أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - أعواد ثقاب في ليل حالك















المزيد.....

أعواد ثقاب في ليل حالك


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2181 - 2008 / 2 / 4 - 12:09
المحور: الادب والفن
    


غريب عسقلاني - مقاربة نقدية
أعواد ثقاب في ليل حالك
قراءة في براءة الدهشة الأولى عند بشرى أبو شرار

بشرى أبو شرار امرأة معبأة بالوطن، بعيدة عنه بفعل أكثر من فاعل، قريبة منه قرب الرئتين من هواء الشهيق. تعاني الغربة على مدار الوقت وتحاول ما استطاعت القفز عن أشجانها إلى التوثب والحضور حتى لا تأخذها الغربة إلى الغياب. ذلك ما أرهصت به بداياتها الأدبية من خلال دفقات القصص القصيرة في مجموعاتها أنين المأسورين 2001 والقلادة 2002 وجبل النار 2003, وفي روايتها الأولى أعواد ثقاب 2003 تعود إلى طفولتها وصباها المبكر في الوطن، بين أهلها ورفاق أيامها, قبل أن تغادر وتأخذها الغربة في رحلة غير مقدرة للدراسة والعمل في المدن القريبة والبعيدة، ثم الزواج والأسرة لتحط بها الرحال على ذراع البحر في الإسكندرية, شنارة مهاجرة تبحث عن ملاذ. تتأمل رحلة النوارس البيضاء، عشق روحها الأزلي في مدينتها الأم غزة، حيث أيامها البيضاء هناك، تستعيد الحكايات وتفتح الجراح طازجة/ حارقة/ مؤلمة تؤكد اللحمة والتواصل، وتستشرف الرؤى, تتجاوز عسف الفقد والاستلاب فتأخذنا في مشوار العودة إلى الوطن بعد طول غياب والشعب الفلسطيني في أوج تجليات الانتفاضة في نهاية الثمانيات.
مزحومة بالصور تقلها سيارة تقطع الحدود بعد معاناة المعابر المعروفة. فتطالعها يافطة تشير إلى المحكمة العسكرية في رفح. فيحضر أبوها حاملاً ملفاته وأضابيره مدافعاً عن المعتقلين السياسيين، يحيط به ذويهم يعلقون عليه الآمال لعله يأتي بالبراءة المستحيلة, أو حكم مخفف هو بالبراءة أشبه, وكأن الكاتبة تؤكد أن المقاومة هي البداية والمنتهى فتمضي مع خفقات قلبها حتى تصبح وجهاً لوجه مع باب الدار.تعبرها الألفة وكأنها مازالت هناك لم تغادر المكان, ولم تحرر خصلات شعرها من شبراتها الجميلة.
" أقف بالباب أنا وحقيبتي التي خلتها غريبة عني وهي القادمة معي من البلاد البعيدة "
الاغتراب عن الحقائب, القطيعة مع السفر أمنية بعيدة وهي المرصودة للعسف والاضطهاد والملاحقة. فقبل أن يحضنها دفء المكان يسوطها صوت فظ يخبرها أن ساق ابنها قد كسرت. صوت خشن آت من البعيد، يعلقها بين حدين قاتلين, الحسرة على شوق لم يبدأ بعد، واللوعة على جزء منها في أمس الحاجة إليها. لا تملك غير العودة مع ظلها/حقيبتها قبل انبلاج الفجر تتلحف بكوفية مرقطة تقيها برد الطريق، لا تمد يدها إلى وجبة السمك التي حضرته أمها عشاء أو غداء يذكرنا بالعشاء الأخير للسيد المسيح، قبل صعوده إلى صليبه وكأني ببشرى أبو شرار قد أجلت العشاء الأخير لتقطع طريق الآلام يفقأ عين قلبها رغبة ابنها في التخلص من أبيه:
- أمي متى يرحل أبي لقد تعبت منه كثيراً..
الرعب/القتل ما سمعت ابنها ينفي أباه، وهي المعبأة بأبيها لدرجة الفيض وهي التي طالما اختنقت بدموعها من مجرد التفكير في غيابه، يركبها جنون العودة إلى الدار تقاتل خاطراً أسود حول الغياب.خاصة بعد رحيل بعض مجايليه من الجيران والمعارف..
الكاتبة في الرواية تعود إلى حكاياتها بوعي طفلة شفافة، مبهورة بما ترى وما تسمع، مملوءة بأشواق الحياة، تبحث في العادي اليومي عن وشائجها الأولى بين الأهل والجيران وأصدقاء الجيرة والمدرسة، والمطارح التي درجت عليها وتركت آثار قدميها فيها, وسيلتها أعواد ثقاب رهيفة تضيء فضاء صغير يسبح في العتمة, والحكايات تنداح محطات تملك مواصفات القصة القصيرة وتشي بسيولة ومرونة العبور إلى عين الهدف تتجاور الحكايات فصولاً في الأزمنة والأمكنة حول خط ناظم محمول على سيرة ذاتية تقدم يومياتها دون رتوش، تشكل نموذجاً طازجاً حارقاً لمعاناة الإنسان الفلسطيني، وتؤكد بما لا يقبل الجدل صعوبة الانفصام بين الذاتي والجمعي عندما يتعلق الأمر بالوطن والهوية,. يتجلى ذلك مع لغة عفوية شفافة بريئة براءة الدهشة، مضمخة بثراء عاطفي يلّون القص بنبض إنساني رائق يتشرب الأبيض بكامل البهاء، ويطرد الأسود بكل جفاء، يتعذب في الرمادي التباسً يسكن الغموض، يشوه المشهد ويلونه بالقتامة تحت نير الاحتلال الذي يغتال كل يوم نوارة الذكريات قبل الميلاد فأين يكون الملاذ..
***
الأب ملاذها.يفاجئها بالحكايات تارة، بالحب العميق الصامت دوماً، يتألق حضوراً عندما يصطحبها مشياً على رمل الشاطئ. حافيان يتسرب ماء الموج تحت قدميهما.حيث يأتيه الكلام وحيث تستمع إليه بشغف, وفي البيت تأخذ مكانها تحت شباك غرفة الضيوف، تلتقط الحكايات عن معارك القسطل وصحبته لعبد القادر الحسيني، وصداقته الحميمة مع محمود رياض، يحدث ضيوفه في كل مرة عن رفيق كفاحه الأسطوري إبراهيم أبو ديه. يسكنها ذلك البطل، تفتش عنه عندما تصبح امرأة، وتأخذ بعضاً من سيرته عن أختها لأبيها يسري المقيمة في القاهرة. فهو الذي باع أرضه ومصاغ زوجته واشترى سلاحاً, جسده المطرز بالإصابات وكيف كانت يسرى وجدتها لأبيها تنزع الرصاص من لحمه, وكيف هرّبت زوجته معزوزة السلاح عندما حاصر جنود الاحتلال البلدة, وكيف شاركت يسرى وماجد في تنظيف المدفع بالكيروسين لإزالة ما علق به من صدأ. فالأب الصامت نبع الحكايات كان يعمل ضابط إشارة مع الثوار، يفك رموز الإشارات ويعرف زمان ومكان المعارك ما جعل إبراهيم أبو دية يفاجئ الأعداء في معظم الحالات.
هذا الأب مثل جبل الخليل الذي انبثق منه، عاش يعذبه الشوق كلما وقعت عينه على الفلاحات بثيابهن المطرزة, فهو العاشق المقاتل الذي ثار على ضم الضفة الغربية إلى شرق الأردن, فطورد وطرد منها إلى مصر ثم إلى غزة لاجئاً إلى الوطن يعاني خذلاناً مزدوجاً، تاركاً خلفه زوجة صابرة وأولاداً صاروا رجالاً، وبنات أصبحن نساء بالغات, يلحق به إلى غزة ماجد ويسرى ولكنهما سرعان ما يذهبا لملاحقة طموحات الحياة..أي حكايات تسمع وعند أي الأحداث تتوقف، وصغيرها يلوذ في حضنها، يأنس لدقاته ويتمنى غياب
أباه
***
والراوية طفلة كبرت مع الحكاية, ورأت كيف يلوذ الأب الصامت بحضن أمها شريفة، وشريفة شابة متفتحة مثل وردة الصباح، واثقة متباهية على دلال بأنوثتها، شامخة بزوجها "رغم فارق العمر" بذرت في بيته سبع بنات. شنارات جميلات ملأن الدار زقزقة وانتظاراً لقدوم الصبي سندها وبناتها في قوادم الأيام, وشريفة معبأة بالعادات والمواريث تنهل من فيض كتب وروايات تركها ماجد. تقف طويلاً عند العجوز والبحر لارنست همنجواي، وتحتفظ في حجرة نومها بصورة مبروّزة له، ما كان يثير امتعاض الزوج من ذلك الكاتب المغامر.فهل أدرك إصرارها على بناء بيت صيفي يواجه البحر على قطعة أرض ورثتها عن أبيها. وكيف تصدت بلحمها الأبيض الحار لجرافات الاحتلال عندما هدموه. يومها أخذها من بين أنياب الهدم، صفعها على صدغها وحملها على صدره، وعاد بها إلى الدار قلبها يدق على قلبه يتوحدان في قرار المواجهة كل على طريقته، يعود هو إلى ساحات المحاكم يدافع عن المعتقلين، فيما تعود هي إلى عاداتها تطبخ عنب الدالية دبساً ومربي، وتشرف على ترتيب حجرة التخزين بما جادت به الأرض من زيت وزيتون وبقول ودقيق وقمح, وبطنها البستان عامر تتربع عند القدر الموضوع على نار الحطب، تحدت بناتها عن عادات الوحام أثناء الحمل، كيف توحمت على دخان الحطب الصادر عن مواقد مضارب البدو الذين حطوا في الجوار, وكيف قرشت الحصى في حمل آخر, تضحك حتى يسيل لعابها من زاوية فمها عندما تتحدث عن اختلاف القابلتين على من تولدها. حتى إذا جاء المولود بنتاً فُض الخلاف، وانسحبتا بصمت خجول. أما بشرى فقد جاءت على يدي القابلة السوداء أم سرور التي خففت حرج الموقف بالمزاح:
- بنت سمراء خرطت صبغة يدي عليها. ما العمل؟!
والصبي لم يأت بعد. يشتد المخاض، ويتصادف مجيء أم حسن، ما جعل شريفة تتطير من مقدمها نذيراً بمجيء بنت أخرى، وتركب عنادها وتذهب إلى المستشفى المعمداني, فيأتي الصبي على يد الطبيب مور، وتسميه بشرى عمر على اسم صديقها في المدرسة عمر المقعد على كرسي متحرك، ابن الضابط المصري الذي غادر مع أهله قبل الحرب
عمر يغيب..عمر يأتي وتتغير العادات في الدار.
لكنها الحرب تأتي، بالاحتلال والشنارة بشرى طيرت ريشها واكتحلت عيناها ببياض وسواد. صارت صبية شقية تضج بما يسكن فيها من أسئلة.تلوذ بابيها فهو من يقرأ رفة قلبها دون عناء.
***
مثل صرخة جائع دخل طقس الاحتضار
مثل رفة قلب دخل إلى الصمت.
سقطت غزة في الحرب. صار الاحتلال، طارت في الشوارع لغة عرجاء تعلن عن منع التجول في الأزقة والطرقات. التجول موت تصدره بنادق من كسب الحرب,يطلع الصبح كسيف، لم تذهب البنات إلى مدرسة القاهرة، لم يلوحن مع معلمتهن للجنود في ساحة التدريب، يرسلن مع الصبح تحيات الانتصار. الشنارات تركن فراشهن إلى حديقة الدار، يجمعن ما تناثر من شظايا القصف، ورؤوس مقذوفات نحاس حمصه البارود فيما الأب يقطع وقته وجعاً، يدق على سيقان حديد فوق صدر السندان، يمدد الأسياخ على العريشة تتسلق عليها الدالية، تتدلى من الفرجات عناقيد العنب. هل ترضع الدالية ماء هذا الصيف هل ينضج حصرمها الأخضر عنب بطعم المانجو، حبيبات حمراء مثل حلمات صبايا يتفجرن شهوة..عنب بطعم المانجو..سره سر الرجل الذي عشق الصمت. وصام على أسرار الأصول. يحضن شناراته والصيف حارق..تقف الدمعة عند عين القلب, الصبي نام على صدر شريفة يرضع بعد جوع هل شبع الرضيع.والأب بعد مرور الوقت تحت نير الاحتلال يصدر أمراً بعودة البنات إلى المدرسة على عكس ما قرر صديقه بتحريم التعليم تحت سقف اليهود.
في المدرسة كتبت المعلمة حكمة اليوم من أعماق كمال ناصر.
يا فلسطين لا تراعي ففينا همة تصفع الزمان القاهر
يومها لم تمتد يد بشرى وباقي التلميذات إلى هدايا الملبس التي جلبها مسئول التعليم اليهودي أبراهام. ويومها شقت الحناجر الصغيرة أجواز الفضاء.
أعلناها عل المكشوف يهودي ما بدنا نشوف
للمدرسة في الاحتلال مهام أخرى، وللجنود مهمة قتل العصافير ومداهمة البيوت والمحلات والمدارس. والسخرية من معلمهم القعيد على كرسيه محمد عدوان أخو الشهيد كمال عدوان. قائد الجنود يستفزه.
- أنت مازلت هنا!؟
كمن يذكره باغتيال البطل لكنها الحناجر الطفلة تستدعي مارش الوداع.
يا كمال يا عدوان علمنا حب الأوطان.
وكمال عدوان رفيق ماجد، وصديق دربه، قضى شهيداً، وماجد غادر البيت قبل أن ترى بشرى النور, صارت صبية ولم تره بعد.
***
الفصول تصطف في الرواية. تتجاور، تشرئب للضوء طامحة للحياة، والخال سعيد يحمل البنات في صندوق على كرسي دراجته يغوص في الرمل باتجاه البيت " يشق الرمال فيترك خطاً فاصلاً غائراً.ننظر إليه ونمني النفس بان نعود يوماً لبيت جدتي ونمشي وراء الخط المحفور في الرمال فنصل إليها دون دليل ".
جدتها أخذتها إلى المجبر فعاد كتفها المخلوع إلى مكانه, وعادت يدها المشلولة إلى الحركة. في غمضة عين حدث ذلك وهي مبهورة وما زالت من يد رجل فعله اقرب إلى السحر, وجَِّدتها تسافر إلى عمان خلف الخال كاظم الذي غاب بعد الحرب تاركاً زوجته فايزه حاملاً تضع طفلتها ابتسام في غيابه, وعندما يعود تكون ابتسام قد رحلت بفعل استعمال خاطيء لمبيد قتل القمل، وكذلك فايزه التي قررت اللحاق بالطفلة فغاب عقلها وبصرها. ولم يتبقى لكاظم غير ورشته ومخرطته وهوايته في تصنيع السلاح.
الحكايات تقفز على صفحات الرواية بدون تخطيط مسبق، من صانع الفخار خلف دولابه وعتمة المكان في حارة الفواخير، إلى تغير العادات في يوم العيد حيث يذهب الأب بصحبة الشيخ عواد إلى السجون حاملين التهاني والحلويات لمن يعيشوا خلف القضبان دفاعاًُ عنا, وبشرى تطلق قنفذها من درج الخزانة إلى فضاء الحديقة يسعى كما يريد. وحكاية الجارة أم العبد ذات الفستان الأزرق الجميل وأحمر الشفاه الشهي التي انقطعت خطواتها عن زيارة الدار وجلسات الضيافة بعد اغتيال زوجها الذي عاد للعمل مع الشرطة في زمن الاحتلال. والرجل الذي غسله وكفنه يقدم الاعتذار عن فعل مشروع.
- لا حول ولا قوة إلا بالله. لقد تم الغسل. أعانني الله عليه لأجل الثواب.
***
انه زمن عجيب، يتوحد فيه الوطن تحت ظل الاحتلال، مفارقة سوداء. والطريق من غزة إلى رأس الخليل ساعة أو بضع الساعة لكنها تزيد لضرورات الحواجز وفي الطريق يرقص الماء سراباً على سواد الإسفلت، يفضي وهم وحقيقة لا ماء في الصحراء. الماء عند بطن البئر في راس الجبل. تقطع السيارة، درباً إثر درب يسحبها صوت تردد :
- اخويا محمد
إنها عمتها ممشوقة عيناها مطعمتان بخضرة الجبال، ترتدي العراقية (طاقية) مغزولة من صوف الماعز، بألوان حمراء وسوداء، متداخلة، رصت على جوانبها جنيهات ذهبية تبدأ من الحواف مدلاة، جنيهات كبيرة تنتهي على شكل هرم، من أنصاف وأرباع الجنيهات، يتدلى من جانبيها خيوط سميكة مغزولة، تشدها لتعقدها أسفل دفتها، تنتهي بجنيه كتب عليه بالكوفية (قسطنطينية) والعمة إذا خلعت العراقية يصيبها وجع الرأس وتدرك الراوية بشرى عشق الأب لثياب الفلاحات، وهيامه بالمطرزات على حوافها.
وها هي في الجبل ترافق ابنة عمتها إلى البئر، تنصت لكركعة الدلو في القاع العميق، وتعرف معنى أن تغطي أم ياسر ذهبيات عراقيتها بقماشة سوداء، حداداً على غياب ابنها ياسر. تأخذها المرأة الثكلى إلى حضنها تحدق فيها تسترجع نبض الفروع من الأصول.
الراوية امرأة صغيرة تقفز مع ابنة عمتها في دروب الجبل، تحفظ خاصرة السفح، وتنظر للوادي العميق، يأخذها الخشوع كما يأخذها الولع، مع نار الطوابين، والخبز على الحصى، وكركعة الدلاء في قاع البئر.وخطواتها على الصخر, ونظرة طلت من عين العجوز الثكلى ربطت الفروع بالأصول خضتها هتفت أم ياسر:
- العيون شرارية عاد محمد وسيعود الخير معه.
أبوها الصامت فأل خير عاد.
وفي دار العمة عادت القناديل المدلاة من السقف مثل عناقيد الدالية. ترضع الوهج من زيت عتيق. تومض الحكايات.يحضر من غابوا ومن رحلوا.تقف السيرة خشوعاً عند مبروك المغارة ابن الحاجة غصون الذي، يظهر مع سقوط الثلج عارياً مثل الحقيقة...تحدثوا عن ليلة قارصة انكسر فيها القمر، ناح المبروك نواحاً موجعاً واختفى في بطن الجبل فأخذت الرجفة الناس على فأل سيئ..
في الصباح حملت الأخبار نعي جمال عبد الناصر.
هل رأى المبروك وجه عبد الناصر وبكي مثلما فعلت أنديرا غاندي يوم أخذها سحر عينيه فأجهشت بالبكاء.
قال الذين تحدثوا في تلك الليلة انكسر القمر ومضى شاحباً نحو الخسوف.
***
صارت الطفلة في الحكاية امرأة تعي معنى الغياب والحضور,أختها أسماء تعاني الموت في أمريكا، مثل قمر في الخسوف، تحضر منها سيرة طالبة مثالية تعشق العلم، وأنثى تضج بشهوات الحياة، عشقها لسحر الفساتين مع الأساور، ودندشات الغجريات الراغبات, أسماء مثل قوس قزح يأكلها المرض، تزحف نحو الموت، تصرخ جسدي هنا من يحمله. والراوية يأكلها الحنين إلى رغوة الصابون في الحمام على مرمر لحم أختها الفائزة بالحياة فيما أخوها مقذوف خارج بوابة السفارة مرفوض فلا تأشيرة تأخذها إليها.
انه زمن الغياب.
ماجد يتشظى، تنثر لحمه المتفجرة غيلة.
ماجد يحضر من جديد، يتسلل في مسامات الوقت، مقالاً في مجلة الدوحة تصدر على ارض خليج العرب.تصدح بعنوان جليل:
ماجد أبو شرار أنشودة العزم والتحرير
يخبر المانشيت عن قصة كتبها الراحل ولم تنشر بعنوان الرحيل, فهل تبدأ القصة من الفصل الأخير, وهل تصطف الفصول مرة أخرى عند رحيل الأب محمد أبو شرار, مصطحباً معه في ذات اليوم المهندس الشهيد يحيى عياش ليعانقا الأصيل إبراهيم أبو دية.
وأنا الذي قرأ الرواية فتشت ما بين السطور لاح لي المبروك عند باب المغارة.وجهه مثل تمثال تيبس عند شهقة الموت. رأيت الثلج أسود حط على قلبه جمد فيه الصراخ.أني سمعت المبروك المأخوذ إلى الصمت يصيح:
لم يعد يجدي النواح.. لم يعد يجدي النواح.
وبعد:
وعلى مساحات ضوء صغيرة حول الأعواد الهشة المشعلة، يرى القارئ وجوهاً تقدم نفسها بعفوية وبدون استعداد مسبق. لا تتخفى وراء جهامة مفتعلة، أو سعادة غائبة. تأتي بلحمها وعظمها ودمها وعذاباتها الصغيرة والكبيرة، تأخذ مكانها في مرايا الأمكنة حاضرة في أزمنة تأخذ الماضي من الحاضر. تاركة فضاءً للتأمل والمشاركة. وهذا في تقديري من أهم عوامل نجاح العمل الأدبي. وهذا ما فعلته الروائية الواعدة بشرى أبو شرار التي تشرنقت في أردية سيرتها الذاتية فانطلقت فراشة عفيّة قادرة على الطيران.



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفشالومي الجميل
- حكايات الغربة -2 -
- حكايات الغربة -1 -
- حكايات في واقع الحال -3 -
- حكايات في واقع الحال - 2 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة -10 -
- حكايات في واقع الحال - 1 -
- بيضاء مثل القمر - قصة قصيرة
- أجندة غزة وشطب الذاكرة - 9
- حكايات عن واقع الحال
- أجندة غزة وشط الذاكرة - 8 -
- غزة وشطب الذاكرة -7 -
- البلياردو
- غزة وشطب الذاكرة -6 -
- الطبيب والزائر الغريب
- غزة وشطب الذاكرة - 5 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة- 4-
- أجندة غزة وشطب الذاكرة-3 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة -2 -
- أجندو غزة وشطب الذاكرة


المزيد.....




- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...
- فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي ...
- انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة  68 Yal? Capk? ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - أعواد ثقاب في ليل حالك