أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سعد محمد رحيم - ثقافة الصورة.. ثقافة المشاهدة















المزيد.....

ثقافة الصورة.. ثقافة المشاهدة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2295 - 2008 / 5 / 28 - 08:26
المحور: الصحافة والاعلام
    


تحاصرنا الصور من كل اتجاه، كما الإعصار، كما الفيضان العارم.. آلاف الصور التي تهب علينا في كل يوم وتفيض وتُغرق أذهاننا بكثافة وسرعة.. صور تعقبها صور، ومن ثم صور، حتى أننا لا نملك الوقت الكافي والإمكانية على استيعابها كلها وتمثلها.
كان الفين توفلر في كتابه ( صدمة المستقبل ) قد تحدث عن عدم قدرة الذهن البشري فيزيولوجياً على ملاحقة سرعة جريان الأحداث والأشياء، وكذا التطورات الحاصلة في مناحي الحياة كافة؛ تلك السرعة التي تربك الأفكار والتصورات، وتسبب نوعاً من الصدمة النفسية للإنسان المعاصر. وإذا كان توفلر قد تحدث عن هذا في سبعينيات القرن الماضي، قبل طغيان الوسائل الحديثة في مجالات الإعلام والاتصال من فضائيات، بآلاف قنواتها. وشبكة الإنترنت، بمواقعها التي لا تعد ولا تحصى، ناهيك عن الهواتف النقالة التي راحت، هي الأخرى، تفيض علينا بالرسائل والصور المتدفقة على مدار اللحظات. نقول إذا كان هذا رأي توفلر قبل أكثر من ثلاثين سنة، فماذا تراه يقول الآن؟.
تهيمن صناعة الصور اليوم على الحقل الثقافي الذي بات يكتسب مع مستجدات تلك الصناعة سياقاً وفحوى مغايرين.ولا يفيدنا بشيء، مثلما يفعل بعضنا، صبّ اللعنات على هذه الصناعة وما تفرز من معطيات ثقافة جديدة، لأننا نتعرض لعواصفها ونلبث عاجزين أمام ما تُحدث من تحولات في الرؤى والقيم والعادات. فصناعة الصورة هي الوجه الآخر لثقافة العولمة إذ يجري، في غفلة منا، تعولم كل شيء بشكل يهدد الهويات الثقافية الخاصة بالشعوب ( ونحن منها ) التي رسختها عبر عشرات القرون. وهذه نتيجة طبيعية طالما أننا لا نشارك بجدّية في إنتاج هذا النمط المعولم. ونكتفي باستهلاك منتجاته. وحتى حين نعكف على الإنتاج فإننا لا نفعل سوى تقليد الغرب بشكل شاحب، من دون أن نطبع هذا الإنتاج بطابعنا إلا في القليل النادر. كما أن الصورة على عكس الكلمة المكتوبة والمنطوقة عابرة للحدود القومية واللغات والثقافات، وإن صناعتها بحاجة إلى مستويات راقية من التقنيات المتطورة والإستراتيجيات التي لا نملكها، ولا نجهد أنفسنا في سبيل إبداعها.
يُقال أن ثقافة الصورة لا تحتاج إلى تعلم الأبجدية، وإننا مع الصورة قد انتقلنا، على حد تعبير عبد الله الغذامي "من ذهنية المنطق ونحوية اللغة إلى ثقافة الصورة ونحو الصورة". فهل يحق لنا الادعاء بأن الأمية بفضل ثورة صناعة الصور باتت من مقولات الماضي ليس إلاّ، أم أن من حقنا الحديث عن اصطلاح جديد هو ( أمية المشاهدة ).
تتيح ثقافة الصورة الفرصة لمليارات البشر بالتعرف على ما يجري في الجانب الآخر من أمكنتهم، ناهيك عمّا يجري في أمكنتهم ذاتها. غير أنه ليس من الصحيح أن ثقافة الصورة تقضي على الأمية الثقافية طالما أنها لا تفترض في المتلقي معرفة بالقراءة والكتابة، أو خلفية ثقافية من أي نوع.
إن صناعة الصورة بعدّها إنتاجاً ثقافياً تتطلب ثقافة مشاهدة، وإلا فإن المتلقي السلبي لن يتعامل مع ما يشاهد إلا من خلال أميته الثقافية الموروثة. فثقافة الصورة لا تلغي ثقافة الكلمة وإنما تتعايش معها، تسند إحداهما الأخرى وتعزز دورها. وإذا كانت ثقافة الكلمة المكتوبة خاصة بالنخب المتعلمة فإن متلقي ثقافة الصورة هم كل البشر الذين يحظون بنعمة البصر، بيد أن القول بأن هذه الثقافة الأخيرة تزيل الأمية الثقافية يبقى بحاجة إلى مراجعة وإعادة تقويم. فالصورة نفسها هي علامة، مبتكرة بسياق معين وأفق دلالي وموجهات إيديولوجية وفي ضوء مصالح وأهداف. وصناعتها تخضع في أثناء الإنتاج لمنظومة قيم ومعايير صنّاعها، وهم، ها هنا، ينتمون للغرب الرأسمالي. والوازع الرأسمالي أساس في تلك الصناعة حيث الغاية هي الاستحواذ على عقول المتلقين وتكييفها بما يتلاءم مع متطلبات السوق ومنطق الاستهلاك، والسعي إلى الربح.. هذه العلامة معروضة من أجل أن تُقرأ.
والآن لنسأل؛ هل بات الجيل الحالي مع ثورة صناعة الصورة أكثر وعياً وأعمق ثقافة من الأجيال السابقة، أم أن هذه الصناعة على حد تعبير ريجيس دوبريه "بدل أن تشحذ الرؤية فإنها تسبب العمى"؟. وإذا كنا نتفق مع دوبريه يكون من حقنا أن نضيف سؤالاً آخر؛ لماذا؟.. لماذا لا يفضي تدفق المعلومات بوساطة الصور إلى توسيع الآفاق الذهنية للمتلقين؟.
إن قراءة العلامة ترتبط، لا شك، بخلفية المشاهد العلمية والثقافية. وبذا فإن قراءة الصورة عند الأمي ( بالمعنى التقليدي ) تختلف عن قراءتها عند المتعلم والمثقف. وإذا كانت الثقافة، في أحد وجوهها، هي الانشغال بقضية المعنى فإن المثقف هو من يحاول الوصول إلى المعنى الكامن في ما وراء الصورة، وليس الاكتفاء بالمتعة البصرية التي تحققها تقنيات التصوير ومَنتجته. والصورة ليست حيادية دائماً، فهي أيضاً لها تحيّزها الخاص، غير أن لها قدرتها على إخفاء ذلك التحيز..إن الصورة المعروضة هي في نهاية المطاف خيار منتجها وعارضها، فهي واحدة من بين عشرات أو مئات الصور الأخرى المرتبطة بالشيء نفسه أو الحدث نفسه ( المصوَر ) والتي تم استبعادها. وعملية الاختيار تفضي إلى إرسال رسالة بعينها، أو بث معنى محدد. وقد تكون هذه الرسالة محاولة لتشويه الحقيقة أو مواربتها. فزاوية اللقطة وحدودها، وعملية المونتاج التي تتعرض لها والسياق الذي تبث فيه والتعليق ( الشفهي أو المكتوب ) الذي يصاحبها ووقت البث ومناسبته، كلها عوامل تتدخل في ترك أثر معين ( مخطط له ) ومعنى بعينه في ذهن المتلقي. كما أن ثقافة المتلقين تُحدد أيضاً ــ أي السياق المعرفي والقيمي الذي يعيشون فيه ــ خياراتهم في استقبال الصور. ونعرف أن كثراً من هؤلاء لا يتابعون إلا القنوات التي تتساوق في برامجها وخطها الإيديولوجي مع أهوائهم وأمزجتهم ومسبقاتهم الفكرية ومعتقداتهم. وبذلك فإنهم يعززون ما درجوا عليه من أفكار وقيم وعادات نابذين القنوات والبرامج التي تختلف في اتجاهها مع اتجاهاتهم.
واليوم هناك كثر من المفكرين الذين يطرحون رأياً مؤداه أن ثقافة الصورة لا تعكس الواقع في حقيقته وإنما تخلق واقعاً متخيلاً ومتوهما، لأنها ببساطة تصدر عن إيديولوجية مؤسسات تبغي التحكم والسيطرة على العقول لغايات سياسية واقتصادية. وإذا كانت ثقافة الاستهلاك من خلال صناعة الصور تنمِّط العقل وتحدده وتسطِّحه لترسخ قيماً عابرة وتخاطب الغرائز، وتطيح بالذاكرة وتشيع النسيان. فهذا يتطلب منّا التعامل مع هذه الثقافة وهذه الصناعة بوعي نقدي من جهة، والعمل على المشاركة في إبداعها من جهة ثانية، وهذه المرة بأفق أخلاقي وإنساني، وتأصيل القيم الثقافية الحضارية القائمة على مبادئ الحق والحقيقة والخير والجمال. وقد يبدو هذا كلاماً عاماً، وحلماً طوباوياً، وسيبقى كذلك ما لم تغدو المشاركة الفعالة في صناعة الصورة والقضاء على أمية المشاهدة داخلة في صلب استراتيجية مؤسسات الدولة والمجتمع التربوية والعلمية والبحثية والإعلامية، ومن أولوياتها التنموية.





#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون وفوبيا الحرية
- صورة المثقف مخذولاً وضحية
- إذا ما غابت الثقة
- ماركس الحالم.. ماركس العالم
- فتاة في المطر
- حواف الإيدز، أو؛ خالد في الصحراء
- ماريو بارغاس يوسا في؛ ( رسائل إلى روائي شاب )
- شبح ماركس
- أخلاقيات الحوار
- حواف الإيدز؛ أو خالد في الصحراء
- الإعلام القاتل
- ضد ماركس
- كلام في الحب
- هنتنغتون وفوكوياما ومسار التاريخ
- المثقف ومعادلة السلطة المعرفة
- فقدان حس الحاضر
- موضوعة -السأم- في الأدب الروائي
- أفواه الزمن؛ هذا الكتاب الساحر
- شتائم ملوّنة
- مشكلاتنا ومشكلاتهم


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سعد محمد رحيم - ثقافة الصورة.. ثقافة المشاهدة