أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عثمان - مداخلة في فقه مصادر القانون (التشريعات الإسلامية في السودان وتشويه القواعد الحاكمة للمصادر)















المزيد.....

مداخلة في فقه مصادر القانون (التشريعات الإسلامية في السودان وتشويه القواعد الحاكمة للمصادر)


أحمد عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2120 - 2007 / 12 / 5 - 11:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في دراسة مصادر القانون عادة يعتبر أن القانون هو القواعد واجبة التطبيق بواسطة المحاكم وعلى هذا الأساس تنقسم مصـادر القانون إلى قسمين رئيسين :- مصادر رسمية (مباشرة) ومصادر مادية (غير مباشرة) .
وبالطبع الأولى هي المصادر واجبة التطبيق أو أن شئنا الدقة هي القانون والثانية هي مصادر القانون المادية أو الجذر الذي يستند إليه المشرع أو المحكمة عند غيبة النص في إيجاد أو استنباط القاعدة واجبة التطبيق على الوقائع التي تعرض أمام المحكمة . والقانون بتعريفه هذا انقسمت أنظمته عالميا لقسمين أحدهما يعتمد على التشريع كمصدر رسمي للقانون والآخر يعتمد على السابقة القضائية .
والأصل في نظام التشريع أن المصدر المادي للقانون لا يكتسب الرسمية ليصبح واجب التطبيق بواسطة المحاكم ، إلا بعد تدخل المشرع العادي وإضفاء الرسمية عليه بنص أو نصوص بعينها .
أما في نظام السابقة القضائية فان المحكمة بنفسها تغوص في أغوار المصادر المادية لتنتج القاعدة القانونية الملزمة . وفي الحالتين والنظامين لا تستطيع المحاكم أن تخالف النص التشريعي الصادر من المشرع العادي بوصفه صاحب السلطة الأصلية في العودة إلى المصادر المادية واستنباط القواعد منها وفقا للتفويض الشعبي له – طبعا هذا في الدول التي تعترف بسيادة الشعوب وحقها في حكم نفسها بنفسها . والقاعدة العامة هي أن المشرع في رجوعه هذا يحكمه مبدأ الدستورية كضمانة أساسية لمبدأ سيادة حكم القانون . وذلك لان الافتراض القانوني هو أن الدستور كوثيقة أساسية ارتضاها الشعب لتنظيم حياته ونشاطاته وأودعها المبادئ التي تحافظ على كرامة الفرد وتماسك المجتمع ، هو المعيار الأساسي لمدى صلاحية ما سنه المشرع العادي لتحقيق هذه الأهداف . والسائد هو أن الدساتير تكتفي عادة بإيراد الحقوق والحريات الأساسية وبتحديد مؤسسات الدولة وسلطاتها وتسكت عن إيراد المصادر المادية للتشريع . وذلك حتى تسمح للمشرع العادي بحرية الرجوع إلى المصادر التي يراها مناسبة ليستنبط منها تشريعاته بشرط الا يخالف نصوص الدستور . ولكن درجت بعض الدساتير على النص على المصادر المادية للتشريع وبذلك ضيقت على المشرع العادي خياراته في الرجوع للمصـادر الأخرى . إذ أن عليه الرجوع إلى المصادر المنصوص عليها أولاً وحتى في حالة عدم وجود قواعد يستطيع استنباط تشريعاته منها يكون ملزما بألا يستنبط من المصادر الأخرى ما يخالف مبادئها العامة .
وبالطبـع الأصل في المصادر المادية التكافؤ ومجرد ورودها على سبيل التعداد بالدستور لا يعني ترتيبا ملزما لها . ولكن يستطيع المشرع الدستوري أن يجعل من مصدر ما المصدر الأساسي أو الأصلي أو الوحيد للتشريع وحينها يصبح النص التوجيهي الذي يعدد المصادر نصا موضوعيا ملزما للمشرع العادي . وبما أن المصادر المادية المختلفـة ذات جذور اجتماعية متباينة أنتجت كمنظومات قيم تتباين بتباين أصلها الاجتماعي ، يصبح التناقض فيما بينها أمرا لا مناص منه . والأصل هو أن المشرع العادي بالخيار في الرجوع لأي من المصادر المادية عند التناقض مالم يقيده الدستور بتفضيله لمصدر معين وحينها يكون قد حسم التناقض لمصلحة هذا المصدر .
وبالقطع أن تقييد المشرع العادي بمصدر بعينه غير محمود لان الوثيقة الدستورية الغرض منها أن تكون أساسا وحدويا لتنوع غني بتناقضاته . وإطلاق يده يعني الاعتراف بالتنوع وبأحقية القيم غير السائدة اجتماعيا في أن تأخذ نصيبها من التشيؤ في شكل قوانين وبالتالي من الاعتراف الاجتماعي بها . أما على صعيد القوانين المنظمة لرجوع المحاكم للمصادر المادية كمصادر رسمية تبعية أو مكملة تأتي بعد التشريع عند غيبة النص ، فأنها بلا استثناء تحسم التناقض لمصلحة المصدر الذي يأتي ترتيبه أولاً ، هذا في حالة أن النص نفسه لم يقدم صراحة مصدرا بعينه على بقية المصادر . لذلك يبقى نظام السابقة القضائية أكثر مرونة من نظام التقنين باعتبار أنه يخلو دائما من قوانين تنظم رجوع المحكمة لهذه المصادر استنادا إلى أن سلطتها في الرجوع أما أن تنبع من سلطة أصلية امتلكتها بحكم طبيعتها لتحقيق العدالة أو لنص يحيلها لمبادئ العدالة والأنصاف مما يتيح لها حسم التناقض وفقا لما تراه مناسبا .
والسودان مثله مثل سائر الدول الحديثة ، ينبغي أن تخضع العلاقة بين مصادر قانونه المادية وقوانينه للقواعد السابقة . والناظر لموقف دساتير السودان ومشاريع الدساتير من مصادر التشريع ، يجد أنها تراوحت ما بين الصمت عن ذكر هذه المصادر وتعدادها في الغالب وأحيانا حسم تناقضها لمصلحة مصدر بعينه هو الشريعة الإسلامية . أما فيما يخص القوانين التي تعاملت مع المصادر في حالة غيبة النص التشريعي ، فهي أيضا تراوحت ما بين إعطاء المحاكم حرية مطلقة في الرجوع لمبادئ العدالة والأنصاف والوجدان السليم ، وبين ترتيب المصادر بشكل أو بآخر . حيث شهد ترتيب هذه المصادر تطورا مضطردا لمصلحة الشريعة الإسلامية التي كانت تتخلف عن السابقة القضائية والعرف حتى تم الانتصار لها نهائيا بصدور قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م . كذلك درج السودان على الحفاظ على علاقة سوية بين المصادر المادية والتشريعات بعامة بما في ذلك الدستور حيث ظل الدستور دائما هو الوثيقة المعيارية الأساسية التي لا تخضع للمعايرة ولا تعلو عليها المصادر المادية . ولكن تغير هذا الموقف بصدور سابقة دستورية في ظل نظام نميري الديكتاتوري ، قلبت الوضع رأسا على عقب . فالمحكمة الدستورية أسست لوضع شاذ حين وضعت الشريعة الإسلامية كمصدر مادي فوق الدستور نفسه ، وبالتالي نصبت من نفسها معقبا على المشرع الدستوري وأفقدت الدستور كوثيقة دستورية قيمته التوحيدية ، ولغت التنوع بجعلها وجود العرف كمصدر تشريعي وجودا شكليا لان التناقض محسوم لمصلحة الشريعة الإسلامية ، برغم التكافؤ الأصلي الموجود في نص المادة (9) من دستور السودان الدائم لسنة 1973م الذي صدر الحكم أثناء سريانه . وبالتطابق مع هذا الموقف (أي حسم التناقض لمصلحة الشريعة الإسلامية جاء نص المادة (65) لدستور السودان لعام 1998م الذي سنته حكومة الإنقاذ، برغم تعداده الشكلي لمصادر أخرى مكافئة شكلا للشريعة الإسلامية . فهو جعل الشريعة الإسلامية مكافئة للإجماع استفتاءا ودستورا وعرفا من حيث الشكل ، والمعلوم أن الإجماع استفتاءا أو دستورا ينتج تشريعات وليس مصادرا مادية كما أن الإجماع عرفا يعني سيادة أعراف الأغلبية المسلمة . وبالقطع وضع الشريعة الإسلامية كمصدر مادي على قدم المساواة مع الدستور نفسه ، يعني أن المشرع العادي يستطيع أن يشرع وفقا للشريعة الإسلامية وبالمخالفة للدستور استنادا إلى مبدأ التكافؤ الأصلي للمصادر . أي أنه من الناحية العملية وضعت المادة المشار إليها الشريعة الإسلامية فوق الدستور وتركت للمشرع العادي حرية التشريع استنادا لها وبالمخالفة للدستور وبالتالي تهدم مبدأ الدستورية من أساسه .وإذا أضفنا إلى ذلك أن المشرع العادي حسم التناقض لمصلحة الشريعة الإسلامية وفقا لنص المادة (3) من قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م ، يكون للنظام القانوني السوداني مصدراً وحيداً هو الشريعة الإسلامية . يبقى أن ننوه إلى أن حالة غيبة النص التي تتيح تطبيق المصادر وفقا لترتيبها بالمادة المذكورة آنفا ، لم تعد الحالة الأصلية بعد صدور قانون المعاملات لسنة 1984م وانتقال السودان ليصبح إحدى دول التقنين وزوال مجد السابقة القضائية .

في تقديرنا أن من واجب النظام القانوني السوداني أن يستوعب التنوع الكبير في المجتمع ، ولتحقيق ذلك أما أن يترك مصادر التشريع من غير تعداد وهو مانفضله أو أن يعددها دون تفضيل أحدها على الآخر وبشرط أن ينص على أن الدستور هو الوثيقة الأساسية التي لامعقب عليها ولايعلوها أي مصدر مادي بإعتبارها المعيار الوحيد لتفادي الأثر المدمر للسابقة الدستورية آنفة الذكر . كذلك من الأفضل أن يترك للمحكمة الخيار في حالة غيبة النص للرجوع إلى مبادئ الإنصاف والعدالة والوجدان السليم كما في السابق ، دون تقييد أو ممايزة أو حسم للتناقض لمصلحة مصدر بعينه لأن التناقض أصل بين المصادر لاداعي لتدخل المشرع لحسمه حتى يكن النظام القانوني أكثر مرونة ، مع ملاحظة أن للمشرع الحق كله في تقنين مايراه مناسباً أصلاً وبالتالي إستبعاد الحديث عن غيبة النص من أساسه .



#أحمد_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخطاء قاتلة في قراءة إستراتيجية!!( حديث في محرمات السياسة ال ...
- هوامش على المتن-(قراءة نقدية موازية لمقالات الأستاذ نقد الخم ...
- في أصول ضبط المصطلح- السودان: نخبة نيلية حاكمة أم نخبة طفيلي ...
- أثر التشريعات الإسلامية في النظام القانوني السوداني
- مسائل لا تحتمل التأجيل-التحالفات وقضايا المشاركة في السلطة
- الشريعة الإسلامية وغياب مفهوم النظام القانوني الحديث
- أزمة شريكي نيفاشا- محصلة طبيعية لبداية وحسابات خاطئة


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عثمان - مداخلة في فقه مصادر القانون (التشريعات الإسلامية في السودان وتشويه القواعد الحاكمة للمصادر)