنوة ووضعهم في أقفاص الاتهام الدولية...
هذه مشكلة حقا، ولايمكن للمعارضة أن تتقدم وتتوحد وتتطور دون وجود قاسم مشترك في هذا الصدد...ولكن يمكن الوصول إلى اتفاق مشترك في هذه النقطة بالذات عن طريق الحوار بين أطراف المعارضة، ولايحق لأحد أن يفرض نظرته أو موقفه على الآخرين بداية ويطالب الآخرين بقبول موقفه المطروح مسبقا...
رابعا- الإسلام والعلمانية:
إحدى المشاكل الهامة التي ستعترض طريق المعارضة السورية مستقبلا هي مشكلة الدستور الذي يجب أن يكون عليه من ناحية الاتجاه، فالعديد من الأحزاب والقوى تصر على ضرورة ايجاد نظام علماني تعددي ديموقراطي يتبنى القوانين الوضعية (الإنسانية) الحديثة، والبرلمان يكون المرجعية الأولى لاستصدار القوانين، وفي حال وجود خصام أو خلاف بين التفسيرات القانونية أو تناقض بين النصوص يجب العودة للمحكمة الدستورية العليا التي لها القول الفصل في المشاكل العالقة بين السلطات الثلاث وفي التوفيق أو الحسم بين التفسيرات المختلفة لمواد الدستور، في حين أن التيار الإسلامي يعمل بوضوح تام على أن تكون كلمة الله هي العليا ولا يحق لأي نظام اصدار أو استصدار قانون يخالف الشريعة الإسلامية...وكل التوفيقات بين الإسلاميين والعلمانيين حاليا ليست سوى من باب الترقيع، وحين استلام السلطة ستنفجر هذه الخلافات بقوة، وبخاصة لدى تدوين الدستور...

هذه المشكلة لاتوجد – على سبيل المثال – في المعارضات الديموقراطية الأخرى خارج العالم الإسلامي، فالديموقراطيون في أوروبا الشرقية وفي أمريكا اللاتينية والجنوبية لم يصطدموا بمشكلة كهذه، فهم قد أرضوا الكنيسة ببعض الحقوق مقابل رفض تدخلها في شؤون الحكم أو المعارضة، على الرغم من أن الكنيسة قد لعبت دورا هاما للغاية في حركة سوليدارنوش -التضامن البولونية ضد الشيوعية وفي ثورات الفلاحين والفقراء ضد النظم العسكرية الأوليغارشية التابعة للامبريالية الأمريكية في أمريكا اللاتينية مثلا...
ومن واجب المعارضة السورية، الديموقراطية والوطنية، الوصول من خلال الحوار الطويل والهادىء إلى حل هذه المعضلة الكبرى التي لن تزال بسرعة، ودعوة بعضهم إلى أن صندوق الانتخاب هو الذي يقرر معناه بأن الدستور السوري القادم سيتولد بعد مخاض طويل من الصراع الفكري والسياسي، وستكون هناك دائما أطراف قوية معارضة لذلك الدستور ومطالبة بفسخه أو تعديله بما يتناسب وتصوراتهم العقيدية أو الآيديولوجية...

وحتى لانطيل أكثر نكتفي بهذا القدر هنا، ولكن من الضروري التطرق إلى هذه المشاكل، فالتوافق بين العامل الداخلي والخارجي، وكيفية اقامة العلاقات على المستوى العالمي وايجاد التوازن بين الوطني والعربي والدولي، والاتفاق بين قوى المعارضة السورية والحركة الكردية على اطار الحل العادل للقضية القومية الكردية وقضايا الأقليات اجمالا، وكذلك على أساليب العمل الأساسية لازالة النظام وتغييره، وبالتالي حل المشاكل الناجمة عن التصورات المختلفة بصدد الدستور الجديد الذي يجب أن يحظى بموافقة أغلب أطراف المعارضة، مهام شاقة بالتأكيد، ويجب أن لايغرب عن البال أثناء حمل المعارضة لهذه المسؤوليات الكبرى بأن الشعب هو الذي في النهاية سيصوت عليه مستقبلا، وأن العالم بأجمعه يتوقع أو ينتظر من السوريين أن يبنوا مجتمعا ديموقراطيا عادلا وحريصا على حقوق الضعيف والأقلية أكثر من الحرص على حماية القوي والأكثرية، فالديموقراطية تضمن حق الأكثرية إلا أنها تضع حق الأقلية في اطار خاص لايجوز تجاوزه أبدا، وهذا هو السر في مطالبة الضعفاء وأبناء الأقليات عموما بها في شتى أنحاء العالم.



#جان_كورد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قتل السجناء والمعتقلين من صلب سياسة البعثيين
- التناقضات في تصريحات أردوغان نتيجة لسياسات خاطئة
- هذا ليس بحلم وانما حق أمة
- تقرير بيكر – هاملتون زوبعة في فنجان؟
- أسود سوريا بين ميوعة أوروبا ودغدغة أمريكا
- من يقتل الللبنانيين والعراقيين؟
- الكرة الآن في الملعب التركي
- هل تنقذ اسرائيل الأسد من شباك بيراميرزالدولية؟
- حكام دمشق...إلى أين المفر؟
- إعلان مابعد إعلان دمشق ...
- الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
- الإدارة الأمريكية وترويض الأسود
- عبد الباري عطوان في هيستيريا وهذيان
- ماذا تريد المعارضة السورية حقا؟
- يسار هارب ويمين غير موجود
- إسماعيل عمر في محل الأواني الخزفية
- حول العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
- حول رسالة منظمات الأحزاب الكوردية في ألمانيا للسيد جورج دبلي ...
- حول اجتثاث البعث وتطهير العراق منهم
- هل نخون الانتفاضة وشهداءها؟!


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جان كورد - حول المعارضة السورية في الوقت الحاضر