أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد سلوم - سيناريوهان لقراءة ثورة 14 تموز















المزيد.....

سيناريوهان لقراءة ثورة 14 تموز


سعد سلوم

الحوار المتمدن-العدد: 2357 - 2008 / 7 / 29 - 10:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الاسابيع التي تلت ثورة اليمن 1962 أخذ رجال القبائل يتوافدون على المدينة حين ذاع نبأ الاطاحة بالإمام. وحين سئلوا عن سبب مجيئهم أجابوا أنهم سمعوا أن امرأة جميلة اسمها "جمهورية" ظهرت هناك ويريدون رؤيتها.
هذه القصة يرويها فريد هاليداي في دراسته عن مصائر الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط ويرى ان رجال القبائل كانوا محقين... ففي مطلع القرن العشرين انمحت السلطة العثمانية في تركيا والشاه القاجاري في ايران ولم يبق سوى السلطان العلوي في المغرب، قبلهم آل رومانوف في روسيا 1917 ومهراجات الهند بعد العام 1948 ، سلاطين الجنوب العربي قد ولوا وسقط امام اليمن شمالا، سلسلة دومينو شملت مصر العام 1952 والعراق 1958 وليبيا 1969، والنظام الملكي اليوناني 1967 ومحمد زاي في افغانستان 1973 والاسرة السليمانية في اثيوبيا 1974، وعلى الرغم من أصرار عبد الكريم قاسم على الطابع المحلي لثورته، فقد كانت جزءا من تيار عالمي شامل، اذ نزعت الشرعية عن النظام الملكي بمؤثر المحاكاة و اجتاح النظام الجمهوري المنطقة ...
لقد غيرت هذه الانقلابات/الثورات عالمنا الى الأبد، من دون ان يعني ذلك تحوله نحو الافضل، اذ تبقى هناك امكانية حدوث الامور على نحو أخر...وهنا يرتسم امامنا سيناريوهان في التعاطي مع ثورة 14 تموز :
الاول- السيناريو الوصفي عن وقائع التاريخ/الحدث كما بدت للغالبية العظمى من المراقبين والمؤرخين وعامة الناس وهو ما تدور حوله الادبيات المنشورة عن الثورة منذ انطلاقتها الاولى وحتى لحظتنا هذه.
الثاني- السيناريو الافتراضي عن التاريخ البديل... وجاذبية التفكير بطريقة التاريخ البديل تظهر استنادا الى النتائج الكارثية التي حلت بمجتمعاتنا بسبب الثورات والانقلابات وبحثنا الدائب عن ارضية الاستقرار حتى لو ارتسمت في صورة رفضتها تلك الهبات الثورية أول مرة وكانت سبب اندلاعها.
اذا ما حاولنا التفكير بطريقة التاريخ البديل لثورة 14 تموز فسنطرح الاسئلة التالية : ماذا لو لم تقع ثورة 14 تموز 1958، هل كان وجه العراق سيتغير ومصيره يختلف كدولة تمتلك امكانيتي النجاح التي تفتقر لاجتماعهما دول الخليج وأعني بذلك النفط مع السكان، وبلد الرافدين يتحول حقا الى بلد الروافد الثلاث: دجلة والفرات والنفط، بدلا من ان يتحول الى بلاد الحروب الثلاث 1980و1991 و2003.
ماذا لو استمر النظام البرلماني طيلة الاعوام 1958-2003 (على الرغم من شكليته وعيوبه وانحرافه) هل كان العراق سيخوض غمار حروبه الضارية ويتحول نفطه الى نقمة وشعبه الى عبد ايديولوجي لتوجه سلطوي شمولي، ماذا لو أستمرت الحياة المدنية وبنى العراق قاعدة صناعية واستمر كحجر الزاوية في حلف بغداد ونجح الرهان الاميركي على العراق بوصفه مركز الثقل في تحقيق التحول الديمقراطي في المنطقة منذ الخمسينيات من القرن الماضي.
وبلغة مجلة الايكونوميست البريطانية ماذا لو لم يهرب الحصان العراقي من الاسطبل الانكليزي وبقيت أبواب الاسطبل محكمة الاغلاق، هل كان البعثيون سيصلون الى السلطة بقطار أميركي وهل كان سجل المقابر الجماعية وجرائم أبادة الشعب وفن عسكرة المجتمع سيختفي دون رجعة وتحتفظ البلاد بنخبها وعلمائها ومثقفيها واجيالها وتتراكم الخبرات والثروات؟ هل كانت بغداد ستصبح مثل طوكيو والبصرة افضل من هونغ كونغ والاهوار اجمل من فينيسيا وشلالات كلي علي بك افضل من شلالات نياكارا، هل كانت أور ستصبح قبلة العالم اليهودي/المسيحي وتستقيم النجف كمكة العالم الشيعي ونقطة استقطاب ثقافية تنشر التنوع الفكري في رحاب العقل العربي المغلق وأبرز مركز جذب للسياحة الدينية في الشرق الأوسط .
لو لم يحل العسكري ابن المدينة (قاسم) ضيفا على سجل الثوار، هل كان أبن القرية (صدام) سيصل الى أبعد من حدود تكريت ويتحول الى صاحب مسدس اغتيال ثم ينتقل لاجئا الى القاهرة ليعود بزي عسكري ويتقلد منصب المهيب الركن محيلا الملايين الى لاجئين في قفار المحيط الإقليمي والدولي .
حين نفكر بطريقة السيناريو البديل نجد انه لم يعد مهما التمييز بين الانقلاب والثورة لكي نضع الحدث في هذا الاطار أو ذاك، لكننا اصبحنا نفكر بلغة التمييز بين الانقلاب والانتخاب، لقد تغيرت مفاهيمنا حقا وتحقق انقلاب ادراكي هائل مع تحولات منطقتنا العربية بشكل عام وتبدد ضباب المفاهيم والايديولوجيات المستوردة، بحيث اصبح تاريخنا ممزقا بالمقارنات بين الزمن الثوري و الزمن السلمي المستقر، بين زمن المؤامرات للاستحواذ على عربة السلطة وجداول التداول السلمي لها، زمن الثورة الذي بدأ بموضة البيان رقم واحد، وصور الزعيم الذي اصبح تمزيقها تهمة شائعة، زمن الطابع الشخصي للعملية السياسية... فمهما قيل عن قاسم فإنه لم يكن احد سوى نفسه، لم يكن شيوعيا او عميلا للسوفيت او ممثلا للطبقات الفقيرة بقدر ما كان قاسميا مثلما لم يكن صدام بعثيا بقدر ما كان صداميا، انها لعنة ارتباط الحياة السياسية برموز شخصيات واسماء وعوائل وابتعاد مؤسف عن حياة المؤسسات التي تمضي عجلتها مهما تبدلت الاسماء والرموز والعوائل .
كما اننا لم نعد نستطيع الامتناع من التفكير في العلاقة بين الثورة والجريمة، وهل من ثورة لم تعبر على نهر من الجثث؟
جرى تدشين صورة الثورة بمذبحة كما فعلت ثورة أكتوبر الاشتراكية التي عاد بعدها الشعب الروسي للبحث عن جثث أل رومانوف في الغابات ورفعها الى مرتبة القديسين، ولكن لم ينطلق احد منا بمشروع (البحث/التطهير) على صعيد رمزي او معرفي حتى هذه اللحظة، وعلى مستوى شعبي لم يرق فيصل الثاني وأسرته الى مصاف القديسين ولم تسترجع مكانتهم كما يجب ولم يتم التكفير عن الجريمة ولم يعترف احد بارتكابها، كما هو حال جميع الجرائم في تاريخنا السياسي الحديث، وهذا الامر يصل بنا الى تحديد انفصال اخر يتعلق بعلاقة الحقيقة بالمصالحة...المصالحة مع تاريخنا عبرالاعتراف بما فعلناه وتحمل نتائج افعالنا وهو سلوك نموذجي عراقي بامتياز، بما يعنيه ذلك من التخلي عن سياسة التملص والتسويف التي طبعت صناع قرارنا السياسي وجعلت نتائج الانقلابات والثورات والحروب والمقابر الجماعية أفعالا غامضة يمكن نكرانها ويمكن اثباتها لكن من دون اعتراف طرف بمسؤوليته منها.
هناك قصور نفسي في محاكمة الذات من خلال دورها في التحولات السياسية والاحداث، ليست هناك استجابة قدرية لما يحدث، كأننا منجذبون لعالم سوفوكليس أو موثوقون في جحيم دانتي، هناك ذات فاعلة لكنها تتصرف على نحو أعمى....حين تظهر المحاكمات السياسية بوصفها "محكمة الشعب" وتنفجر ثقافة العنف في صورة سحل الجثث وتعليقها بالحبال ودفن الجثث بالبلدوزرات، وتختفي كما في كل تحول سياسي محاكمة التاريخ بمجمله لتبرز محاكمة العصر السابق في صورة (العهد البائد) وهي التسمية المفضلة للسياسيين في وصف المراحل السياسية التي تسبق حكمهم، حين تطفو هذه المظاهر على السطح تؤشر على غياب المسؤولية وتغليب صوت العقل.
مثل هذه الأسئلة يزخر بها الوجدان الشعبي بعد خمسين عاما من قيام الجمهورية، وهي أسئلة مشروعة لم تعد تنحصر بالعراقيين فقط، بل تنسحب على شعوب العالم الثالث معبرة عن خيبة أمل هائلة بالأنظمة الجمهورية وفشل مشروع الحداثة التي وعدت به ثورات حرق المراحل والتخطيط الاشتراكي والتنمية.
المؤرخون الجدد في فرنسا يعيدون النظر في ثورة 14 تموز 1789 وينددون بقتل لويس السادس عشر، وفي (مصر عبد الناصر) يعاد النظر في حقبة فاروق، وفي (تونس بورقيبة) اتجاه لرد الاعتبار إلى الأسرة الحسينية التي خلع الحبيب بورقيبة آخر ملوكها وانتزع ممتلكاتها، وقد لاتكون مذكرات الجواهري آخر عمل عراقي يعيد تقييم ايجابيات وسلبيات العهدين الملكي والجمهوري .
لقد انقشعت غيوم العمى الثوري وبات الاعتراف والمصارحة طريقا واضحا لنبدأ مشروعنا السياسي الاجتماعي من نقطة الصفر.



#سعد_سلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بناء الدولة المدنية في العراق - صورة عن الواقع والتحديات
- هل ستغير المذكرات الالكترونية وجه العالم؟
- تجربة المجالس البلدية في العراق
- سؤال التعايش وامكانيات المصالحة
- في تحطيم الجدار
- التحكم بالحدث من تدمير برجي نيويورك الى تدمير قبتي سامراء
- المالكي ومعادلة الاستقرار السياسي : الامن هو التنمية-الفساد ...
- عراق الدولة... حلم ام اسطورة؟
- تسونامي عراقي لكل يوم
- حكومة سرية لشعب علني:اسئلة قديمة على طاولة حكومة جديدة
- عبد شاكر وقضية الحوار المتمدن
- حين تسقط التاء عن الثورة
- من نحن؟الهوية الضائعة بين العراق التاريخي والعراق الاميركي
- عام مسارات
- من يسرق النار هذه المرة؟
- هل من غاندي أو مانديلا عراقي؟ الانتخابات وعملية البحث عن رمز ...
- حرية الصحافة والاعلام في الدستور العراقي
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة السادسة
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الخامسة
- حرب قصف العقول وكسب القلوب:الحلقة الرابعة


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد سلوم - سيناريوهان لقراءة ثورة 14 تموز