أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - نقد متأخر لنظرية -قوى التغيير-















المزيد.....

نقد متأخر لنظرية -قوى التغيير-


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2251 - 2008 / 4 / 14 - 10:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من أجل التغيير يتعين أولا بناء قوى التغيير؛ هذه خلاصة نظرية شاعت طوال جيلين بعد الثورة البلشفية في روسيا، جسدتها التنظيمات الشيوعية، وتأثرت بها الأحزاب القومية في كل مكان. ولقد بدا أن الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي ثم الصين، وحركات المقاومة ضد الاستعمار الغربي بعيد الحرب العالمية الثانية تصادق على هذا الحكم الذي إن لم يكن الحزب اللينيني نموذجه البدئي فهو صورته المثلى.
المدرك الرئيس في هذه النظرية هو التغيير، أو مركزية فكرة التغيير. وبدورها تمد الفكرة هذه جذورها في فكرة التقدم التي سيضفي عليها القرن العشرون، أو أرباعه الثلاثة الأولى، طابعا إراديا هو الذي ولدت منه فكرة التغيير الثوري، وقوى التغيير كشرط مسبق لهذه "المهمة"، والاشتراكية "سمةً للعصر".
بيد أنه مع انتهاء مرحلة نزع الاستعمار، بدا أن نظرية قوى التغيير قليلة الفائدة، إن كمقاربة تحليلية لعمليات التغير السياسي أو كبرنامج عمل سياسي. وفي وقت واحد تقريبا أخذت تندر عمليات التغير المتوافقة مع نموذج نظرية قوى التغيير، وأخذ يبرز عقم الجهود التي تبذل بناء أحزاب ومنظمات تغييرية، فبدا الحديث منها والقديم كائنات قزمة شائخة تعيسة الوعي، تعاني من شعور غائر بالذنب لعجزها عن مطابقة مفهومها كقوى للتغيير. وفي سبعينات القرن العشرين تبدى بجلاء فقدان صلاحية الباراديغم اللينيني، الثورة الاشتراكية و"دكتاتورية البروليتاريا" وليس نظرية الحزب وحدها. لكن "قوى التغيير" أظهرت عجزا عيانيا عن تغيير نفسها، ووقف وعيها الذاتي لنفسها كقوى صانعة للتغيير عائقا في وجه الحاجة الحيوية لتغيير الذات والتفاعل مع تحولات موضوعية، سياسية واقتصادية وفكرية، كانت تجري دون أن تستأذن أحدا. وهكذا تنقرض "قوى التغيير" عندنا من رأسها، أعني لفشل رأسها عن إمدادها بما هو ضروري من أفكار للتجدد والتكيف. وهكذا أيضا انفصلت القوى عن التغيير، فسار هذا في حال سبيله دون استيعاب فكري وسياسي، وبموازاته ودون اختلاط معه تتبقى منظمات عديدة خائرة القوى، أبرز سماتها أنها تستغني بما لديها من "فكر" عن التفكير.
في الوقت نفسه، أخذ يبدو أن عمليات التغير التي جرت في سبعينات القرن العشرين واندثرت بمحصلتها الدكتاتوريات الأوربية الثلاث الأخيرة، أو التي جرت في الثمانينات وطوت صفحة الشيوعية في أوربا الشرقية والاتحاد السوفييتي، أو أكثر عمليات التحول الديمقراطي في أميركا اللاتينية لا تتبع نظرية "قوى التغيير". ما جرى في هذه الحالات هو أن انطلقت عملية تغير بفعل تحلل أوضاع قائمة، أو عجز النخب الحاكمة عن السيطرة على التناقضات المنبثقة من سياساتها بالذات، مع دور ميسر للشروط الدولية، ومع خسران الحكم الدكتاتوري أو الشمولي لأية جاذبية فكرية وسياسية.
ويبدو الحال هنا عكس النموذج اللينيني: ينطلق التغيير فتتخلق قوى التغيير، وتولد نخب وقيادات كان بعض منها ناشطا كمعارض للأوضاع السابقة وأكثرها ظهرت بفعل توسيع مساحة الملعب السياسي الذي أحدثته العملية التغييرية ذاتها.
وكانت المفارقة في العالم العربي أن من بعث شيئا من الحياة في نظرية قوى التغيير هو .. إدارة بوش الأميركية الواقعة تحت إلهام المحافظين الجدد. وفي التطبيق العملي الأبرز لهذه النظرية في العراق تصرف الأميركيون بطريقة بلشفية جدا فأسقطوا النظام الحاكم بالقوة، وحطموا "آلة الدولة" العراقية دون تمييز بين ما هو مرتبط بنظام صدام وما هو متصل بالوطنية العراقية مثل الجيش والحكومة. وفي سياق "نقل الوعي" الديمقراطي إلى المجتمع العراقي عمل "بلاشفة البيت البيض" (حسبما وصف بنديت كوهن المحافظين الجدد) على "بناء الأمة" في العراق بطريقة تجمع بين الأسوئين: هندسة اجتماعية وسياسية وفكرية فوقية، ومواد بناء أهلية قديمة (ربما يفكر الأميركيون في المجتمع العراقي من منظور "التعددية الثقافية" الخاص بهم). ولعل محصلة نشاط البلاشفة الأميركيين تؤكد انقضاء زمن البلشفية أكثر مما تجدد شبابه.
في المحصلة، انتهت قوى التغيير وفقدت نظرية قوى التغيير بمجمله أية صلاحية. لكن لم يتوفر أبدا نقد متسق لها، الأمر الذي لا غنى عنه من أجل نقلة ملحة إلى الأمام في التفكير السياسي المستقل والمعارض في البلدان العربية.
والحال أن من شأن نقد تلك النظرية أن يكون مفيدا لاعتبارات نفسية وعملية أولاً. فافتراض أن التغيير تحدثه قوى تغيير يثقل كاهل المجموعات القليلة من الناشطين السياسيين بعبء باهظ لا قبل لهم بتحمله. أما إذا افترضنا أن التغيير سابق على قوى التغيير، فإن بناء منظمة سياسية كبيرة يغدو أقل أهمية بكثير. ويتحرر الناشطون من الوعي التعيس ومن تقييد أنفسهم بواجب مواجهة نظم تسلطية لا ترعوي عن العنف الأقصى ضد خصومها. على أنهم سيحرمون أيضا من الحق الذاتي في تقديس الذات، على نحو ما هو مألوف في الحزب اللينيني.
لكن ماذا سيكون دور المنظمات السياسية حين تحرر نفسها من قيود نموذج "قوى التغيير"؟ قد تمسي قوى أو حركات العام، أي الأفراد والمجموعات والمنظمات المعنية بتجسيد العام الوطني في تفكيرها وعملها وسلوكها، والمستقلة عن التسلطية طبعا (هذه تزوير للعام)، وعن الأهلي، أي الطوائف والعشائر والإثنيات، وعن الدين، والمنفتحة في الوقت نفسه على الإنساني والكوني. وليست هذه قوى تناضل أو تتآمر أو تنخرط في عمل سري، ولا هي تنتدب نفسها لمواجهات جبهية مع التسلطية، عنفية كانت أم حتى سلمية. إنها حركات، ربما تتكون من عشرات من الأفراد، تعمل على ترقية تصورات أكثر حداثة وعدالة للسياسة والثقافة والقانون.
والواقع أننا نفترض أن التغيير سيحدث في بلداننا بفعل تحلل التسلطية وتناقضاتها وفقدانها لأي معنى عام، وأن قوى العام قد تحدث فرقا إيجابيا عن كل من التسلطية وحملة ذهنية قوى التغيير، التسلطيين بدورهم، حين تقترب هياكل التسلطية من الانهيار. وهي لن تكف عن الاقتراب بفعل تناقضاتها الذاتية. فالتسلطية ذاتها هي "قوى التغيير"، والأزمنة المضطربة أمامنا وليست وراءنا. ومثل غيرها ستواجه مجتمعاتنا من كل بد أزمات تحلل التسلطية التي قد تأخذ أشكالا بالغة العنف. وما من "قوى تغيير" أو حتى قوى عامة يمكن أن تمنع التحلل، وربما التفجر المحتمل. إن عقودا طوالا من الحكم بمقتضى "الشهوة" و"العصبية" لن تفسح المجال لـ"السياسة المدنية" بسهولة. غاية قوى العام أن تجسد خيارا مختلفا، أكثر إنسانية.
ليس قوى العام قوى تغيير من نوع آخر، ولا ينتظر منها أن تكون قيادات سياسية لمجتمعاتنا في مرحلة ما بعد التسلطية. إنها بالأحرى أنوية استقلال فكري وسياسي وأخلاقي، لا تدعو إلى الحرية بل تجسدها. مقاومة الاستبداد متهافتة دون متحررين منه - في ظله بالذات.
وليس نشوء حركات عامة سهلا في سورية والمشرق. إن الاستقلال عن التسلطية صعب، وأصعب منه بعد الاستقلال عن الأهلي، وأصعب منهما معا ترقية الاستقلال إلى حرية مفكرة. بيد أن العقبات الكؤود أمام الاستقلال في الحالات هذه جميعا داخلية، تتعلق بتنظيم تفكيرنا وتنظيمنا النفسي أكثر مما هي خارجية، مصدرها المجتمع الأهلي أو التسلطية. نقد نموذج التغيير وقوى التغيير اللينيني ضروري لذلك بالذات،، أي لأنه نقد محرر من القيود الداخلية. ولا يكفي أن يقال إن الواقع انتقد النموذج وأحاله إلى التقاعد، فهو لم يتقاعد في تفكيرنا وممارساتنا السياسية. بل لعل حضوره المستمر هو السر في كون الحزب هو الشكل القياسي وشبه الحصري للعمل العام في بلداننا. هذا في حين أن الحزب في ظل التسلطية أقرب ما يكون إلى منظمة تقاعد سياسي، لا أكثر ولا أقل.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أصل امتناع السلام العربي الإسرائيلي
- من أجل ماذا سلام سوري إسرائيلي؟
- في -المسألة الكردية- وتمثيل الذات الوطنية السورية
- الممانعة وامتناع السياسة
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (2)
- من -الديمقراطية البرجوازية- إلى -الليبرالية الجديدة- و.. -ال ...
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (1 من 2)
- اللاعقل يحكم الشرق الأوسط
- شركاء في العالم، نشبهه ونتشبه به..
- في أصول نظام الاستثناء السوري: محاولة ماركسية
- الفساد الصغير ثقافة والفساد الكبير سياسة!
- من إسرائيل إلى أخرى: في أصل حاجتنا إلى شيطان رجيم
- سورية بين 1978 و2008: عود على بدء!
- جوزف سماحة: المناضل ضد المثقف
- -المسألة الدينية- موضوعا لتفكير نقدي
- من تطييف المجتمع إلى استلام الطائفية للسلطة
- هل يمكن لتركيا أن تكون مثالا إيجابيا للسوريين؟
- من صنع إسرائيل؟ ومن هم -عملاؤها-؟
- أزمة حركات المعارضةالعلمانية العربية ... فكرية
- في نقد الثقافة السياسية السورية


المزيد.....




- مصدر لـCNN: مدير CIA يصل القاهرة لإجراء مزيد من المحادثات بش ...
- -من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن-
- بيلاروس تجري اختبارا مفاجئا لحاملات الأسلحة النووية التكتيكي ...
- زاخاروفا: روسيا قد تضرب أهدافا عسكرية بريطانية في أوكرانيا و ...
- بوتين يؤدي اليمين لولاية دستورية جديدة
- تقارير إعلامية تتحدث عن آخر النقاط الخلافية في مفاوضات غزة
- بوتين يتوقف أثناء مراسم تنصيبه ليصافح ضيفا بين الحضور.. فمن ...
- ضابط بريطاني: الأسلحة الروسية مصممة لإسقاط مقاتلات مثل -إف-1 ...
- وزير الدفاع المصري يبحث مع قائد القيادة المركزية الأمريكية ا ...
- وسائل إعلام: الزعماء الأوروبيون يشعرون بالرعب من التصعيد في ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - نقد متأخر لنظرية -قوى التغيير-