أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع شامخ - المكتبة.... خزانة الألم والمعرفة














المزيد.....

المكتبة.... خزانة الألم والمعرفة


وديع شامخ

الحوار المتمدن-العدد: 2342 - 2008 / 7 / 14 - 02:42
المحور: الادب والفن
    


لم انسّ الأيام التي كنت أحمل فيها " دينارا عراقيا أزرق باشطا" في منتصف سبعينيات القرن العشرين ، وانا في طريقي الى مكتبة الجمهورية العامة ‘ في محافظة البصرة ،لأستعير كتابا ولمدة ثلاثة أيام ....
تلك عادة ألقى مرساتها ،أخي المثقف المبدع الشيوعي الشهيد صبري شامخ ،في بحر طيشي وحبي وولعي للقراءة.
كان بيتنا يتوافر على مكتبة تعجّ بروائع كتب السياسية والادب والدين والفلسفة والعلوم الاجتماعية والصرفة. تلك المكتبة التي إنتفخت وانتفخت ، الى أن تحولت بعد المد البعثي الهمجي، الى " كواني " كأنها جثث نُهّربها من بيت الى بيت خوفا من مداهمة السلطة لبيتنا بعد إعتقال اخي "أبو فراس" في عام 1981 ، راحت المكتبة وأعدم صاحبها ومؤسسها وجثم الألم على الصدور ، ولكن جذوة المعرفة لم تمت .. فبقيتُ أٌرمّم ما أستطيع لجمعها ومعي أخوتي ، وَنمَت مكتبتنا ثانية .. حتى جاء زمن العجاف ، فنزل الكتاب الى السوق، بضاعة رخيصة ومخيفة في آن واحد ، وإذ كان الخجل من مهنة الوقوف على الرصيف ماثلا على وجهي في حينها ، فكنت أجمع ما أستطيع حمله يوميا وأعطيه الى صديق شاعر، كنسَ الزمن الرديء دفاعاته النفسية في الخجل قبلي، في سوق البصرة القديمة حيث " يبسط" في الكتب، وأنا أنتظره عند غروب الشمس وهو يأتي بحنفة من الدنانير تتناسب مع كمية ونوعية ما أكسره يوميا من أضلاع مكتبتنا البيتية!
كان الصديق يشفق عليّ عندما يراني أطير بالدنانير فرحا، بعد أن كنت في وفرة يحسدني عليها آخرون .
نعم.. الكتب مقابل الطماطة، والعرق ، والأصدقاء ، وأسباب البقاء على قيد الحياة الابداعية.. ومضت الأيام وتبخرت المكتبة بعد ان كانت " الكواني" تصل الى السيد " عبد البطاط" صاحب مكتبة ماجد ، ليشتريها بثمن بخس، وتورم الألم في صدري وأنا أرى بعضهم يشتري كتبي والتي تحمل إمضائي واسمي ، ويتندر من حاجتنا !!
كلّ محنة تمر بنّا لا بد ان يتحمل وزرها الكتاب ، وكأنه داؤنا العضال ، الذي لا فكاك منه ..
كتبي التي قال عنها يوما " عادل مردان : بعها فقد انطبعت في رأسك " ، نعم إنطبعت في رأسي وصارت مداد قلمي ونتاجي ، أشعر بعافية لتلك الأيام التي تعلمنا منها وبها كيف نقرأ الكتاب استعارة قبل الشراء، أتذكر بحب شارع المتنبي وانا أفترش بسطتي فيه عندما أضطرتني الظروف لمغادرة البصرة الى بغداد..
أتذكر بحب كل كاتب ومؤلف عظيم علمني الأرتشاف من بريق الكلمة وضوء فكرها ، أشكر كل من إشترى كتابا مني وخفف عني حاجاتي اللامتناهية .
كيف أنسى أصحابي وهم يعرضون كتبهم في بسطتي ، ومنهم لؤي حمزة عباس وأنا أحمل مكتبته من البصرة الى بغداد ولم أعطه فلسا واحدا مقدما .
كيف أنسى خالد عبد الزهرة وهو يشاطرني محنتي في خزن الكتب في غرفة رطبة مظلمة في حواري منطقة الفضل.
كنت بائعا فاشلا ، لم أحفل بجمع رأس المال .. أُعيّر وأهدي من " بسطتي" وكانت محطة صغيرة لأصدقائي الذين يتوافدون يوم" الجمعة العظيمة " الى شارع المتنبي من البصرة وبغداد وكافة المحافظات. أتذكر أصدقائي اليوم وكتبي .. أتذكر سر صناعة العقل من رحم الألم والمعرفة .. أنها المكتبات البيتية وأكسيرها العجيب..
رحلة من الألم .. ولكنها رحلة المعرفة والمغامرة أيضا.. المعرفة التي صقلت موهبتي وقوّمت إعوجاج قامتي في حقل الإبداع المليء بالالغام ، والمغامرة التي قذفت بيّ الى أقصى مدينة في غرب استراليا .. نعم لولا الكتاب وسره العجيب لكنت تاجرا متورما بعافية الآخرين ...



#وديع_شامخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صالح المطلك العروبي ومنظمة خلق الصفوية
- محمد غني حكمت وغياب الحكمة !!
- حوار مع الكاتبة العراقية لطفية الدليمي
- قراءة لقصيدة- جاؤوا من تخوم الكلام- للشاعر وديع شامخ
- شعراء الخراب-الحلقة الأولى-عبد الرزاق عبد الواحد ودموع التما ...
- لم أقصد الطوفان ... انها دمعتي على فأس الحطّاب
- الحكمة .. بعد خراب البصرة
- (أم البروم)
- رعد عبد القادر ... شاعر توسَّد الموت وفوق رأسه شمس
- الألم بوق الله
- السياسي العراقي وضرورة التفاعل مع الواقع الآن ؟
- شحاذة وطنية !!
- الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية
- الإلتفات الى العقل
- حصان الوطنية وعربة المأرب
- درس في الاختلاف
- غاستون باشلار والحلم على لهب شمعة
- علم وطني أم راية للخلاف أم جودلية!!؟
- ثرثرة فوق جثة الموت _ سركون بولص يرحل الى مدينة أين
- الغواية تكتب سيرتها الجمعية


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع شامخ - المكتبة.... خزانة الألم والمعرفة