أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فرات محسن الفراتي - الحضارة الإنسانية بين التحطيم والضياع (الحلقة الثانية)















المزيد.....

الحضارة الإنسانية بين التحطيم والضياع (الحلقة الثانية)


فرات محسن الفراتي

الحوار المتمدن-العدد: 2209 - 2008 / 3 / 3 - 11:01
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


عندما كنت طالباً في المرحلة الإعدادية (الصف الخامس الإعدادي ) على ما اذكر ، وفي أثناء امتحان نهاية العام الدراسي في احد المواد الدراسية قرأ الأستاذ (الأسئلة الامتحانية) وكان من جملتها عبارة (في حضارتي وادي النيل ووادي الرافدين) .. يبدو إن النرجسية الوطنية تحركت عند احد الطلبة فسأل الأستاذ متعجباً (لماذا تقدم الكتب الدراسية حضارة وادي النيل على حضارة وادي الرافدين على الرغم من إن كل الاكتشافات الأثرية أكدت قدم الثانية على الأولى بمئات السنين؟).. يبدو إن معلومات الأستاذ لم تسعفه أو حرارة الجو في القاعة المزدحمة بالطلبة بلا أي جهاز للتبريد قد زادت من حنقه فأكتفى بإجابة الطالب (لا دخل لك بما كتب بالسؤال ، عليك الإجابة فقط).
ومرت الأيام وانتهت الدراسة الإعدادية وبعدها الجامعية و هذا السؤال يمر بخاطري بل ويتشعب من مرحلة لأخرى فلم أقف عند المقارنة بين أسبقية الحضارتين العراقية والمصرية , بل اكتشفت إن الروايات الدينية (اليهودية ، المسيحية والإسلامية) تشير بشكل مباشر وغير مباشر إن هبوط البشر الأول (ادم و حواء) كان في ارض العراق و ليس هناك خلاف على إن تنور الخبز الذي أفاض الماء منه لتطوف الأرض في طوفانها الشهير يتوسط مسجد الكوفة المعظم في العراق .. وأمثلة لا تحصى من الحضارات والديانات والشعوب عاشت هنا وتركت تراثاً لطالما كان ملهماً للإنسانية جمعاء .. ولقرون عاشت بلاد مابين النهرين (ميزوبتاميا) نبراساً يستضيء منه البشر .. وفي ظل كل الاستعراضات التاريخية والمعلومات الأثرية .
لنتوقف عند نقطة هامة جدأً (بوجود كل هذا الرصيد الحضاري الكبير، لماذا كل هذا التجاهل والتهميش الحضاري؟)….
في مرحلة حكم البعث للعراق عرفت البلاد عرفاً جديداً في التعامل مع الحضارة والتراث وهو أسلوب (إنهاض ما يدعمنا وائتلاف ما يعارضنا) لعل النظرية بحاجة لبعض الشرح المبسط .. على المجال التاريخي يسجل التاريخ إن الملك البابلي (نبوخذنصر) قد سبى اليهود من أورشليم إلى بابل حدود 586 ق م ، ولما كان صدام يحاول كسب الاستعطاف العربي بشعاراته الزائفة والتميزية ضد اليهود فأستلهم من نبوخذنصر ذلك ولعل كثيرون يتذكرون شعار (مهرجان بابل الدولي) الفني سابقاً (من نبوخذنصر إلى صدام حسين بابل تنهض من جديد) ، وعلى الرغم من كل الاهتمام بنبوخذنصر إلا إن صدام تغاضى عن نهاية الملك المذكور لأنها لا تنسجم مع أطروحاته (حيث إن المدونات الدينية التاريخية تذكر إن الملك أصيب بالجنون في مرحلة من حياته واعتنق اليهودية في مراحله الأخيرة على يد النبي دانيال) ولكن هذه التفاصيل لا تروق صدام فلا ذكر لها .. وعلى الرغم من إن (الملك كورش) مؤسس الإمبراطورية الفارسية دخل بابل وضمها لمملكته وأنشئت على الأرض البابلية سلالة حكم ومرحلة حضارية (لا ذكر لها طبعاً) لان العراق خاض حرب مع الجارة إيران .. وحتى على مستوى التاريخ الحديث والمعاصر الحكومات العراقية تعمدت مراراً بالتسقيط والتشهير بالسياسي العراقي الكبير (نوري السعيد) الذي يعد بلا شك من انجح الساسة العراقيون والسبب هو إن الرجل كان يؤمن بربط العراق اقتصادياً وسياسياً بالغرب الليبرالي .. بينما حكومة البعث رفعت من شأن رجل أخر وصوروه بالوطني وابن الشعب وهو (الملك غازي) على الرغم من إن كل المصادر والوثائق التاريخية المدونة والمنقولة تؤكد إن غازي كان مثالاً سيئاً من النواحي الفكرية ، بل وحتى الأخلاقية كما ينقل معظم مؤرخي مرحلته التاريخية و لا يمتلك مدركات سياسية ناضجة .. لكن غازي فعل فعلاً يروق صدام وهو المطالبة بضم الكويت للعراق مما جعل صدام يعتبره رمزاً يستحق أن يزور التاريخ لأجله..
كما إن موضوع سرقات الآثار ، وعدم توفير المستلزمات الضرورية لإدامة التراث الحضاري و الحفاظ عليه ، و عدم إنشاء مراكز للأبحاث تهتم بالواقع الحضاري و التراثي للبلاد .. كل هذه المسببات عمقت من حجم الفجوة الفكرية للحضارة العراقية و ساهمت في ضياع الكثير من كنوزها الفكرية و المادية .
كل هذه الممارسات ساهمت في التضييق والتشويه على الهوية الحضارية للبلاد ، بل و تعدى ذلك التخريب المتعمد أو غير المتعمد للكثير من المواقع التاريخية الهامة .. من مواقع الحفريات ، حيث استعملت اثنان من أقدم كنائس العالم في شمال العراق كمخازن لسلاح الجيش في أواخر القرن الماضي ، وأغلقت و أهملت الكثير من المراقد الدينية والمعالم التاريخية للأسباب سياسية احياناً !!.
الممارسات الحكومية في العراق الحديث و المعاصر ساهمت وبشكل جذري من تهميش التراث الحضاري العراقي ، وعملت على التعاطي مع البلاد بشكل مغلق لا يرتقي للعالمية أضف لذلك تحطيمها لمعالم تاريخية مهمة .. مما أوصل البلاد لمرحلة من الجهل الحضاري وبمرحلة ضياع تاريخي مؤثر .
فهل تاريخ وتراث الشعوب والإنسانية هي من ممتلكات السلطات الحاكمة ؟ لعله أهم سؤال . وأسرعها حسماً للإجابة الدامغة ..
على الرغم من قناعتنا الراسخة إن الإرهاب يسعى لتدمير كل ما هو حضاري أو تراثي ، لكن ما هو دور الأنظمة السياسية في التعامل مع الحضارة و التراث ، من المهم التأكيد على إن الأنظمة السياسية الحاكمة عندما تتعامل مع الحضارة والتراث لابد أن يكون تعاملها لا بكونها مالكاً لهذا التراث أو إن هذا الإرث الحضاري هو ليس احد موارد جهازها الإداري .. إن الحضارة والتراث هو ارث لكل البشرية بلا شك يتشرف به من ينتمي لنفس السلالة البشرية أو البقعة الجغرافية ولكن أهم النقاط هو صون هذه الأمانة .
فعلى الرغم من إن أشهر أثار الإنسانية عراقية إلا أنها تعرض في متاحف أوربا ولما يثار التساؤل لما لا تعود للعراق أثاره ؟ يقال لك لان الحكومة غير مؤهلة للحفاظ عليها .. وللأسف الإجابة صحيحة .. فمتى نجد حكومة تحفظ حضاراتنا وتراثنا ، وتضعه في موقعه الصحيح بالواقع العالمي .. أليس من واجبنا أن نعيد مسلة حمورابي و باب بابل الشهير إلى بلادنا .. أليست هذه الثروات هي من تراثنا ، ثم لماذا الانحياز دائم في كتابة التاريخ ، أليس الواجب أن ينصف كل ما هو حقيقي .. فضياع جزء من التاريخ كسقوط حلقة من سلسلة طويلة ، وسقوط الحلقة يعني تحطم السلسلة بالتالي ضياعها .. فعلى الشعوب و الأنظمة الحاكمة أن تصون وترعى حضارتها و تراثها من التحطيم و الضياع ، بل تسعى لتطويره و نموه فهو مغذي فكري ودافع ايجابي خلاق نحو المستقبل ووارد اقتصادي ضخم يعزز اقتصاد البلاد .. واهم من كل ذلك يحفظ هوية البلاد .



#فرات_محسن_الفراتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو مصالحة سياسية عراقية الحلقة الثانية
- الحضارة الانسانية بين التحطيم والضياع
- نحو مصالحة سياسية عراقية
- كي يستفد العراق من تجربة لبنان
- المصالحة الوطنية اللبنانية في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف
- إلى لجنة الرياضة و الشباب .. ليست حقوق الرياضي فقط بل أنها ح ...
- دعوة إلى ساسة العراق ... لنضع الشماعات جانباً
- المصالحة اللبنانية .. وتدارس الاخفاقات
- عامان جديدان
- دعوات المصالحة بين الرواج و الطموح
- الأعمار ... عصا العراق السحرية
- المصالحة الوطنية في معيار التعدد الحزبي
- ثلوج بغداد ... نذير خير أم شر
- مستقبل العراق السياسي في ضوء سياسة المكانة


المزيد.....




- هل العودة لياسمين عبد العزيز ممكنة بعد الانفصال؟ أحمد العوضي ...
- شاهد ما يراه الطيارون أثناء مشاركة طائراتهم في العرض العسكري ...
- نتنياهو منتقدا بايدن: سنقف لوحدنا ونقاتل بأظافرنا إن اضطررنا ...
- البيت الأبيض: نساعد إسرائيل على ملاحقة يحيى السنوار
- أبرز ردود الفعل الإسرائيلية على تصريحات بايدن حول تعليق شحنا ...
- الخارجية الروسية تعلق على اعتراف رئيس الوزراء البولندي بوجود ...
- زيلينسكي: جيشنا يواجه -موقفا صعبا حقا- في المناطق الشرقية
- -حزب الله- يعرض مشاهد من عمليات عدة نفذها ضد الجيش الإسرائيل ...
- هل من داع للقلق في الدول العربية بعد سحب لقاح أسترازينيكا؟
- بنوك مودي في الهند تنفق 400 مليار دولار ليفوز بدورة ثالثة


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فرات محسن الفراتي - الحضارة الإنسانية بين التحطيم والضياع (الحلقة الثانية)