ثلوج بغداد ... نذير خير أم شر

فرات محسن الفراتي

الحوار المتمدن-العدد: 2161 - 2008 / 1 / 15 - 07:35
المحور: المجتمع المدني
    

الظواهر النادرة كثيراً ما يشغف بها الناس ويتحدثون حولها ويتندرون بذكرها ويبالغون احياناً أخرى حولها .. إلا إن هذه الظواهر النادرة عندما تحدث في مجتمعات تلهج بالإشكالات الاجتماعية و السياسية ، نجد الناس تتعامل مع أي ظاهرة غريبة منها كمدخل لولوج أمل جديد يتمنوه من خلال التفسيرات لهذه الظواهر على إنها مخرج .. وقد يفسرها آخرون من دعاة التشاؤم بأنها من نذر السوء والهلاك .
أجواء بغداد الحارة الجافة صيفاً ، والباردة شتاءاً .. يندر مشاهدة الثلوج بها .. ولم يخبرنا التاريخ عن تساقط الثلوج في بغداد إلا ما ندر .. وفي بحث متأني وجدت إن أخر تساقط للثلوج في بغداد حدث منذ اثنان و تسعين عاماً .. و تحديداً في الثاني و العشرين من كانون الثاني عام 1916 .
فقد ذكرت جريدة الزوراء البغدادية آنذاك في عددها الصادر في 26 رمضان 1334 هجرية إن الثلوج نزلت في بغداد في ظاهرة لم يعهدها الناس منذ مدة بعيدة ، وصاحبها برد شديد .. وقد استمر سقوط الثلوج أربعة ساعات متواصلة .. كما وقد تحدث الشيخ محمد الرضا الشبيبي في مذكراته وكان آنذاك يقطن في كربلاء إن الثلوج نزلت بكثافة على بغداد وكربلاء .. وقد خلفت بعض الوفيات في كربلاء من شدة البرد المصاحب لها .
ثلوج بغداد في العام 1916 ، كانت املآ للبعض لوصفها بأنها ظاهرة غريبة تنذر بالخلاص لشعب يسحق بين سندان العثمانيون و مطرقة الانكليز وهم يتصارعان حول بغداد في حرب عسكرية ضروس كانت ابتدأت منذ العام 1914 .. وكانت شؤماً وانتقاماً بنظر آخرين ، فهم يرون الحروب و الفيضانات التي اجتاحت البلاد في العام 1915 وألان ثلوج .. لقد اعتبره البعض هلاك قادم .
إذن فالواقع النفسي و الاجتماعي و الثقافي للإنسان قد يجره للتفسيرات التي تنسجم مع هواه أو وجهة نظره فالمتفائل متفائل و المتشائم متشائم والظاهرة هي الظاهرة .
بغداد وبعد اثنان وتسعين عاماً وفي الحادي عشر من كانون الثاني عام 2008 للميلاد شهدت نزول الثلوج مرة أخرى .. ففي الصبيحة الباكرة لذلك اليوم انخفضت درجات الحرارة في بغداد بشكل كبير صاحبها نزول الثلوج وبكثافة متباينة بين مناطق العاصمة المختلفة ولمدة ليست بالطويلة ، العراقيون تعاملوا مع الثلوج هذه المرة بنفس مختلف وبروحية يملؤها التفاؤل .. ولم يعكر سعادتهم بنزول الثلوج إلا برودة الأجواء المصاحبة لنزول الثلوج .
روحية التفاؤل التي رأيناها بوجوه العراقيون عند رؤيتهم ثلوج بغداد النادرة في هذه المرة يعطي وضوحاً جلياً للأمل الذي يعيشه العراقيون نحو تغير واقعهم .. فالبلاد التي عجت بالأحداث الدامية منذ مطلع القرن الجديد ، وبغداد التي شهدت أحلك الأوقات في المرحلة السابقة .. وجدت من سقوط الثلوج فرصة لغسل وجه العاصمة وجرف مآسيها مع ذوبان هذه الثلوج .. إننا شعب بحاجة إلى الأمل و التفاؤل لتحقيق التغيير المنشود .

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل