أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد عثمان - نحو إصلاح قانوني فاعل















المزيد.....



نحو إصلاح قانوني فاعل


أحمد عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2300 - 2008 / 6 / 2 - 11:12
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مقدمة:
منذ إستقلال بلادنا وهي تعاني أزمة مزمنة في بنيتها القانونية التي راوحت بين الإقتراب والإبتعاد عن مفهوم النظام القانوني الحديث، تأسيساً على الحالة السياسية ومدى إقترابها أو بعدها عن طبيعة الدولة الديمقراطية المبنية على سيادة حكم القانون، بإعتبار التداخل الذي لافكاك منه بين التشريعي والسياسي، وبالضرورة الناشئة عن كون الدستور هو الأداة الحاسمة في تحديد طبيعة البنية القانونية من حيث تشكيلها لنظام قانوني حديث من عدمه. لذلك لامناص من القول بأن وضع أي تصور لإصلاح قانوني دون الأخذ في الإعتبار التطور الدستوري السابق وإستصحاب مظاهر الفشل التي واكبته وإعتبار ذلك شرطاً أساسياً لإصلاح القوانين في إعمال فاعل لمبدأ الدستورية، مصيره الفشل.
وبنظرة عجلى للدساتير التي وضعت لحكم البلاد وتنظيم شئونها إبتداءً بإتفاقية الحكم الثنائي تجاوزا مروراً بدساتير الأعوام 1956 و1964 و1973و1985و1998 وإنتهاءً بالدستور ساري المفعول، نجد أن دولة سيادة حكم القانون قد سجلت حضوراً غير مكتمل في ظل أنظمة الحكم التعددية، وغياباً منطقياً في ظل الأنظمة الشمولية ونقصاً واضحاً ومريعاً أحياناً في ظل النظم الإنتقالية. إذ أنه من الطبيعي أن يغيب مفهوم المؤسسية المنبني علي قاعدة فصل السلطات عن إتفاقية الحكم الثنائي المكرسة لسلطات الحاكم العام الإستعمارية وأن تغيب الحقوق والحريات المؤسسة لمبدأ الدستورية الذي شكل آخر درجات تطور النظام الديمقراطي بإنتقاله من سيادة البرلمان "Supremacy of the Parliament" إلى نظرية سيادة الدستور "Sovereignty of the Constitution" . ويصبح من المنطقي أن تظهر هذه المبادئ على مستوى النصوص في دستور العام 1956 الذي يعتبر دستوراً للإستقلال مع منطقية عدم تجذرها كفكر أو ممارسة، لعدم إستمرارها لأكثر من عامين دخلت بعدهما البلاد في حكم عسكري لست سنوات. كذلك كان من المنطقي أن تعود مع عودة النظام الديمقراطي بعد ثورة أكتوبر في دستور عام 1964 على مستوى النصوص، وأن تفشل على مستوى الممارسة الأمر الذي تؤكده قضية حل الحزب الشيوعي الدستورية، والتي فضحت شكلية وجود مبدأ الدستورية الذي أسقطته السلطة التنفيذية عبر رفضها تطبيق حكم المحكمة الدستورية، ومعه أسقطت ضمانة أخرى من ضمانات دولة سيادة حكم القانون هي تنفيذ أحكام القضاء. أما دستور العام 1973 الرئاسي، فقد فضل التحايل على المؤسسية ومبدأ الدستورية، بإسقاط ضمانة أخرى من ضمانات دولة سيادة حكم القانون، ألا وهي الحق الدستوري في التقاضي، وبذلك قيض للسلطة التنفيذية المسيطرة على الجهاز التشريعي حينها، بتحصين قراراتها بإخراجها من دائرة الفحص القضائي بنصوص قانونية. وجاء دستور العام 1985 إحتفائياً بمبدأ الدستورية بصفة عامة، وإن لم يستوف شروط المؤسسية بإعمال كلي لمبدأ الفصل بين السلطات توافقاً مع طبيعة المرحلة في بداياتها، برغم الإستدراك الذي تم بعد إنتخاب الجمعية التأسيسية. ولاشك أن دستور العام 1998 بإعتباره دستوراً لدولة دينية شمولية، ماكان له إلا أن يأتي مفارقاً للحد الأدنى من الدستورية والمؤسسية معاً، حيث فضل مشرعه المساواة بين الدستور والشريعة الإسلامية وإعتبارهما مصدرين للتشريع، بحيث يكون للمشرع الحق في التشريع وفقاً للشريعة وبالمخالفة للدستور وفقاً لمبدأ تكافؤ المصادر، وبالتالي تسقط كل الضمانات الدستورية –إن وجدت- بموجب تشريعات لاسبيل للطعن في دستوريتها!!. ولم يكن حظ الدستور الحالي ساري المفعول بأفضل كثيراً من سابقيه برغم نصه على الحقوق والحريات بهدف تكريس مبدأ الدستورية. فواقعة أنه دستور هجين يكرس الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع في الشمال، تؤسس لصدور تشريعات متوافقة مع المصدر ومخالفة لباب الحقوق إستناداً لمبدأ تكافؤ النصوص الدستورية.
بإختصار نستطيع أن نقول بأن دولة سيادة حكم القانون التي تصدر فيها القوانين وهي خاضعة للطعن بعدم دستوريتها والمحصنة بحق دستوري في التقاضي لايمكن إسقاطه بموجب تشريع، في وجود قضاء مستقل يكرس مبدأ الفصل بين السلطات، تكون أحكامه نافذة مع تجريم عدم تنفيذها، لم يكن حظها من الوجود إلا عارضاً وجزئياً في أفضل الأحوال. وبما أن وجود هذه الدولة يشكل شرطاً أساسياً لحدوث إصلاح جذري في البنية القانونية لتصبح نظاماً قانونياً حديثأ، يصبح من المهم إدراك المعوقات التي تقف أمام إنجاز هذا التحول. ولعله من نافلة القول التذكير بأن دولة سيادة حكم القانون هي إنتاج برجوازي خالص، وصل قمة تشكله بتكريس مبدأ الدستورية في الولايات المتحدة الامريكية. وبما أن بلادنا حكمتها البرجوازية باشكالها المختلفة منذ إستقلالها حتى سقوطها في قبضة الرأسمال الطفيلي، يصبح لزاماً علينا توضيح التناقض مابين سلوك برجوازيتنا التي أنتجت الدول الإستبدادية والديكتاتوريات المدنية، وسلوك برجوازية الولايات المتحدة التي أنتجت دولة سيادة حكم القانون أولاً، ومن ثم توضيح كيف تسنى لنا تبني نموذج دولة برجوازية ثانياً.
لاشك أن هنالك عدة أسباب دفعت البرجوازية السودانية للفشل في التبني العملي والصادق لمفهوم دولة القانون، واللجوء إليه حينما يكرس سلطتها أو لإستخدامه كوسيلة لإستعادة تلك السلطة عند فقدانها. وهذه الأسباب يمكن تلخيصها فيما يلي:
1. ضعف البرجوازية السودانية وشبه غياب المستثمرين الصناعيين من بنيتها بحيث يصبح وجودهم غير مؤثر مما يغيب الأداة الحاملة لفكر البرجوازية الصناعية التي انجزت مفهوم دولة القانون بالولايات المتحدة وكونت قوام الجيش المدافع عنها.
2. عدم قدرة البرجوازية السودانية على تكريس إستغلالها للجموع في ظل قدرة الأخيرة على التنظيم والرد بل والمبادأة في ظل سيادة حكم القانون.
3. إفتقار البرجوازية السودانية للقدرة على التنظير وتبرير نهبها وسيطرتها على الفائض الإقتصادي حتى ولو بآيدلوجية دينية كالتي تتبناها الإنقاذ حالياً، ممايحتم بناء دولة قاهرة لتكريس الإستغلال.
4. شراهة الرأسمال الطفيلي وعدم قدرته على المساومة مع المنتجين لأنه خارج العملية الإنتاجية وإفتقاره لأدوات المساومة التي يملكها الرأسمال الصناعي، ممايجبره على اللجوء للقمع المطلق، لإستحالة تبني سياسة الإحتواء.
5. عجز الرأسمال الطفيلي عن الوفاء بمتطلبات العملية الإنتاجية خصماً على الفوائض التي يراكمها، ممايحتم قمع التوتر الناتج عن إحتجاج المنتجين.
6. ضعف الرأسمالية الوطنية- التي لها مصلحة حقيقية في وجود دولة ديمقراطية- وعدم قدرتها على تمييز نفسها ناهيك عن التعبير عن مصالحها على مستوى برامجي وفكري، وذلك لوقوعها تحت سيطرة الرأسمالية الطفيلية وبيروقراطية الدولة.
ماتقدم لايترك أمام البرجوازية السودانية من سبيل سوى تبني نموذج الدولة الإستبدادية ومعاداة الدولة الديمقراطية التي تكرس سيادة حكم القانون لأنها تسمح بفضح ومعارضة دولة النهب والجريمة المنظمة، ولايقدح في ذلك مناداة بعض ممثليها بضرورة بناء دولة ديمقراطية، لأن سابقة حل الحزب الشيوعي توضح موقفهم الحقيقي عند إحساسهم بالخطر.
وبما أن البرجوازية السودانية بمختلف شرائحها فيما عدا الرأسمالية الوطنية الواهنة، ليس لديها مصلحة في وجود دولة ديمقراطية، فهي لن تبذل جهداً حقيقياً في بنائها أو الدفاع عنها والتجارب تؤكد ذلك، وهذا يحتم على القوى الوطنية والديمقراطية التي تمثل كافة شرائح المجتمع صاحبة المصلحة في التغيير التوحد وإنجاز تحالفاتها لبناء هذه الدولة.وبالطبع حقيقة أن دولة سيادة حكم القانون منتج برجوازي خاص، لاتمنع القوى الوطنية والديمقراطية من تبنيه لما يلي من أسباب:
1. ليس كل ماهو برجوازي خاطئ ومرزول، فالثورة الصناعية التي أحدثت الإنفجار المعرفي وكرست نمط إنتاج أرقى بذاتها برجوازية.
2. دولة سيادة حكم القانون (مظهر) ل(جوهر) طبقي برجوازي واكب البرجوازية في لحظة صعودها عندما كانت تمثل القوى الصاعدة وكل الطبقات الإجتماعية المضطهدة حينها، هذا المظهر أصبح متقدماً على جوهره في الولايات المتحدة مثلا بعد ظهور الإمبريالية ورأس المال الإحتكاري الذي ضاق بها ذرعاً وبدأ في إصدار القوانين الإستبدادية كالتي أعقبت أحداث 11 سبتمبر، وبالتالي تبني القوى الوطنية والديمقراطية لها يغنيها بجوهر طبقي مختلف.
3. تبني الدولة الديمقراطية ليس نهاية المطاف، فإغناء الديمقراطية السياسية ببعدها الإجتماعي يظل واجباً قائماً وأساساً لنضال مستمر.
والخلاصة هي أن العمل لبناء دولة سيادة حكم القانون هو المدخل الوحيد لإنجاز عملية إصلاح قانونية واسعة، سوف نتعرض لأهم ملامحها في المباحث اللاحقة.

أولاً: الدستور:-
الناظر للدستور بوصفه الاداة التي تكرس وجود دولة سيادة حكم القانون،وتميز مابين الدولـــة الشموليـة دينية كانت أم غـير دينيــة، لابد أن يتوصـل إلى أن هنـــاك سمــات أساســية يشـكل وجودها أو تخلفهـا المعيـار الحاسم في المعـايرة والتمــييز. وبالرغم مـن كونيــة هـذه المعايير، إلا أن هنـــالك بعـض الخصـوصيـة التي تحتم إدراج بعض النصوص الدستـوريـة بدسـتور دولــة ما، في حين يكـون هذا الإدراج لامسوغ لــه بدساتير الدول الأخرى. وبتطبيق هذه القاعدة على واقع السودان، نجد أن أي دستور مؤسس لدولة سيادة حكم القانون، لابد أن ينص على مايلي:

1) المساواة أمام القانون وحظر التمييز بين المواطنين إستنادا للدين أو العرق أو المعتقد السياسي أو أي أسبـاب أخرى واردة بالمواثيـق الدوليـة حتى يتاح تأسيس دولة المواطنـة، وإدراج مبدأ المحاكمـة العادلــة الذي يحظر تقديم الشخص لغير قاضيه الطبيعي، كما يحرم توقيع عقوبات قاسية ووحشية على المدانين. والملاحظ هو أن دساتير الدولة الشمولية في السودان بنوعيها، لم تشتمل على هذه القاعدة بشقيها المذكورين، حتى يتسنى لها سن القوانين التي تريد.

2) الحقوق والحريـات كمـا نصت عليهـا المواثيــق الدوليــة والإقليميـة بالإضافـة إلى حظر التعذيب والنص على عدم سقـوط جرائم التعـذيب بالتقـادم، تمهيداً لإنفاذ مبدأ دستوريــة القوانين الذي يسمح بإبطــال جميع القوانين التي تلغي أو تنتقص من الحقوق الواردة بنصوص الدستور. وبالطبع يجب أن ينص على الحقوق المذكورة دون ورود العبارة سيئة الذكر في نهايـة النصوص المثبتـة، والتي تجعل ممارســـة تلك الحـقوق محكومــةً بـ"حــدود القــانون". فالصـحيح هو إعطـاء المشـرع الحق في سـن قوانين تنظم ممارســة الحقوق، دون إلغــاء أوتقييد أو إنتقاص منها، وأن يرد المنع من هذه الأمـور في صلب الدستور ليكن سياجاً حامياً لتلك الحقوق وفقاً لمبدأ دستورية القوانين المنوه عنه.

3) مصادر التشريع والتي يجب ألا تقل عن ثلاثة متكافئـة لها نفس الوزن، من الممكن إثباتها على أنهـا الدين والعرف وكريم المعتقدات، بحيث يصبح للمشرع وفقاً لنظريـة تكافؤ المصادر أن يشرع إستناداً لأي منها دون إلتزام بالمصادر الأخرى، في حدود ضوابط مبدأ الدستوريـة. وأهميـة النص على هذه المصادر مع تعددها، تكمن في أن الدولة الدينيــة الشموليـة في السـودان، راهنت دائماً على إثبـات مصدر وحـيد للتشريع تضعـه في مستوى واحـد مع الدستور، بحيث يجـوز لمشـرعها التشريع وفقاً لذلك المصدر وبالمخالفة للدستور، ويهزم بذلك جوهر مبدأ دستورية القوانين. وأوضح مثال لذلك هو المادة (65) من دستور العام 1998.

4) مبدأ الدستوريـة والذي بموجبـه تبطل كل القوانين المخالفــة للدسـتور، وخلق الجسم المنـاط به السـهر على تطبيقه وإثبات ملامح المحكمــة الدستوريــة بالدستور نفسـه حتى لاتترك للسلطـة التشريعيـة والتنفيذيـة بالتبعية فرصة التحكم في تكوينها، وتدمير أي فرصة لإنفاذ المبدأ وإفراغه من محتواه.

5) إستقلال القضـاء الذي يحتاج لباب كامل يثبت متطلبات هيئة قضائيـة مستقلـة موحـدة، يناط بها وحدها دون غيرها مهمة القضاء، ويحظر تكوين محاكم موازيــة لها، مع النص صراحــة على المحاكم الأخرى المسمـوح بها كالمحـاكم العسكرية مع تحديد إختصاصها، وإبطال أي محاكم أخرى يتم تأسيسها بأي كيفية كانت. وذلك لأن النظم الشمولية، قد درجت على تكـوين المحـاكم الخاصــة والمحـاكم المخصصـة لخدمــة جهات تنفيذيـة بمستوى يفقدها إسـتقلالها. كـذلك درجت على إعطـاء سلطـات قضائيــة لجهات مدنيــة لاعلاقة لها بالقضاء من قريب أو بعيد، وخـير مثـال لذلك قانون الأموال المرهونة لدى البنوك، الذي مكن البنوك من إغلاق الرهن وبيع العقار المرهون، وجعلها الخصم والحكم.

6) حق التقاضي بشقيه الإيجـابي والسـلبي، الذي يمكن المواطن من أن يقاضي ويقاضى أمام قاضيه الطبيعي، والذي بدونه لايمكن للهيئة القضائيـة المستقلـة أن تمارس دورها بفاعلية. والشاهد على ذلك هو غياب هذا الحق بدستور العام 1973 الأمر الذي حدا بالمحكمـة الدستوريـة في قضيـة ملاك دكاكين السوق الشعبي الشهيرة، للقول بأن حق التقاضي حقأً قانونياً وليس دستورياً، وبالتـالي يصح للقـانون حرمـان المواطن منه. وهو نفس السبب الذي سمح بإخـراج قـانون إخلاء المباني الحكومية من دائرة التقاضي سابقاً.

7) وجوب تنفيذ الأحكام وإلزام السلطـة التنفيذيـة بتنفـيذها دون تعليـق أو تبـاطؤ. والمثــال الأبرز لعـدم تنفيـذ أحكـــام المحاكم، هو رفض السلطـة التنفيذيـة لتنفيذ حكـم المحكمـة العليا في قضية حل الحزب الشيوعي الشهيرة، حيث علقت على الحكم ووصفته بأنه تقريرياً وليس ملزماً.

8) الحق في التنظيـم والتجمـع دون قيـود من أي نوعٍ كانت، حتى يتـاح تكـوين الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني دون تدخل من السلطـة التنفيذية. وذلك لأن غياب هذا الحق أو تقييده بحدود القانون، قد سمح للسلطتين التنفيذية والتشريعية، بمصادرة هذا الحـق أو بتضييق نطاق ممارستـه في أفضل الظـروف. والأمثلـة لاتحصى وتكفي الإشـارة لقانون الاحزاب الجديد، الذي يلزم الأحزاب بالتسجيل ويضع له شـروطاً تلزم الأحزاب بإتخاذ مواقف سياسيـة ممالئـة للسلطـة كقبول إتفاقيـة نيفاشـا حتى تتمكن من التسجيل وإكتساب الشرعيـة، وكذلك قوانين النقابات العتيدة التى – بدون إستثناء- أعطت مسجل النقابات سلطات واسعة ولم تتكرم بأن تجعله قاضياً لضمان الحياد.

9) الحق في الإضراب، بحيث تتوفر الحمايـة الدستوريـة لهذا الحق قبل الحمايـة القانونية، بمستوى يمنع من التلاعب بهذا الحــق الضـروري في ظل وجود حركــة نقابيــة تظـل رغـم كل شئ أحد الروافع والآليــات المهمــة في المجتمع السوداني. وذلك لأن القوانين في الدولـة الشموليـة إنتهزت إقتصـار الحمايـة على الصيغة السلبية المتمثلة في الحصانة النقابية الواردة بقانون النقابات بدلاً من الحماية الإيجابية والصريحة، وتمكنت من تقييد هذا الحق بقيود كبيرة أهم مثال لها هو صيغة التحكيم الثلاثي الإجباري أو الإلزامي الواردة بقانون العلاقات الصناعية لسنة 1976 سيئ الذكر.

10) الحق في الإقـتراع والتصـويت والترشيح، بحـيث لاتسلب القوانيـن المواطـن أيـأً مـن هـذه الحـقوق. والشــاهد أن مشـروع قـانون الإنتخـابات الجـديد، يسـلب المواطـنين المقيمـين خـارج البــلاد حقــهم في التصـويت لإختيار أعضاء البرلمان، في حين يثبت لهم الحق في المشاركة في الإستفتاء على رئاسة الجمهورية.

11) مبدأ شرعيــة القوانين، بحيث لايصح التجريم والعقـاب إلا بنص مسبق، وذلك حتى لاتتكرر الكارثـة التي نجمت عن إستخدام المادة 458 من قانون العقوبات لسنة 1983 مقروءة مع قانون أصول الأحكام القضائية لإستدخال جريمة الردة وإعدام الأستاذ الشهيد / محمود محمد طه.

12) حظر قيام الأحزاب على أسس دينيـــة وإدعــاء تمثيل السمـــاء في العملية السياسية ترفيعاً للحظر الوارد بقانون العقوبات لسنة 1983 إلى مستوى دستوري، بحيث لاتتكرر التجربة القاسية التي تعرض لها شعبنا ممن يدعون الحق في تحـديد مستقبل البـلاد على أسس لاهوتيـة مموهــة لأهداف أرضيــة فضحتهـا السلطــة. وذلك لأن الحــزب الإلهي المزعوم لايمكن أن يكون لاعباً مثل غيره من الأحزاب في العمليــة، لأنه بحكم تكوينـه يصبح نافيـاً لغيره وحكماً على الجميع بإعتباره سماوي الرسالة والتأييد.

13) مجانيـــة التعليــم والعـــلاج، حتى لايكون بمقدور أي برلمان أو حكومــة إلغــاء تلك المجانيــة إستناداً إلى أغلبية ميكانيكيـــة مثلمـا فعلت حكومــة الوفـاق الوطني المكونــة من تحالف حزب الأمــة والجبهــة الإسلاميـة القوميــة إبان الديمقراطيــة الثالثــة، حين تم إلغاء مجانية التعليم عند إجازة الميزانية، قبل أن يأتي إنقلاب الإنقاذ ويجهز على الإثنين معـاً. والأمر بلاشك واضح، فالحمايـة الدستوريــة لهذه المجانية في دولة الأغلبية الساحقة من سكانها تحت خط الفقر، مسألة ليست للنقاش أو المساومة.

14) إستقــلال الجامعــات ومؤسسـات التعليم العـالي، وذلك لضمان حريــة البحث العلمي وحمايتـه من تدخل السلطـة التنفيذية،وتفادي الآثار المدمرة التي نتجت عن تبعية هذه الجهات للجهاز التنفيذي عبر وزارة التعليم العالي.
15) حرية الوصول للمعلومات مع إيراد إستثناءات واضحة وتوفير رقابة قضائية على رفض النشر إنطلاقاً من حقيقة أن المعرفة حق للجميع وإدراكاً لخطورة إحتكار المعلومات.
16) حريـــة الصحافــة والنشـر وتأسيس الصحف ودور النشر، حتى تتاح الفرصة لوجود سلطـة رابعـة قوية وفعالة، آخذين في الإعتبار قوانين الصحافة والمطبوعات الحالية وماتتعرض له الصحف في ظل الإنقاذ.

17) المبادئ العامــة للتوجــه الإقتصادي بما في ذلك الموقف من دعم السلع الأساسيـة، ومن عملية الخصخصــة التي يجب أن تقتصر على المشـاريع الخاسـرة ولا أمل في إصلاحهـا والتي لاتعتبر حيويـة لإقتصـاد الدولــة وإستراتيجيتها العامة.

لاشــك في أن ماورد أعــلاه لايشـكل كل مايجب أن يتضمنــه الدســتور بوصفـه ضابطـاً لإيقـاع دولـة سيـــادة حكــم القــانون ومعيارها الذي يحقق تكامل النظـام القانوني كأداة تطرح القانون كما يجب أن يكون في مواجهـة القانون كما هو كائن، وتحقق الإندمـاج بين نظريـة القانون الطبيعي والنظريـة الوضعيــة، ولكنــه يضع بعض المحـاور المهمــة التي يجب مراعـاتها حتى نحصل على دستور يراعي الحقوق والحريات ويكرس لمبدأ الدستوريــة.وبما أن وجود مثل هذا الدستور لايستقيم إلا بتكامل عنصر الدستوريــة مع عنصر المؤسسيــة الذي يكرس مبدأً آخراً هو مبدأ الفصل بين السلطات، يصبح من الضروري أن ينص الدستور على المؤسسات التالية:

أ) الهيئة القضائية، بحيث ينص على الأحكام اللازمة لتكوينها كهيئة مستقلة تعزز إستقلال القضاء وتمكن القاضي من ممارســة عملـه دون تدخل أو وصايــة من قبل الجهاز التنفيذي بوضع القواعد العامة التي تمثل سياجاً للقضاء بما في ذلك قواعد الإستقلال المالي والإداري والحصانة القضائية.

ب)الجهاز التنفيذي، وبالأخص مجلس الوزراء في دولــة يفضل أن تكون جمهوريـة برلمانيــة وليست رئاسية لأسباب أشبعت جدلاً على المستوى الســياسي، بحيث تتضح سلطـات وواجبــات الجهــاز التنفيذي بصورة لالبس فيها. وكذلك النص على مجلس الرئاســة أو الســيادة الذي يجب أن يعكس التنوع والغنى الذي تذخر به بلادنا في ترميز واعٍ ودال، دون أن تكون للمجلس مهام أو سلطات تنفيذية مباشرة.

ج)الهيئـة التشريعيـة، مع ترتيب سلطاتها بشكل عام وتحديد صلاحيلتها وحصاناتها ووضع القواعد العامة التي تضمن تمثيـــلاً فعليـاً للقطاعـات المختلفـة والقـوى الناشطــة سياســياً،بحيث تكـرس التنـوع والحيويــة التي تنعـم بها بلادنـا.
وبالقطع لايكتمل النظام المؤسسي إلا بوضع قواعد وأسس الرقابة المتبادلة بين المؤسسات المذكورة أعلاه.

د) القــوات المسلحــة والنظاميــة، وهذه يجب أن تحـدد وظيفتهــا وواجباتهـا وتبعيتهــا ودورهـا السياسي خارج إطار الإنقلابات العسكرية، لإخراج بلادنا من الدورة الجهنمية التي تعيش فيها.

هـ) ديوان المراجع العام، الذي يجب أن يزود بسلطــات وصلاحيات كاملــة تخوله المساهمـة بفاعلية في ضبط النشاط المالي ومكافحة الفساد بأجهزة الدولة، مع ضمان إستقلاله التام.

بإختصار نستطيع القول بأن ماورد أعــلاه، مجرد محاولــة لجعل الدستور أداة فاعلـــة في مجتمع يحتـاج بشدة لوثيقـة ضامنة لوحدته، مكرسة للمؤسسية والدستورية، تجعل من الإصلاح القانوني – بوصفه مسألة ملحة- أمراً ممكناً.

ثانياً: القوانين:-
لاشك في أنه لايمكن تغطية القوانين جميعها بصفة تفصيلية، مما يحتم تناول المبادئ العامة التي يجب توفرها دونما ابتسار مخل. وهو أمر من الممكن إيجازه فيما يلي:-
أ/ القوانين العقابية:-
أهم مايطالعنا في القوانين العقابية هو ضرورة الالتزام بمبدأ الشرعية الدستوري، بحيث لايتم تجريم أي شخص أو معاقبته إلا بنص قانوني سابق لوقوع الفعل المجرم. ولا يستقيم تطبيق هذا المبدأ برجوازي الأصل والذي لايصح أن ينسب بأية حال لفترة ماقبل الثورات البرجوازية، إلا بوجود نصوص تجريم محكمة الصياغة واضحة المعاني تحدد على سبيل الدقة والقطع نطاق التجريم، كما تفرد العقوبة لتضمن تناسبها مع الجريمة. كذلك يجب نشر القوانين على نطاق واسع وتثقيف الجماهير حولها حتى يكون إفتراض العلم بالقانون عادلاً في بلاد تنتشر فيها الأمية.ومن المهم إعتماد الاستثناء المتفق عليه المتمثل في تطبيق القانون الأصلح للمتهم في حال صدور قانون معدل لوصف الجريمة أو مخفف للعقوبة أو حتى لاغي للتجريم من أساسه.
كذلك لابد من الاهتمام بالركن الشرعي للتجريم، وإدخال جرائم تحرم تسييس الأديان وإستخدامها لأغراض دنيوية محضة، مع إدخال الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية في القانون من المواثيق والقوانين الدولية ذات الصلة لاستكمال النقص التشريعي الذي فضحته مأساة دارفور.
بالإضافة إلى ذلك لابد من إعادة النظر في العقوبات الواردة بالقوانين للتأكد من أنها تراعي جانبي الردع والإصلاح معاً، مع التخلص من العقوبات الوحشية والقاسية إنسجاماً مع المبادئ الدستورية التي تم إثباتها أعلاه.

ب/ القوانين المدنية:-

العمل علي وضع فلسفة موحدة للقوانين المدنية والتجارية، بحيث تتبنى مبدأ حماية حقوق الأفراد بالمطلق أو المحافظة على استقرار التعامل، وألا يتم الدمج بين الاثنين إلا بأسباب واضحة يتم إثباتها في المذكرة التفسيرية للقانون المعني. وفي تقديرنا أن تبني مبدأ إستقرار التعامل هو الأنسب لبلادنا لأنه لايتجاهل حقوق الأفراد ، في نفس الفوقت لايهدر إستقرار الأوضاع منوهين إلى أن هذا المبدأ كان سائداً قبل قانون المعاملات المدنية المتأسلم، حيث يتجلي ذلك في أحكام إبطال العقود للجنون وقاعدة الـ " Caveat Emptor" التي تطالب المشتري بأن يكون حذراً وقواعد أخرى.
كذلك يجب أن يتم بشكل عام إعتماد مبدأ حرية التعاقد مع سن القوانين التدخلية لرفع القدرة التفاوضية للطرف الأضعف لتحقيق التكافؤ المفترض في مبدأ حرية التعاقد بسن قواعد تعتبر من النظام العام كما هو الحال في قوانين العمل والإيجارات.
وفوق ذلك يجب ألا ينص على المصادر البديلة للقوانين عند غياب النص التشريعي، بحيث تترك الحرية للمحاكم لتطبيق مبادئ العدالة والإنصاف والوجدان السليم دون التقيد بمصادر بديلة تتحق إلزاميتها بأولوية ترتيبها في النص المخصص لتلك المصادر. وذلك لأن غياب مثل هذا النص، يكسب نظامنا القانوني مرونة ويسمح للمحاكم بملاحقة تطور القوانين في مختلف النظم القانونية على مستوى العالم وإستدخالها بنظامنا عبر نظام السوابق القضائية. وبالطبع إن هذه المرونة لايمكن القدح فيها بالقول أنها قد تؤدي لعدم إستقرار النظام القانوني كما كان يقال في السابق، بإعتبار أن التشريع قد تم إعتماده كمصدر أصلي للقانون المدني وأن مساحة المرونة تكمن في إجتهاد المحاكم في حالة غياب النص التشريعي فقط.


ج/ قانون الإثبات والقوانين الإجرائية:-
لابد من تعديل قانون الإثبات الجنائي للعودة لتبني نظرية حرية الإثبات التي سادت جميع النظم القانونية في العالم بعد الثورة الفرنسية، بالمواكبة مع تعديل القوانين العقابية وإزالة الجرائم التي أدت إلي ضرورة تبني نظرية الإثبات المقيد وإن جزئياً كما هو وارد بجرائم الحدود. كذلك يجب أن يتم تعديل هذا القانون لإزالة النصوص التي تفرق بين المواطنين على أساس الجنس والدين لمخالفتها لمبدأ المساواة أمام القانون الدستوري. ولامناص من تفادي المصطلحات والقيود المبهمة مثل مصطلح "الشريعة الإسلامية" الذي فشلت المحاكم في إعطائه تعريفاً واحداً حيث تبنت تعريفاٍ موسعاً له أحياناً وتفسيراً ضيقاً في أحيان أخرى، مما أدي لأضطراب كبير في النظام القانوني. وأوضح الأمثلة لذلك، هو تقييد البينة المتحصل عليها بطريق غير مشروعة بعدم مخالفة الشريعة الإسلامية، وكذلك طلبات فحص الإجراءات الجنائية، ومراجعة أحكام المحكمة العليا المدنية التي حظر القانون مراجعتها إلا في حال مخالفتها للشريعة الإسلامية، وبتفسير المحكمة العليا للمصطلح تفسيراً واسعاً أصبح الحظر بلا معنى.
ومن المهم مراجعة سلطات النائب العام في وقف الإجراءات الجنائية، بحيث يتم إلزام النائب العام بتسبيب قراره، وإخضاع مثل هذا التسبيب للرقابة القضائية، إذ لايجوز إطلاق يد الجهاز التنفيذي في تعطيل عمل المحاكم لأسباب غير معلومة، والركون لرقابة الرأي العام وكأننا في إحدى الديمقراطيات العريقة. ولابد أن تدور الإستثناءات الواردة على هذه السلطة بخصوص الجرائم الدينية المصدر، وجوداً وعدماً مع الجرائم المذكورة.أيضاً لابد من مراجعة سلطة رأس الدولة في منح العفو بعد الإدانة مع إزالة القيود ذات الطابع الديني وتنظيم إستخدام هذه السلطة وفقاً لماهو متعارف عليه في النظم الحديثة.
كذلك يجب تكريس مبدأ التقاضي على درجتين، وإعطاء محاكم الدرجة الثانية سلطة أصلية في نظر الدعاوى وقبول البينة، حتى تتاح الفرصة كاملة لعرض القضايا والفصل فيها بصورة عادلة، دون تسرع ضار أو إبطاء منكر للعدالة.ولايفوتنا التنويه إلى ضرورة تمكين المحاكم من القضاء بالفوائد بالمواكبة مع تعديل القوانين الموضوعية لتسمح بذلك عملاً بالإجتهادات الحديثة لمجمع البحوث الإسلامية وشيخ الأزهر.

د/ قوانين الثروات الطبيعية والطاقة:-

ممالا شك فيه أن الثروات الطبيعية هي ملك للشعب السوداني قاطبة، وذلك يحتم وضعها تحت ملكية الدولة مهما كانت طبيعتها سواء أكانت غابية أو نفطية أو حيوانية. كذلك يجب أن تسن القوانين الملائمة لاستثمارها وتوزيع عائدات الاستثمار على الشعب، بحيث تكون مصدراً مستداماً عاماً غير مخصص لأفراد أو جماعات، وغير محتكر لفئة غير أخرى. وهذا يستلزم سيطرة دولة سيادة حكم القانون على هذه المصادر والثروات، والقيام بواجبها في إنشاء البني التحتية وتحديد السبل الأنجع للإستثمار إستناداً لنصوص قانونية واضحة تحظر تمليك هذه الثروات ومصادر الطاقة لأي جهة أجنبية، مع توضيح سبل إستثمار رأس المال الأجنبي فيها وحظر إعطاء الإمتيازات، وقصر هذا الإستثمار في المشاركة المقيدة بزمن وفي عقود المقاولة وربما الملكية المؤقتة على أساس البوت في مشاريع تحدد على سبيل القطع وتخضع للمراجعة الدورية الصارمة، يشدد فيها على عنصري التدريب ونقل التكنولوجيا ونسبة مقدرة من الإستيعاب للعمالة المحلية، مع نصوص واضحة لإنفاذ مبدأ الشفافية في مثل هكذا معاملات.

هـ/ قوانين الخصخصة والإستثمار:-

لمواجهة موجة الخصخصة التي إنتشرت على مستوى عالمي بالمواكبة مع أيدلوجيا الليبرالية الجديدة فيما عرف بالعولمة، وضبط التعامل مع مؤسسات العام وملكية الشعب بعيداً عن سيادة الفساد الذي ساد جميع عمليات الخصخصة ببلادنا، لابد من سن قانون موحد لخصخصة المؤسسات. فمن حيث الموضوع، يجب أن يحدد القانون المؤسسات القابلة للخصخصة وأن يستبعد منها خصخصة المؤسسات والمشاريع الإنتاجية المرتبطة بالمنتجات الإستراتيجية، والخدمات التي لاغني للمواطن عنها مثل المؤسسات العلاجية. فالمشاريع القابلة للخصخصة هي تلك التي يثبت أنها خاسرة وغير قابلة للإصلاح ولا تقع ضمن الاستثناءات المذكورة آنفاً. وعلى القانون أن يبين آلية التوصل لخلاصة تبرر خصخصة المؤسسة وآليات مراجعة القرار والتثبت منه إدارياً ومن ثم سبل الطعن القضائي فيه. أيضاً يجب أن يحدد القانون سبل تقييم المؤسسة المعنية مع الاستعانة ببيوت الخبرة المحلية والعالمية، ومن ثم طرحها في مزاد عام وفقاً للقواعد المتعارف عليها دولياً لضمان عدم التلاعب من ناحية إجرائية. كذلك لامناص من أن ينص القانون على التدابير اللازمة لحماية العاملين بالمؤسسة المعنية، مع الاحتفاظ للدولة بحق استرداد المؤسسة في حالات بعينها وتحديد الآليات المناسبة لذلك.
وفيما يخص قانون الاستثمار، لامناص من جعل القانون مشجعاً للإستثمار المحلي والأجنبي، بشرط أن تحدد قطاعات الإنتاج التي تحتاج البلاد لها على سبيل القطع بالقانون مع إيجاد آلية تشريعية تسهل تعديلها لتواكب الخطط الإقتصادية المجازة من قبل الأجهزة التنفيذية والتشريعية المختصة. ومن المهم وضع آلية شفافة خاضعة للرقابة الإدارية والقضائية تحدد كيفية منح الإمتيازات وإلغاء المنح مع سن العقوبات الملائمة لضمان الجدية وإيقاف التلاعب بالتسهيلات الممنوحة وتحويلها لوسيلة إثراء للطفيليين. كذلك لابد من وضع آلية لمتابعة تنفيذ المشاريع الإستثمارية ومدى جدية من منحوا تسهيلاتها في تنفيذها ومدى إسهامها في الاقتصاد القومي ومراجعة أسباب المنح وفقاً لذلك.
وبالطبع يتحتم السماح للمستثمر الأجنبي بتحويل العائد من إستثماره للخارج بعد دفع مستحقات الدولة. ولا يفوتنا أن نؤكد على أن المستثمر الأجنبي عند منحه الإمتيازات لابد من أن يشترط عليه نقل التكنولوجيا الحديثة وتدريب العاملين المحليين على إستخدامها مع تحديد نسبة هؤلاء المحليين وحماية حقوقهم مسبقاً. وبلاشك يتوجب تحـديد المجالات التي تحتاج البلاد فيها لاستثمارات أجنبية مسبقاً، وأن يتم الأخذ في الاعتبار عقود المشاركة والبوت ونقل التكنولوجيا ، مثلما هو مهم تشجيع الاستثمار التعاوني وسن القوانين المناسبة للحركة التعاونية.

و/ قانون الإصلاح الزراعي:-
الزراعة هي المصدر الأساس لأي نهضة إقتصادية في السودان الذي لامناص من إنجاز ثورة زراعية صناعية لإخراجه من الوهدة التي يعيش فيها. وبما أن عملية الري هي المدخل للقيام بعملية إصلاح زراعي ببلادنا، لابد من سن قانون يحدد مسئولية الدولة في رعاية مصادر المياه وتنظيمها وتوزيع المياه على المزارع المنتج حسب الحاجة ودون إثقال كاهله بجبايات تقتل العملية الإنتاجية وتدمر المنتج. كذلك لابد من مراجعة أسس الملكية وعلاقات الإنتاج، لتراعي حقوق المنتج وتعيد توزيع المنتج بصفة عادلة وتخرج رأس المال الطفيلي من العملية الإنتاجية مرة وإلى الأبد.
وهذا بالطبع يستلزم إلزام الدولة بمعالجة الملكية والتوزيع في المحاصيل النقدية، وتشجيع ملكية الدولة والملكية التعاونية مع تنشيط الزراعة بالقطاع الخاص وفقاً للخطط مرنة. أيضاً يجب معالجة صيغ التمويل وإلغاء الصيغ الشبيهة لنظام الشيل (السلم) التي أرهقت المزارع المنتج وأرهقته، وإستخدام صيغ تمويل عادلة تقوم فيها الدولة بدور فاعل في العملية الإنتاجية وتحمي مدخلاتها، وتكرس حماية المزارع المنتج بصيغ متعددة مثل الحساب المشترك في مشروع الجزيرة سابقاً أو عبر صيغة مشاركة تجعل من الدولة شريكاً في الربح والخسارة مع عدم إلغاء دور الحوافز للتفاوت في طبيعة الإنتاج عند تماثل الظروف كافة. ولاشك في أن المدخل لأية عملية إصلاح زراعي في الوقت الراهن، هو إصدار قانون بإسقاط مديونيات المزارعين المنتجين لبنوك رأس المال الطفيلي وإخراج البنوك التجارية من تمويل العملية وحصرها في البنك الزراعي المتخصص بعد إصلاحه وتأهيله وإعادة النظر في صيغ التمويل.

ز/ قوانين العمل:-
تحتل قوانين العمل مركزاً مهماً ضمن منظومة القوانين باعتبارها محددة لعلاقات إنتاجية. والمتعارف عليه عالمياً، أن تلك القوانين لابد من أن تنظم المراحل الثلاث لعلاقة العمل لتحمي العاملين وفقاً لطبيعتها التدخلية. فالمطلوب هو وضع قواعد تنظم مرحلة ماقبل التعاقد لحماية مبدأ المنافسة الحرة ، وقواعد أخرى تنظم مرحلة التعاقد والحد الأدنى لحقوق العاملين مع تحديد آليات التأديب وقواعد إنهاء وانتهاء التعاقد، وثالثة تنظم مرحلة مابعد العقد من مكافآت وعدم منافسة ومحافظة على السرية. والقيام بذلك يمنع المحاباة وسوء استخدام السلطة والمحسوبية عند التعيين، والتي انتشرت في الإنقاذ بصورة غير مسبوقة ومدمرة، كما أنه يحمي العاملين ويوقف الفصل للصالح العام بالقطاع العام والفصل مع دفع تعويض جزئي بالقطاع الخاص في حال الالتزام بقواعد منظمة العمل الدولية، ويؤسس لاستفادة العامل من فترة عمله مستقبلاً مع عدم الإضرار بأصحاب العمل.
ولابد أن تكرس القوانين مبدأ الحرية النقابية وحماية حق تنظيم النقابات والتجمع في اتحادات نقابية، وجعل التسجيل إجراءً كاشفاً وليس تأسيسياً مع تقليص سلطات المسجل وإخضاعها بعد جعلها سلطاتٍ قضائيةٍ يمارسها قاضٍ مختص، للرقابة القضائية.وهذا يحتم منع حل النقابات أو إيقاف نشاطها دون الحصول على حكم قضائي بذلك.
كذلك يجب النص صراحةً على حق الإضراب دون وضع قيود عليه، وحماية العاملين بتوسيع مظلة الحصانة النقابية، مع اعتماد مبدأ التفاوض الجماعي لإبرام العقود. وفوق ذلك، لابد من النص على قواعد شاملة ودقيقة وعادلة بشأن التأمين الاجتماعي.

ح/ قوانين التعليم:-

أول مايتوجب النص عليه بقوانين التعليم هو مجانية التعليم وحظر فرض الرسوم بأي شكل كان وتحت أية مبررات، مع التشديد على أن مصادر تمويل العملية التعليمية هم اجتماعي يقوم به المجتمع ككل ولا شأن لفرد معين به لأن التعليم مخصص لخدمة المجتمع لا ذلك الفرد. ولسنا في حاجة للقول بأن فرض الرسوم مهما كان حجمها في بلاد أكثر من 90% من سكانها تحت خط الفقر، لايعني سوى نتيجة واحدة هي زيادة الأمية المستشرية بالأصل. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تنص القوانين على ديمقراطية التعليم بحيث تشمل ديمقراطية القوانين واللوائح والمؤسسات، وقبل ذلك كله ديمقراطية المناهج وانفتاحها على الفكر الإنساني بكافة مدارسه. ومن المهم أن يشتمل المنهج على مقوماته الثلاثة من معرفة وتدريب وسلوك وأن يتم الإلزام بذلك بنص القانون بحيث تصبح الأجهزة المختصة بوضع المناهج في مواجهة التزام قانوني.
كذلك لابد أن تنص القوانين على استقلالية مؤسسات التعليم العالي من جميع النواحي المالية والإدارية والأكاديمية، مع حرية البحث العلمي وتخصيص نسبة ثابتة- تشكل الحد الأدنى- من ميزانية الدولة لدعم البحث العلمي.ولامناص من إلزام الجهاز التنفيذي بوضع خطط تربط عملية التعليم باحتياجات التنمية، وتؤسس للاستفادة من مخرجات التعليم وتلغي أو على الأقل تحد من ظاهرة البطالة والهدر المستمر للموارد البشرية.
ولا يفوتنا أن نذكر بضرورة النص على مواكبة التطور العلمي مما يحتم العودة للدراسة باللغة الإنجليزية لتخلف قطاع الترجمة واستحالة المواكبة عند التدريس باللغة العربية.




ط/ قوانين مكافحة الفساد:-

من الأمور التي تدعو للأسى، أن السودان قد إحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية بإستثناء العراق من حيث الفساد وفقاً لتقرير سابق لمنظمة الشفافية العالمية. ولاعلاج لهذه الحالة بسن القوانين فقط، ولكن يبقى وجود القانون مؤشراً يدل على وجود جدية في محاربة الظاهرة. لذلك لابد من سن قانون يرصد حالات الفساد ويقنن أركانها وعناصرها بشكل تفصيلي، بحيث لايغفل الرشوة بأحوالها الظاهرة والمستترة، ويتضمن الأرباح السرية والنشاطات الموازية التي تنشأ من العمل المعني، والمحسوبية بتفاصيلها، كما يجب أن يشمل التصدي للمسئولية دون دراية أو تأهيل باعتبارها مدخلاً لفساد لاسبيل إلى درئه أو تفاديه. كذلك لابد من تجريم الفساد الذي من الممكن أن يرتكبه السوداني خارج البلاد حصرياً وعدم الإكتفاء بنص الاختصاص العام الذي عادةً مايرد في نصوص قانون الإجراءات الجنائية. ويجب بالمواكبة لذلك توسيع سلطات المراجع العام لتشمل جميع الجرائم التي يجب إستداخلها وفقاً لتوسيع مفهوم الفساد، مع عدم إستثناء القطاع الخاص من تلك الجرائم وخلق جهة تتبع لوزارة العدل لرصد ومتابعة جرائم فساد القطاع الخاص، تخضع بحكم تأسيسها للرقابة القضائية. ولا يفوتنا أن ننوه إلى أن الغرض من القوانين، هو احتواء الفساد حتى تعالج أسبابه من الجذور ويصبح القضاء عليه أمراً ممكناً. وهذا أمر يتطلب معالجة شاملة للأزمة الاقتصادية وإنهاء ظاهرة الإفقار المنظم، وإيجاد أساس اقتصادي لقيم مكافحة الفساد.


ي/ قوانين الثراء المشبوه وغسيل الأموال:-

يجب أن تكون الفكرة الأساسية خلف تجريم الثراء المشبوه هي منع تكوين الثروات بطريقة غير مشروعة وضارة بالاقتصاد الوطني لأنها تتم بالأساس خارج الوسائل المشروعة للحصول على الأموال. وفي هذا يتلاقى الثراء المشبوه مع غسيل الأموال إذ أن كلاهما ينتج عنه الحصول على أموال بصورة غير مشروعة. ولكن في حالة الثراء المشبوه، يكفي فقط إثبات وجود الثروة وأنه ليس لصاحبها مصادر واضحة لتحصيلها لينتقل إليه عبء إثبات مشروعية مصادرها. أما غسيل الأموال فهو أكثر تعقيداً باعتبار أن المال المشبوه يدخل في نشاطات مشروعة يراد منها تغطية المصدر غير المشروع بحيث يستعصى معه متابعة مصادر الأموال وإثبات عدم مشروعيتها. ولذلك تضطر السلطات المختصة لمتابعة الأموال النظيفة شكلاً وردها إلى مرحلة تجعل عبء الإثبات ينتقل لمالك المال لإثبات المشروعية ، أي تلتزم السلطة برد المال لمرحلة كونه مال مشبوه يتوجب على صاحبه نفي الشبهة عنه. ورغم هذا التداخل فمن المهم سن قانونين منفصلين لوضع نطاق تجريم محدد وواضح وعقوبات مناسبة لكل جريمة من الجرائم مع تحديد قواعد الإثبات بشكل تفصيلي بحيث تتضح وظيفة وواجبات الاتهام وكذلك الأعباء الملقاة على عاتق المتهم ، حتى لايتم إرهاق السلطة بعبء إثبات يقود لإفلات المجرم، أو يسمح لها بأخذ الناس بالشبهات بدون دليل. ولا يفوتنا أن ننوه إلى عدم إصباغ أياً من هذين القانونين بصبغة دينية واستخدام المعايير الدولية المعترف الدارج استخدامها في هذه الأحوال حتى تخدم هذه القوانين الأغراض التي سنت من أجلها، ولا تصبح وسيلة لتجريم الفائدة المصرفية مثلاً التي يرى شيخ الأزهر ومجمع البحوث و كثير من دول الخليج مشروعيتها.

ك/ قانون الحقوق الأساسية:-

لابد من سن قانون للحقوق الأساسية يصنف كقانون أساسي تبطل كل النصوص التي تخالفه، ينظم ممارسة الحقوق الدستورية ويضع الآليات لممارستها دونما انتقاص أو تقييد أو إفراغ لها من مضمونها. وأهمية مثل هذا القانون تكمن في نقل الحقوق الأساسية من إطارها الدستوري على مستوى قانوني قابل للتطبيق بواسطة المحاكم بكافة درجاتها بدلاً من انتظار المحكمة الدستورية لتعلن عدم دستورية قانون ما. أي أن يتم الانتقال لمستوى الإنفاذ الإيجابي والنشط للحقوق الأساسية بدلاً من الركون لإنفاذها عبر التطبيق السلبي وفقاً لقاعدة الدستورية. فوجود قانون يسمح بالمطالبة المباشرة لإنفاذ الحقوق وبتقديم الدفوع القانونية إستناداً عليه أمام المحاكم بكافة درجاتها دون انتظار لقرار بعدم الدستورية وفقاً لإجراءات الطعن بعدم الدستورية.
كذلك يوفر سن قانون ، فرصة تنظيم هذه الحقوق وإزالة أي تناقض شكلي قد ينجم عن غياب التنظيم، ويوفر أيضا فرصة لمعالجة اقتصاديات الحقوق الأساسية وكيفية تمويل ممارستها حتى لاتصبح حبراً على ورق أو حقوقاً للأغنياء فقط. وبلاشك يتيح مثل هذا القانون فرصة للتصدي لجميع القوانين المقيدة للحريات والمنتهكة للحقوق بصورة حيوية تشارك فيها كافة المحاكم بحيث يسهل إبطال جميع النصوص المخالفة، واختصار الكثير من التعقيدات التي تستهلك الوقت وتضعف الحماية في حال الركون لمبدأ عدم الدستورية وحده.

ثالثاً: الأجهزة العدلية :-

أ/ الهيئة القضائية:-
أهم مايجب بناء الهيئة عليه هو مبدأ إستقلال القضاء. ولايمكن تكريس هذا المبدأ إلا بضمان الإستقلال الإداري عبر تشكيل مؤسسة كمجلس القضاء العالي يكفل إستقلالها التام بإدارة شئون القضاء دون تدخل من الأجهزة الأخرى. كذلك لابد من ضمان الإستقلال المالي بحيث لاتقع الهيئة القضائية تحت النفوذ المالي للجهاز التنفيذي. يضاف إلى ذلك ضرورة وضع قواعد صارمة ودقيقة للتعيين والترقية والفصل، حتى يتم تعيين الأكثر كفاءةً وترقية المستحقين للترقية، مع ضمان عدم فصل القضاة إلا لأسباب منصوص عليها على سبيل الحصر، تتطابق مع المعايير المتبعة دولياً. أيضاً لابد من سن قواعد تفصيلية تكرس مبدأ الحصانة القضائية المطلقة، مع السماح للمتضرر من أعمال القضاء بمقاضاة الدولة وليس القاضي الفرد. كل ماتقدم لايستقيم دون منع إنشاء القضاء الموازي أو تأسيس محاكم بديلة
لمحاكم الهيئة من أي سلطة كانت، مع إستثناء المحاكم التي يسمح بها الدستور كالمحاكم العسكرية الخاصـة بالجهات العسكرية فقط، مع مراقبة تأسيس المحاكم المتخصصـة حتى لاتقع أسيرة للجهاز التنفيذي عبر الهبات والمخصصات من مباني وعربات وماإلى ذلك.
بالإضافة إلى ذلك لابد من الاهتمام بشكل خاص بتشكيل المحكمة الدستورية واختصاصاتها بحيث يتم ضمان حيدتها وكفاءتها وعـدم تحولها إلى مرحلـة تقاضي أخرى تفحص عمل القضاء العادي، حتى تتفرغ لمهمتها الأصلية. ومن المحبذ أن تبقى المحكمة المذكورة كدائرة ضمن المحكمة العليا كما كانت في السابق.


ب/ وزارة العدل:-
لابد من إعادة تأهيل أقسام وإدارات الوزارة عبر إستعادة الضوابط الإستيعابية ومراجعة ماتم من تعيينات سياسيـة. كـذلك يجب أن يتم حصـر النشـاط التشـريعي وإعداد مشاريع القوانين بإدارة التشريع فقط وإستبعاد القصر الجمهوري من مثل هكذا النشاط والنص على ذلك صراحةً. أيضاً يجب إعادة النظر في هيكلـة الأقسام والإدارات لتتواكب مع إحتياجات الدولـة، وتفعيل نشاط قسم العقود والإتفاقيات الدولية مع إعادة تنظيم المسجل التجاري لضبط فوضى تأسيس الشركات الوهمية وتكثيف الرقابة عبر تعديل قانون الشركات واللوائح الداخلية، وإعادة النظر في قسم العلامات التجارية لتطوير دوره بمايقابل الإندفاعة التي تمت في ظل العولمة. كذلك لابد من إعادة النظـر في دور النيابات وآلية ممارسة نشاطاتها وتوزيعهـا الجغرافي، مع تطـوير قسم الفتوى وتفعيل دوره. يضاف إلى ذلك ضرورة إعادة النظر في مناهج وفرص التأهيل والتدريب البالية وغير المواكبة لماحدث ويحدث من تطورات.

ج/ المحاماة :-
عانت مهنـة المحاماة كثيراً تحت النظام الشمولي الراهن، حيث تم الإعتداء مراراً وتكراراً عليها عبر تعديلات لقانون المحاماة. لذلك لامناص من سن قانون يكرس إستقلال مهنـة المحاماة وحصانة المحامي ومكتبه ضد إعتداءات السلطة التنفيذية، ويكفل حرية التجمع في ظل نقابة نوعية تهدف إلى حماية الحقوق والحريات وتطوير المهنة والقوانين. ومن المهم أن يتم الإنتباه لشروط منح تراخيص مزاولة المهنة ومتابعة فترة التدريب بحيث يتم التأكد من صلاحية الشخص المعني للممارسة، وقبل ذلك إنفاذ فكرة المعهد التأهيلي كمرحلة إجبارية تسبق إمتحان تنظيم المهنـة، الذي يجـب مراجعـة مواده وتغليب الطابع العملي فيها.وبالإضافة إلى ذلك، لابد من إعادة النظـر في عمل المحامين كموثقي عقود، وتقييم هذه المسألة لإصدار قرار بشأن إستمراريتها من عدمه.

د/ الشرطة والسجون:-
لايستقيم النشاط العدلي في جانبه الجنائي دون وجود جهازي شرطة وسجون فاعلين. والمطلوب هو مراجعة شاملة لقوانين الشرطـة والسجون وإعادة النظر في الإستيعاب والتدريب مع تفصيل أفضل للسلطـات وتحديد لدور هذه الاجهزه مع توضيح آليات المحاسبـة وتبيين سـبل التعاون بينها وبين الأجهزه العدلية الأخرى ومنع التعدي على إختصاصاتها من قبل الأجهزه الأمنيـة وخصوصاً جهاز أمن الدولـة. وفيما يخص أجهزة السجون لابد من إلزامها بالتعاطي الإنساني مع النزلاء والنص صراحةً وبتفصيل على حقوق الأخيرين بالإضافة إلى تحديد مواصفات السجون بالمطابقة للمعايير الدولية والإنسانية بنص دقيق ومفصل.
رابعاً/ التعليم القانوني:-
شهد التعليم القانوني تدهوراً مريعاً في بلادنا. فبالمواكبة مع التوسع الأفقي في هذا النوع من التعليم، إنخفض مستوى مخرجاته بشكل مريع. والأسباب تكمن في خلط التعليم القانوني بالتعليم الفقهي لمؤسسات دينيـة آيدلوجيـة، مع تغييب متعمد للدراسة المقارنة، وتعريب سياسي غير ممنهج للدراسة لتكريس غياب المقارنة وعزل المنهج عن التطور العلمي الذي لاسبيل لإدراكه إلا بلغـة أجنبيـة. حدوث ماتقدم لمنهج يعاني معرفياً بالأساس ويغيب عنه الجانب السلوكي والتدريبي، جعل الوضع كارثياً. ولاسبيل للإصلاح إلا بتبني منهج دراسة مقارنـة يسمح بمقارنة الشريعة الإسلامية بغيرها من القوانين ، وقراءتها وفقاً لرؤى غير مقدسـة وبشكل أكاديمي طالما أنها أصبحت قوانين وكفت عن أن تكون نصوصاً مقدسـة. وحتى يتسنى ذلك، لابد من العودة للتدريس باللغـة الإنجليزية لقراءة آراء فقهاء القانون بالنظم الأخرى في قوانيننا. بالإضافـة إلى ذلك، لابد من وضع مناهج متكاملة للتدريب أثناء الدراسة، مع إضافة البعد السلوكي عبر إدخال مواد كمدخل للعلوم السياسية والإقتصاد السياسي وعلم النفس والتاريخ الحديث بتطبيق عام على الواقع السوداني،حتى يتصل الطالب بمجتمعـه ويتمكن من تحليلـه والتعاطي معه.
يبقى أن نؤكد بأن خريجي المؤسسات الدينية بالحتم لن يتسنى لهم الحصول على مثل هذا المنهج لأسباب آيدلوجية، مما يحتم إستبعادهم من المهن القانونيـة إستبعاد تام، أو قبولهم كقضاة شرعيين فقط ومحاميين متخصصين في الأمور الشرعيـة كما كان في السابق، مع تعديل القوانين المعنية لتسمح بذلك. ولايفوتنا التنويـه لضرورة معالجة مشاكل البحث القانوني بأبعادها المنهجيـة والماليـةوالإجرائية التي مازالت تقوض الجهود الجادة في تطوير مخزوننا العلمي.

خاتمة:-

من الواضح أن ماورد أعلاه لايعدو حالة كونه إيجازاً نرجوا ألا يكون مخلاً لمسألة معقدة لاتحتمل التبسيط هي عملية الإصلاح القانوني في بلادنا. جوهر هذه العملية هو القواعد الحاكمـة لدولة سيادة حكم القانون، بتطبيق مباشر لها على واقع السودان لسد الثغرات ومعالجة المشكلات عبر الأداة الفاعلـة المتمثلـة في دستور ديمقراطي يراعي التعدد والتنوع والغنى الذي تنعم به بلادنا، تعضده في ذلك قوانين محكومة بمبدأ الدستوريـة ومواكبـة للتطور العالمي مع مراعاة لواقع تطور البنية القانونيـة السودانية والإستفادة من تجربة وممارسة عمرها أكثر من قرن من الزمان، وتعززه أجهزة عدلية قوية ومستقلة، محمية في إطار القيام بدورها.





#أحمد_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مساهمة في نقد مشروع التقرير السياسي العام المقدم للمؤتمر الخ ...
- لفرنسا وجهة نظر!!!(عودة هادئة لقانون حظرالرموز الدينية بعد إ ...
- موقف مرائي من الإحتلال! (في الرد على بعض محاججات دعاة التطبي ...
- إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان مرة أخيرة (ملاحظات ...
- إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان مرة ثالثة (الآثار و ...
- إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان مرة أخرى (لماذا إنت ...
- النظام القانوني للدولة المهدية-أول دولة دينية في تاريخ السود ...
- مفهوم الدولة في الشريعة الإسلامية وأثره في تغييب مبدأ سيادة ...
- إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان- صراع د. الترابي وت ...
- مداخلة في فقه مصادر القانون (التشريعات الإسلامية في السودان ...
- أخطاء قاتلة في قراءة إستراتيجية!!( حديث في محرمات السياسة ال ...
- هوامش على المتن-(قراءة نقدية موازية لمقالات الأستاذ نقد الخم ...
- في أصول ضبط المصطلح- السودان: نخبة نيلية حاكمة أم نخبة طفيلي ...
- أثر التشريعات الإسلامية في النظام القانوني السوداني
- مسائل لا تحتمل التأجيل-التحالفات وقضايا المشاركة في السلطة
- الشريعة الإسلامية وغياب مفهوم النظام القانوني الحديث
- أزمة شريكي نيفاشا- محصلة طبيعية لبداية وحسابات خاطئة


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- يروي ما رآه لحظة طعنه وما دار بذهنه وسط ...
- مصر.. سجال علاء مبارك ومصطفى بكري حول الاستيلاء على 75 طن ذه ...
- ابنة صدام حسين تنشر فيديو من زيارة لوالدها بذكرى -انتصار- ال ...
- -وول ستريت جورنال-: الأمريكيون يرمون نحو 68 مليون دولار في ا ...
- الثلوج تتساقط على مرتفعات صربيا والبوسنة
- محكمة تونسية تصدر حكمها على صحفي بارز (صورة)
- -بوليتيكو-: كبار ضباط الجيش الأوكراني يعتقدون أن الجبهة قد ت ...
- متطور وخفيف الوزن.. هواوي تكشف عن أحد أفضل الحواسب (فيديو)
- رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية -لا يعرف- من يقصف محطة زا ...
- أردوغان يحاول استعادة صورة المدافع عن الفلسطينيين


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد عثمان - نحو إصلاح قانوني فاعل