أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - كيف دافع المؤيدين الخجولين عن معاهدة مخجلة؟















المزيد.....


كيف دافع المؤيدين الخجولين عن معاهدة مخجلة؟


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2212 - 2008 / 3 / 6 - 11:23
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ليس سهلاً للسياسي ان يختار الصدق وخاصة في البلدان المضطربة، وهذا ما يجعلني أتفهم موقف من اختار من السياسيين العراقيين الكذب. وعلى اية حال فالحياة مع الكذب ليست سهلة هي الأخرى. انها تتطلب من صاحبها ان يعيش باستمرار بانتباه وتوتر اشبه بانتباه البهلوان الذي ان اخطأ موازناته شعرة، سقط في الفضيحة. وكلما كان شعبه منتبهاً وإعلامه حراً،كان الخيط الذي يسير عليه ادق ومخاطره اشد وفضيحة سقوطه اكثر دوياً. هل لك تتخيل حالك لو تطلب الأمر يوماً ان تسير على حبل السيرك دون تمرين مسبق؟ هذا هو حال الساسة العراقيين الذين يشعرون انهم مطالبون اليوم بالدفاع عن قضية و اقناع شعبهم بها وهم يعلمون تماماً ان كل ما فيها سيء وخطير، فلا تستغرب ان تجد تراقص البهلوان المستجد الخائف في مقولاتهم. الصدق مرهق وخطير، وليست ادارة الكذب سهلةً.

عندما تضطر الى الكذب والمراوغة للدفاع عن قضية ما، ستجد صعوبة في اخفاء الصراع الذي يدور في رأسك بين ما تريد إقناع الناس به وبين مشاعرك الحقيقية، فتظهر حججك مهزوزة المنطق لاتصمد لأبسط فحص او محاججة, وتكون كلماتك متناقضة تنفي الواحدة منها الأخرى وتصبح تعابيرك معقدة غامضة متعددة المعاني تسعى جاهدة لتعكير المياه قدر الإمكان لمنع رؤية الحقيقة السيئة. ستجد نفسك تقفز من "حجة" الى اخرى لأنك لاتجد حجة تقنعك انت وبين المبالغة في الدفاع والمديح المتردد فاضحاً خوفك الداخلي من انكشاف الكذب مستقبلاً باستعمال تعابير يقصد منها ترك خط رجوع يساعدك في الدفاع عن نفسك مستقبلاً ان كشفت الكذبة.
يمكنك ان تجد ثروة من كل هذا في خطاب المدافعين عن مشروع "المعاهدة" الأمريكية، وادعوك عزيزي القارئ لتجربة متعة تصيد المراوغات في تعابير هؤلاء الآن وفي المستقبل. يكفي ان تبحث عن المعنى السياسي لكلماتهم وعن تناقض تلك المعاني فيما بينها وتناقضها مع العرف الدولي الطبيعي ولن تعود بلا صيد. اليك بعض الأمثلة:

إفتتاح متناقض: هل إعلان المبادئ اتفاقية مهمة ام غير مهمة؟

لقد بدأ مشروع المعاهدة بالمراوغات. وكان من اول المشاكل التي واجهها المدافعين عن المعاهدة منذ إعلان المبادئ انهم احتاجوا الى اقناع الناس بقيمة المعاهدة العليا وضرورتها للعراق من ناحية، ويحتاجون الى تبيان ان إعلان مبادئها لم يكن امراً يستدعي موافقة البرلمان، اي غير مهم!
لذلك فقد اكدوا مراراً ان ما تم التوقيع عليه "ليس سوى اعلان مبادئ" و "غير ملزم" مثل شركائهم الأمريكان الذين اكدوا للكونغرس: «ليست معاهدة، بل مجموعة مبادئ تركت بحث المسائل الشائكة".
بالمقابل نرى تصريحات لنفس المسؤولين بالذات عن الإعلان: «مادة المفاوضات الرئيسية ستكون وثيقة اعلان النوايا» (وكيل وزارة الخارجية لبيد عباوي) و «وثيقة النوايا ستكون المصدر الرئيسي للاتفاق» (الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ) وغيرها، بل ان البعض كان يخلط الإستخفاف مع التقييم العالي في نفس الجملة كوصف النائب علي الأديب الوثيقة بأنها " ليست سوى إعلان مبادىء يحدد مستقبل العلاقة بين البلدين وشكلها"!! اي ان الإعلان ليس مهماً فلا داعي لإزعاج البرلمان به, لكنه مهم جداً لأنه سيكون المصدر الرئيسي للمعاهدة وسوف يحدد مستقبل العلاقة بين البلدين! هذه التشكيلة السريالية سوف تعجب محمود عثمان كما سنرى بعد قليل.

منطق مهزوز

وكمثال على الحيرة في الدفاع عما لايدافع عنه قول حيدر العبادي النائب عن حزب الدعوة :"إن التطورات الأمنية الحالية يجب أن تـُحمى وتستمر. ونأمل بعد ذلك أن قوات ضخمة أميركية سوف ترحل.... اعتماداً على ما سيكون عليه الوضع في السنة المقبلة فيما إذا كانت القوات الأمنية العراقية واثقة من قدرتها على تحمل المهمة من دون أية مسؤولية من الأميركان".
من الواضح ان "قوات ضخمة" لاتعني شيئاً، فضخامة القوات امر تكتيكي عسكري وانخفاضها لايخفض الإحتلال ولا ارتفاعها يرفعه، ثم ان هذا القرار ليس بيده ولا زملائه لامن قريب ولا بعيد، ومن الممكن ان تكون "القوات العراقية واثقة من قدرتها" دون ان يخفض الأمريكان قوتهم. للعبادي ان "يأمل" كما يشاء لكن هذا لايعني شيئاً لنا.

ثم يقول العبادي: "لقد طلبنا التعهد من الولايات المتحدة في هذه الاتفاقية أن جميع الأحزاب سوف تحمي الديمقراطية في العراق وتساعد حكومتها وتحمي الدستور أيضا".
إضافة الى فراغ هذه العبارة الغامضة ايضاً من اي معنى عملي، فهل يمكن إئتمان جيش اجنبي لحماية الديمقراطية في بلد اخر؟ يعاب على الديمقراطية التركية انها في "حماية" الجيش التركي،اي ان الجيش هو من يقرر ان هذه ديمقراطية او غير ديمقراطية، وقد اسقط حكومتين ديمقراطيتين في السنوات الماضية فما بالك بإتمان الديمقراطية على جيش اجنبي ليست لديك اية سلطة من اي نوع كان عليه ؟

االمعروف ان كل دولة تحمي مصالحها، فمن اين جاء الإفتراض ان الديمقراطية في العراق ستتوافق دائماً، ان هي توافقت يوماً، مع المصلحة الأمريكية؟ الديمقراطية تعني حكم الشعب، فكم من الشعب العراقي يحب اميركا حسب اية احصائية تود الإعتماد عليها؟ هل تفترض ان اميركا ستعمل ضد مصلحتها التزاماً بالإتفاقية و ستحمي الحكم الذي يعطي السلطة لمن يكرهها فيه اكثر من 80% ويراها تقف وراء الإرهاب ويؤيد اكثر من نصفه العمليات العسكرية ضد قواتها، ام انها ستقوم بالمستحيل لكي تبقي هؤلاء بعيداً عن سلطة القرارات السياسية؟ يمكنك ان تجعل اميركا توقع نصاً بحماية "الديمقراطية" لكن لن يمكنك ابداً تحديد ما ستفعل اميركا بالصلاحية التي تعطيها اياها هذه المهمة.

وما دمنا نتكلم عن المصالح فلا بأس من الإشارة الى كلمة لوزير خارجيتنا في الموضوع يقول فيها: "ان العراق لا يريد من الولايات المتحدة التزاما مفتوحا بحساسية القضية." (من فهم شيئاً من هذا يخبرني) "ما نريد ان نراه في هذا الاتفاق حقا هو التزام مستمر من جانب الحكومة الامريكية للوقوف الى جوار الحكومة العراقية في مواجهة تهديدات خارجية وتهديدات داخلية، لكن هذا لا يعني حقا اننا نريد من الولايات المتحدة ان تضم قواتها الى العراق وتخوض حربا أخرى مع ايران او اي جيران آخرين. هذا ليس القصد او الزج بالامريكيين في شيء هو في غير مصلحتهم"
."
ونسأل السيد الوزير: أي قدرة لك ان تزج بأميركا في غير مصلحتها لكي تؤكد عدم رغبتك في ذلك؟ من منهما يستطيع زج الآخر فيما هو غير مصلحته؟ انه المنطق المعكوس الذي صار علامة لكل ما يتعلق بهذه المعاهدة، فلا غرابة ان يسمى التنازل عن السيادة، وقبول الحماية من جيش اجنبي، "سعياً لإستعادة السيادة الكاملة"!

لم يكن الوزير سكراناً حين قال كلامه، لكن امراً كان يشغل باله ويأخذ نصف تفكيره فجاءت عبارته بهذا الشكل الغريب. فقد وصل الى علمنا ان وضع القوات الأمريكية سيتضمن "سلطة القتال" المرفوضة من معظم الدول التي تعاقدت معها اميركا عسكرياً (البعض لم يكن له ان يرفض شيئاً) وقد أثار هذه النقطة النائب ديلوهنت (1) باعتبارها توجب موافقة الكونغرس. لا شك ان زيباري كان دائخاً كيف سيقنع العراقيين بمثل هذه النقطة الخطيرة، وربما خطر بباله فكرة استبدال المواقع فيجعل العراق هو الذي "يزج" اميركا في حرب مع ايران وليس العكس. هذه الفكرة استخدمت كثيراً للدفاع عن المعاهدة مثل "ان الولايات المتحدة لن تطلب قواعد" (سيطلبها العراق، ومن المعقول انه سوف يتوجب عليه دفع ثمنها، مثل زملائه من الكويت والسعودية وغيرهما) ويمكنكم مراقبة استخداماتها القادمة.

إذا كانت تجارب الشعوب تبين ضرورة الحذر حتى من السلطات العسكرية الوطنية وتضع بينها وبين الديمقراطية الكثير من الحواجز والقوانين والإجراءات والضمانات لقلقها ان تعمل هذه القوات لصالحها الخاص بعيداً عن الشعب والديمقراطية، فكيف تؤتمن قوات اجنبية على كل تلك السلطة؟ ان كلام حماية دولة خارجية للديمقراطية في بلد ما كلام فارغ في غاية الخطورة والتهور، لم نسمع به من قبل وليس سوى اسم مضلل لعملية تنازل جبان عن السيادة لدولة اجنبية وقفزة هائلة الى الوراء سيحتاج الشعب بعدها الى ثورة قومية لإستعادة سيادته قبل ان يطمح بالديمقراطية ثانية، وهي الثورة التي سيعمل الإحتلال على منعها باسم حماية الديمقراطية.

دنيا المنطق المعكوس والتخويف بالإمم المتحدة نجدها في ماقاله عضو مجلس النواب كتلة التوافق عز الدين الدولة في روما: "نحن لا نستطيع الادعاء بأن ليس هناك وجود أمريكي في العراق فهو حقيقة قائمة وبالتالي فإن ذلك يفترض فينا كسياسيين ان نتحمل مسؤولياتنا بشجاعة وان نعمل على طرح هذه المسألة على الطاولة بغية الخروج من المأزق وانقاذ العراق من خيمة الفصل السابع للأمم المتحدة التي لاتزال البلاد محكومة بمبادئها".

لا..ليس وجود القوات الأمريكية "حقيقة قائمة" ثابتة، بل يمدد برسائل متكررة من رئيس الوزراء كما سنبين، ولم تفرضه الأمم المتحدة كما يصوره عز الدين الدولة، مشاركاً في حملة الإحتيالات لتعكير صورة الواقع على العراقيين.
ثم ان تصوير الأمر على انه "شجاعة" ليس إلا حيلة لفظية اخرى. كيف كان سيتصرف الجبان إذن؟ لابد انه سيطالب الإمم المتحدة بالغاء قرارها المنتفي الخاص بالبند السابع مباشرة، واخراج قوات الإحتلال بلا معاهدات!

المالكي:تعكير المياه

بعد إعلان النوايا مباشرة قال المالكي:"نحن كنا في حوار جاد مع المجتمع الدولي من اجل ان نخرج من الفصل السابع لقرار الامم المتحدة". و "ومن اجل العراق دخلنا في حوار جاد على ان ينتهي فيه وجود القوات الدولية في البلاد وان يعود الى وضعه الطبيعي".و "لذلك كان لا بد علينا ان ندخل في حوار مع المجتمع الدولي والامم المتحدة من اجل ان نحقق المطالب وهي اولا: خروج العراق من الفصل السابع، ثانيا التمديد الاخير للقوات متعددة الجنسيات فقط لعام 2008 ينتهي معها وجود العراق تحت الفصل السابع". ثم أضاف "هذا كله يحتاج الى اتفاقية وقد ابرمنا اتفاقية تعاون مع الولايات المتحدة الاميركية، تعهدت بموجبه اخراج العراق من الفصل السابع عام 2008"
ويمتدح المالكي اتفاق التعاون الذي ابرمه: "وتعهدت (الولايات المتحدة) بموجبه ان يكون العراق في وضع خاص في وجود قوات دولية لهذه السنة وينتهي خلالها وجودها وهذا هدف كلنا نسعى من اجله".
ما هو الوضع "الخاص"؟ صحيح نحن "كلنا" نسعى، ولكن من اجل اخراج كل القوات الأجنبية وليس من اجل ابدالها بأمريكية خالصة، كما "تسعى" خطتك هذه!

نلاحظ ان رئيس الحكومة كان يبني التشويش وتعكير المياه بناءً في جمله الأولى المليئة بالمغالطات ليصل الى نتيجته الغريبة. فهو يقول انه يحتاج الحوار مع "المجتمع الدولي" من اجل خروج العراق من البند السابع، ليصل الى جملته التي بدت طبيعية وبريئة: "هذا كله يحتاج الى اتفاقية" وطبيعي ان يفهم منها اتفاق مع مجلس الأمن على الغاء قراره المعني، لكن المالكي يقفز بحركة بهلوانية الى القول: "وقد ابرمنا اتفاقية تعاون مع الولايات المتحدة الاميركية، تعهدت بموجبه اخراج العراق من الفصل السابع". فهل كان "المجتمع الدولي يشترط على العراق اتفاقية مع الولايات المتحدة لإخراجه من البند السابع؟ ليس هناك ما هو أكثر وهماً من ذلك، وليس صحيحاً تصوير "المجتمع الدولي" كبعبع يريد إبقاءنا تحت الضغط، وان الولايات المتحدة تعهدت اخراجنا منه.

أما الحقائق فأولها ان المالكي لم يدخل في أي "حوار" مع "المجتمع الدولي" الذي لايكلف نفسه بتحديده لنا، والحقيقة الثانية هي ان "المجتمع الدولي" لم يضغط ويطالبه بأية اتفاقية مع المحتل بل على العكس تماماً فكأن "المجتمع الدولي" كان احرص كثيراً من سياسيي العراق على سيادته وكرر في جميع قراراته منذ الإحتلال على تلك السيادة واكدت جميع القرارات منذ 2004 على ان تواجد القوات كان بطلب من الحكومة العراقية بل واكدت في كل مرة حق الحكومة طلب انهاء عمل القوات قبل نهاية فترتها المتفق عليها وكرر الحرص على سيادة العراق وحرية شعبه في ان يقرر مصيره ..الخ، في كل قرار اكثر من مرة. فمن اين جاء المالكي بضرورة الإتفاقية للخروج من السابع؟ التفسير الوحيد لذلك هو ان اميركا قد هددته سراً بان تعترض على اخراجه من السابع ان لم يوقع، وهذا يعطي صورة معكوسة تماماً عن المجتمع الدولي القاسي واميركا المنقذة، التي يريد الجماعة حشوها في رؤوسنا عنوة.

الزيباري: اهتمامات مفضوحة وكلام فارغ وأمثلة مناقضة

ليس من السهل ان يخفي المرء مشاعره الحقيقية بشكل كامل وبشكل متواصل فلا بد ان تفلت منه كلمة او تعبير يفضح حقيقة الفرق بين ما يدعي وما يشعر وتكشف اهتماماته ومقالقه الحقيقية. اقرأوا بإمعان ما قاله وزير الخارجية زيباري حسب الخبر التالي: وصرح وزير الخارجية العراقي بأن من بين القضايا الحساسة جعل المتعاقدين الامنيين يحاسبون عن أفعالهم في العراق ومسألة استمرار الجيش الامريكي في احتجاز السجناء.
وقال زيباري "هذا أصبح قضية حساسة للغاية بالنسبة للرأي العام العراقي بسبب حوادث سابقة فجرت الغضب." لكنه قال انه من السابق لاوانه القول بأن هذا يعني انهاء الحصانة. (انتهى الخبر)
. ماذا لاحظتم؟...الحقيقة انه قال الكثير من ما يكشف ما لايراد كشفه عادة. قال اولاً ان خضوع المتعاقدين للمحاسبة "من المسائل الحساسة" وهي عبارة حيادية، ولم يقل انها احد مطالب العراق الهامة او الأساسية. انه يأمل ان يفهم كلامه على هذا الأساس دون ان يضطر الى قوله بجملة واضحة يمكن ان يسأل عنها مستقبلاً. ليس لديه فكرة عن المدى الذي سوف يجبر الوفد العراقي على التنازل عنه، وهذا مايؤكده بشكل واضح في نهاية تصريحه حيث قال ان هذا لايعني انهاء الحصانة.
ولاحظوا ايضاً تعبير الزيباري الآخر حين قال عن الموضوع انه قضية حساسة "بالنسبة للرأي العام العراقي" و "بسبب حوادث"، فهي حوادث وليست جرائم والمشكلة في حساسية الموضوع "للرأي العام العراقي"، وليست مسألة مبدأية له هو والحكومة موقف منها والغضب منها باعتبارها اهانة لها ايضاً.
ثم ان الوزير يجب ان يعلم ان الأمريكان يراقبون كل كلمة تصدر منه باعتباره سيقود المفاوضات امامهم ليعرفوا مدى جديته واستعداده للتنازل في كل موضوع، إن افترضنا ان هناك مفاوضات حقيقية ستجري. فالمفروض في كل الأحوال ان يكون خطابه مثلاً: "اننا سنصر على محاسبة المتعاقدين لإرتكابهم جرائم بحق الشعب العراقي ولن نسمح بمثل ذلك مستقبلاً."
الآن اصبحوا يعلمون ومجاناً ان السيد الوزير مستعد تماماً للتنازل عن هذا الموضوع، وسيستفيدون من هذه المعلومة. ونحن ايضاً سنستفيد منها ونعلم اي مفاوضين لدينا وكم يمكن الإعتماد عليهم لإدارة "مفاوضات شاقة"!

ثم لاحظوا اننا نناقش هنا حق منتسبي احدى الدولتين لقتل منتسبي الدولة الأخرى وكأنه شيء طبيعي يستصعب مفاوضنا تغييره. ألا يعكس ذلك روح الدونية التي تسكن هؤلاء السياسيين، فكيف ترسل مفاوضين تلبستهم روح الدونية امام الطرف الثاني؟ ثم لايخجل الوزير ان يتحدث عن "مفاوضات متكافئة بين دولتين ذات سيادة" فما رأيكم لو اقترحنا على الوزير المطالبة بالمقابل وعلى اساس هذا المبدأ، بحق للعراقيين بقتل الأمريكان دون ان يتعرضوا للمحاكمة؟

وكمثال على تعكير المياه لعرقلة الرؤية والإيحاء بوجود منطق وراء عبارات فارغة نأخذ قول وزير الخارجية أن الإتفاق "ضروري للأمريكيين والعراقيين لإنهاء الغموض حول مستقبل العلاقات بينهم"! وبالطبع فأن افضل طريقة لإزالة الغموض في العلاقة بينهم هو خروجهم بلا اية اتفاقات ينظر اليها الشعب بريبة، وان تكون الأصول والإتفاقات الدولية الطبيعية وغير الغامضة على الإطلاق هي التي تمثل العلاقة بينهم! هل هناك دولة تسلم دولة اخرى سلطة "حماية الديمقراطية فيها" و"حمايتها من الأخطار الخارجية والداخلية" لإزالة "الغموض" في العلاقة مع الدولة الأخرى؟

اما اجمل تعبير عن الإفلاس في الحجج فكان ايضاً للزيباري حين لم يجد مثالاً للدفاع عن المعاهدة غير هذا المثال المناقض لما يريده، فقال: "لو لم يكن الأمريكيون موجودون في العراق لرأينا تدخلات كثيرة من قبل دول الجوار وكان آخرها الحشود العسكرية التركية على الحدود الشمالية للعراق".
هذا وكان الجيش التركي قد دخل قبيل خطاب الوزير ارض العراق بموافقة الحكومة التي يتوزر خارجيتها زيباري وبدعم من الجيش الأمريكي الذي يريد الزيباري المثال لإقناعنا بضرورة حمايته لنا من نفس دولة الجوار، حتى ان رئيس اقليم كردستان رفض استقبال وزيرة الخارجية على اثر ذلك، كما تكرر اختراق الجيش التركي بعد ذلك اكثر!

طارق الهاشمي ومحمود عثما: نوايا مفضوحة ودفاع خجول وخوف من الإعلام

كمثال على تناقض وتشوش افكار الساسة العراقيين الداعين للمعاهدة وكمؤشر على الطريقة التي سيقودون بها المفاوضات نأخذ مثالاً من تصريحات نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، وكان قد قدم "ورقة تعبر عن وجهة نظره وتقييمه لإعلان المبادئ" اراد منها ان يبين انه فحص الإعلان بعناية وانه اراد الإطمئنان على استقلالية القرار العراقي وسيادته في بعض النقاط فطلب إدراج "حق العراق في توقيع اتفاقات مع دول ومنظمات اخرى" (!!) وكأنه من المتوقع ان تشترط الإتفاقية على العراق عزلة دولية تامة!!
لكن جملة طارق الهاشمي التالية تفضح ان "قلقه" على سيادة العراق ليس إلا حرصاً على ظهور اخر لإسمه في الأخبار، وان تلك السيادة ليست اهتمامه ابداً فيطالبهم بما تضمن "دور في تعديل الدستور وتعزيز المصالحة الوطنية ..الخ" و"اعتماد القيادة الجماعية الحقيقية في عملية صنع القرار الذي تجسده صيغة ( 3+1) ...الخ" و وهي كما نلاحظ مطالب خاصة لكتلته، وتتعلق بالحوار مع "رفاقه"، ولم يخجل من مطالبة المحتل بدعمه فيها بل حدد له حتى الصيغة التي يأمل منه ان يمارس الضغط على الآخرين لقبولها!
هذا يقدم لنا مؤشراً واقعياً لما ستكون عليه محادثات الكتل السياسية مع الأمريكان وهولايختلف عن ما يجري حتى اليوم: كل كتلة ستسعى الى كسب رضا الأمريكان وتطالبهم بالتدخل والضغط لصالحها على حساب الكتل الأخرى. انه يؤشر الى ان الصراع في المفاوضات لن يكون بين اميركا و "العراق" وانما كالعادة بين الكتل العراقية نفسها سباقاً على رضا الأمريكان الذين سيحصلون على كل مايريدون من كل كتلة!

اليوم قال بوش إثر لقائه ملك الأردن في البيت الأبيض "ننتظر من قادة الجانبين أن يتخذا قرارات صعبة". و المتابع البسيط للشرق الأوسط يعلم ان بوش يقصد بالقرارات الصعبة للجانبين تهيئة السياسيين الفلسطينيين لـ قرارات تنازل "سيصعب" إقناع شعبهم بها. ألا تكون نفس الترجمة لعبارات جماعتنا عن "مفاوضات شاقة" وان المشقة ستكون في ابلاغها للشعب العراقي لشدة ما تسببه من إحراج وخجل وفضائح؟
هذا التوقع ينسجم تماماً مع ما قاله نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي في المنامة حين دعا "الى أن يُعذر العراقيون في توقيعهم على بنود مثل هذه الاستراتيجية باعتبار ان وضعهم العام سيء."!
هل يوحي هذا الرأي بأن الرجل يجد في هذه المعاهدة او "الستراتيجية" كما اسماها طريقاً الى "السيادة الكاملة" كما تحاول الحكومة اقناعنا به، ام انه اعتذار وتبرير لنية التنازل المخجل عنها اضطرها اليه "وضعهم السيء"؟

لكن "العراقيون" لم يقوموا بما يخجل، وليسوا بحاجة الى احد لـ "يعذرهم" ولا اخر ليعتذر من اجلهم فهم لم يوقعوا شيئاً يا سيادة النائب، بل هو ما تحاولون فرضه عليهم حتى دون اطلاعهم عليه، واخفيتم مشروع البدء به حتى عن البرلمان لخوفكم انهم سيرفضونه وبقوة. هذا الخوف من كشف الأمور للناس جاء بصراحة تامة على لسان محمود عثمان الذي اعجبه تصرف الحكومة المخاتل في "إعلان النوايا" فاقترح ابعاد الشعب عن مناقشة المعاهدة قائلاً ان «طرح هذه الأمور على الإعلام قبل مناقشتها سيولّد خلافات بين الساسة العراقيين، وسيولد ثقافة الردّ والردّ الآخر»!
عثمان يدعو بصراحة الى سياسة الغرف المظلمة، ولا شك ان له اسبابه ولا تفسير لدينا سوى ان السيد عثمان موقن ان الشعب سيرفض المعاهدة ان اتيح له ذلك، وان النواب سيتأثرون برأي الشعب ويقف بعضهم معه كما يفترض بالديمقراطية، وهذا ما يخشاه السيد عثمان!

http://www.yanabeealiraq.com/news_folder/n05030828.htm (1)



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرصة الفلسطينيين للسلام الكريم تبدأ بحسم امرهم مع الفساد
- إبداعات مسرحية للرئاسة العراقية
- بالون ودبابيس
- معاهدة لاتجد ما يدافع عنها سوى الكذب- تآمر لشلّ ديمقراطية ال ...
- لست وفياً جداً لأصدقائي: قصة واقعية قصيرة
- دعوة للصدر لتجميد آخر
- وداعاً ايها التميمي الجميل
- بوش والمالكي: معاهدة من وراء شعبيهما
- لا تدعوا جريمة البرلمان العراقي العنصرية تغور في ذاكرة العرب ...
- فساد بغداد وفساد كردستان: 1- الإقليم يسطو على حقول نفط جيران ...
- أغنية الخوف
- حلبجة وغيرها...تحدثوا لنا ولا تتعبوا...نريد ان نعرف لغتكم..
- عندما تقود الخيوط الى الإتجاه غير المناسب لتفسير الإرهاب: مص ...
- لماذا كانت جريمة قتل مبدر الدليمي -شديدة الغرابة-؟
- الإتفاقية الأمريكية العراقية: وزير الخارجية وقضية لاتجد سوى ...
- مرة ثانية يبدأ التأريخ من جديد على الفلسطينيين وسيبقى يبدأ م ...
- الخلط بين مقاييس نجاح -التجربة- و -تطبيق النظرية- – مناقشات ...
- وثائق سرية:أميركا فكرت باحتلال حقول النفط عام 73، فكيف مع قو ...
- إعلان النوايا: العراق وقصة الفصل السابع
- تصميم مقترح لشعار وعلم العراق


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - كيف دافع المؤيدين الخجولين عن معاهدة مخجلة؟