سعد محمد رحيم
الحوار المتمدن-العدد: 2146 - 2007 / 12 / 31 - 10:57
المحور:
المجتمع المدني
مع دخولك مرحلة الكهولة تجد صحيفة حياتك محتشدة بأحلام ومشاريع كثيرة راودتك في أزمنة سابقة ولم تتحقق. وحين تراجعها تستطيع أن تحدد الخلاصة، لا بما صنعت يداك وحسب، وإنما بما لم تصنع أيضاً.. بما ذهب أدراج الرياح، وبما ظلَّ في نطاق التأملات الشاردة وأحلام اليقظة ليس إلاّ.. يمكن أن تجلس وتستعيد صور أشياء لا تحصى رغبت بشدة بالحصول عليها وإنجازها وأخفقت أو خذلك الحظ أو الظرف أو الهمّة أو القدرة. أو لأن تلك الأشياء كانت بعيدة المنال في الأصل، ومن العسير الوصول إليها.
في رأس كل منّا أحلام ومشاريع. ومنذ فترة مبكرة من أعمارنا نبدأ نأمل ونخطط للآتي. نحوز على بعض ما نرغب فيه فيما تندثر مساحات واسعة من أحلامنا وتتلاشى بمرور السنين. حتى إذا عبرنا منتصف العمر استذكرنا أحلامنا تلك وغمرتنا الحسرة والأسف.. نندم على فرص ضائعة لم نستغلها، ونتأسى على خطوات قمنا بها ولم نكملها أو لم تكن مجدية.. وكل سنة تنقضي تغدو مناسبة لاستعادة أحلامنا ومشاريعنا المؤجلة.. المؤجلة أحياناً إلى الأبد.
بعض تلكم الأحلام والمشاريع قد تكون غاية في البساطة، ومتاحة لملايين البشر في أمكنة أخرى من العالم غير أنها بالنسبة لنا تقرب من المستحيل، الآن على الأقل. فلي صديق، في سبيل المثال، يتلخص حلم عمره، وهو المقيد بزوجة وأولاد وعسر الحال، في أن يجلس إلى نوافذ قطارات تعبر سهوب روسيا ومدن وأرياف أوروبا أو اليابان أو مصر أو تونس والمغرب، الخ الخ، ويتأمل.. يا لبطره!!.
وكل شخص مع انقضاء سنة وبدء أخرى جديدة، لابد أن يستحضر بمزيج من الندم أو الحسرة أو الأسى أو الأسف صورة امرأة انسلت من دائرة اهتمامه ورغباته على حين غفلة فخسرها. أو خارطة بيت لم يسعفه وضعه المالي في بنائه. أو شهادة جامعية لم يساعده ظرفه في الفوز بها. أو كتاب سعى لكتابته وأعاقه ألف عائق.. هذا من غير أن نتحدث عن أحلام الرفاهية والثراء.
أما فيما يتعلق بأحلام الإنسان العراقي، اليوم، فلا شك أنها بريئة يا ناس وبسيطة وصغيرة؛ أنْ يعيش ما تبقى من عمره في سلام.. أن يحظى ولو لبضعة أعوام بحياة آمنة تماماً بعيدة عن لغة الحرب والدم والقتل والخراب.، ومرفهة نسبياً.. أن يعثر على فرصة عمل لائق يتناسب مع خبراته وإمكاناته.. أن يمشي في شوارع نظيفة في مدن تتوفر فيها خدمات الماء والكهرباء والاتصالات بشكل جيد.. أن يزور أصدقاءه ومعارفه في أية محافظة أو مدينة عراقية من غير أن تستوقفه سيطرات ميليشيات الطوائف.. أن يسافر ويعبر حدود الدول والقارات من دون أن يُلاحق بنظرات الشك والخشية، وأن يُعامل بمودة وكرامة في عواصم البلدان الشقيقة!!. وأخيراً أن يفتخر بأنه ينتمي لدولة قانون ومؤسسات حرة ومستقلة، يعد فيها مواطناً من الدرجة الأولى مهما كانت طائفته، أو دينه ومذهبه،أو عرقه وعشيرته، أو منطقته، الخ، الخ...
#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟